تكملة
وورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ( افضل أيامكم يوم الجمعة : فيه خلق آدم وفيه قبض وفيه النفخة ، وفيه الصعقة ، فأكثروا علي من الصلاة فيه فإن صلاتكم معروضة علي ، قالوا : وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت - يقولون بليت - فقال : ( إن الله قد حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء عليهم السلام ) وقال صلى الله عليه وسلم : ( ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام )
فالحديث الأول : فيه دلالة على عرض ( الصلاة والسلام ) على نبينا صلى الله عليه وسلم وهذا يدل دلالة واضحة على أن جسده صلى الله عليه وسلم طري مطرا ، وروحه في الرفيق الأعلى في أعلى عليين مع أرواح الأنبياء ،
والحديث الثاني : فيه دلالة على اتصال روحه الشريفة بجسده لرد السلام على من سلم عليه من قرب ومن بعد .
فالروح لها اتصال بالبدن في القبر لايعلم كيفيته إلا الله بحيث يرد سلام من سلم عليه وروحه في الرفيق الأعلى . ولا تنافي بين كونها في الرفيق الأعلى وجسده في الأرض فشأن الأرواح غير شأن الأبدان ، فإذا كان النائم روحه في جسده وهو حي ، وحياته غير حياة المستيقظ ، فإن النوم شقيق الموت ، فهكذا الميت إذا أعيدت إليه روحه إلى جسده كانت له حال متوسطة بين الحي والميت كحال النائم المتوسطة بين الحي والميت . فهذا حاله صلى الله عليه وسلم في قبره وهذه عقيدة أهل السنة والجماعة في نبيها محمد صلى الله عليه وسلم فأين هذا من قول الجفري ( إنه مشغول بي وبك ) 0
* الثالثة: وصفه لكل من يمنع إقامة المولد ( بالعقول الضيقة ) 0 يا سبحان الله كيف يزن الجفري الأمور المتعلقة بشرع الله إن الذين يصفهم الجفري بالعقول الضيقة هم من وقفوا عند قول الله تعالى وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلموا بذلك ولم يزيدوا على شرع الله شيئا من مستحسن العقول ، أما هو وأتباعه –بطريق الأولى- فهم أصحاب العقول الواسعة التي تشرع لأنفسها ولأتباعها كل ما تمليه عليه عقولهم و أهواؤهم الضالة المضلة ، ثم هل الدين يؤخذ من العقول أو من الشرع 0 ويكفي في الرد على مثل هذه المقولة ما قدمته لك في مقدمة هذا الرد ففيه الكفاية والبيان0
• الرابعة: قوله: ( أين معاني الاتصال بمحبته )
نقول : إن مقتضى محبة الرسول صلى الله عليه وسلم هو: طاعته فيما أمر و اجتناب ما نهى عنه وزجر وأن لا يعبد الله إلا بما شرع0 فمن فعل هذا كانت محبته للرسول صلى الله عليه وسلم متصلة كاملة ومن أخل بها أخل بمحبة المصطفى صلى الله عليه وسلم ، فحقيقة المحبة الطاعة و الإتباع كما قال تعالى ( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعونى يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم ) 0 آل عمران : 310
قال الجفري : [ الصحابة بذلوا الأرواح تحت قدميه صلى الله عليه وسلم ونحن نستكثر أن نذكر فيها ولادته 0ماهذا الكلام أهذه منزلته ]0
ونقول: ما زال الجفري –هداه الله- يقيس الأمور الشرعية بعقله القاصر وذوقه الفاسد0
نعم الصحابة قدموا أرواحهم لله رخيصة ولإعلام كلمة التوحيد لا لمقام النبي محمد صلى الله عليه وسلم وإلا كانوا عابدين للرسول صلى الله عليه وسلم وحاشاهم من ذلك0
فإن كان الجفري يتأسف ويستكثر عدم إقامة المولد فإن الواجب عليه أن يتبع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما فعلوا فيقف حيث وقفوا ، لا أن يبتدع عبادة من عقله ثم يقول :إذا لم نقدر أن نبذل الأرواح علينا أن نقيم الموالد0
فكأنه يقول إذا لم نقدر على اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه فلنبتدع في دين الله 0
قال الجفري: [ هو الذي يفرج عني وعنك في ذلك اليوم ، هو غياثنا في الدنيا والبرزخ ويوم القيامة0بعد ذلك نشك في أن نفرح به أو لا نفرح0000]
قوله : [ هو غياثنا في الدنيا والبرزخ ويوم القيامة ] هذا من جنس قول البوصيري : أن لم تكن في معادى آخذا بيدي 00 وإلا فقل يا زلة القدم
إلى آخر ما قال من الغلو القبيح 0 فإن الغياث في الدنيا والآخرة هو الله وحده 0 أما الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه لايملك لنفسه ولا لغيره ضرا ولا رشدا كما ذكر الله ذلك عنه ، وقال صلى الله عليه وسلم لأقرب الناس إليه : ( اشتروا أنفسكم لا أملك لكم من الله شيئا ) 0
وأما قوله: ( في البرزخ ) فهذا على معتقده الفاسد أن النبي صلى الله عليه وسلم يستجيب دعاء من يسأله وأنه يكشف الضر من دون الله وأنه يستغاث به بعد الممات .... إلخ وهذا باطل جدا لأن الله أرشدنا عند طلب الغوث أن نطلبه منه سبحانه فقال تعالى ( إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم ) الأنفال :17 وقال تعالى : ( وهما يستغيثان الله) الأحقاف :17 وما ورد في القرآن قوله تعالى : ( فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه ) القصص : 15 فهذا فيما يقدر عليه العبدفي حياته ، أما مالا يقدرعليه إلا الله فلا يجوز طلبه إلا منه سبحانه وتعالى . وأما طلب الغوث من الرسول بعد موته فممنوع لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يملك غياثا لأحد بعد الموت .
