طريق الشروق
28 Dec 2004, 05:54 PM
اسم الله الرقيب
بسم الله الرحمن الرحيم
اسم من أسماء الله تبارك وتعالى ورد ذكره فى القرآن الكريم
قال تعالى: {إن الله كان عليكم رقيباً}(النساء- 1).
وقال تعالى حكاية عن عيسى عليه السلام : {فلما توفيتنى كنت أنت الرقيب عليهم}(المائدة\117).
والرقيب: هو المطلع على ماأكننتة الصدور القائم على كل نفس بما كسبت,الذى حفظ المخلوقات وأجراها على أحسن نظام وأكمل تدبير.
**يقول ابن فارس فى مقاييس اللغة (1\427):
رقب :الراء- والقاف -والباء أصل صحيح يدل على أنتصاب لمراعاة شىء.ومنه المكان العالى يقف عليه الناظر للمراقبة,ومن ذلك أشتقت الرقبة لأنها منتصبة,والرقوب المرأة التى ليعيش لها ولد كأنها ترقبه لعله يبقى لها.
**ويقول ابن منظورفى اللسان (1\424):
رقب :فى أسماء الله تعالى الرقيب:وهو :الحفيظ الذى ليغيب عنه شىء ,والترقيب :الأنتظار وكذلك الأرتقاب.وقوله تعالى:{ولم ترقب قولى}معناه لم تنتظر قولى.والرقبة:المملوك وأعتق رقبةأى نسمة.وفك رقبة أطلق أسير.وسميت الجملة باسم العضو لشرفها.
قال تعالى :{والمؤلفة قلوبهم وفى الرقاب}.
قال أهل العلم :أنهم المكاتبون ولا يبتدأ منه مملوك فيعتق.
**قال القرطبى رحمه الله فى تعالى الأسنى (401\1):
ومنها الرقيب جل جلاله وتقدست أسماؤه نطق به التنزيل وأجمعت عليه الأمة ولا خلاف فى إجرائه على من دون الله,قال الله العظيم:{ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد}
**يقول الإمام السعدى رحمه الله تعالى:
الرقيب والشهيد أسمان مترادفان لله عز وجل وكلاهما يدل على أحاطة سمع الله بالمسموعات وأحاطة بصره سبحانه وتعالى بالمبصورات وعلمه بجميع المعلومات الجليه والخفيه-وهو الرقيب على ما دار فى الخواطر -وما تحركت به اللواحظ.فما بالك بالفعال الظاهره بالأركان.
يقول الله تعالى:{أن الله كان عليكم رقيباً}ويقول سبحانه وتعالى:{والله على كل شىء شهيد}.ولهذا كانت المراقبة من أعلى أعمال القلوب هى التعبد لله بإسمه الرقيب-والشهيد
فمتى علم العبدأن حركاته الباطنة والظاهره قد أحاط بها الله علماً-واستحضر ذلك العلم فى كل أحواله أوجب له ذلك حراسة باطنه عن كل فكريبغضه الله وحفظ ظاهره عن كل قول أو فعل يسخط ربه عليه فتعبد له بمقام الأحسان.[ فعبد الله كأنه يراه فإن لم يكن يراه فإن الله يراهٍٍ ]
والرقيب -يأتى بمعنى- الحافظ- الذى لايغيب عنه شىء المتحرز عن الغفلة.فهو سبحانه وتعالى لايغفل عما خلق فيلحقه نقص أو يدخل عليه خلل من قٍبل غفلته عنه فإن الله رقيب على أحوال خلقه الحافظ لهم بعلمه المقدس عن مباشرة النسيان فهو يعلم جميع الخفيات فى الأرض والسموات ثم أنه يقدر على ذلك ببصره الذى لاتأخذه سنة ولا نوم وبسمعه المدرك لكل حركه وكلام .
يقول تعالى:{وإن عليكم لحافظين* كراماً كاتبين} (الأنفطار).
ويقول: {إن كل نفس لما عليها حافظ} (الطارق).
