ام حفصه
28 Jan 2013, 11:42 AM
http://www.awda-dawa.com/App/Upload/articles/13578.jpg
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يحيى البوليني
قد لا نعلم من أمراض القلوب مرضا أفتك بقلوب الناس وداء أذهبَ بعظيم أجورهم من العُجب وما يأتي بعده، فالعجب يبطل الأعمال الصالحة ويمحو أثرها من القلب ويذهب أجرها، بل وفي كثير من الأحيان يقود صاحبه إلى أخلاق مذمومة أخطر مثل الغرور أو الكبر.
ولعل أحق من يخشى على نفسه وعلى صلاح قلبه هو الداعية، الذي يتأثر الناس به فيتأثر صلاحهم بصلاحه، ففي لحظة غفلة – قد تكون إنسانية طبيعية - من الداعية، وفي غمرة انشغاله بإصلاح عيوب الناس ونصحه لهم بتزكية أنفسهم قد يغفل فيها عن قلبه المنهك في متابعة أحوال حياة بالناس المحيطين به الذي يجد بنفسه مسئولا عن تربيتهم ونصحهم.
ويأتي تحقيق الدعاة لبعض النجاحات في ميادين التأثير في القلوب بابا كبيرا لتسلل الشيطان إلى بعض قلوبهم نتيجة لازدياد الأتباع وكثرة كلمات المدح والثناء التي تنهال على مسامعهم – وهم لاشك أهل للثناء – لعظيم أثرهم في الناس، لكن الخطر كل الخطر أن يتسرب إليهم شعور بالوثوق في قلوبهم، فيظن بعضهم أن قلبه عسير على الوقوع في تلك الآفات التي تضر به وتهلكه والتي يحذر غيره منها، فقد تكون تلك اللحظة هي أكثر اللحظات التي ينبغي للداعية أن يحذر منها وأن يخشى فيها على قلبه.
وخطورة أمراض القلوب – على الجميع - أن صاحبها ينفي وجودها تماما في قلبه، وكلما ازداد صاحب هذا القلب الذي أصيب بالعجب علما أو حسن بيان كلما أقنع كل من يتحدث إليهم بخلو قلبه من ذاك المرض وكلما بعد في ظنه إصابته به، وقد يظن الداعية نفسه بحلو حديثه أو بكثرته عن أمراض القلوب وآثارها وخطورتها أنه في مأمن تماما منها حاضرا ومستقبلا.
ولا يستطيع عبد مهما أوتي من سعة علم أو خبرة تربوية أن يجزم بوجود مرض قلبي في عبد مثله، لان القلوب لا يعلم بها إلا خالقها ولكنها قد تُظهر ما فيها ببعض التصرفات وردود الأفعال.
ولهذا فأكثر الناس دراية بقلب العبد هو العبد نفسه الذي يستطيع أن يفتش في قلبه ويصارح نفسه بما فيه في حين يتحرج من مصارحة غيره بما يثور داخله، ولهذا يعرف ابن المبارك العجب كمرض قلبي دقيق لا يُفطن إليه كثيرا فيقول " أن ترى أن عندك شيئا صالحا ليس عند غيرك ".
إذن فالعُجب شعور قلبي داخلي لا يُرى عمليا إلا بعض أثره فقط وخاصة في أوقات الغفلة من صاحبه، وقد لا يرى الناس آثاره أبدا وقد يكون متغلغلا داخل النفوس وذلك لعظم الاحتياط والاحتراز.
هو إحساس بالاختلاف بشيئ صالح عن الناس والتميز عنهم وخصوصا عن الأقران المشاركين في نفس العمل أو السلوك أو الصحبة، حين يرى الداعية بكل أو بمعظم الناس غيره نقص لم يكتمل سوى عنده، أو عندما يفرح بقوله أو فعله أو بموقفه في حين يتصور أنه لو كان غيره مكانه ما سلك مثل سلوكه ولما نجح فيما نجح هو فيه.
والعجب في قلوب كل الناس نقص وعيب وآفة يتوجب معالجتها، ولقد حذر منه رسول الله صلى الله عليه وسلم ووصفه بأنه مهلك للقلوب والأعمال، ففي الحديث الذي أخرجه البيهقي وحسنه الألباني عن أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّمَا الْمُهْلِكَاتُ شُحٌّ مُطَاعٌ، وَهَوًى مُتَّبَعٌ، وَإِعْجَابُ الْمُرْءِ بِنَفْسِهِ " وفي الفتح لابن حجر : قال القرطبي هو " إعجاب المرء بنفسه هو ملاحظته لها بعين الكمال، مع نسيان نعمة الله، فإن احتقر غيره مع ذلك فهو الكبر المذموم ".
