النعمانى
02 Mar 2011, 03:17 PM
كتبه/ عبد المنعم الشحات *
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
الأستاذ الفاضل محمود سلطان..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
أولاً: أود أن أوجِّه الشكر لجريدتكم الغراء على وقوفها -منفردة تقريبًا- في "وجه الطغيان الكنسي" قبل "25 يناير"، وتصديها آنذاك لمحاولة المساس بالـ"مادة الثانية مِن الدستور".
ثانيًا: كما أنني أوجِّه شكرًا خاصًا باسم السلفيين عمومًا وسلفي مدرسة الإسكندرية خصوصًا؛ لتصديكم للحملة الشرسة التي تعرضنا لها إبان الثورة.
واسمح لي بعد هذا الشكر في أن أختلف معكم جذريًا في موقفكم مِن "المادة الثانية" بعد "ثورة يناير".
لقد شممتُ رائحة تهاون في المطالبة بتثبيت هذه المادة في الدستور، حتى قرأت مقالكم المعنون: "المادة الثانية مجددًا.. "، والذي تؤيدون فيه موقف الشيخ "صفوت حجازي" الذي قال في إحدى الفضائيات -وفق ما ذكرتم-: "إن كل مَن يتكلم عن المادة الثانية الآن مخطئ؛ مسلمًا كان أو مسيحيًا"!
وأود أن أشير على عجالة إلى النقاط التالية:
أولاً: الجزء الخاص بمرجعية الشريعة الإسلامية مِن المادة الثانية مِن الدستور رغم أنه "وفق تفسير المحكمة الدستورية العليا" لا ينطبق إلا على القوانين التي تُسن بعد التعديل الأخير للمادة بإضافة "ال" التعريف لها بحيث أصبحت "الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع"، والذي تم عام 1980 -وهذا بالطبع دون طموحات الإسلاميين ككل، بل دون طموحات الأغلبية العظمى مِن الشعب المصري-؛ إلا أنه مِن الأهمية بمكان؛ فهذه المادة هي التي وقفت حائلاً دون تمرير "توصيات مؤتمرات السكان"، مِن: إباحة الشذوذ، والإجهاض، وتدريس الثقافة الجنسية في المدارس وغيرها..
كل هذا تم في ظل بطش لم يمكِّن القوى السياسية مجتمعة مِن التصدي لعدد كبير مِن القوانين سيئة السمعة!
كما أن هذه المادة كانت ملاذاً قانونيًا يحتمي به مَن يتعرض للقمع الإداري مِن الإسلاميين، وعن طريقها استرد كثير مِن المفصولين مِن الجامعات، ومِن العمل -لأسباب أمنية- أماكنهم، وربما حصلوا على تعويضات.
كما أن لهذه المادة أثر بالغ في شكل انتماء الأفراد للدولة بحيث يصبح شكل الدولة شرعيًا أو قريبًا مِن الشرعية، ويكون كل خلاف تنفيذي بعدها خلاف مع "الحكومة"، وليس مع الدولة، وأنتم تدركون الفرق الشاسع بيْن الأمرين؛ لا سيما في الأنظمة السياسية المعاصرة.
ثانيًا: أشعر أن "فزاعة الفتنة الطائفية" التي استعملها "النظام السابق" ضدنا ما زال بعض منا يستعملها في صورة المحافظة على "مكتسبات الثورة"، وأننا ينبغي ألا نتكلم في كذا.. وفي كذا.. ولا أكاد أتصور أنه سيهب أحد للدفاع إلا إذا وجد الهجوم، ومطالبة الجميع بضبط النفس وتخطئته "نوع مِن التسوية بيْن الجلاد والضحية"!
ولتوضيح ذلك نقول: إن "التحرش بالمادة الثانية" كان قبل "ثورة يناير"، وقد تصدت جريدتكم لكثير مِن صوره آنذاك، ولكنه ازداد حدة بعدها، بل أثناءها، ولا تحدثني هنا عن "شباب التحرير"، و"روح الثورة"؛ التي وحَّدت الجميع -مع تحفظي على هذا المعنى أصلاً-، ولكن ماذا بعد أن يرجع هؤلاء الشباب المثاليون -مِن وجهة نظركم إلى بيوتهم-؟!
