هذه كلمات من فضيلة الشيخ د. صالح بن حميد ألقاها في الحرم المكي موجهه للكتاب سواء كانوا في الصحف
أو في الشبكة العنكبوتية فوجدتها كلمات راااائعة كأنها تخاطبنا فأردت أن اشرككم معي في قراءة هذا
الكلام الرائع :
أيّها الكاتِب والمتكلّم، يجبُ أن تحترمَ أخاك ومحدِّثَك وقارئَك وسامعَك، تحترمُ فيهم جميعًا ذكاءَهم وإدراكَهم للحقائقِ
وتمييزَهم للباطل والملَق والنِّفاق والمداهنة، والمواقف تحدِّدها مصادرُ التلقِّي، وقبل ذلك وبعدَه الجدّ كلّ الجدِّ في
الإخلاص ومحضِ النّصح وزكاءِ النفس وحبّ إخوانك.
يقال ذلك كلُّه ـ أيّها المسلمون ـ لِما يظهر في السّاحة من كتَبَة ومتحدِّثين لا ينتَمون للحوارِ المتعقِّل والطَّرح المتَّزن
والمسلَك المعتدل والنقاش المنصف، بل تطغى في كتاباتهم وتحليلاتهم وحواراتهم تطغَى الانتهازيَّة، بل إنَّ في بعضِ
طروحاتهم اقتياتًا على الأحداث وعَيشًا على الكوارثِ واستحلابًا للأزَمات، لا يناقشون المشكلةَ من جذورها، ولا يتعاملون
مع الجهةِ المسؤولة عنها من أجلِ الإسهام في حلِّها، بل يتوجّهون بالاتهام إلى العُرفِ السائدِ وإلى أحوالِ المجتمَع
وتاريخه، ومن المعلوم أنّ أعرافَ الإسلام وأحوالهم في كثيرٍ منها راجعةٌ إلى دينهم ومحافظتِهم على تعاليمِه وتمسُّكهم
بأحكامِه وآدابه، وإذا نزلت نازلةٌ أو حلَّت واقعة تنافسَ بعض الكتَّاب والمحلِّلين والإخباريِّين لا للإسهام في حلِّ الكارثة أو
الخروجِ من الأزمة، بل لتفريقِ الأفكارِ وسَلبِ المجتمع أغلى ما يملك، إمّا في دينِه أو في عفَّتِه وحِشمته أو في تعليمِه
وتربيّته، في تصفيةِ حساباتٍ فكريّة أو مواقفَ شخصيّة.
إنّك لتعجَبُ أن تكونَ لغةُ بعضِ هؤلاء أشدَّ تحاملاً على أهلِهم وأمّتهم ودينهم مِن غلاةِ الصهاينة وأشياعِهم، في لهجةٍ
مقبوحَة ولفظ كَريه، بل قد يكون تربُّصهم بالدين وأهله أوغَلَ في التهمة وأكثرَ في الإلحاح. يتَّخذون مِن الأحداثِ
والأزماتِ ميدانًا للمزايدات وحَربًا على المواقفِ والتضليل، لا تجرُؤ على المكاشفةِ في الحقّ، بل إنها تجعل القارئَ
والمستمِع والمشاهدَ والمتابعَ رهينةً لمبالغاتها، سواءً في جانِب السَّلب مع المخالفين والأضداد، أو في جانب الإيجابِ مع
الموافقين والأصحاب. لا همَّ لكثيرٍ منهم إلاّ الحديثُ عن الجوانبِ المظلمة من الحياةِ والبائسِ من الأحوال، يتحدَّثون بعواطفِهم
أكثرَ مِن عقولهم، تضخيمٌ لآراءِ المعارضين الغاضبين، وتقليلٌ وتهميش لنداءات الإصلاحِ وخطاباتِ الاعتدالِ وطمأنةِ
النفوس لتتروَّض على قبولِ الحق، تركيزُهم على التذكير بماضٍ أليم لم يسلَم منه فردٌ ولم تسلَم منه أمّة، أو نَكءٌ لجرحٍ قد
بَرأ، أو إثارةٌ لحِقد قد اندَثر، أو تمجيد لرموزٍ على حِساب رموزٍ أخرى، أو إثارة لنعرات، أو تعميمٌ لحالاتٍ فرديّة أو
قضايا معزولة، أو لتصفيةِ حساباتٍ فرديّة ونفسيّة ووضعها في قوالبَ وكأنها ظواهرُ اجتماعيّة أو مشكلاتٌ عامّة، في
استعداءاتٍ فجّة واستفزازات لا معنى لها. ليسَ من المعيبِ أن يختلِفَ الكُتَّاب وأهلُ الرأيِ في آرائهم وحِواراتهم
ومكاشفاتهم، ولكن المعيبَ المذمومَ أن تتحوَّلَ تلك الخلافاتُ والمناقشاتُ إلى اتهاماتٍ وسوءِ ظنٍّ وأذى وكراهية.
المصدر