faris4414
07 Feb 2005, 01:45 PM
الحمد لله نحمده و نستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعملنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له وأشهد أن لا اله إلا الله واشهد أن محمدا عبده ورسوله
أما بعد
صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إن بين يدي الساعة سنين خداعة يكذب فيها الصادق ويصدق فيها الكاذب ويتكلم الرويبضة قيل وما الرويبضة قال: حثالة الناس يتكلمون في أمر العامة " والواقع شاهد على ما ذكرنا.
وقد شكا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أنس بن مالك رضى الله عنه ما يلقونه من الحجاج بن يوسف فقال اصبروا فانه لا يأتي عليكم زمان إلا والذي بعده شر منه حتى تلقوا ربكم , سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم " رواه البخاري والواقع ـ أيضا ـ شاهد لما ذكرنا ! .
وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " ليشربن ناس من أمتي الخمر ويسمونها بغير اسمها "
فشربوا الخمور وسموها : مشروبات روحية
وتعاطوا الزنا باسم : الحرية الشخصية
والغناء والموسيقى باسم : الغذاء الروحي
والرشوة باسم : الهدية
والكذب والنفاق باسم : الدبلوماسية
والسفور والتبرج والعرى : التقدم والحضارة
وقد تقادم العهد وطال الأمد ودرست معالم السنن وتوالت السنون وتعقبت العصور فانعكست الأمور وانقلبت الموازين ,
فاصبح الحق باطلا والباطل حقا
والمنكر معروفا والمعروف منكرا
والأمر بالمعروف فضولا والنهى عن المنكر تطفلا
والتمسك بدين الله تعالى تزمتا والتمرد على شرع الله تحررا
وبغض الكفار و معاداتهم تطرفا و موالاتهم و محبتهم توسطا واعتذارا
والكذب سياسة و النفاق لباقة
والسكوت عن قول الحق حكمة و الصدع بالحق فتنة
و الناصح عدوا والعدو صديقا
و المجرم بطلا و المواطن مبطلا
و المصلح مفسدا و الداعي إلى الفساد مصلحا
و التهور شجاعة و الفوضى حرية
و الزواج قيدا و التعدد جريمة
و الحب فجورا و الفجور تسلية
و الغش ذكاء و الرشوة هدية
و الصلاة عادة و الزكاة غرامة
و الصوم كسلا و نوما و الحج نزهة
و العلم تكسبا واتباع الأئمة تعصبا
و الدعوة إلى الله تحزبا
و تتبع الرخص دينا و الفقه جمودا
و الفن مجونا و الرياضة غاية !!
و هكذا انعكست الأمور و انقلبت الموازين فصارت ظهرا لبطن و رأسا لعقب ولكن :
فجائع الدهر أنواع منوعة و للزمان مسرات و أحزان
و للحوادث سلوان يسهلها و ما لما حل بالإسلام سلوان
من اجل هذا يذوب القلب من كمد إن كان في القلب إسلام وإيمان
***
فهلا عكست الأمر إن كنت حازما و لكن أضعت الحزم لو كنت تفهم
و تزعم مع هذا انك عارف كذبت يقينا في الذي تزعم
و ما أنت إلا ظالم ثم جاهل و انك بين الجاهلين مقدم
إذا كان هذا نصح عبد لنفسه فمن ذا الذي من الهدى يتعلم
وفي مثل هذا الحال قد قال من مضى و احسن فيما قاله المتكلم
فان كنت لا تدري فتلك مصيبة وان كنت تدري فالمصيبة اعظم
***
الأحاديث الصحيحة في تحريم الغناء
(1) عن أبي عامر أو أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ليكون من أمتي أقوام يستحلون الحر و الحرير والخمر و المعازف " رواه البخاري
تعريف المعازف :
في القاموس المحيط:هي الملاهي كالعود و الطنبور،و العازف اللاعب بها0
و قال ابن القيم رحمه الله: و هي آلات اللهو كلها لا خلاف بين أهل اللغة في ذلك0
و قال الذهبي في سير أعلام النبلاء:المعازف اسم لكل آلات الملاهي التي يعزف بها كالمزمار و الطنبور و الشبابة و الصنوج.
(2) وفي رواية " يمسخ منهم قردة وخنازير إلى يوم القيامة " صحح هذه الزيادة الشيخ الألباني 0
(3) عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " صوتان ملعونان في الدنيا والآخرة : مزمار عند نعمة ورنة عند مصيبة " صححه الألباني 0
(4) عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الله حرم عليّ ـ أو حرم ـ الخمر والميسر والكوبة وكل مسكر حرام " أخرجه أبو داود وأحمد والبيهقي والطبراني وصححه الألباني
والكوبة هي الطبل ويدخل في معناه كل وتر ومزهر ونحو ذلك من الملاهي والغناء 0
(5) عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يكون في أمتي قذف ومسخ وخسف قيل يا رسول الله ومتى ذلك قال : إذا ظهرت المعازف وكثرت القيان وشربت الخمور " أخرجه الترمذي في كتاب الفتن وصححه الألباني 0
قوله " وكثرت القيان " القيان جمع قينة وهي المغنية من الإماء وتجمع على قينات أيضا 0
نتف من أقوال المخالفين :
قال بعضهم : (ومن اللهو الذي تستريح إليه النفوس وتطرب له القلوب وتنعم به الآذان : الغناء .. ولا بأس بان تصحبه الموسيقى غير المثيرة ) .
وقال بعضهم أيضا : ( كل ما روي فيها ـ أي الأغاني ـ باطل موضوع ) .