- أثناء الأزمة.. وفي ظل الإجراءات التي اتخذها "الرئيس السابق"؛ لمحاولة الخروج مِن الأزمة كلف "لجنة لتعديل الدستور" ضمت في عضويتها الدكتور: "يحيى الجمل"، الذي اعترف لاحقًا بأنه قدَّم لهذه اللجنة اقتراحًا بتعديل المادة الثانية مِن الدستور، مما يعني أن الخطر لم يكن فقط على الأبواب، بل كان قاب قوسين أو أدنى مِن أن يكون أمرًا واقعًا.
- أسس "ساويرس" لجنة الحكما، وطالب صراحة بإلغاء المادة الثانية من الدستور!
- قدَّم "أقباط المهجر" طلبًا صريحًا للمجلس العسكري بإلغاء المادة لثانية مِن الدستور!
- ترددت "الكنيسة الأرثوذكسية" في الأمر؛ فأعلنت مطالبتها بعدم المساس بالمادة الثانية، ثم عادت ودعت الكنائس الثلاث لمناقشة الأمر، وانتهى الاجتماع بعد صدور تصريح تحذيري مِن المجلس العسكري في نفس يوم الاجتماع مِن بث الفتنة الطائفية بصدور بيان يؤكد على المطالبة بالتفعيل الكامل لمبدأ المواطنة، وقد ذكرت جريدتكم الموقرة في تعليقها على هذا البيان أن ممثلي الطوائف الثلاث قد اتفقوا على تأجيل المطالبة بإلغاء المادة الثانية لحين الكلام على إصدار دستور كامل جديد، علمًا بأن التعديلات الحالية للدستور سوف تحيل المطالبة بتعديل الدستور لعدد مِن المواطنين.
- قام "الأهرام الإلكتروني" بعمل استفتاء عن بقاء المادة الثانية مِن الدستور، ومع أننا رفضنا مبدأ أن يقوم موقع إلكتروني بعمل استفتاء في أمر خطير كهذا تم الاستفتاء القانوني عليه رسميًا، وحاز على الأغلبية الكاسحة مسبقًا؛ فإن الأستاذ "نجيب جبرائيل" كان له رأي آخر حيث زعم أن الثورة طالبت بدولة مدنية، ومِن ثمَّ فإن إلغاء المادة الثانية في منطقه أمر مفروغ منه، تحتمه مشروعية الثورة!
- خرج علينا الدكتور "يحيى الجمل" عشية اختياره نائبًا لرئيس مجلس الوزراء ليحكي لنا عن اقتراحه الذي قدَّمه للجنة التي شكـَّلها الرئيس السابق، وحلها المجلس العسكري، والذي تضمن تعديل المادة الثانية مِن الدستور بحذف "ال" التعريف منها؛ مع علمه أنه وفق تفسير المحكمة الدستورية العليا فإن المادة بدون "ال" عديمة الفائدة!
ولم يكتفِ الدكتور "يحيى الجمل" بذلك، بل سخر مِن الفقرة الأولى مِن المادة الثانية التي تنص على أن: "دين الدولة هو الإسلام"!
ومِن هنا نعلم: أن التحرش بالمادة الثانية أعمق بكثير مِن مسألة الشريعة؛ لاسيما إذا علمنا أنه لا يوجد في الدستور نص ينص على "ديانة رئيس الدولة"، وكان رأي الفقهاء الدستوريين أن النص على دين الدولة كاف في قصر حق الترشيح للرئاسة على مَن يدين بهذا الدين.
- أضف إلى ذلك الحملة الشرسة التي يتعرض لها المستشار "طارق البشري" مِن ثلة العالمانيين الذين يرددون مقولة: "إنه غلب أيدلوجيته الإسلامية ولم يتعرض للمادة الثانية"، رغم أنها بزعمهم على رأس مطالب الثورة.
