ام حفصه
17 Nov 2012, 05:56 PM
http://lojainiat.com/thumb.php?src=/uploads/54ص.jpg&h=407&w=330&q=99
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه .. أما بعد : فإن بين يدي كل حراك شعبي وتغيير سياسي مزدحمات آراء وجدلا ينشأ عادة بين
أصحاب الرأي الواحد والراية الواحدة ، فضلا عن غيرهم .. هذا الجدل منشئوه اختلاف الأفهام والطباع ، وتفاوت القدرة في مسافة الرؤية وزاويتها ، وتباين القدرات في تقدير
المخاطر ؛ كما وكيفا ، وعدم امتلاك سابقة في معايشة الحال المتوقعة ممارسة أو استقراء.
وهذا المعترك يُنتِج لا محالة اختلافًا واختلالا ، يَلِد بلا ريب تضعضعًا وضعفًا ، يسمح طواعية أو كرهًا بتسلل الفرص من بين الأصابع ، ويطلق لسان الشامت والحاسد ، ويوهي
الكيان ويشتت الشمل المجتمع ، حتى لكأنما أصابته عين ، أو اجتاحته من السماء آفة ..
والأدهى أن من يعيش هذه الحالة هو – عادة - آخر من يشعر بها ؛ لأنه منشغل عن التقدم بالتقهقر ، وعن المنافسة بالمعافسة .. هذا مشاهد في عامة البلدان التي تمكنت من
اجتياح الطغاة وضرب أروع الأمثال بالتضحيات ، وبعد وضع الحرب أوزارها تبدّدت الجموع في أودية العافية ، واختصموا بالكلام اختصامهم بالسلاح ، يتطلّبون من الجموع مالا
تملك ، ومن رفقاء الدرب مالا يناسب ، فإن وافقوهم فقد تحملوا شططًا ، وإن خالفوهم أوسعوهم من الأوصاف رهقًا.. وربما انجلى غبار الحرب عن نصر ظاهر وهزائم باطنة ..
وليست هذه الحال ضربة لازب في كل ثورة أو تجمع ، ولكن الشيطان ينسج فساد ذات البين فور شعوره بهزيمة أوليائه من الطواغيت ، يقول في نفسه : أنا بين هذين أتقلب
بين إحدى الحسنيين ؛ إما الاستبداد أو فساد ذات البين .. لعنه الله وأخزى طلعته .
وتوقيًا من هذا الهاجس المخوف ، وإعذارًا إلى الله قبل فوات الأوان تجرأت في رقم هذه الأحرف والجُمل ، وهي وصايا عامة في بيان مسيس الحاجة إلى اجتماع الكلمة وأنها
مصلحة عليا ، وأنها ضرورة في الحرب ، ومقدمة لابد منها في مرحلة بناء الدولة ما بعد سقوط النظام .. أرت التنبيه إليها ، تحفيزًا لإخواني المرابطين في الشام على اختلاف
مواقعكم وسابقتكم ، وتذكيرًا لكم ، وأداءً لبعض حقكم علينا ، غير مُعلّم لكم ، فأنتم أهل فطنة ، ولكن الرأي لأهل الرأي قوة ، والذكرى لأهل الإيمان منفعة .
وقد لخصتها في وصايا جامعة ، ومقترحات عملية ، لم آلُ فيها نصحًا ، فإن أصبت فذاك سداد من الله ، وإن كانت الأخرى فحسبي علم الله بسلامة القصد وهو العفو الغفور .
وكنتُ واضحًا إلى حد التنصيص في بعضها ؛ لأن الأمر يتطلب ذلك ، على حد قول الأول :
فقسا ليزدجروا ومن يكُ حازما فليقْسُ أحيانا على من يرحم
وأجملتُ في أخرى ؛ لأن اللبيب بالإشارة يفهم . ومن الله أستمد العون ، وأسأله سبحانه أن تقع من إخواني موقعًا حسنًا ..
