تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : الفراسة وأقسامها وأمثلة رائعة عن أصحاب الفراسة من السلف-----



ام حفصه
20 Jun 2011, 10:14 PM
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد:



فحديثنا في هذه الليلة -أيها الإخوة- عن موضوعٍ فيه شيءٌ من العجب والغرابة ولكنه سمةٌ من سمات المؤمنين، وصفةٌ من صفاتهم ذكرها الله سبحانه وتعالى في كتابه واصفاً بها المؤمنين فقال: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ [الحجر:75].





معنى الفراسة

والتوسم والفراسة من صفات المؤمن.. فأما الفراسة: فإنها النظر والتثبت والتأمل في الشيء والبصر به، يقال: تفرست فيه الخير، أي: تعرفته بالظن الصائب، وتفرس في الشيء: أي: توسمه، فالفراسةُ -أيها الإخوة- ناشئة عن جودة القريحة وحدَّة النظر وصفاء الفكر، والفراسة: هي الظن الصائب الناشئ عن تثبيت النظر في الظاهر لإدراك الباطن، والفراسةُ: هي الاستدلال بالأمور الظاهرة على الأمور الخفية، وهي أيضاً ما يقع في القلب بغير نظرٍ وحجة،



أقسام الفراسة

وقد قسمها ابن الأثير رحمه الله إلى قسمين: الأول: ما دل ظاهر هذا الحديث عليه: (اتقوا فراسة المؤمن) وفي إسناده ضعف ولكن معناه صحيح، إن للمؤمن فراسة، وهو ما يوقعه الله تعالى في قلوب أوليائه فيعلمون أحوال بعض الناس بنوعٍ من الكرامات وإصابة الظن والحدس.



الثاني: نوعٌ يتعلم بالدلائل والتجارب والخلق والأخلاق فتعرف به أحوال الناس، وفراسة المؤمن معتبرةٌ شرعاً في الجملة لقوله تعالى: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ [الحجر:75]. الفراسة: نظر القلب بنورٍ يقع فيه، ويتفرس يعني: يتثبت وينظر، وفي قوله تعالى: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ [الحجر:75] فيه أن التوسم وهو تفعل من الوسم وهي العلامة التي يستدل بها على مطلوبٍ غيرها،



الفراسة التي هي الاستدلال بالخلق على الخلق، لقد جاءنا عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قوله: [أحسن الناس فراسةً ثلاثة: العزيز حين قال لامرأته: أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا، وابنة شعيبٍ حين قالت في موسى: يا أبتي! استأجره، و أبو بكر الصديق حين ولى عمر ] وهذا يحتاج إلى إثبات نسبته إلى هذا الصحابي الجليل فإن مسألة فراسة عزيز مصر في يوسف صحيحة من جهة أنه لم يكن معه علامةٌ ظاهرة، وأما بنت شعيب والراجح أنها بنت رجل صالح ليس بنبي الله شعيب، وإنما هو رجلٌ صالح غير نبي الله شعيب؛ لأن موسى لم يكن معاصراً لشعيب، هذه المرأة كان معها علامة بينة، فأما القوة فعلامتها سقي موسى لغنمها وسط هؤلاء الرعاة، وأما الأمانة فبقوله لها: وكان يوماً رياحاً: امشي خلفي لئلا تصفك الريح بضم ثوبك إليك وأنا لا أنظرُ في أدبار النساء. فلما رأى الريح تكشف ثوبها وهي ماشية أمامه لتدله على بيت أبيها قال: امشي خلفي وانعتي لي الطريق، أما أبو بكر رضي الله عنه، فقد عرف ولاية عمر بالتجربة في الأعمال والمواظبة على الصحبة وطولها.......



