ام حفصه
04 Jan 2013, 06:54 PM
http://up.ala7ebah.com/img/fcr71367.jpg
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حرص كثير من الناس على عدم إسناد المناصب المهمة في المجتمع إلا لمن تجاوزوا الكهولة إلى الشيخوخة؛ ليستفيدوا من حكمة الشيوخ، ولأن الشباب يغلب عليهم الطيش والتهور، إلا أن التاريخ لم يعدم نماذج من الشباب فاقوا الشيوخ في الحكمة وتقدير الأمور.
ومن هؤلاء الشباب الذين تولوا هذه المناصب الرفيعة عن جدارة: عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز,
ولعل الجو العمري الذي نشأ فيه عبد الملك يوحي إلينا أن الطاقة الشبابية إذا وجدت الجو المناسب صنعت الأعاجيب، أما الإهمال والازدراء والتهميش للشباب، فسيقتل فيهم الرجولة قبل أن تولد، وكيف توجد مع فرض الوصاية على العقول حتى يعامل ابن الأربعين معاملة الأطفال؟
http://up.ala7ebah.com/img/vYf36699.jpg
مولد عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز ونشأته :
ولد عبد الملك سنة 82هـ ومات سنة 101هـ، وهو في التاسعة عشرة من عمره، في زهرة شبابه مات صافيًا لم يعرف آثام الحياة.
وينشأ ناشئ الفتيان منا *** على ما كان عوده أبوه
فتى مكتهل كان قائدًا مع أبيه, فكان نعم العون ولمّا يتجاوز السادسة عشر من عمره؛ فقد كان –رحمه الله- ابن أم ولد لعمر بن عبد العزيز، وقد أعجب به أبوه أيما إعجاب.
فضل عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز ومكانته :
فضل عبد الملك لا ينكر، إلا أن شهرة أبيه الواسعة ألهت الباحثين عن ذكره كما يشغل المؤرخ دائمًا بذكر الملوك وإنجازاتهم مع اختصار دور الوزراء.
روى أبو نعيم في الحلية عن بعض مشيخة أهل الشام قال: "كنا نرى أن عمر بن عبد العزيز إنما أدخله في العبادة ما رأى من ابنه عبد الملك".
وقال سيار بن الحكم خادم عمر: "قال ابن لعمر بن عبد العزيز يقال له عبد الملك, وكان يفضل على أبيه: يا أبي أقم الحق ولو ساعة من نهار".
وقال عمر بن عبد العزيز : "لولا أن يكون زُيِّنَ لي من أمر عبد الملك ما يُزين في عين الوالد من ولده، لرأيت أنه أهل للخلافة". وهذا الكلام صادر من عمر، وكفى به مزكيًا، ولكن عمر يربأ بولده عن أن يكون وريثًا له في الإمارة، وإن كان لذلك أهلاً.
وروى الدورقي قال: "إن عمر قال لابنه عبد الملك يومًا: إني أخبرك خبرًا، والله ما رأيت فتى ماشيًا قط أنسك منك نسكًا، ولا أفقه فقهًا، ولا أقرأ منك، ولا أبعد من صبوة في صغر ولا كبر منك يا عبد الملك".
لأجل هذا قال ابن رجب الحنبلي في مناقب عبد الملك: "فعسى الله أن يجعل في سماع أخباره لأحد من جنسه أسوة، ولعل أحدًا كريمًا من أبناء الدنيا تأخذه بذلك حمية على نفسه ونخوة؛ ففي ذكر أمثال أخبار هذا السيد الجليل مع سنه توبيخ لمن جاوز سنه وهو بطال، ولمن كان بعيدًا عن أسباب الدنيا هو إليها ميال".
http://up.ala7ebah.com/img/vYf36699.jpg
زهد عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز وتقشفه :
إنما الزاهد من مَلَكَ فترك! فليس يعد زاهدًا من لم ينل من الدنيا إلا القليل، فتعبد في صومعة، ولو فتحت عليه الدنيا لم ندر ما يكون حاله، فهذا فقيرٌ الله أعلم بنيته, إنما الزاهد من ملك الدنيا ثم تركها ابتغاء ما عند الله، وجعلها مزرعة لآخرته، وهذا الفرق بين الزهد والفقر، وقد كان رسول الله زاهدًا لا فقيرًا؛ إذا أقبلت الدنيا لا يفرح، وإذا أدبرت لا يحزن.
والزهد في حال الشيخوخة محتمل، لكنه في الشبيبة نادر، وعلى هذا الدرب كان عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز.
