أيها المسلم ماذا أعددت ليوم رحيلك؟
"كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ"1
كل ابن أنثى وإن طالت سلامته يوماً على آلة حدبـاء محمول


جلس الحسن البصري رحمه الله في جنازة النُّوار امرأة الفرزدق، وقد اعتم بعمامة سوداء، وأسدلها بين كتفيه، والناس بين يديه ينظرون إليه، فوقف عليه الفرزدق وقال: يا أبا الحسن، يزعم الناس انه اجتمع في هذه الجنازة خير الناس وشرهم! قال: من ومن؟ قال: أنت وأنا؛ قال: ما أنا بخيرهم، ولا أنت بشرهم، لكن ما أعددت لهذا اليوم؟ قال: شهادة أن لا إله إلا الله، منذ سبعين سنة؛ قال: نعم والله العدة.
فالموت آتٍ، وكل آتٍ قريب، بل الدنيا كلها قريب، هذا السؤال الذي وجهه الإمام الرضي الحسن البصري إلى الفرزدق ينبغي أن يوجهه كل إنسان إلى نفسه كلما شيع جنازة، ودفن ميتاً وواراه.
خير ما يعده المرء لهذا اليوم كلمة التوحيد، شهادة أن لا إله إلا الله، فهي نعم العدة، وخير الزاد إن كان محققاً لمعناها، مستوفياً لشروطها، محافظاً عليها من نواقضها ومبطلاتها.
ومما يدل على أن هذا هو المراد وليس مجرد التلفظ بها، ما صح عنه صلى الله عليه وسلم: "من قال لا إله إلا الله مخلصاً دخل الجنة"، وفي رواية: "يصدق قولَه عملُه"، ولهذا عندما قال الحطيئة للحسن البصري رحمه الله: أليست "لا إله إلا الله" مفتاح الجنة؟ قال له الحسن: من جاء بمفتاح له أسنان فتح له، وإلا لم يفتح له، لأنه ما من مفتاح إلا وله أسنان.
والأسنان المرادة هي أداء الواجبات، والانتهاء من المحرمات، والحذر من الموبقات، واجتناب النواقض والمبطلات: "إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء"2، "إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيمًا".3
قال الطيبي رحمه الله: (قوله مخلصاً، وفي رواية بدله صدقاً، أقيم مقام الاستقامة لأن ذلك يعبر به قولاً عن مطابقة القول المخبر عنه، ويعبر به فعلاً عن تحري الأخلاق المرضية، كقوله تعالى: "وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ"4، أي حقق ما أورده قولاً بما تحراه فعلاً، وبهذا التقرير يندفع ما أوهمه ظاهر الأخبار من منع دخول كل من نطق بالشهادتين النار وإن كان من الفجار).
ولهذا السبب قال الإمام الحسن البصري: ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي، ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل.
ومن أجل ذلك عرف أهل السنة الإيمان بأنه قول وعمل واعتقاد، وحذروا من نواقضه التي أخطرها:
1. الدعاء والاستغاثة بغير الله عز وجل.
2. اتخاذ الوسائط.
3. إنكار ما هو معلوم من الدين ضرورة.
4. التحاكم لغير شرع الله.
5. الإيمان بالسحر المتعلق بالشياطين والكواكب وممارسته.
6. تولي الكفار والمشركين.
7. الاستهزاء والسخرية بدين الله عز وجل.
فمن حقق كلمة التوحيد، وعمل بمقتضاها، وعافاه الله من مسلك أهل الضلالة والإباحيين من الهالكين والحيين، وختم له بخير حتى كان آخر كلامه من هذه الدنيا "لا إله إلا الله"، دخل الجنة مع أول الداخلين.
وإن خلط عملاً صالحاً وآخر سيئاً فمصيره إلى الجنة بعد عفو الله أوتطهيره من ذنوبه بالنار.
جد أخي المسلم في إعداد العدة ليوم الرحيل، واحذر التسويف، فالرحيل أكيد، والسفر طويل، والعمر قصير، والأجل قريب، فقد يكون اليوم أوغدٍ، أوبعد سنين، فالكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من اتبع نفسه هواه، وتمنى على الله الأماني.
فحاسب نفسك أخي المسلم قبل أن تحاسب، وزن أعمالك قبل أن توزن عليك، وتزين ليوم العرض الأكبر، وتذكر ليلة فجرها يوم القيامة، وقبراً لا مؤنس فيه إلا العمل الصالح، وأكثر من ذكر هادم اللذات، ومفرق الجماعات، وميتم البنين والبنات، ومرمل الأزواج والزوجات.
اللهم اختم لنا بخير واجعل عاقبة أمورنا كلها إلى خير، وطيبنا للموت وطيبه لنا، وصلى الله وسلم وبارك على محمد وعلى آله ومن تبعهم بإحسان.
منقول للفائدة
وصلي الهم علي نبينا محمد واله وصحبةوسلم