وقال ثالث : ( إن الرقص على الطريقة الفرنسية فتوّة وأناقة ) .
وقال آخر : ( بالنسبة للغناء إذا لم يكن فيه ما يثير الغريزة الجنسية فإننا لا نجد موجبا لتحريمه .. إلى أن قال : وعلى أي حال فمن المتفق عليه أنه ما دام لا يثير الغريزة الجنسية ولا يشغل عن ذكر الله وعن الصلاة فليس فيه ما يمس الدين ) ا.ه
* قال الشيخ العلامة محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله : ( واني والله لأتعجب أشد العجب من تتابع هؤلاء الشيوخ الأزهريين على هذا القيد النظري فانهم مع مخالفتهم للأحاديث الصحيحة ومعارضتهم لمذاهب الأئمة الأربعة وأقوال السلف ، يختلقون عللا من عند أنفسهم لم يقل بها أحد من الأئمة المتبوعين ومن أثارها استباحة الغناء والموسيقى عندهم أيضا …إلى أن قال : تالله انه لفقه لا يصدر إلا من ظاهري جامد بغيض أو صاحب هوى غير رشيد ) أ.ه باختصار .
قلت : لا عجب فان الطيور على أشكالها تقع .
بعض أقوال السلف في الغناء :
1/ قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في قوله تعالى ( ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين ) :والله الذي لا اله غيره انه الغناء ،وكذا قال عبد الله بن عباس ومجاهد وعكرمة وأسانيد هذه الروايات كلها صحيحة .
2/ وقال محمد بن الحنفية رحمه الله في قوله تعالى ( واجتنبوا قول الزور ) : يعني الغناء .
3/ وقال تعالى ( أفمن هذا الحديث تعجبون وتضحكون ولا تبكون وأنتم سامدون ) يقال سمد لنا يعني غنّى لنا في لغة حمير من أهل اليمن .
4/ قال ابن مسعود رضي الله عنه : الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء العشب .
5/ قال الضحاك رحمه الله : الغناء مفسدة للقلب مسخطة للرب .
6/ وسأل رجل ابن عباس رضي الله عنهما عن الغناء أحلال هو أم حرام فقال ابن عباس أرأيت الحق والباطل إذا جاءا يوم القيامة فأين يكون الغناء قال مع الباطل قال اذهب فقد أفتيت نفسك .
7/ وقال القاضي تقي الدين السبكي رحمه الله : الرقص نقص والغناء سفاهة .
8/ وقال ابن كثير رحمه الله : حسبي الله ونعم الوكيل استعمال آلات الطرب والاستماع إليها حرام كما دلت على ذلك الأحاديث الصحيحة ، ثم استدل بحديث المعازف .
9/ قال ابن القيم رحمه الله : والتحقيق في السماع أنه مركب من شبهة وشهوة وهما الاصلان اللذان ذم الله من يتبعهما ويحكّمهما على الوحي الذي بعث الله به أنبياءه ورسله قال تعالى ( إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى ) فالظن الشبهة ، وما تهوى الأنفس الشهوة ، والهدى الذي جاءنا من ربنا مخالف لهذا وهذا .
من أقوال الأئمة الأربعة في حكم الغناء :
* لما نسب ابن المطهر الشيعي إلي أهل السنة " إباحة الملاهي والغناء " كذبه شيخ الإسلام ابن تيمية في رده عليه في منهاج السنة (3/439) فقال :" هذا من الكذب على الأئمة الأربعة فانهم متفقون على تحريم المعازف التي هي آلات اللهو كالعود ونحوه و لو أتلفها متلف لم يضمن صورة التالف بل يحرم عندهم اتخاذها "
1- وقال الإمام مالك :لما سئل عما يترخص فيه أهل المدينة من الغناء فقال :"إنما يفعله عندنا الفسّاق" .
2- وقال الإمام محمد بن ادريس الشافعي رحمه الله :"تركت شيئا بالعراق يقال له التغبير أحدثته الزنادقة يصدون به الناس عن القرآن" .
تعريف التغبير:شعر يزهد في الدنيا يغنى به مغن فيضرب بعض الحاضرين بقضيب على نطع أو مخدة على توقيع غنائه.
3- وقال العلامة أحمد :الغناء ينبت النفاق في القلب لا يعجبني.
