المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : آداب الصيام و فوائد الصيام



رياض أبو عادل
18 Jul 2012, 10:54 AM
آداب الصيام


للصيام آداب ينبغي التخلّق بها ليحصل التوافق مع أوامر الشّرع ويرتّب عليه مقصوده منه، تهذيباً للنّفس وتزكيتها، فيجتهد الصائم في أدائها كاملة، والمحافظة عليها تامّة، إذ كمال صيامه موقوف عليها وسعادته منوطة بها، فمن هذه الآداب الشرعية التي يراعيها في صيامه:
أولاً: استقبال شهر رمضان بالفرح والغبطة والسرور، لأنّه من فضل الله ورحمته على الناس بالإسلام، قال تعالى: ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ﴾[يونس:85]، ويحمد الله على بلوغه، ويسأل الله تعالى إعانته على صيامه، وتقديم الأعمال الصالحة فيه، كما يستحبّ له الدعاء عند رؤية أي هلال من السَّنَةِ لحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا رأى الهلال قال: «اللهُ أَكْبَر، اللَّهُمَّ أَهِلَّهُ عَلَيْنَا بِالأَمْنِ وَالإِيمَانِ وَالسَّلاَمَةِ وَالإِسْلاَمِ وَالتَّوْفِيقِ لِمَا تُحِبُّ وَترْضَى رَبُّنَا وَرَبُّكَ اللهُ»(١٦) على أن لا يستقبل الهلال عند الدعاء ولا يرفع رأسه إليه ولا ينتصب له وإنّما يستقبل بالدعاء ما يستقبل به الصلاة.
ثانيا: ومن الآداب المهمة أن لا يصوم قبل ثبوت بداية الشهر على أنّه من رمضان ولا يصوم بعد نهايته على أنّه منه، فالواجب أن يصومه في وقته المحدّد شرعاً فلا يتقدّم عليه ولا يتأخّر عنه لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «لاَ تَصُومُوا حَتَّى تَرَوُا الْهِلاَلَ، وَلاَ تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ»(١٧)، وفي قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِذَا رَأَيْتُمُ الهِلاَلَ فَصُومُوا وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا»(١٨).
ثالثا: المداومة على السّحور لبركته واستحباب تأخيره لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السَّحُورِِ بَرَكَةً»(١٩)، وقد ورد في فضله وبركته -أيضا- قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «البَرَكَةُ فِي ثَلاَثَةٍ: فِي الجَمَاعَةِ وَالثَّرِيدِ وَالسَّحُورِ»(٢٠) وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى المُتَسَحِّرِين»(٢١)، وقد جعله النبي صلى الله عليه وآله وسلم ممَّا يميّز أهل الإسلام عن أهل الكتاب فقال: «فَصْلُ مَا بَيْنَ صِيَامِنَا وَصِيَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ أَكْلَةُ السَّحَرِ»(٢٢). والأفضل أن يتسحّر الصائم بالتمر لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «نِعْمَ سَحُورِ المُؤْمِنِ التَّمْرُ»(٢٣)، فإن لم يتيسّر له التمر تحقّق سحوره ولو بجرعة من ماء لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «تَسَحَّرُوا وَلَوْ بِجُرْعَةٍ مِنْ مَاءٍ»(٢٤).
ويبدأ وقت السّحور قبيل الفجر وينتهي بتبيّن الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر، وإذا سمع النداء والإناء في يده، أو كان يأكل، فله أن يقضي حاجته منهما ويستكمل شرابه وطعامه لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِذَا سَمِعَ أَحَدُكُمْ النِّدَاءَ وَالإِنَاءُ فِي يَدِهِ فَلاَ يَضَعْهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ مِنْهُ»(٢٥)، ففي رخصة الحديث إبطال بدعة الإمساك قبل الفجر بنحو عشر دقائق أو ربع ساعة، وإلزام التعبد بتوقيت الإمساكية الموضوعة بدعوى خشية أن يدرك الناس أذان الفجر وهم على سحورهم لا أصل له في أحكام الشريعة وآدابها.
هذا، ويستحبّ تأخير السحور لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّا مَعْشَرَ الأَنْبِيَاءِ أُمِرْنَا بِتَعَجيِلِ فِطْرِنَا وَتَأْخِيرِ َسُحُورِنَا وَأَنْ نَضَعَ أَيْمَانَنَا عَلَى شَمَائِلِنَا فِي الصَّلاَةِ»(٢٦).
وكان من فعله صلى الله عليه وآله وسلم تأخير قدر خمسين آية متوسطة، فقد روى أنس عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: «تَسَحَّرْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَامَ إِلَى الصَّلاَةِ، قُلْتُ: كَمْ كَانَ بَيْنَ الأَذَانِ وَالسَّحور؟ قَالَ: قَدْرَ خَمْسِينَ آيَةً»(٢٧)، وكان دأب الصحابة رضي الله عنهم تأخير السحور، فعن عمرو بن ميمون الأودي قال: «كَانَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ أَسْرَعَ النَّاس إفْطَارًا وَأَبْطأَهُمْ سحورًا»(٢٨).
