المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الإعلام بمن حرم الخمر على نفسه جاهلية قبل بزوغ فجر الإسلام----



ام حفصه
11 Dec 2012, 12:25 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله المطلع على الضمائر والأسرار، الغافر لمن شاء من الصغائر والكبار، والصلاة والسلام على النبي المختار، محمد بن عبد الله، وعلى آله وصحبه، مصابيح الدجى وقوس الردى في أعين كل حاسد كفار، وبعد :

فقد عُرف العرب قديما بتقاليد وعادات متنوعة كثيرة، شكلت الأثر البالغ في تنظيم حياتهم العامة والفردية، وكانت بمثابة أسس وقواعد تتبع بحزم وشدة، ولها من التعظيم والإجلال الشيء الكثير، ثم جاء ديننا الحنيف وفي العرب الكثير من الصفات والمزايا الحميدة الحسنة، إلا أن جانب

المعتقد كان ذا سمة مظلمة حالكة، تؤثر سلبا وتهدد في تحطيم ما عندهم من أخلاق وشيم سمحة نقية، طار صيتها في الآفاق واشتهرت، وصورها العرب في شعرهم الجاهلي الفريد، وأبرزوا مكانتها في شتى مجلات الحياة عندهم، ومع كل هذا وذاك، فقد وُجدت قلة قليلة مباركة، جمعت بين مكارم

الأخلاق الحميدة، والمعتقد السليم السمح، والمتمثل آنذاك، في الحنيفية السمحة، ملة إبراهيم الخليل، عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام، وعلى الرغم من ذلك كله فإن الحاجة كانت داعية وملحة، إلى إعادة تصحيح وإصلاح الأحوال التي كان عليها الناس في الجاهلية آنذاك، إصلاحا شاملا

يطرق جميع أبواب الظلم، والحروب والطغيان، والشر والفساد المتعلق بالعصبية والخرافات والسحر، والمعتقدات الفاسدة التي نفثها الشيطان وأعوانه في العرب أثناء جاهليتهم الجهلاء، وبحلول البشارة الكريمة، بعث الله عز وجل للعالمين، خير البرية أجمعين، محمد بن عبد الله، صلى الله

عليه وآله وسلم، فجعله رسولا خاتما للرسالات والرسل وشاهدا عليهم ومبشرا ونذيرا ومتمما لما عندهم من قيم وخلال وخصال بر حميدة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :
( إنما بعثت لأتمم مكارم وفي رواية ( صالح ) الأخلاق ) السلسلة الصحيحة : 45

قال الإمام الشاطبي رحمه الله : ( واعلم أن العرب كان لها اعتناء بعلوم ذكرها الناس وكان لعقلائهم اعتناء بمكارم الأخلاق واتصاف بمحاسن شيم فصححت الشريعة منها ما هو صحيح وزادت عليه وأبطلت ما هو باطل وبينت منافع ما ينفع من ذلك ومضار ما يضر منه )
الموافقات (2/71)

وبتحريم الخمر عند أهل الجاهلية، نعطي المثال الجلي، على صدق الحديث في هذا الشأن، فقد اشتهر على كثير من العرب الأكابر وشعرائهم في الجاهلية، حبهم المفرط للخمر والمفاخرة بتعتيقها، والمغالاة في شراء أصنافها، حتى قال قائلهم :

فكأنها في صفوها خلقي (()) وكأنها في عتقها كرمي


وكان شعرائهم يقبلون على شرب الخمر، كإقبال أكثر الجاهليين على شربها، حتى يتسنى لهم نسيان همومهم والفقر، وما يعانون منه من حرمان مادي ومعنوي، ولربما باع أحدهم كل ما يملك قصد شربة خمر تنشيه، ليستوحي ويلهم أثناء سكره بما تطرب إليه نفسه المحرومة، حتى أن الأعشى

لما قدم عازما ليسلم، لقيه من لقيه في الطريق، فقيل له بأن الإسلام يحرم الخمر، فتوقف ورجع ولم يسلم، إذ شق عليه تحريمها وهو الشغوف بحبها، فكانت سببا في بقائه على الكفر والعياذ بالله .

