د . مجاهد محمد أبو المجديقول تعالى (والوالدات يرضعن أولادهن حولينِ كاملين لمن أراد أن يُتمَّ الرضاعة وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف لا تكلف نفس إلا وسعها لا تُضار والدةٌ بولدها ولا مولودٌ له بولده وعلى الوارث مثلُ ذلك فإن أرادا فصالاً عن تراضٍ منهما وتشاورٍ فلا جُناح عليهما وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلاجناح عليكم إذا سلّمتم ما آتيتم بالمعروف واتقوا الله وأعلموا أن الله بما تعملون بصير) [البقرة :233] .
أقوال المفسرين :
يقول ابن كثير في تفسير هذه الآية : إنها إرشاد من الله تعالى للوالدات أن يرضعن أولادهن كمال الرضاعة ؛ وهي سنتان ، فلا اعتبار بالرضاعة بعد ذلك .
وذهب أكثر الأئمة إلى أنه لا يحرم من الرضاعة إلا ما كان دون الحولين ، فلو ارتضع المولود وعمره فوقهما فلا يحرم . قال الترمذي باب (ما جاء أن الرضاعة لا تحرم إلا في الصغر دون الحولين) : عن أم سلمة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [لا يحرم من الرضاعة إلا ما فتق الأمعاء في الثدي وكان قبل الفطام]
والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيرهم ، أن الرضاعة لا تحرم إلا ما كان دون الحولين الكاملين ، وما كان بعد الحولين الكاملين ، فإنه لا يحرم شيء ، ومعنى قوله : [إلا ما كان في الثدي] ؛ أي في مجال الرضاعة قبل الحولين ، كما جاء في الحديث الذي رواه مسلم : [وإن إبراهيم ابني ، وإنه مات في الثدي ، وإن له ظئرين تكملان رضاعة في الجنة] . وفي رواية البخاري : [إن له مرضعـًا في الجنة] .
وقال صلى الله عليه وسلم ذلك ؛ لأن إبراهيم مات وله سنة وعشرة أشهر . فقال : [إن له مرضعـًا] يعني : تكمل رضاعته .
والقول بأن الرضاعة لا تحرم بعد الحولين يروى عن : علي ، وابن عباس ، وابن مسعود ، وجابر ، وأبي هريرة ، وابن عمر ، وابن سلمة ، وسعيد بن المسيب ، وعطاء ، والجمهور
ويقول القرطبي : قوله تعالى : (حولين) ؛ أي سنتين كاملتين قيد بالكمال ؛ لأن القائل قد يقول : أقمت عند فلان حولين ، وهو يريد حولاً وبعض حول آخر ، و استنبط مالك - رحمة الله تعالى عليه - ومن تابعه وجماعة من العلماء من هذه الآية أن الرضاعة المحرمة الجارية مجرى النسب إنما هي ما كان في الحولين ؛ لأنه بانقضاء الحولين تمت الرضاعة ، ولا رضاعة بعد الحولين معتبرة ، هذا قوله في موطئه .
وروى شعبة عن عمرو بن دينار عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [لا رضاعة إلا ما كان في الحولين] . قال الدراقطني : لم يسنده عن ابن عيينة غير الهيثم بن جميل ، وهو ثقة حافظ .
ويقول الرازي في (تفسيره) : المقصود بتحديد حولين هو أن للرضاعة حكمـًا خاصـًا في الشريعة ، وهو قوله صلى الله عليه وسلم : [يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب] .
ويقول الشوكاني في (تفسيره) : (لمن أراد أن يُتم الرضاعة) أي : ذلك لمن أراد أن يتم الرضاعة ، وفيه دليل على أن إرضاع الحولين ليس حتمـًا ، بل هو التمام ، ويجوز الاقتصار على ما دونه .