رابعًا: المحافظة على تعجيل الفطر لإدامة النّاس على الخير لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «لاَ يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الفِطْرَ»(٢٩) وقوله عليه الصلاة والسلام: «لاَ تَزَالُ أُمَّتِي عَلَى سُنَّتِي مَا لَمْ تَنْتَظِرْ بِفِطْرِهَا النُّجُومَ»(٣٠) وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «لاَ يَزَالُ الدِّينُ ظَاهِرًا مَا عَجَّلَ النَّاسُ الفِطْرَ لأَنَّ اليَهُودَ وَالنَّصَارَى يُؤَخِّرُونَ»(٣١)، وقد بيّن النبي صلى الله عليه وآله وسلم هذا المعنى في قوله: «إِذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هَا هُنَا، -من جهة الشرق- وَأَدْبَرَ النَّهَارُ مِنْ هَا هُنَا، وَغَرَبَتِ الشَّمْسُ، فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ»(٣٢).
- آداب الفطـر: (http://www.ferkous.com/rep/M12.php#%D8%A2%D8%AF%D8%A7%D8%A8_%D8%A7%D9%84%D8%B 5%D9%8A%D8%A7%D9%85)
هذا، وتقترن بالفطر جملة من الآداب الشرعية يستحبّ للصائم الالتزام بها اقتداءًا بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وهي:
١- تقديم الفطر على الصلاة لقول أنس بن مالك رضي الله عنه: «مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ قَطُّ صَلَّى صَلاَة َالمَغْرِبِ حَتَّى يُفْطِرَ وَلَوْ عَلَى شَرْبَةٍ مِنْ مَاءٍ»(٣٣).
٢- فطره على رُطَبات فإن لم يجد فعلى تمرات، فإن لم يجد فعلى الماء لحديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسلَّمَ يُفْطِرُ عَلَى رُطَبَاتٍ، قَبْلَ أَنْ يُصَلِّي، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ رُطَبَاتٍ فَعَلَى تَمَرَاتٍ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ حَسَا حَسَوَاتٍ مِنْ مَاءٍ»(٣٤).
٣- دعاء الصائم عند الفطر بما ثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنّه كان يقول -عند فطره-: «ذَهَبَ الظَّمَأُ وَابْتَلَّتِ العُرُوقُ وَثَبَتَ الأَجْرُ -إِنْ شَاءَ اللهُ-»(٣٥).
خامسا: ومن آداب الصيام -أيضا-: استحباب المحافظة على السواك مطلقاً سواء كان المكلَّف صائماً أو مفطراً أو يستعمله رطبًا أو يابسًا أو كان في أوّل النهار أو في آخره للحضّ عليه عند كلّ صلاة، وعند كلّ وضوء في قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِى لأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلاَةٍ»(٣٦) وفي رواية: «عِنْدَ كُلِّ وُضُوءٍ»(٣٧). ولم يخصّ الصائم من غيره، قال ابن عمر رضي الله عنه: «يُسْتَاكُ أَوَّل النَّهَارِ وَآخِرهُ»(٣٨)، وضمن هذا الحكم يقول ابن تيمية -رحمه الله- :" ...وأمّا السواك فجائز بلا نزاع، لكن اختلفوا في كراهيته بعد الزوال على قولين مشهورين، وهما روايتان عن أحمد، ولم يقم على كراهيته دليل شرعي يصلح أن يخصّص عمومات نصوص السواك "(٣٩).
سادسًا: الاجتهاد في فعل الخيرات وتكثيف العبادات، فقد كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم في شهر رمضان يكثر من أنواع العبادات وأفعال الخير وأضرب البرِّ والإحسان ففي حديث ابن عباس رضي الله عنهما قَالَ: «كَانَ -أي النَّبِىُّ صلى الله عليه وآلِهِ وسلم- أَجْوَدَ النَّاسِ بِالْخَيْر، وكَانَ أَجْوَدَ مَا يَكُونُ فِى رَمَضَانَ، حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ جِبْرِيلُ -عَلَيْهِ السَّلاَم- يَلْقَاهُ كُلَّ لَيْلَةٍ فِى رَمَضَانَ حَتَّى يَنْسَلِخَ ، يَعْرِضُ عَلَيْهِ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم الْقُرْآنَ، فَإِذَا لَقِيَهُ جِبْرِيلُ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ-كَانَ أَجْوَدَ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ»(٤٠).
وكان صلى الله عليه وآله وسلم يكثر من قراءة القرآن فيه، ويطيل قيام رمضان أكثر ممّا يطيله في غيره، ويجود بالصدقات والعطايا وسائر أنواع الإحسان، ويجتهد في العشر الأواخر -اعتكافًا وقيامًا وقراءةً وذكرًا- ما لا يجتهد في غيره ففي الحديث: «إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ، وَأَحْيَا لَيْلَهُ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ»(٤١). ومن العبادات التي ندب إليها النبي صلى الله عليه وآله وسلم العمرة في رمضان فلها ثواب عظيم يساوي ثواب حجّة لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «عُمْرَةٌ فِي رَمَضَانَ تَعْدِلُ حَجَّةً»(٤٢)، ويُضاعف أجر الصلاة في مسجدي مكّة والمدينة لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «صَلاَةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلاَةٍ فِيمَا سِوَاهُ إِلاَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ»(٤٣) فضلاً عن تكفير الذنوب والسيئات بتعاقب العمرات على ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قوله: «الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا»(٤٤).