وكانت للعرب مواسم يجتمعون لها كل عام، فيقيمون عليها ثلاثا، ينحرون الجزور ويطعمون ويسقون الخمر، وبلغ بهم الأمر من تقديسهم لها وتعظيمها، أن تحرم على النفوس حتى يدركوا ثأرهم المنشود، ومن ثَم يستحلونها ثانية، وفي ذلك يقول امرؤ القيس :


حلت لي الخمر وكنت امرأً (()) عن شربها في شغل شاغل

فاليوم أسقى غير مستحقبٍ (()) إثماً من الله ولا واغل


فكان الأمر كالنذر عندهم، لا تُشرب إلا عند الظفر بما يريدون من ثأر أو نحوه، مما يجري مجراها في ولوع النفس به والميل إليه، فإذا قتل لهم قتيلٌ، امتنعوا حتى يدركوا ثأره، أو حزبهم أمرٌ عظيم يحتاجون فيه إلى مناهضةٍ ومزاولة، قال الشنفرى يرثي خاله تأبط شراً، ويذكر إدراكه ثأره، من قصيدةٍ له :


فادركنا الثأر فيهم ولما (()) ينج من لحيان إلا الأقل

حلت الخمر وكانت حراماً (()) وبلأيٍ ما ألمت تحل


قال العلامة الأديب عبد القادر البغدادي رحمه الله :

( وافهم أنهم إنما حرموا الخمر على أنفسهم في مدة طلبهم، لأنها مشغلة لهم عن كريم الأخلاق، والإقبال على الشهرة )
خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب 6980


قلت : وكأنهم كانوا يدركون في قرارة أنفسهم، أن الخمر شاغلة لهم عن كل ما هو كريمٌ أو جديرٌ بالتعقل والحزم في طلبه، إلا أن الزمان لا يخلوا من ذوي النفوس الشريفة، تأبى الرذيلة والانحطاط الخلقي، فالخمر مذهبة للعقول، محسنة لارتكاب الفواحش واستحلال المآثم، ومن ثم حرَّم الخمر

في الجاهلية جماعة من كبراء العرب وأفاضلهم، لما نالهم من معرَّة السُّكر ودناوة وقبح مسلكه، فالخمر كانت تؤثر فيهم، وتستولي على عقولهم، فتدفعهم إلى السكر والعربدة والتطاول على بعضهم، حتى بلغت جناية كأسه أن كان سببا في زوال نعمة أو حصول نقمة، وسقوط مروءة وهلاك

نفس- حتى أن أحدهم سقى عدوه خمرا حتى أثمله فقتله- وهناك من بلغ به السكر مبلغه حتى تحرش بمحارمه تحرشاً لا يفعله إنسان سوي عاقل، وكذا تخليطهم أثناء السكر، وقيامهم بأفعال مخجلة مضحكة، جعلت منهم محط سخرية للناظرين، فلما استفاقوا من نشوتهم الزائفة وسمعوا بما

كان من فعلهم، ندموا على ما كان منهم أشد الندم ، وقرروا بعد ذلك اجتنابها وتحريمها على أنفسهم منذ ذاك اليوم، وكان أكثر من حرمها على أنفسهم الأحناف، وكان بعضهم يمدحون من يُمسك نفسه عن اللغو والمبالغة في شربها، و يحكى أن عمارة بن الوليد عاهد امرأته على ترك شرب

الخمر في الجاهلية، ولما ظنت به يوما أنه عاود شربها، قالت له : ألم تحلف ألا تشرب ؟ ولامته، فقال :

ولَسْنَا بشرْب أم عَّمرو إذا انتشوا (()) ثيابُ الندامَى بينهم كالغنائم

ولكننا يا أم عمرو نديمُنا (()) بمنزلة الرَيَّان ليس بِعَائم


وسماها بعض العرب بالشر في قولهم : لست من هذا الأمر في خل ولا خمر، أي لست منه في خير ولا في شر، وكان من عادتهم إذا كبروا ولعب بهم العمر وقلب عليهم الدهر، حرموا شرب الخمر، ونزهوا أنفسهم عن النقائص والرذائل، فهي كالعروس ومهرها عقلك، وسقى قوم في أعرابية مسكراً،

فقالت : أيشرب نساؤكم هذا الشراب ؟ قالوا : نعم، قالت : لئن كنتم صدقتم لا يدري أحدكم من أبوه، وكانت العرب في الجاهلية وصدر الإسلام يشتدون على النساء في شربها حتى ما يحفظ أنَّ امرأة شربت ولا أنَّ امرأة سكرت .