أفلا يستحق الرجل منا وقفة مساندة نبيِّن بها أن: "الحفاظ على المادة الثانية هو الحد الأدنى مِن مطالب الأمة ككل"؟!
ثالثًا: يرفع البعض شعار: "الحفاظ على مكتسبات الثورة"، وعلى الرغم مِن أن مكتسبات الثورة لم تتضح معالمها بعد -وأرجو ألا يقول أحد: لقد نشط الدعاة وتحركوا بلا قيد؛ لأنني أتكلم عن المكتسبات المستقرة، وليست مكتسبات مرحلة الثورة، والثورة المضادة-، إلا أننا مِن حيث المبدأ متفقون على أهمية الحفاظ على مكتسبات الثورة.
ولكن.. هل مِن أجل ذلك نهمل "مكتسبات الصحوة الإسلامية" في الجانب التشريعي عبر أكثر مِن قرن ونصف قرن مِن الزمان؟!
فقد قاتلت الحركة الوطنية مِن 1882 حتى 1923؛ لكي تضيف مادة تتحدث عن دين الدولة؛ فكانت المادة 149 من دستور 1923، ثم جاهدت حتى تضيف الشريعة فكان دستور 1971، ثم اكتشفت الخديعة بأن الصياغة تفقد المادة معناها، ثم تعالى المد الإسلامي الضاغط الذي وصل إلى حد بدأ مجلس الشعب في مشروع تقنين الشريعة، وتم اعتماد النص الجديد بأن الشريعة هي: "المصدر الرئيسي للتشريع".
ثم اكتشفت خديعة أخرى: بأن النص وإن كان بصورته هذه يلزم بعدم مخالفة الشريعة إلا أنه -وفق تفسير المحكمة الدستورية العليا- لم يتعرض بالإلغاء للقوانين السابقة عليه!
وما زالت الأمة تجاهد مِن أجل تفعيل المادة الثانية مِن الدستور بينما يطالب بعض رموزها بسكوت الجميع! ومعلوم أن الخصوم لم يسكتوا بعد.. مما يعني إخلاء الساحة لهم؛ ليمثلوا جماعة الضغط الوحيدة المتاحة!
لقد عضَّد الإسلاميون مطالبهم بتطبيق الشريعة في السبعينات بموافقة "رموز الكنيسة آنذاك"، ويبدو أن الكنيسة تريد أن تعضد مطالبها بإلغاء هذه المادة بصمت المسلمين! مما يستوجب على رموز الفكر الإسلامي الحذر مِن الانزلاق في التحذير مِن تلك المطالب الطائفية.
رابعًا: الذين يدافعون عن المادة الثانية مِن الدستور جمع كبير مِن رموز العمل الإسلامي، يستوجب على المخالفين: إما إعادة النظر في رؤيتهم، أو على الأقل احترام رأي هذا العدد الكبير مِن الرموز المختلفي الانتماءات.
أذكر منهم -على سبيل المثال لا الحصر-:
1- شيخ الأزهر "الدكتور الطيب"، والمتحدث الرسمي باسمه "السفير الطهطاوي"، والذي كان أبرز المؤيدين للثورة.
2- الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح، والتي حذرت في بيانها الأول مِن المساس بالمادة الثانية مِن الدستور، والتي عقدت مؤتمرها الأول يوم السبت 26-2-2011، وحذر جُل المتكلمين فيه مِن المساس بالمادة الثانية، ومنهم:
- الدكتور "نصر فريد واصل" مفتي الجمهورية الأسبق.
- الشيخ "علي السالوس".
- الشيخ "عبد الستار فتح الله" أستاذ التفسير بجامعة الأزهر.
- الدكتور "محمد يسري" أمين عام الهيئة.
- الدكتور "عمر عبد العزيز" المدرس بجامعة الأزهر.
