المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : كلمات ودروس ومحاضرات الشيخ سلمان العودة (( متجدد ))



أبولؤى
02 Dec 2010, 01:59 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

في هذا الموضوع ان شاء الله سوف نضع لكم كل ما يتعلق

بالشيخ سلمان العودة من دروس ومحاضرات وكلمات وتكون

بشكل دائم ان شاء الله ولا يمنع من الاخوة المشاركة ايضاً

لكل ما يتعلق بالشيخ سلمان العودة وسوف اضع لكم في هذا

الموضوع كل جديد الشيخ من محاضرات وكلمات ودروس

واولاً سوف اضع لكم تعريف بالشيخ سلمان العودة

وشاكر لكم متابعتنا وكل ماهو جديد للشيخ سوف تحصله

في هذا الموضوع

وتقبلوا تحياتي

اخوكم الفقير الى الله

أبولؤى

أبولؤى
02 Dec 2010, 02:05 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته اما بعد:اليوم سوف اقدم لكم معلومات عامة لفضيلة الشيخ:
سلمان بن فهد العودة:


فهرس الموضوع:
1-البيانات الشخصية
2- النشاة العلمية
3-المسؤوليات والعضويات
4-المشاركات العلمية
5- المقالات
6-تحميل مقاطع فيديو للشيخ.

__________________________________________________-

اولا:البيانات الشخصية
الاسم: سلمان بن فهد بن عبد الله العودة, الدخيل, من (الجبور) من (بني خالد).

وكان ميلاده في شهر جمادى الأولى عام 1376هـ في قرية البصر, وهي قرية هادئة في الضواحي الغربية لمدينة بريدة من منطقة القصيم.

متزوج, وعنده مجموعة من الأولاد ما بين ذكر وأنثى, أكبرهم معاذ.
__________________________________________________ ___________-

ثانيا:النشاة العلمية
كانت نشأته في قرية "البصر".

انتقل إلى الدراسة في بريدة بعد سنتين من الدراسة الابتدائية, وأكمل دراسته في مدرسة "الحويزة".

التحق بالمعهد العلمي في بريدة وقضى فيه ست سنوات دراسية، وكان يضم نخبة من فضلاء مشايخ البلد.

منهم:

- الشيخ صالح بن إبراهيم البليهي -رحمه الله-، وقد اختص به الشيخ وتخرج عليه.

- الشيخ صالح السكيتي -رحمه الله-.

- الشيخ علي الضالع -رحمه الله-.

وأتاحت له الدراسة فرصة الجلوس بين أيديهم, والأخذ من علمهم, ومن أخلاقهم, واستفاد من ذلك.

وتعرف بعد على فضلاء الشيوخ, وصحبهم وجرت بينه وبينهم اتصالات ومراسلات, بعضها محفوظ من أمثال سماحة العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز, وسماحة الشيخ محمد بن صالح العثيمين, وسماحة الشيخ عبد الله بن جبرين,وسماحة الشيخ ناصر الدين الألباني،وسماحة الشيخ يوسف بن عبدالله القرضاوي،وسماحة الشيخ سالم بن عدود رحمه الله،وسماحة الشيخ عبدالله بن بيه،والشيخ أبو خبزة بالمغرب،وحصل على إجازات علمية من أكابر المسنين في العالم الإسلامي.

كما أن التحاقه بالمعهد أتاح له فرصة الاستفادة من مكتبة المعهد آنذاك, وكانت عامرة بعدد كبير من الكتب.

وهي مكتبة للإعارة, وتتجدد وقتاً بعد وقت؛ فتضم عدداً كبيراًَ من الكتب الجديدة التي يحتاج الناس إليها.

وقد حفظ في صباه مئات القصائد الشعرية المطولة من شعر الجاهلية والإسلام وشعراء العصر الحديث, وهي قصائد تتراوح الواحدة منها ما بين مائة بيت وعشرين بيتاً.

و قد تخرج في كلية الشريعة و أصول الدين بالقصيم.

ثم عاد مدرساً في المعهد العلمي في بريدة لفترة من الزمن.

ثم انتقل معيداً إلى الكلية وحصل خلال ذلك على درجة الماجستير من قسم السنة وعلومها في كلية أصول الدين بالرياض وكان موضوع الرسالة "غربة الإسلام وأحكامها في ضوء السنة النبوية"، وكان ذلك سنة 1408هـ.

ودرس في كلية الشريعة و أصول الدين بالقصيم لبضع سنوات، قبل أن يُعفى من مهامه التدريسية في جامعة الإمام وذلك في 15/4/1414هـ.

ثم نال شهادة الدكتوراة وكان موضوعها "شرح بلوغ المرام كتاب الطهارة" أجازه بها فضيلة الشيخ الدكتور عبد الله بن جبرين ومعالي الشيخ عبد الله بن بيه, وفضيلة الشيخ الدكتور خلدون الأحدب.
__________________________________________________ ____________________

ثالثا:المسؤوليات والعضويات
يتولى الإشراف على مجموعة الإسلام اليوم والتي ينضوي تحتها المشاريع التالية:

· بوابة الإسلام اليوم الإلكترونية (بأربع لغات: العربية، والإنجليزية، والفرنسية،والصينية).

· مجلة الإسلام اليوم.

· جوال الإسلام اليوم.

· المكتب العلمي للاستشارات الشرعية والبحوث والدراسات.

· سلسلة كتاب الإسلام اليوم.

كما يشغل منصب الأمين العام لمنظمة النصرة العالمية.

وهو عضو مجلس أمناء الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.

وعضو مجلس الإفتاء الأوروبي،وعضو في عدد من الجمعيات والمؤسسات الخيرية والعلمية في العالم الإسلامي.

__________________________________________________ ____________________

رابعا:المشاركات العلمية
دروس أسبوعية في شتى المعارف والعلوم الإسلامية:



1- ( فقه - تفسير - حديث - تربية - أخلاق - سيرة نبوية - عقيدة - مشكلات اجتماعية - رؤى واقعية ).

2- مشاركة في مؤتمرات إسلامية في الولايات المتحدة الأمريكية, وفرنسا، وكندا, وبريطانيا, واستراليا, والسودان، ومصر ومنها:

· مؤتمر الندوة العالمية للشباب الإسلامي بالرياض 1423هـ

· مؤتمر الجمعيات الخيرية بقطر1425هـ.

· مؤتمر الإسلام والغرب بالسودان بعد رمضان 1425هـ.

· مؤتمر القيم باليمن 1426هـ.

· مؤتمر النصرة بالبحرين 1426هـ

· مؤتمر اتحاد علماء المسلمين بتركيا شعبان 1427هـ.

· مؤتمر حرية التعبير بين الإسلام والحداثة شوال 1427هـ.

· مؤتمر عالمي لنصرة الشعب الفلسطيني بقطر 1427هـ

· مؤتمر الندوة العالمية للشباب الإسلامي بالقاهرة 1427هـ

· مهرجان العفاف في اليمن.

3- مشاركة في المهرجانات والمؤتمرات المحلية.

4- دورات إدارية في الرقابة والتحفيز.

5- المشاركة في اللقاء الوطني للحوار الفكري, الأول والثاني.

6- برامج إعلامية كتابية وحوارية.

ومجموعة كبيرة من الرسائل والبحوث والدراسات والفتاوى يشمل كل ميادين الحياة الفردية والإجتماعية، وهي موجودة في الموقع الإلكتروني ومفهرسة تحت نافذة (قلم المشرف).

وقد زار المؤسسات العلمية وألقى فيها المحاضرات كجامعة الكويت،وجامعة البحرين،والجامعة الإسلامية بماليزيا،كجامعة أم القرى بمكة المكرمة, وجامعة الملك فهد للبترول والمعادن بالظهران, وجامعة الملك فيصل بالأحساء, وجامعات البنات, وجامعة القصيم, وجامعة الملك عبد العزيز بجدة,والجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، والكليات المتوسطة, وغيرها
__________________________________________________ ____________________

خامسا:المقالات
النقيض
أظنّ أنني أضع يدي على عيب من أعظم عيوب التفكير والعمل لدى المسلمين, وإن لم أكن قادراً على تشخيصه بدقة, ومعرفة أسبابه ، يكفي أن أدوّنها ملاحظة غير عابرة ولا عاجلة , على طرائقنا في العيش



عقلي المؤمن
أشكر ربي أجزل الشكر وأوفاه على نعمة العقل ونعمة الإيمان . بالعقل يصبح المرء مؤمناً ، إذ غير العاقل لا يُخَاطب بالإيمان أصلاً ، فالعقل يدلّ على الله قبل النقل ،



هل نحن شعوب مرائية ؟!
قبل بضعة أشهر ؛ زارني وفد من محطة تلفزيونية تتبع الاتحاد الأوربي ، وسألوني عن أشياء كثيرة حول الإسلام والعروبة والوطن ..



تغيرت علينا !
قابلت إنساناً ذات مساء خُيّل إليّ أنّي أعرفه ، فعانقته بحرارة ، وسألته عن الحال ، وعاجلته قائلاً : ما هذا التغيّر الذي طرأ عليك ؟ أين كنت ؟ وكيف صرت ؟ ..



دعوة للتصافي
لَمْ أشأْ أن أجعل عنوان مقالتي هذه " دعوة للمصالحة " خشية أن يُفهم من هذا إلغاء جوانب الاختلاف ، لأنه قد يوجد ما يدعو للاختلاف في أمور الشريعة أو في مصالح الدنيا ، فالاختلاف سنة إلهية ولا حيلة



تأليل الإنسان
لعله سبك جديد لمفهوم تحويل الإنسان إلى آلة . أردت أن أخرج ذات صباح؛ فوجدتني أعبئ جيوبي بجوال ذات اليمين وآخر ذات الشمال ، وأتفقّد



ابن الفجاءة
ليس لي كبير فضل في حفظ قصيدة " قطري بن الفجاءة " الخارجي الذي يقول : أَقـولُ لها، وقَدْ طارَتْ شعَاعاً** مِن الأَبْطال: وَيْحكِ لاتراعي
__________________________________________________ _____________________

سادسا:تحميل مقطع فيديو للشيخ

برنامج حواري مباشر في قناة المجد الفضائية بعنوان((اول اثنين))

http://www.awalethnain.com (http://www.awalethnain.com)

ارجو ان الموضوع افادكم واعجبكم والى اللقاء في موضوع اخر!

