المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خذلني الإباء..



ام حفصه
19 Feb 2013, 11:55 AM
http://woman.islammessage.com/Files/largearticle6850380548_353903914626893_845383766_n .jpg



عبير النحاس



كنت أستطيع أن أتحدى الكثيرات في معرفة عمري أو حتى في محاولة تخمينه؛ فقد كنت أبدو دوما أصغر من عمري الحقيقي بسنوات عدة و كانت نضارتي وملامحي تبرع في إخفائه بمهارة, وكنت أثق أيضا أن أناقتي تكفي لتجعل العيون مسلطة علي لوقت ليس بالقصير, وكذلك لترسم التحدي والإعجاب في عيونهن لفترة لا بأس بها, و كنت أسمع تعليقات رائعة عن مهاراتي في إعداد الكثير من الأطباق الرائعة, وعن تلك الطريقة التي أرتب بها عادة أطباقي, وكان منزلي في أغلب الأوقات مرتبا نظيفا أنيقا, وكانت تميزني هواياتي الكثيرة وتفتح لي أبوابا رائعة, وكنت ناجحة في وظيفتي وفي علاقتي بمن حولي من الزميلات والصديقات والأقارب وبأولادي, لكن علاقتي بزوجي فقط كان عنوانها الدائم"على شفير بركان".
لست أدري أي إباء هذا هو ما جعلني أحترف الصبر لسنوات طويلة, وجعلني أصمت متجاهلة الشكوى الموجعة التي تحكي عن سوء خلقه وتعامله القاسي معي, وهو ما جعلني أيضا أحمل كل المهام التي ألقاها على كاهلي دون أن أنطق أو أشكو ودون أن يظهر التعب على محياي, وربما هو الإباء كذلك هو ما لم يسمح لي بالعيش معه بسلام.
كنت أقوم بكل الأدوار الموكلة إلي على أتم وجه, فأذهب للوظيفة صباحا بعد أن أرسل الأولاد للمدارس و ربما أذهب معهم و قد اطمأننت على دروسهم وأغراضهم ونقودهم والمناديل الورقية في جيوبهم وكذلك الطعام الخفيف في حقائبهم, وبعد عودتي كنت أغالب الوقت لتكون مائدتي معدة قبل وصول زوجي وليكون البيت أنيقاً مرتباً, وكنت قد اعتدت أن يتناول طعامه وهو متجهم ثم يشرب شايه بعده مباشرة, ويتوجه مسرعا نحو غرفة النوم لينال قيلولته بينما أقضي أنا فترة ما بعد العصر في ترتيب المطبخ وغسل الأواني والملابس, وكنت أسرع قبل أن يستيقظ بفنجان من القهوة الساخنة ليشربه وهو يرتدي ملابسه, ولم أكن قد اعتدت يوما على كلمة شكر ينطق بها ولهذا لم أعد أفكر في الأمر أو أهتم له.
كنت أجلس بعد ذهابه مع الأولاد أراقب دروسهم و أطمئن على حفظهم ثم أجلس إلى الحاسوب أتابع البرامج الجديدة التي تفيدني في عملي قبل عودته فقد كان جلوسي إلى الحاسوب أمامه هو الشيطان الأعظم, وكنت أعد طعام العشاء متزامنا مع عودته الكئيبة ليجلس مع الأولاد ويتناول عشاءه بينهم بينما يرهق آذانهم بصراخه في وجوههم وتعليقاته الساخرة, فيسرع الأولاد بعدها إلى غرفهم هاربين بينما يمسك هو جهاز التحكم ليقلب القنوات وأشغل أنا نفسي بعمل يلزمني ككي الملابس أو تحضير طعام ما, أو أمسك كتابا جديدا يسليني حتى يحين موعد النوم.
كنت أنا من يشتري كل ما يلزمني ويلزم الأولاد وكنت أجدد بنفسي أثاث البيت وكل أدواته من مالي, وكنت أدفع إيجار المنزل وثمن وقود الشتاء, وفي السنوات الأخيرة بت أشتري له ملابسه أيضا بعد أن وجد أن هناك فسحة من راتبي لم يشغلها بمهمة بعد, وقد اعتدت على الأمر وفضلت الصمت والتحمل بدلا من الشكوى التي لم تكن لتجلب لي سوى شماتة وقصص الفارغات التافهات في الصبر والاحتمال, ثم كنت أسمع منهن أحاديث أعرف مسبقا أنها من اختراعاتهن تحكي عن الدلال الذي يلقونه من أزواجهم وكنت أرى بعيني أمورا تخالف أحاديثهن المختلقة.
