المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : دور أبناء الأمة في نوازلها



ام حفصه
28 Jan 2013, 07:04 AM
http://www.awda-dawa.com/App/Upload/articles/13785.jpg

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

تمر العديد من أقطار أمتنا العربية الإسلامية بنوازل هذه الأيام، وفي النوازل أو (الأزمات) تختلف قيم ومفاهيم الحياة، وتتغير قوانين العيش، وأبناء أمتنا الإسلامية هم أولئك الذين يزعمون انتماءهم لها، بغض النظر عن الزمان والمكان والحال، فإن الفرد المسلم في تونس هو من أبناء الأمة،وفي ذات الوقت فإن الفرد المسلم في سوريا من أبناء الأمة، وكذلك في سائر أمصار أمتنا العربية والإسلامية، وفي ظروف الأزمات ينقسم الناس إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: أولئك الذين فتح الله عليهم من الفهم الواعي الراشد، فميزوا الحق من الباطل، ووضعوا أنفسهم في خندق الحق ووقفوا نداً صريحاً للباطل، وهؤلاء نوعين:
النوع الأول: من تكون النازلة همه وقضيته، فهو يسخر لها كل ما يملك، ماله، جهده، كلمته، جده، دعاءه، ويعيش أيامه على هذا الحال.
النوع الثاني: من يميز الحق ويكون معه بقلبه فقط، فلا يقدم شيء ولو كان قليلاً، بسبب وبغير سبب، ويجد دائماً ما يبرر ذلك، ثم إنه يمارس حياته بشكل طبيعي.
القسم الثاني: وهم أولئك الذين أنكروا الحق وتبنوا الباطل، ووقفوا ضد ما ترومه جماهير الأمة فأولئك هم الأعداء ولو لبسوا لباس الإسلام وزعموا أنهم مسلمون، وإن لبسوا العمامة وتحدثوا بـ ( قال الله وقال الرسول ) .
القسم الثالث: من يلتبس الأمر عليه وتختلط الأحوال عنده، فيصيبه التردد، ويقرر أن يعتزل القضية برمتها وينتظر ما ستؤول إليه النتائج.
إن مدار حديثنا هنا سيكون حول النوع الثاني من القسم الأول والقسم الثالث من أبناء الأمة، فأمتنا تمر بمحن شديدة وفي مناطق كثيرة، في سوريا، في مصر، في العراق، في تونس، في الكويت، في اليمن، ناهيك عن المؤامرة الكبرى التي تتعرض لها الأمة برمتها، ولكننا سنسلط الضوء على مايجري في إقليمنا وما يحيط بنا.
لقد أصاب المسلمين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة - وهم أقلية ولم تكن لهم دولة – الألمُوالهمُّ يوم بلغهم انتصار الفرس على الروم، لأنهم كانوا يشعرون برابط مشترك بينهم وبين الروم وهو رابط الإيمان باعتبارهم أهل كتاب، في حين أن الفرس كانوا على المجوسية وتأليه ملكهم كسرى، وهي عقيدة شركية بحتة، لهذا السبب فقط تألم المسلمون، فأنزل الله تعالى قرآناً بهذا الخصوص يتلطف بحال المسلمين، ويهون عليهم تبعات الحدث المؤلم، ويعدهم بأن من يشاركونهم الإيمان سينتصرون على عدوهم المشرك في بضع سنين قادمة، قال تعالى: (غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (5) الروم .