أبولؤى
02 Dec 2010, 02:18 PM
فضيلة الشيخ/ سلمان بن فهد العودة

1- هنادي محمد الجلعود (22 سنة)
2- سامية محمد الجلعود (17 سنة)
3- غادة علي المبدل (20 سنة)
4- نوف محمد الموسى (15 سنة)
هذه الأسماء المباركة أضحت محفورة في أذهاننا ، تذكرنا برحيل كوكبة من خيرة بناتنا في أيام عيد الأضحى .
مساء يوم السبت 14/12/1431هـ كان الموت على موعد مع ثلّة من الفتيات الصالحات ، بعدما فرغن من صيام تسع ذي الحجة ، ومراجعة حفظهن لكتاب الله (سامية وغادة يحفظن القرآن كاملاً ، وهنادي ونوف يحفظن أجزاء من القرآن) .
كن يقطفن فرح العيد المشروع في منتزه خاص مغلق في منطقة الثمامة حينما هاجمتهن المنية على حين غرة في الساعة الخامسة عصراً ، ورحلن إلى الدار الآخرة تاركات قلوباً متفطرة عليهن حزناً وكمداً .
قلوب الوالدين ، والأهل ، والصديقات ، والذكريات الجميلة ، والخلق الرفيع ، والسلوك المستقيم .
ورحيلهن صنع القدوة الحسنة لكل فتاة عرفتهن أو سمعت بهن .
فإذا كان لابد من الموت فليكن بمثل هذه الحال من الاستقامة والصلاح والبر والإيمان .
والحق أن حسن الظن بربنا يجعلنا نرجو لكل من مات على الإسلام والتوحيد خيراً وحسن جزاء ، ولكن أولئك الذين يعملون ويدأبون في الحياة وهم يستحضرون ساعة الرحيل يكونون أكثر عطاءً وإخلاصاً واستقامة .
جربت أن أضع نفسي في موقف الوالد الملتاع بفقد روح صحبها من الصغر وعايشها عبر السنين ، وشاركها صنع الذكريات العذبة في السفر والفرح ، والحل والترحال ، والتفاصيل الدقيقة المؤثرة .. فتسرّب إلى قلبي شيء من لوعة الفقد ومرارة الغياب لفتيات في عمر الزهور ، وتذكرت تعبيرات أبي الحسن التهامي التي كنت أقرؤها لطلابي في الثانوية ، وأطلب منهم كتابة التعبير عنها :


يا كَوكَباً ما كانَ أَقصَرَ عُمرَهُ وَكَذاكَ عُمرُ كَواكِبِ الأَسحارِ

وهلالَ أيَّام مضى لم يستدرْ بدراً ولم يمهلْ لوقتِ سرارِ

عجلَ الخسوفُ إليه قبلَ تمامهِ فمحاهُ قبلَ مظنَّةِ الإبدارِ

واستلَّ من أترابهِ ولداتهِ كالمقلةِ استُلَّت من الأشفارِ

وكأنَّ قلبي قبره وكأنَّه في طيِّه سرٌّ من الأسرارِ

إنَّ الكواكبَ في عُلوِّ مكانها لتُرى صغاراً وهي غير صغارِ
وأدركت سراً مختلفاً لبيت كنت أحفظه من قبل :


ووالله لو أستطيع قاسمُتهُ الرَّدى فمتنا جميعاً، أو لقاسمني عمري

ولكنها أرواحُنا ملكُ غيرنا فماليَ في نفسي ولا فيهِ من أمرِ

ينغَّصُ نومي كل يومٍ وليلةٍ خيالٌ له يسري، وذكرٌ له يجري
قلت لنفسي : بدلاً من الاستسلام للذكريات التفصيلية وما تنتجه من ألم .. لا بأس أن يحدث هذا ، لأنه جبلة وقد قال -صلى الله عليه وسلم- : « إِنَّ الْعَيْنَ تَدْمَعُ ، وَالْقَلْبَ يَحْزَنُ ، وَلاَ نَقُولُ إِلاَّ مَا يَرْضَى رَبُّنَا ، وَإِنَّا بِفِرَاقِكَ يَا إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ » رواه البخاري ومسلم.
ولكن إلى جوار هذا علينا أن نعتني بكيفية الوفاء للعزيزات اللاتي فقدناهن ، وحفظ مقام القرابة أو الصداقة بأساليب شتى :
1- الدعوات الصالحات المنبعثة من قلوب صادقة بالمغفرة والرحمة وتحقيق مرتبة الشهادة لهن والفردوس الأعلى من الجنة .
2- الصدقة والوقف لهن ، من الوالدين أو الأصدقاء أو المعارف كبناء مسجد ، أو حفر بئر ، أو إنشاء مدرسة للأيتام .
3- الذكر الطيب ، وفي الصحيحين من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه قال: « أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِى الأَرْضِ » ، ومن أثنى الناس عليه خيراً فهو من أهل الجنة ، ونحن نجد أن مجالس الأشراف والفضلاء من الناس رجالاً ونساءً تلهج بالثناء ، ومواقع الحديث والتعليق على الخبر في الإنترنت تشيد وتدعو وتترحم ..
ولا عتب ولا تثريب على الأهل والصديق في تكرار الثناء العاطر ، والذكر الجميل ، فهو نوع من الوفاء تطيب به النفس ، وليس معه سخط ولا جزع ولا تبرم ، بل هو مصحوب بـ " إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ " ، أو بـ " الحمد لله على كل حال " ، مرجو أن تكون عاقبته : (ابْنُوا لِعَبْدِى بَيْتًا فِى الْجَنَّةِ وَسَمُّوهُ بَيْتَ الْحَمْدِ) كما في الحديث القدسي في مسند أحمد وعند الترمذي وقال : حديث حسن .
ولا يحزن النفس أن يكون في الخلق شامت أو حاقد أو مريض لا يرعى حرمة ميت ، ولا يحترم إخاءً لحي فهذه سنة الله في عباده ألا يزال فيهم الشرير ورديء الطبع وفاسد الذوق ، ممن لا يفرح بمدحهم ، ولا يحزن لذمهم .
4- التدوين لمواطن الأسوة والقدوة في حياة هؤلاء الراحلات ، ليعتبر بها من يقرؤها ، وكم يجد المرء لدى فتيات صالحات مثلهن ، من حفاظ على صلاة ، أو بر لوالد ، أو صلة لرحم ، أو تلاوة لكتاب الله ، أو مشاركة في عمل خير ، أو دعوة إلى إصلاح ، أو خلق نبيل ، أو رحمة لضعيف أو يتيم ، أو حنو على صغير ، أو دمعة ورقة قلب ، أو وردٍ في صباح ومساء ..
وربما كان لبعضهن كتابة أو مشاركة أو ذكرى حسنة يجمل أن يطّلع عليها الآخرون فيثنون ويترحمون .
بدلاً من أن نلعب دور " الرهينة " للحزن ، علينا أن نؤدي دور " المهندس " .
علينا أن نستخدم المحنة حافزاً تشجيعياً وأداة للتغيير الإيجابي ، فالأحزان الحالية سيكون لها آثار إيجابية على المدى البعيد (وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)(البقرة: من الآية216) .
لن نستطيع السيطرة على ما حدث ، فقد حدث فعلاً ، ولكننا نستطيع السيطرة على مشاعرنا تجاه ما حدث ، وهو الشيء الذي نحن مسؤولون عنه .
علينا ألا نسمح لتأنيب الضمير أن يزيد أحزاننا ، حينما نتذكر أو نعتقد أن تقصيراً منا هو السبب في ما حدث أو نتذكر موقفاً بشرياً طبيعياً عاتبنا فيه أو غاضبنا أولئك الذين فقدناهم .
بعد هدوء عاصفة الأحزان يمكن للإنسان أن يحصل على الكثير وأن يحس ببداية جديدة ، فالله تعالى لا يحمّلنا شيئاً نعجز عن احتماله إذا توفرت لدينا النظرة الصحيحة للأمور .
الخوف من الموت يدعونا دوماً لتجاهله إلى أن يضرب في بيوتنا بفقد عزيز أو حصول مأساة .. وفجأة نبدأ بطرح الأسئلة ..
لماذا نحن بالذات ؟
لا . لست وحدك ، وغيرك سبقك ، أو سيأتيه الدور ، دون استثناء ، والفرق هو بين من يصبر ومن يجزع .
إن السمو الروحي والإيماني كفيل بتحويل المصيبة إلى مدرسة للقوة والصبر والإيمان والتغيير الإيجابي .
العقل لا يجيب على أسئلة المحنة ، بل الإيمان هو الذي يجيب عليها .
ليس بوسع أحد منا أن يفعل شيئاً لإعادة شخص عزيز إلى الحياة الدنيا ، لكن بإمكاننا أن نجعلهم حاضرين في حياتنا بالدعوات والذكر الجميل .. وهذا هو الخلود الحق .
البعض يظن أن الإيمان بالغيب والدار الآخرة والخلود الأخروي هو نوع من العجز ، وكأن الإنسان يبحث عن " عكاز " يتوكأ عليه في مصابه ..
والحق أن الإيمان بالغيب هو القوة الهائلة التي لا نظير لها .
وهو الفسحة الرائعة العظيمة التي تضيف لبعد الحياة الدنيا القصيرة -مهما طالت- بعداً يمتد ولا يتوقف ولا ينتهي ، وتصنع الأمل الصادق باللقاء الجميل في جنات الخلود .


أخي إن ذرفت عليّ الدموع وبللت قبري بها في خشوع

فأوقد بذكر الإله الشموع وميعادنا في ديار الخلود
علينا ألا نتخلى عن برامجنا العادية اليومية استسلاماً للمصاب ، فصداقاتنا وعلاقاتنا ومواعيدنا وأعمالنا الوظيفية أو التجارية .. وحتى متعنا الفطرية كلها ينبغي أن تستمر مع النوازل وألا ننعزل عنها تحت وطأت الأحزان ، أو نظن أن من الوفاء للراحلين أن نتوقف عنها .
إن فكرة " نظام الإعارة " فكرة جميلة أرشدت إليها إحدى الصحابيات زوجها ، بنتك معارة عندك لمدة عشرين سنة وبعدها تنتهي الإعارة وتعود الروح إلى خالقها العظيم الذي هو أرحم بها منك ومنها .
لن تنقطع الروابط العاطفية والحب مع أولئك الذين فقدناهم ولكننا نستطيع التكيف مع الوضع الجديد ..
-حتى الأحلام في المنام سوف تساعدنا بإذن الله .. وقد نراهم ونحدّثهم ونخبرهم أننا كنا نظنهم من الأموات .. وكأن الأمر يقظة فعلاً .
إن إحساسنا بأن المسألة دورية تنتقل من أسرة لأخرى ، يجعلنا أكثر إحساساً بأهمية الوقوف مع أصدقائنا وجيراننا وأحبائنا في أوقات المحنة .
فلنمنحهم الحب والوفاء والأمان .. ولنكن قريبين منهم بأجسادنا وأرواحنا وكلماتنا ..
لقد تحدثت وفي ذهني وإحساسي حرقة على رحيل أولئك الصالحات اللاتي أرجو الله أن يكتب لهن مقام الشهيدات ، ولكنني استحضرت تلك السلسلة المتصلة بدون توقف من النكبات والمصائب والنوازل التي لا تستثني أحداً في مشرق الأرض ومغربها .
فاللهم ارحم أمواتنا وأسكنهن الفردوس الأعلى من الجنة وارزق أحياءنا الصبر والثبات واليقين ، ولكل مصاب عزاؤنا ودعاؤنا وصادق مشاعرنا .. وتذكير بالتماس الحكمة والصبر في كتاب مثل كتاب " عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين " لابن القيم ، أو كتاب " برد الأكباد عند فقد الأولاد " لجلال الدين السيوطي ، أو كتاب " قوة الصبر " إم جيه رايان ، أو كتاب " الشدائد تصنع الأقوياء " ماكساين شنال .
والحمد لله على كل حال ، منه المبتدأ وإليه المصير .
الكاتب: فضيلة الشيخ/ سلمان بن فهد العودة السبت 21 ذو الحجة 1431الموافق 27 نوفمبر 2010

عبدالله الكعبي
02 Dec 2010, 08:32 PM
بارك الله فيك اخي و جزاك الله خيرا جلست مع د/ الشيخ سلمان ابن عوده في فندق الشيراتون في المنامه شفته بلصدفه

هو بنفسه جاء وسلم علي و تعرفنا مع بعض في الفندق و شيخ جاء فعاليات جائزة سمو الشيخ خليفة بن علي بن

خليفة آل خليفة للابن البار والابنة البارة، في دورتها الثالثة التي حملت عنوان “أمي وأبي... غايتي رضاكم”، وذلك

بمحاضرة دينيه للشيخ سلمان العودة بعنوان “آباء وأبناء”.