4- وقال العلامة ابن القيم -رحمه الله- ما خلاصته:
"إن هذا السماع على هذا الوجه حرام قبيح لا يبيحه أحد من المسلمين و لا يستحسنه إلا من خلع جلباب الحياء و الدين عن وجهه و جاهر الله و رسوله و دينه و عباده بالقبيح ،و سماع مشتمل على مثل هذه الأمور قبحه مستقر في الفطر -أو في فطر الناس- حتى إن الكفار ليعيرون به المسلمين ودينهم"ا.ه
أول من أحدث بدعة الرقص و التواجد :
سئل العلامة أبوبكر الطرطوشي المالكي القرطبي -رحمه الله- عن قوم في مكان يقرؤون شيئا من القرآن ثم ينشد لهم منشد شيئا من الشعر فيرقصون ويطربون و يضربون بالدف و الشبابة هل الحضور معهم حلال أم حرام؟
فأجاب:
مذهب الصوفية هذا بطالة و ضلالة،و ما الإسلام إلا كتاب الله و سنة رسوله صلى الله عليه وسلم و أما الرقص و التواجد فأول من أحدثه أصحاب السامري لما اتخذ لهم عجلا جسدا له خوار فأتوا يرقصون حوله و يتواجدون وهو -أي الرقص- دين الكفار و عباد العجل و إنما كان مجلس النبي صلى الله عليه وسلم و أصحابه كأن على رؤوسهم الطير من الوقار فينبغي للسلطان و نوابه أن يمنعوهم من الحضور في المساجد و غيرها و لا يحل لأحد يؤمن بالله و اليوم الآخر أن يحضر و لا يعينهم على باطلهم هذا مذهب مالك و أبي حنيفة و أحمد و غيرهم من أئمة المسلمين "أ.ه
الحكمة من تحريم الغناء وآلات الطرب
(1) الغناء يصد عن القرآن و هو قرآن الشيطان و لا يمكن أن يجتمع في قلب رجل واحد قرآن الرحمن و قرآن الشيطان . قال الشافعي -رحمه الله- :
( تركت شيئا بالعراق يقال له التغبير أحدثته الزنادقة يصدون به الناس عن القرآن ) قال ابن القيم -رحمه الله-
تعليقا على الإمام الشافعي هذا :
( و ما ذكره الشافعي -رضي الله عنه- من أنه إحداث الزنادقة فهو كلام إمام خبير بأصول الإسلام فان السماع لم يرغب فيه و يدعو إليه في الأصل إلا من هو متهم بالزندقة كابن الراوندي و الفارابي و ابن سينا و أمثالهم كما ذكر أبو عبد الرحمن السلمي في "مسألة السماع" عن ابن الراوندي قال :اختلف العلماء الفقهاء في السماع فأباحه قوم و كرهه قوم فأنا أوجبه أو آمر به، فخالف إجماع العلماء في الأمر به.
و الفارابي كان بارعا في الغناء الذي يسمونه الموسيقى ،وله فيه طريقة عند أهل الغناء ، و حكايته مع ابن حمدان مشهورة لما ضرب فأبكاهم ثم أضحكهم ثم نومهم ثم خرج " أ.ه
(2) الغناء ينبت النفاق في القلب قال ابن القيم ( الغناء يفسد القلب فإذا القلب هاج في النفاق )
(3) أنه رقية الزنا و الفواحش و التشبيب بالنساء و الواقع شاهد لما ذكرنا.
(4) الغناء يلهي عن ذكر الله تعالى و عن طاعته ،قال بعضهم :
أتذكر ليلة و قد اجتمعنا على طيب السماع إلى الصباح
و دارت بيننا كأس الأغاني فأسكرت النفوس بغير راح
فلم تر فيهم إلا نشاوى سرورا و السرور هناك صاحي
إذا نادى أخو اللذات فيه أجاب اللهو حي على السماح
ولم نملك سوى المهجات شيئا أرقناها لألحاظ الملاح
قال بعض العارفين:"السماع يورث النفاق في قوم و العناد في قوم و الكذب في قوم و الفجور في قوم و الرعونة في قوم "
فان قيل فما وجه إنبات الغناء النفاق في القلب ؟ فالجواب:قال ابن القيم -رحمه الله- :"أن للغناء خواص لها تأثير في صبغ القلب بالنفاق و نباته فيه كنبات الزرع بالماء . فمن خواصه:
أنه يلهي القلب و يصده عن فهم القرآن و تدبره والعمل بما فيه فان القرآن و الغناء لا يجتمعان في القلب أبدا لما بينهما من التضاد فان القرآن ينهى عن اتباع الهوى و يأمر بالعفة و مجانبة شهوات النفوس و أسباب الغي و ينهى عن اتباع خطوات الشيطان . و الغناء يأمر بضد ذلك كله و يحسنه و يهيج النفوس إلى شهوات الغي فيثير كامنها و يزعج قاطنها و يحركها إلى كل قبيح و يسوقها إلى وصل كل مليحة و مليح فهو و الخمر رضيعا لبان و في تهييجهما على القبائح فرسا رهان فانه صنو الخمر و رضيعه و نائبه و حليفه و خدينه و صديقه .
عقد الشيطان بينهما عقد الإخاء الذي لا يفسخ ،و أحكم شريعة الوفاء التي لا تنسخ و هو جاسوس القلب و سارق المروءة و سوس العقل .يتغلغل في مكامن القلوب و يطلع على سرائر الأفئدة و يدب إلى محل التخييل فيثير ما فيه من الهوى و الشهوة و السخافة و الرقاعة و الرعونة و الحماقة.
فبينا ترى الرجل وعليه سمة الوقار وبهاء العقل وبهجة الإيمان ووقار الإسلام وحلاوة القرآن فإذا استمع إلى الغناء ومال إليه نقص عقله وقل حياؤه وذهبت مروءته وفارقه بهاؤه وتخلّى عنه وقاره وفرح شيطانه وشكا إلى الله تعالى إيمانه وثقل عليه قرآنه , وقال يا رب : لا تجمع بيني وبين قرآن عدوك في صدر واحد فاستحسن ما كان قبل السماع يستقبحه وأبدى من سره ما كان يكتمه وانتقل من الوقار والسكينة إلى كثرة الكلام والكذب والزهزهة والفرقعة بالأصابع فيميل برأسه ويهزّ منكبيه ويضرب الأرض برجليه ويدق على أمّ رأسه بيديه ويثب وثبات الدّباب ويدور دوران الحمار حول الدولاب ويصفق بيديه تصفيق النسوان ويخور من الوجد ولا كخوار الثيران وتارة يتأوه تأوه الحزين وتارة يزعق زعقات المجانين ولقد صدق الخبير به من أهله حيث يقول :
أتذكر ليلة وقد اجتمعنا على طيب السماع إلى الصباح
وقد صح أن الملائكة كانت تتنزل لاستماع قراءة أسيد بن حضير رضي الله عنه وإذا كان ذلك كذلك فان إنشاد الأبيات بدل الآيات يستوجب أن تتنزل الشياطين ولابد وما أعظم الفرق بينهما والله المستعان .
