مشاهدة النسخة كاملة : فقط للمقبلين على الزواج
شوقي الى الله ابكاني
12 Jan 2013, 01:36 AM
للمقبلين على الزواج فقط
آدابالزفاف
في السنة المطهرة
تأليف العلامة المحدث
محمدناصر الدين الألباني
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
حمداً لله، وصلاةً وسلاماً على نبيهوآله وصحبه ومن والاه، وعلى كل من اهتدى بهداه.
أما بعد : فقد كان الباعث علىتأليف هذه الرسالة وإخراجها للناس لأول مرة، تحقيق رغبة أخينا في الله تبارك وتعالىالأستاذ عبد الرحمن ألباني، فإنه- جزاه الله خيراً- اقترح تأليفها بمناسبة بنائهعلى زوجه، ففعلت، ثم قام هو بطبعها على نفقته ، ووزعها مجاناً في حفلة زفافه، مكانما جرى الناس عليه من توزيع السكاكر والحلويات وغيرها، مما لا يبقى أثره ولا يدومنفعه، فكان ذلك منه سنة حسنة، من حسناته الكثيرة- إن شاء الله- ما أحوج المسلمينإلى الاقتداء به فيها، والسير على منوالها.
ثم لما نفدت نسخ الطبعة الأولى،وكان من تمام
[6]
الاستفادة منها، تعميم نشرها على الناس في مختلف الأقطاروالأمصار، رأى كثيرون إعادة
طبعها، وألحوا عليّ بالطلب، فاستجبت لذلك، وتفرغت لهبعض الوقت، فأضفت إليها زيادات كثيرة، فاتني إيرادها في الطبعة الأولى بسبب السرعةالتي تم بها تأليفها وإخراجها.
وقد رأيت أن أوسع الكلام في بعض المسائل الهامةالتي أساء بعض الناس فهمها في هذا العصر أو قبله، فبينت- ما استطعت- خطأهم فيها،وبعدهم عن الصواب فيما قالوه حولها، وذلك بالحجة والبرهان، ليكون القارئ الكريم علىبينة من أمره، وبصيرة من دينه، فلا يتأثر بشبهات الشاكين، وجدال المبطلين، وقلةالسالكين، في زمن أصبح التمسك فيه بالسنة غريباً في بني دينه المحاولين التمسك به،فكيف هو في المخالفين له، الصادين عنه؟!
أسأل الله تبارك وتعالى أن يجعلنا منعباده القليل الذين قال فيهم نبيه صلى الله عليه وسلم:
وإنّ الإسلام بدأغريباً، وسيعود غريباً كما بدأ
[7]
فطوبى للغرباء )) مسلم .
وأقدم بينيدي الرسالة الكلمة الهامة التي كان العلامة الشيخمحب الدين الخطيب تفضل بكتابتهاوطبعها في مقدمة الطبعة الأولى، لما فيها من فوائد ومواعظ، وهي في رأيي تمهيد قويلنساء هذا العصر لكي يتيسر لهن العمل بما جاء في هذه الرسالة مما لم يألفنه، بل ولميسمعن به من قبل، فاللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاًوارزقنا اجتنابه، إنك سميع مجيب.
دمشق في 25/10/1376هـ .
[9]
مقدمةالطبعة الأولىبقلم فضيلة الشيخ محب الدين الخطيب
بسم الله الرحمنالرحيم
الحمد لله رب العالمين، ولا رب لهم غيره، ولا يطاع في السر والعلن سواه،وصلى الله على معلم الناس الخير محمدٍ هادي الإنسانية إلى سنة الحق، وعلى آله وصحبهوسلم.
وبعدُ؛ فإن جماهير المسلمين لا يزالون في مثل عقول الأطفال؛ يلهيهم مايلهي الأطفال، يلهيهم ما يلهي الأطفال، ويصرفهم عن مناهج الخير وأهداف الحق كل مايصرف الأطفال من ألاعيب وتوافه وأوهام، حتى يتحروا سنة الإسلام في الاعتدال،وهدايته في التحرر من كل ما استعبدوا له من الملاهي والسفاسف والزخارف والشهوات،وحينئذ
[10]
يرجعون إلى ربهم، فيحفظ لهم عقولهم، ويبارك لهم في أوقاتهموأعمالهم وجهودهم، ويدخر لهم ثروتهم وأسباب قوتهم، فيستعملونها فيما ينفعهم، ويكونبهم عزهم، ويعلو به سلطانهم.
وتحري سنة الإسلام في الاعتدال، والانتفاع بهدايتهفي التحرر من السفاسف التي صار السملمون مستعبدين لها منذ أكثر من ألف سنة، يتوقفعلى أمرين:
أحدهما: إخلاص العلماء العاملين الذين يبينون للأمة سنن دينها في كلناحية من النواحي التي تتناولها رسالة الإسلام.
والثاني: ازدياد عدد المسلمينالذين يوطنون أنفسهم في ترديد ذلك البيان العلمي بالعمل به، حتى يتلقاه عنهمبالقدوة من لا يتيسر لهم تلقيه بالدرس والتعلم.
وهذه الرسالة اللطيفة نموذجلناحية من النواحي التي تناولتها رسالة الإسلام بالسنن الصحيحة عنمعلم
[11]
الناس الخير صلى الله عليه وسلم ، في حفلات الزفاف وآدابه وولائمه،وهي الناحية التي أسرف فيها المسلمون بالبعد عن سنن الإسلام، حتى أوغلوا لا فيالجاهلية الأولى التي امتازت- في هذه الناحية- بفطرة العروبة وتحررها من بذخالمترفين، بل في الجاهلية الطارئة التي تشبهت فيها كل طبقة بالطبقة التي سبقتها إلىالنار، حتى أصبحت أعباء الزواج
وتكاليفه فوق طاقة الناس، فكادوا ينصرفون عنه- وهوفي نفسه من سنة الإسلام- لأنهم انصرفوا فيه عن سنن الإسلام، فأوقعهم ذلك في شرأنواع الجاهلية.
وبعد أن تهيأت لهذه الرسالة المناسبة التي عينت موضوعها ، تهيألها مؤلف من دعاة السنة الذين وقفوا حياتهم على العمل لإحيائها، وهو أخونا بالغيبالشيخ أبو عبد الرحمن محمد ناصر نوح نجاتي الألباني، فوضع بين أيدي المسلمين النصوصالصحيحة والحسنة من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في آداب الزفاف، وحبذا لو كانقد اتّسع له الوقت وواتته الأسباب، فاستقصى كل ماورد من ذلك في الحياة الزوجية،وآداب البيت، وما ينبغي أن تكون عليه الأسرة الإسلامية. ولكن ظهور الهلالفي
[12]
ليلته الأولى، قد يشعر بما يليه من مطالع صفحات القمر حتى يكون بدراًكاملاً.
وكما تهيأ لهذه الرسالة موضوعها والمؤلف الذي يستوفيه، تهيأ لها كذلكالمسلم الأول والمسلمة الأولى اللذان آليا أن يكونا قدوة للمسلمين في الاعتدالوالتحرر من العبودية للسفاسف والملاهي وتوافه العادات، عندما استخارا الله، فخارلهما أن يبنيا البيت المسلم الطاهر، والأسرة الإسلامية المتحررة من تقاليد الجاهليةالأجنبية عنا، والطارئة علينا. فأرجو الله عز وجل أن يأخذ بيد أخي المؤمن المجاهدالأستاذ السيد عبد الرحمن الباني في جميع مراحل حياته، حتى يحقق له آماله، ملتزماًسنة الإسلام في ذلك ما استطاع.
وأختم هذه الكلمة بأن أضرب لعروسه المسلمةالفاضلة مثلاً من تاريخ نساء العروبة والإسلام، ينبغي لكل مسلمة أن تجعله نصبعينيها، لتكون من الخالدات إن شاء الله.
إن فاطمة بنت أمير المؤمنين عبد الملكبن مروان
[13]
كان لأبيها- يوم تزوجت- السلطان الأعظم على الشام والعراقوالحجاز واليمن وإيران والسند وقفقاسيا والقرم وما وراء النهر إلى نجارا وجنوةشرقاً، وعلى مصر والسودان وليبيا وتونس والجزائر والمغرب الأقصى وإسبانيا غرباً. ولم تكن فاطمة هذه بنت الخليفة الأعظم
وحسب، بل كانت كذلك أخت أربعة من فحول خلفاءالإسلام، وهم: الوليد بن عبد الملك، وسليمان بن عبد الملك، ويزيد بن عبد الملك،وهشام بن عبد الملك، ويزيد بن عبد الملك، وهشام بن عبد الملك، وكانت فيما بين ذلكزوجة أعظم خليفة عرفه الإسلام بعد خلفاء الصدر الأول، وهو أمير المؤمنين عمر بن عبدالعزيز.
وهذه السيدة التي كانت بنت خليفة، وزوجة خليفة، وأخت أربعة من الخلفاء،خرجت من بيت أبيها إلى بيت زوجها يوم زفت إليه وهي مثقلة بأثمن ما تملكه امرأة علىوجه الأرض من الحلي والمجوهرات، ويقال: إن من هذه الحلي قرطي مارية اللذين اشتهرافي التاريخ، وتغنى بهما الشعراء، وكانا وحدهما يساويان كنزاً. ومن فضول القول أنأشير إلى أن عروس عمر بن
[14]
عبد العزيز كانت في بيت أبيها تعيش في نعمة لاتعلوا عليها عيشة امرأة أخرى في الدنيا لذلك العهد، ولو أنها استمرت في بيت زوجهاتعيش كما كانت تعيش قبل ذلك لتملأ كرشها في كل يوم وفي كل ساعة بأدسم المأكولاتوأندرها وأغلاها، وتنعم نفسها بكل أنواع النعيم الذي عرفه البشر، لاستطاعت ذلك. إلاأني لا أذيع مجهولاً بين الناس إن قلت: إن عيشة البذخ والترف قد تضرها في صحتها منحيث يتمتع بالعافية المعتدلون، وقد تكسبها هذه العيشة الحقد والحسد والكراهية منأهل الفاقة والمعدمين، زد على ذلك أن العيشة مهما اختلفت ألوانها تكون مع الاعتيادمألوفة ومملولة، والذين بلغوا من النعيم أقصاه يصدمون بالفاقة عندما تطلب أنفسهم مارواه ذلك، فلا يجدونه، بينما المعتدلون يعملون أن في متناول أيديهم وراء الذي همفيه، وأنهم يجدونه متى شاؤوا، غير أنهم اختاروا التحرر منه ومن سائر الكماليات،ليكونوا أرفع منها، وليكونوا غير مستعبدين لشهواتها، ولذلك اختار الخليفة الأعظمعمر بن عبد العزيز- في الوقت الذي كان فيه أعظم ملوك الأرض- أن
[15]
تكوننفقة بيته بضعة دراهم في اليوم، ورضيت بذلك زوجة الخيلفة التي كانت بنت خليفة وأختأربعة من الخلفاء، فكانت مغتبطة بذلك؛ لأنها تذوقت القناعة، وتمتعت بحلاوةالاعتدال، فصارت هذه اللذة وهذه الحلاوة أطيب لها وأرضى لنفسها من كل ما كانت تعرفهقبل ذلك من صنوف البذخ وألوان الترف. بل اقترح عليها زوجها أن تترفع عن عقليةالطفولة فتخرج عن هذه الألاعيب والسفاسف التي كانت تبهرج بها أذنيها وعنها وشعرهاومعصميها مما لا يسمن ولا يغني من جوع، ولو بيع لأشبع ثمنه بطون شعب برجاله ونسائهوأطفاله، فاستجابت له، واستراحت من أثقال الحلي والمجوهرات واللآليء والدرر التيحملتها معها من بيت أبيها، فبعثت بذلك كله إلى بيت مال المسلمين. وتوفي عقب ذلكأمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز ولم يخلف لزوجته وأولاده شيئاً، فجاءها أمين بيتالمال، وقال لها: إن مجوهراتك يا سيدتي لا تزال كما هي، وإني اعتبرتها أمانة لك،وحفظتها لهذا اليوم، وقد جئت أستأذنك في إحضارها. فأجابته بأنها وهبتها لبيت مالالمسلمين طاعة
[16]
لأمير المؤمنين ، ثم قالت: ((وما كنت لأطيعه حياً وأعصيهميتاً )). وأبت أن تسترد من مالها الحلال الموروث ما يساوي الملايين الكثيرة، فيالوقت الذي كانت محتاجة فيه إلى دريهمات، وبذلك كتب الله لها الخلود، وها نحن نتحدثعن شرف معدنها، ورفيع منزلتها بعد عصور وعصور، رحمها الله، وأعلى مقامهما في جناتالنعيم.
إن أهنأ العيش هو العيش المعتدل في كل شيء، وكل عيش مهما خشن أو نعم،إذا اعتاده أهله ألفوه وارتاحوا إليه، والسعادة هي الرضا، والحر هو الذي يتحرر منكل ما يستطيع الاستغناء عنه، وذلك هو الغنى بالمعنى الإسلامي والمعنى الإنساني،جعلنا الله من أهله.
17ذي الحجة سنة 1371هـ
7 سـبتمبر سـنة1952ممحبالدين الخطيب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله القائل في محكمكتابه: ﴿ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودّةورحمة﴾ [الروم: 21]. والصلاة والسلام على نبيه محمد الذي ورد عنه فيما ثبت منحديثه: ((تزوّجوا الودود الولود، فإني مكاثر بكم الأنبياء يوم القيامة )) رواه أحمدوالطبراني بسند صحيح.
وبعد؛ فإن لمن تزوج وأراد الدخول بأهله آداباً فيالإسلام، قد ذهل عنها، أو جهلها أكثر الناس، حتى المتعبدين منهم، فأحببت أن أضع فيبيانها هذه الرسالة المفيدة بمناسبة زفاف أحد الأحبة، إعانة له ولغيره من الإخوةالمؤمنين، على القيام بما شرعه سيد المرسلين.
[18]
عن رب العالمين ، وعقبتهابالتنبيه على بعض الأمور التي تهم كل متزوج، وقد ابتُلي بها كثير من الزوجات.
اسأل الله تعالى أن ينفع بها، وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم، إنه هو البرالرحيم.
وليعلم أن آداب الزفاف كثيرة، وإنما يعنيني منها في هذه العجالة؛ ماثبت منها في السنة المحمدية، مما لا مجال لإنكارها من حيث إسنادها، أو محاولةالتشكيك فيها من جهة مبناها؛ حتى يكون القائم بها على بصيرة من دينه، وثقة من أمره،وإني لأرجو أن يختم الله له بالسعادة، جزاء افتتاحه حياته الزوجة بمتابعة السنة،وأن يجعله من عباده الذين وصفهم بأن من قولهم: ﴿ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتناقرّة أعين واجعلنا للمتقين إماما﴾. [الفرقان: 74]. والعاقبة للمتقين كما قال ربالعالمين: ﴿إن المتقين في ظلال وعيون. وفواكه مما يشتهون. كلوا واشربوا هنيئاً بماكنتم تعملون . إنا كذلك نجزي المحسنين﴾ [المرسلات: 41- 44].
وهاكتلك الآداب:
[19]
- ملاطفة الزوجة عند البناء بها:
يستحب له إذا دخل على زوجته أنيلاطفها، كأن يقدم إليها شيئاً من الشراب ونحوه؛ لحديث أسماء بنت يزيد بن السكن،قالت:
((إني قيّنت( ) عائشة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم جئته فدعوتهلجلوتها( )، فجاء، فجلس إلى جنبها، فأتي بعُس( ) لبن، فشرب، ثم ناولها النبي صلىالله عليه وسلم فخضت رأسها واستحيت، قالت أسماء: فانتهرتها، وقلت لها: خذي من يدالنبي صلى الله عليه وسلم ، قالت: فأخذت، فشربت شيئاً، ثم قال لها النبي صلى اللهعليه وسلم: أعطي تربك( )، قالت أسماء: فقلت: يا رسول الله! بل خذه فاشرب منه ثمناولنيه من يدك، فأخذه فشرب منه ثم ناولنيه، قالت: فجلست ، ثم وضعته على ركبتي، ثمطفقت أديره وأتبعه بشفتي
[20]
لأصيب منه شرب النبي صلى الله عليه وسلم، ثمقال لنسوة عندي: ((ناوليهن ))، فقلن: لا نشتيه! فقال صلى الله عليه وسلم: ((لاتجمعن جوعاً وكذباً ))أخرجه أحمد بإسنادين يقوي أحدهما الآخر. والحميدي في مسنده. وله شاهد في الطبراني.