قصواء
02 Dec 2010, 11:53 PM
ما شاء الله
موضوع رائع
ومعلومات قيمة
بارك الله فيك اخي
وجزاك الله خيرا

أبولؤى
03 Dec 2010, 12:53 PM
فضيلة الشيخ/ سلمان بن فهد العودة
أنصف

في صحيح البخاري (كتاب الإيمان - باب إفشاء السلام من الإسلام) عن عمار بن ياسر قال : ثَلاَثٌ مَنْ جَمَعَهُنَّ فَقَدْ جَمَعَ الإِيمَانَ الإِنْصَافُ مِنْ نَفْسِكَ ، وَبَذْلُ السَّلاَمِ لِلْعَالَمِ ، وَالإِنْفَاقُ مِنَ الإِقْتَارِ .
-أعترف بأنني كثير التكرار لهذا الأثر الجميل ، لقد شدني التعبير المباشر عن مبدأ الإنصاف الذي جاءت به الشريعة ، وخاصة الإنصاف من النفس .
إن القدرة على الحياد بين المتخاصمين لهي شيء أشبه بالمستحيل ، إلا لمن اختارهم الله ورزقهم كمال العلم والتقوى والعقل .
أما الإنصاف من النفس فأمر وراء ذلك ، أنى يقع لإنسان أن يتجرد من ذاتيته وأنانيته وخصوصية نفسه ليجعل موقفه من نفسه ومن الآخر المختلف معه متساوياً ، وعلى ذات المسافة !
حين تتأمل تجد دعوة إلى الترقي والمجاهدة الأخلاقية للفرد يعز نظيرها .
وأفهم من الأثر معنى آخر ، وهو الإنصاف مع من ينتمي إليهم الإنسان ، من جماعة أو حزب أو قبيلة أو شعب أو مدرسة حركية أو فكرية ، أو مجموعة اقتصادية أو .. أو ..
حين تخطئ أنت تنظر إلى خطئك على أنه استثناء ، وأن لديك صواباً كثيراً ، وتنظر إلى قدْر من حسْن نيتك وسلامة مقصدك في الخطأ ، وتحيطه بما يهوّنه أو يخففه ، وتتبعه بالاستغفار والأعمال الصالحة الظاهرة والخفية بما ترجو معه زوال أثر الذنب أو المعصية أو أن تكون عاقبته خيراً .
أما حين يخطئ الآخرون ، فأنت تعرف الخطأ فقط ، لكن لا تكلف نفسك تصور ما وراءه من دوافع أو مقاصد أو نيات ، وما يصاحبه من أعمال صالحات ، ولا ما يتبعه من توبة واستغفار وندم وانكسار .
وحين يخطئ فرد في جماعتك أو حزبك أو قبيلتك أو مجموعتك الفكرية والحركية ؛ تعرف جيداً أن هذا خطأ فرد لا يتحمل مسؤوليته غيره ، وأن الآخرين عاتبوه وصححوه ، وأن حدوث خطأ من فرد ما معتاد ، وتسوق نصوصاً صحيحة صريحة من مثل قوله تعالى : (أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى * وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى) (النجم:39،38) .
وقول النبي -صلى الله عليه وسلم- : « أَلاَ لاَ يَجْنِى جَانٍ إِلاَّ عَلَى نَفْسِهِ .. » رواه الترمذي وابن ماجه والبيهقي وأحمد وقال الترمذي : حديث حسن صحيح.
وتستميت في تقرير هذا المعنى ، وتعد من يتجافى عنه أو يصم أذنه عن سماع حجتك متحاملاً أو متعصباً أو مغرضاً ، وهو كذلك .
على أنك حين تظفر بخطأ فرد واحد من جماعة أخرى متباعدة عنك ولا تشعر نحوها بالدفء والانتماء يسهل عليك تعميم الخطأ ، واعتباره معبراً عن رأي الجميع ، وأنه رأس جبل الجليد ، أو نتيجة رضا وموافقة ، أو على الأقل هو بسبب تربية وتلقين تلقاها هذا المخطئ في محاضن جماعته أو حزبه أو قبيلته أو مدرسته الفكرية أو شركته التجارية ، فلا مناص لهم من تحمل التبعة كلها أو بعضها .
وستعدّ دفاع المدافعين وتنصل المتنصلين تهرباً من تحمل المسؤولية ، وذراً للرماد في العيون ، فأين الإنصاف إذاً ؟!
إنها مقامات من التجرد والمكاشفة مع الذات لا تحصل إلا بتوفيق من الله ، وطول مجاهدة ، واستعداد دائم لمراقبة النفس ، ومراقبة الأتباع والموافقين وعدم الانجرار وراء حالة الاصطفاف والتخندق التي تعمي عن الحق ، كما قيل :
وَعَينُ الرِضا عَن كُلِّ عَيبٍ كَليلَةٌ وَلَكِنَّ عَينَ السُخطِ تُبدي المَساوِيا
ولذا أوصى الله تعالى المؤمنين بقوله : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ)(النساء: من الآية135) ، فأمر بالشهادة على النفس والقريب .
وفي موضع آخر قال -سبحانه وتعالى- : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا)(المائدة: من الآية8) ، فأوصى سبحانه ألا يحملنا العداء والبغض -أياً كان سببه حتى لو كان دينياً- على أن نظلم أو نجور ، وهذه وصية القرآن للمؤمنين .
وفي الأثر : « يبصر أحدكم القذاة في عين أخيه ، وينسى الجذع ، أو الجذل ، في عينه » رواه البخاري فى الأدب المفرد وابن حبان والبيهقي في الشعب.
ومعناه : أن الإنسان لنقصه وحب نفسه يتوفّر على تدقيق النظر في عيب أخيه , فيدركه مع خفائه , ولو كان كأقلّ ما يقع في العين من القذى , فيعمى به عن عيبٍ كبيرٍ ظاهرٍ لا خفاء به في نفسه, ولو كان كجذع النخلة!
-كم منا من سيقف أمام نفسه ويحاكمها ويحاسبها بدلاً من أن يمضي في سبيله مؤمناً بأنه هو الحق ومن عداه الباطل وهو الهدى ومن عداه الضلال ..
اللهم بصّرنا بعيوبنا ومواطن الضعف في نفوسنا .

الكاتب: فضيلة الشيخ/ سلمان بن فهد العودة السبت 14 ذو الحجة 1431الموافق 20 نوفمبر 2010

أبولؤى
03 Dec 2010, 02:10 PM
بارك الله فيك اخي و جزاك الله خيرا جلست مع د/ الشيخ سلمان ابن عوده في فندق الشيراتون في المنامه شفته بلصدفه

هو بنفسه جاء وسلم علي و تعرفنا مع بعض في الفندق و شيخ جاء فعاليات جائزة سمو الشيخ خليفة بن علي بن

خليفة آل خليفة للابن البار والابنة البارة، في دورتها الثالثة التي حملت عنوان “أمي وأبي... غايتي رضاكم”، وذلك

بمحاضرة دينيه للشيخ سلمان العودة بعنوان “آباء وأبناء”.

ما شاء الله تبارك الله

اسأل الله لك التوفق والسداد

وشكراً على المرور

أبولؤى
03 Dec 2010, 02:11 PM
ما شاء الله
موضوع رائع
ومعلومات قيمة
بارك الله فيك اخي
وجزاك الله خيرا

بارك الله فيك اختي

وشكراً على المرور

أبوسعود المكي
03 Dec 2010, 09:42 PM
بارك الله فيك.

أبولؤى
03 Dec 2010, 10:00 PM
فضيلة الشيخ/ سلمان بن فهد العودة

تجزيء الإمامة


ما الفرق بين " الأسوة " و " القدوة " ؟
لست أدري .
وأجد في القرآن الكريم قوله تعالى : (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ..)(الأحزاب: من الآية21) ..
والأسوة هنا : القدوة ؛ كما قال ابن عباس: سنة حسنة واقتداء صالح.
وقال ابن عمر رضي الله عنه: أسوة في جوع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال السدي: مواساة عند القتال.
وفي صحيح مسلم أن رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ لبعض أصحابه:« أَمَا لَكُمْ فِىَّ أُسْوَةٌ؟ » ..
والقدوة برسول الله مطلقة ؛ فهو قدوة لجميع الناس ، وفي جميع الأحوال .
وفي التنزيل (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ)(الأنعام: من الآية90) .
وفي البخاري أن مجاهداً سأل ابن عباس عن سجدة « ص » فقال ابن عباس:{ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ } فكان داود ممن أمر نبيكم صلى الله عليه وسلم أن يقتدي به ، فسجد بها داود عليه السلام ، فسجدها رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وقال قتادة : قص الله عليه ثمانية عشر نبياً ، ثم أمر نبيكم أن يقتدي بهم ، قال : وأنتم ، فاقتدوا بالصالحين قبلكم.
وبالنسبة لسائر الناس فالأسوة تتجزأ ، فيكون أحدهم مثلاً يُحتذى في علمه , ولا يكون كذلك في شأن آخر ، أو يكون قدوة في عمله ، أو في أخلاقه ، أو في دعوته ، أو في برّه بوالديه وصلته برحمه ، أو في ضبط الوقت .
وربما كان قدوة في جزئية أو مرجعاً في باب من الأبواب ، كالحديث أو الفقه أو اللغة أو التاريخ أو الأدب .
حين تقرأ قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً) (الفرقان:74) ، تعلم يقيناً أنه لا ينبغي ولا يمكن أن يكون الناس كلهم أئمة في كل شيء ، وإذاً لم يبق أتباع ، وإنما الإمام هو القائد الذي يأتم الناس به كما قال تعالى : (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً)(النحل: من الآية120)
قال ابن عباس في قوله :كان إماماً في الخير.
ولعل من موجبات الخلل والارتباك في المناخ الإسلامي اليوم شعور الكثيرين بأنهم في مقام القيادة والإمامة والمبادرة والتوجيه, حتى ضاعت المعالم واشتبهت الطرق ، وكل فتى يقول :
إن يطيعوني يرشدوا ..
ويرى أن الحل بيده ، وأن الأمر واضح للعيان وضوح الشمس في رابعة النهار ، ولكن الناس لا يعقلون ولا يريدون أن يفهموا !
وقد وجدت أكثر الناس اندفاعاً هم أقلهم تجربة ، والأيام كفيلة بمنحهم الحنكة والحكمة إن كانوا قابلين لها , ووقاهم الله شر الدروس القاسية التي تحطمهم أو تهلكهم !
فالدعاء بالإمامة يحتمل التجزئة أن يكون إماماً ولو في شيء واحد , أو باب من أبواب الخير .
وهذا من شأنه أن يمنح الداعي والقارئ فسحة عملية وإمكاناً واقعياً غير مرتبط بالغيب أو المستقبل .
ليكن الداعي بهذه الآية متأملاً لمعناها بفعله اليومي ، ليكن قدوة لطلابه في نظافة ثيابه ، أو في حفاظه على الوقت وأدائه للأمانة ، أو في وضع النفايات في الأماكن المخصصة لها ، أو في الالتزام بالأنظمة المرورية في القيادة والوقوف واحترام الآخرين ، ليكن الطالب قدوة في أداء الواجب وفهم الدروس والإحساس بالمعنى التعبدي في البحث والدراسة والقراءة ، ليكن الأب قدوة في الثراء العاطفي مع أسرته وأولاده ، وتمرير الكلمات الودية على لسانه والسؤال عن الحال ، والتعبير عن الشوق والحب ، والدعاء بالصالحات ، لتكن الزوجة أسوة في صبرها واستيعابها المواقف الصعبة ، وتوفير الجو الطيب في المنزل ، والتحفيز على الإبداع والإنتاج والعطاء .
ليكن الابن قدوة في بره بوالديه وحسن أدبه معهم ، وتقبيل الرأس وتقبيل اليد .
إن هذا يضيف بعداً جديداً للدوافع التي تحملنا على الفعل ، حتى يصبح الإنسان لا يشعر أنه يمثل نفسه فحسب ، بل يشارك في تمثيل نمط اجتماعي نموذجي ، وهو جزء من الانتماء للمجتمع وللبلد وللأمة كلها ، فليس سراً أن العالم اليوم يصنع تصوراته عن الشعوب والأوطان والأديان عبر الصور الصغيرة والكثيرة التي يشاهدها أو يسمعها عنهم ، ولذا قال ربنا: (رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (الممتحنة:5) قال ابن عباس: لا تسلِّطْهم علينا فيفتنونا.
وقال قتادة:لا تظهرهم علينا فَيَفْتَتِنُوا بذلك؛ يرون أنهم إنما ظهروا علينا لحقّ هم عليه.
وإنها لفتنة عن دين الله ، أن يتلفت جاهل فيمن حوله فيرى التخلف والجهل وفساد الأخلاق والسلوك لدى نفرٍ من الناس فيسأل عنهم فيقال : هؤلاء المسلمون !
من هؤلاء التائهون..
الخابطون على التخوم..
أعشى خُطى أبصارهم رهجُ الزوابع والغيوم..
والليلُ يرفلُ حولـَها.. والموتُ أنسرُه تحوم..
من هؤلاء التائهون..أفهؤلاء المسلمون..
أبدا ً تكذِّبُني وترجمُني الحقائقُ والظنون..
أبدا ً وكيف.. وفي يمينهمُ كتابٌ لا يهون..
(محمود حسن إسماعيل)
إن أعظم دعاية لدين الله أن تكون أخلاقيات المنتسبين إليه وعقولهم وأفهامهم وتصرفاتهم تنم عن رقي ووعي وإنسانية ونضج وأدب وحب للخير وإيثار وتسامح وعفو وفطنة وذكاء ..
فاللهم هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماماً.