الحوار
1/ قال صاحب غناء (الفنان) :
دعنا من بنيات الطريق فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي علمه العام والخاص من إباحة الغناء , فقد جاء في الصحيح عن عائشة رضي الله عنه قالت : دخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي جاريتين من جواري الأنصار تغنيان بغناء الأنصار يوم بعاث وليستا بمغنيتين فاضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم على الفراش وحوّل وجهه ودخل أبو بكر والنبي صلى الله عليه وسلم متغش بثوبه فانتهرني وفي رواية فانتهرهما وقال : أمزمور الشيطان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين فأقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال دعهما يا أبا بكر فان لكل قوم عيدا وهذا عيدنا ، فلما غفل غمزتهما فخرجتا .
قال صاحب قرآن :
الجواب عن هذا الحديث من وجوه :-
1- المستقر عند الصحابة في الأصل تحريم الغناء .
2- إقرار النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر في تسمية الغناء بمزمار الشيطان .
3- قولها (وليستا بمغنيتين) فيه دليل على أن الغناء ليس حرفة لهما .
4- إباحة الغناء هنا مقيدة لا مطلقة (في الزمان والجنس) أي في العيد وكذا العرس بأدلة أخرى والجنس ومرادنا به الصبيات الصغيرات .
5- لم يبح الغناء والضرب على الدف للرجال قط بل النساء الصغيرات دون البلوغ .
6- قوله صلى الله عليه وسلم (إن لكل قوم عيدا وهذا عيدنا) دليل على علة الإباحة في ذلك اليوم وهو العيد .
7- المشروع الضرب على الدّف في العيد والعرس فقط .
8- الحكم يدور مع علته وجودا وعدما فإذا عدم العيد لم يبح الغناء بحال إلا في الأعراس بشروط وهذا الحديث من أكبر الحجج على تحريم الغناء .
9- إن الذي كن يقلنه هو إنشاد أشعار العرب في الشجاعة ومكارم الأخلاق ومدحها وذم الجبن ومساوئ الأخلاق ومع هذا أسماه صديق الأمة مزمور الشيطان وأقره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك .
10- ليس فيه آلات محرمة بل الضرب بالدف فقط .
11- إنما أبيح الغناء يوم العيد والعرس للنساء والصبيان لنقص عقولهم :
فلم أر في عيوب الناس عيبا كنقص القادرين على التمام
وما عجب أن النساء ترجلت ولكن تأنيث الرجال عجاب !
2/ قال الفنان :
فان أثبت أن الغناء مزمار الشيطان ، فلم أباح النبي صلى الله عليه وسلم ذلك لعائشة والجاريتين؟
قال صاحب القرآن :
قال ابن القيم رحمه الله ما ملخصه : معلوم أن هذا من الشيطان وان كان رخّص فيه لهؤلاء ـ يعني النساء والصبيان ـ وذلك لضعف عقولهم ولئلا يدعوهم الشيطان إلى ما يفسد عليهم دينهم إذ لا يمكن صرفهم عن كل ما تتقاضاه الطباع من الباطل ، والشريعة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها فهي تحصل أعظم المصلحتين بتفويت أدناهما وتدفع أعظم المفسدتين باحتمال أدناهما .
3/ قال الفنان :
لقد صح أن الرسول عليه السلام كان يستمع إلى الشعر من الصحابة رضي الله عنهم كحسان بن ثابت وأبيّ بن كعب وغيرهما وكان صلى الله عليه وسلم يتمثل قول بعضهم :
اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة فاغفر للأنصار والمهاجرة
ونحو ذلك ؟
قال صاحب القرآن :
1- الحمد لله الذي عافانا مما ابتلاكم به وفضلنا على كثير ممن خلق تفضيلا .
2- جهلت فعاديت العلوم وأهلها كذاك يعادي العلم من هو جاهله
ومن كان يهوى أن يرى متصدرا ويكره لا أدري أصيب مقاتله .
3- لو فرض أن الشعر جرى على لسانه صلى الله عليه وسلم إنشاء ابتداء لم يكن في ذلك شبهة لكم في حل الغناء والموسيقى وسماع الألحان . عجبا لكم أيها السماعاتية .
4- لقد ثبت في سبب النزول أن الله تعالى ذم الشعراء في أواخر سورة الشعراء ثم استثنى منهم الذين آمنوا وعملوا الصالحات قال تعالى (والشعراء يتبعهم الغاوون ألم تر أنهم في كل واد يهيمون وأنهم يقولون ما لا يفعلون إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرا وانتصروا من بعد ما ظلموا 000) فهذا هو شعر الصحابة رضي الله عنهم وقد كان دفاعا عن الإسلام والمسلمين :
إن الرسول لنور يستضاء به مهند من سيوف الله مسلول
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ثمال اليتامى عصمة للأرامل
أين هذا من شعر المتأخرين المشتمل على الشرك والكفر والخنا والفحش :
فأنت باب الله إلى أمري أتاه من غيرك لا يدخل
عجل بإذهاب الذي اشتكي فان توقفت فمن أسأل
وقال آخر :
تقول وقد قبلتها ألف قبلة كفاك أما شئ لديك سوى القبل ؟!
