وعدم الحكم بكفر من أعان الكفار على المسلمين لا يعني تحسين ما فعل بل هو جريمة نكراء
ومعصية تتزلزل لهولها الجبال أعاذنا الله وإخواننا المسلمين في كل مكان منها .
ولكن رضى الله باتباع الدليل والإنصاف والعدل لا بالعاطفة والحماس المجرد .
وإليك هذه الفتوى للعلامة عبد الرحمن بن ناصر البراك في هذا الموضوع الخطر :
جاء في ( فتاوى واستشارات الإسلام اليوم) - (ج 16 / ص 431) ما يلي :
(( مظاهرة الكفار على المسلمين رهبةً لا كرهاً للمسلمين!
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 01/02/1427هـ
السؤال
فضيلة شيخنا عبد الرحمن بن ناصر البراك -حفظه الله- أفيدك بأني قد قرأت كتابًا بعنوان: (مسائل
العذر بالجهل) تحت إشراف فضيلتكم، وفهمت منه أن إعانة الكفار بالقتال معهم ضد المسلمين لا
تكون كفراً، إلا بشرط الرغبة في إظهار دينهم، أو المحبة لدينهم، وعبَّر أن القتال مع الكفار ضد
المسلمين -حمية ولمصالح دنيوية- ليس كفراً مخرجاً من الملة، فهل هذا الفهم صحيح؟ وهل قال به
أحد من أهل السنة؟ وما رأي فضيلتكم في اشتراط ما ذُكِر أعلاه للحكم بتكفير من قاتل المسلمين
مع الكافرين؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فلا شك أن أسباب مظاهرة بعض الكافرين على بعض المسلمين تختلف، فتارة يكون الباعث بغض
الإسلام وأهله، وتارة يكون عن رغبة في مصلحة أو رهبة من ضرر يلحق بهذا المظاهر، ومعلوم أنه
لا يستوي من يحب الله ورسوله ودينه -ولكن حمله غرض من الأغراض على معاونة بعض الكفار
على بعض المسلمين- لا يستوي هذا ومن يبغض الإسلام وأهله، وليس هناك نص بلفظ المظاهرة أو
المعاونة يدل على أن مطلق المعاونة ومطلق المظاهرة يوجب كفر من قام بشيء من ذلك لأحد من
الكافرين.
وهذا الجاسوس الذي يجس على المسلمين وإن تحتم قتله عقوبة فإنه لا يكون بمجرد الجس مرتداً،
ولا أدل على ذلك من قصة حاطب بن أبي بلتعة -رضي الله عنه- فقد أرسل لقريش يخبرهم بمسير
النبي -صلى الله عليه وسلم- إليهم، ولما أطلع اللهُ نبيَه على ما حصل من حاطب، وعلى أمر المرأة
التي حملت الكتاب عاتب النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- حاطباً على ذلك، فاعتذر بأنه ما حمله على
ذلك إلا الرغبة في أن يكون ذلك يداً له عند قريش يحمون بها أهله وماله، فقبل النبي -صلى الله
عليه وسلم- عذره، ولم يأمره بتجديد إسلامه، وذكر ما جعل الله سبباً لمغفرة الله له، وهو شهوده
بدراً. صحيح البخاري (3983)، وصحيح مسلم (2494).
وهذه مظاهرة أي مظاهرة، فإطلاق القول بأن مطلق المظاهرة -في أي حال من الأحوال- يكون
ردة ليس بظاهر. فإن المظاهرة تتفاوت في قدرها ونوعها تفاوتاً كثيراً، وقوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا
يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ" [المائدة:51]، لا يدل على أن أي تولٍّ يوجب الكفر، فإن التولي على
مراتب، كما أن التشبه بالكفار يتفاوت وقد جاء في الحديث: "من تشبه بقوم فهو منهم" أخرجه
أحمد (5093)، وأبو داود (4031) ، ومعلوم أنه ليس كل تشبه يكون كفراً فكذلك التولي.
والحاصل أن ما ورد في الكتاب المسؤول عنه من التفصيل هو الصواب عندي. والله أعلم )) انتهى
كلامه .
قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله
(الناقض الثامن: مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين، والدليل قوله تعالى (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)).
قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (المائدة:51).