الكاتب: فضيلة الشيخ/ سلمان بن فهد العودة السبت 15 ذو القعدة 1431الموافق 23 أكتوبر 2010

أبولؤى
04 Dec 2010, 12:40 AM
http://up.ala7ebah.com/img/oHW12422.jpg

فضيلة الشيخ/ سلمان بن فهد العودة
ساعة في الفيس بوك


قضيت بالأمس وقتاً طيباً تنفيذاً لموعد مع أصدقائي الشباب في صفحتي في الفيس بوك :
www.islamtoday.net/fb (http://www.ala7ebah.com/fb)

وانصرفت مسروراً بالتفاعل مع المئات من شتى الأقطار والمستويات والأجناس بأقل كلفة ..
قبل عشر سنين كان الاجتماع مع المئات من الأشخاص ، فضلاً عن الآلاف يعني حجز استراحة كبيرة ، وإعداد القهوة والشاي والماء والعصيرات ، ولابد من وجبة طعام دسمة في نهاية المطاف !
وهذا مقبول بحسب قواعد الكرم العربي ، ولكن يوازيه ضياع معظم الوقت في السلام والتحية والسؤال عن الأحوال ، وإن كان الاجتماع محاضرة ، فالحديث يتم عبر طريق واحد ، والبقية يستمعون ..
أما اليوم فالأمر مختلف ، فاستثمار الوقت يبدأ من لحظة وجودك على الموقع ، وكل مشارك له الحق في السؤال ، وهو حين يسأل يعبر عما يريد ويوافق أو يخالف أو يشطح .
في إحدى مرات وجودي ، وفي جوٍ عاطفي مريح انبرى أحد المشاركين ليصب اللعنة عليّ .. وعلى أمهات المؤمنين والخلفاء الراشدين !
فقلت : كفاني فخراً أن أكون مرتبطاً في ذهن هذا الأحمق المغرور بأسماء لامعة مقدسة نورّت تاريخنا .. وعطرت واقعنا ، وعززت الأمل بمستقبلنا ، حشرنا الله في زمرتهم ، وجعلنا من أتباعهم .
جلست جلسة الأمس لساعتين وطوفت في شتى البقاع ، وتناولت العديد من الموضوعات والهموم والقضايا والأسئلة .
فور خروجي من الموقع جاءتني رسالة جوال تعبر عن حزن صاحبها الشديد على تلك الأسئلة وغياب همّ النهضة عن أكثرها .. فكأنما صحوت من نوم .
فعلاً أسئلة تنهال صوب فروع فقهية قُتلت بحثاً ، وأخرى صوب رؤى منامية تفتقر إلى تعبير ، وثالثة تتمحور حول هموم ذاتية ... ورابعة وخامسة ..
رجعت إلى نفسي متصنّعاً لقدر من التوازن ووجدت نفسي تميل إلى استحسان ما حدث .. وقلت :
التعبير عن المشاعر الإيجابية معنى جميل ، وهو جزء من طبيعتنا ، فمن دون عواطف الحب والصفاء والإخاء ستبدو الحياة بيداء قاحلة يقتلنا فيها الظمأ والجوع ولهيب الشمس الحارقة .. فلماذا نتردد في التعبير العفوي الصادق عن أحاسيسنا الإنسانية التي أودعها الله فينا ..
وفي المناسبات كالأعياد والأفراح يكون هذا المعنى أكثر إلحاحاً وأهمية ، فالناس تفرح بالاجتماع والتواصل والحديث والتعبير ، متى كان رشيداً وصادقاً وغير متكلف ، فلنعبر عن حبنا وإعجابنا باعتدال دون جفاء أو مبالغة .
-الهموم الذاتية معنى مصاحب للحياة ، فلا أحد إلا ولديه مشكلة نفسية أو اجتماعية أو عائلية ، تخص ذاته أو عمله أو بلده أو أهله .. وربما كان بحاجة إلى تنفيس أو شكوى ، حتى لو كان لا يتوقع حلاً جذرياً أو مفاجأة فحسبه أن يكتب جزءاً من معاناته ، وأن يجد من يتعاطف معه ، ويبادله المشاعر ، ويمنحه الدعوات ، وبعض التوجيه .


وَلا بُدَّ مِن شَكوى إِلى ذي مُروءَةٍ يُواسيكَ أَو يُسليكَ أَو يَتَوَجَّعُ

-أن تجد رجع الصدى لما تقول وتكتب على لسان فتى أو فتاة يقول : علمتني ، أو شجعتني على النجاح ، أو زرعت في الأمل والتفاؤل ، أو غيرتني نحو الأفضل أو ساعدتني على مطاردة الحزن والاكتئاب والقلق في داخلي .. فهذا دعم نفسي مهم ، خاصة والإنسان يجد من يحبطه أو لا يفهمه أو يزدري مجهوده أو يسيء الظن به فهنا تعتدل الكفة ، ويجد المرء نفسه أكثر قدرة على العطاء .
قد تكون هذه الشبكات الاجتماعية شيئاً مختلفاً جزئياً عن جو الدرس أو المحاضرة أو المؤتمر ، فهي ذات بُعد إنساني شخصي تكشف عن مكنون أو سر أو معاناة أو مشكلة ، يظهر فيها الإنسان بوجهه الحقيقي الحياتي بعيداً عن الأقنعة والمجاملات والأعراف الاجتماعية .. وأحياناً منغمساً في همه الذاتي مشغولاً به عن هموم عامة يتعاطاها في مناسبات أخرى .
وهذا معنى يسمح بمعرفة المجتمع على حقيقته من الداخل ، والوقوف على مشكلاته ، فليس صحيحاً أن الناس هم القوانين التي تحكم ، ولا المقالات التي تُكتب ، ولا المواقف التي تُتخذ ، ولا السياسات التي تُرسم .
الإنسان ببساطته وعفويته هو شيء آخر غير ذلك ، وهو محتاج إلى من يفهمه كما هو ، ومن يعرفه بعيوبه وأخطائه ، وفي الوقت ذاته يقول له بصدق :
-أنت إنسان رائع وجميل ومبدع .
والإقبال على هذه الشبكات كـ " الفيس بوك " ، و " تويتر " و " الآي سكيو " وزميلاتها الأخر .. هو تعبير عن احتياج عاطفي واجتماعي شديد ، ونقص جاد في المؤسسات والمراكز التي تحتضن الجيل ، وعن تآكل شديد في العلاقات الأسرية والاجتماعية بين الناس ، مما يحدوهم إلى بناء عالم افتراضي مختلف يشبع رغباتهم .
أنا هنا لا أتحدث عن أصدقائي الذين أحترمهم وأعتقد أنهم جادون في مجملهم ، ومرورهم على هذه الشبكات مبرمج بأوقات محددة .
بل أتحدث عن شباب وفتيات يذهب جلّ وقتهم في الإنترنت ، ما بين المنتديات ، إلى الشبكات ، إلى اليوتيوب ، إلى الألعاب ، إلى الماسنجر ، إلى الشات (المحادثات) ، إلى المحادثات الكتابية والخدمة السريعة التي يحققها (البلاك بيري) ، بما يؤثر على علاقتهم الأسرية وعطائهم العلمي أو الدراسي ، واستقرارهم النفسي ، ويعرضهم للتعرف على أناس جدد يقتحمون عليهم بأساليب خفية ، ويسرقون معلوماتهم الشخصية ، ويحصلون على صورهم وأسرارهم ، ويستغلون حاجتهم للحب والعاطفة ، ويغرونهم ، ثم يبتزونهم ، وقد تنتهي القصة بجريمة معلنة أو جريمة مستورة وجراح تثعب دماً ولا تكاد تندمل أبداً ..
آن الأوان أن يتواصل المسؤول مهما كبر وعلت رتبته ، والعالِم مهما توافر عطاؤه وتعددت فرصه ، والمربي ، والمسكون بمشروع إصلاحي أو اجتماعي أو وطني ، ومدير الشركة ورجل الأعمال مع رواد هذه الشبكات ، وأن يسمعوا خفق قلوبهم عن قرب ، وأن ينصتوا لهم باهتمام ، وأن يبادلوهم التحية والحب ، ويناقشوهم في أرائهم ومقترحاتهم ، ويشرحوا لهم وجهات نظرهم بلغة تنم عن تقدير وثقة ..
آن الأوان أن تجعل مواقع هذه الشبكات سبباً جديداً لتحقيق الآمال والطموحات ، وتحفيز العمل الطوعي والمدني ، وزرع هموم النهضة وتساؤلاتها ، ومناقشة قضايا الوطن والتنمية والأمة ، الحاضر والمستقبل ، بلغة صريحة مباشرة ومؤدبة في الوقت ذاته ، دون مجازفة أو تهيّب .
وليكن هذا النطاق الحر المتمرد على الأطر الاجتماعية أداةً للتدريب على المسؤولية الفردية ، والإحساس الداخلي بالرقابة الإلهية ، وإحياء الضمير الإيماني (بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ) (القيامة:15،14) .
مرحباً بأصدقائي وأبنائي وبناتي في منزلهم الثاني ، مرحباً بعواطفهم الحيّة ، وأسئلتهم الذكية ، وهمومهم الصغيرة، وقضاياهم الكبيرة ، ونقدهم الهادف ، دلّة القهوة والبخور ينتظركم ، حيّاكم الله على " فنجال وعلوم رجال " .