2- وضع اليد على رأس الزوجة والدعاء لها:
وينبغي أنيضع يده على مقدمة رأسها عند البناء بها أو قبل ذلك، وأن يسمي الله تبارك وتعالى،ويدعو بالبركة، ويقول ما جاء في قوله صلى الله عليه وسلم:
((إذا تزوج أحدكمامرأة، أو اشترى خادماً، [فليأخذ بناصيتها]( )، [وليسم الله عز وجل]، [وليدعبالبركة]، وليقل:
[20]
اللهم إني أسألك من خيرها وخير ما جبلتها عليه، وأعوذبك من شرّها وشر ما جبلتها عليه.
[وإذا اشترى بعيراً فليأخذ بذروه سنامه، وليقلمثل ذلك] )). البخاري وأبو داود وابن ماجه والحاكم والبيهقي.
3- صلاةالزوجين معاً:
ويستحب لهما أن يصليا ركعتين معاً، لأنه منقول عن السلف. وفيهأثران:
الأول: عن أبي سعيد مولى أبي أسيد قال:
((تزوجت وأنا مملوك، فدعوتنفراً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فيهم ابن مسعود وأبو ذر وحذيفة، قال: وأقيمت الصلاة، قال: فذهب أبو ذر ليتقدم، فقالوا: إليك! قال: أو كذلك؟ قالوا: نعم،قال: فتقدمت بهم وأنا عبد مملوك، وعلموني فقالوا:
((إذا دخل عليك أهلك فصلركعتين، ثم سل الله من خير ما دخل عليك، وتعوذ به من شره، ثم شأنك وشأن أهلك )). أبو بكر بن أبي شيبة في المصنف. وعبد الرزاق.
[23]
الثاني: عن شقيق قال:
((جاء رجل يقال له: أبو حريز، فقال: إني تزوجت جارية شابة [بكراً]، وإني أخافأن تفركني، فقال عبد الله ( يعني ابن مسعود ):
[24]
((إن الإلف من الله،والفرك من الشيطان، يريد أن يكرّه إليكم ما أحل الله لكم؛ فإذا أتتك فأمرها أن تصليوراءك ركعتين )). زاد في رواية أخرى عن ابن مسعود:
((وقل: اللهم بارك لي فيأهلي، وبارك لهم فيّ، اللهم اجمع بيننا ما جمعت بخير؛ وفرق بيننا إذا فرقت إلى خير )). وعبد الرزاق وسنده صحيح، والطبراني بسندين صحيحين.
[26]
4- ما يقولحين يجامعها:
وينبغي أن يقول حين يأتي أهله:
((بسم الله، اللهم جنبناالشيطان، وجنب الشيطان ما رزقتنا )).
قال صلى الله عليه وسلم :
((فإن قضىالله بينما ولداً؛ لم يضره الشيطان أبداً )) البخاري وبقية أصحاب السنن إلاالنسائي.
[27]
5- كيف يأتيها:
ويجوز له أن يأتيها في قُبُلها من أي جهةشاء، من خلفها أو من أمامها، لقول الله تبارك وتعالى: ﴿نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكمأنّى شئتم﴾، أي: كيف شئتم؛ مقبلة ومدبرة، وفي ذلك أحاديث أكتفي باثنين منها:
الأول عن جابر رضي الله عنه قال:
((كانت اليهود تقولك إذا أتى الرجل امرأتهمن دبرها في قبلها كان الولد أحول! فنزلت: ﴿نساؤكم حرثٌ لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم﴾ [فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : مقبلة ومدبرة إذا كان ذلك في الفرج] )). البخاري ومسلم والنسائي.
[28]
الثاني: عن ابن عباس، قال:
((كان هذا الحيمن الأنصار؛ وهم أهل وثن، مع هذا الحي من يهود، وهم أهل كتاب، وكانوا يرون لهمفضلاً عليهم في العلم، فكانوا يقتدون بكثير من فعلهم، وكان من أمر أهل الكتاب أن لايأتوا النساء إلا على حرف، وذلك أستر ما تكون المرأة، فكان هذا الحي من الأنصار قدأخذوا بذلك من فعلهم، وكان هذا الحي من قريش يشرحون النساء شرحاً منكراً، ويتلذذونمنهن مقبلات ومدبرات ومستلقيات؛ فلما قدم المهاجرون المدينة، تزوج رجل منهم امرأةمن الأنصار، فذهب يصنع بها ذلك، فأنكرته عليه، وقالت: إنما كنا نُؤتى على حرف،فاصنع ذلك وإلا فاجتنبني، حتى شري أمرها، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم،فأنزل الله عز وجل: ﴿نساؤكم حرثٌ لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم﴾. أي: مقبلات ومدبراتومستلقيات، يعني بذلك موضع الولد ))أبو داود والحاكم.
6- تحريم الدبر:
ويحرم عليه أن يأتيها في دبرها لمفهوم الآية السابقة: ﴿نساؤكم حرثٌ لكم فأتواحرثكم أنّى شئتم﴾،
[30]
والأحاديث المتقدمة، وفيه أحاديث أخرى:
الأول: عن أم سلمة رضي الله عنها قالت:
((لما قدم المهاجرون المدينة على الأنصارتزوجوا من نسائهم، وكان المهاجرون يجبّون، وكانت الأنصار لا تجبّي، فأراد رجل منالمهاجرين امرأته على ذلك، فأبت عليه حتى تسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: فأتته، فاستحيت أن تسأله، فسألته أم سلمة، فنزلت: ﴿نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنّىشئتم﴾، وقال: لا؛ إلا في صمام واحد ))أحمد،والترمذي وصححه، وأبو يعلى، والبيهقيوإسناده صحيح على شرط مسلم.
[31]
الثاني: عن ابن عباس رضي الله عنه قال:
((جاء عمر بن الخطاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! هلكت. قال: وما الذي أهلكك؟ قال: حولت رحلي الليلة، فلم يرد عليه شيئاً، فأوحي إلىرسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: ﴿نساؤكم حرثٌ لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم﴾،يقول: أقبِلْ وأدبِرْ، واتقل الدبر والحيضة ))النسائي والترمذي والطبراني والواحديبسند حسن.وحسنه الترمذي.
[32]
الثالث: عن خزيمة بن ثابت رضي الله عنه :
((أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن إتيان النساء في أدبارهن، أو إتيانالرجل امرأته في دبرها؟ فقال صلى الله عليه وسلم: حلال. فلما ولّى الرجل دعاه، أوأمر به
فدعي، فقال: كيف قلت؟ في أي الخربتين، أوفي الخرزتين، أو في أي الخصفتين؟أمن دبرها في قبلها؟ فنعم، أم من دبرها في دبرها؟ فلا، فإن الله لا يستحي من الحق،لا تأتوا النساء في أدبارهن ))الشافعي وقواه، والدارمي،والطحاوي، والخطابي وسندهصحيح .
[33]
الرابع: ((لا ينظر الله إلى رجلٍ يأتي امرأته في دبرها )). النسائي والترمذي وابن حبان وسنده حسن، وحسنه الترمذي، وصححه ابن راهويه.
الخامس: ((ملعون من يأتي النساء في محاشّهن. يعني : أدبارهن )).ابن عدي بسندحسن.
السادس: ((من أتى حائضاً، أو امرأة في دبرها، أو كاهناً فصدقه بما يقول؛فقد كفر بما أُنزل على محمد )) أصحاب السنن إلا النسائي.
[35]
7- الوضوء بينالجماعين:
وإذا أتاها في المحل المشروع، ثم أراد أن يعود إليها توضأ لقوله صلىالله عليه وسلم:
((إذا أتى أحدكم أهله، ثم أراد أن يعود، فليتوضأ [بينهماوضوءاً] ( وفي رواية: وضوءه للصلاة ) [فإنه أنشط في العود] )) مسلم وابن أبي شيبة،وأحمد وأبو نعيم والزيادة له.
8- الغسل أفضل:
لكن الغسل أفضل من الوضوءلحديث أبي رافع أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف ذات يوم على نسائه، يغتسل عند هذهوعند هذه، قال: فقلت له : يا رسول الله! ألا تجعله غسلاً واحداً؟ قال:
[36]
((هذا أزكى وأطيب وأطهر )). أبو داود ، والنسائي، والطبراني،
9- اغتسال الزوجين معاً :
ويجوز لهما أن يغتسلا معاً في مكان واحد، ولو رأى منهورأت منه، وفيه أحاديث:
الأول: عن عائشة رضي الله عنها قالت:
((كنت اغتسلأنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء بيني وبينه واحد [تختلف أيدينا فيه]،فيبادرني حتى أقول : دع لي، دع لي، قالت: هما جنبان ))البخاري ومسلم وأبو عوانة في ((صحاحهم )).
[39]
10- الثاني: عن معاوية بن حيدة قال:
قلت: يا رسولالله! عوراتنا ما نأتي منها وما نذر؟ قال: ((احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكتيمينك )).قال:
[40]
قلت: يا رسول الله! إذا كان القوم بعضهم في بعض؟ قال:
((إن استطعت أن لا يرينها أحد، فلا يرينها )).
قال:
فقلت: يا رسولالله! إذا كان أحدنا خالياً؟ قال:
((الله أحق أن يستحيى منه من الناس ))رواهأصحاب السنن إلا النسائي.
[41]
10- توضؤ الجنب قبل النوم:
ولا ينامانجُنبين إلا إذا توضأ، وفيه أحاديث:
الأول: عن عائشة رضي الله عنها قالت:
((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن [يأكل أو] ينام وهو جنب غسلفرجه، وتوضأ وضوءه للصلاة )) البخاري ومسلم وأبو عوانة .
الثاني: عن ابن عمررضي الله عنهما:
((أن عمر قال: يا رسول الله! أينام أحدنا وهو
[42]
جنب؟قال: نعم إذا توضأ ))، وفي رواية: توضأ واغسل ذكرك، ثم نم )). وفي رواية:
((نعم، ليتوضأ ثم لينم حتى يغتسل إذا شاء )).
وفي أخرى:
((نعم، ويتوضأإن شاء )) أخرجه الثلاثة في صحاحهم.
الثالث: عن عمار بن ياسر رضي الله عنه أنرسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
((ثالثة لا تقربهم الملائكة: جيفة الكافر،والمتضمخ
[43]
بالخلوق( )، والجنب إلا أن يتوضأ ))حديث حسن أبو داود وأحمدوالطحاوي والبيهقي.
11- حكم هذا الوضوء:
وليس ذلك على الوجوب، وإنماللاستحباب المؤكد، لحديث عمر أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أينام أحدناوهو جنب؟ فقال:
((نعم، ويتوضأ إن شاء ))ابن حبان في صحيحه.
[44]
ويؤيدهحديث عائشة قالت:
((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينام وهو جنب من غير أنيمس ماءً [حتى يقوم بعد ذلك فيغتسل] ))ابن أبي شيبة وأصحاب السنن إلاالنسائي.
[45]
وفي رواية عنهما:
((كان يبيت جنباً فيأتيه بلال، فيؤذنهبالصلاة، فيقوم فيغتسل، فأنظر إلى تحدر الماء من رأسه، ثم يخرج فأسمع صوته في صلاةالفجر، ثم يظل صائماً. قال مطرف: فقلت لعامر: في رمضان؟ قال: نعم، سواء رمضان أوغيره )) ابن أبي شيبة وسنده صحيح وأبو يعلى.
12- تيمم الجنب بدل الوضوء:
ويجوز لهما التيمم بدل الوضوء أحياناً لحديث عائشة قالت: ((كان رسول اللهصلى الله عليه وسلم إذا أجنب فأراد أن ينام توضأ،
[46]
أو تيمم )) البيهقيقال لحافظ في ((الفتح )) إسناده حسن.
13- اغتساله قبل النوم أفضل:
واغتسالهما أفضل، لحديث عبد الله بن قيس قال:
[47]
((سألت عائشة قلت: كيف كان صلى الله عليه وسلم يصنع في الجنابة؟ أكان يغتسل قبل أن ينام، أم ينام قبلأن يغتسل؟ قالت: كل ذلك قد كان يفعل، ربما اغتسل فنام، وربما توضأ فنام، قلت: الحمدلله الذي جعل في الأمر سعة )) مسلم وأبو عوانة وأحمد
شوقي الى الله ابكاني
12 Jan 2013, 01:52 AM
- تحريم إتيان الحائض: ويحرم عليه أن يأتيها في حيضها لقوله تبارك وتعالى: ﴿ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا
[48]
النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله إن الله يحب التوابين ويحبّ المتطهرين﴾.
وفيه أحاديث:
الأول: من قوله صلى الله عليه وسلم:
((من أتى حائضاً، أو امرأة في دبرها، أو كاهناً؛
[49]
فصدقه بما يقول؛ فقد كفر بما أنزل على محمد )) حديث صحيح. رواه أصحاب السنن وغيرهم.
الثاني: عن أنس بن مالك قال:
( إن اليهود كانت إذا حاضت منهم المرأة أخرجوها من البيت،ولم يؤاكلوها، ولم يشاربوها،ولم يجامعوها في البيت، فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فأنزل الله تعالى ذكره ﴿ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض﴾ إلى آخر الآية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : جامعوهن في البيوت، واصنعوا كل شيء؛ غير النكاح، فقالت اليهود: ما يريد هذا الرجل ألا يدع شيئاً من أمرنا إلا خالفنا فيه، فجاء أسيد بن حضير وعبّاد بن بشر إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالا يا رسول الله! إن اليهود تقول كذا وكذا، أفلا ننكحهنّ في المحيض؟ فتمعّر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ظننّا أن قد وجد عليهما، فخرجا، فاستقبلتهما هدية من لبن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبعث في آثارهما فسقاهما، فظننا أنه لم يجد عليهما )). مسلم وأبو عوانة وأبو دواد في صحاحهم.
[50]
15- كفارة من جامع الحائض:
من غلته نفسه فأتى الحائض قبل أن تطهر من حيضها، فعليه أن يتصدق بنصف جنيه ذهب إنكليزي تقريباً أو ربعها، لحديث عبد الله بن عباس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في الذي يأتي امرأته وهي حائض، قال:
((يتصدق بدينار أو نصف دينار )) أخرجه أصحاب السنن والطبراني والدارمي والحاكم.
[51]
16- ما يحل له من الحائض:
ويجوز له أن يتمتع بما دون الفرج من الحائض، وفيه أحاديث:
الأول: قوله صلى الله عليه وسلم:
(( ... واصنعوا كل شيء إلا النكاح )).
[52]
الثاني: عن عائشة رضي الله عنها قالت:
((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر إحدانا إذا كانت حائضاً أن تتّزر، ثم يضاجعها زوجها، وقالت مرة: يباشرها ))البخاري ومسلم وأبو عوانة.
[53]
الثالث: عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: إن النبي صلى الله عليه وسلم :
((كان إذا أراد من الحائض شيئاً ألقى على فرجها ثوباً[ ثم صنع ما أراد] ))أبو داود وسنده صحيح على شرط مسلم.
17- متى يجوز إتيانها إذا طهرت:
فإذا طهرت من حيضها، وانقطع الدم عنها، جاز له وطؤها بعد أن تغسل موضع الدم منها فقط، أو تتوضأ أو تغتسل، أي ذلك فعلت، جاز له إتيانها، لقوله تبارك
[54]
وتعالى في الآية السابقة:
[55]
﴿فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله إن الله يحب التوابين ويحبّ المتطهرين﴾.
[58]
18- جواز العزل:
ويجو له أن يعزل عنها ماءه، وفيه أحاديث:
الأول: عن جابر رضي الله عنه قال:
((كنا نعزل والقرآن ينزل ))، وفي رواية:
((كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبلغ ذلك نبي الله صلى الله عليه وسلم، فلم ينهنا )) البخاري ومسلم والنسائي والترمذي.
الثاني: عن أبي سعيد الخدري قال:
((جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن لي وليدة، وأنا أعزل عنها، وأنا أريد ما يريد الرجل، وإن اليهود زعموا: ((أن الموءودة الصغرى العزل ))، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((كذبت يهود، [كذبت يهود]، لو أراد الله أن يخلقه لم تستطع أن تصرفه )) النسائي، وأبو داود والترمذي.