فعن ميمون بن مهران قال: "دخلت على عبد الملك بن عمر فحضر طعامه، فأتى بقلية مدنية وهي عظام اللحم، ثم أتى بثريدة قد ملئت خبزًا وشحمًا، ثم أتى بزبد وتمر، فقلت: لو كلمت أمير المؤمنين يخصك منه بخاصة، فقال: إني لأرجو أن يكون أوفى حظًّا عند الله من ذلك، فقلت لنفسي: أنت لأبيك, ودخلت عليه مرة أخرى فإذا بين يديه ثلاثة أرغفة وقصعة فيها خل وزيت".
وقال ابن رجب الحنبلي في كتابه سيرة عبد الملك بن عمر: "لقد كان -رحمه الله- مع حداثة سنه مجتهدًا في العبادة، ومع قدرته على الدنيا وتمكنه منها راغبًا مؤثرًا للزهادة".
http://up.ala7ebah.com/img/vYf36699.jpg
عبادة عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز :
الشباب مظنة الاستهتار والغفلة، لذلك فإن الطاعة من الشاب أحب إلى الله تعالى من الشيخ، ومن السبعة الذين يظلهم الله تعالى في ظله يوم لا ظل إلا ظله: "وشاب نشأ في طاعة الله"، ومن هؤلاء عبد الملك بن عمر؛ فقد قال عاصم بن أبي بكر بن عبد العزيز: "وفدت إلى سليمان بن عبد الملك ومعنا عمر بن عبد العزيز، فنزلت على ابنه عبد الملك وهو عزب، فكنت معه في بيت، فصلينا العشاء وآوى كل رجل منا إلى فراشه، ثم قام عبد الملك إلى المصباح فأطفأه، ثم قام يصلي حتى ذهب بي النوم، فاستيقظت فإذا هو في هذه الآية: {أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ} [الشعراء: 205، 206]، فيبكي ثم يرجع إليها، فإذا فرغ منها فعل مثل ذلك حتى قلت سيقتله البكاء، فلما رأيت ذلك قلت: لا إله إلا الله والحمد لله كالمستيقظ من النوم؛ لأقطع عليه ذلك شفقة عليه، فلما سمعني سكت، فلم أسمع له حسًّا -رحمه الله- فانظر رحمك الله كيف حال هذا الشاب الوزير مع ربه بالليل؟
http://up.ala7ebah.com/img/vYf36699.jpg
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حرص كثير من الناس على عدم إسناد المناصب المهمة في المجتمع إلا لمن تجاوزوا الكهولة إلى الشيخوخة؛ ليستفيدوا من حكمة الشيوخ، ولأن الشباب يغلب عليهم الطيش والتهور، إلا أن التاريخ لم يعدم نماذج من الشباب فاقوا الشيوخ في الحكمة وتقدير الأمور.
ومن هؤلاء الشباب الذين تولوا هذه المناصب الرفيعة عن جدارة: عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز,
ولعل الجو العمري الذي نشأ فيه عبد الملك يوحي إلينا أن الطاقة الشبابية إذا وجدت الجو المناسب صنعت الأعاجيب، أما الإهمال والازدراء والتهميش للشباب، فسيقتل فيهم الرجولة قبل أن تولد، وكيف توجد مع فرض الوصاية على العقول حتى يعامل ابن الأربعين معاملة الأطفال؟
http://up.ala7ebah.com/img/vYf36699.jpg
مولد عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز ونشأته :
ولد عبد الملك سنة 82هـ ومات سنة 101هـ، وهو في التاسعة عشرة من عمره، في زهرة شبابه مات صافيًا لم يعرف آثام الحياة.
وينشأ ناشئ الفتيان منا *** على ما كان عوده أبوه
فتى مكتهل كان قائدًا مع أبيه, فكان نعم العون ولمّا يتجاوز السادسة عشر من عمره؛ فقد كان –رحمه الله- ابن أم ولد لعمر بن عبد العزيز، وقد أعجب به أبوه أيما إعجاب.
فضل عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز ومكانته :
فضل عبد الملك لا ينكر، إلا أن شهرة أبيه الواسعة ألهت الباحثين عن ذكره كما يشغل المؤرخ دائمًا بذكر الملوك وإنجازاتهم مع اختصار دور الوزراء.
روى أبو نعيم في الحلية عن بعض مشيخة أهل الشام قال: "كنا نرى أن عمر بن عبد العزيز إنما أدخله في العبادة ما رأى من ابنه عبد الملك".
وقال سيار بن الحكم خادم عمر: "قال ابن لعمر بن عبد العزيز يقال له عبد الملك, وكان يفضل على أبيه: يا أبي أقم الحق ولو ساعة من نهار".