ولقد زاد سبحانه وتعالى عباده المكلفين برقابة ملآئكة المكلفين بأحصاء الأقوال والأفعال قال تعالى:{ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد}.
قال ابن الحصار:والرقيب هو أسم الله يتضمن صفات الذات .
قال الحليمى:والرقيب الذى لايغفل عما خلق.
يقول تعالى:{ما تكون فى شأن وما تتلوامن قرءان ولاتعملون من عمل إلاكنا عليكم شهوداً إذ تفيضون فيه وما يعزب عن ربك من مثقال ذرةفى الأرض ولا فى السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا فى كتاب مبين}(يونس61)
يخبرنا سبحانه وتعالى عن مشاهدة وأطلاعه على جميع أحوال العبادفى حركاتهم وسكناتهم وهى دعوة لمراقبة على الدوام فاما تكون فى شأن من احوالك الدينيه او الدنيويه إلا كان الله مطلع عليه حتى وأنت تتلوا القرءان اىأتعمل بما فيه من أحكام وأوامر أم تقرأ ولاتعمل بما أنزله الله إليك وقوله :{كنا عليكم شهوداً} أى حين شرعكم فى العمل وأستمراركم على العمل به فترقبوا الله فى جميع أحوالكم.
وكثيراًما يقرن سبحانه وتعالىعندما يخبرنا ربنا بأحطاته بما فى السموات والأرض.فهو يخبرنا بمراتب القضاء والقدر وعلمه المحيط بجميع المخلوقات وكتبتهُ المحيطين بجميع الحوادث.قال تعالى:{ألم تعلم أن الله يعلم ما فى السماءوالأرض إن ذلك فى كتاب إن ذلك على الله يسير}
وقد أحسن الشاعر حين قال:
ولاتحسبن الله يغفل ساعة ******* ولاأن مايخفى عليه يغيب
لهونا لعمر الله حتى تتابعت******* ذنوب على آثارهن ذنوب
وقال أخر :
كأن رقيبا ًمنك يرعى خواطرى ****** وآخر يرعى ناظرى ولسانى
والرقيب الملك الموكل الذى يحفظ عليها أعمالها الصالحة والسيئة يقول تعالى:{وجأت كل نفسً معها سائق وشهيد} أى حتى لايتأخر عنها حسابها وقد شهد على أعمالها خيرها وشرها,وهذا يدل على أعتناء الله جل وعلا بالعباد وحفظه لأعمالهم.
يقول تعالى:{وأتقوا الله الذى تسألون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً}
فيجب على كل مكلف أن يعلم ان الله عليه رقيباً وأنه وكل به ملكين يحصيان أقواله وأفعاله وأن الجزاء من الله بحسب هذه المراقبة.فمن صح علمه بأن الله رقيب عليه لم يفنى عمره فى البطالة ولم يمحق فى الغفلات أوقاته بل يصل فى طاعة ربه ليل نهار ومن راقب الله فى سره وجهره وأتقاه فى أمره ونهيه أوصله ذلك بإذن الله إلى الموافقة فى طاعة اللهإلأى ما يحبه الله هو المطلع على القلب فلا يرا إلا الله.فصاحب المراقبة يدع المخالفات أستحياء منه وهيبة له أكثر مما يتركهامن يدع المعاصى خوفاً من العقوبة.
وحكى عن ابن عمر رضى الله عنهما مر بغلام يرعى غنماً فقال:بع لى شاة.فقال الغلام:أنها ليست لى.قال ابن عمر قل أكلها الذئب.فقال الغلام :فإين الله.
فشتراه ابن عمر وأشترى الغنم وأعتقه ووهبه تلك الغنم وكان ابن عمر يقول قال ذلك العبد أين الله؟ قال تعالى:{ألم يعلم بإن الله يرى}
قال ذا النون :علامة المراقبة إيثار ما أنزل الله وتعظيم ماعظم الله وتصغير ماصغر الله.
وقال أبراهيم الخواص:المراقبة خلوص السر والعلانية لله عز وجل.