أمثلة عن أصحاب الفراسة من السلف



عمر صاحب فراسة



عمر رضي الله تعالى عنه رجلٌ أجرى الله الحق على لسانه وقلبه، وهو رجل ملهم محدث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (في أمتي ناسٌ محدثون، منهم عمر) محدث ينطق بالحق، وما يظنه عمر يكون حقاً في الغالب وصحيحاً، هذه فراسة إيمانية يلقيها الله في قلب من يشاء من عباده، ودخل عليه قومٌ من مذحج فيهم الأشتر فصعّد عمر فيه النظر وصوبه، وقال: أيهم هذا؟ قالوا: مالك بن الحارث ، قال: ماله قاتله الله؟ إني لأرى للمسلمين منه يوماً عصيبة، وبعد عمر حصل من الأشتر فتنة عظيمة على المسلمين فعلاً، عرف عمر ذلك من وجه الأشتر . ودخل المدينة وفدٌ من اليمن وكان عمر مع الصحابة في المسجد، فأشاروا إلى رجلٍ من الوفد، وقالوا لـعمر : هل تعرف هذا؟ قال: لعله سواد بن قارب ، فكان كذلك، يسمع به ولم يره، لكن لما رأى وجهه بالفراسة عرف أن هذا هو فعلاً فكان كذلك.



وكان عمر رضي الله عنه يطوف في البيت، فسمع امرأةً تنشد في الطواف قائلة:

فمنهن من تُسقى بعذبٍ مبـردٍ نقاخٍ فتلكم عند ذلك قرت



ومنهن من تسقى بأخضرَ آجن أجاجٍ ولولا خشية الله رنت

من النساء من تشرب عذباً زلالاً، ومن النساء من تشرب أخضر أجاجاً معفناً، ريحه سيئة،فتفرس عمر رضي الله عنه ما تشكوه، ما هو مدلول كلامها؟ فبعث إلى زوجها فاستنكهه -أي: شم رائحة فيه- فإذا هو أبخر الفم، وبخر الفم مرض: عبارة عن رائحة في الفم كريهة مستمرة تكون في أفواه بعض الناس، لا يكاد يوجد لها علاج؛ لأنها شيء ذاتي جعلها العلماء من العيوب في الرجل التي تبيح للمرأة طلب الطلاق إذا لم تتحملها، كما يباح للمرأة مثلاً طلب الطلاق إذا كان الرجل عقيماً لا ينجب، هناك عيوب يجوز للمرأة بها طلب الطلاق، هذه جاءت تشكو إلى عمر ، وتقول:

فمنهن من تسقى بعذبٍ مبـردٍ نقاخ فتلكم عند ذلك قرت



ومنهنّ من تسقى بأخضر آجنٍ أجاجٍ ولولا خشية الله رنت

فلما أتى به عمر واستنكهه عرف القضية أنه أبخر الفم، فأعطاه خمسمائة درهم وجارية على أن يطلقها ففعل.





فراسة القاضي اياس

وقد ذكر الإمام ابن القيم رحمه الله عز وجل نماذج من فراسة العلماء والقضاة ممن كانوا من قبلنا، ومن هؤلاء إياس رحمه الله تعالى وكان من كبار القضاة، و قد ادعى عند إياس رحمه الله رجلان في قطيفتين إحداهما حمراء والأخرى خضراء، فقال أحدهما: دخلت الحوض لأغتسل ووضعت قطيفتي ثم جاء هذا فوضع قطيفته تحت قطيفتي ثم دخل فاغتسل فخرج قبلي وأخذ قطيفتي فمضى بها، ثم خرجت فتبعته، فزعم أنها قطيفته، فقال: ألك بينة؟ قال: لا. قال: ائتوني بمشطٍ فأوتي بمشطٍ فسرح رأس هذا ورأس هذا، فخرج من رأس أحدهما صوفٌ أحمر، ومن رأس الآخر صوفٌ أخضر، فقضى بالحمراء للذي خرج من رأسه الصوف الأحمر وبالخضراء للذي خرج من رأسه الصوف الأخضر.