الكاتب: فضيلة الشيخ/ سلمان بن فهد العودة السبت 28 ذو الحجة 1431الموافق 04 ديسمبر 2010

أبولؤى
04 Dec 2010, 06:37 AM
فضيلة الشيخ/ سلمان بن فهد العودة
بعد عشرين عاماً


العربيّ يكره التخطيط .. هل هذا صحيح ؟
إذاً فهذه المقالة ليست ذات علاقة بالتخطيط ، إنها لعبة فكرية جميلة لا تكلّف الكثير .
ضع في عقلك رقم " عشرين سنة " ، وأضفه إلى أي شيء آخر في عقلك وانظر إلى النتيجة .
كيف ستصبح أنت ؟
كيف سيبدو أولادك ؟
كم سيكون مالك ؟
ما هي الأشياء التي ستبقى لك ، والأخرى التي سترحل ؟
جربت هذه الفكرة فوجدت أثراً عجيباً ..
- وجدت أنني مهموم حتى النخاع بقضايا تافهة وهامشيّة وصغيرة, حكمت أنه لن يبقى منها ذلك الحين حتى ولا ذكراها ولا عنوانها .
- وجدت أن خبراً صغيراً أزعجني ، واتصالاً أثار قلقي ، ومقالاً رسم سحابة من الحزن فوق رأسي ، ورسالة ضاق بها صدري سيبدو نسياً منسياً ، وربما ستكون مصدر طرفة وضحكة مجلجلة آنذاك .
- وجدت أن أعمالاً يومية تستغرق جلّ وقتي , وتفترش نهاري وبعض ليلي ؛ لن تكون حاضرة هناك ، لأنها قصيرة العمر ، كبعض الحشرات !
- وجدت أن آثاراً إيجابية ستظلّ قائمة ، لأنها تراكم الزمن ، كالنشاط في الجسم الذي يتحرك ولا يرضى بالكسل والدعة .
- ستظل آثار الأفعال الإيجابية -ولو كانت صغيرة- منعكسة على النفس .. رضاً وتفاؤلاً وأملاً وحباً للناس وإحساناً للظن بهم , وتوقعاً للخير منهم .
- وستظل آثار الاعتياد على النسيان ، نسيان الأخطاء والأذايا والتنكر والتعويقات التي نلقاها ممن نعايشهم .. ستظل عادة جميلة راسخة بمرور الزمن .. بدلاً من أن نكبر فتضيق أخلاقنا ويتسارع غضبنا وتتنامى " شرهتنا " على من حولنا !
- ستبقى معنا مشاريعنا المخلصة والجادة .. يمنحها الزمن وثائق النجاح مرة بعد أخرى .. ويعطيها الدرجة التي تستحق؛ فبعض أفكارنا ومشاريعنا عمره سنة ، أو عشر ، أو قل عشرين ، .. هل سيكون ثمّ مشروع أو فكرة تتجاوز العمر لتخلّد لأجيال قادمة فنذكر بها ذكراً حسناً ، كما دعا إبراهيم الخليل :
(وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ) (الشعراء:84) ؟ ولم لا ؟
وسنكتشف أن الكثير مما بذلنا له وقتنا وجهدنا وسهرنا وتحمسنا له .. كان غير ذي بال .. بدا لي هذا شيئاً شبه مؤكد ، حين استدعيت جيلاً سبقنا وقرأت اهتماماتهم .. ثم قارنتها بما صارت إليه بعد عشرين سنة ، فوجدت تصوراتٍ مبالغاً فيها عن الأخطار والعواقب ، ووجدت أوهاماً ضخمة عن المشاريع التي كانوا يحملونها .. يحمل الواحد مشروعاً يظنه تغييراً لخارطة الأرض والحياة , وفتحاً مبيناً , وعشرون سنة على الأكثر كفيلة بوضعه في حجمه الصحيح بعيداً عن الخيالات والتهيؤات والمبالغات !
كنا نظن أن فتح موقع إلكتروني يتعاطى مع الناس بسرعة وإنجاز, ويغطي الأحداث ؛ سيكون بمثابة إطلاق كوكب سيّار , ثم تبين أن المواقع تكثر وتتنافس وتنفع .. وأيضاً يعطيها الزمن حقها العادل .
وجاء ظن آخر ؛ بأن إطلاق مجلة أو دار نشر أو منتج وسائط إلكترونية ؛ سيغير وجه الفكر ونمط السلوك ، وظهر فيما بعد أن ثمّ مزاحمات ومؤثرات اجتماعية وإعلامية تعمل في الميدان ذاته ، وأن الناس يأخذون ويدعون ، ويتولد لديهم مع الزمن اعتياد وتعايش يقلل من تحقيق الآمال التي يتحدث عنها من يصنعون التأثير .
أما إطلاق قناة فضائية فهو حلم المستحيل ، إنه يعني السيطرة على الفضاء وألا أحد يمكنه أن يوقف مسيرتك !
وحين تصعد إلى الفضاء ؛ ستجد أنك رقم في سلسلة طويلة ، وشريك في قائمة ممتدة من التنوع والثراء والتراوح ما بين الطيب وضده ، والجاد والهازل ، والمؤثر وضعيف التأثير .
يكفي أنك رقم ، لست شيئاً مهملاً أو عديم التأثير .
- الأفكار التي نحملها وندافع عنها ونؤمن بها .. ماذا سيكون مصيرها بعد عشرين عاماً ؟
- ثمّ قضايا ومسلمات لا يزيدها الزمن إلا رسوخاً ؛ لأنها حقائق قطعية ، فالإيمان يرسخ ويزداد بمضي الأيام والليالي وتكاثر الأدلة ، وتكرر الأعمال الصالحة ، وازدياد الحجج ، وتوافر النعم ، واستشعار رحمة الله وحكمته في النفس والأهل والحياة كلها .
وثمّ أفكار ملحّة .. ومواقف قوية .. ستكون في عداد الموتى ، حتى نحن لا نذكرها ، ولا نريد أن نذكرها ؛ لأننا بذكرها نكتشف أننا نقلناها من دائرتها الوقتية الضيقة التي كانت تستحقها إلى دائرة أوسع ، وتعاملنا معها وكأنها قضايا الأبد .. وفاصلنا عليها وظلت ذكرياتنا وعلاقاتنا مرهونة لها ردحاً من الزمن .
- حين تضيف رقم " عشرين " إلى أي فكرة أو قضية أو موقف يقلقك ، أو مشروع ؛ لن تزهد في الأشياء الصغيرة , ولكنك لن تضخمها على حساب الزمن ومتغيراته .

وبهذه الطريقة العفوية ؛ ستتحول إلى خبير عفوي يخطط للعقل كيف يفكر في الأشياء ، وللقلب كيف يتعاطف ، وللسان كيف يعبّر ، وللجسد كيفينشط ..
هو ليس تخطيطاً ، بل تخطيط للتخطيط .. هندسة للفكر ، تربية للنفس ، اقتباس من التجربة ، تفاعل مع الحياة ، تجديد للرؤية ، انعتاق من سلطة الحاضر والآن ، باتجاه الانفتاح إلى زمن أوسع ، وحياة أفسح ، وكلما تفاءلنا بذلك الزمن وتوقعنا الأفضل كنا أكثر صحة نفسية ، وأدوم عطاء ، وأقرب للصواب .
(أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ * وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ * فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ) (الشرح:1-8) صدق الله العظيم .

الكاتب: فضيلة الشيخ/ سلمان بن فهد العودة السبت 07 ذو الحجة 1431الموافق 13 نوفمبر 2010

أبولؤى
04 Dec 2010, 01:35 PM
فضيلة الشيخ/ سلمان بن فهد العودة
الإغلاق


يظن طالب العلم الذي كتب إليّ أن على الداعية أن يصل بالأمر إلى منتهاه .
ويغيب عنه التفريق بين حال الداعية وحال المعلم , وحال القاضي والحاكم ، فهو ينظر إلى زاوية واحدة , هي أن الحق يجب أن يقال ، أمّا مَا مقدار الحق الذي يُقال ؟ ومتى يُقال ؟ وكيف يُقال ؟ ومن الذي يقوله ؟ فهذا ما لم ينتبه إليه .
الحق كبير وكثير ، ولا يتسنى لأحد أن يقول الحق كله ، ولكن الحكمة تجعل العاقل يأتي بالجوامع من الحق التي يتآلف عليها الناس ، ولذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- ممن أوتي جوامع الكلم ، وهي العبارات الموجزة التي تنتظم معاني كثيرة ، ليس هذا فحسب ، بل الجوامع هي الحِكَم والدرر ومفاصل القول التي ينتهي معها كثير من الخلاف والجدل ، وتأخذ المسائل نصابها وقدرها .
الداعية حين يكتب أو يتحدث يراعي نفسيات المحاطين وقدراتهم واستيعابهم ويسعى لتأليف نفوسهم على الحق والخير ، والفقيه يجتهد في ضبط العبارات والأحكام والشروط والأحوال والتمييز بينها ووضع المراتب وسرد الأدلة .
والمدرس ينحو منحى أكاديمياً لترسيخ معلومات مبدئية في نفوس الطلبة وتعويدهم على البحث والنظر والتفكير .
والقاضي والحاكم بيده مقاليد التنفيذ والإلزام ، بعد البتّ والقطع ، فهو في نهاية المطاف يقضي ويقطع بأن الحق لهذا أو ذاك ، أو يقسمه ، وقد يقع له التردد والشك .
ولذا فالداعية يتحرك في ميدان واسع ولا يلزمه أن (يغلق) المسائل ويوصلها إلى منتهاها ، لأن ما لا يتحقق اليوم قد يتحقق غداً ، وما لم يقل هنا يقال هناك ، وما لم يسمعه هذا سمعه ذاك .
ومن المشكل أن ألاحق الداعية وأطالبه بأن يقول ويقول ويقول؛ بناءً على نظرتي الخاصة لما يجب أن يقال .. بينما نظرته هو مختلفة .
في صحيح مسلم عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِىِّ قَالَ : بَيْنَا أَنَا أُصَلِّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ فَقُلْتُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ. فَرَمَانِى الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ فَقُلْتُ وَاثُكْلَ أُمِّيَاهْ مَا شَأْنُكُمْ تَنْظُرُونَ إِلَىَّ. فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بِأَيْدِيهِمْ عَلَى أَفْخَاذِهِمْ فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يُصَمِّتُونَنِى لَكِنِّى سَكَتُّ فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَبِأَبِى هُوَ وَأُمِّى مَا رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ وَلاَ بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ فَوَاللَّهِ مَا كَهَرَنِى وَلاَ ضَرَبَنِى وَلاَ شَتَمَنِى قَالَ « إِنَّ هَذِهِ الصَّلاَةَ لاَ يَصْلُحُ فِيهَا شَىْءٌ مِنْ كَلاَمِ النَّاسِ إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ ».
فأنت تلاحظ هنا مقام الدعوة ، والرجل حديث عهد بإسلام ، حتى إنه تكلم في صلاته , وقد زجره بعض الصحابة فنهاهم النبي -صلى الله عليه وسلم- وفي هذا درس عظيم في عدم الاستجابة لرغبات صادقة ,لم تراع الظرف والحال وشأن المدعو فرداً كان أو جماعة أو مجتمعاً .
وحين سأل الرجل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقال : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّى حَدِيثُ عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ وَقَدْ جَاءَ اللَّهُ بِالإِسْلاَمِ وَإِنَّ مِنَّا رِجَالاً يَأْتُونَ الْكُهَّانَ. قَالَ « فَلاَ تَأْتِهِمْ » رواه مسلم.
بينما في مقام آخر قال -صلى الله عليه وسلم- قَالَ : « مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً » روه مسلم,, وفي حديث آخر قال :« مَنْ أَتَى عَرَّافًا أَوْ كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ » رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والحاكم وقال صحيح على شرطهما..
حين تكون المسألة تحتمل حالاً من التكفير وحالاً من التحريم وحالاً من الكراهية ؛ يقدر الداعية المقام , فليس يلزمه أن يوصل الأمر إلى منتهاه ، وأن يقول هذا كفر -مثلاً- لما قد يترتب عليه من سوء الفهم أو النفور أو سوء التوظيف للعبارات وما تؤول إليه ، ولا يلزم أن ينطق بالتحريم ، فإذا حذر أو نهى وزجر وساق العواقب المترتبة على الفعل وحشد شيئاً مما حضره من النصوص ؛ فقد أدى واجب البيان بحسب الحال .
إن استحضار الإعلان بالتكفير أو التضليل أو القطع في كثير من المسائل يحدث من النفور لدى بعض المتلقين ، ومن سوء الاستخدام لدى آخرين ما يجعل أن المقام الأليق عادة بالداعية هو الحث والتحفيز على الخير , والثناء على أهله , وسرد مثوبته والنهي والتخويف من الشر والتحذير من عواقبه ، وليس يلزم أن يلحم المسائل بالنص على كفر أو فسوق أو تحريم إذا كان المقام يقضي غير ذلك ، أو كانت المسألة غير ظاهرة الحكم وفيها اختلاف بيّن ، وما يعرضه الداعية ليس سوى اجتهاد أو رأيه .
والأحكام لها مقامها ومناسبتها ورجالها المختصون , ولها متلقوها وطلبتها الذين يقفون المسألة عند حدها , ولا يخلطون ولا يسيئون التوظيف , وقد جعل الله لكل شيء قدراً .

