فتاوى القتل في العراق


التصريح الأخير لعلي الأديب القيادي في حزب الدعوة حول "احتمال صدور فتوى من 12 من رجال الدين في السعودية والعراق وباكستان تكفر علماء الشيعة" والتي وصفها الأديب بأنها -إن أعلنت- "مخطط لئيم لقتل الأطفال والنساء والشيوخ "
هذا التصريح وأمثاله فتح المجال أمام الكتابة حول الفتاوى المحرضة على القتل وأثرها في تأجيج العنف والصراع الداخلي في العراق.
وقبل أن نخوض في الجهات التي تقف وراء مثل هذه الفتاوى و مدى ثقلها العلمي والديني وحجم شعبيتها ، لا بد من القول بأن القتل الطائفي أصبح أهم الدوافع التي تقف وراء كثير من الأعمال الإرهابية التي راح ضحيتها عشرات الألوف من الأبرياء في العراق ، ومنذ أيام الاحتلال الأولى ؛ هذا يشير إلى أن هناك جهات قد أعدت فتاواها وعصاباتها -قبل الاحتلال- لتقتل الناس وتهجرهم على أساس ديني قبل خروج مصطلح "الطائفية" و"الخلاف السني-الشيعي" إلى الوسط الإعلامي.
ففي عام 2003 تعرض أبناء السنة في جنوب العراق وبعض مناطق العاصمة بغداد لكافة أشكال الاستهداف وكانت تلك الحوادث قليلا ما يتناولها الإعلام، وإن سُلط الضوء عليها فيُعزي سبب الحادثة إلى أعمال ثأرية وانتقامية بتهمة الارتباط بحزب البعث !، يُذكر أن المرجع الشيعي كاظم الحائري أصدر بيانا بتاريخ 10 ربيع الثاني 1424هـ أهدر فيه دماء البعثيين !.
من أهم أشكال الاستهداف الديني للسنّة في العراق هو التهجير والقتل على الأسماء والهوية وهدم المساجد وحرقها والاحتجاز والتعذيب والقتل في الحسينيات وهذه الألوان الاحترافية في التعذيب والقهر والاضطهاد وصلت إلى حد الإبادة كما صرّح بذلك قادة السنة في العراق سياسيون ومقاومون ، إسلاميون وعلمانيون ، هذا فضلا عن التمييز والإقصاء الطائفي في المدارس والجامعات وكافة مؤسسات ودوائر الدولة.
حازم الأعرجي أحد قيادات التيار الصدري وإمام الجمعة في مرقد الكاظم غرب بغداد صرّح في خطبة مرئية مسجلة بوجوب قتل أهل السنة الذين نعتهم بالوهابيين البعثيين ومما جاء في هذه الخطبة «انتظار الإمام-المهدي المنتظر- على نوعين: " انتظار سلبي وانتظار ايجابي ، أما الانتظار السلبي فهو مأخوذ من نص الرواية : انتظار الفرج يعني سكوت وخنوع إلى أن يأتي الإمام ويخلص البشرية ، والسيد الخميني يرد على هذا » يتابع الاعرجي « الانتظار الايجابي سيصدر إن شاء الله من جنود جيش الإمام الحجة ، أمر من محمد الصدر ومن الحوزة الناطقة بأن تقتلوا كل وهابي نذل وكل بعثي حقير ، إن مسؤوليتي ومسؤوليتك ومسؤولية رجل الدين وشيخ العشيرة أن يجيش الجيوش من الشيعة المؤمنين لقتل الوهابية» ويقولها الاعرجي بشكل صريح «خذ سلاحك وقاتل كل وهابي نجس ، أنا من هنا مسؤول عن كلامي ...ومن يقول أريد فتوى فهذا ينتظر الإمام بالانتظار السلبي عليه لعائن الله تعالى ، لا نريد كلمة فتوى بعد اليوم ، الفتوى موجود فمحمد الصدر قالها قبل سبعة سنين :الوهابي نجس بل أنجس من الكلب» وهذا الكلام الذي نسبه الاعرجي إلى محمد صادق الصدر ذكره في كتابه (ما وراء الفقه 1/145-146 دار الأضواء 1993).