- تقوى الله وصية يُتواصى بها وينتهَى إليها فتحجز النفوس عن أهوائها ، وتخرجها من دائرة التنافس على السلطة لذاتها .. فلا تذهبوا بعيدًا عنها فإن الشيطان يستقوي
بالذنوب.
- تحكيم العقلاء من كل تجمع سيعين في الوصول إلى أفضل نتائج ممكنة ، وتحكيم العقل في الحوار سيعين في تقديم المصالح العامة والمشتركة ، ويهيئ لجمع الكلمة . وقد
يكون الأنسب للحوار ليس هو الرئيس المطاع في الحرب ، فلكل مقام مقال .. ولا يضير القائد والمطاع أن يأخذ بمشورة غيره ، وأن ينزل على رأيه .. بل ذلك من تمام عقله
ونصحه .
- الاندماج أو التحالف يستلزم تنازلات إدارية وتنظيمية من كل طرف ، لكنه سيرفع من كفاءة الجميع ، ويمنحهم مكانة أفضل أمام الآخرين ، قبل وبعد سقوط النظام .. فما يفوت بسبب الاندماج مثلا سنجني أضعافه بالاندماج ذاته .
- كل كتيبة أو لواء أو تجمع يمثل قوة على الأرض من ذوي المنهج المَرْضِيّ في فكره وسلوكه لهم حقوق متساوية مع إخوانهم، فلا مكان لمزايدةٍ أو شروط مسبقة غير
موضوعية من طرف على آخر، وما تفرزه الشورى والانتخاب فهو المصلحة ، وإن ظن البعض بادي الرأي غير ذلك .. ومن نكص عن الشورى وتردد في التسليم لرأي الأغلبية من إخوانه فهو مستبد وإن لعن الاستبداد .
- النظام النصيري الطائفي يتهاوى من داخله وإن بدا متماسكًا ، فيجب رص الصفوف واعتبار هذا التكتل المنشود – في جانبه الأهم – تهيئة لما بعد سقوط النظام ، وذلك يحتاج إلى وعي وفقه للمرحلة ، بعيدًا عن المحاصصة الضيقة ، ووهم العيش بأجواء الحرب وتدفق الدعم ، وبناء الحسابات عليها؛ لأن للسلم فرسانًا وأحزابًا ومنطقًا قد لا تتوفر الآن بما يكفي لأيٍ من الفرقاء المقاتلين .. فيجب تكوين هذه البيئة والقبول بمتطلباتها.
- الأطراف الخارجية يجب أن ينحصر دورها في مساعدة الآخرين على الاجتماع ، وتذليل العقبات ، واستخدام علاقاتها في هذا الاتجاه فقط ، وليس التفاوض نيابة عن طرف بعينه.
- إن الوقوف عند الأسماء[أسماء الكتائب] أو الأشخاص[أشخاص القادة والمتنفذين] أو المسئوليات ، والتترّسَ بأي منها ؛ سواء كان برفض ما يخالفها ، أو المطالبة ببقائها والدفاع عنها .. إن هذا مؤشر ضعف في العقل أو السياسة ، أو شخصنةٌ للكيانات [هيمنة أشخاص على قراراتها] أو تذرعٌ لتبرير عدم الاتفاق .. فينبغي اعتبار ذلك خللا في الجهة التي يصدر منها ذلك ، أو ممن يمثلها في الحوار ، يجب إصلاحه بكل وسيلة ممكنة .
- ينبغي أن ينبثق من التكتل الجديد – إن تم تأسيسه ، والذي يتعين تاسيسه – جبهة سياسية ناضجة ، ذات خطاب وحدوي جامع رشيد ، يرفض العنف والإقصاء ، ويؤمن بتداول السلطة ، والشراكة المجتمعية على أساس المواطنة والحقوق المتكافئة ، ويتعامل بذكاء مع المجتمع الدولي[وهو شر لابد منه] وسيكون ناجحًا إذا صُنِّف هذا التكتل الجديد على أنه : تكتل وطني ، يضم أطياف المجتمع السوري عرقيا ودينيا وجهويا ، مع المحافظة على طابعه العروبي الإسلامي.
