المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أهل العلم ورسوخ أقدامهم في مواطن الشبه...و من تزيغ أفهامهم عن فهم السلف الصالح



رياض أبو عادل
15 Oct 2012, 03:32 PM
http://www.ala7ebah.com/upload/images/bsm.gif
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

"لقد أعدت كتابة هذا الموضوع لمزيد من التوضيح"

"كما أخذت العنوان من الإجابة"

سئل الشبخ أبو عبد المعز محمد علي فركوس حفظه الله و نفعنا بعلمه فأجاب:

• وأمَّا قول السائل: «أنهم صرفوا الناس إلى كتب القرضاوي ومالك بن نبي وشكيب أرسلان وغيرهم»، اﻫ.

فجوابه: أنَّ المناصب والولايات ليست دليلاً على العلم، إذ العلماء لا يتمُّ تعيينهم عن طريق صناديق الاقتراع، ولا عن طريق التعيين الإداريِّ، ولكنَّهم يُعرفون بميزة العلم والتقوى، ورسوخ أقدامهم في مواطن الشبه، لِما بذلوه من جهودٍ وأوقاتٍ، وتفانَوْا في دعوتهم إلى الله تعالى، غيرَ أنَّ الناس قد يشتبه عليهم من تشبَّه بالعلماء وليسوا منهم، كالوعَّاظ والخطباء والقرَّاء والمفكِّرين والمثقَّفين، ﻓالقرَّاء هم جماعةٌ من طلبة العلم حصلوا على نُتَفٍ منه، لم يبلغوا فَهْمَ أهل العلم وإدراكَهم، وهم كثيرٌ في عصرنا هذا، في الرجال والنساء والكبار والصغار، بسبب كثرة المتخرِّجين من الجامعات، وانتشار المدارس والمعاهد والزوايا، ولا شكَّ أنَّ المسارعة في القراءة دون فهمٍ أو فقهٍ يفضي إلى الانحراف عن الحقِّ، وقد ورد عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أنه قال: «سَيَأْتِي عَلَى أُمَّتِي زَمَانٌ تَكْثرُ فِيهِ القُرَّاءُ، وَتَقِلُّ الفُقَهَاءُ، وَيُقْبَضُ العِلْمُ، وَيَكْثُرُ الهَرْجُ»، قَالُوا: «وَمَا الهَرْجُ يَا رَسُولَ اللهِ ؟» قَالَ: «القَتْلُ بَيْنَكُمْ، ثُمَّ يَأْتِي بَعْدَ ذَلِكَ زَمَانٌ يَقْرَأُ القُرْآنَ رِجَالٌ لاَ يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهِمْ، ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ زَمَانٌ يُجَادِلُ المُنَافِقُ الكَافِرُ المُشْرِكُ بِاللهِ المُؤْمِنَ بِمِثْلِ مَا يَقُولُ»(٨). وقد كان الخوارج يقرأون القرآنَ، ولكن لم يبلغوا درجةَ الفهم والعلم، وقد وصفهم الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم: «يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ»(٩)، أي: لا يصل إلى حلوقهم فضلاً عن أن يصل إلى قلوبهم، لأنَّ المطلوب تعلُّق القرآن بالقلب وتدبُّرُآياته -كما أشار النوويُّ-، فالعلماء لا يقرءون نُتَفًا من العلم، وإنما يدرسون العلومَ الشرعية دراسةً عامَّةً شموليةً من غير أن يتوقَّفوا في التعلُّم، يعانون في تحصيل العلم، ولا يقرءون منه الشذرات، بل هم دائمو الطلب بعزائمَ قويَّةٍ، لا يُثنيهم عناء الرحلات ولا سهرُ الليالي ومعاناة الأيَّام.
وكذلك أهل الوعظ والإرشاد والخطابة -وإن كانت هذه المَهَمَّة تؤدَّى من قِبَل العلماء والفقهاء في الأوَّل- إلاَّ أنَّ هذه المناصب أصبح يمارسها مَن ليس له حظٌّ أو نصيب سوى النَّزْر اليسير، الذين يملكون فصاحةَ اللسان وبلاغته، ولهم به قدراتٌ في قلب الألفاظ وتغييرها كيفما شاءوا، يشدُّون مشاعر الناس، ويسلبون قلوبَهم بحسن الحديث وحلاوة المنطق، وليس ذلك بدليلٍ على أنهم من أهل العلم والفهم، بل قد يكون العالم عَيِّيًا لا يُحسن الكلامَ، وليس عنده قوَّة البيان ولا حسنُ الحديث ولا حلاوة المنطق، قليل الكلام بطبعه أو غير قادرٍ على الخطابة والوعظ والإرشاد، قال ابن رجبٍ -رحمه الله-: «وقد فُتن كثيرٌ من المتأخِّرين بهذا، فظنُّوا أنَّ من كثُر كلامُه وجداله وخصامه في مسائل الدين فهو أعلم مِمَّن ليس كذلك، وهذا جهلٌ محضٌ، وانظر إلى أكابر الصحابة وعلمائهم كأبي بكرٍ وعمر وعليٍّ ومعاذٍ وابن مسعودٍ وزيد بن ثابتٍ كيف كانوا ؟ كلامُهم أقلُّ من كلام ابن عبَّاسٍ وهُم أعلم منه.