[59]
الثالث: عن جابر أن رجلاً أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن لي جارية هي خادمينا وسانيتنا، وأنا أطوف عليها، وأنا أكره أن تحمل، فقال:
((اعزل عنها إن شئت، فإنه سيأتيها ما قدر لها ))، فلبث الرجل، ثم أتاه فقال: إن الجارية قد حبلت! فقال:
((قد أخبرتك أنه سيأتيها ما قدر لها )) مسلم وأبو داود وأحمد .
[60]
19- الأولى ترك العزل:
ولكن تركه أولى لأمور:
الأول: أن فيه إدخال ضرر على المرأة لما فيه من تفويت لذتها، فإن وافقت عليه ففيه ما يأتي، وهو:
الثاني: أنه يفوت بعض مقاصد النكاح، وهو تكثير نسل أمة نبينا صلى الله عليه وسلم، وذلك قوله صلى الله عليه وسلم:
((تزوجوا الودود الولد فإني مكاثر بكم الأمم )) حديث صحيح، رواه أبو داود والنسائي.
[61]
ولذلك وصفه النبي صلى الله عليه وسلم بالوأد الخفي حين سألوه عن العزل، فقال:
((ذلك الوأد الخفي )).مسلم والطحاوي وأحمد والبيهقي.
[61]
ولهذا أشار صلى الله عليه وسلم إلى أن الأولى تركه في حديث أبي سعيد الخدري أيضاً، قال:
[63]
(( ذُكر العزل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ولم يفعل ذلك أحدكم؟!- ولم يقل: فلا يفعل ذلك أحدكم- فإنه ليست نفس مخلوقة إلا الله خالقها. ( وفي رواية )، فقال: وإنكم لتفعلون، وإنكم لتفعلون، وإنكم لتفعلون؟ ما من نسمة كائنة إلى يوم القيامة إلا هي كائنة )) مسلم والنسائي، وابن منده والبخاري.
[65]
20- ما ينويان بالنكاح:
وينبغي لهما أن ينويا بنكاحمها إعفاف نفسيهما، وإحصانهما من الوقوع فيما حرم الله عليهما، فإنه تكتب مباضعتهما صدقة لهما، لحديث أبي ذر رضي الله عنه:
((أن أناساً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله! ذهب أهل الدثور بالأجور، يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون بفضول أموالهم، قال: أو ليس قد جعل الله لكم ما تصدقون؟ إن بكل تسبيحة صدقة، [وبكل تكبير صدقة، وبكل تهليلة صدقة، وبكل تحميدة صدقة]، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن منكر صدقة، وفي بُضع أحدكم صدقة! قالوا: يا رسول الله! أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر ؟! قال: أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليها فيها وزر؟ [قالوا: بلى، قال:] فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له [فيها] أجر، [وذكر أشياء: صدقة، صدقة، ثم قال: ويجزئ من هذا كله ركعتا الضحى] )) مسلم والنسائي وأحمد.
[66]
21- ما يفعل صبيحة بنائه:
ويُستحب له صبيحة بنائه بأهله أن يأتي أقاربه الذين أتوه في داره، ويسلم عليهم، ويدعو لهم، وأن يقابلوه بالمثل لحديث أنس رضي الله عنه قال:
((أولم رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ بنى بزينب، فأشبع المسلمين خبزاً ولحماً، ثم خرج إلى أمهات المؤمنين فسلم عليهن، ودعا لهن، وسلمن عليه ودعون له، فكان يفعل ذلك صبيحة بنائه )) أخرجه الحاكم والترمذي والنسائي وأحمد.
]
22- وجوب اتخاذ الحمّام في الدار:
ويجب عليهما أن يتخذا حماماً في دارهما، ولا يسمح لها أن تدخل حمام السوق، فإن ذلك حرام، وفيه أحاديث:
الأول: عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل حليلته الحمام، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل الحمام إلا بمئزر، ومن كان يؤممن بالله واليوم الآخر فلا يجلس على مائدة يدار عليها الخمر )) الحاكم والترمذي والنسائي.
[68]
الثاني: عن أم الدرداء قالت:
خرجت من الحمام، فلقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: من أين يا أم الدرداء؟ قالت: من الحمام، فقال:
((والذي نفسي بيده، ما من أمرأة تضع ثيابها في غير بيت أحد من أمهاتها، إلا وهي هاتكة كل ستر بينها وبين الرحمن )) أحمد والدولابي بإسنادين عنها ؛ أحدهما صحيح.
[69]
الثالث: عن أبي المليح قال:
دخل نسوة من أهل الشام على عائشة رضي الله عنها، فقالت: ممن أنتن؟ قلن: من أهل الشام، قالت: لعلكن من الكورة التي تدخل نساؤها الحمام؟ قلن: نعم، قالت: أما إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
((ما من امرأة تخلع ثيابها في غير بيتها إلا هتكت ما بينها وبين الله تعالى )). أصحاب السنن إلا النسائي، والدارمي والطيالسي، وأحمد .
[70]
23- تحريم نشر أسرار الاستمتاع:
ويحرم على كل منهما أن ينشر الأسرار المتعلقة بالوقاع، وفيه حديثان:
الأول: قوله صلى الله عليه وسلم :
((إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته، وتفضي إليه، ثم ينشر سرها )) ابن أبي شيبة، ومن طريقه مسلم، وأحمد وأبو نعيم.
[71]
الثاني: عن أسماء بنت يزيد أنها كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، والرجال والنساء قعود، فقال:
((لعل رجلاً يقول ما يفعل بأهله، ولعل امرأة تخبر بما فعلت مع زوجها؟! فأرمّ القوم، فقلت: إي والله يا رسول الله! إنهن ليفعلن، وإنهم ليفعلون. قال:
((فلا تفعلوا، فإنما ذلك مثل الشيطان لقي شيطانة في طريق، فغشيها والناس ينظرون )) أحمد وله شاهد من عند ابن أبي شيبة، وأبي داود، والبيهقي ، وابن السني.
[72]
24- وجوب الوليمة:
ولا بد له من عمل وليمة بعد الدخول؛ لأمر النبي صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن بن عوف بها كما يأتي، ولحديث بريدة ابن الحصيب، قال:
لما خطب علي فاطمة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(( إنه لا بد للعرس( وفي رواية للعروس ) من وليمة )) - أحمد والطبراني والطحاوي. وإسناده كما قال الحافظ في الفتح: ((لا بأس به ))- .
[73]
قال: فقال سعد علي كبش، وقال فلان: علي كذا وكذا من ذرة، وفي الرواية الأخرى: ((وجمع له رهط من الأنصار أصوعاً ذرة )).
25- السنة في الوليمة:
وينبغي أن يلاحظ فيها أموراً:
الأول: أن تكون ثلاثة أيام عقب الدخول، لأنه هو المنقول عن النبي صلى الله عليه وسلم، فعن أنس رضي الله عنه قال:
((بنى رسول الله صلى الله عليه وسلم بامرأة، فأرسلني فدعوت رجالاً على الطعام )) البخاري والبيهقي.
[74]
وعنه قال:
((تزوج النبي صلى الله عليه وسلم صفية، وجعل عتقها صداقها، وجعل الوليمة ثلاثة أيام )) أبو يعلى بسند حسن وهو في ((صحيح البخاري )) بمعناه.
الثاني: أن يدعو الصالحين إليها، فقراء كانوا أو أغنياء، لقوله صلى الله عليه وسلم:
((لا تصاحب إلا مؤمناً، ولا يأكل طعامك إلا تقي )) أبو داود والترمذي، والحاكم، وأحمد.وقال الحاكم: ((صحيح الإسناد )) ووافقه الذهبي.
الثالث: أن يولم بشاة أو أكثر إن وجد سعة،
[75]
لحديث أنس رضي الله عنه قال:
((إن عبد الرحمن بن عوف قدم المدينة، فآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعد بن الربيع الأنصاري [فانطلق به سعد إلى منزله، فدعا بطعام فأكلا]، فقال له سعد: أي أخي! أنا أكثر أهل المدينة ( وفي رواية: أكثر الأنصار )مالاً، فانظر شطر مالي فخذه ( وفي رواية: هلم إلى حديقتي أشاطركها ))، وتحتي امرأتان [وأنت أخي في الله، لا امرأة لك]، فانظر أيهما أعجب إليك [فسمها لي] حتى أطلقها [لك] [فإذا انقضت عدتها فتزوجها]، فقال عبد الرحمن: [لا والله]، بارك الله لك في أهلك ومالك، دلوني على السوق، فدلوه على السوق، فذهب، فاشترى وباع، وربح، [ثم تابع الغدو] فجاء بشيء من أقِطٍ- لبن مجفف يابس مستجر يطبخ به- وسمن [قد أفضله] [فأتى به أهل منزله]، ثم لبث ما شاء الله أن يلبث، فجاء وعليه ردع زعفران ( وفي رواية: وضر من خلوق ]
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : مهْيَم؟ فقال: يا رسول الله! تزوجت امرأة [من الأنصار]، فقال: ما أصدقتها؟ قال: وزن نواة من ذهب، قال: [فبارك الله لك] أولم ولو بشاة، [فأجاز ذلك]. قال عبد الرحمن: فلقد رأيتني ولو رفعت حجراً لرجوت أن أصيب [تحته] [ذهباً أو فضة]، [قال أنس: لقد رأيته قُسِم لكل أمرأة من نسائه بعد موته مائة ألف دينار] ))البخاري، والنسائي، وابن سعد، والبيهقي.
[78]
وعن أنس أيضاً:
((ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أولم على امرأة من نسائه ما أولم على زينب، فإن ذبح شاة، [قال: أطعمهم خبزاً ولحماً حتى تركوه] )) البخاري ومسلم .
[79]
26- جواز الوليمة بغير لحم:
ويجوز أن تؤدى الوليمة بأي طعام تيسر، ولم لم يكن فيه لحم، لحديث أنس رضي الله عنه قال:
((أقام النبي صلى الله عليه وسلم بين خيبر والمدينة ثلاث ليال يبني عليه بصفية، فدعوت المسلمين إلى وليمته، وما كان فيها من خبز ولا لحم، وما كان فيها إلا أن أمر بالأنطاع فبسطت( وفي رواية: فحصت الأرض أفاحيص، وجيء بالأنطاع فوضعت فيها ) ، فألقي عليها التمر والأقط والسمن [فشبع الناس] )) البخاري ومسلم.
[80]
27- مشاركة الأغنياء بمالهم في الوليمة:
ويستحب أن يشارك ذوو الفضل والسعة في إعدادها؛ لحديث أنس في قصة زواجه صلى الله عليه وسلم بصفية قال:
((حتى إذا كان بالطريق جهزتها له أم سليم، فأهدتها له من الليل، فأصبح النبي صلى الله عليه وسلم عروساً، فقال:
من كان عنده شيء فليجئ به، ( وفي رواية: من كان عنده فضل زاد فليأتنا به )، قال: وبسط نطعاً، فجعل الرجل يجئ بالأقط، وجعل الرجل يجيء بالتمر، وجعل الرجل يأتي بالسمن، فحاسوا حيساً [فجعلوا يأكلون من ذلك الحيس ويشربون من حياض إلى جنبهم من ماء السماء]، فكانت وليمة رسول الله صلى الله عليه وسلم )) الشيخان وأحمد.
[81]
28- تحريم تخصيص الأغنياء بالدعوة:
ولا يجوز أن يخص بالدعوة الأغنياء دون الفقراء؛ لقوله صلى الله عليه وسلم :
((شر الطعام طعام الوليمة، يدعى لها الأغنياء، ويمنعها المساكين، ومن لم يجب الدعوة فقط عصى الله ورسوله )) مسلم، والبيهقي، وهو عند البخاري موقوفاً على أبي هريرة.
29- وجوب إجابة الدعوة:
ويجب على من دعي إليها أن يحضرها، وفيها حديثان:
[82]
الأول: فكوا العاني، وأجيبوا الداعي، وعودوا المريض )) البخاري .
الثاني: ((إذا دعي أحدكم إلى الوليمة فليأتها[ عرساً كان أو نحوه]، [ومن لم يجب الدعوة، فقد عصى الله ورسوله] ))البخاري ومسلم وأحمد والبيهقي.
30- الإجابة ولو كان صائماً:
وينبغي أن يجيب ولو كان صائماً، لقوله صلى الله عليه وسلم :
[83]
((إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب، فإن كان مفطراً فليطعم، وإن كان صائماً فليصل. يعني: الدعاء )) مسلم والنسائي وأحمد والبيهقي.
31- الإفطار من أجل الداعي:
وله أن يفطر إذا كان متطوعاً في صيامه، ولا سيما إذا ألح عليه الداعي، وفيه أحاديث: الأول: ((إذا دعي أحدكم إلى طعام فليُجب، فإن شاء طعم، وإن شاء ترك )) مسلم وأحمد والطحاوي.
[84]
الثاني: ((الصائم المتطوع أمير نفسه، إن شاء صام، وإن شاء أفطر )) النسائي، والحاكم، والبيهقي. وقال الحاكم ((صحيح الإسناد )) ووافقه الذهبي.
[86]
الثالث: حديث عائشة رضي الله عنها قالت:
دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً فقال: هل عندكم شيء؟ فقلت: لا. قال: فإني صائم. ثم مرّ بي بعد ذلك اليوم وقد أهدي إلي حيس، فخبأت له منه، وكان يحب الحيس، قالت: يا رسول الله! إنه أهدي لنا حيس فخبأت لك منه. قال: أدنيه؛ أما إني قد أصبحت وأنا صائم. فأكل منه، ثم قال:
[87]
((إنما مثل صوم المتطوع مثل الرجل يخرج من ماله الصدقة، فإن شاء أمضاها، وإن شاء حبسها )) النسائي بإسناد صحيح.
32- لا يجب قضاء يوم النفل:
ولا يجب عليه قضاء ذلك اليوم ، وفيه حديثان:
الأول: عن أبي سعيد الخدري قال: ((صنعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم طعاماً، فأتاني هو وأصحابه، فلما وضع الطعام قال رجل من القوم: إني صائم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : دعاكم أخوكم وتكلف لكم! ثم قال له: أفطر وصم مكانه يوماً إن شئت ))البيهقي بإسناد حسن.
[89]
الثاني: عن أبي جحيفة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم آخى بين سلمان وبين أبي الدرداء، قال: فجاءه سلمان يزوره، فإذا أم الدرداء متبَذّلة، فقال: ما شأنك يا أم الدرداء؟قالت: إن أخاك أبا الدرداء يقوم الليل ويصوم النهار، وليس له في شيء من الدنيا حاجة! فجاء أبو الدرداء فرحب به، وقرب إليه طعاماً، فقال له سلمان: اطعم، قال: إني صائم، قال: أقسمت عليك لتفطرنه، ما أنا بآكل حتى تأكل، فأكل معه، ثم بات عنده، فلما كان من الليل أراد أبو الدرداء أن يقوم، فمنه سلمان وقال له: يا أبا الدرداء! إن لجسدك عليك حقاً، ولربك عليك حقاً، [ولضيفك عليك حقا]، ولأهلك عليك حقاً، صم، وأفطر، وصلّ، وائت أهلك، وأعط كل ذي حق حقه، فلما كان في وجه الصبح، قال: قم الآن إن شئت، قال: فقاما فتوضآ، ثم ركعا، ثم خرجا إلى الصلاة، فدنا أبو الدرداء ليخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي أمره سلمان، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا أبا الدرداء! إن لجسدك عليك حقاً، مثل ما قال سلمان( وفي رواية: صدق سلمان ) البخاري والترمذي، والبيهقي.
[89]
33- ترك حضور الدعوة التي فيها معصية:
ولا يجوز حضور الدعوة إذا اشتملت على معصية، إلا أن يقصد إنكارها ومحاولة إزالتها، فإن أُزيلت؛ وإلا وجب الرجوع، وفيه أحاديث:
يتبع
__________________
منقول
رونق الامل
12 Jan 2013, 01:58 AM
http://up.ala7ebah.com/img/M9W48513.gif
شوقي الى الله ابكاني
12 Jan 2013, 02:05 AM
الأول: عن علي قال:
((صنعت طعاماً فدعوت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء فرأى في البيت تصاوير، فرجع [قال: فقلت: يا رسول الله! ما أرجعك بأبي أنت وأمي؟ قال: إن في البيت ستراً فيه تصاوير، وإن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه تصاوير] )) ابن ماجه، وأبو يعلى بسند صحيح.