- سوريا بعد سقوط النظام تحتاج لأضخم حملة إعمار بعد الحرب الكونية الثانية .. والمجتمع الدولي له مطالب يريد رؤيتها في أي كيان جديد يحكم سوريا ، والإسلاميون الذين انتصروا في الثورة لهم تطلعات واستحقاقات يريدون تحقيقها .. والشعب المشرد المظلوم له حاجات وأولويات .. وعلى الكيان السياسي الجديد أن يتأهل في خطابه ، وفي نظامه ومشروعه السياسي لتحقيق قدْرٍ مرضٍ ومتوازن في هذه المسارات .. والفشل سيكون حليف أي تيار يتجاهل هذه الموازنات ..
- لن يقبل عموم الشعب السوري بعد الحرب بكيان يأخذ الناس بالعزائم ويضطرهم لمعاداة الآخر، ولو بحجة الولاء للإسلام أو معاداة الغرب .. الشعوب عادة تريد [العيش والسلام ] وهذان لن يتحققا على يد حزب أو تجمع نخبوي الخطاب أو حَدّي اللهجة والفرز .. لأن أعداءه سيكثرون ، وسيخسر الشارع الذي سيهيمن عليه عداوة النظام السابق ورموزه وحلفائه فقط . وعليه فيتعين على الكيان الجديد – من باب السياسة الشرعية واعتبارًا بالتجارب الواقعية – أن يكون بعيد النظر واسع الأفق ، يعتبر بضعفاء المجتمع وهم الأكثرية ،فيصمم برنامجه على أساس استيعابهم في كيانه ، وكسب ولائهم ؛ بخدمتهم والترفق معهم، وغض الطرف عما فيهم من ضعف في التدين وجهل لبدهياته .. فتلك حال ورثوها ؛ ومن رفق بهم منحه الله قلوبهم فأصلح دينهم ودنياهم في ثاني الحال ..ومن اشتد عليهم لم يأبهوا به فخسر تضحياته ونُبِذ من قلوبهم ، فتحول مشروعه إلى أكاديمية كلامية وليس إلى دولة وممارسة .. فلا يصح تجاهلهم بحال أو الاستهانة بمطالبهم ..
- الكيان السياسي الوليد يجب أن ينبثق منه لجان تخصصية ، تُعد ملفات الوطن بعد سقوط النظام ، يَسنُدها مركز دراسات ، ومكتب علاقات عامة نشط ، يلتقي – قدر الإمكان - كل الجهات والأشخاص ذوي التأثير، بغض النظر عن الموقف منهم ، ويشارك في كل المناسبات السياسية والاقتصادية والإدارية وغيرها مما له علاقة بالثورة السورية، وينشر رؤيته ويحشد لها. كما على هذا الكيان السياسي الوليد أن يفترض أسئلة أعدائه ؛ السياسية والدينية والحقوقية ، وغيرها ، وأن يجيب عنها أجوبة صحيحة مقنعة لعقلاء الشارع ، قبل أن تكون ثغرات في بنيانه السياسي .
- استقطاب العناصر المؤثرة وذات المكانة من السياسيين والقضاة والحقوقيين والعسكريين - من ذوي السمعة الحسنة أو المستورين - يجب أن يكون أحد أولويات العمل السياسي للكيان الجديد ، لأن الأشخاص النافذين ممن تركوا النظام سيكون لهم شأن بعده ؛ إما بذواتهم أو بثقلهم العشائري والمناطقي .. ومن ضعف السياسة ومن الخطأ في قراءة المشهد تجاهلهم وتركهم يبحثون عن ملاذات أُخر .. إن استيعابهم داخل الكيان القوي بطريقة مدروسة يضيف للكيان قوة وشعبية ، ويكف عنه شرّهم ، ولن يكون لهم تأثير سلبي ؛ لأنهم يأتون فرادى يبحثون عن مكانةٍ ما، فإذا وجدوها تحولوا إلى قوةٍ إضافية .. ولنعتبر بهدي النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح ؛ أين وضع أبا سفيان ، وماذا قال عن ابن خطل .. وأحذر من المبالغة في التخوّف أو التوسع في التخوين .. فحامل هذه الهواجس قد لا يكون خليقًا بقيادةِ المجتمع المختلط .