وقال عمر بن عبد العزيز : "لولا أن يكون زُيِّنَ لي من أمر عبد الملك ما يُزين في عين الوالد من ولده، لرأيت أنه أهل للخلافة". وهذا الكلام صادر من عمر، وكفى به مزكيًا، ولكن عمر يربأ بولده عن أن يكون وريثًا له في الإمارة، وإن كان لذلك أهلاً.
وروى الدورقي قال: "إن عمر قال لابنه عبد الملك يومًا: إني أخبرك خبرًا، والله ما رأيت فتى ماشيًا قط أنسك منك نسكًا، ولا أفقه فقهًا، ولا أقرأ منك، ولا أبعد من صبوة في صغر ولا كبر منك يا عبد الملك".
لأجل هذا قال ابن رجب الحنبلي في مناقب عبد الملك: "فعسى الله أن يجعل في سماع أخباره لأحد من جنسه أسوة، ولعل أحدًا كريمًا من أبناء الدنيا تأخذه بذلك حمية على نفسه ونخوة؛ ففي ذكر أمثال أخبار هذا السيد الجليل مع سنه توبيخ لمن جاوز سنه وهو بطال، ولمن كان بعيدًا عن أسباب الدنيا هو إليها ميال".
http://up.ala7ebah.com/img/vYf36699.jpg
زهد عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز وتقشفه :
إنما الزاهد من مَلَكَ فترك! فليس يعد زاهدًا من لم ينل من الدنيا إلا القليل، فتعبد في صومعة، ولو فتحت عليه الدنيا لم ندر ما يكون حاله، فهذا فقيرٌ الله أعلم بنيته, إنما الزاهد من ملك الدنيا ثم تركها ابتغاء ما عند الله، وجعلها مزرعة لآخرته، وهذا الفرق بين الزهد والفقر، وقد كان رسول الله زاهدًا لا فقيرًا؛ إذا أقبلت الدنيا لا يفرح، وإذا أدبرت لا يحزن.
والزهد في حال الشيخوخة محتمل، لكنه في الشبيبة نادر، وعلى هذا الدرب كان عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز.
فعن ميمون بن مهران قال: "دخلت على عبد الملك بن عمر فحضر طعامه، فأتى بقلية مدنية وهي عظام اللحم، ثم أتى بثريدة قد ملئت خبزًا وشحمًا، ثم أتى بزبد وتمر، فقلت: لو كلمت أمير المؤمنين يخصك منه بخاصة، فقال: إني لأرجو أن يكون أوفى حظًّا عند الله من ذلك، فقلت لنفسي: أنت لأبيك, ودخلت عليه مرة أخرى فإذا بين يديه ثلاثة أرغفة وقصعة فيها خل وزيت".
وقال ابن رجب الحنبلي في كتابه سيرة عبد الملك بن عمر: "لقد كان -رحمه الله- مع حداثة سنه مجتهدًا في العبادة، ومع قدرته على الدنيا وتمكنه منها راغبًا مؤثرًا للزهادة".
http://up.ala7ebah.com/img/vYf36699.jpg
عبادة عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز :
الشباب مظنة الاستهتار والغفلة، لذلك فإن الطاعة من الشاب أحب إلى الله تعالى من الشيخ، ومن السبعة الذين يظلهم الله تعالى في ظله يوم لا ظل إلا ظله: "وشاب نشأ في طاعة الله"، ومن هؤلاء عبد الملك بن عمر؛ فقد قال عاصم بن أبي بكر بن عبد العزيز: "وفدت إلى سليمان بن عبد الملك ومعنا عمر بن عبد العزيز، فنزلت على ابنه عبد الملك وهو عزب، فكنت معه في بيت، فصلينا العشاء وآوى كل رجل منا إلى فراشه، ثم قام عبد الملك إلى المصباح فأطفأه، ثم قام يصلي حتى ذهب بي النوم، فاستيقظت فإذا هو في هذه الآية: {أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ} [الشعراء: 205، 206]، فيبكي ثم يرجع إليها، فإذا فرغ منها فعل مثل ذلك حتى قلت سيقتله البكاء، فلما رأيت ذلك قلت: لا إله إلا الله والحمد لله كالمستيقظ من النوم؛ لأقطع عليه ذلك شفقة عليه، فلما سمعني سكت، فلم أسمع له حسًّا -رحمه الله- فانظر رحمك الله كيف حال هذا الشاب الوزير مع ربه بالليل؟
http://up.ala7ebah.com/img/vYf36699.jpg