قال الإمام ابن قتيبة الدينوري رحمه الله, في كتابه الماتع، الأشربة و ذكر اختلاف الناس فيها (1/3) ما يلي : ( كان كثير من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حرموا الخمر على أنفسهم في الجاهلية لعلمهم بسوء مصرعها وكثرة جناياتها، قالت عائشة رحمة الله عليها ما شرب أبو بكر رحمة

الله عليه خمرا في جاهلية ولا إسلام، وقال عثمان - بن عفان-رحمة الله عليه -قال- ما تغنيت ولا تفتيت ولا شربت خمرا في جاهلية ولا إسلام، ولا مسست فرجي بيميني منذ بايعت بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكان عبد الرحمن بن عوف ترك شربها وقال فيها بيتا :

رأيت الخمر شاربها معنى (()) برجع القول أو فصل الخطاب



قال عز وجل : ( قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ )


قال الإمام السمرقندي رحمه الله : ( وقال بعضهم أراد بالإثم الخمر بدليل قول الشاعر: شربت الإثم حتى ضل عقلي كذاك الإثم يذهب بالعقول، وروي عن جعفر الطيار أنه كان لا يشرب الخمر في الجاهلية وكان يقول : الناس يطلبون زيادة العقل فأنا لا أنقص عقلي )
بحر العلوم (1/183)

ام حفصه
11 Dec 2012, 12:28 PM
وكان عثمان بن مظعون ممن حرم الخمر في الجاهلية على نفسه وقال : لا أشرب شرابا يذهب بعقلي ويضحك بي من هو أدنى مني وأزوج كريمتي من لا أريد، فبينما هو بالعوالي إذ أتاه آت فقال : أشعرت أن الخمر حرمت وتلا عليه الآية في سورة المائدة، فقال : ( تبا لها, لقد كان بصري فيها نافذا أو ثاقبا )


وممن حرم الخمر على نفسه في الجاهلية أيضا بعد أن كان بها مغوي، لما رأى فيها من ضرر وإسفاف يلحق بشاربها، عبد الله بن جدعان التيمي، وكان جواداً من سادات قريش وأشرافها وهو أقرى من حاسي الذهب، قال فيه أبو الصلت الثقفي :


له داع بمكة مشمعل (()) وآخر فوق دارته ينادي

إلى ردح من الشزى ملاء (()) لباب البر يلبك بالشهاد


وسمي حاسي الذهب لأنه كان يشرب في إناء من ذهب, وكانت قريش تتمثل بهذا القول لكثرة جوده وسخائه, وسبب تركه لها أنه شرب مع أمية بن أبي الصلت الثقفي، فأصبحت عين أمية مخضرة فخاف عليها الذهاب، فسأله عبد الله : ما بال عينك ؟ فقال : أنت صاحبها أصبتها البارحة، قال : وبلغ مني الشراب ما أبلغ معه من

جليسي هذا المبلغ، فأعطاه عشرة آلاف درهم وقال : الخمر علي حرام، لا أذوقها أبداً، وذكر أيضاً انه سكر فجعل يساور القمر، فلما اصبح أخبر بذلك، فحرمها

وقال :

