المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الحج والدار الآخرة



عبدالله الكعبي
12 Dec 2010, 05:57 PM
الحج صورة مصغرة للرحيل عن دنيانا الفانية إلى الدار الآخرة الباقية ولذلك قرن القرآن الكريم الكلام

عن فريضة الحج وأحكامها بالتزود من التقوى والعمل الصالح مع التزود بالطعام والشراب واللباس

قال تعالى: "وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَاب" (البقرة/ 197).

ورحم الله القائل يحث على الزيادة من التقوى للدار الآخرة:

إذا أنت لم ترحل بزاد من التقى

ولاقيت بعد الموت من قد تزودا

ندمت على ألا تكون كمثله

وأنت لم ترصد كما كان أرصدا

والقائل:

تزود من حياتك للمعاد

وقم لله واعمل خير زاد

ولا تجمع من الدنيا كثيرًا

فإن المال يجمع للنفاد

أترضى أن تكون رفيق قوم

لهم زاد وأنت بغير زاد؟

وحينما يتجرد الإنسان من ثيابه ويلبس ملابس الإحرام يتذكر حالتين اثنتين يكون فيهما مجردًا من الثياب:

الحالة الأولى: حينما خرج من بطن أمه طفلاً وليدًا ولف في لفافة، والحالة الثانية: حينما يخرج من

هذه الدنيا ويلف في الكفن. وفي الحالتين هو مجرد من الثياب العادية، ورحم الله القائل:

تجرد من الدنيا فإنك إنما

خرجت إلى الدنيا وأنت مجرد

وتب من ذنوب موبقات جنيتها

فما أنت في دنياك هذي مخلد

وحينما يلبس الإنسان ملابس الإحرام بالفعل ويروح ويجيء فيها ويستلقي على ظهره وهو لابسها

يتصور نفسه محمولاً على النعش لا ينفعه إلا ما قدم ويا لها من صورة عظيمة ويا لها من حالة رهيبة.

ورحم الله القائل:

ركوبك النعش ينسيك الركوب على

ما كنت تركب من بغل ومن فرس

يوم القيامة لا مال ولا ولد

وضمة القبر تنسي ليلة العرس

وموقف الحجيج في عرفات حينما تتلاشى الألقاب ويقف الناس في ثياب واحدة ضارعين متبتلين يرجون

رحمة الله ويخافون عذابه يذكر بالوقوف في عرصات يوم القيامة أمام الله تعالى للحساب.

وعن العلاقة بين فريضة الحج والدار الآخرة يقول النسفي في تفسيره: لقد شرعت العبادة للابتلاء

بالنفس كالصلاة والصوم أو بالمال كالزكاة، وقد اشتمل الحج عليهما مع ما فيه من تحمل الأثقال

وركوب الأهوال وخلع الأسباب وقطيعة الأصحاب وهجر البلاد والأوطان وفرقة الأولاد والخلان،

والتنبيه على ما يستمر عليه إذا انتقل من دار الفناء إلى دار البقاء، فالحاج إذا دخل البادية لا يتكل فيها

إلا على عتاده ولا يأكل إلا من زاده، فكذا المرء إذا خرج من شاطئ الحياة وركب بحر الوفاة لا ينفع

وحدته إلا ما سعى في معاشه لمعاده ولا يؤنس وحشته إلا ما كان يأنس أوراده، وغسل من يحرم

وتأهبه ولبسه غير المخيط وتطيبه مرآة لما سيأتي عليه من وضعه على سريره لغسله وتجهيزه مطيبًا

بالحنوط ملففًا في كفن غير مخيط، ثم المحرم يكون أشعث حيران فكذا يوم الحشر يخرج من القبر

لهفان، ووقوف الحجيج بعرفات آملين رغبًا ورهبًا سائلين خوفًا وطمعًا وهم من بين مقبول ومخذول

كموقف العرصات لا تكلم نفس إلا بإذنه فمنهم شقي وسعيد، والإفاضة إلى المزدلفة بالماء هو السوق

لفصل القضاء، ومنى هو الموقف المنى للمذنبين إلى شفاعة الشافعين، وحلق الرأس والتنظيف

كالخروج من السيئات بالرحمة والتخفيف، والبيت الحرام الذي من دخله كان آمنًا من الإيذاء والقتال

أنموذج لدار السلام التي هي من نزلها بقي سالمًا من الفناء والزوال، غير أن الجنة حفت بمكاره

النفس العادية كما أن الكعبة حفت بمتالف البادية فمرحبًا بمن جاوز مهالك البوادي شوقًا إلى اللقاء

يوم التنادي ص 99ج3 تفسير النسفي.

ومن هنا فقد ظهر جليًا مدى العلاقة بين هذه الفريضة وبين الآخرة التي فيها نرد إلى ربنا فيحاسبنا على أعمالنا.

