فاعتبروا يا أولي الأبصار

كتبلي أحد التائبين قصة توبته ورجوعه إلى الله بعد ضياع ومعناة استمرت سنوات .. قال في سطوره وفي رسالته : لا أدري كيف أبدأ وكيف أعبر عن قصة الرجوع .. أنا شاب أبلغ اليوم من العمر ستة وعشرين عاماً .. أنا أكبر أخوتيوأسرتي فقيرة جداً .. أما أصحابي فلا يصلون ولا يصومون .. حياتنا بكلصراحة سهر وخمر ومخدرات .. سبع سنوات على هذه الحال حتى مللنا من هذاالضياع فبدأنا بطريق آخر من.. وبدأنا رحلة جديدة من رحلات الغفلة .. اقترحأحدنا أن نسافر لبلاد الكفار بحثاً عن المتعة والتغيير .. ففعلنا وليتنالم نفعل .. هناك تعلمنا فنون الزنا والخنا والنصب والاحتيال .. كنا نمكثفي سفراتنا أشهراً طوال .. فإذا نفذت أموالنا اتصلنا على أهلنا ونحن فيسكر شديد نطلب منهم أن يمدوننا بالمال حتى نستطيع الرجوع .. فإذا وصلالمال مددنا فترة البقاء .. وهكذا في كل مرة كان أحدنا يتصل على أهلهللكذب والاحتيال .. في مرة من المرات استأجرنا سيارة وذهبنا إلى أحد نواديالضياع حيث الخمر والموسيقا والرقص كالأنعام.. بل حياة الأنعام أفضل منهذه الحياة .. بينما نحن جلوس نتبادل الحديث ونتبادل كؤوس الخمر إذ قالأحد أصحابنا سوف أذهب إلى مكان قريب وأرجع إليكم بسرعة .. فذهب وكان فيحالة سكر شديد .. مضت الساعات ولم يرجع فخرجنا نبحث عنه وبعد بحث وجدناهوقد سقط وهوى بسيارته من مكان مرتفع ومات على أشنع حال .. بكينا وحزنا علىموته ورجعنا إلى ديارنا محملين بالأحزان .. فما مضى شهران حتى عدنا إلى ماكنا عليه .. ياالله كم هي قاسية قلوبنا .. لم أكن أملك مالاً ولا دخلاًشهرياً بل كنت أنصب واحتال وتحمل أهلي بسبب ذلك ديوناً كثيرة بل كنت أقترضوأتحمل مصاريف السفر مع الأصحاب وأتحملها عنهم مع أنهم كانوا أكثر منيمالاً وأحسن حالاً وكنت أظن أن هذا من الكرم والجود على الأصحاب والخلان .. تراكمت الديون علي وساءت الأحوال وبدأ يتخلى عني الأصحاب .. أي أصحابهؤلاء .. أصبحوا يسافرون ولا يخبروني بسفرهم وأنا الذي تحملت الديون منأجلهم .. اكتشفت حينها أنهم أصحاب مصلحة وضياع .. قلت أنا : اكتشافمتأخر..اكتشاف متأخر .. فصاحبت غيرهم ولم يكونوا بأحسن حال منهم .. صاحبتغيرهم ولم يكونوا بأحسن منهم حالاً ..جمعت أموالاً وسافرت أنا وإياهم معابن عم لي مع مجموعة من الأصحاب إلى بلد آسيوي مشهور بالمجون وفسادالأخلاق .. بعد يومين من وصولنا قال ابن عمي أنه سوف يرجع ، فلما سألته عنالسبب قال : لقد رأيت في المنام أن الناس في هذه البلاد يحترقون .. رأيتفي المنام أن الناس في هذه البلاد يحترقون وقد اشتعلت بهم النيران وأتانيرجل شديد البياض ... قال ارجع قبل أن تحترق معهم .. ارجع قبل أن تحترقمعهم .. فرجع ابن عمي ورجعت معه .. فمكثت في البيت بلا مال وبلا أصحابوأصابني من الهم والحزن والضيق ما الله به عليم .. في يوم من الأيام حانتساعة الانتقال .. في يوم من الأيام جاءتني أمي باكية وكلمتني وقالت : لماذا لا تصلي ! لماذا لا ترجع إلى الله ! وأعطتني شريطاً وأقسمت علي أنأسمعه ثم ذهبت وتركتني .. فبدأت أسمع الشريط فأحسست أني أنا المخاطب..كانالشريط يتكلم عن اللذين يغرقون في الذنوب والمعاصي .. كان الشريط يتكلم عنأثر الصحبة في الإستقامة وأثرهم في الضياع ..أخذت أبكي وأبكي وأبكي فقررتالتوبة ومراجعة الحسابات.. يقول : هاأنذا أكتب لك الرسالة وأنا أبكي بكاءً شديداً وأمي جالسة عندي تبكي معيوتدعو لك بالثبات .. وتدعو لك بالثبات حتى الممات وهي فرحة جداً بتوبتي .. يا شيخ إن قصتي أكبر وأعظم من هذا ولكني ذكرتها لك باختصار .. أما منأخباري الجديدة منذ أن بدأت الحياة الجديدة حياة التوبة والإستقامة فأناانتقل من خير إلى خير، ومن نور إلى نور .. لقد حصلت على وظيفة وأنا الذيكنت عاطلاً لسنوات بل لست أملك شهادة كما يملك الغير ولكنه فضل الله يؤتيهمن يشاء وأزيدك خبراً من الأخبار ستفرح لي عندما أخبرك به .. فزيادة علىوظيفتي أنا الآن مؤذن في بيت من بيوت الله.. أنا الآن مؤذن في بيت من بيوتالله..أصدح بالأذان وأردد في اليوم مرات ومرات الله أكبر ..ولا إله إلاالله.. فادعو لي في الثبات وإني والله لأدعو لأصحاب الماضي بالهدايةوالصلاح وأتمنى أن يعتبر بقصتي أولو الأبصار ..