- من الضروري عقد لقاءات لبعض أهل العلم والفكر مع الميدانيين المؤثرين على أغلبية الشباب المرابطين ومدارسة بعض المفاهيم الشرعية بهدف تطوير التعاطي مع السياسة الشرعية ، وبيان المواقف المختلفة لجموع الشباب المرابطين ، وإيقافهم على المصالح والمفاسد المترتبة على كل موقف ، وشرح مآلات ذلك على جهادهم وتطلعاتهم ، وأن تعاطي سياسة الحرب لتمر بأقل خسائر ، والمرونة في الأسماء وعدم المجاهرة بالتطلعات ؛ بهدف تخفيف العداوات وكسب قلوب العامة ، وقطع حجج الخصوم ، وكف ألسنة المغرضين إعلاميّاً ، والبعد عن تهم التطرف والإرهاب ، ومزاعم معاداة الدولة المدنية ؛ أعني دولة الحقوق والمؤسسات ، وليس الدولة اللادينية ، وغير ذلك من المكاسب .. والتذكير بأن ذلك سيصب في خانة أهداف الثوار الحقيقية ؛ فإن الحرب وما فيها من قوة وبأس قد ترسل عنكم أيها الشباب رسائل خاطئة ، تحملون وزرها وإن كنتم منها أبرياء .
- ثم إن تحقيق أهداف الثوار من تحكيم الشريعة وإقامة عدل الإسلام ورحمته بين الناس لن يتحقق إلا بأن يكسب الثوار قلوب الناس ويكون لهم حزب سياسي ذو قاعدة شعبية عريضة .. وهذا بدوره لن يكون إلا إذا استأنسوا الناس ورحموهم واعتنوا بمصالحهم الدنيوية .. وهذا هو عين ما أشرنا إليه وإلى سبل تحقيقه في الفقرات السابقة .
- والمهم هو ألا يسرع إلى أذهانكم أيها الشباب أن ما ذكرناه هو تمييع للدين أو خيانة للثورة ، أو مخالف لهدي الإسلام ..كلا فإنما أردنا تهيئة الناس لقبول الحق على أيديكم ، بالرفق والتدرج ، بعد طول تشويه وانصراف ، من غير تنازل عن محكمات الدين ، ولكن سياسة عمر بن عبدالعزيز - رحمه الله – يخرج لهم " الحلوة من الدنيا تكون مع المرّة من أمر الدين " فإذا نفروا من هذه أنسوا بهذه " والدين حلو كله ولكن النفوس مريضة ..
ومن يك ذا فمٍ مُرٍّ مريض يجدْ مُرّا به الماء الزلالا
ولنعتبر بحال إخواننا في ليبيا ومصر وغيرهما بعد الثورة .. فليس كل ما يعلم يقال ، وليس كل ما نؤمن به نستطيع تطبيقه دفعة واحدة ، فقد مرّ بالناس عقودٌ من التجهيل والتخويف وتشويه الإسلام ، فإذا أظهرنا العزيمة أسرع أعداؤنا – وهم كثر ذوو بأس وفينا سمّاعون لهم – أسرعوا بالتخويف منا ، والجُرح طَريّ .. فمن الحكمة أن نتألف القلوب ونُحيّد الخصوم ، ونقدّم مشروعات تسهم في سد الجوعة وكفكفة الدمعة ، وعمارة المسكن ، وتحقيق الأمن على النفس والعرض .. وهي أمور من ضرورات الحياة ومن أعظم واجبات الدين .. وحينها سينجفلُ الناس إلينا ، ويثقون بالدين الذي نقدمه لهم .. ولن يصدقوا فينا عدوا وحاسدا..