لماذا الطواف جهة اليسار؟

لما طاف الرسول - صلى الله عليه وسلم - حول الكعبة طاف والكعبة على يساره، وقد حير ذلك بعض

العلماء حيث إن الإسلام يحث على التيامن دائمًا في كل شيء محترم فكيف يكون طواف الطائف

والكعبة عن يساره وليست عن يمينه ؟ إلا أنهم عللوا ذلك بعدة تعليلات هي:

1- الاتباع: لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - طاف هكذا وقال لنا خذوا عني مناسككم. رواه مسلم في كتاب الحج.

2- إن الحركة إذا جعل الطائف الكعبة عن يساره يعتمد فيها الأيمن على الأيسر في الدوران فيكون هذا

أولى لأنه يعلو على الأيسر بخلاف ما لو اعتمد الأيسر على الأيمن فإن الأيسر يكون هو الأعلى ص

740 ج7 الشرح الممتع على زاد المستنقع.

3- جاء عن ابن عباس - رضي الله عنهما - الحجر الأسود يمين الله في الأرض. رواه الطبراني في

معجمه والأزرقي في تاريخه فالطائف حين يطوف على الشمال يكون الحجر الأسود في يمينه على

قياس أن من يحاذي إنسانًا فيسار المحاذي هو يمين من يحاذيه.

4- ان القلب جهة اليسار وهو بيت تعظيم الله - عزوجل - ومحل تعظيمه سبحانه ومحبته. فصار من

المناسب أن يجعل الطائف البيت عن يساره ليقرب محل ذكر الله وعبادته وتعظيمه من البيت المعظم

فيكون القلب مواليًا للبيت.

5- ان هذا الاتجاه الذي يتجهه الطائف هو اتجاه الدوران نفسه الذي تتم به الحركة للكون كله من أدق

دقائقه إلى أكبر وحداته، فالإلكترون يدور حول نفسه ثم يدور في مدار حول نواة الذرة في هذا الاتجاه

نفسه، والذرات في داخل السوائل المختلفة تتحرك حركة موجبة حتى في داخل خلية حية حركة دائبة في

الاتجاه نفسه. والأرض تدور حول الشمس والقمر يدور حول الأرض، والمجموعة الشمسية تدور حول

مركز المجرة، والمجرة تدور حول مركز تجمع مجري، والتجمع المجري يدور حول مركز لكون لا

يعلمه إلا الله تعالى، وكل هذه الحركات لها اتجاه الطواف حول الكعبة.

فالكون كله من أدق دقائقه إلى أكبر وحداته يدور معاكسًا لاتجاه عقارب الساعة موافقًا لاتجاه الطواف

حول الكعبة ص 55 مجلة منار الإسلام عدد ذي القعدة 1425هــ.

ومن هنا ندرك علة الطواف جهة اليسار مع ميل الإسلام إلى التيامن في كل الأمور المحترمة من العبادات.

طيف المدينة
12 Dec 2010, 07:24 PM
تزود من حياتك للمعاد

وقم لله واعمل خير زاد

ولا تجمع من الدنيا كثيرًا

فإن المال يجمع للنفاد

أترضى أن تكون رفيق قوم

لهم زاد وأنت بغير زاد؟



"اللهم ارحمنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض "


http://up.ala7ebah.com/img/nj052570.jpg (http://up.ala7ebah.com/)

ام حفصه
13 Dec 2010, 03:12 PM
موضوع يستحق ان يقف الانسان مع نفسه عند الاطلاع عليه ----بارك الله فيك اخي الكريم ---ولكن ان سمحت لي كما يبدو ان الموضوع من اجتهادك كونك لم تسجل منقول لذا ان سمحت لي ان تخبرنا عن تفسير النسفي وجزيت خيرا ---

عبدالله الكعبي
13 Dec 2010, 05:09 PM
بارك الله فيكم جميعا و جزاكم الله خيراهو تفسير مختصر مفيد ، اختصره النسفي من تفسير البيضاوي ،

ومن الكشاف للزمخشري ، فجاء ، كما قال المؤلف : " كتابا وسطا في التأويلات ، جامعا لوجوه الإعراب

والقراءات ، متضمنا لدقائق علمي البديع والإشارات حاليا بأقاويل أهل الستة والجماعة ، خاليا عن

أباطيل أهل البدع والضلالة ، ليس بالطويل الممل ، ولا بالقصير المخل " .

ولا يخوض النسفي في المسائل النحوية إلا بلطف ، ويلتزم بالقراءات السبع المتواترة مع نسبة كل قراءة

إلى قارئها ، ويعرض للمذاهب الفقهية باختصار عند تفسير آيات الأحكام ، ويوجه الأقوال بدون توسع ،

وينتصر لمذهبه الحنفي في كثير من الأحيان ، ويرد على من خالفه ، ويندر فيه ذكر الإسرائيليات ،

يتعقبها ثم يرفضها .

والكتاب متوسط الحجم ، سهل التناول ، كثير التداول ، مشهور بين الناس ، وحاز القبول بين العلماء ،

وتقرر تدريسه في الأزهر والمدارس الشرعية عدة أعوام .