وقال ابو حفص -لأبن عثمان النيسابورى:أذا جلست للناس فكن واعظاً لقلبك ونفسك ولا يغرنك أجتماعهم عليك فإنهم يراقبون ظاهرك والله يراقب باطنك.
هل قرأت القرآن ومرّ بك قوله عز وجل:( مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)( قّ18)
هل تفكرت في هذه الآية ؟
إنها الضابط الشرعي ( لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) (قّ:37).
أسمعت أيها الإنسان ؟ أسمعت أيها المسكين ؟ إنها رقابة شديدة دقيقة رهيبة تطبق عليك إطباقاً شاملاً كاملاً , لا تـُغفل من أمرك دقيقاً ولا جليلاً , ولا تفارقك كل نفَس معدود , وكل هاجسة معلومة وكل لفظ مكتوب وكل حركة محسوبة في كل وقت وكل حال وفي أي مكان , عندها قل ما شئت وحدث بما شئت وتكلم بمن شئت ولكن اعلم أن هناك من يراقبك , اعلم أن هناك من يسجل وأنه يعد عليك الألفاظ :( إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيد * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) (قّ17).
إنها تعنيك أيها الإنسان إنها تعنيك أنت أيها المسلم .
( مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ) هذه الآيات والله إنها لتهز النفس هزاً وترجها رجاً وتثير فيها رعشة الخوف,الخوف من الله عز وجل , قال ابن عباس :
( يكتب كل ما تكلم به من خير وشر حتى أنه ليكتب قولك : أكلتُ , شربتُ , ذهبت, جئت, رأيت .. حتى إذا كان يوم الخميس عُرض قوله وعمله فأقِر منه ما كان من خير وشر وألقي سائره ).
واسمع للآيات من كتاب الله عز وجل تقرع سمعك وتهز قلبك إن كان قلباً مؤمناً يخاف الله عز وجل:( وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَاماً كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ) (الانفطار: 12
( وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً) (الأحزاب:58).
{ وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً) (الاسراء:36).
( إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُون َ}.
وأخيرا قوله تعالى: ( إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ) (الفجر:14). فربك راصد ومسجل لكلماتك ولا يضيع عند الله شيء.
أما أنت أيها المؤمن , أما أنت يا من يقال عنك ويدور عنك الحديث في المجالس , أما أنت أيها المظلوم فإن لك بهذه الآية تطميناً فلا تخف ولا تجزع فإن ربك بالمرصاد لمن أطلقوا العنان لألسنتهم في أعراض العباد , بالمرصاد للطغيان والفساد والشر , فلا تجزع بعد ذلك
فالمراقبة مراعاة القلب لملاحظة الحق مع كل خطره وخطوه.
فمن راعى قلبه عد مع الله أنفاسه ولايضيع مع الله نفساً.
فهو السميع
الذي لا يعزب عن إدراكه مسموع وإن خفي فيسمع السر والنجوى بل ما هو أدق من ذلك وأخفى ويدرك دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء يسمع حمدالحامدين فيجازيهم ودعاء الداعين فيستجيب لهم ويسمع بغير أصمخة وآذان كما يفعل بغير جارحة ويتكلم بغير لسان وسمعه منزه عن أن يتطرق إليه الحدثان ومهما نزهت السميع عن تغير يعتريه عند حدوث المسموعات وقدسته عن أن يسمع بأذن أو بآلة وأداة علمت أن السمع في حقه عبارة عن صفة ينكشف بها كمال صفات المسموعات ومن لم يدقق نظره فيه وقع بالضرورة في محض التشبيه فخذ منه حذرك ودقق فيه نظرك تنبيه للعبد من حيث الحس حظ في السمع لكنه قاصر فإنه لا يدرك جميع المسموعات بل ما قرب من الأصوات ثم إن إدراكه بجارحة وأداة معرضة للآفات فإن خفي الصوت قصر عن الإدراك وإن بعد لم يدرك وإن عظم الصوت ربما بطل السمع واضمحل وإنما حظه الديني منه أمران:- أحدهما: أن يعلم أن الله عز وجل سميع فيحفظ لسانه
والثاني: أن يعلم أنه لم يخلق له السمع إلا ليسمع كلام الله عز وجل وكتابه الذي أنزله وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فيستفيد به الهداية إلى طريق الله عز وجل فلا يستعمل سمعه إلا فيه .