وقد دلت هذه الآية على كفر من نصر الكفار من ثلاثة وجوه:
الوجه الأول: قوله تعالى (بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ)، فجعل الكفار بعضهم أولياء بعض وقطع ولايتهم عن المسلمين، فدل على أن من تولاهم فهو داخل في قوله تعالى (بَعْضُهُمْ) فيلحقه هذا الوصف، قال ابن جرير رحمه الله (6/277): ”وأما قوله (بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) فإنه عنى بذلك أن بعض اليهود أنصار بعضهم على المؤمنين، ويد واحدة على جميعهم، وأن النصارى كذلك بعضهم أنصار بعض على من خالف دينهم وملتهم، معرفاً بذلك عباده المؤمنين أن من كان لهم أو لبعضهم ولياً فإنما هو وليهم على من خالف ملتهم ودينهم من المؤمنين، كما اليهود والنصارى لهم حرب، فقال تعالى ذكره للمؤمنين فكونوا أنتم أيضاً بعضكم أولياء بعض، ولليهودي والنصراني حرباً كما هم لكم حرب، وبعضهم لبعض أولياء، لأن من والاهم فقد أظهر لأهل الإيمان الحرب ومنهم البراءة وأبان قطع ولايتهم“.
الوجه الثاني: قوله (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ)، يعني كافر مثلهم، قال ابن جرير رحمه الله 6/277: ”يعني تعالى ذكره بقوله (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ): ومن يتول اليهود والنصارى دون المؤمنين فإنه منهم، يقول: فإن من تولاهم ونصرهم على المؤمنين فهو من أهل دينهم وملتهم; فإنه لا يتولى متول أحداً إلا وهو به وبدينه وما هو عليه راض، وإذا رضيه ورضي دينه فقد عادى ما خالفه وسخطه وصار حكمه حكمه“.
وقال الشيخ سليمان بن عبد الله آل الشيخ (الدرر 8/127) فيها أيضاً: ”فنهى سبحانه المؤمنين عن اتخاذ اليهود والنصارى أولياء، وأخبر أن من تولاهم من المؤمنين فهو منهم، وهكذا حكم من تولى الكفار من المجوس وعباد الأوثان، فهو منهم“.
الوجه الثالث: قوله (إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) والظلم هنا (الظلم الأكبر) كما قال تعالى (وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ)، ويدل على ذلك أول الآية والآيات التالية – كما سيأتي في الأدلة من الثاني إلى الرابع – مع الإجماع السابق، قال ابن جرير (6/278): ”يعني تعالى ذكره بذلك أن الله لا يوفق من وضع الولاية موضعها فوالى اليهود والنصارى مع عداوتهم الله ورسوله والمؤمنين على المؤمنين وكان لهم ظهيراً ونصيراً; لأن من تولاهم فهو لله ولرسوله وللمؤمنين حرب“.
وقال ابن جرير رحمه الله تعالى (تفسيره) 6/276 أيضاً في هذه الآية: ”والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال: إن الله تعالى ذكره نهى المؤمنين جميعاً أن يتخذوا اليهود والنصارى أنصاراً وحلفاء على أهل الإيمان بالله ورسوله،وأخبر أنه من اتخذهم نصيراً وحليفاً وولياً من دون الله ورسوله والمؤمنين فإنه منهم في التحزب على الله وعلى رسوله والمؤمنين وأن الله ورسوله منه بريئان“.
قال العلامة ابن حزم رحمه الله في (المحلى) (11/138): ”صح أن قوله تعالى (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ) إنما هو على ظاهره بأنه كافر من جملة الكفار، وهذا حق لا يختلف فيه اثنان من المسلمين“.
شهد تاريخ الإسلام في فترات متعددة وجود حوادث فيها مظاهرة ممن يدعي الإسلام للكفار، وقد قام علماء الإسلام بتوضيح حكم هذه المظاهرة، وسأذكر فيما يلي بعضاً من هذه الحوادث:
الحادثة الأولى:
غزوة بدر في السنة الثانية: حيث خرج بعض المسلمين مع المشركين في غزوة بدر لتكثير سوادهم، وقد نزل فيهم قول الله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً) (النساء:97). وقد سبق ذكر ذلك في الدليل الرابع عشر من القرآن.
