**نورالهدى
24 Mar 2012, 09:05 PM
جنات تجري من تحتها الأنهار
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/124727236832323232323.jpg
http://idata.over-blog.com/3/97/86/24/2/nfoglx6f4eqrpqrrp47d.gif
" وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ" " وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ " وما هو الإعجاز في الفرق بين من تحتها و تحتها وجزاك الله كل خير. الجواب : أولاً- لقد تكرر في القرآن الكريم قول الله تعالى :﴿ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ﴾ في مواضع كثيرة، أحدها ما جاء في البقرة :﴿ وَبَشِّرِ الَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ﴾(البقرة: 25). وجاء قوله تعالى :﴿ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ ﴾ في موضعين : أحدهما في الأعراف :﴿ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ ﴾(الأعراف: 43). والثاني في الأنعام :﴿ وَجَعَلْنَا الأَنْهَارَ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمْ ﴾(الأنعام: 6). وجاء قوله تعالى :﴿ تَجْرِي مِن تَحْتِي ﴾ في موضع واحد في الزخرف :﴿ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ﴾(الزخرف: 51). وجاء قوله تعالى :﴿ تَجْرِي تَحْتَهَا ﴾ في موضع واحد في التوبة :﴿ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ ﴾(التوبة: 100). ثانيًا- قال أبو حاتم :« وفي مصحف أهل حمص الذي بعث به عثمان إلى الشام في الأعراف :﴿ تَجْرِي تَحْتَهُمُ الأَنْهَارُ﴾(الأعراف: 43)، بغير ( مِنْ ).. » وفي آية التوبة قرأ الجمهور قوله تعالى :﴿ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ ﴾، بدون ( مِنْ )، وقرأ ابن كثير :﴿ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ﴾، بـ( مِنْ )، وكذلك هي في مصاحف أهل مكة. والقراءتان صحيحتان متواترتان. وقد حاول الطاهر ابن عاشور عند تفسير آية التوبة أن يبيِّن الفرق بين القراءتين، فقال ما نصُّه : « وقد خالفت هذه الآية عند معظم القراء أخواتها فلم تذكر فيها ( مِنْ ) مع ( تَحتِها ) في غالب المصاحف وفي رواية جمهور القراء، فتكون خالية من التأكيد، إذ ليس لحرف ( مِنْ ) معنى مع أسماء الظروف إلا التأكيد، ويكون خلو الجملة من التأكيد، لحصول ما يغني عنه، من إفادة التقوى بتقديم المسند إليه على الخبر الفعلي، ومن فعل ( أعدَّ ) المؤذن بكمال العناية، فلا يكون المعد إلا أكمل نوعه. وثبتت ( مِنْ ) في مصحف مَكة، وهي قراءة ابن كثير المكي، فتكون مشتملة على زيادة مؤكدين ». ويفهم من كلامه : أن وجود ( مِنْ ) في قوله تعالى :﴿ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ﴾ يفيد التوكيد، وأنها لم تدخل في قوله تعالى :﴿ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ ﴾ لوجود ما يغني عنها هنا من إفادة التوكيد، وهو تقديم المبتدأ :﴿ وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ ﴾ على الخبر الفعلي :﴿ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ ﴾، وما يفيده الفعل ﴿ أَعَدَّ ﴾ من كمال العناية بهم. ولو كان تقديم المبتدأ على الخبر الفعلي يغني عن ( مِنْ )، لأغنى عنها في قوله تعالى :﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُم مِّنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ﴾(العنكبوت: 58). ولو كان ما يفيده الفعل ( أعدَّ ) من كمال العناية مغنيًا عن ( مِنْ )، لأغنى عنها في قوله تعالى : ﴿ أَعَدَّ اللّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾(التوبة : 89). ثالثًا- وحقيقة القول في ذلك أن نقول، والله المستعان : إن لفظ ( تحت ) يستعمل في المنفصل، بخلاف لفظ ( أسفل ) الذي يستعمل في المتصل، ويقابله لفظ ( فوق ). تقول : هذا الشيء تحتي، وذاك الشيء فوقي : إذا كانت تفصل بينك، وبينه مسافة، قلَّت، أو