وأما قول الجفري : [ ويوم القيامة ] فقد تقدم الرد عليه ضمن الوقفة الأولى مما يغني عن إعادته هنا
قال الجفري : [ ثانيا : ما يجري داخل المولد : كل ما يحدث سنن ، فالمولد قراءة القرآن ، وصلاة على الحبيب صلى الله عليه وسلم هل يحتاج هذا إلى دليل من القرآن ؟ هل ذكر يا أيها الذين آمنوا كل واحد يصلي لحالوا _ لوحده_ على النبي صلى الله عليه وسلم بصوت منخفض . ولكن ذكر ( صلوا على النبي ) والواو هنا للجماعة والأصل فيه الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم جماعة فالصلاة دافع لهذا الأمر ، فيأتي سفيه العقل ويقول لا يجوز تصلون عليه إلا بالقلب فهذه أصول فتحت للتقرب إلى الله فلماذا نغلقها بهذه الأقوال ؟ ]
ونقول : هذا القول يستدعي منا إلى وقفات لبيان باطله
• الوقفة الأولى : قوله :[ إن كل ما يجري في المولد سنن ] باطل 0 بل المولد محدث مبتدع ، و ما يحدث فيه من بدع ومحدثات وتقدم رد ذلك في أول كلامه أن [المولد سنة مؤكدة] . مما يغني عن إعادته هنا .
وأما قوله : [ قراءة للقرآن وصلاة على الحبيب صلى الله عليه وسلم]
فنقول : إن قراءة القرآن الكريم مشروعة في كل وقت وهو من أعظم ما ذكر الله به سبحانه وتعالى كلامه جل وعلا وتخصيص ذلك في المولد في زمن معين بدعة في الدين ومن نوى بقراءة القرآن إقامة المولد مستحبا له فلا شك أن الابتداع متوفر فيه فاتخاذ ذلك عادة دائرة بدوران الأوقات مكروه لما فيه من تغيير الشريعة وتشبيه غير المشروع بالمشروع ، وقل مثل ذلك في الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم فإن ذلك ليس مخصوصا بالمولد فقط بل هو عام ويتأكد في مواطن ذكرها المصطفى صلى الله عليه وسلم ولم يذكر منها المولد المزعوم المبتدع في الدين فمن تلك الأوقات يوم الجمعة كما في حديث ( من أفضل أيامكم يوم الجمعة .. إلى أن قال : فأكثروا علي من الصلاة فيه .... الحديث )وفي كل وقت كما في حديث ( من صلى علي واحدة صلى الله عليه بها عشرا ) وبعد سماع المؤذن كما في قوله صلى الله عليه وسلم ( إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثلما يقول ، ثم صلوا علي فإن من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشرا ) الحديث ، وعند التشهد الأخير من الصلاة ، وفي خطبتي الجمعة والعيدين وفي صلاة الجنازة وعند الدعاء والدخول للمسجد والخروج منه وعند ذكره صلى الله عليه وسلم .
والأحاديث بذلك أكبر شاهد لمن هداه الله وأراد به الخير وليس فيها حديث واحد- ولو ضعيف - أنه صلى الله عليه وسلم خص الصلاة عليه في هذا المولد المزعوم المبتدع ، فهل يعقل الجفري - وأتباعه ومن سبقه - دين الله فلا يقولوا على الله مالا ما يعلمون .
أسأل الله تعالى أن يهدي قلوبهم إلى دينه وإلى سنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم . آمين 0
وأما احتجاج الجفري بقوله تعالى ( ياأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ) على مشروعية الصلاة والسلام على النبي محمد صلى الله عليه وسلم جماعة وبصوت مرتفع
فهذا باطل وبيان ذلك في الآتي :
* أولا :- ليس في الآية إشارة إلى ما ادعاه الجفري بل فيها إطلاق الصلاة على النبي محمد صلى الله عليه وسلم وبالصفة التي علمها النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه 0
* ثانيا:- الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بمعنى الدعاء له والدعاء من العبادة التي ينبغي أن تكون خفية لا معلنة كما قال تعالى : ( ادعوا ربكم تضرعا وخفية ) الأعراف :55 والصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم من جنس ذلك ، هذا من جانب ومن جانب آخر الاجتماع للدعاء بصوت واحد مرتب بدعة لم يرد بها النص .
• ثالثا :- لم ينقل عن أحد المفسرين الموثوقين أنهم فسروا هذه الآية بما قاله الجفري ، فيكون قوله هذا بدعة من القول لا مستندله من القرآن ولا من السنة ولا من أقوال سلف هذه الأمة .
وقول الجفري : [ فهذه أصول فتحت للتقرب إلى الله ... إلخ كلامه]
والسؤال يطرح نفسه هنا ، ما هذه الأصول ؟ هل هي من كتاب الله وسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم ؟ ثم من فتحها ، هل هو الله أم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو الجفري وأمثاله من المبتدعه 0
أعجب كل العجب من رجل كالجفري يهرف بما لا يعرف ! !
يقول الله تبارك وتعالى : ( أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله ) الشورى :21 فالآية دالة على أن من ندب إلى شيء يتقرب به إلى الله ، أو أوجبه بقوله أو فعله ، من غير أن يشرعه الله : فقد شرع من الدين ما لم يأذن به الله . ومن اتبعه في ذلك فقد اتخذه شريكا لله .
فهل ما يدعو إليه الجفري من إقامة الموالد أصل من أصول الدين ، فنحن نطالبه بنص من القرآن الكريم أو السنة الصحيحة عن الرسول صلى الله عليه وسلم . ودون ذلك خرط القتاد . وعليه فما بني على باطل فهو باطل .