فإذا كان هذا شانه في حق الناس ففي قلوب الدعاة أعظم وأخطر إذ أن الدعاة هم المثل الحي لتوجيه الناس، هم الذين يربون الناس ويقومونهم ويعيدونهم إلى الجادة والصواب ويذكرونهم بالله، ولهذا يتخذهم الناس أسوة ومثلا ويقتدون بما يرون من تصرفاتهم قبل ما يسمعون من كلماتهم، فكيف يستقيم الظل والعود أعوج ؟.
ولعلاقات القلوب وأفعالها قدرة عجيبة على التواصل منفصلة جزئيا أو كليا عن الأقوال التي تجري على الألسنة، فحينما ترى شيخا فاضلا وتجلس إليه تشعر بأن روحا تسري داخلك تعلمك شيئا من أخلاقه الباطنة، فقد تتعلم التواضع ولا تدري من أين سرى إليك منه، فالشيخ لم يتحدث عن التواضع، وبالمقابل قد يدرك المرء العُجب أو يتعلمه عمليا من تصرف أو لفته أو هفوة شيخ يجلس إليه أو ربما دون أن يدري كذلك من أين سرى إليه هذا الشعور.
والعُجب كله خطير على القلوب سواء القولي منه أو العملي السلوكي، فمن بعض أنواع العجب:
"العجب بالنعم": وهو فرح العبد بما أسبغ الله عليه من نعم ظاهرة وباطنة من صحة وأبناء وسعة رزق، فكل هذه من نعم الله وتوفيق له لنيلها، وهي مما لا حيلة للعبد في وجودها ولا قدرة له ابتداء على إيجادها أو اكتسابها إلا بتوفيق الله له أو إمساكها عن أن تزول عنه.
ففي هذا النوع من العجب سوء أدب من العبد مع الخالق سبحانه الذي قدر كل شيئ بحكمته وأعطاه من النعم ما يختبره به، ولم يعطه النعم ليعجب بها ويتطاول بها على الخلق.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يحيى البوليني
قد لا نعلم من أمراض القلوب مرضا أفتك بقلوب الناس وداء أذهبَ بعظيم أجورهم من العُجب وما يأتي بعده، فالعجب يبطل الأعمال الصالحة ويمحو أثرها من القلب ويذهب أجرها، بل وفي كثير من الأحيان يقود صاحبه إلى أخلاق مذمومة أخطر مثل الغرور أو الكبر.
ولعل أحق من يخشى على نفسه وعلى صلاح قلبه هو الداعية، الذي يتأثر الناس به فيتأثر صلاحهم بصلاحه، ففي لحظة غفلة – قد تكون إنسانية طبيعية - من الداعية، وفي غمرة انشغاله بإصلاح عيوب الناس ونصحه لهم بتزكية أنفسهم قد يغفل فيها عن قلبه المنهك في متابعة أحوال حياة بالناس المحيطين به الذي يجد بنفسه مسئولا عن تربيتهم ونصحهم.
ويأتي تحقيق الدعاة لبعض النجاحات في ميادين التأثير في القلوب بابا كبيرا لتسلل الشيطان إلى بعض قلوبهم نتيجة لازدياد الأتباع وكثرة كلمات المدح والثناء التي تنهال على مسامعهم – وهم لاشك أهل للثناء – لعظيم أثرهم في الناس، لكن الخطر كل الخطر أن يتسرب إليهم شعور بالوثوق في قلوبهم، فيظن بعضهم أن قلبه عسير على الوقوع في تلك الآفات التي تضر به وتهلكه والتي يحذر غيره منها، فقد تكون تلك اللحظة هي أكثر اللحظات التي ينبغي للداعية أن يحذر منها وأن يخشى فيها على قلبه.
وخطورة أمراض القلوب – على الجميع - أن صاحبها ينفي وجودها تماما في قلبه، وكلما ازداد صاحب هذا القلب الذي أصيب بالعجب علما أو حسن بيان كلما أقنع كل من يتحدث إليهم بخلو قلبه من ذاك المرض وكلما بعد في ظنه إصابته به، وقد يظن الداعية نفسه بحلو حديثه أو بكثرته عن أمراض القلوب وآثارها وخطورتها أنه في مأمن تماما منها حاضرا ومستقبلا.
