الكلمات الدلالية (Tags): لا يوجد
  1. الصورة الرمزية الفراتي

    الفراتي تقول:

    افتراضي مجاهل الكون العظيم

    مجاهل الكون العظيم


    الكاتب الأستاذ الدكتور كارم غنيم




    يقول الله تبارك وتعالى: (لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) [غافر:57]، وقال الفخر الرازى في (التفسير الكبير) :اعلم أنه تعالى لما وصف جدالهم في آيات الله بأنه بغير سلطان ولا حجة ذكر لهذا مثالاً، فقال: [ لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ ] والقادر على الأكبر قادر على الأضعر لا محالة... ثم إن هؤلاء القوم يسلمون أن خالق السموات والأرض هو الله ، ويعلمون بالضرورة أن (خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ)، وكان من حقهم أن يقروا بأن القادر على خلق السموات والأرض يكون قادراً على إعادة الإنسان الذي خلقه أولاً، فهذا برهان على إفادة هذا المطلوب. ثم إن هذا البرهان على قوته صار بحيث لا يعرفه أكثر الناس، والمراد منهم الذين ينكرون الحشر والنشر، فظهر بهذا المثال أن هؤلاء الكفار يجادلون في آيات الله بغير سلطان ولا حجة، بل بمجرد الحسد والجهل والكبر والتعصب. وذهب إلى مثل هذا المعنى، أو قريب منه، في تفسير الآية معظم المفسرين القدامى.




    إن الله سبحانه يلفت نظر الناس، عموماً، في هذه الآية الكريمة إلى عظمة خلق السموات والأرضين، يلفت نظر العامى والعالم إلى ضخامة الكون الذي خلقه وأبدعته قدرته المطلقة، ويستتبع هذا اجتهاد العالم في السعى من أجل التعرف على ما يمكن التوصل إليه من محتويات هذا الكون العظيم، ومحاولة التعرف أولاً على أبعاده، وهو ما لم يتم حتى الآن...
    الكون الذي توصل علماء البشر إلى معرفته حتى الآن يبلغ نصف قطره عشرة آلاف مليار مليار كيلومتر، وهى المسافة التي يقطعها الضوء في عشرة مليارات سنة ضوئية بسرعته البالغة ثلاثمائة ألف كيلومتر/ ثانية... ويحتوى هذا الجزء الذي عرفه البشر من الكون مائة مليار مجرة، ومتوسط كتلة المجرة الواحدة خمسين مليار مرة قدر كتلة الشمس، علماً بأن كتلة الشمس تساوى ثلاثمائة وثلاث وثلاثين ألف أرض مثل كرتنا الأرضية..!!




    ولقد صنف العالم الأمريكي" إدوين هابل" (Edwin Hubble)، في القرن العشرين الميلادي، المجرات الموجودة في الكون - بحسب أشكالها - إلى ثلاثة أنواع رئيسية ، هى: المجرات البيضاوية (Elliptic)، والمجرات اللولبية (Spiral)، والمجرات غير المنتظمة (Irrigular)، ثم أضيف نوع رابع في الآونة الأخيرة إلى هذه الأنواع الثلاثة، وهو المجرات العدسية (Lenticular) .
    أما المجرات البيضاوية: فهى حشود بيضاوية من نجوم متكاثفة حول المركز،وتبدو على هيئة كتل سديمية، وتمثل 20% من مجموع مجرات الكون، وهى صغيرة الحجم، ونادراً ما يتجاوز قطرها 7500 سنة ضوئية.
    وأما المجرات اللولبية فتشكل ثلثى مجموع المجرات في الكون المرئي (Visible Cosmos)، ولكل مجرة أذرع حلزونية تتألف من الغاز الكوني والغبار الكوني، وتلتف عدة مرات حول النواة إلى أن تختفي تفاصيلها في الهالة الباهتة التي تفصل المجرة عن ظلام الكون.. وتدور المجرات اللولبية بحيث تجر أذرعها معها. ومن هذه المجرات مجرتنا المسماة [درب اللبانة] أو [الطريق اللبنى] Milky Way التي تضم مائة مليار نجم، ومن هذه النجوم توجد الشمس المعروفة. وتظهر هذه المجرة على شكل قرص قطره مائة ألف سنة ضوئية (والسنة الضوئية تساوى المسافة التي يقطعها الضوء في سنة كاملة) ، وسمكه عند المركز خمسة عشر ألف سنة ضوئية، ويأخذ في النحافة بعيداً عن هذا المركز باتجاه الحافتين.