الكاتب: فضيلة الشيخ/ سلمان بن فهد العودة السبت 29 ذو القعدة 1431الموافق 06 نوفمبر 2010

أبولؤى
04 Dec 2010, 01:57 PM
http://up.ala7ebah.com/img/T4x59735.jpg (http://up.ala7ebah.com/)

الإسلام اليوم/ أيمن بريك
د. سلمان العودة: الفوضى الخلاقة فكرة خطيرة ومن الخطأ تصور فئة أنها هي الإسلام

- إغناء الناس والحفاظ على مصالحهم جزء من الدين
- إذا كفرنا بالتاريخ فإننا سنكفر بالحاضر والمستقبل
- العجز عن معرفة قدر الصحابة وأمهات المؤمنين ينبئ عن عجز عن التعايش
- مشكلتنا في أننا ننظر إلى الغرب ككتلة واحدة
- الحركة الإسلامية هيمن عليها في فترة من الفترات اختصار الأمة في ذاتها
- مشكلتنا منا وليست من عدونا
- القرب من الناس ضمانة لاعتدال الفكر
أكد فضيلة الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة ـ المشرف العام على مؤسسة "الإسلام اليوم" ـ أن ما يسمى بـ "الفوضى الخلاقة" هي من أخطر الأفكار التي يتداولها بعض الشباب ، موضحا أن هناك من يرى أن الإسلام لا يمكن أن يقوم إلا في مجتمع لا يوجد فيه سلطة، ويحتجون بالمجتمع المكيّ، وأنه لو كان في المجتمع آنذاك سلطة قوية لربما صادرت دعوة الرسول -صلى الله عليه وسلم.
وأوضح فضيلته أن هذه الفكرة غاية في الخطورة، فعندما بعث الله نبيه، فإن أهل مكة كان الله -سبحانه وتعالى- يمتن عليهم بالأمن، يقول تعالى: (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ) (قريش:4،3)، فقد كان الأمن حتى في الجاهلية.

وأشار فضيلته إلى أنه من أعظم الخطأ أن تعتقد أي فئة أنها هي الإسلام، لافتًا إلى أن أي مجموعة أو جماعة أو مذهب أو مدرسة، حتى لو كانت على خير، فإنها لا يمكن أن تقول عن نفسها أنها تمثل الإسلام؛ لكنها تمثل مدرسة، أو اتجاهًا، أو اجتهادًا، موضحًا أن خطاب هذه المجموعات يكون فيه الخطأ والصواب.

وقال الشيخ سلمان ـ في لقائه مع مجموعة من الصحفيين خلال زيارته للعاصمة المصرية؛ القاهرة، الأسبوع الماضي : إن العنف ليس مدرسة، ولكنه نوع من الاحتكام إلى الذات والتسلط على العباد، والعدوان، ولذلك فإنه من أخطر ما يواجه المسلمين، لافتًا إلى أن المراجعات التي قام بها بعض الجماعات الإسلامية ليست معصومة، ولكنها ربما تحتاج إلى تصحيح.


تدمير كل ما هو قائم

http://up.ala7ebah.com/img/jQn59735.bmp (http://up.ala7ebah.com/)
وردًّا على سؤال يقول: ما تقييم فضيلتكم للمراجعات التي قامت بها بعض الجماعات الإسلامية؟ ومدى تأثيرها إيجابًا وسلبًا على مسيرة الحركة الإسلامية؟ قال الشيخ سلمان: إننا إذا كنا نتحدث عن نماذج إسلامية للرقي والنهوض فإنني أقول بكل أمانة: إن أعمال العنف أو تبنيها هي بمثابة تدمير لكل ما هو قائم وموجود، مشيرًا إلى أن العنف بمعناه الحقيقي هو ألا يستطيع الناس الذهاب إلى مساجدهم لأداء الصلاة، أو الذهاب لوظائفهم لأداء الأعمال، أو لا يأمن الناس على أنفسهم وهم يبيعون أو يشترون في السوق.
وأضاف فضيلته أن العنف يعني أن تتحول المجتمعات الإسلامية إلى مجتمعات بدائية، يكون الحكم فيها للقوة، وأن يكون القانون والنظام بيد الأقوى أو الذي يملك سلاحًا.


مراجعات حقيقية

وتساءل الشيخ سلمان: ما رأيك لو تفجّرت باكستان أو بنجلاديش أو اليمن أو مصر أو السعودية أو أي بلد؟ لافتًا إلى أن النفايات في بلد مثل القاهرة تزن مائتي مليون طن يوميًّا، مما يتطلب عملية ضخمة لمعالجة هذه النفايات، كما أنها لو أهملت تمامًا لضاع الناس، فما بالنا بمصالح الناس المختلفة.
وتابع فضيلته: إننا من عشر سنوات بذلنا جهدًا وتابعنا عملية ما أسميته بـ"المراجعات"، والتي بدأت في مصر، لافتًا إلى أنها جهد مشكور، مشيدًا بالشجاعة التي جعلت هؤلاء الإخوة يكتبون مراجعاتهم في كتب، حيث قرأت هذه الكتب وأشدت بها في برنامج حجر الزاوية في رمضان 1430، لأنها فعلًا فيها مراجعات.


هل أنتم الإسلام؟ !!
وأوضح الدكتور العودة أن المراجعات ليس من شأنها أن تكون معصومة، فهي عبارة عن طرح جديد وإعلان رجوع عن مواقف سابقة، مشيرًا إلى أنها ذاتها بحاجة إلى تصحيح أيضًا، فنحن لا نقول إن ما نحن فيه الآن يعتبر عصيًّا على المراجعة، لكن يعتبر إعلانًا رسميًا بالرجوع عن استخدام العنف، وهذا بحد ذاته مبدأ عظيم، ولا يعد نقصًا، فالنقص هو الإصرار وركوب الرأس وأن يكون البعض ولاؤهم لأنفسهم وليس للإسلام.
وذكر فضيلته: لقد سألت ذات مرة هؤلاء الشباب، وقلت لهم: هل أنتم الإسلام؟ هل لكم العصمة بحيث تقولون بأن هذا رأي قلناه ويجب أن نقف عنده؟، في حين أن الأئمة الكبار يراجعون أنفسهم، كما نجد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- يتبرأ من خالد بن الوليد في عمل معين «اللَّهُمَّ إِنِّى أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ خَالِدٌ»، وهو مرسل من عنده -صلى الله عليه وسلم- ويقود جيشًا إسلاميًا.


مرجعيات مؤثرة
واستطرد الشيخ سلمان: كما أن النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول لأصحابه: (وَإِذَا حَاصَرْتَ أَهْلَ حِصْنٍ فَأَرَادُوكَ أَنْ تُنْزِلَهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ فَلاَ تُنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِكَ فَإِنَّكَ لاَ تَدْرِى أَتُصِيبُ حُكْمَ اللَّهِ فِيهِمْ أَمْ لاَ)، متسائلًا: فكيف نأتي لنقول إن آراءنا واجتهاداتنا وأحكامنا على الناس وعمليات القتل والقتال وزعزعة الأمن عبارة عن قرار رباني قرآني، يقول تعالى: (لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) (فصلت:42).
وأشار فضيلته إلى أن مثل هذه الأفعال هي عبارة عن اندفاعات شباب في مرحلة من المراحل، وذلك بسبب ضعف التكوين الشرعي، أو عدم القدرة على ضبط النفس، أو بعض الاستفزازات الاجتماعية الموجودة بسبب غياب المرجعية الدينية، مؤكدًا أن العالم الإسلامي بحاجة إلى مرجعيات دينية قوية ومؤثرة ولها حضور.


إشادة.. ونصيحة
وأردف الدكتور العودة: إنني من هذا المنطلق أشيد بالمراجعات، وقد زرت ليبيا قبل شهور، حيث كان هناك مجموعة كبيرة من الشباب كتبوا مراجعات وطُبعت، كما زرنا البقية الباقية منهم في سجن أبي سليم، وهم حوالي أربعمائة وخمسين شخصًا، ونصحنا بإخراجهم على دفعات، حيث خرجت دفعة منهم في شهر رمضان، كما سمعنا أن هناك دفعات سوف تخرج بشكل تدريجي على شكل دفعات، كل دفعة تتكون من خمسين أو مائة شخص.
وأكد فضيلته أنه من المهم بالنسبة لهؤلاء الشباب الذين يخرجون أن يعودوا إلى الحياة وإلى المجتمع وأن يحتفظوا بحقوقهم، وألا يعود أي منهم ليكون شخصًا عبئًا على المجتمع أو معزولًا !، ولكن يعود ليجد فرص العمل والعيش الكريم له مثلما هي لغيره على الأقل، كما أننا نصحنا هؤلاء الشباب أن يتقوا الله وأن يكونوا أوفياء للعهد والميثاق الذي قطعوه على أنفسهم، وذلك لأنه لو أن مجموعة من هؤلاء الشباب عادت ومارست بعض الأعمال تحت ظل ضغوط معينة، فإن هذا ربما يؤثر على التجربة كلها.


يدمّر.. ولا يبني

http://up.ala7ebah.com/img/DiL59735.bmp (http://up.ala7ebah.com/)
ونبه الشيخ سلمان إلى أن الهدف الذي نسعى إليه هو أن تكون هذه التجربة في المغرب واليمن والسعودية، وفي أكثر من مكان، مشيرًا إلى أن العنف لا يصنع شيئًا، فهو يدمّر ولا يبني، ولذلك فإنه إن طال الزمن أو قصر، فإن هذا العنف لن يصنع شيئًا يُذكر، وسوف يتوارى.
وتابع فضيلته: إننا بدلًا من أن نخسر حمامات دماء والمزيد من الأموال وتعويق التنمية، وتشويه صورة الإسلام، وتعويق الدعوة، والانتظار لسنوات طويلة، فإننا يجب علينا أن نسعى إلى تسريع هذه العملية وتحفيز الناس على أن يكونوا شجعان في رفض العنف وإدانته.


العودة.. وشيخ الأزهر
وفيما يتعلق بزيارة الدكتور العودة للشيخ أحمد الطيب؛ شيخ الجامع الأزهر: قال الشيخ سلمان: لقد كانت زيارتنا لسماحة الشيخ أحمد الطيب شيخ الأزهر، زيارة رائعة بمعنى الكلمة، حيث وجدنا حفاوة كبيرة منه، مشيرًا إلى أن فضيلته كان قد دعي العام الماضي لحضور مؤتمر برعاية الأزهر الشريف، لكن المؤتمر تأجل بسبب وفاة الشيخ محمد سيد طنطاوي -رحمه الله-، ولم يستطع حضوره بعد ذلك، حيث إن موعده الجديد كان يتعارض مع موعد آخر عند فضيلته.
وأضاف الدكتور العودة: لقد كان هناك حديث إيجابي مع شيخ الأزهر، معربًا عن ارتياحه الكبير للقاء، لافتًا إلى أن الدكتور الطيب أكد على ضرورة اجتماع علماء المسلمين وعلى وجه الخصوص علماء مصر والسعودية، وأنهم يد واحدة، ويجب أن يظلوا كذلك، خاصة في ظل التحديات الدولية والعالمية والمحلية.


