قراءة في واقع القنوات الإسلامية


منذ عهد قريب كان إيجاد فضائية إسلامية لمواجهة المد الإعلامي الغربي بكافة ألوانه حلماً طالما راود الكثير، واليوم ولله الحمد والمنة وجدت العديد من القنوات التي تتزين بالفكر الإسلامي وتحمل على عاتقها رسالة إعلامية هادفة، وهدفاً نبيلاً راقياً.
تسعى من خلاله للدفاع عن هوية المسلمين ومعتقداتهم، والوقوف سداً منيعاً وحصناً واقياً أمام الأفكار الوافدة والمذاهب الهدامة التي تعصف بوحدة المجتمع المسلم وتماسكه، وتهدد الفكر والعقيدة لشبابه وناشئته.
ومما لا شك فيه أن هذه القنوات الإسلامية أحدثت أثراً إيجابياً ملموساً لدى الكثير، وشغلت حيزاً من الفراغ الإعلامي ظل شاغراً لعقود عديدة، وعملت جاهدة في حدود إمكانياتها المتفاوتة على تثقيف المسلمين في دينهم وإظهار الوجه المشرق الوضاء لديننا الحنيف.
وهذه القنوات كأي عمل بشري آخر يجوز فيه الخطأ ويعتريه الخلل ويشوبه النقص والتقصير.
وبما أن النقد البناء يعد أمراً هاما وعنصراً مساعداً على تجاوز الأخطاء وعلاجها في سبيل الرقي بأي عمل إلى الوجه المأمول أردت أن أكتب بصفتي واحداً من جمهور هذه القنوات يأمل ويتطلع من هذه القنوات كغيره من ملايين المشاهدين أن تحقق أهدافها المرجوة لنفع الإسلام والمسلمين.
المتتبع لأحوال القنوات الإسلامية يجد أغلبها يدور في إطارين؛ وهما: الوعظ، والإفتاء، مع تواجد هامشي لبرامج أخرى كالعقيدة، والبرامج التعليمية والتربوية والاجتماعية والترفيهية والإخبارية، وكذلك برامج التاريخ والمرأة وبرامج الأطفال.
ولا خلاف على مسيس الحاجة إلى الإفتاء وعظيم النفع بالوعظ والإرشاد إلا أن ذلك لا يعني بحال إغفال جوانب أخرى لا تقل عنهما أهمية.
بالإضافة إلى كون التنوع البرامجي أمراً هاماً في توسيع القاعدة الجماهيرية وجذب المشاهدين ، وطرد الملل.
فالناس تختلف احتياجاتهم وتتنوع اهتماماتهم، فكما هم بحاجة إلى التعليم والتبصير والفقه في الدين فهم أيضاً بحاجة إلى التثقيف والترويح والترفيه المباح.
كما أن توسيع القاعدة الجماهيرية من شأنه استقطاب المعلن، وتحقيق دخل مادي هام جداً لهذه القنوات لمواصلة مسيرتها، سيما في ظل الوضع المادي المتردي لأغلبها نتيجة ضعف الموارد المالية وشبه انعدامها، الأمر الذي جعل بعض هذه القنوات مهددة بالإغلاق، ودفع الكثير من أصحاب هذه القنوات إلى البحث عن مصادر تمويل لمشاريعها الإعلامية من الجمهور ورجال الأعمال .
من الجانب الفني والمهني نستطيع أن نستنتج بوضوح أن جميع هذه القنوات تعيش عصر الهواية إذا ما استثنينا قنوات " اقرأ ، والرسالة ، والقناة الوليدة " دليل" ، وقناة المجد وإن كانت تليهم في المرتبة " .
وقد أجرى موقع المسلم استطلاعاً للرأي حول القنوات الفضائية الإسلامية: هل لا تزال غير قادرة مهنياً على منافسة القنوات الأخرى؟ فجاءت النتائج كالتالي 51% قالوا: نعم ، في حين رأى40% أنها قادرة على المنافسة مهنياً، بينما قال 9% أنهم غير متأكدين.
وهذا الضعف الفني يظهر في الإخراج والتصوير والديكور والكوادر العاملة من مقدمين ومعدين وغيرها من الجوانب الفنية المهنية.
ولاشك أن الإمكانيات المالية المحدودة والموارد شبه المعدومة تعد عاملاً رئيسياً في ذلك، فالإغراءات المالية المقدمة من قبل القنوات الأخرى الغنية تستقطب الكوادر الفنية والإعلامية المؤهلة والخبيرة.