    وتقع الشمس المعروفة لنا (ومعها مجموعتها من الأجرام) على بعد ثلاثة وثلاثين ألف سنة ضوئية من مركز هذه المجرة..!! ويقدر العلماء بأن أقرب شمس لشمسنا المعروفة تبعد عنها 4.3 سنة ضوئية، وأن أقرب مجرة لمجرتنا المعروفة هى اندروميدا (أى: سديم المرأة المسلسلة) ، وتبعد عن مجرتنا 86 ألف سنة ضوئية..!!
    وأما المجرات غير المنتظمة فتشكل 10% من مجموع مجرات الكون، وليس لها شكل محدد، وإن الشكل المسطح هو الغالب فيها، كما لا توجد لها مراكز ولا أذرع، وتتخللها كميات هائلة من الغبار الكوني والغاز الكوني، اللذان شاءت القدرة الإلهية أن يكونا نجوما جديدة باستمرار.



    وأما المجرات العدسية فشكل كل واحدة منها هو تركيب كروى، ثنائي التحدب، ونواتها مركزية شديدة الضياء، ولا تتكون فيها نجوم جديدة، ولا تتخلل نجومها سُدُم غاز أو غبار.
    إذا كنا قد ذكرنا مصطلح " سُدُم" فنرى من الملائم أن نذكر مفرده وهو" سديم" (Nebula)، وهو في اللغة: الضباب الرقيق، ويعرفه علماء الفلك [دراسة السماء] والكوزمولوجي [دراسة الكون] بأنه بقع سحابية ضبابية. وتمثل السدم حشوداً هائلة من النجوم على مسافات بعيدة جداً، ومنها ما هو مضئ، ومنها ما هو مظلم، وهو الأكثر في مجموع السدم الكونية. ولم يعرف العلماء هذه المعلومات إلا بعد أن استعملوا المقارب (أو المناظير المقربة Telescopes) ، وكانوا قبل ذلك يرونها بقعا ضوئية غامضة..!!




    وتأكد العلماء، منذ سنوات غير بعيدة، من حركة الأجرام السماوية، وأن كل ما في الكون في حركة دائمة، سواء كانت حركة انتقالية أم حركة دورانية حول محور ما أو حول مركز من مراكز الجذب... ففي المجموعة [المنظومة الشمسية] (Solar System) – مثلاً – تدور النيازك والمذنبات والكواكب والكويكبات حول الشمس في مدارات شبه دائرية تتفاوت استطالاتها،كما تدور التوابع حول نفسها وحول كواكبها،وتدور الكواكب حول نفسها. وتدور مجرة (درب اللبانة) وحشودها النجومية حول مركز المجرة، وتدور الشمس مع مجموعتها الكواكبية حول هذا المركز مرة كل مائتى مليون سنة، بسرعة 250 كيلومتر/ ثانية تقريباً…
    وبالإضافة إلى دوران المجرات حول محاورها، فإنها تتباعد هى وحشودها النجومية عن بعضها البعض بسرعات تزداد بزيادة المسافة، فحشد العذراء (ويبعد عن مجرتنا خمسمائة مليار مليار كيلومتر) يبتعد عنا بسرعة 1200 كيلوميتر/ ثانية، بينما يبتعد حشد الدب الأكبر (ويبعد عنا بمسافة 15 ألف مليار مليار كيلومتر) بسرعة تبلغ 42 ألف كيلومتر / ثانية، أى: ينتقل كل ساعة مسافة مساوية لبعد الأرض عن أمها الشمس..!! وصدق ربنا U إذ يقول في كتابه الكريم: [لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُون] [يس:40].