ام حفصه
28 Jan 2013, 07:04 AM
إن ما يندى له الجبين اليوم أن عشرات الملايين من أبناء أمتنا الإسلامية وممن تربطهم علاقات مختلفة ومقدسة مع أبناء أمتهم التي ينتمون إليها، فمنها؛ رابطة الإيمان والإسلام والدم والتاريخ والجغرافية والمصير المشترك واللغة والثقافة، لا يرمش لهم جفن أزاء ما يجري للآخرين من أبناء جلدتهم، وهم يقتلون، ويعذبون، ويفتنون في دينهم، ويعتقلون، ويشردون، وتنتهك أعراضهم، فالعشرات بل قل المئات من القنوات الفضائية اليوم تشتغل على مدار الساعة وتنطلق من أراض إسلامية وهي تبث الفجور والغناء والرقص والعري، حتى الصباح، ويتابعها الملايين من أبناء الأمة، وأنني أعتقد جازماً أن مجرد إشهار مظاهر الإحتفال والفرح في هذه الأوقات لا يجوز إن لم يكن شرعاً فعرفاً وأخلاقاً، فليس من الرجولة ولا المروءة ولا الأخلاق أن يحصل ما يحصل لجاري وأخي في الدين وفي الإنسانية وأن قهقهاتي تصل عنان السماء، ولو أننا تركنا كل ما يجري في أمتنا حاشا مايحصل لأهلنا في سوريا لكان مبرراً كافياً ووافياً لأن نوقف كل مظاهر الفرح وحتى الشرعي منه حتى يأذن الله تعالى.
وأما دوريات كرة القدم في أمتنا الإسلامية فهي قائمة على قدم وساق، كأن الذي يجري لنا يجري لأناس في كوكب آخر، فالشباب مولع إلى درجة الإدمان ولا أبالغ إذا قلت لدرجة العبادة بهذه الدوريات، ولم ينته الأمر في بلدان امتنا بل تعداه إلى الدوري الإسباني والإيطالي والإنكليزي والفرنسي وغيرها، فكيف سيعطي الشاب جزء من وقته الثمين لقضايا أمته.
ناهيك عن الوقت الذي يقضة في الدردشة على الإنترنت وفي الموبايل، وما إلى ذلك، أنا فعلاً أتألم فأرى هذا الدماء الطاهرة تسيل على أراضي أمتنا والآخرون منا يلهثون وراء هذه الأشياء التي لا تعدو كونها (لعبة) لا أكثر ولا أقل، هو أمر يحتاج إلى وقفة تأمل، حال أبناء الأمة لا يمكن السكوت عليه، هل من المعقول أن يترك الشباب قضايا الأمة ونوازلها ومصائبها ثم إنهم يركضون خلف سراب ووهم ؟ الحال مؤلم ومفجع ولكن هذا هو واقع الحال بالفعل !
كم من أبناء الأمة اليوم ينهي يومه في العمل ثم يؤي إلى بيته ويلم شمل عائلته، ويستمتع بالنظر إلى زوايا بيته وأثاثه، ثم يتابع المسلسل اليومي من على شاشة ( البلازما) الواسعة، ثم ينسل لينزوي في فراشه الوثير لينام قرير العين ولا تثير آهات النساء الثكالى، ولا صرخات الأطفال اليتامى، ولا دماء الشهداء النشامى، شعرةمن رأسه؟، أنا أجيبكم: إن معظم أبناء الأمة هذا حالهم اليوم.
وكم من شباب الأمة اليوم يقضون أوقاتهم حتى الصباح على الفيس بوك والتويتر وهم يتبادلون النكت والصور والترهات. وكم وكم وكم؟ القضية جلل والمصاب عظيم، والأمثلة السيئة في هذا المقام لا تعد ولا تحصى.
ماذا جرى لأمتنا؟ أين النخوة؟ لقد أصبحت ذكريات النخوة لِوامعتصماه مجرد مادة تاريخية تبني عليه الأمة أعمالاً فنية يسمونها (دراما)، وأفعال صلاح الدين الأيوبي إنجازات عظيمة لأغراض الفخر لا أكثر.
إن الكثير من هؤلاء شغلتهم الدنيا، وهم غير قادرين على التفاعل مع ابناء جلدتهم في نوائبهم، لذلك هم بحاجة إلى من يذكرهم ويكلمهم، وذلك يقتضي من الدعاة أن يبتكروا الأساليب التي يصلون فيها إليهم، لأن الكثير من هؤلاء ربما كان فيهم الخير، ولكنهم لم يبلغوا، أو أنهم بحاجة لمن يشعل لهم شمعة، وهذا حصل مع الكثير، ومما تجدر الإشارة إليه أن خطاب الدعاة اليوم هو خطاباً نخبوياً، بمعنى أنه يبلغ أسماع المريدين والمعجبين والملتزمين، ولكن الشريحة الكبرى من شباب أمتنا ليسوا كذلك فهم بحاجة إلى الوصول إليهم.