- وقد شارك الشيخ "محمد عبد المقصود" بكلمة ذات موضوع مختلف إلا أنه مِن الموقعين على البيان الأول للهيئة.
- موقع الجماعة الإسلامية على شبكة الإنترنت.
- بعض دعاة الفضائيات كالشيخ محمد حسان، والذي حذر مِن المساس بها في خطبة الجمعة، بمسجد النور، وفي حضور الشيخ "حافظ سلامة" -حفظه الله-.
- هذا بالإضافة إلى "الدعوة السلفية بالإسكندرية"، ومؤتمراتها التي تجولت في ربوع مصر؛ بالإضافة إلى مواقعها على الإنترنت، ومنها: موقع مخصص لمسألة الدفاع عن الهوية الإسلامية.
ونحن نهيب بكل رموز الأمة أن يهبوا للدفاع عن هويتها، وأن يدركوا أن "طمأنة النصارى" تكون ببيان الأمن الذي ينالونه مِن "تفعيل تطبيق الشريعة"، وبحض عقلائهم على الأخذ على أيدي سفهائهم، وليس بترك الساحة خالية لسفهائهم تحت دعوى التزام الجميع للصمت!
وكم يذكرني هذا الموقف بهدنات حرب 1948م التي لم يكن يلتزم بها إلا المسلمون؛ بينما اليهود يعدون العدة، وينقلون الإمدادات، وينظمون الصفوف حتى انتصر الجيش الإسرائيلي على جيوش العرب مجتمعة! و(لا يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ وَاحِدٍ مَرَّتَيْنِ) (متفق عليه).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* كُتِبت هذه المقالة ردًا على مقالة للأستاذ "محمود سلطان" بتاريخ 27-2-2011 بجريدة "المصريون" الإلكترونية، وقد تم مراسلة الجريدة بهذا الرد، ولكنه لم ينشر حتى تاريخه، ونحن نحسن الظن أنه لم يتم نشر الرد لازدحام الجدول أو ما شابه.. لذلك رأينا نشره بموقع "صوت السلف" بيانًا لهذه القضية ذات الأهمية.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
الأستاذ الفاضل محمود سلطان..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
أولاً: أود أن أوجِّه الشكر لجريدتكم الغراء على وقوفها -منفردة تقريبًا- في "وجه الطغيان الكنسي" قبل "25 يناير"، وتصديها آنذاك لمحاولة المساس بالـ"مادة الثانية مِن الدستور".
ثانيًا: كما أنني أوجِّه شكرًا خاصًا باسم السلفيين عمومًا وسلفي مدرسة الإسكندرية خصوصًا؛ لتصديكم للحملة الشرسة التي تعرضنا لها إبان الثورة.
واسمح لي بعد هذا الشكر في أن أختلف معكم جذريًا في موقفكم مِن "المادة الثانية" بعد "ثورة يناير".
لقد شممتُ رائحة تهاون في المطالبة بتثبيت هذه المادة في الدستور، حتى قرأت مقالكم المعنون: "المادة الثانية مجددًا.. "، والذي تؤيدون فيه موقف الشيخ "صفوت حجازي" الذي قال في إحدى الفضائيات -وفق ما ذكرتم-: "إن كل مَن يتكلم عن المادة الثانية الآن مخطئ؛ مسلمًا كان أو مسيحيًا"!
وأود أن أشير على عجالة إلى النقاط التالية:
أولاً: الجزء الخاص بمرجعية الشريعة الإسلامية مِن المادة الثانية مِن الدستور رغم أنه "وفق تفسير المحكمة الدستورية العليا" لا ينطبق إلا على القوانين التي تُسن بعد التعديل الأخير للمادة بإضافة "ال" التعريف لها بحيث أصبحت "الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع"، والذي تم عام 1980 -وهذا بالطبع دون طموحات الإسلاميين ككل، بل دون طموحات الأغلبية العظمى مِن الشعب المصري-؛ إلا أنه مِن الأهمية بمكان؛ فهذه المادة هي التي وقفت حائلاً دون تمرير "توصيات مؤتمرات السكان"، مِن: إباحة الشذوذ، والإجهاض، وتدريس الثقافة الجنسية في المدارس وغيرها..