[90]
الثاني: عن عائشة أنها اشترت نُمرُقة فيها تصاوير، فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على الباب، فلم يدخل، فعرفت في وجهه الكراهية، فقلت: يا رسول الله! أتوب إلى الله وإلى رسوله، ماذا أذنبت؟ فقال صلى الله عليه وسلم: ما بال هذه النمرقة؟ فقلت: اشتريتها لك لتقعد عليها وتوسدها، فقال صلى الله عليه وسلم :
((إن أصحاب هذه الصور( وفي رواية: إن الذين يعملون هذه التصاوير ) يعذبون يوم القيامة، ويقال لهم: أحيوا ما خلقتم، وإن البيت الذي فيه [مثل هذه] الصور لا تدخله الملائكة[ قالت : فما دخل حتى أخرجتها] )) البخاري ومسلم .
[91]
الثالث: قال: صلى الله عليه وسلم : ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر؛ فلا يقعدن على مائدة يدار عليها بالخمر )).
[92]
وعلى ما ذكرنا جرى عليه عمل السلف الصالح رضي الله عنهم، والأمثلة على ذلك كثيرة جداً، فأقتصر على ما يحضرني الآن منها:
- عن أسلم –مولى عمر- أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين قدم الشام، فصنع له رجل من النصارى، فقال لعمر: إني أحب أن تجيئني وتكرمني أنت وأصحابك –وهو رجل من عظماء الشام- فقال له عمر رضي الله عنه :
((إنا لا ندخل كنائسكم من أجل الصور التي فيها )) البيهقي بسند صحيح.
[93]
ب- عن أبي مسعود - عقبة بن عمرو- أن رجلاً صنع له طعاماً، فدعاه، فقال: أفي البيت صورة؟ قال: نعم، فأبى أن يدخل حتى كسر الصورة ثم دخل. البيهقي سنده صحيح.
ج- قال الإمام الأوزاعي:
((لا ندخل وليمة فيها طبل ولا معزاف )) أبو الحسن الحربي.
[94]
34- ما يستحب لمن حضر الدعوة:
ويستحب لمن حضر الدعوة أمران:
الأول: أن يدعو لصاحبها بعد الفراغ بما جاء عنه صلى الله عليه وسلم وهو أنواع:
أ- عن عبد الله بن بسر أن أباه صنع للنبي صلى الله عليه وسلم طعاماً، فدعاه، فأجابه، فلما فرغ من طعامه قال:
((اللهم اغفر لهم، وارحمهم، وبارك لهم فيما رزقتهم )) ابن أبي شيبة, ومسلم، وأبو داود.
[95]
ب- عن المقداد بن الأسود قال: قدمت أنا وصاحبان لي على رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأصابنا جوع شديد، فتعرضنا للناس، فلم يضفنا أحد، فانطلق بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى منزله؛ وعنده أربع أعنز، فقال لي: يا مقداد جزئ ألبانها بيننا أرباعاً، فكنت أجزئه بيننا أرباعاً، [فيشرب كل إنسان نصيبه، ونرفع لرسول الله صلى الله عليه وسلم نصيبه]، فاحتبس رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، فحدثت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أتى بعض الأنصار، فأكل حتى شبع، وشرب حتى روي، فلو شربت نصيبه ( ! ) فلم أزل كذلك حتى قمت إلى نصيبه فشربته( ! ) ثم غطيت القدح، فلما فرغت أخذني ما قدُم وما حدث، فقلت: يجيء رسول الله صلى الله عليه وسلم جائعاً ولا يجد شيئاً، فتسجّيت، [قال: وعلي شملة من صوف كلما رفعت على رأسي خرجت قدماي، وإذا أرسلت على قدمي خرج رأسي، قال:] [وجعل لا يجيئني النوم]، وجعلت أحدث نفسي، [قال: وأما صاحباي فناما]، فبينا أنا كذلك؛
[96]
إذ دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسلم تسليمة يسمع اليقظان، ولا يوقظ النائم، [ثم أتى المسجد فصلى]، ثم أتى القدح فكشفه، فلم ير شيئاً، فقال:
((اللهم أطعم من أطعمني، واسق من سقاني ))، واغتنمت الدعوة، [فعمدت إلى الشملة فشددتها علي]، فقمت إلى الشفرة فأخذتها، ثم أتيت الأعنز، فجعلت أجتسّها أيها اسمن؛ [فأذبح لرسول الله صلى الله عليه وسلم]، فلا تمر يدي على ضرع واحدة إلا وجدتها حافلاً، [فعمدت إلى إناء لآل محمد ما كانوا يطعمون أن يحلبوا فيه]، فحلبت حتى ملأـ القدح، ثم أتيت [به] رسول الله صلى الله عليه وسلم، [فقال: أما شربتم شرابكم الليلة يا مقداد؟ قال:] فقلت: اشرب يا رسول الله! فرفع رأسه إلي، فقال: بعض سوآتك يا مقداد، ما الخبر؟ قلت: اشرب ثم الخبر، فشرب حتى روي، ثم ناولني فشربت، فلما
[97]
عرفت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد روي وأصابتني دعوته، ضحكت، حتى ألقيت إلى الأرض، فقال: ما الخبر؟ فأخبرته، فقال: هذه بركة نزلت من السماء، فهلا أعلمتني حتى نسقي صاحبينا؟ فقلت: [والذي بعثك بالحق]، إذا أصابتني وإياك البركة، فما أبالي من أخطأت!. مسلم وأحمد وابن سعد وبعضه الترمذي وصححه.
الثاني: عن أنس أو غيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم[ كان يزور الأنصار، فإذا جاء إلى دور الأنصار جاء صبيان الأنصار يدورون حوله، فيدعوا لهم، ويمسح رؤوسهم ويسلم عليهم، فأتى إلى باب سعد بن عبادة فـ] استأذن على سعد فقال: السلام عليكم ورحمة الله، فقال سعد: وعليك السلام ورحمة الله، ولم يُسمع النبي صلى الله عليه وسلم حتى سلم ثلاثاً، ورد عليه سعد ثلاثاً، ولم يُسمعه، [وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يزيد فوق ثلاث تسليمات، فإن أذن له،
[98]
وإلا انصرف]، فرجع النبي صلى الله عليه وسلم، واتبعه سعد، فقال: يا رسول الله! بأبي أنت وأمي ما سلمت تسليمة إلا هي بأذني، ولقد رددت عليك ولم أسمعك، أحببت أن أستكثر من سلامك ومن البركة، [فادخل يا رسول الله]، ثم أدخله البيت، فقرب له زبيباً، فأكل نبي الله صلى الله عليه وسلم، فلما فرغ قال:
((أكل طعامكم الأبرار، وصلت عليكم الملائكة، وأفطر عندكم الصائمون )). أحمد والطحاوي والبيهقي وابن عساكر وإسنادهم صحيح.
[100]
الأمر الثاني: الدعاء له ولزوجه بالخير والبركة، وفيه أحاديث:
الأول: عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال:
هلك أبي، وترك سبع بنات أو تسع بنات، فتزوجت امرأة ثيباً، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : تزوجت يا جابر؟ فقلت: نعم، فقال: أبكراً أم ثيباً، قلت: بل ثيباً، قال: فهلا جارية تلاعبها وتلاعبك، وتضاحكها وتضاحكك؟ فقلت له: إن عبد الله هلك وترك [تسع أو سبع] بنات، وإني كرهت أن أجيئهن بمثلهن، فتزوجت امرأة تقوم عليهن وتصلحهن، فقال:
((بارك الله لك ))، أو قال لي خيراً. البخاري ومسلم .
[101]
الثاني: عن بريدة رضي الله عنه قال: قال نفر من الأنصار لعلي: عندك فاطمة، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم عليه، فقال: ما حاجة ابن أبي طالب؟ فقال: يا رسول الله! ذكرت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: مرحباً وأهلاً، لم يزد عليهما، فخرج علي بن أبي طالب على أولئك الرهط من الأنصار ينتظرونه، قالوا: ما وراءك؟ قال: ما أدري غير أنه قال لي: مرحباً وأهلاً، فقالوا: يكفيك من رسول الله صلى الله عليه وسلم إحداهما، أعطاك الأهل والمرحب، فلما كان بعد ذلك، بعدما زوجه قال: يا علي إنه لا بد للعروس من وليمة، فقال سعد: عند كبش، وجمع له رهط من الأنصار أصوعاً من ذرة، فلما كانت ليلة البناء، قال: لا تحدث شيئاً حتى تلقاني، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بما فتوضأ فيه، ثم أفرغه على علي، فقال:
((اللهم بارك فيهما، وبارك لهما في بنائهما )).
[102]
الثالث: عن عائشة رضي الله عنها قالت:
تزوجني النبي صلى الله عليه وسلم، فأتتني أمي، فأدخلتني الدار، فإذا نسوة من الأنصار في البيت، فقلن:
((على الخير والبركة، وعلى خير طائر )).
الخامس: عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رفّأ الإنسان إذا تزوج قال:
((بارك اله لك، وبارك عليك، وجمع بينكما في ( وفي رواية: على ) خير )) أبو داود، والترمذي، وكذا أبو علي الطوسي وصححاه، والدارمي وأحمد والحاكم والبيهقي.
[103]
35- بالرفاء والبنين تهنئة الجاهلية:
ولا يقول: ((بالرفاء والبنين ))؛ كما يفعل الذين لا يعلمون، فإنه من عمل الجاهلية، وقد نُهي عنه في أحاديث، منها: عن الحسن أن عقيل بن أبي طالب تزوج امرأة من جشم، فدخل عليه القوم، فقالوا: بالرفاء والبنين، فقال: لا تفعلوا ذلك [فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك]، قالوا: فما نقول يا أبا زيد؟ قال: قولوا: بارك الله
[104]
لكم، وبارك عليكم، إنا كذلك كنا نؤمر. ابن أبي شيبة، وعبد الرزاق، والنسائي،وابن ماجهوالدارمي.
36- قيام العروس على خدمة الرجال:
ولا بأس من أن تقوم على خدمة المدعوين العروس نفسها إذا كانت متسترة وأمنت الفتنة، لحديث سهل بن سعد قال:
[106]
((لما عرس أبو أسيد الساعدي دعا النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فما صنع لهم طعاماً، ولا قدمه إليهم، إلا امرأته أم أسيد، بلّت ( وفي رواية: أنقعت ) تمرات في تور من حجارة من الليل، فلما فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من الطعام أماثته له فسقته، تتحفه بذلك، [فكانت امرأته يومئذ خادمهم وهي العروس] )). البخاري ومسلم.
[107]
37- الغناء والضرب بالدف:
ويجوز له أن يسمح للنساء في العرس بإعلان النكاح بالضرب على الدف فقط، وبالغناء المباح الذي ليس فيه وصف الجمال وذكر الفجور، وفي ذلك أحاديث:
[108]
الأول: عن الربيع بنت معوذ قالت:
((جاء النبي صلى الله عليه وسلم يدخل حين بُني علي، فجلس على فراشي مجلسك مني، ( الخطاب للراوي عنها )، فجعلت جويرات لنا يضربن بالدف، ويندبن من قتل من آبائي يوم بدر، إذ قالت إحداهن: وفينا نبي يعلم ما في غد. فقال: دعي هذه وقولي بالذي كنت تقولين )). البخاري والبيهقي وأحمد والمحاملي في صلاة العيدين. وغيرهم.
الثاني: عن عائشة أنها زفت امرأة إلى رجل من الأنصار، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم : ((يا عائشة! ما كان معكم لهو، فإن الأنصار يعجبهم اللهو؟ )) البخاري والحاكم وعنه البيهقي.
[109]
وفي رواية بلفظ:
((فقال: فهل بعثتم معها جارية تضرب بالدف وتغني؟ قلت: ماذا تقول؟ قال: تقول:
أتيناكم أتيناكـم فحيـونا نحييـكـم
لولا الذهب الأحمـ ـر ما حلت بواديكم
لولا الحنطة السمرا ء ما سمنت عذاريكم ))
الثالث: عنها أيضاً:
((أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع ناساً يغنون في عرس وهم يقولون:
وأهـدي لها أكبش يبحبحن في المربـد
وحبك في النـادي ويعلم ما في غـد
وفي رواية:
[110]
وزوجـك في النادي ويعلم ما في غـد
قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يعلم ما في غد إلا الله سبحانه )). أخرجه الطبرانفي في الصغير والحاكم، البيهقي، وقال الحاكم:صحيح على شرط مسلم.
الرابع: عن عامر بن سعد البجلي، قال:
((دخلت على قرظة بنت كعب وأبي مسعود، وذكر ثالثاً- ذهب علي- وجواري يضربن بالدف ويغنين، فقلت: تقرون على وأنتم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم؟ قالوا: إنه قد رخص لنا في العرسات، والنياحة عند المصيبة ))، وفي رواية:
((وفي البكاء على الميت في غير نياحة )) أخرجه الحاكم، والبيهقي، والنسائي، والطيالسي.
[111]
الخامس: عن أبي بلج يحيى بن سليم قال:
((قلت لمحمد بن حاطب: تزوجت امرأتين ما كان في واحدة منهما صوت، يعني دفاً، فقال محمد رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((فصل ما بين الحلال والحرام الصوت بالدف )). النسائي، والترمذي وقال: حديث حسن ، وابن ماجه .وغيرهم.
السادس: ((أعلنوا النكاح )). ابن حبان والطبراني.
[112]
38- الامتناع من مخالفة الشرع:
ويجب عليه أن يمتنع من كل ما فيه مخالفة للشرع، وخاصة ما اعتاده الناس في مثل هذه المناسبة، حتى ظن كثير منهم- بسبب سكوت العلماء- أن لا بأس فيها، وأنا أنبه هنا على أمور هامة منها:
[113]
1ً- تعليق الصور:
الأول: تعليق الصور على الجدران، سواء كانت مجسمة أو غير مجسمة، لها ظل، أو لا ظل لها، يدوية أو فوتوغرافية، فإن ذلك كله لا يجوز، ويجب على المستطيع نزعها إن لم يستطع تمزيقها، وفي أحاديث:
1- عن عائشة رضي الله عنها قالت:
((دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد سترت سهوةً لي بقرام فيه تماثيل، ( وفي رواية: فيه الخيل ذوات الأجنحة )، فلما رآه هتكة، وتلون وجهه، وقال: يا عائشة! أشد الناس عذاباً عند الله يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله،
[114]
( وفي رواية: إن أصحاب هذه الصور يعذبون، ويقال لهم: أحيوا ما خلقتم، ثم قال: إن البيت الذي فيه الصور لا تدخله الملائكة )، قالت: عائشة: فقطعناه فجعلنا منه وسادة أو وسادتين، [فقد رأيته متكئاً على إحداهما وفيها صورة] )).البخاري ومسلم.
[117]
2- وعنها قالت:
((حشوت وسادة للنبي صلى الله عليه وسلم فيها تماثيل كأنها نمرقة، فقام بين البابين، وجعل
يتغير وجهه، فقلت: ما لنا يا رسول الله؟ [أتوب إلى الله مما أذنبت]، قال: ما بال هذه الوسادة؟ قالت: قلت: وسادة جعلتها لك لتضطجع عليها، قال: أما علمت أن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة، وأن من صنع الصور يعذب يوم القيامة، فيقال: أحيوا ما خلقتم؟! وفي رواية: إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة [قالت: فما دخل حتى أخرجتها] )) البخاري وأبو بكر الشافعي.
[118]
3- قوله صلى الله عليه وسلم :
((أتاني جبريل عليه السلام، فقال لي: أتيتك البارحة، فلم يمنعني أن أكون دخلت إلا أنه كان على الباب تمثال [الرجال]، وكان في البيت قرام سترٍ فيه تماثيل،
[119]
وكان في البيت كلب، فمر برأس التمثال الذي في البيت يقطع فيصير كهيئة الشجرة، ومُر بالستر فليقطع،
[124]
فليجعل منه وسادتين توطآن، ومر بالكلب فليخرج [فإنا لا ندخل بيتاً فيه صورة ولا كلب]، وإذا الكلب [جرو] لحسن أو حسين، كانت تحت نضد لهم ( وفي رواية: تحت سريره )، [فقال يا عائشة! متى دخل هذا الكلب؟ فقالت: والله ما دريت]، فأمر به فأخرج [ثم أخذ بيده ماءً فنضح مكانه] ))حديث صحيح.