في يوم اتخذت فيه قرارا بعدم الشكوى و البوح لأحد عن آلامي وأوجاع قلبي وتعبي وإرهاق جسدي وروحي؛ اتخذ هو فيه قراراً أيضا بزيادة حجم الألم الذي يسببه لي وللأولاد, وبات الصراخ في وجوهنا هو عنوان حياتنا المؤلمة معه وخرج بصراخه إلى الشارع والأماكن العامة وبيوت الأصدقاء والأقارب وأصبحت لذته الكبيرة هي رؤية وجوهنا حزينة وقلوبنا مكسورة وخجلنا أمام الناس معلنا صريحا.
تأكدت يومها أن لا فائدة من الصبر ولا فائدة من الصمت, و أن دروس الفارغات و( تنظيراتهن) لن تعني لي شيئا عندما أقارنها بحريتي وكرامتي وكرامة أولادي وراحتنا جميعا, وكنت قد اعتدت على حمل هموم المادة والإنفاق الذي تخلى هو عنه ولم أشعر أنني سأفتقد في بُعده وغيابه عني سوى صراخه والألم, بينما أعمل وحدي داخل البيت و خارجه وأدرس الأولاد وأنفق عليهم ولا دور له في حياتنا إلا ما يهدينا إياه من ألم؛ فقررت الطلاق و أعلنت إصراري.
لم أتخيل أن أخر الحلول لديه هو الزواج المفاجئ, وكنت أضحك كلما فكرت في غبائه الشديد عندما يعتقد أن مرهقة مثلي من جوره وظلمه ستتمسك به غيرة و محبة؛ فباركت الزواج وسط دهشته بل فرحت بالأمر الذي جعل قلوب أولادي تجتمع قربي وتبتعد عنه وتنفر حتى من الحديث معه أو رؤيته.
كان البيت الجديد هادئا من دونه وشيئا فشيئا بدأ الأولاد يشعرون بمعنى العائلة والجلسات العائلية المرحة ويتحدثون عن الأمر صراحة, وكنت أشكر الله لأن الأولاد كانوا بعمر يكفيني الذهاب للأسواق والتعامل مع الرجال والغرباء, وكان هذا أحد هدايا صبري الطويل على رفقته المحزنة.
بدأنا أيضا بالتعرف على أقارب وأصحاب حرمنا وجوده المؤلم من التعرف عليهم, وشعرنا حتى ببركة النقود التي لم تزدد بينما زادت بركتها وربما لأننا بتنا نشتري ما نهواه لا ما يهواه هو.
شعرت بمعنى الحرية فبت أنظم أوقاتي كما أحب أنا , وأنام عندما أريد بينما نسيت تلك الأيام الصعبة التي كان يستكثر فيها نومي في أيام العطل بينما يذهب هو لعمله فيفتح النوافذ والشبابيك ليقلق نومتي قبل خروجه وكنت دائما أذرف بصمت وسعدت لأنني لم أترك وظيفتي كما كان يطلب دائماً.
بعد ثلاثة شهور من زواجه و فراقنا و غياب صوته عنا و بينما كنا نجلس على مائدة العشاء ابتسم ابني الكبير قائلا:" هل تعلمين أن أبي سافر خارج البلد تاركاً زوجته الجديدة؟ لقد أخبرني صديقه بهذا اليوم".
تعجبت يومها من الأمر فما الذي حصل بينهما ليتركها..؟
وكيف جرت المقادير بهذه الطريقة ؟..
ومن سيحكي لنا الحكاية؟..
وكيف لم يصبر هو على صحبتها ليتجنب شماتتي به؟..
وكيف لم تصبر هي على صحبته لتتجنب شماتة الجميع؟..
ولم لم يحمل أيٌ منهما شيئاً من الإباء الذي جعلني أصبر وأصمت كل تلك السنين؟..
قبل النوم كتبت يومها التاريخ في مفكرتي و كتبت تحته:
" كنت أعلم أن الله لن يتركني أسيرة آلام تسببها لي صحبتك, ولكنني لم أكن أعلم أن انتقام الإله يمكن أن يأتي بهذه السرعة ليريني عقوبتك, أنا الآن سعيدة من دونك , فابحث مرة أخرى عمن تملك إباءً يشبه ما أملكه ".

فله المميزة
20 Feb 2013, 08:12 PM
http://up.ala7ebah.com/img/UkL98849.jpg

رونق الامل
22 Feb 2013, 07:24 PM
http://up.ala7ebah.com/img/rGF73955.gif