الحمد لله وحده، والصلاة والسلام
على من لا نبي بعده، أما بعد:
فإن المتتبع لحالات كثير من الأسر في بلدان المسلين يرى ملامح عديدة للفقر والعوز، والحاجة والبؤس، والشقاء والتعاسة؛ تتوزع بين الفقراء والمساكين، والمحتاجين والأرامل والأيتام؛ لاسيما عندما يرون غيرهم في نعمة وعافية، ورغد من العيش، ووفرة من الراحة والهناء؛ خصوصاً في شهر رمضان المبارك الذي يعتبر شهر الجود والإحسان، والإنفاق والصدقة والبر.
وقد تفاقم هذا الأمر حتى وصل الحال ببعض الفقراء والمساكين إلى ارتياد أماكن الزبالات باستمرار للعيش على ما يُرمَى من بقايا الأطعمة؛ بل اضطرت بعض الأسر إلى فعل ما هو أسوأ من ذلك، فأين أنت أيها المسلم من هؤلاء الفقراء المساكين، المحتاجين، والأرامل، والأيتام؛ أين أنت أيها المثري؟

أيهـــا المثري ألا تكفل من بات محرومــاً يتيماً معسراً


أنت ما يدريك لو راعيـــته ربمــــا راعيت بدراً نيراً


ربما أيقظت سعداً ثــــابتاً يحسن القــول ويرقى المنبرا


ربما أيقظت منهم خــــالداً يدخل الغيل على أسد الشرى


كم طوى البؤس نفوساً لو رعت منبتاً خصباً لصـارت جوهراً


كم قضى اليتم على مـوهبــة فتوارت تحت أطبـاق الثرى


إنمـــــا تحمد عقبى أمـره من لأخراه بدنيــاه اشترى

أنقذ نفسك ومالك من الشح بالإنفاق على هؤلاء حتى ولو بشق تمرة، واعلم أن الصلة نور، والصدقة برهان، وهذا هدي نبيك - صلى الله عليه وسلم - كما قال ابن قيم الجوزية - رحمه الله تعالى - عن الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "وكان العطاء والصدقة أحب شي إليه، وكان سروره وفرحه بما يعطيه أعظم من سرور الآخذ بما يأخذه"، وكان أجود ما يكون في رمضان، فكان - صلى الله عليه وسلم - أجود بالخير من الريح المرسلة، لا يتكاثر العطاء، بل يعيش مع الفقراء والمساكين، يتفقد أحوالهم، ويتلمس حاجتهم، ويسعى في قضائها، فكانت تأتيه الجارية فتسأله حاجتها، ويأتيه اليتيم فيشكو إليه حاله، وهو مصغٍ لكل واحد منهم، لا يحتجب دونهم، ولا يتعالى عليهم.
فالله الله أخي الصائم في إخوانك المساكين فإنك مسؤول عنهم أمام الله - تعالى -؛ تلمس حاجتهم في شهر رمضان:
- أنفق عليهم من مالك، واحرص على أن يفطروا على مائدتك؛ لتحوز على أجورهم يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((من فطر صائماً كان له مثل أجره))1.
- عايش أحوالهم، واذهب في الليل الدامس إلى بيوتهم، وانظر ماذا يحتاجون من طعام وشراب، وملبس ... وغيرها من احتياجات، ثم قم بقضاء حوائجهم، وتلبية طلباتهم، وليكن ذلك سراً فإنه أسلم لحالك وحالهم لقول نبيك - صلى الله عليه وسلم -: ((صدقة السر تطفئ غضب الرب))2.
ولا أنسى في الأخير أن أُطل بك أخي الصائم إطلالةً سريعة على نافذة من الأجر العظيم، والخير العميم، المعد للمنفقين والمتصدقين قال - تعالى -: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}3، وقال الله - تعالى -: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}4، وقال - عز وجل -: {إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ}5، وقال - سبحانه -: {مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً وَاللّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}6.

والحمد لله أولاً وآخراً.


1 رواه الترمذي برقم (735)، وصححه الألباني في صحيح الترمذي برقم (807).

2 رواه الحاكم في المستدرك برقم (6418)، وصححه الألباني في الصحيحة برقم (1908).

3 سورة البقرة (274).

4 سورة البقرة (261).

5 سورة الحديد (18).

6سورة البقرة (245).



منقول