[125]
2ً- ستر الجدران بالسجاد:
الأمر الثاني مما ينبغي اجتنابه: ستر الجدار بالسجاد ونحوه، ولو من غير الحرير، لأنه سرف وزينة غير مشروعة؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت:
[126]
((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم غائباً في غزاة غزاها، فلما تحينت قفوله، أخذت نمطاّ [فيه صورة]كانت لي، فسترت به على العرض، فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم تلقيته في الحجرة، فقلت: السلام عليك يا رسول ورحمة الله وبركاته، الحمد لله الذي أعز[ك] فنصرك،
[127]
وأقر عينيك وأكرمك، قالت: فلم يكلمني! وعرفت في وجهه الغضب، ودخل البيت مسرعاً، وأخذ النمط بيده، فجذبه حتى هتكه، ثم قال: [أتسترين الجدار؟!] [بستر فيه تصاوير؟!]، إن الله لم يأمرنا فيما رزقنا أن نكسو الحجارة[والطين. قالت: فقطعنا منه وسادتين، وحشوتهما ليفاً، فلم يعب ذلك عليّ]
[128]
[قالت: فكان صلى الله عليه وسلم يرتفق عليهما] )) مسلم وأبو عوانة وأحمد .
ولهذا كان بعض السلف يتمنع من دخول البيوت المستورة جدرها، قال سالم بن عبد الله:
[129]
((أعرست في عهد أبي، فآذن أبي الناس، وكان أبو أيوب فيمن آذنّا، وقد ستروا بيتي بنجاد أخضر، فأقبل أبو أيوب فدخل، فرآني قائماً، واطلع فرأى البيت مستتراً بنجاد أخضر، فقال: يا عبد الله! أتسترون الجدر؟! قال: أبي: - واستحيى- غلبنا النساء أبا أيوب! فقال: من [كنت] أخشى [عليه] أن تغلبنه النساء فلم[أكن] أخشى [عليك] أن تغلبنك! ثم قال: لا أطعم لكم طعاماً، ولا أدخل لكم بيتاً. ثم خرج رحمه الله )) الطبراني وابن عساكر .
3- نتف الحواجب وغيرها!
الثالث: ما تفعله بعض النسوة من نتفهن حواجبهن حتى تكون كالقوس أو الهلال، يفعلن ذلك تجملاً بزعمهن!
[130]
وهذا مما حرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولعن فاعله بقوله:
((لعن الله الواشمات ، والمستوشمات( )، [والواصلات]، والنامصات( )، والمتنمصات، والمتفلجات للحسن( )؛ المغيرات خلق الله ))البخاري ومسلم وأبو داود، والترمذي وصححه وغيرهم.
شوقي الى الله ابكاني
12 Jan 2013, 02:57 AM
]
4- تدميم الأظفار وإطالتها:
الرابع: هذه العادة القبيحة الأخرى التي تسربت من فاجرات أوربا إلى كثير من المسلمات، وهي تدميمهن لأظفارهن بالصمغ الأحمر المعروف اليوم بـ( مينيكور )،
[133]
وإطالتهن لبعضها- وقد يفعلها بعض الشباب أيضاً- فإن هذا مع ما فيه من تغير لخلق الله المستلزم لعن فاعله كما علمت آنفاً، ومن التشبه بالكافرات المنهي عنه في أحاديث كثيرة التي منها قوله صلى الله عليه وسلم : ((... ومن تشبه بقوم فهو منهم ))؛ فإنه أيضاً مخالف للفطرة ﴿فطرة الله التي فطر الناس عليها﴾، وقد قال صلى الله عليه وسلم :
((الفطرة خمس: الاختتان، والاستحداد،
[135]
( وفي رواية: حلق العانة )، وقص الشارب، وتقليم الأظفار، ونتف الإبط )).
وقال أنس رضي الله عنه :
((وُقِّتَ لنا ( وفي رواية: وقَّتَ لنا رسول الله ) في قص الشارب، وتقليم الأظفار، ونتف الإبط، وحلق العانة، أن لا تترك أكثر من أربعين ليلة ))مسلم وأبو عوانة وأبو داود.
5ً- حلق اللحى:
الخامس: ومثلها في القبح –إن لم تكن أقبح منها عند ذوي الفطرة السليمة- ما ابتُلي به أكثر الرجال من التزين بحلق اللحية بحكم تقليدهم للأوربيين الكفار، حتى صار من العار عندهم أن يدخل العروس على عروسه وهو غير حليق! وفي ذلك عدة مخالفات:
[136]
أ- تغيير خلق الله، قال تعالى في حق الشيطان:
﴿لعنه الله وقال لاتخذّن من عبادك نصيباً مفروضاً، ولأضلنّهم ولأمنينهم ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام ولآمرنهم فليغيرنّ خلق الله، ومن يتخذ الشيطان ولياً من دون الله فقد خسر خسراناً مبيناً﴾.
فهذا نص صريح في أن تغيير خلق الله دون إذن منه تعالى، إطاعة لأمر الشيطان، وعصيان للرحمن جل جلاله، فلا جرم أن لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المغيرات خلق الله للحسن كما سبق قرباً، ولا شك في دخول اللحية للحُسن( ! ) في اللعن المذكور بجامع الاشتراك في العلة كما لا يخفى، وإنما قلت: ((دون إذن من الله تعالى ))، لكي لا يُتوهم، أنه يدخل في التغيير المذكور مثل حلق العانة ونحوها مما أذن فيه الشارع، بل استحبه، أو أوجبه.
ب- مخالفة أمره صلى الله عليه وسلم وهو قوله:
[137]
((أنهكوا الشوارب، وأعفوا اللحى ))البخاري ومسلم وأبو عوانة وغيرهم.
ومن المعلوم أن الأمر يفيد الوجوب إلا لقرينة والقرينة هنا مؤكدة للوجوب، وهو:
ج- التشبه بالكفار، قال صلى الله عليه وسلم :
((جزوا الشوارب، وأرخوا اللحى، خالفوا المجوس )) مسلم وأبو عوانة في صحيحيهما.
[138]
ويؤيد الوجوب أيضاً:
د- التشبه بالنساء، فقد:
((لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال )). البخاري، والترمذي وصححه.
[140]
ولا يخفى أن في حلق الرجل لحيته- التي ميزه الله بها على المرأة- أكبر تشبه بها، فلعل فيما أوردنا من الأدلة ما يقنع المبتلين بهذه المخالفة، عافانا الله وإياهم من كل ما لا يحبه ولا يرضاه.
6ً- خاتم الخطبة:
السادس: لبس بعض الرجال خاتم الذهب الذي يسمونه بـ((خاتم الخطبة ))، فهذا مع ما فيه من تقليد الكفار أيضاً- لأن هذه العادة سرت إليهم من النصارى-
[142]
ففيه مخالفة صريحة لنصوص صحيحة تحرم خاتم الذهب على الرجال وعلى النساء أيضاً كما ستعلمه، وإليك بعض هذه النصوص:
أولاً: ((نهى صلى الله عليه وسلم عن خاتم الذهب )).
ثانياً: عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى خاتماً من ذهب في يد رجل، فنزعه فطرحه، وقال:
[143]
((يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيجعلها في يده ؟! )).
فقيل للرجل بعدما ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم: خذ خاتمك وانتفع به، قال: لا والله لا آخذه أبداً وقد طرحه رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ثالثاً عن أبي ثعلبة الخشني أن النبي صلى الله عليه وسلم أبصر في يده خاتماً من ذهب، فجعل يقرعه بقضيب معه، فلما غفل النبي صلى الله عليه وسلم ألقاه، [فنظر النبي صلى الله عليه وسلم فلم يره في يده فـ]قال: ما أرانا إلا قد أوجعناك وأغرمناك. النسائي وأحمد وابن سعد وأبو نعيم في ((أصبهان )).
[145]
رابعاً: عن عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى على بعض أصحابه خاتماً من ذهب، فأعرض عنه، فألقاه، واتّخذ خاتماً من حديد، فقال: هذا شر، هذا حلية أهل النار، فألفاه ، فاتخذ خاتماً من وَرِق- أي فضة- فسكت عنه. حديث صحيح رواه أحمد. والبخاري في ((الأدب المفرد )).
[150]
خامساً: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يلبس حريراً ولا ذهباً ))أحمد بسند حسن.
سادسا: ((من لبس الذهب من أمتي، فمات وهو يلبسه حرم الله عليه ذهب الجنة )). أحمد بسند صحيح.
39- تحريم خاتم الذهب ونحوه على النساء: ( اختلاف )
واعلم أن النساء يشتركن مع الرجال في حريم خاتم الذهب عليهن، ومثله السوار والطوق من الذهب؛
[151]
لأحاديث خاصة وردت فيهن، فيدخلن لذلك في بعض النصوص المطلقة التي لم تقيد بالرجال، مثل الحديث الأول المتقدم آنفاً، وإليك الآن ما صح من الأحاديث المشار إليها:
الأول: ((من أحب أن يحلِّق حبيبه بحلقة من نار فليحلّقه حلقة من ذهب، ومن أحب أن يطوق حبيبه طوقاً من نار فليطوقه طوقاً من ذهب، ومن أحب أن يسوّر حبيبه سواراً من نار فليطوقه طوقاً ( ويفي رواية: فليسوره سواراً ) من ذهب، ولكن عليكم بالفضة، فالعبو بها [العبوا بها، العبوا بها] ))أبو داود، وأحمد بسند جيد.
[158]
الثاني: عن ثوبان رضي الله عنه قال:
((جاءت بنت هبيرة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وفي يدها فتخ [من ذهب] [أي خواتيم كبار]، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يضرب يدها [بعصية معه يقول لها: أيسرك أن يجعل الله في يدك خواتيم من نار؟!]، فأتت فاطمة تشكو إليها، قال ثوبان: فدخل النبي صلى الله عليه وسلم على فاطمة وأنا معه؛ وقد أخذت من عنقها سلسلة من ذهب، فقالت: هذا أهدى لي أبو حسن ( تعني زوجها علياً رضي الله عنه )- وفي يدها السلسلة- فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا فاطمة! أيسرك أن يقول الناس: فاطمة بنت محمد في يدها سلسلة من نار؟! [ثم عذمها عذماً شديداً]، فخرج ولم يقعد، فعمدت فاطمة إلى السلسلة فباعتها فاشترت بها نسمة، فأعتقتها، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: الحمد لله الذي نجّى فاطمة من النار )) النسائي والطيالسي والطبراني.
[160]
الثالث عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في يد عائشة قُلبين ملويين من ذهب، فقال: ألقيهما عنك، واجعلي قلبين من فضة، وصفريها بزعفران. القاسم السرقسطي بسند صحيح، والنسائي والخطيب، والبزار نحوه.
[161]
الرابع: عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت:
((جعلت شعائر من ذهب في رقبتها، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم، فأعرض عنها، فقلت: ألا تنظر إلى زينتها، فقال: عن زينتك أُعرض، [قالت: فقطعتها، فأقبل علي بوجهه]. قال: زعموا أنه قال: ما ضَرَّ إحداكن لو جعلت خرصاً من ورق، ثم جعلته بزعفران )).
[164]
وفي حديث أسماء بنت يزيد في قصة أخرى نحوه:
((... وتتخذ لها جُمانتين من فضة، فتدرجه بين أناملها بشيء من زعفران، فإذا هو كالذهب يبرق ))أخرجه أحمد وأبو نعيم وابن عساكر.
[165]
شبهات حول تحريم الذهب المحلق، وجوابها
واعلم أن كثيراً من علماء أعرضوا عن العمل بهذه الأحاديث؛ لشبهات قامت لديهم ظنوها أدلة، ولا يزال
[166]
كثيرون منهم يتمسكون بها على أنها حجج تسوغ لهم ترك هذه الأحاديث، ولذلك رأيت أنه لا بد من حكاية تلك الشبهات والرد عليها، كي لا يغتر بها من لا علم عنده بطرق الجمع بين الأحاديث، فيقع في مخالفة الأحاديث الصحيحة المحكمة، بدون حجة أو بينة، فأقول:
دعوى الإجماع على إباحة الذهب مطلقاً للنساء، وردها
1- ادعى بعضهم الإجماع على إباحة الذهب مطلقاً للنساء، وهذا مردود من وجوه:
الإجماع الصحيح:
الأول: أنه لا يمكن إثبات صحة الإجماع في هذه المسألة، وإن نقله البيهقي في ((سننه )) ( 4/124 ) وغيره، مثل الحافظ ابن حجر في ((الفتح ))، ولكن هذا كأنه أشار لعدم ثبوته حين قال: ( 10/260 ) في بحث خاتم الذهب:
((فقد نقل الإجماع على إباحته للنساء ))، ويأتي قريباً ما يبطل هذا الإجماع، وذلك لأنه لا يستطيع أحد
[167]
أن يدعي أنه إجماع معلوم من الدين بالضرورة، وغير هذا الإجماع مما لا يمكن تصوره، فضلاً عن وقوعه، ولهذا قال الإمام أحمد رضي الله عنه:
((من ادعى الإجماع فهو كاذب، [وما يدريه؟]، لعل الناس اختلفوا )).
رواه ابنه عبد الله في ((مسائله )) ( ص390 ).
وتفصيل القول في هذا الموضوع الخطير ليس هذا موضعه، فليراجع من شاء التحقيق بعض كتب علم أصول الفقه التي لا يقلد مؤلفوها من قبلهم! مثل: ((أصول الأحكام )) لابن حزم ( 4/128- 144 )، و((إرشاد الفحول )) للشوكاني، ونحوهما.
استحالة وجود إجماع صحيح على خلاف حديث صحيح دون وجود ناسخ صحيح
الثاني: لو كان يمكن إثبات الإجماع في الجملة، لكان ادعاؤه في خصوص هذه المسألة غير صحيح، لأنه مناقض للسنة الصحيحة، وهذا مما لا يمكن تصوره أيضاً؛ لأنه يلزم منه اجتماع الأمة على ضلال، وهذا
[168]
مستحيل لقوله صلى الله عليه وسلم: ((لا تجتمع أمتي على ضلالة ))، ومثل هذا الإجماع لا وجود له إلا في الذهن والخيال، ولا أصل له في الوجود والواقع، قال أبو محمد بن حزم رحمه الله تعالى في ((أصول الأحكام )) ( 2/71- 72 ):
((وقد أجاز بعض أصحابنا أن يرد حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم ويكون الإجماع على خلافه، قال: وذلك دليل على أنه منسوخ. وهذا عندنا خطأ فاحش متيقن لوجهين برهانيين ضروريين :
أحدهما: أن ورود حديث صحيح يكون الإجماع على خلافه معدوم لم يكن قط، ولا هو في العالم، فمن ادعى أنه موجود فليذكره لنا، ولا سبيل له- والله- إلى وجوده أبداً.
والثاني: أن الله تعالى قد قال: ﴿إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون﴾، فمضمون عند كل من يؤمن بالله واليوم الآخر أن ما تكفل الله عز وجل بحفظه فهو غير ضائع أبداً، لا يشك في ذلك مسلم، وكلام النبي صلى الله عليه وسلم كله وحي بقوله تعالى: ﴿وما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحيٌ يوحى﴾، والوحي ذكرٌ بإجماع الأمة كلها،
[169]
والذكر محفوظ بالنص، فكلامه عليه السلام محفوظ بحفظ الله تعالى عز وجل ضرورة، منقول كله إلينا لا بد من ذلك ، فلو كان هذا الحديث الذي ادّعى هذا القائل أنه مجمع على تركه، وأنه منسوخ كما ذكر، لكان ناسخه الذي اتفقوا عليه قد ضاع ولم يحفظ، وهذا تكذيب لله عز وجل في أنه حافظ للذكر كله، ولو كان ذلك لسقط كثير مما بلّغ عليه السلام عن ربه، وقد أبطل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله في حجة الوداع: اللهم هل بلغت؟ )). قال:
((ولسنا ننكر أن يكون حديث صحيح، وآية صحيحة التلاوة منسوخين إما بحديث آخر صحيح، ,وإما بآية متلوة، ويكون الاتفاق على النسخ المذكور قد ثبت، بل هو موجود عندنا إلا أننا نقول: لا بد أن يكون الناسخ لهما موجوداً أيضاً عندنا، منقولاً إلينا، محفوظاً عندنا، مبلغاً نحونا بلفظه، قائم النص لدينا، لا بد من ذلك، وإنما الذي منعنا منه فهو أن يكون المنسوخ محفوظاً منقولاً مبلغاً إلينا، ويكون الناسخ له قد سقط ولم ينقل إلينا لفظه، فهذا باطل عندنا، لا سبيل إلى وجوده في العالم أبد الأبد، لأنه معدوم البتة، قد دخل –بأنه غير
[170]
كائن- في باب المحال، والممتنع عندنا، وبالله تعالى التوفيق )).