كثُرت. فإذا كان ذلك الشيء الذي أنت فوقه وهو تحتك مباشرة، بحيث يكون متصلاً بك ومتصلاً به، تقول : هو من تحتي، وهو من فوقي، فتأتي بـ( مِنْ ) التي تفيد ابتداء الغاية. ومثال الأول قوله تعالى :﴿ وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا ﴾(الكهف: 82)، ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ ﴾(فصلت: 29)، ﴿ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ ﴾(التحريم: 10). ومثال الثاني قوله تعالى ﴿ لأكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم ﴾(المائدة: 66)، ﴿ يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ ﴾(العنكبوت: 55)، ﴿ لَهُم مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ النَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ﴾(الزمر: 16). وعلى الأول جاء قوله تعالى :﴿ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ ﴾، بدون ( مِنْ )، فإنه يفيد أن الأنهار تجري تحت الجنات، وأنها منفصلة عنها.. وعلى الثاني جاء قوله تعالى :﴿ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ﴾ فإنه يفيد- كما جاء في كتاب حادي الأرواح- أن الأنهار موجودة في الجنات حقيقة، وأنها تجري من تحت أشجارها، وغرفها، ومنازلها، وقصورها مباشرة. وهذا ما دل عليه لفظ ( مِنْ ) الذي يعبَّر به عن ابتداء الغاية. أي : يبدأ جريان الأنهار من هذه الجهة التي هي تحت الجنات. وإلى ذلك الإشارة بقول الله تعالى :﴿ لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِّن فَوْقِهَا غُرَفٌ مَّبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ﴾(الزمر: 20)، وقوله تعالى :﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُم مِّنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ﴾(العنكبوت: 58). وهذا ما يجعل مسكنها طيِّبًا، ومطعمها لذيذًا، وعيشها رَغَدًا، كما قال تعالى :﴿ مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَآئِمٌ وِظِلُّهَا﴾(الرعد: 35). ثم قال سبحانه في آية أخرى :﴿ مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاء غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى ﴾(محمد: 15). فهذه الأنهار في الجنات تجري من تحت غرفها وقصورها ومنازلها مباشرة، كما هو المعهود في الدنيا وأنهارها، وقد أخبر الله عز وجل عن جريان الأنهار تحت الناس في الدنيا، فقال سبحانه :﴿ أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاء عَلَيْهِم مِّدْرَاراً وَجَعَلْنَا الأَنْهَارَ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمْ ﴾(الأنعام: 6)، فهذا على ما هو المعهود والمتعارف، وكذلك ما حكاه سبحانه من قول فرعون :﴿ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴾(الزخرف: 51). أي : من تحت قصري. ويكمن ملاحظة الفرق بين التعبيرين بتأمل الآية الكريمة :﴿ فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً﴾(مريم: 24)، حيث قال :﴿ فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا ﴾. أي : جبريل، وكان أسفل منها، ثم قال :﴿ قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ ﴾. أي : نهر ماء كان قد انقطع، فأتى بـ( مِنْ ) في الأول، وأسقطها من الثاني. ولو عكس، لاختل نظم الكلام، وفسد معناه. والغريب أن من المفسرين من ذكر أن ( مِنْ ) هنا صلة. أي : زائدة، دخولها وخروجها سواء. قال الفخر الرازي :« ذكرنا مرارًا أن ( مِنْ ) في قوله :﴿مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ﴾ يحتمل أن يكون صلة، معناه : تجري تحتها الأنهار. ويحتمل أن يكون المراد أن ماءها منها، لا يجري إليها من موضع آخر، فيقال : هذا النهر منبعه من أين ؟ يقال من عين كذا، من تحت جبل كذا ».. ولا شك أن المعنى الثاني هو الصواب، وهو الموافق لما ذكرنا.. والله تعالى أعلم.