ام حفصه
20 Jun 2011, 10:16 PM
فراسة كعب بن سور



وهكذا حصل أيضاً من كعب بن سور رضي الله تعالى عنه: جاءت امرأةٌ عند عمر بن الخطاب رضي الله عنه فشكرت عنده زوجها، وقالت: هو من خير أهل الدنيا، يقوم الليل حتى الصباح، ويصوم النهار حتى يمسي، ثم أدركها الحياء فلم تستطع أن تكمل، فقال: جزاك الله خيراً فقد أحسنت الثناء، فلما ولت قال كعب : يا أمير المؤمنين! لقد أبلغت في الشكوى إليك، فقال: وما اشتكت؟ قال: زوجها، إن هذا الكلام هو شكوى لزوجها؛ إنها أثنت عليه أثنت عليه ثم سكتت، فقال: هذه شكوى، قال: عليّ بهما، فقال لـكعب بن سور: اقضِ بينهما، قال: أقضي وأنت شاهد؟ قال: إنك قد فطنت إلى ما لم أفطن له، قال: إن الله تعالى يقول: فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ [النساء:3] صم ثلاثة أيام وأفطر عندها يومك، وقم ثلاث ليالٍ وبت عندها ليلة، فقال عمر : [هذا أعجب إلي من الأول فبعثه قاضياً لأهل البصرة فكان يقع له في الحكومة من الفراسة أمورٌ عجيبة] أي: الحكم بين الناس يقع له في أمورٍ عجيبة، فهذا الرجل فهم من شكوى ثناء المرأة على زوجها ثم سكوتها أنها تشتكي زوجها وكذلك لما جيء به فصار على هذه الصفة من العبادة، وهو لا يعطي زوجته حقها لانشغاله بالعبادة استنبط من قوله تعالى: فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ [النساء:3] أنه إذا أراد أن يقوم الليالي فإنه يأتي زوجته ليلة، وإذا أراد أن يصوم الأيام فإنه يفطر يوماً من كل أربعة، من أجل حق زوجته.





فراسة المنصور



ومن دقيق الفطنة ودقيق الفراسة أن المنصور جاءه رجل فأخبره أنه خرج في تجارةٍ فكسب مالاً فدفعه إلى امرأته ثم طلبه منها، فذكرت أنه سرق من البيت، ولم يرَ نقباً ولا أمارة -الجدران سليمة وما عليها أثر اقتحام للبيت أو سرقة- فقال المنصور : منذُ كم تزوجتها؟ قال: منذُ سنة، قال: بكراً أو ثيباً؟ قال: ثيباً، يعني: كانت عند زوج من قبل، فوقع في نفسه احتمال أن تكون متعلقة برجل من قبل، قال: فلها ولدٌ من غيرك؟ قال: لا. فدعا المنصور بقارورة طيبٍ كان يتخذُ له، حاد الرائحة غريب النوع لا يوجد له أي مثيل، فدفعها إليه، وقال له: تطيب من هذا الطيب فإنه يذهب غمك، فلما خرج الرجل من عنده قال المنصور لأربعة من ثقاته: ليقعد على كل باب من أبواب المدينة واحدٌ منكم، فمن شم منكم رائحة هذا الطيب من أحدٍ فليأت به، وخرج الرجل بالطيب فدفعه إلى امرأته فلما شمته بعثت به إلى رجلٍ كانت تحبه، وقد كان للذي دفعت إليه المال، سرقت من زوجها وأعطت الرجل، والآن أعطته الطيب، فتطيب منه ذلك الرجل ومر مجتازاً ببعض أبواب المدينة فشم الموكل بالباب رائحته عليه، فأتى به إلى المنصور ، فسأله من أين لك هذا الطيب؟ فلجلج في كلامه، فدفعه إلى والي الشرطة، وقال: إن أحضر لك كذا وكذا من المال فخلِّ عنه، وإلا فاضربه ألف سوط، فما جرد للضرب حتى أحضر المال على هيئته، فدعا المنصور صاحب المال، فقال: الآن المال سوف يرد إلى صاحبه، لكن بقيت لدينا مشكلة ما هي؟ تعلق المرأة بذلك الرجل، فيريد أن يحل المشكلة أيضاً .. فقال المنصور للرجل: أرأيت إن رددت عليك المال تحكمني في امرأتك -تقضي لي الحكم فيها- قال: نعم. قال: هذا مالك وقد طلقت المرأة منك؛ لأجل أن أتاحت المجال للآخر بالحلال أن يعود إليها، والرجل صاحب المال راضٍ بهذا.