شربت الخمر حتى قال صحبي (()) ألست عن السفاه بمستفيق

وحتى ما أوسد في مبيت (()) أنام به سوى الترب السحيق

وحتى أغلق الحانوت رهني (()) وآنست الهوان من الصديق



قال الزّبير وحدّثني عمّي مصعب عن مصعب بن عثمان قال : كان أميّة بن أبي الصَّلْت الثَّقفِيّ قد نظر في الكتب وقرأها، ولبس المسوح تعبّداً، وكان ممن ذكر إبراهيم وإسماعيل والحنيفيّة وحرّم الخمر وشكّ في الأوثان، وكان محقّقاً، والتمس الدّين وطمع في النبوّة؛ لأنه قرأ في الكتب أنّ نبيًّا يبعث من العرب، فكان يرجو أن يكونه،

قال : فلمّا بُعث النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قيل له : هذا الذي كنت تستريث وتقول فيه؛ فحسده عدوّ الله وقال : إنّما كنت أرجو أن أكونه؛ فأنزل الله فيه عزّ وجلّ : ( وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي ءَاتَيْنَاهُ ءَايَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الغاوين ) .


وحرمها على نفسه عباس بن مرداس السلمي وأرضاه، وقد قيل له في الجاهلية لم لا تشرب الخمر فإنها تزيد في جرأتك، فقال : ما أنا بآخذ جهلي بيدي فأدخله في جوفي وأصبح سيد قومي وأمسي سفيههم .


وقيل له أيضا بعد ما آمن وأسلم : قد كبرت سنك، ودق عظمك، فلو أخذت هذا النبيذ شيئا يقويك، فقال : أصبح سيد قومي وأمسي سفيههم، وآليت أن لا يدخل رأسي ما يحول بيني وبين عقلي .


وحرمها على أنفسهم جماعة في الجاهلية، وهم شيبة بن ربيعة، وعتبة بن ربيعة، وسعيد بن ربيعة بن عبد شمس، وورقة بن نوفل بن أسد، وأمية بن المغيرة والد الوليد، والحارث بن عبيد المخزومى، وعامر ابن جذيم الجمحي، ويزيد بن جعونة الليثي، وأبو واقد الحارث بن عوف الكناني، وعمرو بن عَبسة، وقسّ بن ساعدة الإيادي، وزهير بن أبي سُلمى المزني، والنابغتان الذبياني والجعدي، وقبيصة بن اياس الطائي، واياس بن قبيصة بن أبي غفر، وحاتم الطائي، و زيد بن عمرو بن نفيل

العدوي، و كان على الحنيفية ملة إبراهيم الخليل عليه السلام و أبو ذَرّ الغِفَاريّ صاحب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وغسيل الملائكة حنظلة بن أبي عامر الأنصاري، وقيس ابن زهير العبسي، والاسلوم ابن اليامي الهمذاني، وقيس بن عاصم المنقري ويقال بأنه أول من حرمها على نفسه في الجاهلية، وقد أعطى لله عهداً

ألا يشربها أبداً وهو القائل :

فوالله لا أحسو يد الدهر خمرةً (()) ولا شربةً تزري بذي اللب والفخر

فكيف أذوق الخمر والخمر لم تزل (()) بصاحبها حتى تكسع في الغدر

وصارت به الأمثال تضرب بعدما (()) يكون عميد القوم في السر والجهر

ويبدرهم في كل أمرٍ ينوبهم (()) ويعصمهم ما نابهم حادث الدهر

فيا شارب الصهباء دعها لأهلها ال (()) غواة وسلم للحسيم من الأمر


وبعض هؤلاء، كانوا من الأحناف، وبعضهم من السادة الأشراف، الذين لم يتذوقوها، أو أنهم تعاطوها ثم رأوا من ضرَرها وفعلها الوخيم، فتركوها وحرموها على أنفسهم، ويظهر أن بعضهم قد حرمها على نفسه وعلى آله أيضاً، كالوليد بن المغيرة فقد ضرب فيها ابنه هشاماً على شربها، ولعلّ منهم من حد فيها، وهو الجزاء الذي

قرره الإسلام على شاربي الخمر.

