بقلم/رهام أديب الزعبيبسم الله الرحمن الرحيم
إن الإنسان المسلم يقوم بتطبيق شرع الله ومنهجه على قدر إيمانه وعلمه وثقته بالله _سبحانه وتعالى_ فهناك صلة وثيقة بين ما يلتزم به المسلم في سلوكياته وأفعاله وبين درجة إيمانه، فكلما ازداد إيماناً وعلماً كان تطبيقه للشرع على قدر ذلك الإيمان وقوته، وكلما ضعف إيمانه وقلَّ علمه انعكس على التزامه فابتعد عن طريق الشرع وركن إلى نفسه وأهوائها، وذلك تصديقاً لقوله _تعالى_: "إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ" (فاطر: من الآية28).
"ولما كان الجهل بالشرع ومقاصده أحد الأسباب الكبيرة التي تؤدي إلى الفتن وغوائلها فإن الفقه في الدين وتجريد اتِّباع الرسول _صلى الله عليه وسلم_ هما الواقيان _بإذن الله تعالى_ من شر الفتن قبل وقوعها، كما أنهما الدواءان والعلاجان للفتن بعد وقوعها؛ كل ذلك على افتراض الإخلاص ونبذ الهوى؛ لأن دور العلم هو كشف الشبهات وبيان الغي من الرشد والحق من الباطل".
فمن الحقائق المؤسفة التي أريد التحدث عنها هي حقيقة الضعف العام في الالتزام وعدم التفقه في الدين في المجتمع النسائي، فالمرأة تشكل نصف المجتمع ولكن تأثيرها ينعكس على المجتمع بكامله، أليست هي مربية الأجيال؟ فالأم مدرسة كما قال الشاعر:ولكي تساهم في بناء المجتمع الإسلامي القائم على الأسس الشرعية فلا بد من إعدادها إعداداً جيداً، وذلك من خلال تأصيل العلم الشرعي في نفسها وتطبيقه سلوكياً، ومن ثم تشجيعها للقيام بمهمة الدعوة لهذا الدين في مجتمعها؛ فالمرأة المسلمة مأمورة بالدعوة إلى الله ونشر الدين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: "وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ" (التوبة: من الآية71).
الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق
فكلما كان المجتمع النسائي المسلم ملتزماً راشداً ومستنيراً أعان على بناء المجتمع الإسلامي وزاده قوة وتماسكاً، ويصبح بذلك نسيجاً متكاملاً لا يمكن فصل أجزائه بعضها عن بعض.
إذن لا بد من تقييم لوضع المرأة المسلمة من قِبَل أصحاب الخبرة والمسؤولية في هذا المجال لوضع الحلول المناسبة لكل ما تعانيه من تقصير وتقهقر ولا مبالاة، وإن لم يتدارك هذا الأمر فسوف يؤدي إلى انحلال المجتمع بكاملة.
إن ما نشاهده اليوم في بعض المجتمعات العربية والإسلامية من انحلال خلقي ما هو – في كثير من جوانبه – إلا نتيجة لعدم التزام المرأة بالأحكام الشرعية كما أرادها الدين الإسلامي، وكل من ينكر هذه الحقيقة فإنه يخادع نفسه؛ فللمرأة دور كبير وتأثير شديد في ضبط أي مجتمع أو انحلاله وفساده، ألم يقل رسول الله _صلى الله عليه وسلم_: "ما تركت من بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء"؟.
فلا يمكن أن يستقيم المجتمع النسائي المسلم إلا من خلال تطبيقه للمنهج الإلهي؛ لأن تغييب ذلك المنهج عن حياته يعرضه للزلل والانسياق وراء أهواء النفس الأمارة بالسوء في كل زمان ومكان؛ فكلما ضعف الوازع الديني وانتشر الجهل بالشرع في أي مجتمع إسلامي أدى إلى خلل في العقائد والسلوك، ومن ثَمَّ تنتشر البدع والخرافات، وتجد لها تربة خصبة لنموها وترعرعها، وكم نرى من النساء اللواتي يعانين من ضعف في الوازع الديني يمارسن سلوكيات تمس عقيدتهن وإيمانهن وتوحيدهن لله _عز وجل_، فكم من النساء من تؤمن بالسحر والشعوذة والخرافات وتتفاعل معها كأنها حقائق مسلَّم بها؛ فمنهن من تطوف بالأضرحة وتطلب العون من أصحابها وكشف الضر عنها، ومنهن من تؤمن وتصدق ما تقوله قارئة الفنجان وضاربة الودع، حيث تخبرها بأشياء لا يعلمها إلا الله – سبحانه وتعالى – عالم الغيب والشهادة، فتلقى وجه ربها وهي على هذا الشرك _والعياذ بالله_، وأما بالنسبة لأداء العبادات فحدث ولا حرج عن الأخطاء الكبيرة التي ترتكبها النساء.
ولنا أن نتساءل: من المسؤول عن هذا الوضع؟ إن المسؤولية متعددة الأطراف وأولها الأسرة؛ لأنها المحضن الأول للأبناء والمسؤولة عن توجهاتهم. يقول رسول الله _صلى الله عليه وسلم_: "كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو يمجسانه أو ينصرانه".
إن غرس العقيدة وتعميقها في نفوس الأبناء، وكذلك المفاهيم والقيم والسلوكيات الحسنة التي دعا إليها الإسلام تبدأ من الأسرة؛ فإن لم يقُم الأبوان بهذه المسؤولية الملقاة على عاتقهما على الوجه الأكمل فسيؤدي بالأبناء إلى الاعتقاد بكل ما في المجتمع من سلبيات، أو تستقطبهم بعض التيارات الدينية المخالفة لعقيدة أهل السنة والجماعة؛ وما أكثرها في زمننا هذا، وعلى سبيل المثال ظهور من يسمون بعبدة الشيطان في بعض البلاد العربية، وهذه حقائق لا يمكن لأحد إنكارها.