المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : غربــة الإســلام



صناع الحياة
25 Dec 2004, 10:09 PM
غربــة الإســلام


الحمد لله القائل في كتابه العزيز: { هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون}.

أحمده حمد الحامدين، وأشكره شكر الشاكرين، وأسأله جنات النعيم، والنظر إلى وجهه الكريم.

والصلاة والسلام على رسوله الكريم القائل في سنته: "بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ".

بعثه الله على حين فترة من الرسل، فهدى الله به الحيارى، وفتح به آذاناً صماً، وأعيناً عمياً، وقلوباً غلفاً، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد:

أيها الناس! إن هذه الأمة غادرها النبي- صلى الله عليه وسلم- وهي قوية عزيزة، موحدة على كلمة الله، قائمة بأمره، ولكنها اليوم قد دبَّ إليها عوامل الضعف والتردي؛ كما دبّ إلى الأمم المؤمنة قبلها، وأثرت فيها أسباب التفرق والاختلاف والتنازع؛ حتى أصبحت أهواء شتى، وأراء متباينة، وفرقاً يكفر بعضها بعضاً، ويلعن بعضها بعضاً، بل ويقتل بعضها بعضاً -إلا من عصم الله-.

لقد تكاثرت نصوص الكتاب والسنة المبينة لتناقص الخيرية في هذه الأمة، وتكاثر الشر والفتن والأهواء المضلة، حتى يغدوا الأخيار، الملتزمون بمنهج النبوة، المتمسكون بالكتاب والسنة، المجانبون لما عليه أهل البدعة، القائمون بفرائض الله وواجباته غرباء بين أهلهم وقومهم، وفي أوطانهم، وليس المراد بالغربة غربة الجسد، ولكن غربة الروح، وغربة المنهج، والسلوك.

وقد تجتمع فيه الغربتان؛ حتى يصدق عليهم قول القائل:

إني غريب غريب الروح منفرد إني غريب غريب الدار والنسب

كم ذا أحن إلى أهل إلى بلدي إلى صحابي وعهد الجد واللعب

إلى المنازل من دين ومن خلق إلى المناهل من علم ومن أدب

إلى المساجد قد هام الفؤاد بها إلى الأذان كلحن الخلد منسكب

أيها المسلمون! يقول نبيكم- عليه الصلاة والسلام-؛ كما في حديث ابن عمر – رضي الله عنه – الذي أخرجه مسلم وغيره قال: " إن الإسلام بدأ غريباً، وسيعود غريباً؛ كما بدأ. وهو يأرز – أي أنه يرجع إليها ويجتمع بعضها إلى بعض فيها – بين المسجدين كما تأرز الحية في جحرها".

وفي رواية: "فطوبى للغرباء". وفي رواية: قالوا يا رسول الله! ومن الغرباء؟ قال: " الذين يصلحون إذا فسد الناس، ولا يمارون – أي يخاصمون ويجادلون- في دين الله، ولا يكفرون أحداً من أهل التوحيد بذنب". وعند أحمد عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم ونحن عنده: "طوبى للغرباء" فقيل: من الغرباء يا رسول الله؟ قال: "أناس صالحون، في أناس سوء كثير من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم".

وفي رواية: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-:" طوبى للغرباء الذين يمسكون بكتاب الله حين يترك العمل، ويعلمون بالسنة حين تطفأ ". ومعنى هذه الغربة - والعلم عند الله – من كون المرء على حال من الاستقامة العلمية والعملية، يقلّ موافقوه فيها، ويكثر مخالفوه وشانئوه، وإذا دعا الناس إلى ما هو عليه قلّ متبعوه، وهذا ما يؤكده قوله - صلى الله عليه وسلم - حين سئل عن الغرباء: " أناس صالحون، في أناس سوء كثير، من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم".

وهذه الأوصاف من النبي - صلى الله عليه وسلم- للغرباء تدلنا على أنهم أهل غيرة، ودعوة، وإصلاح، ولم يكونوا صالحين يائسين، مستسلمين لواقعهم الفاسد؛ كما تدلنا هذه الأحاديث على بقاء المصلحين مهما اشتدت الغربة، ولو كانوا قلة ونزاعاً من القبائل.

أيها الناس! إليكم بعضاً من أقوال السلف في الغربة وأهلها، قال الأوزاعي- رحمه الله - في قوله – صلى الله عليه وسلم-: "بدأ الإسلام غريباً": أما إنه ما يذهب الإسلام، ولكن يذهب أهل السنة حتى ما يبقى في البلد منهم إلا رجل واحد.

وقال يونس بن عبيد: ليس شيء أغرب من السنة، وأغرب منها من يعرفها. وعن سفيان الثوري قال: استوصوا بأهل السنة فإنهم غرباء.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية- قدس الله سره - في قوله: " ثم يعود غريباً" يحتمل شيئين:

أحدهما: أنه في أمكنة وأزمنة يعود غريباً يينهم ثم يظهر؛ كما كان في أول الأمر ثم ظهر...

