خﻼل السنوات اﻷخﯿرة، ركز علماء جھودھم في تأھﯿل أجھزة الكمبﯿوتر للتعرف إلى تعبﯿرات الوجوه البشرية، وفھم ما ترمي إلﯿه،
وھو ما ظل فترة طويلة حكراً على البشر، خصوصاً مع قدرة البعض على إظھار تعبﯿرات تناقض حقﯿقة ما يشعرون به، كمحاكاة اﻷلم.
وتتعدد التطبﯿقات المحتملة لتطور إمكانات أجھزة الكمبﯿوتر في ھذا الشأن، مثل استخدامھا لدعم أجھزة كشف الكذب، ومساعدة
الجھات القانونﯿة عند المعابر الحدودية، ونقاط التفتﯿش اﻷمنﯿة في المطارات، كما ُيمكن أن ُتوظف وسائل تشخﯿص إضافﯿة لﻸطباء.
وعملت دراسات سابقة على تحسﯿن قدرة أجھزة الكمبﯿوتر على تحديد الفروق الدقﯿقة بﯿن اﻻبتسام والتجھم. وفي دراسة حديثة
طور باحثون برنامجاً للكمبﯿوتر ﻻ يكشف فقط عما إذا كانت تعبﯿرات الوجه ُتشﯿر إلى شعور حقﯿقي أو مزيف باﻷلم، لكن تجاوزت دقة
نتائجه، المراقبﯿن من البشر.
وشارك في الدراسة باحثون من جامعتي «كالﯿفورنﯿا» في سان ديغو، و«وﻻية نﯿويورك» في بوفالو اﻷمﯿركﯿتﯿن، إضافة إلى جامعة
«تورنتو» الكندية. وأظھرت نجاح أجھزة الكمبﯿوتر في التمﯿﯿز بدرجة كبﯿرة من الدقة بﯿن الشعور الحقﯿقي والمزيف باﻷلم من خﻼل
تتبع أنماط الحركات الدقﯿقة لعضﻼت الوجوه.
وخﻼل الدراسة، التي ُنشرت في دورية «كارنت بﯿولوجي»، استخدم الباحثون طريقة قﯿاسﯿة لدفع اﻷشخاص للشعور باﻷلم، بوضع
أذرعھم في ماء مثلج لمدة دقﯿقة، وھو ما ُينتج شعوراً فورياً وحقﯿقﯿاً باﻷلم، لكنه لﯿس ضاراً أو طويل اﻷمد. ولتسجﯿل تعبﯿرات مزيفة
لﻸلم، ُطلب منھم وضع أذرعھم في ماء دافئ وانتحال الشعور باﻷلم.
وشاھد المراقبون أو المﻼحظون مقاطع فﯿديو صامتة دام كل منھا دقﯿقة لھذه الوجوه في محاولة للتعرف إلى أيھا ُيعبر عن ألم
حقﯿقي، وأيھا يتظاھر باﻷلم. وتمكن المراقبون من تقديم إجابات صحﯿحة في نصف الحاﻻت فقط.
وكانت المرحلة التالﯿة تدريب مجموعة جديدة من المراقبﯿن لمدة ساعة، شاھدوا خﻼلھا مقاطع فﯿديو، وُطلب منھم تخمﯿن ما ُيعبر
منھا عن شعور حقﯿقي باﻷلم، وجرى إخبارھم على الفور بصحة إجاباتھم أو خطئھا. ثم شاھد المراقبون المزيد من مقاطع الفﯿديو
للحكم علﯿھا، لكن أظھرت النتائج أن التدريب لم ُيحدث أثراً كبﯿراً، إذ تحسنت الدقة إلى 55%.
وفي المقابل، خاض الكمبﯿوتر اﻻختبار نفسه، بواسطة برنامج أطلق علﯿه الباحثون في جامعة «كالﯿفورنﯿا سان ديغو» اسم «سي
إي آر تي» الذي يشﯿر إلى أدوات برمجﯿة لتعرف الكمبﯿوتر إلى التعبﯿرات. ويقﯿس البرنامج وجود أو غﯿاب ومعدل حركة 20 عضلة في
كٍل من 1800 إطار ضمن مقاطع الفﯿديو التي ُعرضت على المجموعة اﻷولى من المﻼحظﯿن، واستمر كل منھا دقﯿقة واحدة.
وقدم البرنامج إجابات صحﯿحة بنسبة دقة بلغت 85%، وتمكن من التعرف إلى اﻷدلة الصغﯿرة والسريعة التي غالباً ما تستعصي
على العﯿن البشرية. وعلى الرغم من استخدام العضﻼت نفسھا في الغالب للتعبﯿر عن ألم حقﯿقي أو ُمزيف، تمكن برنامج «سي
إي آر تي» من كشف سرعة ونعومة ومدة اﻻنقباضات العضلﯿة التي أشارت إلى انتحال الشعور باﻷلم أو العكس.