الحادثة الثانية:
حادثة المرتدين في السنة الحادية عشرة: وذلك بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وعدم استفصال الصحابة ممن كانوا يقاتلونهم، وقد سبق ذكر ذلك في المبحث الثالث.
الحادثة الثالثة:
في بداية سنة 201: خرج (بابك الخرمي) وحارب المسلمين وهو بأرض المشركين فأفتى الإمام أحمد وغيره بارتداده، فقد روى الميموني أن الإمام أحمد قال عنه: خرج إلينا يحاربنا وهو مقيم بأرض الشرك، أي شيء حكمه ؟ إن كان هكذا فحكمه حكم الارتداد. (الفروع) 6/163.
الحادثة الرابعة:
بعد عام 480: قام المعتمد بن عباد – حاكم أشبيلية – وهو من ملوك الطوائف في (الأندلس) بالاستعانة بالإفرنج ضد المسلمين، فأفتى علماء المالكية في ذلك الوقت بارتداده عن الإسلام [1]. (الاستقصا) 2/75.
الحادثة الخامسة:
في سنة 661: قام صاحب الكرك (الملك المغيث عمر بن العادل) بمكاتبة (هولاكو) والتتار على أن يأخذ لهم (مصر)، فاستفتى (الظاهر بيبرس) الفقهاء فأفتوا بعزله وقتله، فعزله وقتله. (البداية والنهاية 13/238) (الشذرات 6/305).
الحادثة السادسة:
في حدود سنة 700: هجم التتار على أراضي الإسلام في (الشام) وغيرها، وقد أعانهم بعض المنتسبين للإسلام، فأفتى شيخ الإسلام ابن تيمية بردة من أعانهم (الفتاوى) 28/530.
الحادثة السابعة:
في عام 980: استعان (محمد بن عبد الله السعدي) أحد ملوك (مراكش) بملك (البرتغال) ضد عمه (أبي مروان المعتصم بالله)، فأفتى علماء المالكية بارتداده. (الاستقصا) 2/70.
الحادثة الثامنة:
بين عامي 1226 – 1233: هجمت بعض الجيوش على أراضي نجد للقضاء على دعوة التوحيد، وأعانهم بعض المنتسبين للإسلام، فأفتى علماء نجد بردة من أعانهم، وألف الشيخ سليمان بن عبد الله آل الشيخ كتاب (الدلائل) في إثبات كفر هؤلاء، وذكر واحداً وعشرين دليلاً على ذلك.
الحادثة التاسعة:
بعد الحادثة السابقة بنحو من خمسين عاماً: تكرّر نفس الأمر، فأفتى علماء نجد بكفر من أعان المشركين، وألف الشيخ حمد بن عتيق كتاب (سبيل النجاة والفكاك من موالاة المرتدين وأهل الإشراك) في هذا الأمر.
الحادثة العاشرة:
في أوائل القرن الرابع عشر: أعانت بعض قبائل الجزائر الفرنسيين ضد المسلمين، فأفتى فقيه المغرب أبو الحسن التسولي بكفرهم. (أجوبة التسولي على مسائل الأمير عبد القادر الجزائري) ص 210.
الحادثة الحادية عشرة:
في منتصف القرن الرابع عشر: اعتدى الفرنسيون والبريطانيون على المسلمين في مصر وغيرها، فأفتى الشيخ أحمد شاكر بكفر من أعان هؤلاء بأي إعانة. (كلمة حق) 126 وما بعدها.
الحادثة الثانية عشرة:
في منتصف القرن الرابع عشر أيضاً: استولى اليهود على فلسطين، وأعانهم بعض المنتسبين للإسلام، فأفتت لجنة الفتوى بالأزهر برئاسة الشيخ عبد المجيد سليم عام 1366 بكفر من أعانهم.
الحادثة الثالثة عشرة:
في أواخر القرن الرابع عشر: كثر الشيوعيون والاشتراكيون في بلاد المسلمين، وأعانهم بعض المنتسبين للإسلام، فأفتى الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله بكفر من أعانهم. (مجموع فتاواه) 1/274.
واعذرني فقد جمعته وأنا في غاية العجلة ولست والله براض عنه لكن
إذالم تكن إلاأسنة مركبا فما حيلة المضطر إلاركوبها
ولي عودة إن شاء الله