أما بعد
صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إن بين يدي الساعة سنين خداعة يكذب فيها الصادق ويصدق فيها الكاذب ويتكلم الرويبضة قيل وما الرويبضة قال: حثالة الناس يتكلمون في أمر العامة " والواقع شاهد على ما ذكرنا.
وقد شكا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أنس بن مالك رضى الله عنه ما يلقونه من الحجاج بن يوسف فقال اصبروا فانه لا يأتي عليكم زمان إلا والذي بعده شر منه حتى تلقوا ربكم , سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم " رواه البخاري والواقع ـ أيضا ـ شاهد لما ذكرنا ! .
وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " ليشربن ناس من أمتي الخمر ويسمونها بغير اسمها "
فشربوا الخمور وسموها : مشروبات روحية
وتعاطوا الزنا باسم : الحرية الشخصية
والغناء والموسيقى باسم : الغذاء الروحي
والرشوة باسم : الهدية
والكذب والنفاق باسم : الدبلوماسية
والسفور والتبرج والعرى : التقدم والحضارة
وقد تقادم العهد وطال الأمد ودرست معالم السنن وتوالت السنون وتعقبت العصور فانعكست الأمور وانقلبت الموازين ,
فاصبح الحق باطلا والباطل حقا
والمنكر معروفا والمعروف منكرا
والأمر بالمعروف فضولا والنهى عن المنكر تطفلا
والتمسك بدين الله تعالى تزمتا والتمرد على شرع الله تحررا
وبغض الكفار و معاداتهم تطرفا و موالاتهم و محبتهم توسطا واعتذارا
والكذب سياسة و النفاق لباقة
والسكوت عن قول الحق حكمة و الصدع بالحق فتنة
و الناصح عدوا والعدو صديقا
و المجرم بطلا و المواطن مبطلا
و المصلح مفسدا و الداعي إلى الفساد مصلحا
و التهور شجاعة و الفوضى حرية
و الزواج قيدا و التعدد جريمة
و الحب فجورا و الفجور تسلية
و الغش ذكاء و الرشوة هدية
و الصلاة عادة و الزكاة غرامة
و الصوم كسلا و نوما و الحج نزهة
و العلم تكسبا واتباع الأئمة تعصبا
و الدعوة إلى الله تحزبا
و تتبع الرخص دينا و الفقه جمودا
و الفن مجونا و الرياضة غاية !!
و هكذا انعكست الأمور و انقلبت الموازين فصارت ظهرا لبطن و رأسا لعقب ولكن :
فجائع الدهر أنواع منوعة و للزمان مسرات و أحزان
و للحوادث سلوان يسهلها و ما لما حل بالإسلام سلوان
من اجل هذا يذوب القلب من كمد إن كان في القلب إسلام وإيمان
***
فهلا عكست الأمر إن كنت حازما و لكن أضعت الحزم لو كنت تفهم
و تزعم مع هذا انك عارف كذبت يقينا في الذي تزعم
و ما أنت إلا ظالم ثم جاهل و انك بين الجاهلين مقدم
إذا كان هذا نصح عبد لنفسه فمن ذا الذي من الهدى يتعلم
وفي مثل هذا الحال قد قال من مضى و احسن فيما قاله المتكلم
فان كنت لا تدري فتلك مصيبة وان كنت تدري فالمصيبة اعظم
***
الأحاديث الصحيحة في تحريم الغناء
(1) عن أبي عامر أو أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ليكون من أمتي أقوام يستحلون الحر و الحرير والخمر و المعازف " رواه البخاري
تعريف المعازف :
في القاموس المحيط:هي الملاهي كالعود و الطنبور،و العازف اللاعب بها0
و قال ابن القيم رحمه الله: و هي آلات اللهو كلها لا خلاف بين أهل اللغة في ذلك0
و قال الذهبي في سير أعلام النبلاء:المعازف اسم لكل آلات الملاهي التي يعزف بها كالمزمار و الطنبور و الشبابة و الصنوج.
(2) وفي رواية " يمسخ منهم قردة وخنازير إلى يوم القيامة " صحح هذه الزيادة الشيخ الألباني 0
(3) عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " صوتان ملعونان في الدنيا والآخرة : مزمار عند نعمة ورنة عند مصيبة " صححه الألباني 0
(4) عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الله حرم عليّ ـ أو حرم ـ الخمر والميسر والكوبة وكل مسكر حرام " أخرجه أبو داود وأحمد والبيهقي والطبراني وصححه الألباني
والكوبة هي الطبل ويدخل في معناه كل وتر ومزهر ونحو ذلك من الملاهي والغناء 0
(5) عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يكون في أمتي قذف ومسخ وخسف قيل يا رسول الله ومتى ذلك قال : إذا ظهرت المعازف وكثرت القيان وشربت الخمور " أخرجه الترمذي في كتاب الفتن وصححه الألباني 0
قوله " وكثرت القيان " القيان جمع قينة وهي المغنية من الإماء وتجمع على قينات أيضا 0
نتف من أقوال المخالفين :
قال بعضهم : (ومن اللهو الذي تستريح إليه النفوس وتطرب له القلوب وتنعم به الآذان : الغناء .. ولا بأس بان تصحبه الموسيقى غير المثيرة ) .
وقال بعضهم أيضا : ( كل ما روي فيها ـ أي الأغاني ـ باطل موضوع ) .
وقال ثالث : ( إن الرقص على الطريقة الفرنسية فتوّة وأناقة ) .
