أبوالزبير
20 Feb 2011, 08:39 PM
http://aldoah.net/upload/uploaded/3793_01298218890.gif
بعيدًا عن التكييف الفقهي للمظاهرات - التي أعتقد أنه يسع فيها الخلاف - لاختلاف أحوالها - فهي تعتبر نوع من الخروج المحرم في الدول التي تمنعها وتتيح أساليب أخرى بديلة للمطالبة بالحقوق بينما لا تعتبر كذلك في الدول التي تأذن بها أنظمتها،وتعتبرها وسيلة للتعبير عن فكرة أو تحقيق مطلب. فالمظاهرات مع ما يترتب عليها - أحياناً- من سلبيات ومفاسد، وبخاصة حين تكون عشوائية وبدون ضوابط، إلا أنها نجحت - بصورة كبيرة- في تحقيق أهداف قد لا تتحقق بوسيلة غيرها أبداً..!!
أقول بعيداً عن ذلك كله لابد أن نتساءل:-
من الذي صنع هذه الثورات الشبابية ؟! ومن الذي يدير المظاهرات بتلك الصورة الحضارية الراقية؟! وما الوقود الذي يضرمها فتزداداً -بالضغط عليها- قوةً وانضباطاً؟!وكيف اتفقت أفكار منظميها؟!!
قبل الإجابة على هذا التساؤل؛ ينبغي أن نعلم أن تلك المظاهرات ليست من صنع قادة الأحزاب، ولا من تخطيط أئمة المساجد، ولا نتيجة اجتماع سري غير معلوم، ولا كيد غربي موهوم، ولم تأت نتيجة خطبة حماسية، ولا استجابة لمقالات فكرية،ولا اتباع لفتاوى شرعية، ولم يقدها معارض، ولم ينظمها حزب، كما أنها لم تحدث تأثراً بأمر عاطفي عابر، ولا لمجرد نداء انترنتي مفاجئ..
فأي شيء من ذلك لا يمكن أن يكون – لوحدة - قادراً على تحريك تلك الأرتال البشرية الهادرة من طوائف شتى،وتوجهات وأفكار متباينة، وإن كان لبعضها بعض التأثير ؛ جعل البعض يظن أنها بسببه، والبعض الآخر يحاول تجييرها إلى حزبه أو توجهه بتبني بعض روادها..!
فهذه الانتفاضة الشبابية ليس أمرًا دُبِّر بليل،ولا تخطيطًا منظمًا، ولا وليد الساعة،إنما هو نتيجة حتمية لأحداث ومواقف تراكمت خلال السنين الماضية صبغت هذا الجيل بصبغة أخرى غير ما كانت عليه الأجيال السابقة التي ألفت الذل والخنوع خلال فترة الاستعمار، وما بعدها من عهود تسلط فيها "عملاء المستعمرين" على البلدان العربية - عن طريق انتخابات يعلم الجميع نتائجها مسبقًا- ساموا الشعوب سوء العذاب وسنَّوا القوانين القمعية والأحكام التعسفية التي تهدف إلى سحق وقتل وسجن كل من يعترض أو يناقش، وذلك ليقضوا على ما بقي في أنفس الشعوب من معاني العزة والكرامة وترسيخ الهزيمة النفسية واليأس من مجرد التفكير في الخروج من ذلك الواقع المهين،لتعزيز سيطرتهم وتأبيد حكمهم.