مؤتمر لعلماء المسلمين
وأوضح الشيخ سلمان: لقد تطرق الحديث أيضًا إلى قضايا الإلحاد والانحراف والمخاطر المحدقة بالمنطقة العربية والإسلامية والتحديات الخارجية، حيث تم التأكيد على أن هذه التحديات تتطلب أن يكون العلماء يدًا واحدة، وأن يتحدثوا عن المتفق عليه، وألا يجعلوا القضايا المختلف فيها هي التي تحكم علاقة بعضهم ببعض، كما تدارسنا فكرة أن يكون هناك مؤتمر عالمي لعلماء المسلمين، وأن يتبنى الأزهر هذا المؤتمر، وأننا سنكون سندًا لهذا المؤتمر، ويدعى إليه علماء من مصر والسعودية وتركيا.
وأردف فضيلته: يوجد في تركيا عدد كبير من العلماء، قد التقينا ببعضهم، كما أن هناك رئاسة الشؤون الدينية، والتي يتبعها أعداد غير قليلة من العلماء من كل الأصناف والأطياف، فيهم فقهاء كبار وعلماء وباحثون ومدارس ضخمة، وكذلك من جميع البلاد الإسلامية الأخرى، بحيث يكون هذا المؤتمر ليس مؤتمرًا أكاديميًا فقط، وإنما يكون مؤتمرًا لمباشرة المشكلات ومواجهتها ومعالجتها والخروج بنتائج إيجابية.


حماس.. وإيجابية
وتابع الدكتور العودة: لقد خرج الشيخ الطيب معنا وهو في غاية الحماس لهذا المؤتمر، معربًا عن اعتقاده بأن هذا المؤتمر لن يتأخر تنظيمه والدعوة إليه، لافتًا إلى أن شيخ الأزهر أعرب عن استعداده لاستضافة علماء الأمة لمدة أسبوع كامل في مصر، وأن يكون هذا كله مخصصًا لمعالجة هذه القضايا المشتركة، والتباحث حول نقاط الخلاف.
واستطرد فضيلته: لقد حدثنا شيخ الأزهر أيضًا عن انفتاحه على المذاهب الإسلامية، حيث أشار إلى أن الأزهر أعاد ما كان موجودًا في السابق؛ من تدريس المذهب الشافعي، والحنبلي، والمالكي، والحنفي، موضحًا أن هذه تمثل بادرة إيجابية وطيبة.


تركيا... وتغيير كبير
وردًّا على سؤال يقول: كيف تقيّمون فضيلتكم التجربة التركية بعد هذه السنوات من حكم حزب العدالة والتنمية؟، قال الشيخ سلمان: لقد زرت تركيا قبل عشرين سنة، حيث كان هناك مشاكل في المياه، والمرور، والاقتصاد، والسياسة، والأخلاق، ولكن عندما زرتها هذا العام وجدت أن هناك تغيّرًا كبيرًا.
وأضاف فضيلته أن هذا النموذج من شأنه أن يُغيّر تصورات المسلمين، وذلك لأن كثيرًا من المخلصين للإسلام يظنون أن مهمتهم هي حث الناس على عباداتهم أو تغيير الجوانب الأخلاقية السلوكية البحتة، خاصة فيما يتعلق بقضايا مثل: السفور والحجاب وغيرها.


اسطنبول.. نموذجًا
وأردف الدكتور العودة: لكن كثيرًا من الناس لا يشعرون أنه من الدين أن يكون هناك اهتمام بتغيير اقتصاد الناس وإغنائهم، وتحقيق الحريات، والحفاظ على مصالح الناس، وإيصال الاقتصاد لهم، وإصلاح نظام التعليم، وإصلاح نظام المدينة، لافتًا إلى أن كل ذلك جزء من مهمة الحكومة.
وضرب فضيلته مثالًا لذلك، بمدينة إسطنبول، مشيرًا إلى أنها أصبحت نموذجًا، لافتًا إلى أنه على الرغم من أنها مدينة ضخمة ومزدحمة ويمكن أن تكون كأي مدينة عربية أو إسلامية أخرى فيها فوضى، وأكوام من النفايات، إلا أن هذه المدينة نموذج في أشياء كثيرة، موضحًا أن النظام التركي رفع عنّا حالة من الإحراج والإحباط، حيث وُجد نموذج نستطيع أن نتحدث عنه.


تدرج.. ومرحلية

http://up.ala7ebah.com/img/IO159735.bmp (http://up.ala7ebah.com/)
وأوضح الشيخ سلمان أننا لن نقول إن هذا النموذج نموذج مثالي أو تاريخي، أو أنه نموذج يشتمل على العصمة، لكنه نموذج يحتذى به، حيث انتقل بالناس بشكل تدريجي ومرحلي ولم يأت بمفاجآت ولا مصادمات، كما أنه لا يتحدث عن مبالغات ولكن يتحدث عن الواقع، حيث استطاع بطريقة تدريجية أن يحدّ من سلطة الجيش، وأن يمنح الشعب التركي قدرًا من الحرية في خياراته الثقافية والأخلاقية وغيرها، وهذا هو الشيء الذي نعتقد نحن أن الإسلام يدعو إليه.
وضرب الشيخ سلمان مثالًا لذلك، قائلًا: إن عمر بن عبد العزيز -رضي الله عنه- عندما طلب منه ابنه أن يسارع بعملية التغيير، اعتذر منه وقال له: إن الناس قد تغيرت أحوالهم وعقدوا عقدًا ورتبوا أمورًا، وإن الناس لو فوجئوا بشيء لا يطيقونه ربما كانوا هم ضده مع خصومهم وأعدائهم أحيانًا.


تحول.. وإصلاح
ولفت الدكتور العودة إلى أن فضيلته يعتبر أن النموذجين التركي والماليزي يعطيان، إلى حد ما، نوعًا من الدفعة، ويبثان فينا الأمل بأننا من الممكن أن نصحو يومًا من الأيام، فنجد أن هناك مشروعًا في باكستان أو نيجيريا أو بنغلاديش أو في أي بلد عربي أو إسلامي، وأن يكون هناك بداية تحول وإصلاح وتحسن.


نماذج متعددة
وردًّا على سؤال، حول المعوقات التي تحول دون تطبيق النموذج التركي في البلاد العربية، قال الشيخ سلمان: إننا حينما نشيد بالنموذج التركي، فإن هذا لا يعني أن هذا النموذج هو عبارة عن "موديل" يمكن أن يُنقل إلى أي بلد، ولكنه نموذج يصلح لتركيا، والتي هي في طبيعتها وتاريخها وتشكيلتها ووضعها الاجتماعي يصلح لها هذا النموذج، في حين أن البلاد العربية والإسلامية أوضاعها مختلفة.
وأضاف فضيلته: ولذلك على حسب رؤيتي فإنه لا يمكن استنساخ النموذج التركي ونقله بحذافيره، ولكن هو واحد من نماذج، فنحن، على سبيل المثال، نتحدث عن النموذج الياباني في التنقية والتطوير، والنموذج الصيني، والنموذج الهندي الآن، وغيره من النماذج في عدد من بلاد العالم، التي ربما حققت قدرًا من النهوض مع المحافظة على قيمها وأخلاقياتها وموروثاتها، وهذا هو المبدأ الذي ننادي به، وهو أن تشهد بلاد العالم الإسلامي حالة نهوض اقتصادي، وتقني، وتصنيعي، واجتماعي، وثقافي، وإعلامي، وحياتي.


ذكاء.. وتدرج
وأوضح الدكتور العودة أن النهضة ليست استنباطًا أو نقلة لتجربة معينة وفرضها على الواقع الإسلامي بدون مراعاة المتغيرات، والسلبيات الموجودة، وذلك لأننا لا نستطيع أن نلغيها، ولكن لابد أن تتعامل معها بذكاء وبتدرج، مثلما أوصى النبي -صلى الله عليه وسلم- معاذ بن جبل حينما بعثه إلى اليمن، لأن بعض المجتمعات أحيانًا قد ترفض ما هو من مصلحتها.
وتابع فضيلته: بل إنني أزعم أن أكثر المجتمعات العربية اليوم هي متفننة في تذويب إصلاحية أي مشاريع تستهدفها؛ سواء مشاريع قوانين، أو قرارات، فيبدأ الناس يحكّون هذه الأشياء وينتقدونها من هنا ومن هناك، ويكثرون من الضوابط عليها، حتى تتلاشى وتصبح لا شيء، ولذلك لأن الكثير من المشاريع طرحت في أكثر من بلد إسلامي ولكنها انتهت إلى لا شيء.


إفلاس.. ووهم
وردًّا على سؤال يقول: هناك جهود تنصيرية، حيث وقع بعض الشباب المسلم في فخ الإلحاد خاصة الشباب المبتعثين، فما تعليق فضيلتكم على ذلك؟، قال الشيخ سلمان: إن فكرة وجود انحراف فكري أو أخلاقي، هي فكرة ليست جديدة، مشيرًا إلى أن الأمر ليس بالظاهرة أو بالشيء الكبير الخطير، ولكنه عبارة عن حالات فردية، وقليلة، لافتًا إلى أنه عندما يقوم البابا بندكت الحالي بتعميد فرد واحد من جمهورية مصر العربية على الهواء، فإن هذا مؤشر على إفلاس عندهم.
وأضاف فضيلته أن هذا الشخص ربما لم يكن على علاقة جيدة مع الإسلام ولا مع مصر، فهذه عبارة عن حالة معزولة، وهم يحاولون من خلالها أن يكسروا الحاجز أو أن يوهموا الناس بأن هناك من يستجيب لهم.


هوية.. وانتماء
وأردف الدكتور العودة: هكذا عمليات الإلحاد هي محدودة ، مشيرًا إلى أنه ينبغي أن يكون هناك اهتمام بالمبتعثين، وأن يكون هناك تواصل معهم، وذلك لأن عندهم مشكلات، مشيرًا إلى أن المشكلة ليست الإلحاد لأنه يخص أفرادًا قلائل، ويمكن التواصل معهم، لكن المشكلة تكمن في ضعف التأثر أو الرجوع من دون أن يكون عند الإنسان قيمة، وفقدان الهوية، وهذه مشكلة كبيرة، فالشباب اليوم يبحثون عن الهوية حتى في بلادهم، لأنه حتى الذي لم يذهب إلى بعثة قد يتعرض لمؤثرات من خلال الإنترنت أو أدواته المختلفة، وكذلك الفضائيات.
وتابع فضيلته: لذلك فإنه من المهم الحفاظ على الهوية والانتماء الحقيقي للدين والوطن، وأن يكون عند الإنسان رؤية وأمل، حتى فيما يتعلق بالحصول على وظيفة، أو شقة، أو زواج جيد، أو عمل، لافتًا إلى أن هذا جزء ضروري لانتماء الإنسان، ومن أجل أن نصنع التزام الإنسان بوطنه يجب أن يكون هذا الوطن يحفزه ويقدم له خدمات الحياة الضرورية.


دماء.. وتدمير

http://up.ala7ebah.com/img/hCh59735.bmp (http://up.ala7ebah.com/)
وردًّا على سؤال يقول: هل ترون فضيلتكم أن حالة الانشقاق والتنازع التي نراها اليوم بين العاملين للإسلام معوق من معوقات نجاح المشروع الإسلامي؟، قال الشيخ سلمان: إن حالة القتال -إن صح التعبير- كما نشاهده في الصومال أو في باكستان والعراق أو غيرها، تعتبر مؤشرًا على فشل تلك المشاريع التي تتقاتل، مشيرًا إلى أنهم في الماضي كانوا يتحدثون عن أنهم ليس لهم سبيل إلى السلطة، وأنهم محرومون منها، ولكن الآن هم وصلوا إلى السلطة بطريقة أو بأخرى فماذا قدموا؟، سوى مزيد من الدماء والتهجير والتدمير.
وضرب فضيلته مثالًا لذلك، قائلًا: إن الصومال كبلد يقال إن فيه عددًا من المعادن، منها: اليورانيوم، وهو بلد إسلامي مائة بالمائة، لافتًا إلى أن هناك من الصوماليين في هولندا وسويسرا وأوربا وغيرها أناسًا أعلنوا صراحة ردتهم عن الإسلام، وعلى الرغم من ذلك فإن الشعب الصومالي يظل شعبًا وفيًا لهذا الدين ومؤمنًا به في كل مكان، فقد رأيتهم في جنوب إفريقيا وزرت مساجدهم، حيث كان عندهم نشاط رائع، اقتصادي وثقافي، كما رأيتهم في لندن، وفي أكثر من مكان.