وقال ابن رجب – رحمه الله-: وهؤلاء الغرباء قسمان: أحدها:من يصلح نفسه عند فساد الناس. والثاني: من يصلح ما أفسد الناس، وهو أعلى القسمين وأفضلهما.

عباد الله! إنه لن تخلو الأرض من قائم لله بالحق حتى يأتي أمر الله، ولذلك صدر الإمام الهروي منزلة الغربة بقوله تعالى: { فلولا كان من القرون من قبلكم أولوا بقية ينهون عن الفساد إلا قليلاً ممن أنجينا منهم}. وقال ابن القيم- في شرحه لمنازل السائرين عند هذه الآية: استشهاده – أي مؤلف كتاب منازل السائرين- بهذه الآية في هذا الباب يدل على رسوخه في العلم والمعرفة، وفهم القرآن؛ فإن الغرباء في العالم هم أهل هذه الصفة المذكورة في الآية.

ولقد أكثر العلماء في كلامهم على الغربة، وأهلها، وقد أعجبني كلاماً نصه: الغربة في شدتها، وعظم أجرها أهلها ليس على رتبة واحدة، وإنما هي متفاوتة، فهناك غربة أهل الإسلام بين أهل الأديان الكافرة، وأشد منها غربة أهل السنة والإيمان بين أهل الإسلام والفرق الضالة من أهل القبلة. وأشدّ منها غربة أهل العلم بين عامة أهل السنة.

وأشدّ منها غربة العلماء المجاهدين الصابرين بين أهل العلم القاعدين. وهؤلاء هم الذين قال عنهم ابن القيم - رحمه الله-: هم أهل السنة حقاً فلا غربة عليهم، وهم الذين قال عنهم النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن من ورائكم أياماً الصبر فيهن مثل القبض على الجمر، للعامل فيهن أجر خمسين رجلاً يعملون مثل عملكم" قيل يا رسول الله! أجر خمسين منا أو منهم؟! قال: "بل أجر خمسين منكم" رواه أبو داوود والترمذي وابن ماجة.

ولقد قسم ابن القيم - رحمه الله- الغربة إلى ثلاثة أقسام: غربة أهل الإسلام، وأهل سنة رسوله بين هذا الخلق، وهذه الغربة التي مدح رسول الله صلى الله عليه وسلم أهلها...

ومن صفات هؤلاء الغرباء الذين غبطهم النبي- صلى الله عليه – وسلم

· التمسك بالسنة، إذا رغب الناس عنها. وترك ما أحدثوه، وإن كان هو المعروف عندهم. وتجريد التوحيد، وإن أنكر ذلك أكثر الناس. وترك الانتساب إلى أحد غير الله ورسوله، لا شيخ، ولا طريقة، ولا مذهب، ولا طائفة، بل هؤلاء الغرباء منتسبون إلى الله بالعبودية له وحده، وإلى رسوله بالإتباع لما جاء به وحده.

· وهؤلاء القابضون على الجمر حقا. وأكثر الناس - بل كلهم- لائم لهم. فلغربتهم بين هذا الخلق يعدونهم أهل شذوذ وبدعة، ومفارقة للسواد الأعظم..

· والنوع الثاني: غربة مذمومة، وهي غربة أهل الباطل وأهل الفجور بين أهل الحق... – فهم- أهل وحشة على كثرة مؤنسهم يعرفون في أهل الأرض ويخفون على أهل السماء.

· النوع الثالث: غربة مشتركة لا تحمد ولا تذم، وهي الغربة عن الوطن، فإن الناس في هذه الدار غرباء... وقد قال النبي- صلى الله عليه وسلم - لعبد الله بن عمر- رضي الله عنهما-: " كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل "..

وكلنا من أهل هذه الغرة التي يقول فيها ابن القيم:

وحيا على جنات عدن فإنها منازلك الأولى وفيها المخيم

ولكننا سبي العدو فهل ترى نعود إلى أوطاننا وسلم؟

وأي اغتراب فوق غربتنا التي لها أضحت الأعداء فينا تحكم

وقد زعموا أن الغريب إذا نأي وشطت به أوطانه ليس ينعم

فمن أجل ذا لا ينعم العبد ساعة من العمر إلا بعد ما يتألم.

أيها الناس! إن مظاهر الغربة في زماننا كثيرة جداً فمنها:

1. غربة في العقيدة، فلا يوجد من هو متمسك بعقيدة السلف من جميع جوانبها إلا القليل من الناس، حيث انتشرت الخرافة، والشركيات، والبدع في أكثر بلدان المسلمين.

2. غربة في تطبيق الشريعة والتحاكم إليها، فلا يحكم اليوم في أكثر بلدان المسلمين إلا بأحكام الإفرنج الكافرة.