    لقد تطور فكر الإنسان وتصورالبشر لشكل الكون الذي يعيشون فيه، ويمكن إبراز مراحل هذا التطور فيما يلي:
    اعتقد أرسطو (الذي عاش منذ ألفى عام،وألف كتب " السماء"، " الطبيعيات"،" الكون والفساد") أن الأرض هى مركز الكون، وأنها ثابتة في مكانها، بينما يدور القمر والشمس والكواكب والنجوم حولها في مدارات دائرية.
    ثم جاء بطليموس في القرن الثاني الميلادي (وقد عاش في مصر، وألف كتابه " المجيسطي Mageste"، أى: الكتاب العظيم) فقام بعمل التعديلات الطفيفة لنموذج أرسطو، يعنى أن الاعتقاد بمركزية الأرض للكون ظل كما هو مسيطراً على عقول الناس.
    وظل هذا الاعتقاد إلى أن ظهر نور الإسلام، واشتغل المسلمون، بعد عدة سنوات من تأسيس دولتهم،بعلوم كثيرة، وأنشأوا بذلك حضارة عالمية عريقة، فقام المسلمون بتصحيح نموذج بطليموس، ووضعوا النموذج الجديد الذي تدور فيه الكواكب حول الشمس.. وقد أخذ كوبرنيكوس (البولندي) هذا النموذج واقتبسه من العلماء المسلمين حين سافر إلى إيطاليا ودرس علم الفلك الإسلامي هناك (فيما بين الفترة من 1496-1503م). وكان من أشهر العلماء المسلمين في علوم الفلك والكوزمولوجي: البتاني، البيروني، ابن سينا، وابن رشد.
    طبق " فريدمان" (في النصف الأول من القرن العشرين الميلادي) النظرية النسبية العامة على الكون، وأوجد لها نماذج وحلول تتفق كلها على أن الكون حالياً في اتساع وتمدد حجمى.
    استطاع " هابل " باكتشافاته العلمية أن يؤكد نتائج فريدمان، وأن يثبت بالقياسات أن المسافات بين المجرات في ازدياد مستمر، وأن سرعة ابتعادها عن بعضها البعض تتناسب طردياً مع المسافة بينها.
    تشير نماذج " فريدمان" إلى إمكان وجود ثلاثة أنواع، أو صور، للكون هى:
    [أ] الكون المنغلق: تتغلب فيه طاقة الوضع على طاقة الحركة، فيقف تمدد الكون الحالي ثم يبدأ في الانكماش.
    [ب] الكون المنفتح: تتغلب فيه طاقة الحركة على طاقة الوضع،فيستمر الكون في الاتساع.
    [ج] الكون المستوى: تتساوى فيه طاقة الوضع مع طاقة الحركة، فيقل تمدد الكون بالتدريج ولكنه لا يصل إلى الصفر إلا فيما لا نهاية..
    نلتقي الآن مع آيات القرآن الكريم،لنقف على نص عظيم معجز يقول الله تعالى فيه: [ فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ * وَمَا لَا تُبْصِرُونَ * إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ] [الحاقة:38-40]، ولقد أفاض المفسرون في شرح هذا النص، ونوجز أقوالهم بلفظ الفخر الرازى فيما يلي: اعلم أنه تعالى لما أقام الدلالة على إمكان القيامة، ثم على وقوعها، ثم ذكر أحوال السعداء وأحوال الأشقياء [الآيات 14-37]، ختم بقوله: (فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ * وَمَا لَا تُبْصِرُونَ) ومن العلماء من قال:المراد من " فَلَا أُقْسِمُ ": أقسم، و(لا) صلة، أو يكون رد الكلام قد سبق. ومنهم من قال: (لا) ههنا نافية للقسم، كأنه قال (لا أقسم) علـى أن هذا القرآن (َقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ)، يعـنى أنـــه لـوضوحه يستغنى عن القسم..
    وقوله سبحانه: بِمَا تُبْصِرُونَ * وَمَا لَا تُبْصِرُونَ، يعم جميع الأشياء على الشمول، لأنها لا تخرج من مجموعتين من الأشياء: مبصرُُ، وغير مبصر، فشمل الخالق والمخلوق، والدنيا والآخرة، والأجسام والأرواح، والإنس والجن، والنعم الظاهرة والباطنة.