كل هذا تم في ظل بطش لم يمكِّن القوى السياسية مجتمعة مِن التصدي لعدد كبير مِن القوانين سيئة السمعة!
كما أن هذه المادة كانت ملاذاً قانونيًا يحتمي به مَن يتعرض للقمع الإداري مِن الإسلاميين، وعن طريقها استرد كثير مِن المفصولين مِن الجامعات، ومِن العمل -لأسباب أمنية- أماكنهم، وربما حصلوا على تعويضات.
كما أن لهذه المادة أثر بالغ في شكل انتماء الأفراد للدولة بحيث يصبح شكل الدولة شرعيًا أو قريبًا مِن الشرعية، ويكون كل خلاف تنفيذي بعدها خلاف مع "الحكومة"، وليس مع الدولة، وأنتم تدركون الفرق الشاسع بيْن الأمرين؛ لا سيما في الأنظمة السياسية المعاصرة.
ثانيًا: أشعر أن "فزاعة الفتنة الطائفية" التي استعملها "النظام السابق" ضدنا ما زال بعض منا يستعملها في صورة المحافظة على "مكتسبات الثورة"، وأننا ينبغي ألا نتكلم في كذا.. وفي كذا.. ولا أكاد أتصور أنه سيهب أحد للدفاع إلا إذا وجد الهجوم، ومطالبة الجميع بضبط النفس وتخطئته "نوع مِن التسوية بيْن الجلاد والضحية"!
ولتوضيح ذلك نقول: إن "التحرش بالمادة الثانية" كان قبل "ثورة يناير"، وقد تصدت جريدتكم لكثير مِن صوره آنذاك، ولكنه ازداد حدة بعدها، بل أثناءها، ولا تحدثني هنا عن "شباب التحرير"، و"روح الثورة"؛ التي وحَّدت الجميع -مع تحفظي على هذا المعنى أصلاً-، ولكن ماذا بعد أن يرجع هؤلاء الشباب المثاليون -مِن وجهة نظركم إلى بيوتهم-؟!
- أثناء الأزمة.. وفي ظل الإجراءات التي اتخذها "الرئيس السابق"؛ لمحاولة الخروج مِن الأزمة كلف "لجنة لتعديل الدستور" ضمت في عضويتها الدكتور: "يحيى الجمل"، الذي اعترف لاحقًا بأنه قدَّم لهذه اللجنة اقتراحًا بتعديل المادة الثانية مِن الدستور، مما يعني أن الخطر لم يكن فقط على الأبواب، بل كان قاب قوسين أو أدنى مِن أن يكون أمرًا واقعًا.
- أسس "ساويرس" لجنة الحكما، وطالب صراحة بإلغاء المادة الثانية من الدستور!
- قدَّم "أقباط المهجر" طلبًا صريحًا للمجلس العسكري بإلغاء المادة لثانية مِن الدستور!
- ترددت "الكنيسة الأرثوذكسية" في الأمر؛ فأعلنت مطالبتها بعدم المساس بالمادة الثانية، ثم عادت ودعت الكنائس الثلاث لمناقشة الأمر، وانتهى الاجتماع بعد صدور تصريح تحذيري مِن المجلس العسكري في نفس يوم الاجتماع مِن بث الفتنة الطائفية بصدور بيان يؤكد على المطالبة بالتفعيل الكامل لمبدأ المواطنة، وقد ذكرت جريدتكم الموقرة في تعليقها على هذا البيان أن ممثلي الطوائف الثلاث قد اتفقوا على تأجيل المطالبة بإلغاء المادة الثانية لحين الكلام على إصدار دستور كامل جديد، علمًا بأن التعديلات الحالية للدستور سوف تحيل المطالبة بتعديل الدستور لعدد مِن المواطنين.
