رسالة إلى داعية تعب في دعوته، ثم كسل فقعد عن أمته..

أخي الكريم: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

قد أوجب الله علينا جميعاً التواصي بالحق والتواصي بالصبر، ولا نجاة لنا من الخسر إلا بهذا، ومن هنا جاءت هذه الرسالة.

إن مما يراه المرء في هذا الزمن -زمن الفتن من شبهةٍ، أو شهوةٍ، أو بدعة -يرى بعضاً من الدعاة إلى الله تعالى يصول ويجول في دعوته إلى الحق، ويحرص على هداية الناس، ما يترك شاذةً ولا فاذةً إلا عملها أو شارك فيها؛ حرصاً على اكتساب الأجر واغتنام الفضل، ينعصر قلبه حرقة لهذا الدين القويم، ويتألم إذا أهين عباد الله المتقون، وتمضي به السنون وهو على هذا المنهاج القويم والصراط المستقيم.

ثم... ثم بعد هذا النشاط يدب الفتور والبرود إليه، ويتخلى عن دعوته، لا انتكاساً ولكن تقاعداً وانشغالاً بالولد والرزق وكثرة الارتباط -كما يزعم- ظاناً أنه صاحب الفضل على هذه الدعوة وأهلها، وأنه سيفتح المجال لغيره، أما هو فقد بلغ في نظره من الكِبَر عتياً، مقتصراً على الأجور العظيمة والفضائل الكثيرة التي عملها من قبل إن كان مخلصاً نقياً.

وبعد هذا الانقطاع يرى أنه سينعكف على تربية أولاده وبناء نفسه التي في نظره أنه أهملها كثيراً من خلال ما تقدم من سنوات في دعوته.

وبعد ذلك يبدأ نشيطاً في برنامجه الجديد مصمماً السير على منهجه الذي وضعه لنفسه، وبعد حين يتوسع في المباح وتتزعزع تلك المبادئ الشرعية التي لا يمكن أن يفتح المجال للكلام والخوض فيها في عز دعوته، حتى إن البعض منهم ما بينه وبين الانتكاس إلا ما هو أقل من خيط بيت العنكبوت.

إن المرء ليحزن قلبه ويضيق صدره حينما يرى ويشاهد أعداء هذا الدين وقد عكفوا على محاولة هدم هذا الدين وإفساد أخلاق أهله ليل نهار، ويعجب من صبرهم وجَلَدهم على باطلهم، بينما صاحب الحق والدعوة الناصعة والحجة البينة الواضحة قد تقاعس في دعوته وبخل على أمته في أشد ما تكون حاجتها إليه.

إن على المرء المؤمن أن يسأل نفسه ماذا قدمت لهذا الدين، وبم خدمت عباد الله المؤمنين أمام هذا السيل الجارف من الفساد في العقائد والأخلاق؟!.

لقد كان أهل العلم قبل سنوات ليست بالكثيرة يحذّرون الأمة من التلفاز وخطره على الأولاد والأخلاق، ثم جاء الكفار بما هو أشد خطراً وأعظم أثراً وهو الفيديو، جاءت بعده الأطباق الفضائية،ثم أنتج هؤلاء الأعداء المعتدون الإنترنت بشره وخيره، وهكذا.. فهم ماضون في محاولة هدم هذا الدين وتغيير أخلاق أهله..

إنهم يفكرون ثم ينتجون ما يخدم أهدافهم، وينتجون ما هو أشد فتكاً وأسرع خطراً على هذا الدين وأهله.

لقد بخل هذا الداعية على أمته بشيء من عمله اليسير وجُهده القليل بينما هي قدمت له الشيء والشيء الكثير.

كيف يبخل ويقعد عن أمته ونصرتها بعد أن ذاق حلاوة الدعوة إلى الله، ولذة الحرص على هداية عباد الله؟

كيف يقعد عن الدعوة مَنْ يرى أمته تهوي في مكانٍ سحيق وتقرب من عذاب الله الأليم، وهو متبلد الإحساس، فاقد الضمير، لا يأمر ولا ينهى، ولا يدل ولا يرشد، همّه جيبه ومصلحته، غايته هندامه ومركبه، قرة عينه ولده وزوجه؟؟!

أما أمته التي غُزيت من كل جانب فقد خذلها في أشد ما تكون حاجتها إليه.

