المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : العدل هو اساس الملك



al_da3iah
16 Nov 2003, 05:16 AM
خرج القبطي من مصر في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه قاصداً المدينة المنورة، وهو يرمي بطرفه إلى لقاء أمير المؤمنين هناك، عندما أقدم ابن والي مصر آنذك عمرو بن العاص على ضربه دون وجه حق، قطع هذا القبطي كل هذه المسافة لأنه كان عالماً بأن أمير المؤمنين سينصفه من ابن والي مصر، وإلا لما كان تجشم كل هذا الجهد والعناء وطول المسافة، ولما دخل على الخليفة وألقى شكواه، ما كان من الخليفة إلا أن أمر بالوالي وابنه بالحضور إليه، ولما تثبَّت من الظلم الذي حاق بالقبطي، أمر القبطي بأن يضرب ابن عمرو وقال كلمته الشهيرة: <متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً>·
هذه القصة الشهيرة في تاريخ أمتنا الناصع والتي سطرها الخليفة الراشد عمر بن الخطاب أرست قاعدة إنسانية للتعامل بين الحاكم والمحكوم، تقوم على ركيزتين أساسيتين هما: العدل والحرية، وتأتي انسجاماً مع خطاب الباري عزَّ وجلَّ: (يأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير) الحجرات:13·
إن الإسلام حين أعلن هذه المبادئ إنما أعلنها بأسلوبه الخاص ثم طبقها التطبيق السليم بما يتلاءم وأحكام شريعتنا الغراء، ففي جانب الحرية أرست شريعتنا مبدأ حرية العقيدة للناس جميعاً: (لا إكراه في الدين) البقرة:256، وطلبت من المسلم أن يقول رأيه في حرية تامة وفي أي موطن، شرط أن تكون هذه الحرية في إطارها السليم والبناء، بل وصل الأمر كذلك أن اعتبرت حرية الكلمة هذه باباً من أبواب الجهاد··· يقول صلى الله عليه وسلم: <أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر> رواه أبوداود·
وفي جانب العدل جعل الإسلام العدل واجباً على الحاكم والمحكوم بعيداً عن العواطف والهوى (يأيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى) المائدة:8·
والآيات والأحاديث في هذا الجانب كثيرة يكفي أن نقول إن المسلمين حين طبقوا العدل في كل جوانب حياتهم بلغوا ما بلغوا من رفعة ومكانة وتقدم وازدهار وهذا ما شهد به الأعداء والأصدقاء·
إن شعوبنا الإسلامية المعاصرة في أمسِّ الحاجة اليوم إلى السير على هذه المبادئ لردم الفجوة القائمة بين الحاكم والمحكوم، وتجسير العلاقة بينهما وفق مبادئ وأسس ثابتة بعيداً عن المزايدات والشعارات الفارغة الجوفاء التي أودت بنا في العقود الأخيرة إلى مهاوي التفكك والتخلف والفقر والحرمان وضياع الأرض والمقدسات·
إننا في الوقت الذي نطالب فيه الشعوب بالوقوف إلى جانب القيادات التي استرعاها الله أمر هذه الأمة، فإننا نطالب هذه القيادات بتبني مبادئ الحرية والعدل القائمة على الكتاب والسنة لقطع الطريق على كل الطامعين في ثرواتنا ومقدراتنا، فلا يصلح أمر الأمة إلا بما صلح به أولها فهل يتحقق ذلك في المستقبل القريب، هذا ما نأمله والله المستعان·