- قام "الأهرام الإلكتروني" بعمل استفتاء عن بقاء المادة الثانية مِن الدستور، ومع أننا رفضنا مبدأ أن يقوم موقع إلكتروني بعمل استفتاء في أمر خطير كهذا تم الاستفتاء القانوني عليه رسميًا، وحاز على الأغلبية الكاسحة مسبقًا؛ فإن الأستاذ "نجيب جبرائيل" كان له رأي آخر حيث زعم أن الثورة طالبت بدولة مدنية، ومِن ثمَّ فإن إلغاء المادة الثانية في منطقه أمر مفروغ منه، تحتمه مشروعية الثورة!
- خرج علينا الدكتور "يحيى الجمل" عشية اختياره نائبًا لرئيس مجلس الوزراء ليحكي لنا عن اقتراحه الذي قدَّمه للجنة التي شكـَّلها الرئيس السابق، وحلها المجلس العسكري، والذي تضمن تعديل المادة الثانية مِن الدستور بحذف "ال" التعريف منها؛ مع علمه أنه وفق تفسير المحكمة الدستورية العليا فإن المادة بدون "ال" عديمة الفائدة!
ولم يكتفِ الدكتور "يحيى الجمل" بذلك، بل سخر مِن الفقرة الأولى مِن المادة الثانية التي تنص على أن: "دين الدولة هو الإسلام"!
ومِن هنا نعلم: أن التحرش بالمادة الثانية أعمق بكثير مِن مسألة الشريعة؛ لاسيما إذا علمنا أنه لا يوجد في الدستور نص ينص على "ديانة رئيس الدولة"، وكان رأي الفقهاء الدستوريين أن النص على دين الدولة كاف في قصر حق الترشيح للرئاسة على مَن يدين بهذا الدين.
- أضف إلى ذلك الحملة الشرسة التي يتعرض لها المستشار "طارق البشري" مِن ثلة العالمانيين الذين يرددون مقولة: "إنه غلب أيدلوجيته الإسلامية ولم يتعرض للمادة الثانية"، رغم أنها بزعمهم على رأس مطالب الثورة.
أفلا يستحق الرجل منا وقفة مساندة نبيِّن بها أن: "الحفاظ على المادة الثانية هو الحد الأدنى مِن مطالب الأمة ككل"؟!
ثالثًا: يرفع البعض شعار: "الحفاظ على مكتسبات الثورة"، وعلى الرغم مِن أن مكتسبات الثورة لم تتضح معالمها بعد -وأرجو ألا يقول أحد: لقد نشط الدعاة وتحركوا بلا قيد؛ لأنني أتكلم عن المكتسبات المستقرة، وليست مكتسبات مرحلة الثورة، والثورة المضادة-، إلا أننا مِن حيث المبدأ متفقون على أهمية الحفاظ على مكتسبات الثورة.
ولكن.. هل مِن أجل ذلك نهمل "مكتسبات الصحوة الإسلامية" في الجانب التشريعي عبر أكثر مِن قرن ونصف قرن مِن الزمان؟!
فقد قاتلت الحركة الوطنية مِن 1882 حتى 1923؛ لكي تضيف مادة تتحدث عن دين الدولة؛ فكانت المادة 149 من دستور 1923، ثم جاهدت حتى تضيف الشريعة فكان دستور 1971، ثم اكتشفت الخديعة بأن الصياغة تفقد المادة معناها، ثم تعالى المد الإسلامي الضاغط الذي وصل إلى حد بدأ مجلس الشعب في مشروع تقنين الشريعة، وتم اعتماد النص الجديد بأن الشريعة هي: "المصدر الرئيسي للتشريع".
ثم اكتشفت خديعة أخرى: بأن النص وإن كان بصورته هذه يلزم بعدم مخالفة الشريعة إلا أنه -وفق تفسير المحكمة الدستورية العليا- لم يتعرض بالإلغاء للقوانين السابقة عليه!
