إن أمسكت بزمام قلمي لأسطر ما شاء الله لي تحت هذا العنوان ..
حتى تاهت سفينة كلماتي في بحر البيان .. لم تجد مرفأ ، فوجدت ما يروي الغليل بإذن الله العزيز الجليل في كتاب مدارج السالكين لابن قيم الجوزية ..
صـــ 42ـــــ المجلد الثالث ما يلي :
(( منزلة المحبة .. و هي المنزلة التي تنافس فسها المتنافسون و إليها شخّص العاملون ، و إلى علمها شمر السابقون و عليها تفانى المحبون ، و بروح نسيمها تروَّح العابدون .. فهي قوت القلوب و غذاء الأرواح و قرَّة العيون، و هي الحياة التي من حُرمها فهو من جملة الأموات .. و النور الذي من فقده فهو في بحار الظلمات ، و الشفاء الذي من عدمه حلت بقلبه جميع الأسقام و اللذة التي من لم يظفر بها .. فعيشه كله هموم و آلام و هي روح الإيمان و الأعمال .. و المقامات و الأحوال التي متى خلت منها فهي كالجسد الذي لا روح فيه ، تحمل أثقال السائرين إلى بلد لم يكونوا إلا بشقِّ الأنفس بالغيها ، و توصلهم إلى منازل لم يكونوا بدونها أبدا ً واصليها ، و تبوّءهم من مقاعد الصدق مقامات لم يكونوا لولاها داخليها .. إلى أن قال : تالله ما هزلت فيستامها المفلسون ، و لا كسدت فيبيعها بالنسيئة المعسرون ، لقد أقيمت للعرض في سوق من يزيد ، فلم يُرض لها بثمن دون حبل الوريد )) .. الله أكبر ما أجملها من كلمات و ما أروعها من عبارات !!
خرجت من القلب لتلامس القلب دون عناء.
جب الله عز و جل .. نورٌ يجعله الله في قلوب أوليائه ، يُنير لهم طريقهم و يبدد لهم وحشته ، حب الله عز و جل أنيسُ الصالحين و أنسهم.
حب الله عز و جل .. بحر تذوب فيه حظوظ النفس و شهواتها ، حب الله عز و جل شعلة تضيء القلب إذا أظلم ، و تليّنه إذا قسا و توقظ صاحبها إذا نام .. و تشحذ همته إذا كلّ أو وهن ..
حب الله عز و جل .. شيء يختلج في أعماق الفؤاد لا يصفه إلا من ذاق حلاوته و تضلَّع من معينه .. و ارتوى من كأسه لتخرج الكلمات حرى مشبعة بكل معاني الحب الصادق ، لا يجبرها على الخروج و لا يبحث لها عن منمِّق .. ذلك أن تلك الكلمات قد نُقشت على صفحة القلب يوم أن سكنته تلك المحبة .
و لله درك يا جُنيد يوم جرت مسألة في المحبة بمكة أيام الموسم ، فتكلم فيها الشيوخ و كنت َ أصغرهم سنا ً .. فقالوا هات ما عندك يا عراقي ، فأطرقت رأسك و دمعت عيناك ثم قلت : (( عبدٌ ذاهب عن نفسه متصل ٌ بذكر ربه .. قائم بأداء حقوقه ناظرٌ إليه بقلبه .. أحرقت قلبه أنوار هيبته ، و صفا شربه من كأس وده و كشف له الجبار من أستار غيبه ، فإن تكلم فبالله و إن نطق فعن الله فهو بالله و لله و مع الله )) فبكى الشيوخ و قالوا: ما على هذا مزيد جبرك الله يا تاج العارفين .
.. الله أكــبر ..
أنى لك هذه الكلمات القلائل رحمك الله ، أتراك مكثت أياماً تعدها و تجهزها ؟!
أتراك أطلت البحث عنها ؟
أتراك بحثت في قواميس اللغة و الأدب لتنطق بها ؟
كلا و الذي نفسي بيده .. إنها المحبة التي وقرت في القلب يا جنيد فجبرك الله يا تاج العارفين .
هذا هو حب الله عز و جل ليست كلمة يتشدق بها المتشدقون و يتصدر بها المجلس المتكلمون .. بل هو الظل الوارف إذا اشتد بالسائرين وهج الشمس و لهيبها .. و هو الماء العذب الزلال إذا جفت العروق من مائها ، و هو حادي القلوب حينما تستوحش طريقها .. و هو حب العارفين و معرفة المحبين ، إذا ساروا أدلجوا و إن أدلجوا بلغوا . فيا أهل الأهواء يا أصحاب الشهوات أين حب الله في قلوبكم ؟
لو قيل لكم أتحبون الله لما ترددتم في قول نعم بلاشك .. فأين هي من عملكم ؟
هل أعمالكم موافقة لما يحبه الله عز و جل و يرضاه ؟
هل وهبت نفسك لله عز و جل ؟
هل محوت من قلبك كل شيء سوى الله ؟
هل أذبت شهواتك و لذاتك في محاب الله عز و جل ؟
هل سافر قلبك في طلبه ؟
هل لهج لسانك بذكره ؟
إسأل نفسك : هل حقا ً تحب الله عز و جل؟!
إن قلت نعم فاختبر نفسك بعلامات منها :
1- الشوق إلى لقائه :
فانظر يا رعاك الله هل تشتاق إلى لقاء الله عز و جل ؟
هل قلبك يحدثك متى تلقى ربك و حبيبك ؟
متى تنتقل إلى جواره ؟
أم أن حُجب المعصية قد أسدلت على قلبك فأصبحت تفر من الموت و لا تستعد له !
ها هو صلى الله عليه وسلم يُخيَّر بين مفاتيح خزائن الدنيا و البقاء فيها .. و بين لقاء الله و الجنة فيختار الله عز و جل لأن حبه لربه أوقد في قلبه الشوق إلى لقائه .
2- لزوم ذكره :
ذلك أن المحب كثير الذكر لحبيبه .. بل أفضل أوقاته حينما يخلو به و يناجيه و يدعوه و يذكره ، و كلما زادت المحبة في القلب زاد ذكره لله عز و جل في كل حال ، فهل رأينا حبيبا ً ينسى حبيبه !
3- طاعته :
المحب ملازم لطاعة حبيبه .. لا يكاد ينفك عنها ، لأن المحب لا يعصي حبيبه مهما كان الطلب ..
تعصي الإله و أنت تُظهرُ حبُّه *** هذا مُحالٌ في القياس بديعٌ
لو كان حبُّك صادقا ً لأطعتهُ *** إن المحبَّ لمن يُحب مُطيعٌ
4- تقديم مرضاته :
أيُّ محب يتجنب إسخاط حبيبه ، و يسعى دائما ً في إرضائه و إن أسخط من حوله من الناس لأن هذا مناه و غايته ...
فليتَك تَحلُو و الحيَاةُ مَرِيرَةٌ *** و ليتَك تَرضَى ... و الأنام غِضابُ
و ليتَ الذِي بَيني و بينَك عامرٌ *** و َ بيني و بينَ العَالَمين خَرَابُ
إذا صَحَّ مِنكَ الوِدُّ يا غَايَة المُنى *** فكلَّ الذي فَوقَ التُّرابِ تُرابُ
هذه علامات قليلة تمثل غيضا ً من فيض .. و قليلا ً من كثير فالعلامات أكثر من أن تسع وريقاتي هذه لذكرها .
* * * * * * * *
منقول من كتاب كيف أحب لأمة السلام
لكم ودي :rose:
::عاشقة النور::