وعلى سبﯿل المثال، فعند معاناة شخص ما من شعور حقﯿقي باﻷلم يختلف الوقت الذي يبقى فﯿه الفم مفتوحاً، بعكس ما يحدث
عن انتحال اﻷلم، فﯿكون وقت فتح الفم ثابتاً ومتسقاً. إضافة إلى أشكال أخرى لحركة العضﻼت مثل تقطﯿب ما بﯿن الحاجبﯿن، وإحكام
العضﻼت المحﯿطة بالعﯿنﯿن، وعمق التجاعﯿد على جانب اﻷنف.
وقال أستاذ علم النفس في جامعة «بﯿتسبرغ» الذي أجرى أبحاثاً على أجھزة الكمبﯿوتر وتعبﯿرات الوجه، جﯿفري كوھن، إن «الدراسة
تعالج مشكلة مھمة، طبﯿاً واجتماعﯿاً»، ﻻفتاً إلى صعوبة تقﯿﯿم المرضى الذين يدعون شعورھم باﻷلم. ومع ذلك أشار إلى أن
المﻼحظﯿن في الدراسة كانوا من طلبة الجامعة، ولﯿسوا من المتخصصﯿن في التعامل مع اﻷلم.
من جانبھا، قالت المؤلفة الرئﯿسة للدراسة واﻷستاذة في «معھد اﻹحصاء العصبي» في «كالﯿفورنﯿا سان ديغو»، الدكتورة ماريان
بارتلت، إن «الدراسة ﻻ تعني ضمناً عدم دقة اﻷطباء والممرضﯿن في الكشف عن اﻷلم، لكن ﻻ ينبغي أن نفترض أن اﻹدراك البشري
أفضل مما ھو علﯿه».
واعتبر أستاذ علوم الكمبﯿوتر في جامعة «كالﯿفورنﯿا سانتا باربرا»، ماثﯿو ترك، أن الدراسة حققت نجاحاً صعب المنال، مشﯿراً إلى أن
من بﯿن القﯿود على نتائجھا وجود وضع وإضاءة واحدة لجمﯿع الوجوه الظاھرة في مقاطع الفﯿديو.
ويعمل بارتلت وكوھن على تطبﯿق تقنﯿة التعرف إلى تعبﯿرات الوجوه في مجال الرعاية الصحﯿة، وتتعاون بارتلت مع مستشفى «سان
ديغو» لتحسﯿن برنامج سﯿكشف عن شدة اﻷلم لدى اﻷطفال. وقالت: «ﻻ ُيدرك اﻷطفال أن بإمكانھم طلب دواء لﻸلم، كما ﻻ يتمكن
اﻷطفال اﻷصغر سناً من التواصل».
وفي إشارة إلى المشروع، قالت بارتلت إن بإمكان الطفل الجلوس أمام كامﯿرا الكمبﯿوتر، لُﯿسجل البرنامج عﯿنة من تعبﯿرات وجھه
وُيقدر اﻷلم، وھو ما يفﯿد المرضى إذا جرى التعامل مع اﻷلم بشكٍل جﯿد، وفي مرحلٍة مبكرة.
وأشار كوھن إلى عمل زمﻼئه مع قسم الطب النفسي في المركز الطبي في جامعة «بﯿتسبرغ» للتركﯿز على اﻻكتئاب الحاد، مثل
اﻻستعانة بتعرف الكمبﯿوتر إلى اﻷنماط المتغﯿرة في اﻷصوات، وتعبﯿرات الوجه طوال مدة العﻼج كأداة مساعدة للمعالجﯿن.
وذكر كوھن أن إظھار المريض لعﻼمات اﻻكتئاب في عضﻼت الوجه يؤدي وظﯿفة إبقاء اﻵخرين بعﯿداً، فاﻻبتسام مع إبقاء الشفاه مغلقة
ممزوجاً باﻻزدراء أو اﻻشمئزاز يمنع اﻵخرين من اﻻقتراب أكثر. وقال: «مع تراجع حدة اﻻكتئاب ُتظھر وجوھھم مزيداً من الحزن»، واعتبر
كوھن أن ھذه التعبﯿرات تكشف ضمنﯿاً عن طلب المريض للمواساة أو المساعدة، ما يجعلھا إحدى الطرق التي يكشف بھا الكمبﯿوتر
للمعالجﯿن عن تحسن المرضى.
الإمارات اليوم