وبسبب اشتداد ضغوط -أولئك الطغاة- الاقتصادية بتجويع الشعوب وتبديد ثرواتهم، والسياسية بكبت حرياتهم ومنعهم حقوقهم، والأمنية بظلمهم واضطهادهم، والسلوكية بنشر الفساد والرذيلة، والدينية بمحاربة ثوابت الشرع ومنع كثير من مظاهره وتنحية حكم الشريعة، ازداد خوف الشعوب من المستقبل المظلم وهم يرون ما يحل بالشعوب العربية والإسلامية من قتل وتشريد ونهب وانتهاك وتقسيم،بدعاوى باطلة؛ وخداع مكشوف، مما جعلهم يشعرون أنهم يسيرون في نفق لانهاية له يزداد كل لحظة ظلامًا وضيقًا، وليس أمامهم إلا التوقف مهما كانت النتيجة، لأن مصيرهم سيكون واحد،سواء وقفوا أم تقدموا، لأنه ليس في الإمكان "أسوء" مما كان، من الذل والتعذيب والهوان، فتولد جراء ذلك انفجارٌ مساوٍ- لتلك الضغوط - في القوة مضادٌ لها في الاتجاه.
والذي جعل الانفجار –المتمثل في هذه الانتفاضات- إيجابياً -وإن كان يشوبه بعض الشوائب- هو عناية كثير من العقلاء من الآباء والمهتمين- خلال تلك الفترة العصيبة- بتنشئة الأجيال،والاهتمام بتربية الشباب (من الجنسين) وتوسيع مداركهم، وصناعة أفكارهم، وتزكية أنفسهم، وذلك بالمضيء في الضخ الثقافي التربوي المتدرج، الذي شارك فيه الجميع-كلاً بسحب موقعه وتوجهه وإمكانياته- وساهم في نجاحه الانفتاح الكبير الذي حصل بفضل تطور وسائل التقنية،من قنوات وانترنت (مدونات ومنتديات وفيسبوك..الخ) إضافة إلى الوسائل التقليدية كالمساجد والملتقيات والكتب والأشرطة وغير ذلك، مما منح كثيراً من الشباب - ذكوراً وإناثاً- علماً واسعاً،وفكراً وقاداً،وفهماً واعياً، وإيماناً صلباً،وهمة عالية،ونظرة ثاقبة،وأهدافاً واضحة،وعزيمة ماضية ، وترسخت لديهم قيماً سامية وأخلاقاً فاضلة ومبادئ واضحة شهد بها الأعداء قبل الأصدقاء (والحق ما شهدت به الأعداء). فقد جاء –مثلاً- في دراسة - سبقت الأحداث - لصحيفة فرنسية: (( أنَّ عدداً من القنوات الإسلامية تمكنت من جذب الشباب ولعبت دوراً مهماً في التأثير عليهم لأن دعاتها تقربوا إليهم،وخاطبوا أرواحهم وعقولهم، وأوضحت الدراسة أنَّ أكثر من 85% من الفتيات المصريات أصبحن يرتدين حجاب الرأس،و60% من الفتيان يحمل في أمتعته مصحفًا،وتتسم تصرفاتهم بقدر كبير من العقلانية والتروي بخلاف ماكان عليه الشباب قبل عشر سنوات))، وقال: الرئيس الإمريكي (أوباما) -مثنياً-"يـجب أن نربي أبـناءنا ليصبحوا كشباب مصر"
إذاً: فالذي صنع هذه الثورة الشبابية الراقية - في غالبها- هي: تلك التربية الواعية المتدرجة التي تبناها العلماء والدعاة والمفكرين والمثقفين وتلقاها الشباب، لتصنع منهم جيلاً واعياً مثقفاً، متصفاً بالشجاعة وحسن الخلق، يأبى الظلم ويحارب الفساد، وينادي بقيم الإسلام من عدل وصدق وأمانة. وإن كان يشوبها مظاهر النقص والخلل بسبب بعض الأخطاء التربوية التي لا يخلوا منها أي عمل واسع شامل..
وما أشبه هذه الأوضاع التي نعيشها بما أخبر الله به عن موسى عليه السلام حين قال لقومه : " استعينوا بالله واصبروا إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين "
حينذاك قضى الله عليهم بالتيه أربعين سنة لا ينعمون براحة، ولا يستقرون ببلد، ليتلقوا أثناءه تربية نظرية وعملية على يد موسى وهارون عليهما السلام، اللذان ماتا خلال تلك الفترة،فنشأ جيل صالح مجاهد توجه لفتح بيت المقدس مع أحد أنبيائهم الذي ((قال للشمس: أنت مأمورة وأنا مأمور,اللهم احبسها علي شيئًا فحُبست عليه حتى فتح الله القرية)) رواه مسلم.