وذكر جمهرة من أهل الأخبار أن أول من حرمها على نفسه وامتنع منها في الجاهلية، الوليد بن المغيرة، وهو أحدِ زعماء قريش الكبار، وكان من أكبر أثرياء قريش ورؤسائها، ويُقال له : (العَدْل) هذا لأنه كان عَدْلَ قريشٍ كلّها، إذ كانت قريش تكسو البيتَ، والوليد يكسوه وحدَه، وكان ممن حرَّم الخمرَ في الجاهلية، فأقرها رسول

الله صلى الله عليه وآله وسلم، في الإسلام وأول من خلع نعليه لدخول الكعبة في الجاهلية، فخلع الناس نعالهم في الإسلام، وأول من حكم بالقسامة في الجاهلية فأقرها الإسلام، وأول من قطع في السرقة في الجاهلية، فأقرّها الإسلام، وكانت قريش تقول : لا وثوبي الوليد الخلق منهما والجديد، وكانوا عملوا له تاجاً ليتوجوه به، فجاء الإسلام فانتقض أمره وكان من قبل يسمى ريحانة قريش .

و ذكر أبو علي القالي في كتابه الأمالي وهو أحد أركان الأدب العربي الأربعة الأولى "مطلب من حرّم الخمر على نفسه في الجاهلية تكرماً وصيانة لنفسه" ( بتصرف يسير)

حدّثنا أبو بكر بن دريد قال أخبرنا السكن بن سعيد عن محمد بن عباد والعباس بن هشام قالا : حرّم رجالٌ الخمر في الجاهلية تكرّماً وصيانة لأنفسهم، منهم عامر بن الظّرب العدواني، - قال الزمخشري في ربيع الأبرار بأنه أول من حرمها على نفسه في الجاهلية- وقال في ذلك :



سآّلة للفتى ما ليس في يده (()) ذهّابة بعقول القوم والمال

أقسمت بالله أسقيها وأشربها (()) حتّى يفرّق ترب القبر أوصالي

مورثة القوم أضغاناً بلا إجن (()) مزرية بالفتى ذي النّجدة الحالي



وحرَّم صفوان بن أمية بن محرث الكناني، الخمر في الجاهلية، وقال :


رأيت الخمر صالحةً وفيها (()) مناقب تفسد الرجل الكريما

فلا والله أشربَها حياتي (()) ولا أشفي بها أبداً سقيما

إذا دبَّتْ حمَّياها تبدَّت (()) ظوالِعُ تفضحُ الرجلَ الحليما

ولا أُعطي بها ثمناً حياتي (()) ولا أدعو لها أبداً نديما




قال الإمام أبو فرج الأصبهاني رحمه الله : ( أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال أخبرني أبو حاتم قال أخبرنا أبو عبيدة قال: كان النابغة الجعدي ممن فكر في الجاهلية وأنكر الخمر والسكر وما يفعل بالعقل، وهجر الأزلام والأوثان، وقال في الجاهلية كلمته التي أولها :



الحمد لله لا شريك له(()) من لم يقلها فنفسه ظلما



وكان يذكر دين إبراهيم والحنيفية، ويصوم ويستغفر، ويتوقى أشياء لعواقبها ) الأغاني لأبي الفرج الأصبهاني 3031


و قال رحمه الله أيضا : ( أخبرني علي بن سليمان الأخفش، قال حدثنا أبو سعيد السكري، قال أخبرني أبو عبد الرحمن الغلابي عن الواقدي عن ابن أبي الزناد قال : ما مات أحد من كبراء قريش في الجاهلية إلا ترك الخمر استحياء مما فيها من الدنس )

الأغاني لأبي الفرج الأصبهاني 5460

ام حفصه
11 Dec 2012, 12:31 PM
وحرّمها على نفسه عفيف بن معد يكرب الكندي، عمّ الأشعث بن قيس وقال في ذلك :



وقائلة هلّم إلي التصابي (()) فقلت عففت عما تعلمينا

وودّعت القداح وقد أراني (()) بها في الّهر مشغوفاً رهينا

وحرّمت الخمور عليّ حتّى (()) أكون بقعر ملحود دفينا



وحرّمها على نفسه في الجاهلية بشير الثقفي، وكان نذر في الجاهلية ألا يأكل الجزور ولا يشرب الخمر .
وحرّمها سويد بن عديّ بن عمرو بن سلسلة الطائي ثم المعنيّ وأدرك الإسلام فقال :