لقد نسي هذا القاعد عن دعوته -أو تناسى- أن دين الله وإن حدث له ما حدث فإنّ النهاية له، والنصر حليفه حقاً ويقيناً لا مرية فيه؛ فهذا الدين لا ينتظره لينصره فنصره ليس واقفاً عليه، ولكن لهذا المرء الشرف والعزة والرفعة أن يكون من المشاركين في نصرة هذا الدين.

إن مشاركة الإنسان لنصر الأمة ليس متوقفاً في حلقةٍ أو مكتبةٍ بل كل مجالٍ للخير فهو مشاركة للأمة في نصرتها مهما كان وأينما حل وصار، فالحرص على هداية الأهل والأقارب أو الجيران وأبنائهم، أو الزملاء والأصدقاء أو العمال والجاليات أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو غيرها هي من طرق الدعوة وسبلها الكثيرة والكثيرة جداً.

ليت الذي تكاثر عمله وجهده يقارنه بعلماء الأمة العاملين؛ ليعلم ضآلة عمله وقلة جهده، فمنذ أن كان في بطن أمه أو ظهر أبيه كان هؤلاء يدعون إلى الله تعالى، ولا زالوا حتى الآن. إنهم لم يملوا ولم يكلوا، بل ليس هناك سبيل في المشاركة في أي عمل إلا أسهموا بسهمهم وأدلوا بدلوهم، إنهم يحملون همَّ الإصلاح، ويستشعرون عِظَم المسؤولية مع كثرة أعمالهم، وزحمة أشغالهم، وكبر سنهم، وقلة صحتهم. ومع ذلك فهم يسألون الله الثبات حتى الممات على هذا الدرب القويم.

ليت الذي قعد عن دعوته يدخل أحد المقاهي المنتشرة لينظر بأم عينه همة شباب المسلمين وقد عكفوا على فيلم فاضح وصوَّبوا النظر إلى وجهٍ داعر، وأعجبوا بمغنٍ فاسق.

ليت الذي زهد في دعوته يدخل أحد أسواق المسلمين لينظر كيف أصبح الحجاب الشرعي غريباً وحل محله كل موضة وصرخة جديدة.

ليت الذي تكاسل عن دعوته يقرب من شباب المسلمين لينظر فيم يفكرون أو يتكلمون.

قال شيخٌ كريمٌ وداعيةٌ مشهور:
"لئن كنَّا نعطي الدعوة جزءاً من وقتنا، فيجب أن نعطيها الآن أضعاف تلك الأوقات، وذلك لقلة العاملين وكثرة المتكاسلين والمرجفين بل والقاعدين".

أخي الداعية:
امضِ في طريقك غير ملتفتٍ لصيحات المخذلين والراضين بالدون من العمل، واعلم أنك على ثغر من ثغور هذا الدين، فالله الله، لا يُؤتينَّ الإسلام من قِبَلِك، فجدِّد الأسلوب وغيِّر الطريقة، ونوِّع الطرح، وحذِّر من الفتن، وركِّز على مراقبة الله في السر والعلن، والجدية في الالتزام، فنحن لسنا بحاجة إلى كثرة عدد وقلة عمل.

وإياك ثم إياك أن تحتقر أحداً من المدعوين فربَّ إنسان احتقرته ثم أهملته ولو التزم لنفع الله به الأمة.

أخي الكريم:
إن الداعية إلى الله تعالى ينبغي ألا يفوّت على نفسه فرصة للدعوة إذا سنحت له إلا وقد استغلها، يلقي خلالها كلمة ولا يحتقرها؛ فربما وقعت في قلبٍ خاوٍ تائهٍ فغيّرت المسار، وحُطَّ عنك بها الأوزار وأرضت العزيز الجبار.

أخي:
إننا معشر الدعاة إلى الله تعالى حمَلَةُ رسالة في هذه الحياة، وفي أعناقنا أمانة يجب أن نؤديها كما أمر الله، فضع يدك في أيدينا، وضم صوتك إلى أصواتنا، ننادي بالخير وندعوا إلى السعادة، نُرشد إلى الهداية، ونُحذر من الضلالة.

ثبتنا الله وإياك على دينه حتى يأتينا اليقين، وإلى لقاءٍ في عليين، في مقعد صدق عند مليكٍ مقتدر، وصلى الله وسلم وبارك على خير الداعين والعاملين لهذا الدين محمد بن عبد الله، عليه أفضل صلاة وأزكى تسليم.


منقول--