فتحية إجلال لهذا الجيل الواعد والشباب الصاعد من الفتيان والفتيات الذين أعادوا للأمة أملها.
والتحية الأكبر والثناء الأعطر لكل من ساهم في تربية هذا الجيل – ولو بشطر كلمة - فمثلهم كمثل ذلك العالم الصالح الذي صنع من غلام الأخدود شاباً مؤمناً يصدع بكلمة الحق؛ بثبات وثقة ويقين، ويضحي بنفسه ليلقى الله شهيدَا ويصبح رمزاً للتضحية والفداء،لينادي الناس بموته ((أمنا بالله رب الغلام)) فيكون له أجرهم، ويكونوا جميعاً في ميزان حسنات ذلك المربي الذي لم يشهد ذلك الموقف المشرف بنفسه إنما شهده بحسن تربيته وإعداده، وكذلك الحال بالنسبة لكل من ساهم في تربية هؤلاء الشباب.
ودعوة للجميع- وبخاصة أهل الرأي والحكمة- : أن نعتني بشأن التربية ونسعى لتنقيتها من كل شائبة، وجعلها تربية ربانية نبوية،نؤكد فيها على الهوية الإسلامية،وننادي بتحكيم الشريعة،وتقوية الروابط الإيمانية،والتخلق بأخلاق الإسلام، فلا نستعجل قطف ثمارها، ولا نحكم عليها بالفشل لمجرد وقوع بعض الأخطاء،أو وجود خلل في بعض المفاهيم. ولنحذر أن يختطفها السفهاء أو الجهلاء أو الأعداء،أو يغلب عليها حماس الشباب، أو تنحرف عن مسارها إلى أهداف ومسارات تخالف مقاصدها..!!
بل يجب أن نستمر على التربية بغير كلل ولا ملل، ونرعاها ونوجهها، ونحافظ عليها، ونحيطها بالضوابط المرعية، ونتعامل بالممكن حتى نصل للكمال،ونحن نستشرف كمال النهايات. قال ابن تيمية رحمه الله: (وَكَذَلِكَ يُوسُفُ عليه السلام..وَفَعَلَ مِنْ الْعَدْلِ وَالْخَيْرِ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ،وَدَعَاهُمْ إلَى الْإِيمَانِ بِحَسَبِ الْإِمْكَان).
فإن نحن فعلنا ذلك فسيتبع هذه المرحلة -بإذن الله- مراحل أخرى أفضل منها وأكمل، لتكون خاتمتها قتال اليهود على أيدي شباب صلحاء يُجري الله على أيديهم الكرامات فيكلمهم الحجر والشجر ((ويقول يا مسلم هذا يهودي ورائي تعال فاقتله)) رواه مسلم.
وما تلك المظاهرات -قبل ذلك كله- إلا من قدر الله المقدور، وسننه الكونية التي لن تجد لها تبديلا، وهي من مقتضى للعدل الإلهي فإنه –جل شأنه- يمهل للظالم ويملي له، حتى يظن أنه خالد في الأرض وقادرٌ عليها، ليأخذه -حينئذٍ- أخذ عزيز مقتدر ، فيقتص من الظالم وينتصر للمظلوم.
فمن لطف الله الخفي بهذه الأمة المرحومة التي لا تزال طائفة منها على الحق ظاهرين حتى قيام الساعة، ومن عجائب أخذه -سبحانه- أن يسلط على الظالمِ المظلومَ الذي كان يستضعفه ويهبه ويذله، ليشفي صدور المظلومين ويذهب غيظ قلوبهم، والله غالب على أمره..