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه .. أما بعد : فإن بين يدي كل حراك شعبي وتغيير سياسي مزدحمات آراء وجدلا ينشأ عادة بين
أصحاب الرأي الواحد والراية الواحدة ، فضلا عن غيرهم .. هذا الجدل منشئوه اختلاف الأفهام والطباع ، وتفاوت القدرة في مسافة الرؤية وزاويتها ، وتباين القدرات في تقدير
المخاطر ؛ كما وكيفا ، وعدم امتلاك سابقة في معايشة الحال المتوقعة ممارسة أو استقراء.
وهذا المعترك يُنتِج لا محالة اختلافًا واختلالا ، يَلِد بلا ريب تضعضعًا وضعفًا ، يسمح طواعية أو كرهًا بتسلل الفرص من بين الأصابع ، ويطلق لسان الشامت والحاسد ، ويوهي
الكيان ويشتت الشمل المجتمع ، حتى لكأنما أصابته عين ، أو اجتاحته من السماء آفة ..
والأدهى أن من يعيش هذه الحالة هو – عادة - آخر من يشعر بها ؛ لأنه منشغل عن التقدم بالتقهقر ، وعن المنافسة بالمعافسة .. هذا مشاهد في عامة البلدان التي تمكنت من
اجتياح الطغاة وضرب أروع الأمثال بالتضحيات ، وبعد وضع الحرب أوزارها تبدّدت الجموع في أودية العافية ، واختصموا بالكلام اختصامهم بالسلاح ، يتطلّبون من الجموع مالا
تملك ، ومن رفقاء الدرب مالا يناسب ، فإن وافقوهم فقد تحملوا شططًا ، وإن خالفوهم أوسعوهم من الأوصاف رهقًا.. وربما انجلى غبار الحرب عن نصر ظاهر وهزائم باطنة ..
وليست هذه الحال ضربة لازب في كل ثورة أو تجمع ، ولكن الشيطان ينسج فساد ذات البين فور شعوره بهزيمة أوليائه من الطواغيت ، يقول في نفسه : أنا بين هذين أتقلب
بين إحدى الحسنيين ؛ إما الاستبداد أو فساد ذات البين .. لعنه الله وأخزى طلعته .
وتوقيًا من هذا الهاجس المخوف ، وإعذارًا إلى الله قبل فوات الأوان تجرأت في رقم هذه الأحرف والجُمل ، وهي وصايا عامة في بيان مسيس الحاجة إلى اجتماع الكلمة وأنها
مصلحة عليا ، وأنها ضرورة في الحرب ، ومقدمة لابد منها في مرحلة بناء الدولة ما بعد سقوط النظام .. أرت التنبيه إليها ، تحفيزًا لإخواني المرابطين في الشام على اختلاف
مواقعكم وسابقتكم ، وتذكيرًا لكم ، وأداءً لبعض حقكم علينا ، غير مُعلّم لكم ، فأنتم أهل فطنة ، ولكن الرأي لأهل الرأي قوة ، والذكرى لأهل الإيمان منفعة .
وقد لخصتها في وصايا جامعة ، ومقترحات عملية ، لم آلُ فيها نصحًا ، فإن أصبت فذاك سداد من الله ، وإن كانت الأخرى فحسبي علم الله بسلامة القصد وهو العفو الغفور .
وكنتُ واضحًا إلى حد التنصيص في بعضها ؛ لأن الأمر يتطلب ذلك ، على حد قول الأول :
فقسا ليزدجروا ومن يكُ حازما فليقْسُ أحيانا على من يرحم
وأجملتُ في أخرى ؛ لأن اللبيب بالإشارة يفهم . ومن الله أستمد العون ، وأسأله سبحانه أن تقع من إخواني موقعًا حسنًا ..