أحبتي ..أخيتي ..إنالذنوب والمعاصي باب كلنا ولجناه..وبحر كلنا سبحنا فيه.. ولا ينجو من ذلكإلا المعصومون ممن اصطفاهم الله واجتباهم من الأنبياء والرسل .. أما أناوأنت وأنتِ فكلنا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : " كل ابن آدم خطاءوخير الخطائين التوابون " وقال بأبي هو وأمي: " لو لم تذنبوا لذهب اللهبكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون فيغفر لهم " رواه مسلم .. فالوبالوالهلاك هو الاستمرار على المعصية التي زينتها النفوس الضعيفة والشياطينالخبيثة .. قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله : يا أيها الناس من ألمّ بذنبفليستغفر الله وليتب ، فإن عاد فليستغفر الله وليتب ، فإن عاد فليستغفرالله وليتب ، فإنما هي خطايا مطوقة في أعناق الرجال ، وإن الهلاك كلالهلاك في الإصرار عليها ..
أخي .. أخية .. لا بد من الندم والبكاءبسبب المعصية والإقلاع عنها في الحال فالرجوع إلى الحق خير من التمادي فيالباطل .. ولن تطيب الحياة إلا بالعودة إلى الله والتمسك بالدين .. كثيرهم المترددون .. كثير هم الذين يقولون ذنوبنا كثيرة .. معاصينا غزيرة فهليغفر الله لنا .. أقول نعم وبأعلى الصوت يغفر الله لكم إن تبتم وندمتمورجعتم .. بل ويفرح سبحانه بتوبتكم وعودتكم .. بل يحب التوابين ويحبالمتطهرين .. تأمل وتأملي معي في هذه الآيات وهذه الكلمات النبويات .. قالالله : ( ورحمتي وسعت كل شيء )فالرحمة واسعة ..ونحن لا شيء وهو أرحمالراحمين .. تتدبر وتتبري وتأملي وتأملي في قول الرحمن الرحيم : ( إن اللهيغفر الذنوب جميعاً ) .. نعم..يغفر الذنوب جميعاً ..بل من كرمه ومنه وجودهيبدل السيئات إلى حسنات ..قال سعيد بن المسيب في قوله تعالى : ( فإنه كانللأوابين غفوراً ) قال هو الرجل يذنب الذنب ثم يتوب .. ثم يذنب الذنب ثميتوب .. فالباب مفتوح .. فالباب مفتوح ..ويداه سبحانه مبسوطتان بالليلوالنهار ليتوب مسيء الليل ويتوب مسيء النهار ..
قال الفضيل : قال الله : بشر المذنبين ..بشر المذنبين بأنهم إن تابوا قبلت منهم .. وحذر الصديقين إني إن وضعت عليهم عدلي عذبتهم ..
قالصلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي الصحيح :" إن الله قال : من علم أنيذو قدرة على مغفرة الذنوب غفرت له ولا أبالي .. من علم أني ذو قدرة علىمغفرة الذنوب غفرت له على ما كان منه ولا أبالي ما لم يشرك بي شيئاً "..
واعلمرعاك الله واعلمي بارك الله فيك ..أن نبي الهدى والرحمة قال : "التائب منالذنب كمن لا ذنب له" فلنسارع بارك الله في الجميع إلى التوبة والندموالرجوع إلى الله .. سارعوا بارك الله فيكم قبل أن نصيح بأعلى الصوت : رباه ارجعون .. رباه ارجعون .. فلا يستجاب لنا .. لكن الباب مفتوح ورحمةالرحمن واسعة .. بل أبشر أيها التائب وأبشري أيتها التائبة بهذه الآياتالعظيمة التي تستغفر الملائكة فيها للتائبين .. قال الله : ( الذين يحملونالعرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ربناوسعت كل شيء رحمة وعلماً فاغفر للذين تابوا .. فاغفر للذين تابوا واتبعواسبيلك وقهم عذاب الجحيم ، ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح منآبائهم وأزواجهم وذرياتهم إنك أنت العزيز الحكيم وقهم السيئات ..وقهمالسيئات ومن تق السيئات يومئذ فقد رحمته وذلك هو الفوز العظيم .. وذلك هوالفوز العظيم ) فالبدار البدار والمسارعة المسارعة فإن حياة النفوس فيالسمو ونجاتها في العلو ..
الله الله بالتوبة والإنابة ..
الله الله في الثبات حتى الممات ..
الله الله في الصدق في التوبة مع الله ..
الله الله في الصدق في التوبة مع الاستقامة ..
واعلمأن باب الاستقامة هو المحراب .. اعلم أن باب الاستقامة هو المحراب .. فالخير كل الخير في ارتياد المساجد .. وزاد المساجد هو خير زاد للإنطلاق ( في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها في الغدو والآصالرجال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاءالزكاة يخافون يوماً تتقلب في فيه القلوب والأبصار ) فما جزاء خوفهم ( ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله والله يرزق من يشاء بغير حساب ) ..عمارة المساجد من الإيمان كما قال الله : ( إنما يعمر مساجد الله منآمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسىأولئك أن يكونوا من المهتدين ) , وقال صلى الله عليه وسلم : " من غدا إلىالمسجد أو راح بنى الله له نزلاً في الجنة كلما غدا او راح .. وأحب البقاعإلى الله المساجد وأبغضها إلى الله الأسواق".
قال الحسن بن علي رضيالله عنها : من أدام الذهاب إلى المسجد أصاب ثماني خصال : آيةً محكمة ،وأخاً مستفاداً، وعلماً مستظرفاً ،ورحمةً منتظرةً ،وكلمةً تدله على هدى،أو تردعه عن ردى ،وترك الذنوب حياءً ، أو خشيةً ..
ولله در القائل :