وكتبه فضيلة الشيخ / حميدان بن عجيل الجهني
المشرف العام على شبكة مُفكرة الدعاة (http://www.aldoah.net/)
بعيدًا عن التكييف الفقهي للمظاهرات - التي أعتقد أنه يسع فيها الخلاف - لاختلاف أحوالها - فهي تعتبر نوع من الخروج المحرم في الدول التي تمنعها وتتيح أساليب أخرى بديلة للمطالبة بالحقوق بينما لا تعتبر كذلك في الدول التي تأذن بها أنظمتها،وتعتبرها وسيلة للتعبير عن فكرة أو تحقيق مطلب. فالمظاهرات مع ما يترتب عليها - أحياناً- من سلبيات ومفاسد، وبخاصة حين تكون عشوائية وبدون ضوابط، إلا أنها نجحت - بصورة كبيرة- في تحقيق أهداف قد لا تتحقق بوسيلة غيرها أبداً..!!
أقول بعيداً عن ذلك كله لابد أن نتساءل:-
من الذي صنع هذه الثورات الشبابية ؟! ومن الذي يدير المظاهرات بتلك الصورة الحضارية الراقية؟! وما الوقود الذي يضرمها فتزداداً -بالضغط عليها- قوةً وانضباطاً؟!وكيف اتفقت أفكار منظميها؟!!
قبل الإجابة على هذا التساؤل؛ ينبغي أن نعلم أن تلك المظاهرات ليست من صنع قادة الأحزاب، ولا من تخطيط أئمة المساجد، ولا نتيجة اجتماع سري غير معلوم، ولا كيد غربي موهوم، ولم تأت نتيجة خطبة حماسية، ولا استجابة لمقالات فكرية،ولا اتباع لفتاوى شرعية، ولم يقدها معارض، ولم ينظمها حزب، كما أنها لم تحدث تأثراً بأمر عاطفي عابر، ولا لمجرد نداء انترنتي مفاجئ..
فأي شيء من ذلك لا يمكن أن يكون – لوحدة - قادراً على تحريك تلك الأرتال البشرية الهادرة من طوائف شتى،وتوجهات وأفكار متباينة، وإن كان لبعضها بعض التأثير ؛ جعل البعض يظن أنها بسببه، والبعض الآخر يحاول تجييرها إلى حزبه أو توجهه بتبني بعض روادها..!
فهذه الانتفاضة الشبابية ليس أمرًا دُبِّر بليل،ولا تخطيطًا منظمًا، ولا وليد الساعة،إنما هو نتيجة حتمية لأحداث ومواقف تراكمت خلال السنين الماضية صبغت هذا الجيل بصبغة أخرى غير ما كانت عليه الأجيال السابقة التي ألفت الذل والخنوع خلال فترة الاستعمار، وما بعدها من عهود تسلط فيها "عملاء المستعمرين" على البلدان العربية - عن طريق انتخابات يعلم الجميع نتائجها مسبقًا- ساموا الشعوب سوء العذاب وسنَّوا القوانين القمعية والأحكام التعسفية التي تهدف إلى سحق وقتل وسجن كل من يعترض أو يناقش، وذلك ليقضوا على ما بقي في أنفس الشعوب من معاني العزة والكرامة وترسيخ الهزيمة النفسية واليأس من مجرد التفكير في الخروج من ذلك الواقع المهين،لتعزيز سيطرتهم وتأبيد حكمهم.
وبسبب اشتداد ضغوط -أولئك الطغاة- الاقتصادية بتجويع الشعوب وتبديد ثرواتهم، والسياسية بكبت حرياتهم ومنعهم حقوقهم، والأمنية بظلمهم واضطهادهم، والسلوكية بنشر الفساد والرذيلة، والدينية بمحاربة ثوابت الشرع ومنع كثير من مظاهره وتنحية حكم الشريعة، ازداد خوف الشعوب من المستقبل المظلم وهم يرون ما يحل بالشعوب العربية والإسلامية من قتل وتشريد ونهب وانتهاك وتقسيم،بدعاوى باطلة؛ وخداع مكشوف، مما جعلهم يشعرون أنهم يسيرون في نفق لانهاية له يزداد كل لحظة ظلامًا وضيقًا، وليس أمامهم إلا التوقف مهما كانت النتيجة، لأن مصيرهم سيكون واحد،سواء وقفوا أم تقدموا، لأنه ليس في الإمكان "أسوء" مما كان، من الذل والتعذيب والهوان، فتولد جراء ذلك انفجارٌ مساوٍ- لتلك الضغوط - في القوة مضادٌ لها في الاتجاه.