وقال آخر : ( بالنسبة للغناء إذا لم يكن فيه ما يثير الغريزة الجنسية فإننا لا نجد موجبا لتحريمه .. إلى أن قال : وعلى أي حال فمن المتفق عليه أنه ما دام لا يثير الغريزة الجنسية ولا يشغل عن ذكر الله وعن الصلاة فليس فيه ما يمس الدين ) ا.ه
* قال الشيخ العلامة محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله : ( واني والله لأتعجب أشد العجب من تتابع هؤلاء الشيوخ الأزهريين على هذا القيد النظري فانهم مع مخالفتهم للأحاديث الصحيحة ومعارضتهم لمذاهب الأئمة الأربعة وأقوال السلف ، يختلقون عللا من عند أنفسهم لم يقل بها أحد من الأئمة المتبوعين ومن أثارها استباحة الغناء والموسيقى عندهم أيضا …إلى أن قال : تالله انه لفقه لا يصدر إلا من ظاهري جامد بغيض أو صاحب هوى غير رشيد ) أ.ه باختصار .
قلت : لا عجب فان الطيور على أشكالها تقع .
بعض أقوال السلف في الغناء :
1/ قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في قوله تعالى ( ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين ) :والله الذي لا اله غيره انه الغناء ،وكذا قال عبد الله بن عباس ومجاهد وعكرمة وأسانيد هذه الروايات كلها صحيحة .
2/ وقال محمد بن الحنفية رحمه الله في قوله تعالى ( واجتنبوا قول الزور ) : يعني الغناء .
3/ وقال تعالى ( أفمن هذا الحديث تعجبون وتضحكون ولا تبكون وأنتم سامدون ) يقال سمد لنا يعني غنّى لنا في لغة حمير من أهل اليمن .
4/ قال ابن مسعود رضي الله عنه : الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء العشب .
5/ قال الضحاك رحمه الله : الغناء مفسدة للقلب مسخطة للرب .
6/ وسأل رجل ابن عباس رضي الله عنهما عن الغناء أحلال هو أم حرام فقال ابن عباس أرأيت الحق والباطل إذا جاءا يوم القيامة فأين يكون الغناء قال مع الباطل قال اذهب فقد أفتيت نفسك .
7/ وقال القاضي تقي الدين السبكي رحمه الله : الرقص نقص والغناء سفاهة .
8/ وقال ابن كثير رحمه الله : حسبي الله ونعم الوكيل استعمال آلات الطرب والاستماع إليها حرام كما دلت على ذلك الأحاديث الصحيحة ، ثم استدل بحديث المعازف .
9/ قال ابن القيم رحمه الله : والتحقيق في السماع أنه مركب من شبهة وشهوة وهما الاصلان اللذان ذم الله من يتبعهما ويحكّمهما على الوحي الذي بعث الله به أنبياءه ورسله قال تعالى ( إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى ) فالظن الشبهة ، وما تهوى الأنفس الشهوة ، والهدى الذي جاءنا من ربنا مخالف لهذا وهذا .
من أقوال الأئمة الأربعة في حكم الغناء :
* لما نسب ابن المطهر الشيعي إلي أهل السنة " إباحة الملاهي والغناء " كذبه شيخ الإسلام ابن تيمية في رده عليه في منهاج السنة (3/439) فقال :" هذا من الكذب على الأئمة الأربعة فانهم متفقون على تحريم المعازف التي هي آلات اللهو كالعود ونحوه و لو أتلفها متلف لم يضمن صورة التالف بل يحرم عندهم اتخاذها "
1- وقال الإمام مالك :لما سئل عما يترخص فيه أهل المدينة من الغناء فقال :"إنما يفعله عندنا الفسّاق" .
2- وقال الإمام محمد بن ادريس الشافعي رحمه الله :"تركت شيئا بالعراق يقال له التغبير أحدثته الزنادقة يصدون به الناس عن القرآن" .
تعريف التغبير:شعر يزهد في الدنيا يغنى به مغن فيضرب بعض الحاضرين بقضيب على نطع أو مخدة على توقيع غنائه.
3- وقال العلامة أحمد :الغناء ينبت النفاق في القلب لا يعجبني.