ام حفصه
28 Jan 2013, 07:06 AM
ليس الشباب من أبناء أمتنا قد وقعوا في هذا المنزلق الخطير، وإنما وقع فيه التجار الذين ابتعدوا عن أحداث تقع في أمتهم هي لاتعنيهم، فالذي يعنيهم أن أمور تجارتهم ميسرة وصفقاتهم تزيد أرصدتهم في البنوك، وعقاراتهم تزداد مع الوقت، ووقع فيه الأطباء الذين يقضون جل وقتهم في المستشفيات والعمليات الجراحية بحجة خدمة الإنسانية والحقيقة إنما هي خدمة أنفسهم، ووقع فيه الأكاديميون الذين أصبح همهم الأول والأخير عدد البحوث التي يقدمونها من أجل الترقية والمرتبة العلمية وصلولاً إلى الأستاذية وإلى ما بعد العالمية، وأيضاً تحت نفس الحجة والذريعة خدمة الأمة وخدمة الإنسانية، وإن الأمة تذبح والإنسانية تستباح، ويقع في نفس المنزلق المهندسون ورجال الأعمال، الجميع يدور في حلقة الدنيا المفرغة، والأمة تحترق ولا معتصم يجيب ولا صلاح الدين يظهر.
لقد فهم عثمان ابن عفان رضي الله عنه دوره جيداً كفرد من أفراد الأمة الإسلامية حين مرت الأمة بأزمة وعسرة، فجاء بألف دينار ووضعها في حجر النبي صلى الله عليه وسلم لأنه فهم أن لا معنى لهذا المال والأمة في أزمة، ومثله فعل أبو بكر الصديق رضي الله عنه حين جاء بكل ماله ليضعه بيد النبي صلى الله عليه وسلم، لا يكفي أننا نقدم فُتاة وقتنا، وفضلة نزرة من أموالنا، أو بفورة نساهم فيه بكلمة أو حملة طبية لهم، نقدمها لإخوتنا في أزمتهم ونعتقد أن ذمتنا قد برأت منهم، الأمر ليس بهذه البساطة، ما يجري لأمتنا اليوم هم واجب الوقت، ينبغي أن نعطية كل وقتنا وجهدنا ومالنا، وتفكيرنا، يجب أن يكون هو همنا وشغلنا.
المطلوب من أبناء أمتنا؛ عالمهم في مختبره، وأكاديميهم في جامعته، ومهندسهم في موقه عمله، وطبيبهم في مستشفاه وعيادته، وتاجرهم في تجارته، وعاملهم في معمله، وسائقهم خلف المقود، وفلاحهم في حقله، وشابهم في فصله الدراسي وفي الفيس بوك وعلى مكتبهوفي عمله، أن يعلن بولائه لهذه الأمة وأبنائها، ويعلم أنه بفضل هذه الأمة أصبح إنساناً، فلولا الإسلام لكنا اليوم تبعاً لفارس في مجوسيتهم أو للنصارى في ثالوثهم، فالعرفان بالجميل يقتضي أن نتفاعل مع من يموت من أبناء أمتنا، ومن يحزن ومع من يُجرح ومع من يُشرَّد ومع من يُيَتم،فإن كان له يد فعليه أن لا يتوانى ولا يبخل بشيء يقدمه لابناء أمته المنكوبين، بل ويخترع الأساليب بشكل فردي أو جماعي لتقديم العون لهم، وإن كان في قلة من ذات اليد فسلاح الدعاء سلاح فعال، أنقذ الله تعالى به أنبياء وأمم وقت الشدة، كما ينبغي أن ندع الترف ويبو على محيانا جميعاً آثار الألم والحزن، وهذا أقلُّ القليل من الولاء، قال تعالى: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ) الأنفال: (.73)، وإلا تفعلوه: يعني الولاء، فلعل الله تعالى وتبارك أن يطلع على قلوبنا وما فيها من الإخلاص له وما فيها من الحزن والألم على إخوتنا فينصرهم ويرفع البلاء عنا وعنهم.

كتبه اخوكم
عبد الستار المرسومي