الغاية من هذا الكلام أن هناك فتاوى مصرح بها تحكم بكفر السنة وتحض على قتلهم ولا يتطرق لها أحد من العلماء والمفكرين والإعلاميين ، بينما يُسلط الضوء على أفعال وخطابات القاعدة المنصبّ ضررها على أهل السنة في كافة الأقطار العربية والإسلامية ، وفي العراق أوضح مثال حيث حكمت القاعدة بالكفر على كل من خالفه من الجماعات الإسلامية المجاهدة ، وكفّروا كل سني لا يوافقهم ولا يتابعهم ، فالدندنة على لصق "الإرهاب القاعدي" بالسُنة تشويه للحقيقة و محاولة يائسة لصرف النظر عن فتاوى التكفير الصادرة من الجانب الشيعي.
يثبت الواقع المعايَن من قبل الجميع أن العمل بفتاوى القتل من الجانب الشيعي ما زال جاريا وعلى نطاقه الرسمي والمليشياوي في العراق فمجزرة أبو غريب الاخيرة ( 16 نوفمبر 2009) والتي راح ضحيتها 13 من عشيرة زوبع واستهداف العوائل السنية بالقتل والتهجير في قضاء الخالص شمال بغداد (مطلع الشهر الجاري) وكذلك عمليات الاغتيال بالعبوات اللاصقة التي تطال النخب الاكاديمية الدينية والسياسية في الانبار وغرب بغداد تؤكد سريان العمل بالفتاوى المحرضة على القتل وعدم صدور أي ما يردع هؤلاء المتشددين.
وفي نفس الوقت فإن السنة -وفي العراق على وجه الخصوص- يقعون ضحية فتاوى الجانبين ( القاعدة والمتطرفين الشيعة ) ولنأخذ قوات الصحوة على ذلك مثالا فمؤخراً صدرت في ديالى فتاوى من القاعدة تحرض على قتل عناصر الصحوة ، ومنذ سنتين صرح العقيد رعد علي حسن أحد قادة الدورة جنوب بغداد لصحيفة لحياة أن «الميليشيات تتلقى فتاوى لقتل عناصر الصحوة» [صحيفة الحياة 8 يناير 2008]
ومن المفيد للقارئ أن يعلم أن الحديث عن السنة والشيعة هو حديث عن أمة وطائفة فلا ينبغي مقارنة أهل السنة الذين هم أهل الإسلام في كل زمان ومكان ، بطائفة وفرقة حالها كبقية الفرق التي نقرأ عنها في كتب الملل والنحل ، وهذا ستجده ينعكس على مسألة فتاوى القتل وإباحة الدم والمال فالسني - لا يحمل بأية حال من الأحوال ثقافة تكفير المقابل بل لا يملك هذا الحق ، لأن ذلك أمر كبير لا يستطيعه إلا العلماء وأهل الاختصاص ، بينما يجد الشيعي أكثر من مقصلة لإدخال المخالف والخصم تحتها ليبيح قتله وإيذاءه كـ ( تهمة نصب العداء لآل البيت قديما ، وتهمة الوهابية والبعثية حديثا).
فلا يخجل العالِم السني المنتمي إلى أمة عريقة عظيمة من إطلاق حكم معين على طائفة أو مذهب ، والمنطق والعقل السليم يقول إن على المنتمي إلى طائفة وفرقة صغيرة أن يكون حذرا مؤدبا في إطلاق أحكام الكفر والفسق والخروج عن الدين حتى لا يستعدي الشعوب والأمم التي تدين بديانة واحدة وتجتمع على اعتقاد واحد ، لكن الواقع يثبت عكس ذلك.