لا يصنع الأبطال إلا
في روضة القرآن في
شعب بغير عقيدة
من خان حي على الصلاة
في مساجدنا الفساح
ظل الأحاديث الصحاح
ورق يذريه الرياح
يخون حي على الكفاح

اللهم ارحم عباداً غرهم طول إمهالك، وأطمعهم دوام إفضالك ومدوا أيديهم إلى كرم نوالك وتيقنوا أن لا غنىً لهم عن سؤالك .
قوليوقل ولنردد : اللهم إن يكن الندم توبة إليك فإنا إليك من النادمين ، وإنيكن الترك لمعصيتك إنابة إليك فإنا لك يا رب لك من المنيبين ، وإن يكنالاستغفار حطة للذنوب فإنا لك من المستغفرين اللهم فتقبل توبتنا، واغسلحوبتنا، وثبت حجتنا، واهدي قلوبنا، واسلل سخيمة صدورنا، ولا ترجعنا مرجعالخيبة من رحمتك.. فإنك أنت التواب الرحيم الجواد الكريم .. يا غافر الذنب . يا قابل التوب يا أرحم الراحمين ..

يا من له وجب الكمال بذاته
سبحان من احيا قلوب عباده
من كان يعرف أنك الحق الذي
مولاي جودك لم يدع لي مطلباً
بل كل غاية فوزهم لقياه
بلوائح من فيض نور هداه
بهر العقول فحسبه وكفاه
إلاَّ وتممه إلى أقصاه


اللهماجعلنا من التوابين ربنا ظلمنا أنفسنا وإلا تغفر لنا وترحمنا لنكونن منالخاسرين أستغفر الله العظيم وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين