المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : :: طهر ووحل ::



الصحبة الصالحة
25 Sep 2011, 03:56 AM
http://dc15.arabsh.com/i/02332/z7p3accyfm7a.gif


:::



كان مقعدها بجانبي
تعجبني فيها عفويتها وبراءتها الطفولية
رغم ظاهرها المنبي بفراغ كبير في عقلها
وبحيز كبير تشغله السفاسف من قلبها
لبراءتها أحببتها
فتحتُ لها قلبي فنثرت لي كل شيء
قالت لي يوماً: أتعلمين؟
كلنا في البيت لا نصلي،
إلا إذا كان أبي موجوداً وحانت
الصلاة فلا يفكر أحد حتى في تأخيرها.
صمتُّ ذاهلة، ومن بين ذهول الحسرة
أتتني بقية حديثها: ولكن ...
هل تصدقين أنني بدأت أصلي بسببك؟
_أنا؟!!!
_نعم أنتِ.
_كيف؟
_ هل تذكرين يوماً اتصلتِ تسألينني
عن واجب التاريخ وقت صلاة العصر؟
_آه، نعم أتذكر.
_سألتِني: هل صليتِ العصر؟
قلتُ: لا.
قلتِ: ولا أنا، إذن لنصلي ثم سأتصل بك.
والله إني ذهبتُ مباشرة أصلي.
ضحكتُ متعجبة وشجعتها..
تجلّتْ لي طفولتها حقاً
بكلمة واحدة تحرك قلبها
:::

لتجاور مقعدينا كنت أبحث معها في الدراسة
وما قالت تلك المعلمة وما حُدّد لنا في الاختبار
ونجحَت في الصف الأول الثانوي وبمعدل حسن
واختارت التخصص العلمي
وكنا في فصل واحد غير أن المقعد كان
بعيداً وبعيداً جداً عن مقعدي،، إلا أنها لازالت تراني
مودع أسرارها.

فاجأتني يوماً بحكاية هزتني
أبكت قلبي حتى أُورِث عقلي الشتات
حكت لي بلسانٍ مضطرب وقلبٍ وجل
ما لم أظن يوماً أن أسمعه..
كثيراً ما حدثتني قبلاً عن شقيقها الأكبر بأسى
عن انطوائيته وتعجرفه
عن فساد دينه وخلقه
ومكوثه على حاسبه الساعات المتواصلة
تركه للصلاة مما أخر تزويجه حتى الآن
إذ كلما سئل: أين تصلي؟ أجاب: مساجد الأرض كثيرة.
اليوم أتتني بالكلمة القاصمة
أخذت بيدي إلى زاوية الفصل بعيداً عن المسامع
وقالت بخفوتٍ وارتعاش:
تسللتُ إلى غرفة أخي فوجدت حاسبه مفتوحاً
ولأول مرة، فاستغللتُ الفرصة التي طالما تمنيتُها
لأعرف منتداه الشخصي
عرفتُه وقرأتُ ماكتبه...
هنا توقفَتْ عن متابعة قصتها
وأقسمَتْ علي مراراً ألا أخبر أحداً بسرها
خشية العقبات،، وافقتُها فتابعَتْ:
كتب اسمه صريحآ
أنا فلان بن فلان الفلاني،،
أنا....




أنا فلان بن فلان الفلاني،، أنا....
[نصـــــــــــرانـــــــــي]