تركت الشّعر واستبدلت منه إذا (()) داعي منادي الصّبح قاما

كتاب الله ليس له شريك (()) وودّعت المدامة والنّدامى

وحرّمت الخمور وقد أراني بها (()) سدكاً وإن كانت حراما


وشرب مِقْيَس بن صُبابة السَّهمي الخمرَ في الجاهلية فسكر سكراً شديداً قبيحاً حتى مر ينادي قومه ويخطّ ببوله ويقول : أصنع لكم نعامةً أو بعيراً، فلما صحا، خُبِّر بما صنع فحرَّمها على نفسه، وقال :



تركت الرَّاح إذا أبصرت رُشدي (()) فلست بعائد أبداً لراح

أأشرب شربةً تزري بعِرضي (()) وأصبح ضحكةً لذوي الصَّلاح

معاذ الله لا يُودى بعقلي (()) ولا أشري الخسارة بالرَّباح

سأترك شربَها وأكفُّ نفسي (()) وألهيها بألبانِ اللقاح




وقال هشام بن الكلبي : هو مقيس بن صبابة بن حزن بن يسار, أسلم ثم ارتد فأهدر النبي صلى الله عليه وآله وسلم دمه فقتله نميلة بن عبد الله رجل من قومه يوم فتح مكة, وهو القائل :


رأيت الخمر طيبة وفيها (()) خصال كلها دنس ذميم

فلا والله أشربها حياتي (()) طوال الدهر ما طلع النجوم

ساتركها وأترك ما سواها (()) من اللذات ما أرسى يسوم



وجاء عن قصي بن كلاب أنه قال لبنيه : اجتنبوا الخمر، فإنها تصلح الأبدان، وتفسد الأذهان .

وأسد بن كرز وكان يدعى في الجاهلية رب بجيلة، وكان ممن حرم الخمر في جاهليته تنزها عنها .


وذكر العلامة محمد البكري الأندلسي في شرحه على أمالي القالي ما نصه :

من حرّم الخمر في الجاهليّة فذكر منهم عامر بن الظرب العدواني، وهو أحد حكّام قيس في الجاهليّة, والثاني غيلان بن سلمة الثقفي, وحكّام قريش ثلاثة : - المطلب-

وعبد المطّلب، وأبو طالب، والعاصي بن وائل, وحكّام تميم أربعة : أكثم بن صيفيّ وحاجب بن زرارة، والأقرع بن حابس، وضمرة بن ضمرة إلاّ إن ضمرة حكم فأخذ

رشوة فغدر، ولبني أسد حاكم واحد ربيعة بن حذار أحد بني سعد بن ثعلبة بن دودان بن أسد، وذكر فيهم قيس بن عاصم وهو شاعر فارس جاهليّ إسلاميّ، وهو

أحد علماء العرب وسادتهم، وهو قيس بن عاصم بن سنان بن خالد بن منقر من بني سعد بن زيد مناة بن تميم يكنى أبا علي، وفد على رسول الله صلى الله عليه وآله

وسلم بعد الفتح وأسلم وحسن إسلامه وروى عنه أحاديث - اهـ

وقد استعمله النبي صلى الله عليه وآله وسلم على صدقات قومه من بني تميم وسماه النبي صلى الله عليه وآله وسلم بسيد أهل الوبر-
ونذكر هنا عبيد بن الأبرص الأسدي وهو أحد شعراء الجاهلية ومن حكمائها البارزين وكانت له مناظرات ومواقف مع امرؤ القيس، ولما أحكم النعمان بن المنذر

قبضته عليه وأراد قتله، قال مقولته الشهيرة البليغة :