ام حفصه
20 Jun 2011, 10:18 PM
أسباب في تحصيل الفراسة



وأخيراً: في هذا الموضوع نأتي إلى أسباب تحصيل الفراسة، فلو قال القائل: هل هناك أسباب لتحصيل الفراسة؟

الجواب: إن من شروط ذلك:

الاستقامة وغض النظر عن المحارم، فإن المرء إذا أطلق نظره تنفس الصعداء في مراءاة قلبه فطمست نورها: وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ [النور:40]. وقال بعض السلف : من غض بصره عن المحارم، وكف نفسه عن الشهوات، وعمر باطنه بالمراقبة، وتعود أكل الحلال لم تخطئ فراسته. فإذاًَ: إذا أراد الإنسان أن يكون له فراسة، ونظر صائب في الأمور، ويكتشف المحق من المبطل ويعثر على الحق، ويتبين إذا اختلطت الأشياء وتشابهت، فإن عليه أن يقوم بهذه الأشياء وهي: غض البصر عن المحرمات، وكف النفس عن الشهوات، وتعود أكل الحلال، وأن يكون مراقباً لله عز وجل، فكلما زادت تقوى المؤمن ألهمه الله تعالى التبصر بالأمور وسرعة الفهم، فكانت فراسته أثبت ممن كان أقل تقوى منه، وهذه الفراسة في غض البصر لها علاقة مباشرة بها؛ لأنه يورث نور القلب، وقال عز وجل في قوم لوط: لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ [الحجر:72]، فهذا تعلق بالصور المحرمة، وسكر القلب بل جنونه، فلا يمكن أن يكون معه فراسة كما قيل:

سكران سكر هوىً وسكر مدامة فمتى إفاقة من به سكرانِ

وقيل:

قالوا جننت بمن تهوى فقلت لهم العشق أعظم مما بالمجانين

أي: العشق أعظم من الجنون:

العشق لا يستفيق الدهر صاحبه وإنما يصرع المجنون في الحين

وكان شهاب بن شجاع الكرماني لا تخطئ له فراسة، وكان يقول: من عمر ظاهره باتباع السنة، وباطنه بدوام المراقبة؛ وكف نفسه عن الشهوات، وأكل الحلال لم تخطئ له فراسة. من غض بصره عن الحرام فأطلق الله تعالى له نور البصيرة وفتح عليه باب العلم والمعرفة فيظهر عليه من الفراسة ما الله به عليم. هذه بعض ما يورث الفراسة وهذا موضوع جدير بالاهتمام وله علاقة مباشرة في الإيمان وهو مذكورٌ في القرآن في قوله تعالى: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ [الحجر:75] ويلزم أن يكون من صفات كل من يحكمون بين العباد، نسأل الله عز وجل أن ينور قلوبنا بالإيمان. هذا وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.



عن محاضرة الشيخ محمد المنجد حفظه الله التوسم و الفراسة

عبدالله الكعبي
21 Jun 2011, 02:46 PM
بارك الله فيك و جزاك الله خيرا على الموضوع

حفيد السلف
21 Jun 2011, 02:49 PM
جزاكم الله خيرا .. و بارك فيكم .

مرسى الإيمان
22 Jun 2011, 07:49 PM
بوركتِ أخيتي أم حفصة