ألجمت لشد وقع الكلمة، وتملكتني رحمة بها
لخوفها الذي يملأ حديثها
سألتُها بعد حين: أتلاحظين عليه
تصرفات تشبه صلاة النصارى؟
قالت في عجب كبير وقد اتسع حدقاها:
وماهي؟
قلت: أيفعل هكذا
أيفعل هكذا
وأريتها أفعالا من صلاتهم معروفة
وكان جوابها: هو لا يفعلها بل كلنا كذلك
خاصة الصغار
_تفعلونها كلكم؟ لماذا؟ ألديكم خادمات نصرانيات؟
_نعم. لماذا؟
_هذه صلاتهم وهذا رمز عقيدتهم،
كما نحن نركع ونسجد لله ونرفع السبابة
ونقول لا إله إلا الله، هم كذلك.
لاحظتُ تفاجؤها، بل خوفها من المفاجأة،
قلتُ لها: لا تحملي هم ما فعلتِ،، لن يلاحظ أخوك شيئاً بإذن الله.
_لو علم سيقتلني بالتأكيد.
_ادعي الله أن يهديه وحاولي أن تكوني مسالمة معه.
:::
ومرت أيام...
أخذت بيدي يوماً إلى زاوية بعيداً عن الأسماع
وبخوف لا يوصف أخذَتْ تسألني وتستحلفني:
هل أخبرتِ أحداً بتلك القصة.
_بالطبع لا
_متأكدة؟
_هل حدث شيء؟
_بالأمس دخل الشرطة وفتشوا البيت وأخذوا أخي،
أخرجوا من غرفته ثلاثة كتب رأيت على أحدها
صورة الصليب.
ماذا سيفعلون بأخي؟
هل سيقتلونه؟
طالني الصمت متفاجئة،
خشيت على روحها الضعيفة،
تفكرتُ طويلآ في صدمة الجميع به.
قلتُ مشفقةً عليها:
_بالتأكيد لن يقتلوه. لابد أن يطلبوا منه
العودة للإسلام ويعلموه الدين أولا.
_متى سيعود إذن؟
_قد يطول الوقت ولكن ادعي له دائمآ.
:::

كنت أسألها عنه من حين لآخر
فأجد الإجابة كل مرة:
لا نعلم عنه أي شيء.
وطال الزمان ولاجديد
انتهى العام، وحسرة استوطنَتْ قلبي حين
علمتُ بأنها لم تنجح تلك السنة،
وبعُد الفصلان بعداً كبيراً
كنت أمر أمام فصلها بين حين وآخر
لأطمئن عليها
وجدتُها قد اختارت في الصف الأول
مقعداً لها وغالباً ما أراها مشاركة،
ألتقي بها في أحايين قليلة،
أرتني مرة مستواها الفصلي
وأفرحني كثيراً علو معدلها..

يوماً ما، كنت أجلس مع صديقة لي بانتظار أخي
ليأخذني من المدرسة، إذ بها آتية، وجلست بجانبي
لم يكن الوقت مناسباً للإفصاح ولا أن تأخذني جانباً،
فأخبرتني بذكاء ما أرادت أن تخبرني.
قالت لي بهدوء شديد: عندي لك بشارة.
لقد عاد أخي فلان من سفره.
_[بفرح] فلان؟ متى عاد؟
_البارحة
_وكيف هو؟
_من يراه الآن لايصدق أنه هو.
_لماذا؟
_أشارت بيدها أنه أعفى لحيته، ففهمت أنه استقام.
_أسألك بالله؟
_والله إني صادقة. أخلاقه لاتوصف. صار طيباً جداً.
بدأت تحدثني بحرية عنه، بعد أن انشغلت صديقتي بالحديث مع أخرى:
أغدق علينا حناناً لم نعهده، يضاحكنا ويمازحنا، كلنا متفاجئين من تعامله وتدينه.

حدثتني عن أنس عم، وفرحة بهدايته،
عن ذهول لا يزال يتغشاهم..

لك الحمد يارب
[أومن كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس]
:::

بقية أخباره:
خطبةٌ فزواجٌ في أيام معدودة بُعيد عودته
ثم أشهر ليرزق بعدها بابنٍ بإذن الله صالح
ودعوةٌ لله اختار أن يحيى عليها قلبه فيبارك ربي بإذنه ما استقبل من أيام
:::

هنا....
إن كان من نقطةٍ أضعها فلا سوى دعوة له بالثبات على الدين،
ودعوة أخرى أن ألتقي تلك الطفولة، ولو للحظات.
وأكرم من جمع الدنيا الجمع في ظل عرشك يارب...