ام حفصه
03 Dec 2012, 09:22 AM
إنكار المنكر لا بد منه فلا يسقط عن مسلم
قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان» وفي رواية «وليس وراء ذلك من
الإيمان حبة خردل»، فهذا الحديث فيه:
أولاً: وجوب إنكار المنكر على كل مسلم.
ثانياً: أن القيام بالإنكار يكون بحسب الاستطاعة؛ لأن لفظ: «فمن لم يستطع»، يفيد بأن القيام بالإنكار بحسب القدرة كما قال الله تعالى: (لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا)، فلا يسع
المسلم أن يترك الإنكار وهو يستطيعه؛ لأن من لا ينكر المنكر بالفعل وهو يستطيع فإنه يأثم ويهلك مع الهالكين عند نزول العقوبة، قال تعالى: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي
إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ. كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ).
ثالثاً: أن الاستطاعة لإنكار المنكر تتفاوت، فمن كان يستطيع الإنكار باليد، وذلك بإزالة المنكر، وجب عليه ذلك، وهذا من اختصاص ولي الأمر أو مَنْ يُنيبه. ومن لم يستطع
الإنكار باليد ممن ليس له سلطة ولا نيابة عن السلطة فإنه ينكر باللسان، وذلك بالنهي عنه والوعظ والتذكير وإبلاغ السلطة عنه لتزيله. ومن لم يستطع الإنكار باللسان إما لعدم
القدرة على البيان لقلة علمه، أو لأنه ممنوع من البيان من قِبل الولاة الظلمة، فإنه يُنكر المنكر بقلبه، وذلك بكراهة المنكر وأهله، والابتعاد عن مكانه ومخالطة أهله؛ فلا يجوز
له الجلوس معهم ومصاحبتهم؛ لئلا يكون مثل بني إسرائيل ينهون صاحب المنكر في أول الأمر فإذا لم يتركه جالسوه، وأكلوا معه وشاربوه، فلما رأى الله ذلك منهم لعنهم على
ألسنة أنبيائهم.
وقد حذرنا نبينا صلى الله عليه وسلم من أن نفعل مثل فعلهم، فلا يقل أحدنا نصحت ولم يُقبل مني ثم يجلس مع العصاة وأصحاب المنكرات، قال الله تعالى: (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ
يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ).
إذا تبيَّن هذا فلا وجه لقول من قال: إن الإنكار لا يكون إلا لمن كان له سلطة، ويمنع من الإنكار بالبيان والتذكير والموعظة وإبلاغ المسؤولين عن مواقع المنكر، أو من يقول
الإنكار باللسان تطوع، ويسمي القائمين به بالمتطوعين، وهذا غلط؛ لأن القيام به واجب وليس تطوعاً، ولا يجوز منع القائمين به في الأسواق والمهرجانات وسائر أماكن
التجمُّع؛ فهذا القائل يُسقط مرتبة عظيمة من مراتب إنكار المنكر، نصَّ عليها الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهي «الإنكار باللسان»؛ فإنها لا تسقط إلا عما لا يقدر عليها،
ويكون منكِراً بقلبه، ولا بد؛ لأنه لا يُمنع من الإنكار بقلبه أبداً.
ونحن في بلادنا - والحمد لله - لم نبلغ إلى المنع من الإنكار باللسان، وولاة أمرنا - حفظهم الله - يشجِّعون على ذلك ويتقبلونه إذا كان كما أمر الله بالحكمة والموعظة الحسنة
والجدال بالتي هي أحسن. ووجود جهاز الحسبة في بلادنا ورعاية الدولة له وسام شرف لنا، وصمام أمان في المجتمع. أدام الله ذلك، ووفَّق ولاة أمرنا للمحافظة عليه وتعزيزه
وتقويته؛ فهذه الدولة المباركة ما زالت تراعي هذا الجانب، وتوليه العناية التامة في جميع أدوارها منذ قامت على يد الإمامين: الشيخ محمد بن عبدالوهاب والإمام محمد بن
سعود - رحمهما الله وبارك في عقبهما - تحقيقاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم «لا تزال طائفة من أمتي على الحق، لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله
تبارك وتعالى».
هذا، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه.