سابعًا: اجتناب كلّ ما لا يحقّق الغاية من الصيام، وذلك بأنّ يحترز الصائم عن كلّ ما نهى الشرع عنه من سيّء الأقوال وقبيح الأفعال المحرمة والمكروهة في كلّ الأوقات وبالأخصّ في شهر رمضان التي يعظم قبحها في حقّ الصائم، لذلك وجب عليه أن يكفّ لسانه عمّا لا خير فيه من الكلام: كالكذب، والغيبة، والنميمة، والشتم، والخصام، وتضييع وقته بإنشاد الأشعار، ورواية الأسمار، والمضحكات، والمدح والذم بغير حقّ، كما يجب عليه أن يكفّ سمعه عن الإصغاء إليها والاستماع إلى كلّ قبيح ومذموم شرعًا، ويعمل جاهدًا على كفِّ نفسه وبدنه عن سائر الشهوات والمحرمات: كغضّ البصر ومنعه من الاتّساع في النّظر وإرساله إلى كلّ ما يذمّ ويكره، وتجنيب بقية جوارحه من الوقوع في الآثام، فلا يمدّ يده إلى باطل ولا يمشي برجله إلى باطل، ولا يأكل إلاّ الطيّبات من غير إسراف ولا استكثار ليكسر نفسه عن الهوى، ويقويها على التحفّظ من الشيطان وأعوانه، ومع ذلك كلّه يبقى قلبه -بعد الإفطار وفي آخر كلّ عبادة- دائرًا بين الرجاء في قبول صيامه ليكون من المقربين، وبين الخوف من ردِّه عليه فيكون من الممقوتين.
هذا، وقد جاءت في هذه المعاني نصوص شرعية ترهب الصائم عن آفات اللسان والجوارح منها: قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ في أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ»(٤٥).
وليس المقصود من شرعية الصوم نفس الجوع والعطش، بل ما يتبعه من كسر الشهوات وتطويع النفس الأمّارة للنّفس المطمئنة لذلك قال صلى الله عليه وآله وسلم: «رُبَّ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلاَّ الجُوعُ، وَرُبَّ قَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ قِيَامِهِ إِلاَّ السَّهَرُ»(٤٦)، فالصائم حقيقة هو من صام بطنه عن الطعام، وجوارحه عن الآثام، ولسانه من الفحش ورديء الكلام، وسمعه عن الهذيان، وفرجه عن الرفث وبصره عن النّظر إلى الحرام، فإن تكلّم لم ينطق بما يجرح صومه، وإن فعل لم يفعل ما يفسد صومه، فيخرج كلامه نافعًا وعمله صالحًا، قال صلى الله عليه وآله وسلم: « قَالَ اللَّهُ تعالى: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلاَّ الصِّيَامَ، فَإِنَّهُ لِى، وَأَنَا أَجْزِى بِهِ. وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ، وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ، فَلاَ يَرْفُثْ وَلاَ يَصْخَبْ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ، أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّى امْرُؤٌ صَائِمٌ»(٤٧) وفي حديث آخر مرفوعاً: «لاَ تُسَابَّ وَأَنْتَ صَائِمٌ، فَإِنْ سَابَّكَ أَحَدٌ فَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ، وَإِنْ كُنْتَ قَائِماً فَاجْلِسْ»(٤٨).
هذا، وقد لا يحصل الصائم على ثواب صومه مع تحمله التّعب بالجوع والعطش، لأنّه لم يؤدِّ صومه على الوجه المطلوب بترك المنهيات، إذ ثواب الصوم ينقص بالمعاصي ولا يبطل إلاّ بمفسداته، وفي الأحاديث المتقدمة ترغيب الصائم في العفو عن زلات المخطئين والإعراض عن إساءة المسيئين.
ثامنًا: الإعداد في إفطار الصائمين، التماسًا للأجر والثواب المماثل لأجورهم، وقد صحّ في فضل ذلك قوله صلى الله عليه وآله وسلم «مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ، غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَنْقُصْ مَِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئًا»(٤٩).
تاسعًا: المحافظة على صلاة القيام وأدائها مع الجماعة، فينبغي الحرص عليها وعدم التخلف عنها أو تركها لأنّه يفوته خير كثير، وقد كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يرغّب أصحابه في قيام رمضان من غير أن يأمرهم بعزيمة، ويقول: «مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ»(٥٠). وخاصة وأنّ في العشر الأواخر للشهر ليلة هي خير من ألف شهر، جعل الله فيها الثواب العظيم لمن قامها وغفران ما تقدّم من المعاصي والذنوب، قال صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ»(٥١). وقد جاء في فضل إقامتها جماعة قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا صَلَّى مع الإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ كُتِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ»(٥٢)، لذلك يحرص الصائم على المحافظة على قيام رمضان جماعة لئلا يحرم نفسه من هذا الخير العظيم، والأجر العميم.