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/124727236832323232323.jpg
http://idata.over-blog.com/3/97/86/24/2/nfoglx6f4eqrpqrrp47d.gif
" وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ" " وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ " وما هو الإعجاز في الفرق بين من تحتها و تحتها وجزاك الله كل خير. الجواب : أولاً- لقد تكرر في القرآن الكريم قول الله تعالى :﴿ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ﴾ في مواضع كثيرة، أحدها ما جاء في البقرة :﴿ وَبَشِّرِ الَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ﴾(البقرة: 25). وجاء قوله تعالى :﴿ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ ﴾ في موضعين : أحدهما في الأعراف :﴿ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ ﴾(الأعراف: 43). والثاني في الأنعام :﴿ وَجَعَلْنَا الأَنْهَارَ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمْ ﴾(الأنعام: 6). وجاء قوله تعالى :﴿ تَجْرِي مِن تَحْتِي ﴾ في موضع واحد في الزخرف :﴿ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ﴾(الزخرف: 51). وجاء قوله تعالى :﴿ تَجْرِي تَحْتَهَا ﴾ في موضع واحد في التوبة :﴿ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ ﴾(التوبة: 100). ثانيًا- قال أبو حاتم :« وفي مصحف أهل حمص الذي بعث به عثمان إلى الشام في الأعراف :﴿ تَجْرِي تَحْتَهُمُ الأَنْهَارُ﴾(الأعراف: 43)، بغير ( مِنْ ).. » وفي آية التوبة قرأ الجمهور قوله تعالى :﴿ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ ﴾، بدون ( مِنْ )، وقرأ ابن كثير :﴿ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ﴾، بـ( مِنْ )، وكذلك هي في مصاحف أهل مكة. والقراءتان صحيحتان متواترتان. وقد حاول الطاهر ابن عاشور عند تفسير آية التوبة أن يبيِّن الفرق بين القراءتين، فقال ما نصُّه : « وقد خالفت هذه الآية عند معظم القراء أخواتها فلم تذكر فيها ( مِنْ ) مع ( تَحتِها ) في غالب المصاحف وفي رواية جمهور القراء، فتكون خالية من التأكيد، إذ ليس لحرف ( مِنْ ) معنى مع أسماء الظروف إلا التأكيد، ويكون خلو الجملة من التأكيد، لحصول ما يغني عنه، من إفادة التقوى بتقديم المسند إليه على الخبر الفعلي، ومن فعل ( أعدَّ ) المؤذن بكمال العناية، فلا يكون المعد إلا أكمل نوعه. وثبتت ( مِنْ ) في مصحف مَكة، وهي قراءة ابن كثير المكي، فتكون مشتملة على زيادة مؤكدين ». ويفهم من كلامه : أن وجود ( مِنْ ) في قوله تعالى :﴿ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ﴾ يفيد التوكيد، وأنها لم تدخل في قوله تعالى :﴿ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ ﴾ لوجود ما يغني عنها هنا من إفادة التوكيد، وهو تقديم المبتدأ :﴿ وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ ﴾ على الخبر الفعلي :﴿ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ ﴾، وما يفيده الفعل ﴿ أَعَدَّ ﴾ من كمال العناية بهم. ولو كان تقديم المبتدأ على الخبر الفعلي يغني عن ( مِنْ )، لأغنى عنها في قوله تعالى :﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُم مِّنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ﴾(العنكبوت: 58). ولو كان ما يفيده الفعل ( أعدَّ ) من كمال العناية مغنيًا عن ( مِنْ )، لأغنى عنها في قوله تعالى : ﴿ أَعَدَّ اللّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾(التوبة : 89). ثالثًا- وحقيقة القول في ذلك أن نقول، والله المستعان : إن لفظ ( تحت ) يستعمل في المنفصل، بخلاف لفظ ( أسفل ) الذي يستعمل في المتصل، ويقابله لفظ ( فوق ). تقول : هذا الشيء تحتي، وذاك الشيء فوقي : إذا كانت تفصل بينك، وبينه مسافة، قلَّت، أو كثُرت. فإذا كان ذلك الشيء