وما زالت الأمة تجاهد مِن أجل تفعيل المادة الثانية مِن الدستور بينما يطالب بعض رموزها بسكوت الجميع! ومعلوم أن الخصوم لم يسكتوا بعد.. مما يعني إخلاء الساحة لهم؛ ليمثلوا جماعة الضغط الوحيدة المتاحة!
لقد عضَّد الإسلاميون مطالبهم بتطبيق الشريعة في السبعينات بموافقة "رموز الكنيسة آنذاك"، ويبدو أن الكنيسة تريد أن تعضد مطالبها بإلغاء هذه المادة بصمت المسلمين! مما يستوجب على رموز الفكر الإسلامي الحذر مِن الانزلاق في التحذير مِن تلك المطالب الطائفية.
رابعًا: الذين يدافعون عن المادة الثانية مِن الدستور جمع كبير مِن رموز العمل الإسلامي، يستوجب على المخالفين: إما إعادة النظر في رؤيتهم، أو على الأقل احترام رأي هذا العدد الكبير مِن الرموز المختلفي الانتماءات.
أذكر منهم -على سبيل المثال لا الحصر-:
1- شيخ الأزهر "الدكتور الطيب"، والمتحدث الرسمي باسمه "السفير الطهطاوي"، والذي كان أبرز المؤيدين للثورة.
2- الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح، والتي حذرت في بيانها الأول مِن المساس بالمادة الثانية مِن الدستور، والتي عقدت مؤتمرها الأول يوم السبت 26-2-2011، وحذر جُل المتكلمين فيه مِن المساس بالمادة الثانية، ومنهم:
- الدكتور "نصر فريد واصل" مفتي الجمهورية الأسبق.
- الشيخ "علي السالوس".
- الشيخ "عبد الستار فتح الله" أستاذ التفسير بجامعة الأزهر.
- الدكتور "محمد يسري" أمين عام الهيئة.
- الدكتور "عمر عبد العزيز" المدرس بجامعة الأزهر.
- وقد شارك الشيخ "محمد عبد المقصود" بكلمة ذات موضوع مختلف إلا أنه مِن الموقعين على البيان الأول للهيئة.
- موقع الجماعة الإسلامية على شبكة الإنترنت.
- بعض دعاة الفضائيات كالشيخ محمد حسان، والذي حذر مِن المساس بها في خطبة الجمعة، بمسجد النور، وفي حضور الشيخ "حافظ سلامة" -حفظه الله-.
- هذا بالإضافة إلى "الدعوة السلفية بالإسكندرية"، ومؤتمراتها التي تجولت في ربوع مصر؛ بالإضافة إلى مواقعها على الإنترنت، ومنها: موقع مخصص لمسألة الدفاع عن الهوية الإسلامية.
ونحن نهيب بكل رموز الأمة أن يهبوا للدفاع عن هويتها، وأن يدركوا أن "طمأنة النصارى" تكون ببيان الأمن الذي ينالونه مِن "تفعيل تطبيق الشريعة"، وبحض عقلائهم على الأخذ على أيدي سفهائهم، وليس بترك الساحة خالية لسفهائهم تحت دعوى التزام الجميع للصمت!
وكم يذكرني هذا الموقف بهدنات حرب 1948م التي لم يكن يلتزم بها إلا المسلمون؛ بينما اليهود يعدون العدة، وينقلون الإمدادات، وينظمون الصفوف حتى انتصر الجيش الإسرائيلي على جيوش العرب مجتمعة! و(لا يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ وَاحِدٍ مَرَّتَيْنِ) (متفق عليه).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* كُتِبت هذه المقالة ردًا على مقالة للأستاذ "محمود سلطان" بتاريخ 27-2-2011 بجريدة "المصريون" الإلكترونية، وقد تم مراسلة الجريدة بهذا الرد، ولكنه لم ينشر حتى تاريخه، ونحن نحسن الظن أنه لم يتم نشر الرد لازدحام الجدول أو ما شابه.. لذلك رأينا نشره بموقع "صوت السلف" بيانًا لهذه القضية ذات الأهمية.