ولا يستطيع عبد مهما أوتي من سعة علم أو خبرة تربوية أن يجزم بوجود مرض قلبي في عبد مثله، لان القلوب لا يعلم بها إلا خالقها ولكنها قد تُظهر ما فيها ببعض التصرفات وردود الأفعال.
ولهذا فأكثر الناس دراية بقلب العبد هو العبد نفسه الذي يستطيع أن يفتش في قلبه ويصارح نفسه بما فيه في حين يتحرج من مصارحة غيره بما يثور داخله، ولهذا يعرف ابن المبارك العجب كمرض قلبي دقيق لا يُفطن إليه كثيرا فيقول " أن ترى أن عندك شيئا صالحا ليس عند غيرك ".
إذن فالعُجب شعور قلبي داخلي لا يُرى عمليا إلا بعض أثره فقط وخاصة في أوقات الغفلة من صاحبه، وقد لا يرى الناس آثاره أبدا وقد يكون متغلغلا داخل النفوس وذلك لعظم الاحتياط والاحتراز.
هو إحساس بالاختلاف بشيئ صالح عن الناس والتميز عنهم وخصوصا عن الأقران المشاركين في نفس العمل أو السلوك أو الصحبة، حين يرى الداعية بكل أو بمعظم الناس غيره نقص لم يكتمل سوى عنده، أو عندما يفرح بقوله أو فعله أو بموقفه في حين يتصور أنه لو كان غيره مكانه ما سلك مثل سلوكه ولما نجح فيما نجح هو فيه.
والعجب في قلوب كل الناس نقص وعيب وآفة يتوجب معالجتها، ولقد حذر منه رسول الله صلى الله عليه وسلم ووصفه بأنه مهلك للقلوب والأعمال، ففي الحديث الذي أخرجه البيهقي وحسنه الألباني عن أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّمَا الْمُهْلِكَاتُ شُحٌّ مُطَاعٌ، وَهَوًى مُتَّبَعٌ، وَإِعْجَابُ الْمُرْءِ بِنَفْسِهِ " وفي الفتح لابن حجر : قال القرطبي هو " إعجاب المرء بنفسه هو ملاحظته لها بعين الكمال، مع نسيان نعمة الله، فإن احتقر غيره مع ذلك فهو الكبر المذموم ".
فإذا كان هذا شانه في حق الناس ففي قلوب الدعاة أعظم وأخطر إذ أن الدعاة هم المثل الحي لتوجيه الناس، هم الذين يربون الناس ويقومونهم ويعيدونهم إلى الجادة والصواب ويذكرونهم بالله، ولهذا يتخذهم الناس أسوة ومثلا ويقتدون بما يرون من تصرفاتهم قبل ما يسمعون من كلماتهم، فكيف يستقيم الظل والعود أعوج ؟.
ولعلاقات القلوب وأفعالها قدرة عجيبة على التواصل منفصلة جزئيا أو كليا عن الأقوال التي تجري على الألسنة، فحينما ترى شيخا فاضلا وتجلس إليه تشعر بأن روحا تسري داخلك تعلمك شيئا من أخلاقه الباطنة، فقد تتعلم التواضع ولا تدري من أين سرى إليك منه، فالشيخ لم يتحدث عن التواضع، وبالمقابل قد يدرك المرء العُجب أو يتعلمه عمليا من تصرف أو لفته أو هفوة شيخ يجلس إليه أو ربما دون أن يدري كذلك من أين سرى إليه هذا الشعور.
والعُجب كله خطير على القلوب سواء القولي منه أو العملي السلوكي، فمن بعض أنواع العجب:
"العجب بالنعم": وهو فرح العبد بما أسبغ الله عليه من نعم ظاهرة وباطنة من صحة وأبناء وسعة رزق، فكل هذه من نعم الله وتوفيق له لنيلها، وهي مما لا حيلة للعبد في وجودها ولا قدرة له ابتداء على إيجادها أو اكتسابها إلا بتوفيق الله له أو إمساكها عن أن تزول عنه.
ففي هذا النوع من العجب سوء أدب من العبد مع الخالق سبحانه الذي قدر كل شيئ بحكمته وأعطاه من النعم ما يختبره به، ولم يعطه النعم ليعجب بها ويتطاول بها على الخلق.