كتبه
صالح بن فوزان الفوزان
عضو هيئة كبار العلماء
قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان» وفي رواية «وليس وراء ذلك من
الإيمان حبة خردل»، فهذا الحديث فيه:
أولاً: وجوب إنكار المنكر على كل مسلم.
ثانياً: أن القيام بالإنكار يكون بحسب الاستطاعة؛ لأن لفظ: «فمن لم يستطع»، يفيد بأن القيام بالإنكار بحسب القدرة كما قال الله تعالى: (لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا)، فلا يسع
المسلم أن يترك الإنكار وهو يستطيعه؛ لأن من لا ينكر المنكر بالفعل وهو يستطيع فإنه يأثم ويهلك مع الهالكين عند نزول العقوبة، قال تعالى: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي
إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ. كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ).
ثالثاً: أن الاستطاعة لإنكار المنكر تتفاوت، فمن كان يستطيع الإنكار باليد، وذلك بإزالة المنكر، وجب عليه ذلك، وهذا من اختصاص ولي الأمر أو مَنْ يُنيبه. ومن لم يستطع
الإنكار باليد ممن ليس له سلطة ولا نيابة عن السلطة فإنه ينكر باللسان، وذلك بالنهي عنه والوعظ والتذكير وإبلاغ السلطة عنه لتزيله. ومن لم يستطع الإنكار باللسان إما لعدم
القدرة على البيان لقلة علمه، أو لأنه ممنوع من البيان من قِبل الولاة الظلمة، فإنه يُنكر المنكر بقلبه، وذلك بكراهة المنكر وأهله، والابتعاد عن مكانه ومخالطة أهله؛ فلا يجوز
له الجلوس معهم ومصاحبتهم؛ لئلا يكون مثل بني إسرائيل ينهون صاحب المنكر في أول الأمر فإذا لم يتركه جالسوه، وأكلوا معه وشاربوه، فلما رأى الله ذلك منهم لعنهم على
ألسنة أنبيائهم.
وقد حذرنا نبينا صلى الله عليه وسلم من أن نفعل مثل فعلهم، فلا يقل أحدنا نصحت ولم يُقبل مني ثم يجلس مع العصاة وأصحاب المنكرات، قال الله تعالى: (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ
يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ).
إذا تبيَّن هذا فلا وجه لقول من قال: إن الإنكار لا يكون إلا لمن كان له سلطة، ويمنع من الإنكار بالبيان والتذكير والموعظة وإبلاغ المسؤولين عن مواقع المنكر، أو من يقول
الإنكار باللسان تطوع، ويسمي القائمين به بالمتطوعين، وهذا غلط؛ لأن القيام به واجب وليس تطوعاً، ولا يجوز منع القائمين به في الأسواق والمهرجانات وسائر أماكن
التجمُّع؛ فهذا القائل يُسقط مرتبة عظيمة من مراتب إنكار المنكر، نصَّ عليها الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهي «الإنكار باللسان»؛ فإنها لا تسقط إلا عما لا يقدر عليها،
ويكون منكِراً بقلبه، ولا بد؛ لأنه لا يُمنع من الإنكار بقلبه أبداً.
ونحن في بلادنا - والحمد لله - لم نبلغ إلى المنع من الإنكار باللسان، وولاة أمرنا - حفظهم الله - يشجِّعون على ذلك ويتقبلونه إذا كان كما أمر الله بالحكمة والموعظة الحسنة
والجدال بالتي هي أحسن. ووجود جهاز الحسبة في بلادنا ورعاية الدولة له وسام شرف لنا، وصمام أمان في المجتمع. أدام الله ذلك، ووفَّق ولاة أمرنا للمحافظة عليه وتعزيزه
وتقويته؛ فهذه الدولة المباركة ما زالت تراعي هذا الجانب، وتوليه العناية التامة في جميع أدوارها منذ قامت على يد الإمامين: الشيخ محمد بن عبدالوهاب والإمام محمد بن
سعود - رحمهما الله وبارك في عقبهما - تحقيقاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم «لا تزال طائفة من أمتي على الحق، لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله
تبارك وتعالى».
هذا، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه.
كتبه
صالح بن فوزان الفوزان
عضو هيئة كبار العلماء