الذي أنت فوقه وهو تحتك مباشرة، بحيث يكون متصلاً بك ومتصلاً به، تقول : هو من تحتي، وهو من فوقي، فتأتي بـ( مِنْ ) التي تفيد ابتداء الغاية. ومثال الأول قوله تعالى :﴿ وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا ﴾(الكهف: 82)، ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ ﴾(فصلت: 29)، ﴿ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ ﴾(التحريم: 10). ومثال الثاني قوله تعالى ﴿ لأكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم ﴾(المائدة: 66)، ﴿ يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ ﴾(العنكبوت: 55)، ﴿ لَهُم مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ النَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ﴾(الزمر: 16). وعلى الأول جاء قوله تعالى :﴿ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ ﴾، بدون ( مِنْ )، فإنه يفيد أن الأنهار تجري تحت الجنات، وأنها منفصلة عنها.. وعلى الثاني جاء قوله تعالى :﴿ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ﴾ فإنه يفيد- كما جاء في كتاب حادي الأرواح- أن الأنهار موجودة في الجنات حقيقة، وأنها تجري من تحت أشجارها، وغرفها، ومنازلها، وقصورها مباشرة. وهذا ما دل عليه لفظ ( مِنْ ) الذي يعبَّر به عن ابتداء الغاية. أي : يبدأ جريان الأنهار من هذه الجهة التي هي تحت الجنات. وإلى ذلك الإشارة بقول الله تعالى :﴿ لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِّن فَوْقِهَا غُرَفٌ مَّبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ﴾(الزمر: 20)، وقوله تعالى :﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُم مِّنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ﴾(العنكبوت: 58). وهذا ما يجعل مسكنها طيِّبًا، ومطعمها لذيذًا، وعيشها رَغَدًا، كما قال تعالى :﴿ مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَآئِمٌ وِظِلُّهَا﴾(الرعد: 35). ثم قال سبحانه في آية أخرى :﴿ مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاء غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى ﴾(محمد: 15). فهذه الأنهار في الجنات تجري من تحت غرفها وقصورها ومنازلها مباشرة، كما هو المعهود في الدنيا وأنهارها، وقد أخبر الله عز وجل عن جريان الأنهار تحت الناس في الدنيا، فقال سبحانه :﴿ أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاء عَلَيْهِم مِّدْرَاراً وَجَعَلْنَا الأَنْهَارَ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمْ ﴾(الأنعام: 6)، فهذا على ما هو المعهود والمتعارف، وكذلك ما حكاه سبحانه من قول فرعون :﴿ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴾(الزخرف: 51). أي : من تحت قصري. ويكمن ملاحظة الفرق بين التعبيرين بتأمل الآية الكريمة :﴿ فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً﴾(مريم: 24)، حيث قال :﴿ فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا ﴾. أي : جبريل، وكان أسفل منها، ثم قال :﴿ قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ ﴾. أي : نهر ماء كان قد انقطع، فأتى بـ( مِنْ ) في الأول، وأسقطها من الثاني. ولو عكس، لاختل نظم الكلام، وفسد معناه. والغريب أن من المفسرين من ذكر أن ( مِنْ ) هنا صلة. أي : زائدة، دخولها وخروجها سواء. قال الفخر الرازي :« ذكرنا مرارًا أن ( مِنْ ) في قوله :﴿مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ﴾ يحتمل أن يكون صلة، معناه : تجري تحتها الأنهار. ويحتمل أن يكون المراد أن ماءها منها، لا يجري إليها من موضع آخر، فيقال : هذا النهر منبعه من أين ؟ يقال من عين كذا، من تحت جبل كذا ».. ولا شك أن المعنى الثاني هو الصواب، وهو الموافق لما ذكرنا.. والله تعالى أعلم.