والذي جعل الانفجار –المتمثل في هذه الانتفاضات- إيجابياً -وإن كان يشوبه بعض الشوائب- هو عناية كثير من العقلاء من الآباء والمهتمين- خلال تلك الفترة العصيبة- بتنشئة الأجيال،والاهتمام بتربية الشباب (من الجنسين) وتوسيع مداركهم، وصناعة أفكارهم، وتزكية أنفسهم، وذلك بالمضيء في الضخ الثقافي التربوي المتدرج، الذي شارك فيه الجميع-كلاً بسحب موقعه وتوجهه وإمكانياته- وساهم في نجاحه الانفتاح الكبير الذي حصل بفضل تطور وسائل التقنية،من قنوات وانترنت (مدونات ومنتديات وفيسبوك..الخ) إضافة إلى الوسائل التقليدية كالمساجد والملتقيات والكتب والأشرطة وغير ذلك، مما منح كثيراً من الشباب - ذكوراً وإناثاً- علماً واسعاً،وفكراً وقاداً،وفهماً واعياً، وإيماناً صلباً،وهمة عالية،ونظرة ثاقبة،وأهدافاً واضحة،وعزيمة ماضية ، وترسخت لديهم قيماً سامية وأخلاقاً فاضلة ومبادئ واضحة شهد بها الأعداء قبل الأصدقاء (والحق ما شهدت به الأعداء). فقد جاء –مثلاً- في دراسة - سبقت الأحداث - لصحيفة فرنسية: (( أنَّ عدداً من القنوات الإسلامية تمكنت من جذب الشباب ولعبت دوراً مهماً في التأثير عليهم لأن دعاتها تقربوا إليهم،وخاطبوا أرواحهم وعقولهم، وأوضحت الدراسة أنَّ أكثر من 85% من الفتيات المصريات أصبحن يرتدين حجاب الرأس،و60% من الفتيان يحمل في أمتعته مصحفًا،وتتسم تصرفاتهم بقدر كبير من العقلانية والتروي بخلاف ماكان عليه الشباب قبل عشر سنوات))، وقال: الرئيس الإمريكي (أوباما) -مثنياً-"يـجب أن نربي أبـناءنا ليصبحوا كشباب مصر"
إذاً: فالذي صنع هذه الثورة الشبابية الراقية - في غالبها- هي: تلك التربية الواعية المتدرجة التي تبناها العلماء والدعاة والمفكرين والمثقفين وتلقاها الشباب، لتصنع منهم جيلاً واعياً مثقفاً، متصفاً بالشجاعة وحسن الخلق، يأبى الظلم ويحارب الفساد، وينادي بقيم الإسلام من عدل وصدق وأمانة. وإن كان يشوبها مظاهر النقص والخلل بسبب بعض الأخطاء التربوية التي لا يخلوا منها أي عمل واسع شامل..
وما أشبه هذه الأوضاع التي نعيشها بما أخبر الله به عن موسى عليه السلام حين قال لقومه : " استعينوا بالله واصبروا إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين "
حينذاك قضى الله عليهم بالتيه أربعين سنة لا ينعمون براحة، ولا يستقرون ببلد، ليتلقوا أثناءه تربية نظرية وعملية على يد موسى وهارون عليهما السلام، اللذان ماتا خلال تلك الفترة،فنشأ جيل صالح مجاهد توجه لفتح بيت المقدس مع أحد أنبيائهم الذي ((قال للشمس: أنت مأمورة وأنا مأمور,اللهم احبسها علي شيئًا فحُبست عليه حتى فتح الله القرية)) رواه مسلم.