تقديم السنة على الإجماع الذي ليس معه كتاب أو سنة
وقال العلامة المحقق ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى:
((ولم يزل أئمة الإسلام على تقديم الكتاب على السنة، والسنة على الإجماع، وجعل الإجماع في المرتبة الثالثة. قال الشافعي: الحجة كتاب الله وسنة رسوله واتفاق الأئمة، وقال في ((كتاب اختلافه مع مالك )):
((والعلم طبقات:الأولى الكتاب والسنة الثابتة، ثم الإجماع فيما ليس كتاباً ولا سنة... )).
وقال ابن القيم أيضاً في صدد بيان أصول فتاوى الإمام أحمد:
((ولم يكن ( يعني الإمام أحمد ) يقدم على الحديث الصحيح عملاً ولا رأياً ولا قياساً ولا قول صاحب، ولا عدم علمه بالمخالف الذي يسميه كثير من الناس إجماعاً ويقدمونه على الحديث الصحيح! وقد كذّب أحمد من
[171]
ادعى هذا الإجماع، ولم يسغ تقديمه على الحديث الثابت، وكذلك الشافعي ... ونصوص رسول الله صلى الله عليه وسلم أجلّ عند الإمام أحمد وسائر أئمة الحديث من أن يقدموا عليها توهم إجماع مضمونه عدم العلم بالمخالف، ولو ساغ لتعطلت النصوص، وساغ لكل من لم يعلم مخالفاً في حكم مسألة أن يقدم جهله بالمخالف على النصوص )).
قلت: وهذا ما فعله البعض هنا، فقدموا ما زعموه إجماعاً على النصوص المتقدمة، مع أنه لا إجماع في ذلك، وبيانه في الوجه التالي:
الثالث: أنه قد ثبت ما ينقض بالإجماع المزعوم، وهو ما روى عبد الرزاق في ((المصنف )) ( 11 /70 /19935 )، وابن صاعد في ((حديثه )) ( 35/1- وهو بخط الحافظ ابن عساكر )، وابن حزم( 10/82 )، بسند صحيح عن محمد بن سيرين؛ أنه سمع أبا هريرة يقول لابنته:
[172]
((لا تلبسي الذهب؛ إني أخشى عليك اللهب )).
وروى ابن عساكر ( 19/124/2 ) من طريقين آخرين أن ابنةً لأبي هريرة قالت له: إن الجواري يُعيّرنني، يقلن: إن أباك لا يحليك الذهب! فقال:
قولي لهن: إني أبي لا يحليني الذهب؛ يخشى علي من اللهب.
ورواه عبد الرزاق ( 19938 ) نحوه، وعلقه البغوي في ((شرح السنة )) ( 3/ 210 / 82 )، وحكى الخلاف في هذه المسألة، فإنه بعد أن ذكر إباحة خاتم الذهب للنساء وتحليهن به عند الأكثرين؛ قال:
((وكره ذلك قوم )).
ثم ساق حديث أسماء بنت يزيد المتقدم بعضه في المتن ( ص236 )وتمامه في التعليق( 237 ).
وما حكاه البغوي رحمه الله من الكراهة عن أولئك الذين أشار إليهم من العلماء، فهي الكراهة التحريمية، لأنه المعروف في اصطلاح السلف؛ تبعاً للأسلوب القرآني في عديد من الآيات الكريمة؛
[173]
كقوله تعالى: ﴿وكرّه إليكم الكفر والفسوق والعصيان﴾.
وقد كنت شرحت هذه المسألة الهامة في كتابي: ((تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد )) ( ص 48- 55 )، وذكرت هناك بعض الأمثلة، فلتراجع.
وبين أيدينا مثال آخر قريب المنال، وهو ما تقدم في بحث ( خاتم الخطبة ) أن الإمام أحمد، والإمام إسحاق بن راهويه كرها خاتم الذهب للرجال، فهذه الكراهة للتحريم أيضاً، لتصريح الأحاديث المتقدمة هناك به، وكذلك الأمر في تحريم خاتم الذهب على النساء؛ لأن الأدلة صريحة أيضاً، فمن أطلق كراهته عليهن، فإنما يعني الكراهة الشرعية، وهي التحريم، فتأمل منصفاً.
وذكر ابن عبد الحكم في ((سيرة عمر بن عبد العزيز )) ( ص163 ) أن ابنة عمر بعثت إليه بلؤلؤة وقالت له: إن رأيت أن تبعث لي بأخت لها حتى أجعلها في أذني، فأرسل إليها ثم قال لها: إن استطعت أن تجعلي هاتين الجمرتين في أذنيك بعثت لك بأخت لها!
[174]
ومن الظاهر أن اللؤلؤة كانت محلاة بالذهب، لأنها لا تقوم بنفسها، ولا تحلى عادة إلا بها، ويؤيد ذلك لفظة: ((الجمرتين ))، فإنها مستوحاة من بعض أحاديث التحريم المتقدمة كحديث بنت هبيرة، فثبت بطلان دعوى الإجماع في هذه المسألة.
دعوى نسخ الأحاديث المتقدمة ، وإبطالها
2- وادعى آخرون نسخ هذه الأحاديث المحرمة بمثل قوله صلى الله عليه وسلم : ((أحل الذهب والحرير لإناث أمتي ... ))، وهو حديث صحيح بمجموع طرقه، وقد ذكرها الزيعلي في ((نصب الراية )) ( 4/222- 225 )، ثم حققته في تخريج كتاب ((الحلال والحرام )) للأستاذ القرضاوي ( رقم78 )، وهو ادعاء باطل، لأن للنسخ شروطاً كثيرة معروفة عند العلماء؛ منها أن يكون الخطاب الناسخ متراخياً عن المنسوخ، ومنها أن لا يمكن الجمع بينهما، وهذان الشرطان منفيان هنا، أما الأول؛ فلأنه لا يُعلم تأخر هذا الحديث المبيح عن
[175]
أحاديث التحريم، وأما الثاني؛ فلأن الجمع ممكن بسهولة بين الحديث المذكور وما في معناه، وبين الأحاديث المتقدمة، ذلك لأن الحديث مطلق، وتلك مقيدة بالذهب الذي هو طوق أو سوار أو حلقة، فهذا هو المحرم عليهن، وما سوى ذلك من الذهب المقطع فهو المباح لهن، وهو المراد بحديث حلّ الذهب لهن، فهو مطلق مقيد بالأحاديث المشار إليها، فلا تعارض وبالتالي فلا نسخ.
ولذلك لم نر أحداً ممن ألف في الناسخ والمنسوخ أورد الأحاديث المذكورة فيما هو منسوخ، كالحافظ أبي الفرج ابن الجوزي في رسالة ((إخبار أهل الرسوخ في الفقه والتحديث بمقدار المنسوخ في الحديث ))، والحافظ أبي بكر الحازمي في كتابه ((الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار ))، وغيرهما، بل قد أشار ابن الجوزي رحمه الله في مقدمة رسالته المشارة إليها إلى رد دعوى نسخ هذه الأحاديث، فقال:
((أفردت في هذا الكتاب قدر ما صح نسخه أو احتمل، وأعرضت عما لا وجه لنسخه ولا احتمال، فمن
[176]
سمع بخبر يدعى عليه النسخ وليس في هذا الكتاب، فليعلم وهاء تلك الدعوى، وقد تدبرته فإذا فيه أحد وعشرون حديثا )).
بل قال المحقق ابن القيم في ((الأعلام )) ( 3/458 ):
((إن النسخ الواقع في الأحاديث الذي أجمعت عليه الأمة؛ لا يبلغ عشرة أحاديث البتة، ولا شطرها ))!
قلت: ثم ساقها، وليس فيها شيء من هذه الأحاديث السابقة، فثبت ضعف ادعاء احتمال نسخها، فكيف الجزم بنسخها؟ وقد أشار لضعف دعوى النسخ ابن الأثير في((النهاية ))، بقوله تعليقا على حديث أسماء المشار إليه آنفاً:
((قيل: كان هذا قبل النسخ، فإنه قد ثبت إباحة الذهب للنساء )).
فإن لفظة: ((قيل )) للتمريض كما هو معروف.
وقال العلامة صدر الدين علي بن علاء الحنفي بعد أن حكى كلام ابن الجوزي الآنف الذكر:
((وهذا هو الذي يشهد العقل بصدقه إذا سَلِم من
[177]
الهوى، وقد ادعى كثير من الفقهاء في كثير من السنة أنها منسوخة، وذلك إما لعجزه عن الجمع بينها وبين ما يظن أنه يعارضها، وإما لعدم علمه ببطلان ذلك المعارض، وإما لتصحيح مذهبه ودفع ما يرد عليه من جهة مخالفة، ولكن نجد غيره قد بين الصواب في ذلك، لأن هذا الدين محفوظ، ولا تجتمع هذه الأمة على ضلالة )).
ولقد صدق رحمه الله في كل ما ذكره، فأنت ترى أن هذه الأحاديث المحرمة لا تتعارض مطلقاً مع حديث حل الذهب للنساء، لأنه عام، وتلك خاصة، والخاص مقدم على العام كما هو مقرر في علم الأصول، ولهذه القاعدة رجح الإمام النووي رضي الله عنه في ((شرح مسلم )) و((المجموع )) وجوب الوضوء من أكل لحم الإبل، مع أنه مخالف لمذهبه، بل ومذهب الجمهور، حتى ظن بعض المتعالمين في هذا العصر أنه لا يقول بالوضوء منه عالم من علماء المسلمين! كما نشر ذلك في
[178]
بعض الجرائد الدمشقية سنة 1386هـ تقريباً.
ولِما ذكرنا قال ولي الله الدهلوي في ((حجة الله البالغة )) ( 2/190 ) بعد أن ذكر أحاديث التحريم وحديث الحل:
((معناه الحل في الجملة، وهذا ما يوجبه مفهوم هذه الأحاديث، ولم أجد لها معارضاً )).
وأقره صديق حسن خان في ((الروضة الندية )) ( 2/217- 218 ).
قلت: ومما يدلك على ضعف دعوى النسخ هذه؛ أن بعض متعصبة الحنفية- وقد سبقت الإشارة إليه- لم ينظر إليها بعين الرضا، مع أنه حكاها عن الجمهور الذين يقلدهم في هذه المسألة، واحتج على ذلك بقوله- وقد وفق فيه- :
((إن النسخ لا يُلجأ إلى القول به ما دام التوفيق بين الأحاديث ممكناً، بحيث لا يرد شيء من الأدلة ))، وهذا حق لا ريب فيه، وهو من المقرر في علم الأصول.
ولكنه مع الأسف لم يستقر عليه الدكتور، بل رجع
[179]
إلى ادعاء النسخ معارضاً بذلك الأخذ بأحاديث التحريم، فقال:
((إن الفريقين لما تجاذبا دعوى النسخ احتجنا إلى النظر في التاريخ للترجيح بين المذهبين، وتعيين الناسخ والمنسوخ، والتاريخ يؤيد نظر الجمهور ( ! ).
فإنه لا شك في أن الصحابة في ابتداء الإسلام كانوا في أمس الحاجة للمال... ولقد قسم الأنصار أموالهم مناصفة بينهم وبين المهاجرين، فكان التختم بالذهب في تلك الفترة بطراً وترفاً، فلما مضت الأيام ، وفتحت على رسول الله صلى الله عليه وسلم الفتوحات صار الناس في رخاء العيش فأباح النبي صلى الله عليه وسلم لبس الذهب لزوال المانع ))!
قلت: وجوابي عليه من وجوه:
الأول: أنه لم يذكر نصاً تاريخياً يؤيد تأخر المبيح عن الحاظر، يرجح به نظر الجمهور، وإنما هو مجرد الدعوى أن الإباحة كانت بعد رخاء العيش، فأين الدليل عليها؟!
[180]
الثاني: هذه الدعوى لو صحت، لزم منها أن يكون تحريم الذهب على الرجال قد شرع في الوقت الذي حرم على النساء، إن لم يكن تقدم عليه، وكل عاقل يفهم من قوله: ((في ابتداء الإسلام ))، أنه يعني في مكة، أو في أول الهجرة على أبعد تقدير، وإذا كان كذلك، فنحن نقطع ببطلان هذه الدعوى؛ لأن تحريم الذهب على الرجال إنما كان في أواخر الأمر، كما نص على ذلك الحافظ الذهبي في ((تلخيص المستدرك )) ( 3/231 )، ومما يشهد له ما أخرجه البخاري في ((اللباس )) وأحمد في ((المسند )) ( 4/328 ) عن المسور بن مخرمة:
((أن أباه مخرمة قال له: يا بني! إنه بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم قدمت عليه أقبية، فهو يقسمها، فاذهب بنا إليه، فذهبنا إليه ... فخرج وعليه قباء من الديباج مزرر بالذهب، فقال: يا مخرمة هذا خبأته لك، فأعطاه إياه )).
وإنما أسلم مخرمة عام الفتح، وذلك بعد ثمان سنين ونصف من الهجرة، فهذا نص على أن الذهب كان مباحاً إلى ما قبل وفاته صلى الله عليه وسلم بسنة ونصف تقريباً، ولولا ذلك لم يلبس صلى الله عليه وسلم القباء المزرر بالذهب، ولا وزعه على أصحابه كما هو ظاهر.
[181]
الثالث: أنه لو صح قوله: ((فأباح النبي صلى الله عليه وسلم لبس الذهب لزوال المانع ))، لزم منه إباحة الذهب للرجال أيضاً لزوال المانع أيضاً! وهذا باطل لا يقوله عالم، وما لزم منه باطل؛ فهو باطل.
فإن قال: هذا غير لازم، لأن علة تحريم الذهب على الرجال، غير علة تحريمه على النساء.
قلنا: ما هيه؟ ولا سبيل له إلى إثباتها أبداً، إلا بمثل هذه الدعوى التي أثبت بها أختها! وليست هي إلا مجرد رأي تفرد به الدكتور في آخر الزمان!
وما يُلجئ بعض الناس إلى مثل هذه المضايق والآراء، إلا محاولتهم التخلص من معارضة النص الشرعي لمخالفته لمذهبهم، وتقليدهم، وعاداتهم، فيقعون فيما هو أعظم منه! ولو أنهم استسلموا لحكم الله ورسوله- كما هو المفروض في المسلم- لكان خيراً لهم، ولم يقعوا في مثل ذلك.
شوقي الى الله ابكاني
12 Jan 2013, 03:22 AM
وخلاصة البحث: أن القول بنسخ الأحاديث المحرمة للذهب على النساءمما لا دليل عليه، بل هو مخالف لعلم الأصول، والواجب الجمع بينها وبين الأحاديثالمبيحة للذهب عليهن، وذلك بحمل المطلق على المقيد، أو العام على الخاص، كما شرحنا،وينتج منه أن الذهب كله حلال على النساء، إلا المحلق منه، كما يحرم عليهن استعمالأواني الذهب والفضة اتفاقاً، فلا نسخ عندنا؛ خلافاً لما فهمه الدكتور، وأدار كلبحثه في كتابه عليه، كما ينبئك به كلامه السابق في المعارضة المزعومة. واللهالهادي، لا رب سواه.
رد الأحاديث المتقدمة بأحاديث مبيحة، والجواب عنها
3- وقد يردّ بعضهم هذه الأحاديث بأحاديث أخرى، فيها إباحة المحلق من الذهب على النساء،والجواب أن هذا كان قبل التحريم حتماً، وبيانه:
أن من المعلوم بداهة أن النهيعن الشيء مما يحتمل التحليل والتحريم؛ لا يكون إلا بعد أن يكون مسبوقاً بالإباحة،فالتمسك بها حينئذ فيه مخالفة صريحة
[183]
لمنطوق الأحاديث المحرّمة، وممايقرب هذا إلى المنصفين إن شاء الله تعالى أن هناك أحاديث يستفاد منها إباحة الذهبعلى الرجال أيضاً، ومع ذلك فلم يأخذ بها أحد من العلماء، لمجيء النصوص المحرمة، وقدسبق ذكر بعضها، بل ذهبوا إلى أنها كانت قبل التحريم، وكذلك نقول نحن في الأحاديثالمبيحة للذهب المحلق للنساء، ولا فرق أنها كانت قبل التحريم، ومن فرق بين هذهوتلك، فهو متناقض أو متلاعب!
