المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ليلة زفاف دامية---



ام حفصه
14 Mar 2011, 10:05 AM
كثيرة حفلات الأعراس في ربوع فلسطين ، ما أطيب رائحتها ، وأكثر عشاقها ، الكل يفرح لفرح

العريس ، حينما تُزف عروسه إليه ، النساء تزغرد ، والرجال مهنئون ، والأولاد يمرحون ويلعبون ،

في أيديهم اللُّعَب ، وملابسهم تزهو بألوانها المختلفة .


لكن العرس الفلسطيني ليس كأي عرس ، إذا حضرته شممت رائحة المسك ، وأي مسك لا تجده في

عالم الدنيا ، فكثير من الصحابة – رضوان الله عليهم-شموا رائحة الجنة وهم في الدنيا ، وما فصلهم

عنها إلاّ بضع تميرات فرموها من اليد ، وتقدّموا فوصلوا إلى جنات النعيم .


عريسنا حقيقة زفّ لعروسه ، وهو يرتدي بدلة عرسه ، ورائحة الطيب تفوح من ملابسه ، بل من

جسده ، كان طويل الجسم أسمر البشرة ، لا تغادر الابتسامة شفتيه ، كلما لاقى أحداً صافحه وسلّم عليه

، وكان يقبض على يد صديقه فلا يتركها حتى يبادر الآخر بترك يده ، إنه قوّام ليل ، صوّام أيّام الإثنين

والخميس ، هادئ الطبع لا ينفعل ، مكسور النظر إلى الأرض ، لا يطيش له نظر ذات اليمين وذات

الشمال ، سئل عن ذلك .. لماذا أنت هكذا ؟ فقال : الحياء شعبة من الإيمان .

إذا خلا بنفسه قرأ القرآن بصوت مسموع ، إذا خالط الآخرين ترى حركة شفتيه ، ظنه بعض الناس أنه

يعاني من رعشة في شفتيه ، وعندما سئل ضحك وقال : أمر طبيعي .. فألحّ عليه بعض الإخوة ذات مرة

، فقال : الأعمار دقائق معدودة ، فما فات لن يعود ، وعلينا استغلال الوقت الذي نُسأل عنه غداً ، أما

إصراركم على الإجابة لماذا هذه الرعشة على شفتيك فأقول : –الحمد لله ما مرّت عليّ ساعة إلاّ وأنا

مع كتاب الله تعالى ، أو في تسبيح أو تهليل ، فلا أدع مجالاً للشيطان أن يدخل ذاكرتي ، وإذا خلوْتُ

بنفسي رفعت صوتي بقراءة كتاب الله تعالى .
هكذا حياتي لا يوجد فيها الفراغ الذي يدّعيه الناس ، ولا الملل الذي يُمرضهم ، ولا الشرود الذهني الذي

يضيعهم .
هذا هو صاحبنا عريس هذه الليلة .. جاء ليدخل على عروسه ، وإذا بقوات الاحتلال تداهم المنزل ، بحثاً

عن مطلوب نتيجة بلاغ كاذب ، والمُبلِّغ رجل حاسد حاقد ، يريد أن يوقع في أهل العريس غصّة في

نفوسهم ، وألماًً في قلوبهم ، وجعل فرحهم نكداً .

أطلق الجنود النار لترويع الناس ، وتثبيتهم في أماكنهم حتى لا يغادر أحد منهم المكان ليتم القبض على

المطلوب .
وكانت بداية رقصات العريس ، إذ هوت الرصاصة الأولى ، فاخترقت قلبه والثانية في رقبته ، أما
الثالثة ففي الرأس ، فهوى العريس أرضاً يفوح منه المسك ، الدم أحمر قاني ، والرائحة رائحة المسك

ليس لها في الدنيا مثيل ، وانطلق صوت الأم - لكن الصبر عند الصدمة الأولى - قالت : إني أزغرد لهم

، لقد زُفّ في هذه الليلة زفافين لعروسين اثنتين ، وانهالت عليه تقبّله ، وهو كالوردة يتثنى بين يديها ،


الناس لا تصدّق ، أهي زغاريد فرحة عرس !! أم أن الأم أصابها انهيار عصبي فأصبحت لا تميّز بين

العرس والعرس !

قالت للناس : اسمعوا .. إن الله اختاره لزوجته من الحور العين قبل أن يدخل على زوجته من الآدميين

، لا تظنوا أني جُننت ، بل أنا بكامل قواي العقلية ، باركوا لي .. باركوا لي .. ما أحسن اختيار الله ، وما

أفضل نعمه ، أريده عريساً في الدنيا ، وأراده الله عريساً في الأخرى ، مبروك يا ولدي .. مبروك يا

ولدي ، يا صاحب الزفافين ، أنت إبني وأنا أمك ، مبروك مبروك يا ولدي .. وانهالت الدموع من عينيها

وأخذت تقبّله والناس يقولون لها : كفى كفى ، وهي تقول : ألا يحق للأم أن تُودّع ولدها !! فهي تفرح

لفرحه ، دعوني أُشبِع ولدي قبلات قبل أن تقبّله زوجاته المنتظرات ، الأولى ها هي ترتدي بدلتها

البيضاء ، وتنتظر دخوله عليها .. والثانية أيضاً في انتظاره ، ولكن لا نراها .

أخذ الناس يبكون ، وانقلب العرس إلى حزن ، وأما العروس التي كانت في الانتظار ، نزلت وتقدّمت

لزوجها ، فنظرت إليه وقالت كلمتها المشهورة : كنت لي اليوم ، ولكنك حُرّمت عليّ ، فأصبحت لغيري ،

وزُففت لها وتركتني ، اللهم اجمعني معه غداً ، ولا تُفرّق بيننا يا رب العالمين .

عاث جنود الاحتلال في المدعوّين تنكيلاً ، وفتّشوا المكان ، ثم انسحبوا تاركين وراءهم شهيداً يتلطّخ

في دمه ، وبات الناس في هرج ومَرج ، فأصرّت الأم والأب على إدخاله على عروسه الليلة قبل الغد ،

وقالوا : لا تتركوا محمداً بدون عروس هذه الليلة ، أسرعوا في إجراء الدفن الليلة قبل الغد ، وسرعان ما نُفّذ طلب الأبوين ، ودفن العريس الشهيد .

وأما أنتِ أيتها العروس ، ما بالك صامتة واجمة لا يرتد إليك طرف ، وما كان منها إلاّ أن وقفت

وقالت : دعوني أُغيّر ملابسي ثم أرجعوني إلى أهلي حتى يشاء الله أن أُزَفّ مثل هذا الزفاف الذي زُفّ

فيه زوجي إلى زوجته .

وفي الصباح كان رجوع العروس إلى بيت أهلها ، ودامت الأفراح بل التعازي لتلك الدار في ذاك المخيم

ثلاثة أيام ، والناس يُعزّون ، والكل يبارك .. وكان حديث الشهر ( العريس الشهيد .. الشهيد العريس ) .



بقلم الأستاذ الشيخ
إسماعيل محمد ربعي
رئيس مركز ابن باز الخيري الإسلامي / فلسطين

سفري بعيد وزادي قليل
16 Mar 2011, 04:38 AM
الله يرحمه ويجمعه بالنبين والصديقيين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ....
حسبنا الله على اليهوووود أحفااد القردة والخنازير .

مسك الختام
16 Mar 2011, 05:32 AM
الله المستعان .. جزيتِ خيراً