وهو البصير
الذي يشاهد ويرى حتى لا يعزب عنه ما تحت الثرى وإبصاره أيضا منزه عن أن يكون بحدقة وأجفان ومقدس عن أن يرجع إلى انطباع الصور والألوان في ذاته كما ينطبع في حدقة الإنسان فإن ذلك من التغير والتأثر المقتضي للحدثان وإذا نزه عن ذلك كان البصر في حقه عبارة عن الصفة التي ينكشف بها كمال نعوت المبصرات وذلك أوضح وأجلى مما يفهم من إدراك البصر القاصر على ظواهر المرئيات تنبيه حظ العبد من حيث الحس من وصف البصرظاهر ولكنه ضعيف قاصر إذ لا يمتد إلى ما بعد ولا يتغلغل إلى باطن ما قرب بل يتناول الظواهر ويقصر عن البواطن والسرائر وإنما حظه الديني منه أمران:-
أحدهما :أن يعلم أنه خلق له البصر لينظر إلى الآيات وإلى عجائب الملكوت والسموات فلا يكون نظرة إلا عبرة قيل لعيسى عليه السلام: هل أحد من الخلق مثلك فقال من كان نظره عبرة وصمته فكرة وكلامه ذكرا فهو مثلي.
والثاني :أن يعلم أنه بمرأى من الله عز وجل ومسمع فلا يستهين بنظره إليه واطلاعه عليه ومن أخفى عن غير الله ما لا يخفيه عن الله فقد استهان بنظر الله عز وجل.
والمراقبة إحدى ثمرات الإيمان بهذه الصفة فمن قارف معصية وهو يعلم أن الله عز وجل يراه فما أجسره وما أخسره ومن ظن أن الله تعالى لا يراه فما أظلمه وأكفره.
جمع وترتيب
أختكم
طريق الشروق
.................................................. ................
بسم الله الرحمن الرحيم
اسم من أسماء الله تبارك وتعالى ورد ذكره فى القرآن الكريم
قال تعالى: {إن الله كان عليكم رقيباً}(النساء- 1).
وقال تعالى حكاية عن عيسى عليه السلام : {فلما توفيتنى كنت أنت الرقيب عليهم}(المائدة\117).
والرقيب: هو المطلع على ماأكننتة الصدور القائم على كل نفس بما كسبت,الذى حفظ المخلوقات وأجراها على أحسن نظام وأكمل تدبير.
**يقول ابن فارس فى مقاييس اللغة (1\427):
رقب :الراء- والقاف -والباء أصل صحيح يدل على أنتصاب لمراعاة شىء.ومنه المكان العالى يقف عليه الناظر للمراقبة,ومن ذلك أشتقت الرقبة لأنها منتصبة,والرقوب المرأة التى ليعيش لها ولد كأنها ترقبه لعله يبقى لها.
**ويقول ابن منظورفى اللسان (1\424):
رقب :فى أسماء الله تعالى الرقيب:وهو :الحفيظ الذى ليغيب عنه شىء ,والترقيب :الأنتظار وكذلك الأرتقاب.وقوله تعالى:{ولم ترقب قولى}معناه لم تنتظر قولى.والرقبة:المملوك وأعتق رقبةأى نسمة.وفك رقبة أطلق أسير.وسميت الجملة باسم العضو لشرفها.
قال تعالى :{والمؤلفة قلوبهم وفى الرقاب}.
قال أهل العلم :أنهم المكاتبون ولا يبتدأ منه مملوك فيعتق.