تقييد الأحاديث المتقدمة بمن لم يؤد الزكاة،وردّه
4- وأجاب بعضهم بأن الوعيد الوارد في الأحاديث المتقدمة إنما هو في حق منلا يؤدي زكاة تلك الحلي؛ دون من أداها، واستدل عليه بحديث عمرو بن
[184]
شعيب عن أبيه عن جده أن امرأة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعهاابنة لها، وفي يد ابنتها مسكتان ( أي سواران ) غليظتان من ذهب، فقال لها: أتعطينزكاة هذا؟ قالت: لا، قال: أيسرك أن يسوّرك الله بهما يوم القيامة سوارين مننار؟!قال: فخلعتهما، فألقتهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقالت: هما لله عزولرسوله.
أخرجه أبو داود ( 1/244 )، والنسائي( 1/343 )، وأبو عبيد في ((الأموال )) ( رقم1260 )، وإسناده حسن، وصححه ابن الملقن ( 65/1 )، وتضعيف ابن الجوزي له في ((التحقيق )) ( 6/197/1 )، مردود عليه.
ورواه النسائي في ((السنن الكبرى )) ( ق5/1 ) عن عمرو بن شعيب به موصولاً، ثم رواه عنه مرسلاً، وقال:
((الموصول أولىبالصواب )).
والجواب: إن هذا استدلال ضعيف جداً، لأن الرسول صلى الله عليه وسلملم ينكر في هذه القصة لبس السوارين،
[185]
وإنما أنكر عدم إخراج زكاتهما،بخلاف الأحاديث المتقدمة، فإنه أنكر اللبس، ولم يتعرض لإيجاب الزكاة عليها، والظاهرأن هذه القصة كانت في وقت الإباحة، فكأنه صلى الله عليه وسلم تدرج لتحريمها، فأوجبالزكاة عليها أولاً، ثم حرمها، كما هو صريح الأحاديث السابقة، ولا سيما الحديثالأول من رواية أبي هريرة مرفوعاً:
((من أحب أن يحلق حبيبه بحلقة من نارفليحلقه حلقة من ذهب ... )) إلخ، فإنه لا يدل دلالة قاطعة أن التحريم لنفس التحليقوما قرن معه، لا لعدم إخراج زكاتها.
والحق أن هذه القصة أفادت وجوب الزكاة علىالحلي، ومثلها قصة عائشة الآتية في زكاة خواتيم الفضة، فهذه وتلك لا تدل على تحريمالاستعمال، بل على وجوب زكاة المستعمل؛ فالتحريم وعكسه يؤخذ من أدلة أخرى، فأخذناتحريم الذهب المحلق عليهن الأحاديث المتقدمة، وأخذنا إباحة الفضة من حديث أبي هريرةالمتقدم، ومن حديث عائشة المشار إليها وغيرها.
[186]
وجملة القول؛ أن هذاالحديث لا حجة فيه على ما ذكره المنذري، لأنه لم ينص فيه على تحريم السوار، إنماكان لأنه لم يؤد زكاته حتى يمكن أن يقال: إنه مفصل، وتلك الأحاديث مجملة، فيحملالمجمل على المفصل، وإنما هي واقعة عين أفادت وجوب زكاة الحلي، فلا يعارض ما أفادتهالأحاديث السابقة من التحريم.
تقييد آخر للأحاديث ، والجواب عنه
5- وأجابهذا البعض أيضاً بجواب آخر فقال: إن الوعيد المذكور إنما هو في حق من تزينت بهوأظهرته، واستدب لما رواه النسائي وأبو داود عن ربعي بن حراش عن امرأته عن أختلحذيفة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
[187]
((يا معشر النساء! أمالكن في الفضة ما تحلين به؟ أما إنه ليس منكن امرأة تتحلى ذهباً تظهره إلا عذبت به )).
والجواب من وجهين:
الأول: رد الحديث من أصله لعدم ثبوته، فإن في سندهامرأة ربعي وهي مجهولة كما قال ابن حزم( 10/83 )؛ ولذلك ضعفته في ((المشكاة )) ( 4403 ).
ثانياً: لو كانت العلة هي الإظهار؛ لكان لا فرق في ذلك بين الذهبوالفضة لاشتراكهما في العلة، مع أن الحديث صريح في التفريق بينهما، ولا قائل بحرمةخاتم الفضة على المرأة مع ظهوره، فثبت بطلان التمسك بعلة الإظهار. ولهذا قال أبوالحسن السندي:
(( ( تظهره )؛ يحتمل أن تكون الكراهة إذا ظهرت وافتخرت به، لكنالفضة مثل الذهب في ذلك، فالظاهر أن هذا لزيادة التقبيح والتوبيخ، والكلام لإفادةحرمة الذهب ( يعني : المحلق ) على ا لنساء، مع قطع النظر عن الإظهار والافتخار )).
[188]
وهذا كله يقال على افتراض صحة الحديث، وإلا فقد عرفت ضعفه، فسقطالاستدلال به أصلاً.
رد الأحاديث بفعل عائشة، والجواب عنه
6- ومن أعجب مارُدّت به هذه الأحاديث الصحيحة؛ قول بعض متعصبة الحنفية:
((إن عائشة رضي اللهعنها كانت تلبس الخواتيم من الذهب، كما رآها ابن أختها القاسم بن محمد وحدث بذلك،وهذا الخبر عن عائشة رواه البخاري في صحيحه )).
وأقول : إطلاق عزو هذا الأثرللبخاري فيه نظر، لأن المعروف عند العلماء أن العزو إلى البخاري مطلقاً معناه أنهفي ((صحيحه )) مسند، وليس كذلك أمر هذا الأثر، فإنه إنما ذكره معلقاً بدون إسناد! وذكر الحافظ في ((الفتح )) ( 10/271 ) أنه وصله ابن سعد في ((الطبقات )). وسكت عنسنده، وهو عندي حسن، فقال ابن سعد ( 8/48 ): أخبرنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب: حدثنا عبد العزيز بن محمد عن عمرو بن أبي
[189]
عمرو قال: سألت القاسم بنمحمد قلت: إن ناساً يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الأحمرين: المعصفر والذهب، فقال: كذبوا والله، لقد رأيت عائشة تلبس المعصفرات، وتلبس خواتمالذهب.
لكن رواه غير عبد العزيز بلفظ: كانت تلبس الأحمرين: المذهب والمعصفر )). أخرجه ابن سعد أيضاً: وأخبرنا أبو بكر بن عبد الله بن ابي أويس عن سلميان بن بلالعن عمرو به، وهذا الإسناد أصح، لأن سليمان هذا أحفظ من عبد العزيز. فإن ثبت ذكرالخاتم في هذا الأثر عن عائشة فالجواب ما سيأتي، وإلا فلا حجة فيه مطلقاً، لأنالرواية الأخرى- وهي الأصح- لا ذكر للخاتم فيها، فهو على هذا مثل حديثها الآخر منطريق القاسم أيضاً أن عائشة كانت تحلي بنات أختها الذهب ثم لا تزكيه. رواه أحمد فيمسائل عبد الله ( ص145 )، وسنده صحيح، فهذا محمول على الذهب
[190]
المقطع،وهو جائز لهن اتفاقاً.
ثم قال ذاك المذكور:
( لا يتصور أن تلبس عائشة رضيالله عنها الذهب الملحق، ورسول الله صلى الله عليه وسلم كل يوم معها وفي بيتها، ثملا ينهاها عنه )).
قلت: هذه مغالطة ظاهرة_ولعلها غير مقصودة- إذ ليس في الأثرالمتقدم أن عائشة لبسته على علم منه صلى الله عليه وسلم، بل فيه أن القاسم بن محمدرآها تلبسه، فمعنى ذلك أن لبسها إياه إنما كان بعد وفاته صلى الله عليه وسلم ، لأنالقاسم لم يدركه صلى الله عليه وسلم .
ثم قال عطفاً على ما سبق:
((أوَ ينهىعنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يبلغهما؟! فهذا مستحيل قطعاً )).
قلت: لااستحالة في ذلك إلا نظراً، وهذا ليس يهمنا، لأن الواقع خلافه، فكم من سنن فعلية،وأقوال نبوية؛ خفيت على كبار الصحابة رضي الله عنهم، ولولا صحة السند بذلك عنهم،لقلنا كما قال المؤمأ إليه
[191]
هاهنا، ولا يتحمل هذا التعليق الإكثار منأمثلة ذلك، فلنقتصر على مثالين منها:
1- أن عائشة ترى أن الأقراء إنما هيالأطهار، كما قال أحمد في ((المسائل ) ( 185 )، وروى مالك في ((الموطأ )) ( 2/96 ) بسند صحيح جداً عنها أنها قالت:
((تدرون ما الأقراء؟ إنما الأقراء الأطهار )).
ونحوه في مسائل الإمام أحمد لابنه عبد الله ( ص231 ).
أقول: وقد ثبت فيالسنة أن القرء إنما هو الحيض، وبه قال الحنفية، والرجل منهم، فهل يرد حضرته مذهبه،ولا سيما أنه موافق للسنة من أجل قول عائشة هذا؟ أم يجعل قولها دليلاً على نسخ ذلككما فعل في مسألتنا هذه ؟!
2- قالت عائشة رضي الله عنها: دخل رسول الله صلىالله عليه وسلم فرأى في يدي فتخات من ورق، فقال : ما هذا يا عائشة؟ فقلت: صنعتهنأتزين لك يا رسول الله! قال: أتؤدين زكاتهن؟ قلت: لا، أو ما شاء الله، قال: هو حسبكمن النار.
[192]
أخرجه أبو داود ( 1/244 ) وغيره، وإسناده على شرط الصحيحكما قال الحافظ في ((التخليص )) ( 6/19 )، ومحمد بن عطاء الذي في إسناده هو محمد بنعمرو بن عطاء؛ ثقة محتج به في ((الصحيحين )) كما في ((الترغيب ))، وظنه ابن الجوزيفي ((التحقيق )) ( 1/198/1 ) رجلاً آخر فجهله، وضعف الحديث من أجل ذلك، فلا يلتفتإليه.
فهذا الحديث صريح في إيجاب الزكاة على الحلي، وهو حجة الذين ذهبوا إلىإيجابه، ومنهم الحنفية.
ثم إنه قد ورد عن عائشة نفسها ما يعارض هذا الحديث، وهوما أخرجه مالك ( 1/245 ) عن القاسم ابن محمد ( راوي حديث الخاتم! ) أن عائشة كانتتل بنات أخيها يتامى في حجرها لهن الحلي، فلا تخرج من حليهن الزكاة. سنده صحيحجداً، وتقدم نحوه من رواية أحمد.
[193]
فهذه مخافة صريحة عن عائشة رضي اللهعنها لحديثها فإذا جاز في حقها ذلك، فبالأحرى أن تخالف حديث غيرها، لم تروه هي، وهيعلى كل حال مأجورة، فماذا يقول المشار إليه في هذه المخالفة؟ أيدع الحديث والمذهبلقولها، أم يتمسك بالحديث ويدع قولهاً معتذراً عنها بأي عذر مقبول كما هو الواجب؟
وعلى كل حال فقد ظهر لكل من له قلب أن ما كان يظنه مما (( لا يتصور )) أو أنه ((مستحيل قطعاً ))؛ قد أثبتناه بالأسانيد الصحيحة، ولازم ذلك أن لا يتلفت المسلمإلى أي قول يخالف ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم، مهما كان شأن قائله فضلاً وعلماًوصلاحاً؛ لانتفاء العصمة، وهذا من الأسباب التي تشجعنا على الاستمرار في خطتنا منالتمسك بالكتاب والسنة، وعدم الاعتداد بما سواهما،
[194]
كما صنعنا في هذهالمسألة التي أسأل الله تعالى أن يوفق المسلمين للعمل بها، وبكل ما ثبت عنه صلىالله عليه وسلم.
ترك الأحاديث لعدم العلم بها بمن عمل بها، وجوابه
6- هذا،ولعل فيمن ينصر السنة ويعمل بها ويدعو إليها من يتوقف عن العمل بهذه الأحاديث؛ بعذرأنه لا يعلم أحداً من السلف قال بها، فليعلم هؤلاء الأحبة أن هذا العذر قد يكونمقبولاً في بعض المسائل التي يكون طريق تقريرها إنما هو الاستنباط والاجتهاد فحسب،لأن النفس حينئذ لا تطمئن لها خشية أن يكون الاستنباط خطأ، ولا سيما إذا كانالمستنبط من هؤلاء المتأخرين الذين يقررون أموراً لم يقل بها أحد من المسلمين ؛بدعوى أن المصلحة تقتضي تشريعها، دون أن ينظروا إلى موافقتها لنصوص الشرع أولاً،مثل إباحة بعضهم للربا الذي سماه بـ( الربا الاستهلاكي ) واليانصيب الخيري –زعموا- ونحوهما! أما ومسألتنا ليست من هذا القبيل، فإن فيها نصوصاً صريحة محكمة لم يأت ماينسخها- كما سبق بيانه- فلا يجوز ترك العمل بها للعذر المذكور، ولا سيما أننا قدذكرنا من قال بها مثل
[196]
أبي هريرة رضي الله عنه، وولي الله الدهلويوغيرهما كما تقدم، ولا بدأن يكون هناك غير هؤلاء ممن عمل بهذه الأحاديث لم نعرفهم؛لأن الله تعالى لم يتعهد لنا بحفظ أسماء كل من عمل بنصّ ما من كتاب أو سنة، وإنماتعهد بحفظها فقط كما قال: ﴿إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون﴾، فوجب العمل بالنصسوءا علمنا من قال به أو لم نعلم، ما دام لم يثبت نسخه كما هو الشأن في مسألتناهذه.
وأختم هذا البحث بكلمة طيبة للعلامة المحقق ابن القيم رحمه الله تعالى؛لها مساس كبير بما نحن فيه، قال: في ((إعلام الموقعين )) ( 3/464- 465 ):
((وقدكان السلف الطيب يشتد نكيرهم وغضبهم على من عارض حديث رسول الله صلى الله عليه وسلمبرأي أو قياس أو استحسان أو قول أحد من الناس كائناً من كان، ويهجرون فاعل ذلك،وينكرون على من يضرب له الأمثال، ولا يسوغون غير الانقياد له صلى الله عليه وسلم،والتسليم والتلقي بالسمع والطاعة، ولا يخطر بقلوبهم التوقف في قبوله حتى يشهد لهعمل أو قياس ، أو يوافق قول فلان وفلان، بل كانوا عاملين بقوله تعالى: ﴿وما كانلمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم﴾، وبقولهتعالى: ﴿فلا وربّك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهمحرجاً مما قضيت ويُسلموا تسليماً﴾، وبقوله تعالى: ﴿اتّبعوا ما أنزل إليكم من ربكمولا تتبعوا من دونه أولياء قليلاً ما تذكّرون﴾، وأمثالها، فدفعنا إلى زمان إذا قيللأحدهم: ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال كذا وكذا، يقول: من قال هذا؟دفعاً في صدر الحديث، ويجعل جهله بالقائل حجة له في مخالفته وترك العمل به، ولو نصحنفسه لعلم أن هذا الكلام من أعظم الباطل، وأنه لا يحل له دفع سنن رسول الله صلىالله عليه وسلم بمثل هذا الجهل، وأقبح من ذلك عذره في جهله، إذ يعتقد أن الإجماعمنعقد على مخالفة تلك السنة، وهذا سوء ظن بجماعة المسلمين؛ إذ ينسبهم إلى اتفاقهمعلى مخالفة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأقبح من ذلك عذره في دعوى هذاالإجماع، وهو جهله وعدم علمه بمن قال بالحديث، فعاد الأمر إلى تقديم جهله علىالسنة. والله المستعان )).
[197]
40- وجوب إحسان عشرة الزوجة:
ويجب عليهأن يحسن عشرتها، ويسايرها فيما أحل الله لها – لا فيما حرم- ، ولا سيما إذا كانتحديثة السن، وفي ذلك أحاديث:
الأول: قوله صلى الله عليه وسلم:
((خيركمخيركم لأهله،وأنا خيركم لأهلي ))الطحاوي وشطره الأول الحاكم وصححه.
الثاني: قولهصلى الله عليه وسلم في خطبة حجة الوداع:
[198]
(( ... ألا واستوصوا بالنساءخيراً، فإنهن عوان عندكم، ليس تملكون منهن شيئاً غير ذلك؛ إلا أن يأتين بفاحشةمبينة، فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع، واضربوهن ضرباً غير مبرح، فإن أطعنكم فلاتبغوا عليهن سبيلاً. إلا إن لكم على نسائكم حقاً، ولنسائكم عليكم حقاً، فأما حقكمعلى نسائكم؛ فلا يوطئن فرشكم من تكروهن، ولا يأذنّ في بيوتكم لمن تكرهون، ألا وحقهنعليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن ))أخرجه الترمذي وقال حسن صحيح، وابنماجه،وصححه ابن القيم.