3. غربة في الالتزام بأحكام الإسلام، سواء ما كان منها بين العبد وربه، أو بين العبد وبين الخلق، فلا يوجد الملتزم بها إلا القليل.

4. غربة في السلوك والأخلاق الفاضلة وتزامن ذلك مع انفتاح الدنيا وكثرة الشهوات.

5. غربة أهل الحق ودعاة الإسلام، وتسلط الأعداء عليهم، وإيذاؤهم لهم بأشد أنواع الأذى والنكال.

6. غربة في عقيدة الولاء والبراء.

7. غربة في أهل العلم؛ حيث قلّ أهل العلم الشرعي الصحيح، وانتشر الجهل، وكثرت الشبهات، وقلّ العاملون بالعلم والداعون إليه.

أيها الناس! إن من أشد ما يخشى على أهل الإسلام في أزمنة الغربة أربعة مظاهر من الفتن يمكن إجمالها فيما يلي:

أ?- الفتنة التي تنشأ من الوقوع في الشبهات؛ والتأثر بأهلها هم الأكثرية في عصور الغربة، مما يحصل معه السقوط في فتن الشبهات سواء ما يتعلق منها بالعقائد، أو الأعمال، أو المخالفات الشرعية الأخرى، وتسويغ ذلك بشبهة شرعية تبرر عادة في غيبة الحق وفشو الجهل.

ب?- الفتنة التي تنشأ من الوقوع في الشبهوات، والتي تعم وتنتشر عادة في عصور الغربة، وقلة أهل الحق.

ت?- فتنة اليأس والقنوط من ظهور الحق وانتصاره أمام تكالب الأعداء، وتمكنهم وتسلطهم على أهل الخير بالأذى والإبتلاء؛ مما قد يؤدي ببعض أهل الغربة إلى اليأس، وترك الدعوة حين يرى إقبال الدنيا على المبطلين، ورؤية الناس منكبين عليها، تهتف لهم الدنيا، ويصفق لهم الجماهير، وتتحطم في طريقهم العوائق، وتصاغ لهم الأمجاد، وتصفوا لهم الحياة، وهو مهمل منكر لا يحس به أحد، ولا يحامي عنه أحد، ولا يشعر بقيمة الحق الذي معه إلا القليلون من أمثاله الذين لا يملكون من أمرا لحياة شيئاً... فإذا طال الأمد، وأبطأ نصر الله، كانت الفتنة أشد وأقسى، وكان الابتلاء أشد وأعنف، ولم يثبت إلا من عصم الله.

ث?- فتنة العجلة، وقلة الصبر على الأذى في الغربة، مما يؤدي لبعض من يقاسي ضغوطها إلى التسرع والاصطدام مع أهل الفساد دون مراعاة للمصالح والمفاسد، فينشأ من جراء ذلك فتنة أشد، وفساد أكبر على أهل الغربة.

أقول ما سمعتم وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأصلي وأسلم على خير داع إلى رضوان، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، وكشف الله به الغمة، وتركنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك. أما بعد:

أيها المسلمون! لقد أنشأ الرسول - صلى الله عليه وسلم - بفضل الله وعونه، ومدده دولة من العدم، دانت لها الأقطار والأمم راضية مختارة، وأقام دعوة خالدة تالدة، جعل الله العزة والتمكين لمن اتبعها وحالفها، والذل والصغار على من أباها وخالفها. وأورث الله القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها، جعل من رعاة الشاة والغنم رعاة الشعوب والأمم، وكان من الوسائل التي رفعه الله بها هؤلاء الغرباء وجعلهم قادة للشعوب أنهم أخذوا بعوامل ووسائل دفع الغربة، وهي:

أولاً: تكوين الجماعة المسلمة، فلقد كون النبي – صلى الله عليه وسلم - جماعة إسلامية ضحت وبذلت وجاهدت في سبيل ربها، فدفعت الغربة عنها، وأصبحت ظاهرة قوية غالبة، لها كيانها، ومبادئها، وتوجهاتها، وأفكارها.

ثانياً: بناء الدولة، والدولة الإسلامية تقوم لثلاثة أهداف:

1. لرفع الفتنة ودفعها عن المؤمنين الضعفاء المضطهدين.

2. لتحيق الدينونة الكاملة لله، بتحكيم شرعه المنزل، وإخضاع العالم كله لحكم الإسلام، مع عدم الإكراه على الدين.

anaj1981
25 Dec 2004, 11:25 PM
بارك الله فيك صناع الحياة
اليوم الغريب من يقبض على دينه

كما قال صلى الله عليه وسلم في حديث له

القابض على دينه كالقابض على الجمر

والله ان الجمر هذا الزمان يهون عندما يقابل بظلم وحرمان

من ذوي السلطان واهل البغي والعدوان

ولكن ان الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون

مع تحياتي
اخوكم
احمد