4- وقال العلامة ابن القيم -رحمه الله- ما خلاصته:
"إن هذا السماع على هذا الوجه حرام قبيح لا يبيحه أحد من المسلمين و لا يستحسنه إلا من خلع جلباب الحياء و الدين عن وجهه و جاهر الله و رسوله و دينه و عباده بالقبيح ،و سماع مشتمل على مثل هذه الأمور قبحه مستقر في الفطر -أو في فطر الناس- حتى إن الكفار ليعيرون به المسلمين ودينهم"ا.ه
أول من أحدث بدعة الرقص و التواجد :
سئل العلامة أبوبكر الطرطوشي المالكي القرطبي -رحمه الله- عن قوم في مكان يقرؤون شيئا من القرآن ثم ينشد لهم منشد شيئا من الشعر فيرقصون ويطربون و يضربون بالدف و الشبابة هل الحضور معهم حلال أم حرام؟
فأجاب:
مذهب الصوفية هذا بطالة و ضلالة،و ما الإسلام إلا كتاب الله و سنة رسوله صلى الله عليه وسلم و أما الرقص و التواجد فأول من أحدثه أصحاب السامري لما اتخذ لهم عجلا جسدا له خوار فأتوا يرقصون حوله و يتواجدون وهو -أي الرقص- دين الكفار و عباد العجل و إنما كان مجلس النبي صلى الله عليه وسلم و أصحابه كأن على رؤوسهم الطير من الوقار فينبغي للسلطان و نوابه أن يمنعوهم من الحضور في المساجد و غيرها و لا يحل لأحد يؤمن بالله و اليوم الآخر أن يحضر و لا يعينهم على باطلهم هذا مذهب مالك و أبي حنيفة و أحمد و غيرهم من أئمة المسلمين "أ.ه
الحكمة من تحريم الغناء وآلات الطرب
(1) الغناء يصد عن القرآن و هو قرآن الشيطان و لا يمكن أن يجتمع في قلب رجل واحد قرآن الرحمن و قرآن الشيطان . قال الشافعي -رحمه الله- :
( تركت شيئا بالعراق يقال له التغبير أحدثته الزنادقة يصدون به الناس عن القرآن ) قال ابن القيم -رحمه الله-
تعليقا على الإمام الشافعي هذا :
( و ما ذكره الشافعي -رضي الله عنه- من أنه إحداث الزنادقة فهو كلام إمام خبير بأصول الإسلام فان السماع لم يرغب فيه و يدعو إليه في الأصل إلا من هو متهم بالزندقة كابن الراوندي و الفارابي و ابن سينا و أمثالهم كما ذكر أبو عبد الرحمن السلمي في "مسألة السماع" عن ابن الراوندي قال :اختلف العلماء الفقهاء في السماع فأباحه قوم و كرهه قوم فأنا أوجبه أو آمر به، فخالف إجماع العلماء في الأمر به.
و الفارابي كان بارعا في الغناء الذي يسمونه الموسيقى ،وله فيه طريقة عند أهل الغناء ، و حكايته مع ابن حمدان مشهورة لما ضرب فأبكاهم ثم أضحكهم ثم نومهم ثم خرج " أ.ه
(2) الغناء ينبت النفاق في القلب قال ابن القيم ( الغناء يفسد القلب فإذا القلب هاج في النفاق )
(3) أنه رقية الزنا و الفواحش و التشبيب بالنساء و الواقع شاهد لما ذكرنا.
(4) الغناء يلهي عن ذكر الله تعالى و عن طاعته ،قال بعضهم :
أتذكر ليلة و قد اجتمعنا على طيب السماع إلى الصباح
و دارت بيننا كأس الأغاني فأسكرت النفوس بغير راح
فلم تر فيهم إلا نشاوى سرورا و السرور هناك صاحي
إذا نادى أخو اللذات فيه أجاب اللهو حي على السماح
ولم نملك سوى المهجات شيئا أرقناها لألحاظ الملاح
قال بعض العارفين:"السماع يورث النفاق في قوم و العناد في قوم و الكذب في قوم و الفجور في قوم و الرعونة في قوم "
فان قيل فما وجه إنبات الغناء النفاق في القلب ؟ فالجواب:قال ابن القيم -رحمه الله- :"أن للغناء خواص لها تأثير في صبغ القلب بالنفاق و نباته فيه كنبات الزرع بالماء . فمن خواصه:
أنه يلهي القلب و يصده عن فهم القرآن و تدبره والعمل بما فيه فان القرآن و الغناء لا يجتمعان في القلب أبدا لما بينهما من التضاد فان القرآن ينهى عن اتباع الهوى و يأمر بالعفة و مجانبة شهوات النفوس و أسباب الغي و ينهى عن اتباع خطوات الشيطان . و الغناء يأمر بضد ذلك كله و يحسنه و يهيج النفوس إلى شهوات الغي فيثير كامنها و يزعج قاطنها و يحركها إلى كل قبيح و يسوقها إلى وصل كل مليحة و مليح فهو و الخمر رضيعا لبان و في تهييجهما على القبائح فرسا رهان فانه صنو الخمر و رضيعه و نائبه و حليفه و خدينه و صديقه .
عقد الشيطان بينهما عقد الإخاء الذي لا يفسخ ،و أحكم شريعة الوفاء التي لا تنسخ و هو جاسوس القلب و سارق المروءة و سوس العقل .يتغلغل في مكامن القلوب و يطلع على سرائر الأفئدة و يدب إلى محل التخييل فيثير ما فيه من الهوى و الشهوة و السخافة و الرقاعة و الرعونة و الحماقة.
فبينا ترى الرجل وعليه سمة الوقار وبهاء العقل وبهجة الإيمان ووقار الإسلام وحلاوة القرآن فإذا استمع إلى الغناء ومال إليه نقص عقله وقل حياؤه وذهبت مروءته وفارقه بهاؤه وتخلّى عنه وقاره وفرح شيطانه وشكا إلى الله تعالى إيمانه وثقل عليه قرآنه , وقال يا رب : لا تجمع بيني وبين قرآن عدوك في صدر واحد فاستحسن ما كان قبل السماع يستقبحه وأبدى من سره ما كان يكتمه وانتقل من الوقار والسكينة إلى كثرة الكلام والكذب والزهزهة والفرقعة بالأصابع فيميل برأسه ويهزّ منكبيه ويضرب الأرض برجليه ويدق على أمّ رأسه بيديه ويثب وثبات الدّباب ويدور دوران الحمار حول الدولاب ويصفق بيديه تصفيق النسوان ويخور من الوجد ولا كخوار الثيران وتارة يتأوه تأوه الحزين وتارة يزعق زعقات المجانين ولقد صدق الخبير به من أهله حيث يقول :
أتذكر ليلة وقد اجتمعنا على طيب السماع إلى الصباح
وقد صح أن الملائكة كانت تتنزل لاستماع قراءة أسيد بن حضير رضي الله عنه وإذا كان ذلك كذلك فان إنشاد الأبيات بدل الآيات يستوجب أن تتنزل الشياطين ولابد وما أعظم الفرق بينهما والله المستعان .
