المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : إيمان بلا شوق إيمان بلا حياة



عبق الزيزفون
10 Dec 2004, 09:31 PM
إيمان بلا شوق إيمان بلا حياة

أديب إبراهيم الدباغ

"إنَّ "إيماناً" لا تذكي جَذْوَتَهُ الأشواقُ إلى الله، ولا تُلهبُ حماسَهُ لوعةُ الحنين إلى جمال "الآخرة" ولا يُوري زِنَادَهُ عطشٌ دائمٌ إلى الخلود والبقاء، هو إيمان تقليدي بارد، واعتقادٌ هَشٌ سريعُ التّفتُّتِ والانكسار، تستهدفه سهامُ الأعداء أول ما تستهدف، وتتناولهُ معاول الخصوم أول ما تتناول.
فالمسلمون كلهم ـ إذا حاورتهم ـ مؤمنون بالآخرة، ولكنَّ القليل منهم مَنْ يشتاقُ إليها شوق العاشق الولهان الذي لا يتردَّدُ ـ إذا جَدَّ الجدُّ ـ أن يجعل "دنياه" كلَّها صِداق وفائه، وعربون إخلاصه، وأن يقدِّم حياتَهُ فرحاً بيوم لقائها وساعة وصالها.

والمسلمون كلهم ـ إذا ساررتَهُمْ ـ مؤمنون بالجنة، ولكن أين الذائبون فيها؟ والملهوفون عليها؟

أين منهم مَنْ أضناه البعاد، وأسهده طول الانتظار؟ وأينَ مَنْ يظمئ نهارَهُ، ويُسْهِرُ ليلَهُ، من اجل رضى الله الذي بيد رحمته مفاتيح الجنان؟

والمسلمون كلهم ـ إذا خاطبتهم ـ مؤمنون بالنار، ولكن أين الخائفون المرتعبون منها؟ أين الذين ترتعد فرائصهم من هول عذابها؟ وأين الذين يحسّون وكأنهم مواقعوها بين لحظة وأخرى؟ فيسألون الله النجاة منها، والخلاص من سعيرها بما يرضاه الله من تقواهم وصالح أعمالهم..؟!

ولمَّا كانت الموجودات في هذه الدنيا ـ كما ينظر إليها "النورسي" ـ هي أمثلة مصغرة لوجود أخروي كبير، وأطياف خيال لحقيقة أخروية أعظم، وأشباحاً باهتة لرؤى فكرٍ أخروي غاية في السَعَة والشمول والدقة والعظمة، لذا فإن كل موجود هنا في عالمنا الصغير هذا موصول بما يناظره هناك، وكلُّ معنى هنا مرتبط بمعنى أسمى وأعظم هناك، فالدنيا مرتبطة بالآخرة، وحبُّ البقاء والكمال عند الإنسان هنا يؤكد معنى الخلود والبقاء والكمال هناك، والصُّورُ الذي ينفخ فيه الربيع ليبعثَ من الأجداث مئات الألوف من أنواع النبات والحيوان والحشرات كلَّ سنة، إيماءة واضحة لصُور أكبر، وحشر أعظم يوم القيامة، والحافظة في مُخّ الإنسان وهي بحجم حبّةِ خردل، والتي تحتفظ بشريط مسجل لماضي الإنسان وما وقع له من أحداث، هي مثال مصغر لحافظة أخروية أوسع واكبر تحفظ سجلاً كاملاً لتاريخ حياة الإنسان على هذه الارض، ليعرض عليه في الآخرة عند مناقشته الحساب.

وليس "النورسي" صاحب قلم بارد يغمسه في مداد فكر بارد، ليكتب ما يشاء وقتما يشاء، إنما هو المعاناة الجريحة المدَّماة التي تنـزف فكراً فيه حرارة الروح، ودفء القلب، وإنما هو السحابة المثقلة بماء الحياة والتي لا يدري أحدٌ متى تبرق وترعد وتغيث، وإن شئتَ فاستمع إليه حيث يقول في وصف حاله عندما كتب "مثنويه"

".. والكلمات إنما تولدت إثرَ جدال هائل ونقاش عظيم مع الفكر، وسط إعصار تتصارع فيه الأنوار مع النيران، فأحسُّ برأسي يتدحرج في آنٍ واحدٍ من الأوج إلى الحضيض، ثم يرتفع من الحضيض إلى الأوج، ومن الثرى إلى الثريا، إذْ سلَكت طريقاً غير مسلوك في برزخ بين العقل والقلب، ودار عقلي من دهشة السقوط والصعود، فكلما صادفتُ نوراً نصبت عليه علامةً لأتذكره بها، وكثيراً ما أضع كلمةً على ما لا يمكن التعبير عنه للإخطار والتذكير، لا للدلالة، فكثيراً ما نصبت كلمة واحدة على نور عظيم.." [1].


--------------------------------------------------------------------------------

أبو بدر 1
11 Dec 2004, 08:23 PM
عبق الزيزفون



شكر الله لك هذا لنقل والتوضيح

ونسال الله أن يعين الجميع على التغيير إلى الأفضل والسعي إلى الأخرة قولاً وعملا

وجزاك الله خيرا