**قال القرطبى رحمه الله فى تعالى الأسنى (401\1):
ومنها الرقيب جل جلاله وتقدست أسماؤه نطق به التنزيل وأجمعت عليه الأمة ولا خلاف فى إجرائه على من دون الله,قال الله العظيم:{ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد}
**يقول الإمام السعدى رحمه الله تعالى:
الرقيب والشهيد أسمان مترادفان لله عز وجل وكلاهما يدل على أحاطة سمع الله بالمسموعات وأحاطة بصره سبحانه وتعالى بالمبصورات وعلمه بجميع المعلومات الجليه والخفيه-وهو الرقيب على ما دار فى الخواطر -وما تحركت به اللواحظ.فما بالك بالفعال الظاهره بالأركان.
يقول الله تعالى:{أن الله كان عليكم رقيباً}ويقول سبحانه وتعالى:{والله على كل شىء شهيد}.ولهذا كانت المراقبة من أعلى أعمال القلوب هى التعبد لله بإسمه الرقيب-والشهيد
فمتى علم العبدأن حركاته الباطنة والظاهره قد أحاط بها الله علماً-واستحضر ذلك العلم فى كل أحواله أوجب له ذلك حراسة باطنه عن كل فكريبغضه الله وحفظ ظاهره عن كل قول أو فعل يسخط ربه عليه فتعبد له بمقام الأحسان.[ فعبد الله كأنه يراه فإن لم يكن يراه فإن الله يراهٍٍ ]
والرقيب -يأتى بمعنى- الحافظ- الذى لايغيب عنه شىء المتحرز عن الغفلة.فهو سبحانه وتعالى لايغفل عما خلق فيلحقه نقص أو يدخل عليه خلل من قٍبل غفلته عنه فإن الله رقيب على أحوال خلقه الحافظ لهم بعلمه المقدس عن مباشرة النسيان فهو يعلم جميع الخفيات فى الأرض والسموات ثم أنه يقدر على ذلك ببصره الذى لاتأخذه سنة ولا نوم وبسمعه المدرك لكل حركه وكلام .
يقول تعالى:{وإن عليكم لحافظين* كراماً كاتبين} (الأنفطار).
ويقول: {إن كل نفس لما عليها حافظ} (الطارق).
ولقد زاد سبحانه وتعالى عباده المكلفين برقابة ملآئكة المكلفين بأحصاء الأقوال والأفعال قال تعالى:{ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد}.
قال ابن الحصار:والرقيب هو أسم الله يتضمن صفات الذات .
قال الحليمى:والرقيب الذى لايغفل عما خلق.
يقول تعالى:{ما تكون فى شأن وما تتلوامن قرءان ولاتعملون من عمل إلاكنا عليكم شهوداً إذ تفيضون فيه وما يعزب عن ربك من مثقال ذرةفى الأرض ولا فى السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا فى كتاب مبين}(يونس61)
يخبرنا سبحانه وتعالى عن مشاهدة وأطلاعه على جميع أحوال العبادفى حركاتهم وسكناتهم وهى دعوة لمراقبة على الدوام فاما تكون فى شأن من احوالك الدينيه او الدنيويه إلا كان الله مطلع عليه حتى وأنت تتلوا القرءان اىأتعمل بما فيه من أحكام وأوامر أم تقرأ ولاتعمل بما أنزله الله إليك وقوله :{كنا عليكم شهوداً} أى حين شرعكم فى العمل وأستمراركم على العمل به فترقبوا الله فى جميع أحوالكم.
وكثيراًما يقرن سبحانه وتعالىعندما يخبرنا ربنا بأحطاته بما فى السموات والأرض.فهو يخبرنا بمراتب القضاء والقدر وعلمه المحيط بجميع المخلوقات وكتبتهُ المحيطين بجميع الحوادث.قال تعالى:{ألم تعلم أن الله يعلم ما فى السماءوالأرض إن ذلك فى كتاب إن ذلك على الله يسير}
وقد أحسن الشاعر حين قال:
ولاتحسبن الله يغفل ساعة ******* ولاأن مايخفى عليه يغيب
لهونا لعمر الله حتى تتابعت******* ذنوب على آثارهن ذنوب
وقال أخر :
كأن رقيبا ًمنك يرعى خواطرى ****** وآخر يرعى ناظرى ولسانى
والرقيب الملك الموكل الذى يحفظ عليها أعمالها الصالحة والسيئة يقول تعالى:{وجأت كل نفسً معها سائق وشهيد} أى حتى لايتأخر عنها حسابها وقد شهد على أعمالها خيرها وشرها,وهذا يدل على أعتناء الله جل وعلا بالعباد وحفظه لأعمالهم.