لذلك نجد أن أغلب المشتغلين في هذه القنوات من قليلي الخبرة، وممن لم يسبق لهم ممارسة العمل الإعلامي، ولم يتخصصوا فيه، الأمر الذي ينعكس بشكل عام على الصورة النهائية للقناة فتخرج أشبه بمسرح للهواة يفتقد للجاذبية والإبهار.
حتى أصبحت هذه القنوات " عدا اقرأ والرسالة والمجد ، والقليل غيرهم " ، استنساخاً لبعضها البعض سواء كان ذلك من خلال المادة المعروضة من خطب ومحاضرات ونحو ذلك، أو من خلال نفس الأشخاص الذين يظهرون على الشاشة ، أو نوعية الطرح والأساليب المتبعة.
وهو ما جعلها تفتقد الشخصية المستقلة، فعندما تفتح القناة وتشاهد البرنامج للوهلة الأولى لن تستطيع تمييز القناة بسهولة دون النظر لشعار القناة المعروض على الشاشة، وقد يطول البرنامج أحيانا ليصل إلى ثلاث ساعات متتالية مما يرهق الضيف ويفقده التركيز.
لاسيما إذا صاحب ذلك فتاوى مما قد يكون له أثره الضار، ناهيك عن ملل المشاهد وتذمره.
كذلك مما يلاحظ على هذه القنوات كثرة الخطوط الحمراء لديها، سواء فيما يتعلق بالقضايا المعاصرة وطريقة تناولها، أو حتى من جهة تقبل النقد الموجه إلى القناة أو أحد الضيوف، وهذا الأمر ليس من قبيل التجني أو الافتراء، فهذه الحالات ملموسة ومتكررة وكثيراً ما قطعت خطوط الهاتف على المشاهدين.
وإذا نظرنا إلى عنصر الإدارة نجد أن بعض هذه القنوات تديرها شخصيات إسلامية من العاملين في حقل الدعوة غير متخصصين في الإدارة، الأمر الذي يؤثر على مسيرة هذه القنوات إذا ما أرادت النجاح والوصول إلى الاحترافية.
ومعلوم أن نجاح أي عمل مرتبط بمدى نجاح إدارته، ولا يعني هذا بحال إبخاسهم حقهم وتهميش الدور الذي يقومون به في وضع الرؤى الإستراتيجية والإشراف على البرامج والعمل على تحقيق القناة لأهدافها.
أما على صعيد طبيعة تناول المحتوى الإعلامي ومناسبته للكوادر الذي تؤديه والضوابط فهناك برامج يعتريها خلل كبير على هذا الصعيد، فإذا أخذنا على سبيل المثال مجال الفتوى نلاحظ على الكثير من المفتين في الفضائيات التسرع في الفتوى وإصدار الأحكام دون إلمام كاف بالأحداث المحيطة التي قد تختلف من بلد لبلد ومن حالة لأخرى.
فما العيب أن يتوقف المفتي في الفتوى ويترك لنفسه مهلة لدراسة المسألة دراسة متأنية لإعداد الإجابة والرد في الحلقة المقبلة، خاصة إذا كانت هذه الفتاوى مما يتعلق بفقه النوازل وما يتعلق بأحداث واقعة في بلدان أخرى ليس للمفتي بها دراية أو تصور.
وربما يكون الخطأ في الفتوى نتيجة عدم معرفة المفتي في بعض الأحيان بألفاظ وكلمات المستفتي؛ نظراً لاختلاف اللهجة مما يؤدي لعدم فهم بعض الكلمات أو فهمها فهماً خاطئاً .
كذلك من الأمور التي يجب مراعاتها: عمل برامج متخصصة للإفتاء تكون خاصة ببعض المسائل التي تحتاج التخصص الدقيق دون غيرها كأحكام الزكاة والمواريث، على ألا تقبل الأسئلة في غير موضوع الحلقة، وأن يكون المفتي على درجة عالية من العلم والكفاءة وممن تخصصوا في هذه المسائل.
فإظهار هذا النوع من المفتين الخبراء المتخصصين في باب من أبواب العلم يسد فوضى المفتي غير المؤهل الذي يجيب على كل المسائل، فقد كان الصحابة وهم أعلم الأمة بدينها يفعلون ذلك فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: " من أراد أن يسأل عن القرآن فليأت أبي بن كعب، ومن أراد أن يسأل عن الفرائض فليأت زيد بن ثابت، ومن أراد أن يسأل عن الفقه فليأت معاذ بن جبل ".