هذا، وختامًا فعلى المسلم الاهتمام بدينه، والعناية بما يصححه على الوجه المشروع لتترتب فوائده عليه لاسيما أركان الإسلام ومبانيه العظام ومنها: عبادة الصيام التي تتكرّر في حياة المسلم مرّة واحدة كلّ عام، فعلى المسلم الذي وفقه الله لصيام شهر رمضان وقيام لياليه على وجه الإخلاص والمتابعة أن يختمه بكثرة الاستغفار والانكسار بين يدي الله تعالى، والاستغفار ختام كلّ الأعمال والعبادات، فلا يغترّ المؤمن بنفسه ويعجب بعمله ويزكيه، بل الواجب أن يعترف بقلّة عمله في حقّ الله تعالى وتقصيره فيه، ودورانه بين القبول والرّد، فلذلك كان السلف يجتهدون في إتمام العمل وإكماله وإتقانه ثمّ يهتمون بعد ذلك بقبوله ويخافون من ردّه وهؤلاء وصفهم الله تعالى بأنهم: ﴿يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ﴾[المؤمنون: 60] أي: خائفة لا يأمنون مكر الله، فكانوا -مع الخوف من عدم القبول- يكثرون من الاستغفار والتوبة مع اهتمامهم بقبول العمل أشدّ اهتمامًا منهم بالعمل، لأنّ القبول عنوان التقوى قال تعالى: ﴿إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِين﴾[المائدة: 27]
وإذا كان المنافق يفرح بفراق شهر رمضان لينطلق إلى الشهوات والمعاصي التي كان محبوسًا عنها طيلة الشهر، فإنّ المؤمن إنّما يفرح بانتهاء الشهر بعد إتمام العمل وإكماله رجاء تحقيق أجوره وفضائله ويستتبعه بالاستغفار والتكبير والعبادة. وقد أمر الله عزّ وجل بالاستغفار الذي هو شعار الأنبياء عليهم السلام مقرونًا بالتوحيد، والعبد بحاجة إليهما ليكون عمله على التوحيد قائمًا، ويصلح بالاستغفار تزكية عمله وإعجابه به وما يعتريه من نقص أو خلل أو خطأ، وفي هذا السياق من اقتران الأمر بالتوحيد والاستغفار يقول الله عزّ وجلّ: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ﴾[محمد:19] وقال في شأن يونس عليه السلام: ﴿فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لاّ إِلَهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾[الأنبياء: 87].