يقول تعالى:{وأتقوا الله الذى تسألون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً}
فيجب على كل مكلف أن يعلم ان الله عليه رقيباً وأنه وكل به ملكين يحصيان أقواله وأفعاله وأن الجزاء من الله بحسب هذه المراقبة.فمن صح علمه بأن الله رقيب عليه لم يفنى عمره فى البطالة ولم يمحق فى الغفلات أوقاته بل يصل فى طاعة ربه ليل نهار ومن راقب الله فى سره وجهره وأتقاه فى أمره ونهيه أوصله ذلك بإذن الله إلى الموافقة فى طاعة اللهإلأى ما يحبه الله هو المطلع على القلب فلا يرا إلا الله.فصاحب المراقبة يدع المخالفات أستحياء منه وهيبة له أكثر مما يتركهامن يدع المعاصى خوفاً من العقوبة.
وحكى عن ابن عمر رضى الله عنهما مر بغلام يرعى غنماً فقال:بع لى شاة.فقال الغلام:أنها ليست لى.قال ابن عمر قل أكلها الذئب.فقال الغلام :فإين الله.
فشتراه ابن عمر وأشترى الغنم وأعتقه ووهبه تلك الغنم وكان ابن عمر يقول قال ذلك العبد أين الله؟ قال تعالى:{ألم يعلم بإن الله يرى}
قال ذا النون :علامة المراقبة إيثار ما أنزل الله وتعظيم ماعظم الله وتصغير ماصغر الله.
وقال أبراهيم الخواص:المراقبة خلوص السر والعلانية لله عز وجل.
وقال ابو حفص -لأبن عثمان النيسابورى:أذا جلست للناس فكن واعظاً لقلبك ونفسك ولا يغرنك أجتماعهم عليك فإنهم يراقبون ظاهرك والله يراقب باطنك.
هل قرأت القرآن ومرّ بك قوله عز وجل:( مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)( قّ18)
هل تفكرت في هذه الآية ؟
إنها الضابط الشرعي ( لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) (قّ:37).
أسمعت أيها الإنسان ؟ أسمعت أيها المسكين ؟ إنها رقابة شديدة دقيقة رهيبة تطبق عليك إطباقاً شاملاً كاملاً , لا تـُغفل من أمرك دقيقاً ولا جليلاً , ولا تفارقك كل نفَس معدود , وكل هاجسة معلومة وكل لفظ مكتوب وكل حركة محسوبة في كل وقت وكل حال وفي أي مكان , عندها قل ما شئت وحدث بما شئت وتكلم بمن شئت ولكن اعلم أن هناك من يراقبك , اعلم أن هناك من يسجل وأنه يعد عليك الألفاظ :( إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيد * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) (قّ17).
إنها تعنيك أيها الإنسان إنها تعنيك أنت أيها المسلم .
( مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ) هذه الآيات والله إنها لتهز النفس هزاً وترجها رجاً وتثير فيها رعشة الخوف,الخوف من الله عز وجل , قال ابن عباس :
( يكتب كل ما تكلم به من خير وشر حتى أنه ليكتب قولك : أكلتُ , شربتُ , ذهبت, جئت, رأيت .. حتى إذا كان يوم الخميس عُرض قوله وعمله فأقِر منه ما كان من خير وشر وألقي سائره ).
واسمع للآيات من كتاب الله عز وجل تقرع سمعك وتهز قلبك إن كان قلباً مؤمناً يخاف الله عز وجل:( وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَاماً كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ) (الانفطار: 12
( وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً) (الأحزاب:58).
{ وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً) (الاسراء:36).
( إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُون َ}.
وأخيرا قوله تعالى: ( إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ) (الفجر:14). فربك راصد ومسجل لكلماتك ولا يضيع عند الله شيء.