- تقوى الله وصية يُتواصى بها وينتهَى إليها فتحجز النفوس عن أهوائها ، وتخرجها من دائرة التنافس على السلطة لذاتها .. فلا تذهبوا بعيدًا عنها فإن الشيطان يستقوي
بالذنوب.
- تحكيم العقلاء من كل تجمع سيعين في الوصول إلى أفضل نتائج ممكنة ، وتحكيم العقل في الحوار سيعين في تقديم المصالح العامة والمشتركة ، ويهيئ لجمع الكلمة . وقد
يكون الأنسب للحوار ليس هو الرئيس المطاع في الحرب ، فلكل مقام مقال .. ولا يضير القائد والمطاع أن يأخذ بمشورة غيره ، وأن ينزل على رأيه .. بل ذلك من تمام عقله
ونصحه .
- الاندماج أو التحالف يستلزم تنازلات إدارية وتنظيمية من كل طرف ، لكنه سيرفع من كفاءة الجميع ، ويمنحهم مكانة أفضل أمام الآخرين ، قبل وبعد سقوط النظام .. فما يفوت بسبب الاندماج مثلا سنجني أضعافه بالاندماج ذاته .
- كل كتيبة أو لواء أو تجمع يمثل قوة على الأرض من ذوي المنهج المَرْضِيّ في فكره وسلوكه لهم حقوق متساوية مع إخوانهم، فلا مكان لمزايدةٍ أو شروط مسبقة غير
موضوعية من طرف على آخر، وما تفرزه الشورى والانتخاب فهو المصلحة ، وإن ظن البعض بادي الرأي غير ذلك .. ومن نكص عن الشورى وتردد في التسليم لرأي الأغلبية من إخوانه فهو مستبد وإن لعن الاستبداد .
- النظام النصيري الطائفي يتهاوى من داخله وإن بدا متماسكًا ، فيجب رص الصفوف واعتبار هذا التكتل المنشود – في جانبه الأهم – تهيئة لما بعد سقوط النظام ، وذلك يحتاج إلى وعي وفقه للمرحلة ، بعيدًا عن المحاصصة الضيقة ، ووهم العيش بأجواء الحرب وتدفق الدعم ، وبناء الحسابات عليها؛ لأن للسلم فرسانًا وأحزابًا ومنطقًا قد لا تتوفر الآن بما يكفي لأيٍ من الفرقاء المقاتلين .. فيجب تكوين هذه البيئة والقبول بمتطلباتها.
- الأطراف الخارجية يجب أن ينحصر دورها في مساعدة الآخرين على الاجتماع ، وتذليل العقبات ، واستخدام علاقاتها في هذا الاتجاه فقط ، وليس التفاوض نيابة عن طرف بعينه.
- إن الوقوف عند الأسماء[أسماء الكتائب] أو الأشخاص[أشخاص القادة والمتنفذين] أو المسئوليات ، والتترّسَ بأي منها ؛ سواء كان برفض ما يخالفها ، أو المطالبة ببقائها والدفاع عنها .. إن هذا مؤشر ضعف في العقل أو السياسة ، أو شخصنةٌ للكيانات [هيمنة أشخاص على قراراتها] أو تذرعٌ لتبرير عدم الاتفاق .. فينبغي اعتبار ذلك خللا في الجهة التي يصدر منها ذلك ، أو ممن يمثلها في الحوار ، يجب إصلاحه بكل وسيلة ممكنة .
- ينبغي أن ينبثق من التكتل الجديد – إن تم تأسيسه ، والذي يتعين تاسيسه – جبهة سياسية ناضجة ، ذات خطاب وحدوي جامع رشيد ، يرفض العنف والإقصاء ، ويؤمن بتداول السلطة ، والشراكة المجتمعية على أساس المواطنة والحقوق المتكافئة ، ويتعامل بذكاء مع المجتمع الدولي[وهو شر لابد منه] وسيكون ناجحًا إذا صُنِّف هذا التكتل الجديد على أنه : تكتل وطني ، يضم أطياف المجتمع السوري عرقيا ودينيا وجهويا ، مع المحافظة على طابعه العروبي الإسلامي.
