بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده
احبتي في الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، وبعد
لو أن إنسانا مارس عملا معينا خمسين عاما – مثلا – لأصبح فيه محنكا بمداخله وطرقه وخفاياه .
فهذا إبليس عليه لعنة الله من يوم طرده الله من الجنة حتى الآن ليس له عمل إلا اضلال الخلق وإغواؤهم ، فهذه المدة الطويلة وتلك الخبرة المديدة جعلته يخترع أفانين في إلاغواء والإضلال فمن هذه الحيل :
1- تزيين الباطل :
إن الباطل له صورة قبيحة وسيمة وقحة ولذلك يعمد الشيطان إلى هذا الباطل فيغطيه بغطاء جميل ويلبسه لباسا حسنا ثم يزينه ونحسنه ثم يبدأ في إغواء العبد به وما علمنا ذلك إلا من قول الشيطان نفسه حين قال لربه : " لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين " سورة الحجر آية 39 . فالتزيين أولا ثم الإغواء .
2- تسمية المعاصي باسماء محببة :
ومن صور هذا التزيين بسمية الفواحش والمعاصي باسماء محببة إلى النفوس لكي يخفى خبثها وفحشها ، فهو الذي سمى الشجرة بشجرة الخلد " هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى " سورة طه آية 120 . يقول ابن القيم رحمه الله تعالى : وقد ورث اتباعه تسمية الأمور المحرمة بالأسماء التي تحب النفوس مسمياتها ، فسموا الخمر بأم الأفراح ..... " .
فهم الذين يسمون الربا بالفائدة ، ويسمون التبرج الفاضح بحرية المرأة ، ويسمون الاختلاط المستهتر بالتقدم والتمدن ، ويسمون المغنية الفاسقة الفاجرة فنانة ، ويسمون الممثلة الخليعة بطلة ، ويجمعون كل هذا الفسق والفجور والعصيان تحت اسم الفن ، كل ذلك ليجذبوا قلوب الناس الى فحشهم وخبثهم .
3- تسمية الطاعات باسماء منفرة :
إن الحق تكون عليه مسحة من نور ، وتعلوه إشراقة وضاءة فلو ظل كما هو دون تشويه أو تقبيح لتهافتت إليه النفوس ، وصغت إليه الأسماع وركنت إليه القلوب ولذا كان دور الشيطان الأول هو تقبيخ صورة الحق وتشويهها وتسمية بأسماء منفرة ، فهو الذي أوحى إلى اوليائه من الكفار من قوم عاد أن يقولوا لنبيهم هود عليه السلام " إنا لنراك في سفاهة وإنا لنظنك من الكاذبين " سورة الاعراف آية 66 . وهو الذي اوحى إلى أوليائه من كفار مدين أن يقولوا للناس " لئن اتبعتم شعيبا إنكم إذا الخاسرون " سورة الاعراف 90 . وهو الذي اوحى إلى اوليائه من كفار قريش بتسمية الرسول صلى الله عليه وسلم بالساحر والكاهن والشاعر والمسحور والمجنون وغيرها من الأسماء المنفرة " وقال الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا " سورة الفرقان آية 8 .
ومازال الشيطان يسير في نفس الخطة وبتلك الوسائل حتى زماننا هذا . فهو الذي أوحى الى أوليائه بتسمية المتمسكين بهدي النبي صلى الله عليه وسلم والمنتسبين بسنته ظاهرا وباطنا بالمتطرفين والمتعصبين .
4- دخوله إلى النفس من أحب الأبواب إليها :
إن عدو الله لا يدخل على النفس إلا من الباب الذي تحبه وتهواه لأنه بذلك يحقق مرادها وهواها فيجد الشيطان من النفس عونا ومن الهوى مددا .
يقول ابن القيم رحمه الله : " وهذا باب كيده الأعظم الذي يدخل منه على ابن آدم ، فإنه يجري منه مجرى الدم حتى يصادف نفسه ونخالطه ، ويسألها عما تحبه وتؤثره ، فإذا عرفه استعان بها العبد ودخل عليه من هذا الباب وكذلك علم اخوانه أولياءه من الإنس أذا أرادوا اغراضهم الفاسدة من بعضهم بعضا .......... "
5- التدرج في الإضلال :
إن الشيطان لا يأتي الإنسان ويقول له : افعل هذه المعصية أو ارتكب هذه الفاحشة . وإنما يقربه منها خطوة خطوة ، وقديما قالوا : " نظرة فابتسامة فكلام فموعد فلقاء " . وهنا يقع المحظور ، فذلك حذرنا الله تعالى من اتباع خطوات الشيطان فقال : " يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ، ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يـأمر بالفحشاء والمنكر " سورة النور آية 21 .
6- الصد عن الحق :
أخذ الشيطان على نفسه عهدا ليضلن بني آدم وليغوينهم أجمعين إلا من اعتصم منهم بالله تعالى وتحصن بحصن الإخلاص ، فذلك لا سبيل للشيطان إليه .
قال تعالى : " قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم ، ثم لاتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد اكثرهم شاكرين " سورة الأعراف آية 16 .
قال القرطبي رحمه الله تعالى : " لاقعدن لهم صراطك المستقيم " أي بالصد عنه وتزيين الباطل حتى يهلكوا كما هلك .
7- إظهار النصح للإنسان :
إن الشيطان لا يأتي الإنسان ويقول له أفعل كذا من المعاصي لكي تنال العذاب الأليم ، وإنما يأتيه في صورة الناصح الأمين ، وبهذه الحلية تمكن من إغواء أبوينا وإخراجها من الجنة " يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما اخرج أبويكم من الجنة " سورة الاعراف آية 27 .
كما روي عن بعض السلف أنه قال : إذا جاءك الشيطان في الصلاة فقال أنك ترائي فزدها طولا . فلا نجاة إلا بمخالفة الشيطان ولو أظهر النصح للإنسان .
8- الاستعانة بشياطين الإنس :
إن من الناس من تخالط بشاشة الإسلام قلبه فيقوى إيمانه ويعلو يقينه ويخالط الإسلام لحمه ودمه فلا يسير إلا على هديه ولا يستضئ إلا بنوره ولا يقتدي الا برسوله صلى الله عليه وسلم فهو ملتزم بالإسلام في كل صغيرة وكبيرة من أمور حياته ، وهذا الصنف من الناس – وهم قليل – يأتيهم الشيطان بكل شاردة ووارده فلا يستطيع أن يغويهم فبعد ما تعجزه الحيل يستنجد بأوليائه من شياطين الأنس ليعاونوه في تلك المهمة . قال تعالى : " وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم " سورة الأنعام آية 121 .
قال مالك بن دينار : إن شيطان الإنس أشد على من شيطان الجن ، وذلك أني إذا تعوذت من شيطان الجن ذهب ، وشيطان الإنس يجيئني فيجرني إلى المعاصي عيانا .
فنعوذ بالله من شياطين الإنس والجن ونسأله سبحانه أن يقينا شرهم ويكفينا مكرهم ، هذا وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
==================================================
المرجع : كتاب وقاية الانسان من الجن والشيطان ، وحيد عبد السلام بالي .
==================================================