فتحية إجلال لهذا الجيل الواعد والشباب الصاعد من الفتيان والفتيات الذين أعادوا للأمة أملها.
والتحية الأكبر والثناء الأعطر لكل من ساهم في تربية هذا الجيل – ولو بشطر كلمة - فمثلهم كمثل ذلك العالم الصالح الذي صنع من غلام الأخدود شاباً مؤمناً يصدع بكلمة الحق؛ بثبات وثقة ويقين، ويضحي بنفسه ليلقى الله شهيدَا ويصبح رمزاً للتضحية والفداء،لينادي الناس بموته ((أمنا بالله رب الغلام)) فيكون له أجرهم، ويكونوا جميعاً في ميزان حسنات ذلك المربي الذي لم يشهد ذلك الموقف المشرف بنفسه إنما شهده بحسن تربيته وإعداده، وكذلك الحال بالنسبة لكل من ساهم في تربية هؤلاء الشباب.
ودعوة للجميع- وبخاصة أهل الرأي والحكمة- : أن نعتني بشأن التربية ونسعى لتنقيتها من كل شائبة، وجعلها تربية ربانية نبوية،نؤكد فيها على الهوية الإسلامية،وننادي بتحكيم الشريعة،وتقوية الروابط الإيمانية،والتخلق بأخلاق الإسلام، فلا نستعجل قطف ثمارها، ولا نحكم عليها بالفشل لمجرد وقوع بعض الأخطاء،أو وجود خلل في بعض المفاهيم. ولنحذر أن يختطفها السفهاء أو الجهلاء أو الأعداء،أو يغلب عليها حماس الشباب، أو تنحرف عن مسارها إلى أهداف ومسارات تخالف مقاصدها..!!
بل يجب أن نستمر على التربية بغير كلل ولا ملل، ونرعاها ونوجهها، ونحافظ عليها، ونحيطها بالضوابط المرعية، ونتعامل بالممكن حتى نصل للكمال،ونحن نستشرف كمال النهايات. قال ابن تيمية رحمه الله: (وَكَذَلِكَ يُوسُفُ عليه السلام..وَفَعَلَ مِنْ الْعَدْلِ وَالْخَيْرِ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ،وَدَعَاهُمْ إلَى الْإِيمَانِ بِحَسَبِ الْإِمْكَان).
فإن نحن فعلنا ذلك فسيتبع هذه المرحلة -بإذن الله- مراحل أخرى أفضل منها وأكمل، لتكون خاتمتها قتال اليهود على أيدي شباب صلحاء يُجري الله على أيديهم الكرامات فيكلمهم الحجر والشجر ((ويقول يا مسلم هذا يهودي ورائي تعال فاقتله)) رواه مسلم.
وما تلك المظاهرات -قبل ذلك كله- إلا من قدر الله المقدور، وسننه الكونية التي لن تجد لها تبديلا، وهي من مقتضى للعدل الإلهي فإنه –جل شأنه- يمهل للظالم ويملي له، حتى يظن أنه خالد في الأرض وقادرٌ عليها، ليأخذه -حينئذٍ- أخذ عزيز مقتدر ، فيقتص من الظالم وينتصر للمظلوم.
فمن لطف الله الخفي بهذه الأمة المرحومة التي لا تزال طائفة منها على الحق ظاهرين حتى قيام الساعة، ومن عجائب أخذه -سبحانه- أن يسلط على الظالمِ المظلومَ الذي كان يستضعفه ويهبه ويذله، ليشفي صدور المظلومين ويذهب غيظ قلوبهم، والله غالب على أمره..
وكتبه فضيلة الشيخ / حميدان بن عجيل الجهني
المشرف العام على شبكة مُفكرة الدعاة (http://www.aldoah.net/)