الحوار
1/ قال صاحب غناء (الفنان) :
دعنا من بنيات الطريق فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي علمه العام والخاص من إباحة الغناء , فقد جاء في الصحيح عن عائشة رضي الله عنه قالت : دخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي جاريتين من جواري الأنصار تغنيان بغناء الأنصار يوم بعاث وليستا بمغنيتين فاضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم على الفراش وحوّل وجهه ودخل أبو بكر والنبي صلى الله عليه وسلم متغش بثوبه فانتهرني وفي رواية فانتهرهما وقال : أمزمور الشيطان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين فأقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال دعهما يا أبا بكر فان لكل قوم عيدا وهذا عيدنا ، فلما غفل غمزتهما فخرجتا .
قال صاحب قرآن :
الجواب عن هذا الحديث من وجوه :-
1- المستقر عند الصحابة في الأصل تحريم الغناء .
2- إقرار النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر في تسمية الغناء بمزمار الشيطان .
3- قولها (وليستا بمغنيتين) فيه دليل على أن الغناء ليس حرفة لهما .
4- إباحة الغناء هنا مقيدة لا مطلقة (في الزمان والجنس) أي في العيد وكذا العرس بأدلة أخرى والجنس ومرادنا به الصبيات الصغيرات .
5- لم يبح الغناء والضرب على الدف للرجال قط بل النساء الصغيرات دون البلوغ .
6- قوله صلى الله عليه وسلم (إن لكل قوم عيدا وهذا عيدنا) دليل على علة الإباحة في ذلك اليوم وهو العيد .
7- المشروع الضرب على الدّف في العيد والعرس فقط .
8- الحكم يدور مع علته وجودا وعدما فإذا عدم العيد لم يبح الغناء بحال إلا في الأعراس بشروط وهذا الحديث من أكبر الحجج على تحريم الغناء .
9- إن الذي كن يقلنه هو إنشاد أشعار العرب في الشجاعة ومكارم الأخلاق ومدحها وذم الجبن ومساوئ الأخلاق ومع هذا أسماه صديق الأمة مزمور الشيطان وأقره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك .
10- ليس فيه آلات محرمة بل الضرب بالدف فقط .
11- إنما أبيح الغناء يوم العيد والعرس للنساء والصبيان لنقص عقولهم :
فلم أر في عيوب الناس عيبا كنقص القادرين على التمام
وما عجب أن النساء ترجلت ولكن تأنيث الرجال عجاب !
2/ قال الفنان :
فان أثبت أن الغناء مزمار الشيطان ، فلم أباح النبي صلى الله عليه وسلم ذلك لعائشة والجاريتين؟
قال صاحب القرآن :
قال ابن القيم رحمه الله ما ملخصه : معلوم أن هذا من الشيطان وان كان رخّص فيه لهؤلاء ـ يعني النساء والصبيان ـ وذلك لضعف عقولهم ولئلا يدعوهم الشيطان إلى ما يفسد عليهم دينهم إذ لا يمكن صرفهم عن كل ما تتقاضاه الطباع من الباطل ، والشريعة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها فهي تحصل أعظم المصلحتين بتفويت أدناهما وتدفع أعظم المفسدتين باحتمال أدناهما .
3/ قال الفنان :
لقد صح أن الرسول عليه السلام كان يستمع إلى الشعر من الصحابة رضي الله عنهم كحسان بن ثابت وأبيّ بن كعب وغيرهما وكان صلى الله عليه وسلم يتمثل قول بعضهم :
اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة فاغفر للأنصار والمهاجرة
ونحو ذلك ؟
قال صاحب القرآن :
1- الحمد لله الذي عافانا مما ابتلاكم به وفضلنا على كثير ممن خلق تفضيلا .
2- جهلت فعاديت العلوم وأهلها كذاك يعادي العلم من هو جاهله
ومن كان يهوى أن يرى متصدرا ويكره لا أدري أصيب مقاتله .
3- لو فرض أن الشعر جرى على لسانه صلى الله عليه وسلم إنشاء ابتداء لم يكن في ذلك شبهة لكم في حل الغناء والموسيقى وسماع الألحان . عجبا لكم أيها السماعاتية .
4- لقد ثبت في سبب النزول أن الله تعالى ذم الشعراء في أواخر سورة الشعراء ثم استثنى منهم الذين آمنوا وعملوا الصالحات قال تعالى (والشعراء يتبعهم الغاوون ألم تر أنهم في كل واد يهيمون وأنهم يقولون ما لا يفعلون إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرا وانتصروا من بعد ما ظلموا 000) فهذا هو شعر الصحابة رضي الله عنهم وقد كان دفاعا عن الإسلام والمسلمين :
إن الرسول لنور يستضاء به مهند من سيوف الله مسلول
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ثمال اليتامى عصمة للأرامل
أين هذا من شعر المتأخرين المشتمل على الشرك والكفر والخنا والفحش :
فأنت باب الله إلى أمري أتاه من غيرك لا يدخل
عجل بإذهاب الذي اشتكي فان توقفت فمن أسأل
وقال آخر :
تقول وقد قبلتها ألف قبلة كفاك أما شئ لديك سوى القبل ؟!