وكذلك كلام التابعين أكثر من كلام الصحابة والصحابةُ أعلم منهم، وكذلك تابعو التابعين، كلامُهم أكثر من كلام التابعين والتابعون أعلم منهم. فليس العلم بكثرة الرواية ولا بكثرة المقال، ولكنَّه نورٌ يُقذف في القلب، يفهم به العبد الحقَّ، ويميِّز به بينه وبين الباطل، ويعبِّر عن ذلك بعباراتٍ وجيزةٍ محصِّلةٍ للمقاصد»(١٠).
وكذلك القول في المفكِّرين وأرباب الثقافة، فهؤلاء -وإن صحَّ تسميتهم بأنهم من المفكِّرين أو الحكماء- فلا يتعدَّى هذا الوصف جوانبَ تخصُّصهم التي أجادوا فيها، كالطبِّ والهندسة والفيزياء والكيمياء وغيرها من العلوم التجريبية، أو علم الاجتماع والنفس والتربية وغيرها من العلوم الإنسانية، فهُم معدودون من جمهور المسلمين وعوامِّهم، بل هم أشبه بأهل الكلام الذين ليس لهم من العلم إلاَّ عباراتٌ وشقائقُ المسائل وتفريعُها، فيظنُّهم الجاهل علماء، ولا يخفى أنَّ معرفة شقائق المسائل لا يعكس حقيقةَ العلم وليس دليلاً عليه، وقد قال الإمام مالكٌ -رحمه الله-: «الحكمة والعلم نورٌ يهدي به الله من يشاء، وليس بكثرة المسائل»(١١). وقد ذكر ابن عبد البرِّ -رحمه الله- إجماعَ «أهل الفقه والآثار من جميع الأمصار أنَّ أهل الكلام أهل بدعٍ وزَيْغٍ، ولا يُعَدُّون عند الجميع في جميع الأمصار في طبقات العلماء، وإنما العلماء أهل الأثر والفقه، ويتفاضلون فيه بالإتقان والميز والفهم»(١٢).
فالحاصل أنَّ الاعتبار في وصف العالم بالعلم ما يحتويه صدرُه من العلم بالله تعالى وعن الله تعالى، وما اتَّصف به من تقوى الله وخشيته.
فمالك بن نبي، وشكيب أرسلان، والعقَّاد وغيرهم أجادوا تخصُّصهم ولهم مكانتهم فيه، لكنَّهم غير مختصِّين في العلوم الشرعيَّة، فلا يخرجون عن صنف المفكِّرين والمثقَّفين، فمالك بن نبي مهندسٌ ميكانيكيٌّ، متخرِّجٌ من معهد الهندسة العالي بباريس، وهو مفكِّرٌ إسلاميٌّ جزائريٌّ توفِّي سنة (1393ﻫ-1973م)، أمَّا شكيب أرسلان اللبناني فهو كاتبٌ وأديبٌ وشاعرٌ ومؤرِّخٌ وسياسيٌّ توفِّي سنة (1366ﻫ-1946م)، وأمَّا عبَّاس محمود العقَّاد؛ فهو أديبٌ مصريٌّ وشاعرٌ ناثرٌ، توفِّي سنة (1383ﻫ-1964م)؛ فهؤلاء اختصاصاتهم في العلوم اللغوية والتجريبية.
أمَّا القرضاوي وأضرابه فإنهم لا يُعْرَفون برسوخ أقدامهم في مواطن الشبه، وهم غيرُ مُتشبِّعين بالسنن والآثار، وكثيرًا ما تزيغ أفهامهم عن فهم السلف الصالح، لذلك نجد فتاويَهم مخالفةً لأقوال السلف، كما يُعْرف عنهم عدم الاتِّصاف بتقوى الله في فتاويهم وسيرتهم، فهُم يجيزون الاستماعَ إلى العزف والأغاني والطرب من الرجال والنساء، ويتلذَّذون بالاستماع إليها ويجيزونها لغيرهم، كما يجيزون العمل في البنوك الربوية بدعوى أنَّ المصلحة تقتضي ذلك، كما يجيزون دخول السينما وممارسةَ أعمال المسرح والتمثيليَّات للذكور والإناث، ويرون ضرورةَ منح النساء مزيدًا من الحقوق، وأنَّ النساء اللاَّتي تجاوزن سنَّ الحمل والولادة يُسمح لهنَّ بالترشُّح في الانتخابات، وهم ممَّن يرَوْنَ أنَّ الدول العربية يجب أن تتحوَّل إلى الديموقراطية، وأنَّ الإسلام يجب أن يشهد إصلاحاتٍ ويحتفيَ بالتسامح في ظلِّ تقارُب الأديان ووحدتها، وهم مِمَّن يمتدحون المُثُل الغربية ويعتقدون أنَّ ثمَّةَ إمكانيةً للتعايش بين اليهود والدولة الفلسطينية، كما يُفتون الجنود الأمريكيِّين المسلمين أن يقاتلوا في صفوف الجيش الأمريكيِّ في أفغانستان، كما أنه من المعروف في خُطبهم التشهيرُ بالحكَّام والانتقاصُ منهم وتأليب العامَّة عليهم، والاعتراف بالدولة اليهودية ضمنًا والثناءُ عليها جهارًا في مناسبات الانتخابات اليهودية، وتجويزُ الأحزاب والممارسات الديمقراطية، والإشادة بحرِّيَّة الشعوب في اتِّخاذ أنموذج نظامها، وأنَّ اختيارها فوق كلِّ اعتبارٍ، وغيرها من الأمور التي لا يرضاها المسلمون فضلاً عن علمائهم وفقهائهم الذين هم جميعًا شهداء الله في أرضه، ولا شكَّ أنَّ ارتكاب مثل هذه المحاذير يمنع من الثقة بالفتوى -كما قد بيَّنَّا ذلك في كتاب «الإرشاد»-(١٣).


موقع :الشبخ أبو عبد المعز محمد علي فركوس
http://www.riadeljanna.com/vb/images/smilies/012.gif