وعلى الرغم من كون بعض البرامج غير معدة في الأصل للإفتاء إلا أنه عندما يتم تلقي الاتصالات من قبل الجمهور على الهواء يكون الغالب فيها أسئلة فقهية.
بالرغم من تنويه المذيع أو الضيف أحياناً على ألا تخرج الأسئلة عن موضوع الحلقة، إلا أنهما في النهاية يذعنان لطلبات المشاهدين، فتخرج الحلقة عن مسارها ويتحول البرنامج إلى برنامج إفتاء.
وقد يكون هذا الضيف غير متخصص أو من صغار طلاب العلم والمبتدئين، الأمر الذي يؤدي في النهاية إلى إصدار فتاوى غير منضبطة؛ من شأنها إحداث التضارب وزعزعة الناس وفقدانهم الثقة في علمائهم.
إن التسرع وعدم التخطيط الكافي لعمليات التمويل ودراسة الجدوى للقنوات الإسلامية نذير خطر يعصف بهذه القنوات واستمرارها، فكثير من هذه القنوات تقوم على الوعود من رجال الأعمال والتجار، وهي لا تمتلك الأموال اللازمة للصرف على القناة أو حتى تسديد رواتب العاملين فيها.
يصحب ذلك الاعتقاد الخاطئ بما قد ستجنيه هذه القنوات من عائد من رسائل الـ sms وغيرها نتيجة عدم دراسة الجدوى دراسة صحيحة، الأمر الذي يدفع القائمين عليها للبحث عن مصادر تمويل قد لا يتحقق من خلالها المقصود.
فهذه القنوات إذا ما أرادت الاستمرار وتحقيق أهدافها لابد أن تكون ضمن مؤسسات غير ربحية لها مواردها الذاتية من أوقاف وغيرها بدلاً من أن تكون قنوات قائمة على الدعم الخيري العشوائي تنتظر الهبات والتبرعات.
وإذا ما نظرنا إلى قنوات الصف الأول " اقرأ ، الرسالة ، المجد " نجدها ضمن مؤسسات استثمارية لا تعاني من مشكلات مادية الأمر الذي يؤدي للاستقرار وتحقيق النجاحات المأمولة .
لابد أن يعي الجميع أن التلفزيون أداة ترفيهية في المقام الأول، وأن ما طرأ عليه من إدخال برامج تعليمية وتثقيفية وعلمية وغير ذلك هو من سبيل استثمار هذه الآلة فيما ينفع للوصول إلى قلوب الجماهير وعقولهم من طريق مختصر ومحبب.
فلابد إذاً أن يكون هذا الاستثمار في التعليم والتوجيه مشوقاً وجذاباً وأن يكون متوازياً مع الترفيه المجرد المنضبط بالآداب الشرعية كذلك؛ لأن القناة إذا عجزت عن تقديم المادة التي يبحث عنها المشاهد ويتشوق إليها فبضغطة زر يسيرة على جهاز التحكم " الريموت كنترول " يستطيع المشاهد التجول بين عشرات وربما مئات القنوات الأخرى.
وقطعاً سيجد ما يعجبه سواء كان ذلك مما يرضي الله أو يغضبه، وسواء كان ما يعرض نافعاً أو ضاراً له.
لذا على القنوات الإسلامية إذا ما أرادت أن تحقق التواجد المثمر والمنافسة الفعلية أن تقوم بدراسة احتياجات المشاهد دراسة متأنية، وأن تعمل على إيجاد البديل النافع وفق الضوابط الشرعية الصحيحة والرؤى الواضحة.
وهذا لن يأتي من غير الاستعانة بالكفاءات العلمية والشرعية والأطر ذات الخبرة الإعلامية في وضع الخطوط العريضة والفاصلة لقضايا تتعلق بالعمل الإعلامي الإسلامي وحسمها.
إن تقديم رسالة دينية لا يعني بالضرورة أن تكون جميع المواد المقدمة للمشاهد ذات خطاب توجيهي وعظي مباشر، فلابد من التنوع في العرض والبيان واستخدام الطرق الإعلامية المتاحة والمتنوعة، فالناس يختلفون في طرق إقناعهم وتأثرهم وتلقيهم.

ياله من دين