هي الخمرُ يكْنونَها بالطِّلا (()) كما الذئبُ يُكنى أبا جعْدَهْ


و هذا مما يستدل به على أن الخمر حرمت في الجاهلية عند الكثير من العرب الأشراف, قال ابن منظور في اللسان : ( العرب يسَمِّي الخَمْرَ الطِّلاء؛ يريدُون بذلك تحسين اسْمِها إِلا أَنها الطِّلاءُ بعَيْنها ) وفي معنى قول عبيد الأبرص جاء أيضا في اللسان : ( أي تظهر لي الإِكْرامَ وأَنتَ تُرِيدُ قَتْلي، كما أَنَّ الذئبَ وإِن كانت كُنْيَتُه حَسَنَةً

فإِنَّ عملَه ليس بحَسَنٍ، وكذلك الخمرُ وإِن سميت طِلاءً وحسُنَ اسمُها فإِن عَمَلَها قبيح ) وهذا تعبير بليغ جدا، فهي المصائب العظام بعجرها وبجرها وهي كما قيل : الخمر مصباح السرور, ولكنها مفتاح الشرور، وحرمها في الجاهلية على نفسه أيضا علقمةُ بن نضلة الثقفي فقال :


لعمركَ إنَّ الخمرَ ما دمتُ شارباً (()) لمُذهبةٌ مالي ومُنسيةٌ حِلمي

وجاعلتي بينَ الضِّعافِ قُواهُمُ (()) ومورثتي حربَ الصديقِ بلا جُرمِ


جاء هذا السَّرْدُ بيانا شافيا، وتنبيها كافيا لغط الكثيرين، ممن أسرفوا وظنوا في عموم أهل الجاهلية أمورا كان الكثير منهم ينكرها أشد الإنكار، يحذر قومه وأهله من مقارفتها أيما تحذير، حتى أن بعضهم دون وعي رشيد أو فكر سديد، ألحقوا بصحابة نبينا صلى الله عليه وآله وسلم أفعالا كانوا ينفرون منها قبل الإسلام وبعده، مع

العلم الأكيد بأن أكثرهم كانوا ذا طبائع نقية وصفات حميدة زكية، نافرين من كل ما هو دنيء مشين، مذهب للعقول، مخل بالمروءة وكرامة الإنسان السوي، ونخوة العروبة والفروسية الحقة آنذاك، وهذا ما تيسر جمعه وضمه، سائلين العلي القدير الستر والغفران، وتمام النفع للحيران، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .


أهم المراجع :

1) السلسلة الصحيحة -للإمام الألباني
2) الموافقات – للإمام الشاطبي
3) خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب – للعلامة البغدادي
4) الأشربة و ذكر اختلاف الناس فيها -للإمام ابن قتيبة الدينوري
5) بحر العلوم - للإمام السمرقندي
6) الأغاني - للإمام أبو فرج الأصبهاني
7) الأمالي- للعلامة أبو علي القالي
8) اللآلي في شرح أمالي القالي - للعلامة محمد البكري الأندلسي
9) لسان العرب – لابن منظور
10) المحاسن والمساوئ – لإبراهيم البيهقي
11) قطب السرور في أوصاف الخمور – للرقيق القيرواني
12) مرآة الجنان وعبرة اليقظان – لليافعي
13) أزهار الرياض في أخبار القاضي عياض – للمقري التلمساني
14) المستطرف في كل فن مستظرف - للأبشيهي
15) نهاية الأرب في فنون الأدب – للنويري
16) ربيع الأبرار ونصوص الأخبار – للزمخشري
17) معجم الشعراء – للمرزباني
18) رسالة الصاهل والشاحج - للمعري
19) المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام – للدكتور جواد علي
20) أيام العرب في الجاهلية - محمد أبو الفضل إبراهيم
21) أيام العرب قبل الإسلام - أبو عبيدة بن المثنى التميمي

مما راق لي -----

رونق الامل
12 Dec 2012, 12:54 AM
بارك الله فيكم

رياض أبو عادل
12 Dec 2012, 04:33 PM
http://ts3.mm.bing.net/th?id=H.4925546596205678&pid=15.1&H=160&W=160

شوقي الى الله ابكاني
13 Dec 2012, 07:27 AM
بارك الله فيك ونفع بك