صقر 55
19 Nov 2004, 08:12 PM
قال تعالى: {والذين اتخذوا مسجداً ضراراً وكفراً وتفريقاً بين المؤمنين وإرصاداً لمن حارب اللهَ ورسولَه من قبل وليَحلفنَّ إن أردنا إلا الحسنى والله يشهد إنّهم لكاذبون. لا تقم فيه أبداً لمسجدٌ أُسس على التقوى من أول يومٍ أحقُّ أن تقوم فيه فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطَّهرين} التوبة:107-108.
لكي يتضح المعنى جلياً لا بد من أن نذكر السبب الذي نزلت فيه هذه الآيات والأشخاص الذين نزلت فيهم.
أطبقت كتب التفسير على أن هذه الآيات نزلت في رجلٍ جند نفسه لحرب الله ورسوله، ولم يدع حرباً ضد الرسول صلى الله عليه وسلم إلا وقد شارك فيها وهو أبو عامر الراهب، وقد سماه النبي صلى الله عليه وسلم بالفاسق، وكان مما فعله هذا الرجل أنه التجأ إلى هرقل ملك الروم يستنجده العون لقتال النبي صلى الله عليه وسلم، فأرسل إلى أصحابه من المنافقين في المدينة وكان عددهم اثنا عشر رجلاً أن يبنوا له مسجداً ضراراً وإرصاداً؛ أي ترقباً وانتظاراً لقدومه مع جيش الروم يستخدمه كقاعدة لحرب الله ورسوله والمؤمنين، إضافة للمهام الأخرى التي ذكرتها الآية الكريمة، والتي سنأتي على بيانها ـ إن شاء الله ـ بشيء من التفصيل.
وإليك أقوال بعض أهل العلم والتفسير فيما تقدم :
قال ابن جرير الطبري في التفسير 6/470: فتأويل الكلام: والذين ابتنوا مسجداً ضراراً لمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكفراً بالله لمحادتهم بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويفرقوا به المؤمنين، ليصلي فيه بعضهم دون مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعضهم في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيختلفوا بسبب ذلك ويفترقوا، {وإرصاداً لمن حارب الله ورسوله من قبل}، يقول: وإعداداً له لأبي عامر الكافر، الذي خالف الله ورسوله، وكفر بهما، وقاتل رسول الله، {من قبل} يعني من قبل بنائهم ذلك المسجد؛ وذلك أن أبا عامر هو الذي كان حزَّب الأحزاب لقتال رسول الله، فلما خذله الله، لحق بالروم يطلب النصر من ملكهم على نبي الله، وكتب إلى أهل مسجد الضرار يأمرهم ببناء المسجد الذي كانوا بنوه فيما ذُكر عنه ليصلي فيه فيما يزعم، إذا رجع إليهم، ففعلوا ذلك، وهذا معنى قول الله جل ثناؤه: {وإرصاداً لمن حارب الله ورسوله من قبل}.
وعن أبن عباس قوله: {والذين اتخذوا مسجداً ضراراً}، وهم أناس من الأنصار ابتنوا مسجداً، فقال لهم أبو عامر: ابنوا مسجدكم، واستعدوا بما استطعتم من قوةٍ ومن سلاح، فإني ذاهب إلى قيصر ملك الروم، فآتي بجند من الروم، فأخرج محمداً وأصحابه، فلما فرغوا من مسجدهم، أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: قد فرغنا من بناء مسجدنا، فنحب أن تصلي فيه، وتدعو لنا بالبركة! فأنزل الله فيه: {لا تقم فيه أبداً لمسجد أُسس على التقوى من أول يومٍ أحقُّ أن تقوم فيه}.
وقال ـ أي ابن عباس ـ : قوله {لمن حارب الله ورسوله} يعني رجلاً منهم يقال له أبو عامر، كان محارباً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان قد انطلق إلى هرقل، فكانوا يرصدون إذا قدم أبو عامر أن يصلي فيه، كانوا يرون أنه سيظهر على محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وكان قد خرج من المدينة محارباً لله ورسوله.
وعن مجاهد: {والذين اتخذوا مسجداً ضراراً وكفراً} قال: المنافقون، {لمن حارب الله ورسوله}، لأبي عامر الراهب. انتهى كلام ابن جرير، والاقتباس من تفسيره.
قال ابن كثير في التفسير 2/402: سبب نزول هذه الآيات الكريمات أنه كان بالمدينة قبل مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم إليها رجل من الخزرج يُقال له أبو عامر الراهب، وكان قد تنصر في الجاهلية وقرأ علم أهل الكتاب وكان فيه عبادة في الجاهلية وله شرف في الخزرج كبير، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مهاجراً إلى المدينة واجتمع المسلمون عليه وصارت للإسلام كلمة عالية وأظهرهم الله يوم بدر، شرق اللعين أبو عامر بريقه وبارز بالعداوة وظاهر بها وخرج فاراً إلى كفار مكة من مشركي قريش يمالئهم على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاجتمعوا بمن وافقهم من أحياء العرب وقدمو عام أحد فكان من أمر المسلمين ما كان.. وكان هذا الفاسق قد حفر حفائر فيما بين الصفين فوقع في إحداهن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصيب ذلك اليوم فجرح وجهه وكسرت رباعيته اليمنى السفلى، وشُج رأسه صلوات الله وسلامه عليه. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد دعاه إلى الله قبل فراره وقرأ عليه من القرآن، فأبى أن يُسلم وتمرد، فدعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يموت بعيداً طريداً فنالته هذه الدعوة؛ وذلك أنه لما فرغ الناس من أحد ورأى أمر الرسول في ارتفاع وظهور ذهب إلى هرقل ملك الروم يستنصره على النبي صلى الله عليه وسلم فوعده ومناه وأقام عنده وكتب إلى جماعة من قومه من الأنصار من أهل النفاق والريب يعدهم ويمنيهم أنه سيقدم بجيش يقاتل به رسول الله صلى الله عليه وسلم ويغلبه ويرده عما هو فيه، وأمرهم أن يتخذوا له معقلاً يقدم عليهم فيه من يقدم من عنده لأداء كتبه ويكون مرصداً له إذا قدم عليهم بعد ذلك، فشرعوا في بناء مسجد مجاور لمسجد قباء فبنوه وأحكموه وفرغوا منه قبل خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك، وجاءوا فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتي إليهم فيصلي في مسجدهم ليحتجوا بصلاته فيه على تقريره وإثباته، وذكروا أنهم إنما بنوه للضعفاء منهم من أهل العلة في الليلة الشاتية فعصمه الله من الصلاة فيه فقال:" إنا على سفر ولكن إذا رجعنا إن شاء الله " فلما قفل عليه السلام راجعاً إلى المدينة من تبوك ولم يبق بينه وبينها إلا يوم أو بعض اليوم نزل عليه جبريل بخبر مسجد الضرار وما اعتمده بانوه من الكفر والتفريق بين جماعة المؤمنين في مسجدهم مسجد قباء الذي أسس في أول يوم على التقوى، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ذلك المسجد مَن هدمه قبل مقدمه المدينة، كما قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في الآية: هم أناس من الأنصار بنوا مسجداً فقال لهم أبو عامر ابنوا مسجداً واستعدوا بما استطعتم من قوة ومن سلاح فإني ذاهب إلى قيصر ملك الروم فآتي بجند من الروم وأخرج محمداً وأصحابه، فلما فرغوا من مسجدهم أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا له قد فرغنا من بناء مسجدنا فنحب أن تصلي فيه وتدعو لنا بالبركة، فأنزل الله عز وجل {لا تقم فيه أبداً} إلى قوله {الظالمين} وكذا روي عن سعيد بن جبير، ومجاهد، وعروة بن الزبير، وقتادة وغير واحد من العلماء. انتهى.
وقال القرطبي في التفسير 8/257 : {وإرصاداً لمن حارب اللهَ ورسولَه} يعني أبا عامر الراهب؛ وسُمي بذلك لأنه كان يتعبد ويلتمس العلم فمات كافراً بقِنَّسرين بدعوة النبي صلى الله عليه وسلم فإنه كان قال للنبي صلى الله عليه وسلم : لا أجد قوماً يقاتلونك إلا قاتلتك معهم؛ فلم يزل يقاتله إلى يوم حنين، فلما انهزمت هوازن خرج إلى الروم يستنصر، وأرسل إلى المنافقين وقال: استعدوا بما استطعتم من قوة وسلاح، وابنوا مسجداً فإني ذاهب إلى قيصر فآت بجند من الروم لأخرج محمداً من المدينة، فبنوا مسجد الضرار. انتهى.
ونحو الذي قاله الطبري، وابن كثير، والقرطبي قاله غيرهم من أهل العلم والتفسير في كتبهم، والذي دعانا إلى هذا التفصيل النسبي في ذكر سبب نزول آيات مسجد الضرار هو أن يدرك القارئ خطورة مسجد ضرار الذي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بهدمه وحرقه، وحجم المؤامرة الضخمة التي كانت تحاك من وراء بناء هذا المسجد المذكور، حتى إن أراد القياس عليه يحسن القياس والتقدير، وهذا أمر مهم جداً لكل من أراد أن يبحث ويدقق في شأن مساجد الضرار..
وليعرف القارئ كذلك أن الذي بنى مسجد الضرار هم المنافقون إرصاداً وترقباً لمقدم أبي عامر الكافر ومعه جند الروم ليكون لهم قاعدة ومعقلاً ـ كما سماه ابن كثير ـ ينطلقون منه لحرب الرسول صلى الله عليه وسلم.. وليس أن الذي بنى المسجد هو أبو عامر كما ذُكر في بعض المقالات! والفرق بين الأمرين والنقلين من حيث الدلالة على حجم خطورة مسجد ضرار الذي استحق الهدم والحرق واضح لكل ذي بصر وبصيرة.
...
لكي يتضح المعنى جلياً لا بد من أن نذكر السبب الذي نزلت فيه هذه الآيات والأشخاص الذين نزلت فيهم.
أطبقت كتب التفسير على أن هذه الآيات نزلت في رجلٍ جند نفسه لحرب الله ورسوله، ولم يدع حرباً ضد الرسول صلى الله عليه وسلم إلا وقد شارك فيها وهو أبو عامر الراهب، وقد سماه النبي صلى الله عليه وسلم بالفاسق، وكان مما فعله هذا الرجل أنه التجأ إلى هرقل ملك الروم يستنجده العون لقتال النبي صلى الله عليه وسلم، فأرسل إلى أصحابه من المنافقين في المدينة وكان عددهم اثنا عشر رجلاً أن يبنوا له مسجداً ضراراً وإرصاداً؛ أي ترقباً وانتظاراً لقدومه مع جيش الروم يستخدمه كقاعدة لحرب الله ورسوله والمؤمنين، إضافة للمهام الأخرى التي ذكرتها الآية الكريمة، والتي سنأتي على بيانها ـ إن شاء الله ـ بشيء من التفصيل.
وإليك أقوال بعض أهل العلم والتفسير فيما تقدم :
قال ابن جرير الطبري في التفسير 6/470: فتأويل الكلام: والذين ابتنوا مسجداً ضراراً لمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكفراً بالله لمحادتهم بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويفرقوا به المؤمنين، ليصلي فيه بعضهم دون مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعضهم في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيختلفوا بسبب ذلك ويفترقوا، {وإرصاداً لمن حارب الله ورسوله من قبل}، يقول: وإعداداً له لأبي عامر الكافر، الذي خالف الله ورسوله، وكفر بهما، وقاتل رسول الله، {من قبل} يعني من قبل بنائهم ذلك المسجد؛ وذلك أن أبا عامر هو الذي كان حزَّب الأحزاب لقتال رسول الله، فلما خذله الله، لحق بالروم يطلب النصر من ملكهم على نبي الله، وكتب إلى أهل مسجد الضرار يأمرهم ببناء المسجد الذي كانوا بنوه فيما ذُكر عنه ليصلي فيه فيما يزعم، إذا رجع إليهم، ففعلوا ذلك، وهذا معنى قول الله جل ثناؤه: {وإرصاداً لمن حارب الله ورسوله من قبل}.
وعن أبن عباس قوله: {والذين اتخذوا مسجداً ضراراً}، وهم أناس من الأنصار ابتنوا مسجداً، فقال لهم أبو عامر: ابنوا مسجدكم، واستعدوا بما استطعتم من قوةٍ ومن سلاح، فإني ذاهب إلى قيصر ملك الروم، فآتي بجند من الروم، فأخرج محمداً وأصحابه، فلما فرغوا من مسجدهم، أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: قد فرغنا من بناء مسجدنا، فنحب أن تصلي فيه، وتدعو لنا بالبركة! فأنزل الله فيه: {لا تقم فيه أبداً لمسجد أُسس على التقوى من أول يومٍ أحقُّ أن تقوم فيه}.
وقال ـ أي ابن عباس ـ : قوله {لمن حارب الله ورسوله} يعني رجلاً منهم يقال له أبو عامر، كان محارباً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان قد انطلق إلى هرقل، فكانوا يرصدون إذا قدم أبو عامر أن يصلي فيه، كانوا يرون أنه سيظهر على محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وكان قد خرج من المدينة محارباً لله ورسوله.
وعن مجاهد: {والذين اتخذوا مسجداً ضراراً وكفراً} قال: المنافقون، {لمن حارب الله ورسوله}، لأبي عامر الراهب. انتهى كلام ابن جرير، والاقتباس من تفسيره.
قال ابن كثير في التفسير 2/402: سبب نزول هذه الآيات الكريمات أنه كان بالمدينة قبل مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم إليها رجل من الخزرج يُقال له أبو عامر الراهب، وكان قد تنصر في الجاهلية وقرأ علم أهل الكتاب وكان فيه عبادة في الجاهلية وله شرف في الخزرج كبير، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مهاجراً إلى المدينة واجتمع المسلمون عليه وصارت للإسلام كلمة عالية وأظهرهم الله يوم بدر، شرق اللعين أبو عامر بريقه وبارز بالعداوة وظاهر بها وخرج فاراً إلى كفار مكة من مشركي قريش يمالئهم على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاجتمعوا بمن وافقهم من أحياء العرب وقدمو عام أحد فكان من أمر المسلمين ما كان.. وكان هذا الفاسق قد حفر حفائر فيما بين الصفين فوقع في إحداهن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصيب ذلك اليوم فجرح وجهه وكسرت رباعيته اليمنى السفلى، وشُج رأسه صلوات الله وسلامه عليه. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد دعاه إلى الله قبل فراره وقرأ عليه من القرآن، فأبى أن يُسلم وتمرد، فدعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يموت بعيداً طريداً فنالته هذه الدعوة؛ وذلك أنه لما فرغ الناس من أحد ورأى أمر الرسول في ارتفاع وظهور ذهب إلى هرقل ملك الروم يستنصره على النبي صلى الله عليه وسلم فوعده ومناه وأقام عنده وكتب إلى جماعة من قومه من الأنصار من أهل النفاق والريب يعدهم ويمنيهم أنه سيقدم بجيش يقاتل به رسول الله صلى الله عليه وسلم ويغلبه ويرده عما هو فيه، وأمرهم أن يتخذوا له معقلاً يقدم عليهم فيه من يقدم من عنده لأداء كتبه ويكون مرصداً له إذا قدم عليهم بعد ذلك، فشرعوا في بناء مسجد مجاور لمسجد قباء فبنوه وأحكموه وفرغوا منه قبل خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك، وجاءوا فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتي إليهم فيصلي في مسجدهم ليحتجوا بصلاته فيه على تقريره وإثباته، وذكروا أنهم إنما بنوه للضعفاء منهم من أهل العلة في الليلة الشاتية فعصمه الله من الصلاة فيه فقال:" إنا على سفر ولكن إذا رجعنا إن شاء الله " فلما قفل عليه السلام راجعاً إلى المدينة من تبوك ولم يبق بينه وبينها إلا يوم أو بعض اليوم نزل عليه جبريل بخبر مسجد الضرار وما اعتمده بانوه من الكفر والتفريق بين جماعة المؤمنين في مسجدهم مسجد قباء الذي أسس في أول يوم على التقوى، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ذلك المسجد مَن هدمه قبل مقدمه المدينة، كما قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في الآية: هم أناس من الأنصار بنوا مسجداً فقال لهم أبو عامر ابنوا مسجداً واستعدوا بما استطعتم من قوة ومن سلاح فإني ذاهب إلى قيصر ملك الروم فآتي بجند من الروم وأخرج محمداً وأصحابه، فلما فرغوا من مسجدهم أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا له قد فرغنا من بناء مسجدنا فنحب أن تصلي فيه وتدعو لنا بالبركة، فأنزل الله عز وجل {لا تقم فيه أبداً} إلى قوله {الظالمين} وكذا روي عن سعيد بن جبير، ومجاهد، وعروة بن الزبير، وقتادة وغير واحد من العلماء. انتهى.
وقال القرطبي في التفسير 8/257 : {وإرصاداً لمن حارب اللهَ ورسولَه} يعني أبا عامر الراهب؛ وسُمي بذلك لأنه كان يتعبد ويلتمس العلم فمات كافراً بقِنَّسرين بدعوة النبي صلى الله عليه وسلم فإنه كان قال للنبي صلى الله عليه وسلم : لا أجد قوماً يقاتلونك إلا قاتلتك معهم؛ فلم يزل يقاتله إلى يوم حنين، فلما انهزمت هوازن خرج إلى الروم يستنصر، وأرسل إلى المنافقين وقال: استعدوا بما استطعتم من قوة وسلاح، وابنوا مسجداً فإني ذاهب إلى قيصر فآت بجند من الروم لأخرج محمداً من المدينة، فبنوا مسجد الضرار. انتهى.
ونحو الذي قاله الطبري، وابن كثير، والقرطبي قاله غيرهم من أهل العلم والتفسير في كتبهم، والذي دعانا إلى هذا التفصيل النسبي في ذكر سبب نزول آيات مسجد الضرار هو أن يدرك القارئ خطورة مسجد ضرار الذي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بهدمه وحرقه، وحجم المؤامرة الضخمة التي كانت تحاك من وراء بناء هذا المسجد المذكور، حتى إن أراد القياس عليه يحسن القياس والتقدير، وهذا أمر مهم جداً لكل من أراد أن يبحث ويدقق في شأن مساجد الضرار..
وليعرف القارئ كذلك أن الذي بنى مسجد الضرار هم المنافقون إرصاداً وترقباً لمقدم أبي عامر الكافر ومعه جند الروم ليكون لهم قاعدة ومعقلاً ـ كما سماه ابن كثير ـ ينطلقون منه لحرب الرسول صلى الله عليه وسلم.. وليس أن الذي بنى المسجد هو أبو عامر كما ذُكر في بعض المقالات! والفرق بين الأمرين والنقلين من حيث الدلالة على حجم خطورة مسجد ضرار الذي استحق الهدم والحرق واضح لكل ذي بصر وبصيرة.
...