أما أنت أيها المؤمن , أما أنت يا من يقال عنك ويدور عنك الحديث في المجالس , أما أنت أيها المظلوم فإن لك بهذه الآية تطميناً فلا تخف ولا تجزع فإن ربك بالمرصاد لمن أطلقوا العنان لألسنتهم في أعراض العباد , بالمرصاد للطغيان والفساد والشر , فلا تجزع بعد ذلك
فالمراقبة مراعاة القلب لملاحظة الحق مع كل خطره وخطوه.
فمن راعى قلبه عد مع الله أنفاسه ولايضيع مع الله نفساً.
فهو السميع
الذي لا يعزب عن إدراكه مسموع وإن خفي فيسمع السر والنجوى بل ما هو أدق من ذلك وأخفى ويدرك دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء يسمع حمدالحامدين فيجازيهم ودعاء الداعين فيستجيب لهم ويسمع بغير أصمخة وآذان كما يفعل بغير جارحة ويتكلم بغير لسان وسمعه منزه عن أن يتطرق إليه الحدثان ومهما نزهت السميع عن تغير يعتريه عند حدوث المسموعات وقدسته عن أن يسمع بأذن أو بآلة وأداة علمت أن السمع في حقه عبارة عن صفة ينكشف بها كمال صفات المسموعات ومن لم يدقق نظره فيه وقع بالضرورة في محض التشبيه فخذ منه حذرك ودقق فيه نظرك تنبيه للعبد من حيث الحس حظ في السمع لكنه قاصر فإنه لا يدرك جميع المسموعات بل ما قرب من الأصوات ثم إن إدراكه بجارحة وأداة معرضة للآفات فإن خفي الصوت قصر عن الإدراك وإن بعد لم يدرك وإن عظم الصوت ربما بطل السمع واضمحل وإنما حظه الديني منه أمران:- أحدهما: أن يعلم أن الله عز وجل سميع فيحفظ لسانه
والثاني: أن يعلم أنه لم يخلق له السمع إلا ليسمع كلام الله عز وجل وكتابه الذي أنزله وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فيستفيد به الهداية إلى طريق الله عز وجل فلا يستعمل سمعه إلا فيه .
وهو البصير
الذي يشاهد ويرى حتى لا يعزب عنه ما تحت الثرى وإبصاره أيضا منزه عن أن يكون بحدقة وأجفان ومقدس عن أن يرجع إلى انطباع الصور والألوان في ذاته كما ينطبع في حدقة الإنسان فإن ذلك من التغير والتأثر المقتضي للحدثان وإذا نزه عن ذلك كان البصر في حقه عبارة عن الصفة التي ينكشف بها كمال نعوت المبصرات وذلك أوضح وأجلى مما يفهم من إدراك البصر القاصر على ظواهر المرئيات تنبيه حظ العبد من حيث الحس من وصف البصرظاهر ولكنه ضعيف قاصر إذ لا يمتد إلى ما بعد ولا يتغلغل إلى باطن ما قرب بل يتناول الظواهر ويقصر عن البواطن والسرائر وإنما حظه الديني منه أمران:-
أحدهما :أن يعلم أنه خلق له البصر لينظر إلى الآيات وإلى عجائب الملكوت والسموات فلا يكون نظرة إلا عبرة قيل لعيسى عليه السلام: هل أحد من الخلق مثلك فقال من كان نظره عبرة وصمته فكرة وكلامه ذكرا فهو مثلي.
والثاني :أن يعلم أنه بمرأى من الله عز وجل ومسمع فلا يستهين بنظره إليه واطلاعه عليه ومن أخفى عن غير الله ما لا يخفيه عن الله فقد استهان بنظر الله عز وجل.
والمراقبة إحدى ثمرات الإيمان بهذه الصفة فمن قارف معصية وهو يعلم أن الله عز وجل يراه فما أجسره وما أخسره ومن ظن أن الله تعالى لا يراه فما أظلمه وأكفره.
جمع وترتيب
أختكم
طريق الشروق
.................................................. ................