- سوريا بعد سقوط النظام تحتاج لأضخم حملة إعمار بعد الحرب الكونية الثانية .. والمجتمع الدولي له مطالب يريد رؤيتها في أي كيان جديد يحكم سوريا ، والإسلاميون الذين انتصروا في الثورة لهم تطلعات واستحقاقات يريدون تحقيقها .. والشعب المشرد المظلوم له حاجات وأولويات .. وعلى الكيان السياسي الجديد أن يتأهل في خطابه ، وفي نظامه ومشروعه السياسي لتحقيق قدْرٍ مرضٍ ومتوازن في هذه المسارات .. والفشل سيكون حليف أي تيار يتجاهل هذه الموازنات ..
- لن يقبل عموم الشعب السوري بعد الحرب بكيان يأخذ الناس بالعزائم ويضطرهم لمعاداة الآخر، ولو بحجة الولاء للإسلام أو معاداة الغرب .. الشعوب عادة تريد [العيش والسلام ] وهذان لن يتحققا على يد حزب أو تجمع نخبوي الخطاب أو حَدّي اللهجة والفرز .. لأن أعداءه سيكثرون ، وسيخسر الشارع الذي سيهيمن عليه عداوة النظام السابق ورموزه وحلفائه فقط . وعليه فيتعين على الكيان الجديد – من باب السياسة الشرعية واعتبارًا بالتجارب الواقعية – أن يكون بعيد النظر واسع الأفق ، يعتبر بضعفاء المجتمع وهم الأكثرية ،فيصمم برنامجه على أساس استيعابهم في كيانه ، وكسب ولائهم ؛ بخدمتهم والترفق معهم، وغض الطرف عما فيهم من ضعف في التدين وجهل لبدهياته .. فتلك حال ورثوها ؛ ومن رفق بهم منحه الله قلوبهم فأصلح دينهم ودنياهم في ثاني الحال ..ومن اشتد عليهم لم يأبهوا به فخسر تضحياته ونُبِذ من قلوبهم ، فتحول مشروعه إلى أكاديمية كلامية وليس إلى دولة وممارسة .. فلا يصح تجاهلهم بحال أو الاستهانة بمطالبهم ..
- الكيان السياسي الوليد يجب أن ينبثق منه لجان تخصصية ، تُعد ملفات الوطن بعد سقوط النظام ، يَسنُدها مركز دراسات ، ومكتب علاقات عامة نشط ، يلتقي – قدر الإمكان - كل الجهات والأشخاص ذوي التأثير، بغض النظر عن الموقف منهم ، ويشارك في كل المناسبات السياسية والاقتصادية والإدارية وغيرها مما له علاقة بالثورة السورية، وينشر رؤيته ويحشد لها. كما على هذا الكيان السياسي الوليد أن يفترض أسئلة أعدائه ؛ السياسية والدينية والحقوقية ، وغيرها ، وأن يجيب عنها أجوبة صحيحة مقنعة لعقلاء الشارع ، قبل أن تكون ثغرات في بنيانه السياسي .
- استقطاب العناصر المؤثرة وذات المكانة من السياسيين والقضاة والحقوقيين والعسكريين - من ذوي السمعة الحسنة أو المستورين - يجب أن يكون أحد أولويات العمل السياسي للكيان الجديد ، لأن الأشخاص النافذين ممن تركوا النظام سيكون لهم شأن بعده ؛ إما بذواتهم أو بثقلهم العشائري والمناطقي .. ومن ضعف السياسة ومن الخطأ في قراءة المشهد تجاهلهم وتركهم يبحثون عن ملاذات أُخر .. إن استيعابهم داخل الكيان القوي بطريقة مدروسة يضيف للكيان قوة وشعبية ، ويكف عنه شرّهم ، ولن يكون لهم تأثير سلبي ؛ لأنهم يأتون فرادى يبحثون عن مكانةٍ ما، فإذا وجدوها تحولوا إلى قوةٍ إضافية .. ولنعتبر بهدي النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح ؛ أين وضع أبا سفيان ، وماذا قال عن ابن خطل .. وأحذر من المبالغة في التخوّف أو التوسع في التخوين .. فحامل هذه الهواجس قد لا يكون خليقًا بقيادةِ المجتمع المختلط .