[199]
الثالث:قوله صلى الله عليه وسلم :
((لايفرك( أي لا يبغض ) مؤمنٌ مؤمنة، إن كره منها خلقاً رضي منها آخر )) مسلموغيره.
الرابع: قوله صلى الله عليه وسلم:
((أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهمخلقاً، وخيارهم خيارهم لنسائهم )). الترمذي وأحمد. وهو حسن الإسناد.
[200]
الخامس: عن عائشة رضي الله عنها قالت:
((دعاني رسول الله صلى اللهعليه وسلم [والحبشة يلعبون بحرابهم في المسجد]، [في يوم عيد]، فقال لي: [يا حميراءأتحبين أن تنظري إليهم؟ فقلت: نعم]
[201]
[فأقامني وراءه]، فطأطأ لي منكبيهلأنظر إليهم، [فوضعت ذقني على عاتقه، وأسندت وجهي إلى خده]، فنظرت من فوق منكبيه ( وفي رواية: من بين أذنه وعاتقه ) [وهو يقول: دونك يا بني أرفده] فجعل يقول: ياعائشة! ما شبعت! فأقول: لا، لأنظر منزلتي عنده] حتى شبعت.
[202]
[قالت: ومنقولهم يومئذ: أبا القاسم طيباً] وفي رواية: ((حتى إذا مللت، قال: حسبك؟ قلت نعم،قال: فاذهبي ))، وفي أخرى: ((قلت: لا تعجل، فقام لي، ثم قال : حسبك؟ قلت: لا تعجل، [ولقد رأيته يرواح بين قدميه]، قالت: ما بي حب النظر إليهم، ولكن أحببت أن يبلغَالنساء مقامُه لي، ومكاني منه[ وأنا جارية]، [فاقدروا قدر الجارية[العربة] الحديثةالسن، الحريصة على اللهو]، [قالت: فطلع عمر، فتفرق الناس عنها والصبيان، فقال النبيصلى الله عليه وسلم : رأيت شياطين الإنس والجن فروا من عمر]، [قالت عائشة: قال صلىالله عليه وسلم يومئذٍ: لتعلم يهود أن في ديننا فسحة] )). البخاري ومسلموغيرهم.
[203]
السادس: عنها أيضاً قالت:
((قدم رسول الله صلى الله عليهوسلم من غزوة تبوك أو خيبر، وفي سهوتها ستر، فهبت ريح، فكشفت ناحية الستر عن بناتلعائشة لُعَب، فقال : ما هذا عائشة؟ قالت: بناتي، ورأى بينهن فرساً له جناحان منرقاع، فقال: ما هذا الذي أرى وسطهن؟ قالت: فرس، قال: وما هذا الذي عليه؟ قال: جناحان، قال: فرس له جناحان؟ قالت: أما سمعت أن لسليمان خيلاً لها أجنحة؟ قالت: فضحك حتى رأيت نواجذه )). أبو داود والنسائي بسند صحيح.
[204]
السابع : عنهاأيضاً:
(( أنها كانت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفره، وهي جارية [قالت: لم أحمل اللحم، ولم أبدن]، فقال لأصحابه: تقدموا، [فتقدموا]، ثم قال: تعاليأسابقك، فسابقته، فسبقته على رجلي، فلما كان بعد، خرجت معه في سفر، فقال لأصحابه: تقدموا، ثم قال: تعالي أسابقك، ونسيت الذي كان، وقد حملت اللحم، [وبدّنت]، فقلت: كيف أسابقك يا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا على هذه الحال؟ فقال : لتفعلن،فسابقته، فسبقني، فـ[جعل يضحك، و] قال : هذه بتلك السبقة )).
الحميدي في مسندهوأبو داود والنسائي والطبراني.
[205]
الثامن: عنها أيضاً قالت:
((إن كانرسول الله صلى الله عليه وسلم ليؤتى بالإناء، فأشرب منه وأنا حائض، ثم يأخذه فيضعفاه على موضع فيّ، وإن كنت لآخذ العرق فآكل منه، ثم يأخذه فيضع فاه على موضع فيّ )). مسلم وأحمد وغيرهما.
التاسع: عن جابر بن عبد الله، وجابر بن عمير، قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
((كل شيء ليس فيه ذكر الله، فهو [لغوٌ] وسهو ولعب، إلا أربع [خصال]: ملاعبة الرجل امرأته، وتأديب الرجل فرسه، ومشيه بينالغرضين، وتعليم الرجل السباحة )) النسائي والطبراني وأبو نعيم بإسناد صحيح.
[206]
41- وصايا إلى الزوجين:
وختاماً أوصي الزوجين:
أولاً: أنيتطاوعا ويتناصحا بطاعة الله تبارك وتعالى، واتباع أحكامه الثابتة في الكتابوالسنة، ولا يقدما عليها تقليداً أو عادة غلبت على الناس، أو مذهباً فقد قال عزوجل: ﴿وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهُم الخيرة منأمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً﴾ [الأحزاب: 36].
ثانياً: أنيلتزم كل واحد منهما القيام بما فرض الله عليه من الواجبات والحقوق تجاه الآخر، فلاتطلب الزوجة- مثلاً- أن تساوي الرجل في جميع حقوقه، ولا يستغل الرجل ما فضله اللهتعالى به عليها من السيادة
[207]
والرياسة ؛ فيظلمها، ويضربها بدون حق، فقدقال الله عز وجل:
﴿ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة والله عزيزحكيم﴾ [البقرة: 228]، وقال:
﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَافَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْفَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُوَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِيالْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّسَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيراً﴾ [النساء: 34].
[208]
وقدقال معاوية بن حيدة رضي الله عنه: يا رسول الله! ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال: أنتطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تقبح الوجه، ولا تضرب، [ولا تهجر إلا فيالبيت، كيف وقد أفضى بعضكم إلى بعض؛ إلا بما حل عليهن] أبو داود والحاكم وأحمد بسندحسن.
وقال صلى الله عليه وسلم :
((المسقطون يوم القيامة على منابر من نورعلى يمين الرحمن- وكلتا يديه يمين- الذين يعدلون في
[209]
حكمهم وأهليهم وماولوا )). مسلم وابن منده وقال: ((حديث صحيح )).
فإذا هما عرفا ذلك وعملاً به،أحياهما الله تبارك وتعالى حياة طيبة، وعاشا- ما عاشا معاً- في هناء وسعادة، فقدقال عز وجل: ﴿من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهمأجرهم أحسن ما كانوا يعملون﴾ [النحل: 97].
ثالثاً: وعلى المرأة بصورة خاصة أنتطيع زوجها فيما يأمرها به في حدود استطاعتها، فإن هذا مما فضل الله به الرجال علىالنساء كما في الآيتين السابقتين: ﴿الرجال قوامون على النساء﴾، ﴿وللرجال عليهندرجة﴾، وقد جاءت أحاديث كثيرة صحيحة مؤكدة لهذا المعنى، ومبينة بوضوح ما للمرأة،وما عليها؛ إذا هي أطاعت زوجها أو عصته، فلا بد من إيراد بعضها، لعل
[210]
فيها تذكيراً لنساء زماننا، فقد قال تعالى: ﴿وذكر فإن الذكرى تنفعالمؤمنين﴾.
الحديث الأول: ((لا يحل لأمرأة أن تصوم ( وفي رواية: لا تصم المرأة ) وزوجها شاهد إلا بإذنه[غير رمضان]، ولا تأذن في بيته إلا بإذنه ))البخاري ومسلموغيرهما.
[211]
الثاني: ((إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فلم تأته، فباتغضبان عليها ، لعنتها الملائكة حتى تصبح، ( وفي رواية: أو حتى ترجع، وفي أخرى: حتىيرضى عنها ) )).
الثالث: ((والذي نفسي محمد بيده، لا تؤدي المرأة حق ربها حتىتؤدي حق زوجها، ولو سألها نفسها وهي على قتب لم تمنعه من [نفسها] ))حديث صحيح. رواهابن ماجه وغيره.
[212]
الرابع: ((لا تؤذي امرأة زوجها في الدنيا إلا قالتزوجته من الحور العين: لا تؤذيه قاتلك الله، فإنما هو عندك دخيل يوشك أن يفارقكإلينا )).
[213]
الخامس: عن حصين بن محصن قال: حدثتني عمتي قالت:
((أتيترسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض الحاجة، فقال: أي هذه! أذات بعل؟ قلت: نعم،قال: كيف أنت له؟ قالت: ما آلوه؛ إلا ما عجزت عنه، قال: [فانظري] أين أنت منه؟فإنما هو جنتك ونارك ))رواه ابن أبي شيبة، وابن سعد، والنسائي، والطبراني.
[214]
السادس: إذا صلت المرأة خمسها، وحصنت فرجها، وأطاعت بعلها، دخلت من أيأبواب الجنة شاءت )). حديث حسن أو صحيح له طرق.
وجوب خدمة المرأة لزوجها
قلت: وبعض الأحاديث المذكورة آنفاً ظاهرة الدلالة على وجوب طاعة الزوجة لزوجهاوخدمتها إياه في حدود استطاعتها، ومما لا شك فيها أن من أول ما يدخل في ذلك الخدمةفي منزله، وما يتعلق به من تربية أولاده ونحو ذلك ، وقد اختلف العلماء في هذا، فقالشيخ الإسلام ابن تيمية في ((الفتاوى )) ( 2/234- 235 ):
[215]
((وتنازعالعلماء، هل عليها أن تخدمه في مثل فراش المنزل، ومناولة الطعام والشراب، والخبزوالطحن والطعام لممالكيه وبهائمه، مثل علف دابته ونحو ذلك ؟ فمنهم من قال:
لاتجب الخدمة. وهذا القول ضعيف، كضعف قول من قال: لا تجب عليه العشرة والوطء! فإن هذاليس معاشرة له بالمعروف، بل الصاحب في السفر الذي هو نظير الإنسان وصاحبه فيالمسكن؛ إن لم يعاونه على مصلحته؛ لم يكن قد عاشره بالمعروف.
وقيل- وهو الصواب- : وجوب الخدمة، فإن الزوج سيدها في كتاب الله، وهي عانية عنده بسنة رسول الله صلىالله عليه وسلم؛ ( كما تقدم ص 270 )، وعلى العاني والعبد الخدمة، ولأن ذلك هوالمعروف.
ثم مِنْ هؤلاء من قال: تجب الخدمة اليسيرة، ومنهم من قال: تجب الخدمةبالمعروف. وهذا هو الصواب، فعليها أن تخدمه الخدمة المعروفة من مثلها
[216]
لمثله، ويتنوع ذلك بتنوع الأحوال، فخدمة البدوية ليست كخدمة القوية،وخدمة القوية ليست كخدمة الضعيفة )).
قلت: وهذا هو الحق إن شاء الله تعالى؛ أنهيجب على المرأة خدمة البيت، وهو قول مالك وأصبغ كما في ((الفتح )) ( 9/418 )، وأبيبكر بن أبي شيبة، وكذا الجوزجاني من الحنابلة كما في ((الاختيارات )) ( ص145 )،وطائفة من السلف والخلف، كما في ((الزاد )) ( 4/46 )، ولم نجد لمن قال بعدم الوجوبدليلاً صالحاً.
وقول بعضهم: ((إن عقد النكاح إنما اقتضى الاستمتاع لاالاستخدام، مردود بأن الاستمتاع حاصل للمرأة أيضاً بزوجها، فهما متساويان في هذهالناحية، ومن المعلوم أن الله تبارك وتعالى قد أوجب على الزوج شيئاً آخر لزوجته،ألا وهو نفقتها وكسوتها ومسكنها، فالعدل يقتضي أن يجب عليها مقابل ذلك شيء آخرأيضاً لزوجها، وما هو إلا خدمتها إياه، ولا سيما أنه القوّام عليها بنص القرآنالكريم كما سبق، وإذا لم تقم هي
[217]
بالخدمة فسيضطر هو إلى خدمتها فيبيتها، وهذا يجعلها هي القوامة عليه، وهو عكس للآية القرآنية كما لا يخفى، فثبت أنهلا بد لها من خدمته، وهذا هو المراد.
وأيضاً؛ فإن قيام الرجل بالخدمة يؤدي إلىأمرين متباينين تمام التباين؛ أن ينشغل الرجل بالخدمة عن السعي وراء الرزق وغير ذلكمن المصالح، وتبقى المرأة في بيتها عطلاً عن أي عمل ي عليها القيام به، ولا يخفىفساد هذا في الشريعة التي سوت بين الزوجين في الحقوق، بل وفضلت الرجل عليها درجة،ولهذا لم يُزِلِ الرسول صلى الله عليه وسلم شكوى ابنته فاطمة عليها السلام حينما:
((أتت النبي صلى الله عليه وسلم تشكو إليه ما تلقى في يدها من الرحى، وبلغهاأنه جاءه رقيق، فلم تصادفه، فذكرت لعائشة، فلما جاء، أخبرته عائشة، قال علي رضيالله عنه: فجاءنا وقد أخذنا مضاجعنا، فذهبنا نقوم، فقال: على مكانكما، فجاء، فقعدبيني وبينها حتى وجدت برد قدميه على بطني، فقال: ألا أدلكما على خير مما سألتما؟إذا أخذتما مضاجعكما، أو أويتما إلى فراشكما، فسبحا ثلاثاً وثلاثين، واحمدا ثلاثا
[218]
وثلاثين، وكبرا أربعاً وثلاثين، فهو خير لكما من خادم[قال علي: فماتركتها بعد، قيل: ولا ليلة صفين؟ قال: ولا ليلة صفين!] )).
رواه البخاري( 9/417- 418 ).
فأنت ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل لعلي: لا خدمةعليها، وإنما هي عليك، وهو صلى الله عليه وسلم لا يحابي في الحكم أحداً كما قال ابنالقيم رضي الله عنه ، ومن شاء زيادة البحث في هذه المسألة فليرجع إلى كتابه القيم ((زاد المعاد )) ( 4/45- 46 ).
هذا وليس فيما سبق من وجوب خدمة المرأة لزوجهاما ينافي استحباب مشاركة الرجل لها في ذلك ، إذا وجد الفراغ والوقت ، بل هذا من حسنالمعاشرة بين الزوجين، ولذلك قالت السيدة عائشة رضي الله عنها:
((كان صلى اللهعليه وسلم يكون في مهنة أهله، يعني خدمة أهله، فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة )).
رواه البخاري ( 2/129 و9/418 )، والترمذي ( 3/314 )، وصححه، والمخلّص من الثالثمن
[219]
السادس من ((المخلّصيات )) ( 66/1 )، وابن سعد ( 1/366 ). ورواه في ((الشمائل )) ( 2/185 ) من طريق أخرى عنها بلفظ:
((كان بشراً من البشر؛ يفليثوبه، ويحلب شاته، ويخدم نفسه )).
ورجاله رجال الصحيح، وفي بعضهم ضعف. لكن رواهأحمد وأبو بكر الشافعي بسند قوي كما حققته في ((سلسلة الأحاديث الصحيحة )) ( رقم 670 )، والله ولي التوفيق.
وهذا آخر ما وفقنا الله تبارك وتعالى لذكره من آدابالزفاف في هذه الرسالة.
و((سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت،أستغفرك وأتوب إليك )).
__________________
موقع
سماحة الوالد ابن باز رحمه الله
شوقي الى الله ابكاني
12 Jan 2013, 03:25 AM
هذا بحث شامل لكل مايتعلق بالامور الزوجيه
نسئل الله ان ينفع به كاتبه وناقله وقارئه
شوقي الى الله ابكاني
12 Jan 2013, 03:27 AM
http://up.ala7ebah.com/img/M9W48513.gif
وفيك بارك الرحمن
اسعدني مرورك
ام حفصه
12 Jan 2013, 05:28 AM
رحم الله شيخنا الالباني
بارك الله فيك وبجهودك يا اخيه لا حرمتي الاجر ----
جهد وموضوع يستحق التقيم ويارب يطلع عليه الجميع فهو مبحث رائع ----
فله المميزة
12 Jan 2013, 07:17 AM
ماشاء الله موضوع رائع ومميز الله يبارك فيك
http://up.ala7ebah.com/img/UNX97128.jpg
Powered by vBulletin® Version 4.2.2 Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved, TranZ by Almuhajir