    ومن جانبنا نضيف أن (وَمَا لَا تُبْصِرُونَ) ههنا تشمل القسط الأكبر من الكون الذي لم يتوصل الإنسان حتى الآن إلى معرفة كنهه أو محتواه، وسيظل العلماء يلهثون من أجل التعرف على بعضه إلى يوم القيامة، سواء بالبصر المجرد، أم بمساعدة الآلات واستخدام الأجهزة والمعدات... وسيظل ما خفي من الكون أعظم مما ظهر للعيان. ومن الجدير بالذكر أن العلماء منذ أكثر من ستين سنة تواجههم قضية [كتلة الكون الخفية] (Invisible Cosmic Mass)، وترجع هذه القضية إلى العالم السويسري " زويكي" الذي توصل ببحوثه إلى أن المجرات لا تمثل سوى عشر الكتلة الكلية لهذا الحشد العظيم.
    ولقد تم اكتشاف أجرام زرقاء غير منتظمة الشكل، بفضل مقراب (تليسكوب) هابل، وهى باهتة، ثم قاد العالم الأمريكي " ويندهورست" فريقاً من الباحثين اقترح أن زرقة هذه المجرات الباهتة توحى بأنها تزخر بنجوم فتية ساخنة، وأما شكلها غير المنتظم فيوحي بأنها في حالة دينامية ثائرة وأنها تتصادم وتتفاعل فيما بينها. واكتشف هؤلاء العلماء أن هذه المجرات الباهتة توجد على بعد 3-8 مليارات سنة ضوئية، وهو ما يقابل الفترة التي كان فيها الكون (المرئي) في منتصف عمره الحالي، تقريباً.
    ومنذ سنة 1975، يقوم العالم الفلكي" جون هوشرا" – بالتعاون مع زميلته (مارجريت جيللر) من مركز هارفارد – سميثونيان للفيزياء الفلكية بالولايات المتحدة، بمحاولات لمسح الكون، وقد رصدا المجرات (أو ما يسميه البعض " جزر النجوم") بين وقت وآخر، لتحديد مواقعها بالضبط. وبالرغم من أنهما (وبمساعدة طلاب الدراسات العليا هناك) تمكنا من رسم خريطة شمولية للكون،فإنهما على يقين بأنها لا تفى الكون كله،وإنما ببعضه فقط...
    وبعد، فإذا أخذتك الدهشة مما أوردناه عن اتساع الكون الهائل وضخامته العظيمة في بدايات هذا الموضوع، فإن الذهول ربما يكون قد يُصيبك اكثر حين تعلم أن ما توصل إليه العلماء ما هو إلا عشر الكون، وأن التسعة أعشار الأخرى في طي الخفاء.حقاً، إن ما خفي كان أعظم.. والله على كل شئ قدير وبإرادته يتم كل تدبير..!!


    -----------
     
  2. الصورة الرمزية أبو الجوري الشرقي

    أبو الجوري الشرقي تقول:

    افتراضي رد: مجاهل الكون العظيم

    [align=center]
    بورك فيكم
    [/align]

    ماتحسروا أهل الجنة على شئ كما تحسروا على..