- من الضروري عقد لقاءات لبعض أهل العلم والفكر مع الميدانيين المؤثرين على أغلبية الشباب المرابطين ومدارسة بعض المفاهيم الشرعية بهدف تطوير التعاطي مع السياسة الشرعية ، وبيان المواقف المختلفة لجموع الشباب المرابطين ، وإيقافهم على المصالح والمفاسد المترتبة على كل موقف ، وشرح مآلات ذلك على جهادهم وتطلعاتهم ، وأن تعاطي سياسة الحرب لتمر بأقل خسائر ، والمرونة في الأسماء وعدم المجاهرة بالتطلعات ؛ بهدف تخفيف العداوات وكسب قلوب العامة ، وقطع حجج الخصوم ، وكف ألسنة المغرضين إعلاميّاً ، والبعد عن تهم التطرف والإرهاب ، ومزاعم معاداة الدولة المدنية ؛ أعني دولة الحقوق والمؤسسات ، وليس الدولة اللادينية ، وغير ذلك من المكاسب .. والتذكير بأن ذلك سيصب في خانة أهداف الثوار الحقيقية ؛ فإن الحرب وما فيها من قوة وبأس قد ترسل عنكم أيها الشباب رسائل خاطئة ، تحملون وزرها وإن كنتم منها أبرياء .
- ثم إن تحقيق أهداف الثوار من تحكيم الشريعة وإقامة عدل الإسلام ورحمته بين الناس لن يتحقق إلا بأن يكسب الثوار قلوب الناس ويكون لهم حزب سياسي ذو قاعدة شعبية عريضة .. وهذا بدوره لن يكون إلا إذا استأنسوا الناس ورحموهم واعتنوا بمصالحهم الدنيوية .. وهذا هو عين ما أشرنا إليه وإلى سبل تحقيقه في الفقرات السابقة .
- والمهم هو ألا يسرع إلى أذهانكم أيها الشباب أن ما ذكرناه هو تمييع للدين أو خيانة للثورة ، أو مخالف لهدي الإسلام ..كلا فإنما أردنا تهيئة الناس لقبول الحق على أيديكم ، بالرفق والتدرج ، بعد طول تشويه وانصراف ، من غير تنازل عن محكمات الدين ، ولكن سياسة عمر بن عبدالعزيز - رحمه الله – يخرج لهم " الحلوة من الدنيا تكون مع المرّة من أمر الدين " فإذا نفروا من هذه أنسوا بهذه " والدين حلو كله ولكن النفوس مريضة ..
ومن يك ذا فمٍ مُرٍّ مريض يجدْ مُرّا به الماء الزلالا
ولنعتبر بحال إخواننا في ليبيا ومصر وغيرهما بعد الثورة .. فليس كل ما يعلم يقال ، وليس كل ما نؤمن به نستطيع تطبيقه دفعة واحدة ، فقد مرّ بالناس عقودٌ من التجهيل والتخويف وتشويه الإسلام ، فإذا أظهرنا العزيمة أسرع أعداؤنا – وهم كثر ذوو بأس وفينا سمّاعون لهم – أسرعوا بالتخويف منا ، والجُرح طَريّ .. فمن الحكمة أن نتألف القلوب ونُحيّد الخصوم ، ونقدّم مشروعات تسهم في سد الجوعة وكفكفة الدمعة ، وعمارة المسكن ، وتحقيق الأمن على النفس والعرض .. وهي أمور من ضرورات الحياة ومن أعظم واجبات الدين .. وحينها سينجفلُ الناس إلينا ، ويثقون بالدين الذي نقدمه لهم .. ولن يصدقوا فينا عدوا وحاسدا..