نسأل الله تعالى أن يرزقنا خيرات هذا الشهر وبركاته، ويرزقنا من فضائله وأجوره، ولا يحرمنا من العمل الصالح فيه وفي غيره، كما نسأله سبحانه التوفيق والسداد والقبول والعفو عن التقصير، والحمد لله ربّ العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، وسلم تسليما.







فوائد الصيام



أمّا فوائد الصوم فعظيمة الآثار في تطهير النفوس وتهذيب الأخلاق وتصحيح الأبدان، فمنها ما يعوِّد نفسه على الصبر والتحمّل على ترك مألوفه، ومفارقة شهواته عن طواعية واختيار، بحيث يكبح جماح شهوته ويغلب نفسه الأمارة بالسوء فيحبسها عن الشهوات لتسعد لطلب ما فيه غاية سعادتها وقبول ما تزكو به ممّا فيه حياتها الأبدية، فيضيق مجاري الشيطان بتضييق مجاري الطعام والشراب، ويُذكّر نفسه بما عليه أحوال الجائعين من المساكين، فيترك المحبوبات من المفطرات لمحبة ربِّ العالمين، وهذا السّرّ بين العبد ومعبوده هو حقيقة الصيام ومقصوده، ومنها أنّه يُرقّق القلب ويلينه لذكر الله فيسهل له طريق الطاعات، ومن فوائد الصيام: أنّه موجب لتقوى الله في القلوب وإضعاف الجوارح عن الشهوات قال تعالى: ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾[البقرة: 183]، في معرض إيجاب الصيام لأنّه سبب للتّقوى لتضييق مجاري الشهوات وإماتتها، إذ كلّما قلَّ الأكل ضعفت الشهوة، وكلّما ضعفت الشهوة قلّت المعاصي، ومن فوائده الطبّيّة صحّة البدن لأنّه يحمي من اختلاط الأطعمة المسبّبة للأمراض ويحفظ -بإذن الله- الأعضاء الظاهرة والباطنة كما قرّره الأطبّاء.


عن موقع الشيخ
أبو عبد المعز محمّد علي فركوس
نفعنا الله بعلمه

رونق الامل
18 Jul 2012, 11:59 AM
بارك الله فيكم و نفع الله بكم

فله المميزة
18 Jul 2012, 12:19 PM
بارك الله فيكم ونفع الله بكم

رياض أبو عادل
23 Jul 2012, 11:50 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

شكرا جزيلا لكم على المرور

بارك الله فيكم

عبدالله الكعبي
27 Jul 2012, 12:52 AM
بارك الله فيك و جزاك الله خيرا على الموضوع

رياض أبو عادل
29 Jul 2012, 12:13 PM
بارك الله فيك و جزاك الله خيرا على الموضوع

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جزاك الله خيرا
شـكــ وبارك الله فيك ـــرا ...
http://www.riadeljanna.com/vb/images/smilies/012.gif