عمل المفسدين؟!!
وأوضح الدكتور العودة أن الصومال كبلد الآن مدمر ، حيث يتقاتل الناس على تراب وخرائب، مشيرًا إلى أن هذا ليس له أي تفسير سوى الفشل، مشيرًا إلى أن أعظم الفشل هو الفشل في طاعة الله ورسوله الذي يقول: (وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ)(الأنفال: من الآية46)، موضحًا أن الفشل يتمثل في عدم القدرة على الوصول إلى حل، وفي اعتبار كل إنسان أن المشروع الذي عنده هو سر النجاح، فإما أن يطيعه الناس وإما أن يقاتلهم حتى آخر نفَس.
وأكد فضيلته أن هذا سيفضي إلى أن ينتهي هؤلاء كلهم جميعًا، وسيعود إلى الصومال أمنه واستقراره، لكن ليس على يد هؤلاء، فالله -سبحانه وتعالى- لا يصلح عمل المفسدين.


وعي.. ومعرفة
وأردف الشيخ سلمان: وهكذا في أي بلد إسلامي آخر، فإن أي مشروع سيفشل إذا لم يكن عند الناس وعي ومعرفة بالمرحلة والسياق والظروف التاريخية، ومعرفة بالممكن وغير الممكن، والقدرة على قبول التنوع والتعدد في الرأي والاجتهاد، وأن الإنسان ليس رأيه معصومًا ولا قرآنًا، ولا يوجد معه ملَك يؤيده، بحيث يريد أن يفرض رأيه على الآخرين، لافتًا إلى أنه حتى الأنبياء الذين كانت الملائكة تؤيدهم لم يُفرضوا بهذه الطريقة، وإنما دعوا إلى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة، فقد تصالح النبي -صلى الله عليه وسلم- مع اليهود وأبقى المنافقين في المدينة المنورة ولم يسمح بقتلهم وقال: «لاَ يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ».
وتابع فضيلته: وكذلك ترك الوثنيين في المدينة من الأوس والخزرج، فلم يقتل منهم أحدًا، ولم يكن منهم أي نشاط أو حراك ؛ فمات منهم من مات، وأسلم منهم من أسلم، ونافق منهم من نافق، وبطريقة حكيمة وسياسة رحيمة انتهت هذه المشكلة دون الحاجة إلى إجراءات قانونية أو قتال ضدهم.


سبّ الصحابة
وردًّا على سؤال يقول: إن العالم الإسلامي شهد حالة من الغضب في الأيام الماضية بسبب سب صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم، وبالأخص السيدة عائشة رضي الله عنها، فما رأي فضيلتكم فيما حدث؟ قال الشيخ سلمان: إن سبَّ الصحابة وسب أمهات المؤمنين جريمة، وإن كان هؤلاء الصحابة وأمهات المؤمنين بالمنزلة التي لا يضرهم فيها من نال منهم، حيث أستذكر بيتًا جميلًا للمتنبي يقول:


مَن كانَ فَوقَ مَحَلِّ الشَمسِ مَوضِعَهُ فَلَيسَ يَرفَعُهُ شَيءٌ وَلا يَضَعُ
بل إن سبَّ المنافقين لهم يزيدهم رفعة ومنزلة عند الله -سبحانه وتعالى-، وأبى الله إلا أن يكون أجرهم جاريًا إلى قيام الساعة.
وأضاف فضيلته: ولكن من سنة الله تعالى أن يوجد الغلاة والمتطرفون والمجرمون، مشيرًا إلى أن الإعلام ساهم في نقل هذا الصوت النشاز إلى كل مكان والتأثير عليه، وعلى الرغم من ذلك فإنه كما قال ربنا -سبحانه وتعالى-: (لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ)(النور: من الآية11)، وهكذا نجد أنه خير، ليس فقط لمن نالهم الأذى والسب، وإنما هو خير للمسلمين جميعًا.


سب.. وكفر
وأوضح الدكتور العودة أنه لا يوجد في الإسلام "سبّ"، لا في القرآن ولا في السنة ولا في أي مذهب من المذاهب، فمن سب إبليس لا يؤجر، ومن سب فرعون لا يؤجر، ومن سب أبا جهل لا يؤجر، ولم يكن في التاريخ الإسلامي احتفالات بسبّ الملأ من المشركين الذين آذوْا المؤمنين، بل إن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لأهل مكة: «اذْهَبُوا فَأَنْتُمُ الطُّلَقَاءُ»، وكذلك عندما سمع من يسب أبا جهل قال -صلى الله عليه وسلم-: «لاَ تَسُبُّوا الأَمْوَاتَ فَتُؤْذُوا الأَحْيَاء»، هذا في أناس نزل القرآن بكفرهم ولعنهم، فكيف بالنخبة من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-؟!
وتابع فضيلته أننا إذا كفرنا بالتاريخ، فإننا سنكفر بالحاضر والمستقبل، لأنه إذا كنا سنقول بأن الخلّص من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- والمقربين منه هذه أحوالهم، فمن الذي يضمن لنا أن من بعدهم سيكون عندهم مستوى إيماني أو أخلاقي أفضل من ذلك؟ ومن الذي سوف ينجز أحسن وأفضل من إنجاز الرسول -عليه الصلاة والسلام-؟!


عجز عن التعايش
وأكد الشيخ سلمان أن العجز عن معرفة قدر الصحابة وأمهات المؤمنين، ينبئ عن عجز عن التعايش، لأن الشيء الذي أنت تمارسه ضد التاريخ فيما يتعلق بالفصل وتقسيم الناس إلى أبرار وفجار ومؤمنين وكفرة وملائكة وشياطين حتى رجال الصدر الأول... من شأنه أن ينعكس على الحاضرين.
وأردف فضيلته: ولذلك تجد أن هؤلاء الغلاة والمتطرفين، هناك من أبناء طائفتهم من لا يوافقهم، لذا فإنه يتم وصفه بأنه عميل أو خائن أو يمثل دور غرب أو شرق أو ما أشبه ذلك، لافتًا إلى أن هذا سوف ينعكس بشكل سلبي حتى على وحدة البلاد الإسلامية ووحدة الطوائف ذاتها، فضلًا عما سيحدثه من شر وشرخ عظيم في التحرير والتخندق داخل الطوائف الإسلامية.


منزلة.. ومكانة


وذكر الدكتور العودة أنه ليس كل طائفة يقولون ذلك، بل إنه من الأشياء الإيجابية أنه صدر من عدد من المراجع المعتبرة والمعتمدة بيانات واضحة وصريحة في تبرئة الصديقة -رضي الله عنها- والثناء عليها وعلى أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- في الجملة، ورفض ونبذ الطعن والسب والشتم.
ولفت فضيلته إلى أننا بالقدر الذي ينبغي أن نكون فيه فصحاء في معرفة منزلة الصحابة ومكانتهم والإشادة بهم والترضّي عنهم وترديد الدعاء الذي علمنا ربنا سبحانه: (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ) (الحشر:10)، فإننا ينبغي ألا نعطي هؤلاء المتطرفين أكثر من حجمهم.


استدراج.. واستفزاز
واستطرد الشيخ سلمان: إن البعض وكأنهم يريدون أن تتوقف البرامج والمناشط والمشاريع والأعمال فقط لينصرف الناس كلهم إلى مرادّة ومقاولة، وتطورت الأمور بشكل قد يحتاج إلى ضبط، ومع وجود الإخلاص لكن يحتاج إلى نوع من الضبط، لئلا يكون -أحيانًا- هناك ما يمكن أن نسميه بـعملية استدراج، لافتًا إلى أن عملية الاستفزاز هي عملية مستمرة، فهناك أحداث الدنمرك، ثم أحداث محاولة حرق المصحف، ثم أحداث منع بناء المآذن، ثم أحداث سب عائشة الصدّيقة -رضي الله عنها وأرضاها -.
وتابع فضيلته: وهكذا هي سلسلة يتواصى بها هؤلاء أو لا يتواصون بها، لكن سنة الله أنه كما قال الله -سبحانه وتعالى-: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ)(الفرقان: من الآية31)، لذا فإنه ينبغي أن يكون لدى الناس مشاريع مستمرة في برامجهم وأعمالهم ويقومون بوضع هذه الأشياء في نصابها والرد عليها ثم يمضون في طريقهم دون أن يتوقفوا وكأن التاريخ يجب أن يتوقف؛ لأن هذا معناه أن سفيهًا سيكون قادرًا على إحباط كل مخططاتنا وتحويلنا إلى الوجهة التي يريد منا أن نكون فيها.


الغرب.. والعالم الإسلامي
وردًّا على سؤال يقول: كيف تفسرون الازدواجية التي قد تبدو للبعض من تصرفات الغرب، فبينما هو يدعو للحوار مع الإسلام، تصدر منه تصرفات تسيء للمسلمين، كالرسوم المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم، والحرب على المآذن وغيرهما؟ قال الشيخ سلمان: إنني لا أرى في هذا تناقضًا، ولكن المشكلة تكمن في أننا حينما نتكلم عن الغرب، فإننا نطلق لفظة هي بحد ذاتها مجملة، مشيرًا إلى أن الغرب عبارة عن مؤسسات ثقافية وحكومات وشعوب وتيارات فكرية ومناخ فيه قدر من الموروث العدائي ضد الإسلام في التبشير والاستعمار والتاريخ والحروب الصليبية.
وأضاف فضيلته: كما أنه في الوقت ذاته، فإن الغرب هو مناخ حرية، حيث يسمح لعدد من أبنائه ومؤسساته بأن يتبنى موقفًا أكثر عدالة وحيادية؛ وعلى سبيل المثال، فإن موقف الغرب من الصهيونية واضح جدًا، حيث نجد أن الحكومات منحازة، ولكن الشعوب في أمريكا وبريطانيا وخاصةً بعد أحداث غزة وُجد عندها قدر كبير من اليقظة، وتم التعامل مع عدد من الوزراء الإسرائيليين بجفاء في أكثر من دولة أوروبية، وتم رشقهم بالبيض في أكثر من مكان، ورفع الأصوات المحتجة ضدهم في الجامعات البريطانية وغيرها، بل إن بعض الحكومات الأوروبية تبنّت موقفًا أكثر عدالة من ذي قبل.


التواصل مطلوب
وأوضح الدكتور العودة أننا ربما نحن غائبون عن الغرب، فنحن نتعامل مع الغرب كعدو فقط، لكن واجبنا أن يكون هناك تواصل وتوظيف، وأن نستطيع إيصال الرسالة للغرب، حتى رسالة الإسلام، مشيرًا إلى أن فكرة أنهم أعداء لا تكفي، ولكن يجب أن ندرك أن ميدان الغرب فيه مجال حرية، وذلك على الرغم من أن الكثير منهم ليس محايدًا.
وتابع فضيلته: لكن ينبغي أن نوصل الرسالة وبصبر، وسنجد أن هناك آذانًا صاغية وأناسًا يتقبلون وأناسًا يمضون معنا إلى النهاية في الدخول في الإسلام وأناسًا آخرين على الأقل يكون عندهم موقف عادل من القضايا العربية والإسلامية.


التنوع مطلوب
وردًّا على سؤال يقول: هناك أصوات بدأت تنادي بأن تنسحب الحركة الإسلامية من ميادين الاحتكاكات السياسية، وأن تتفرغ للدعوة وإصلاح وتهذيب المجتمعات الإسلامية، فما رأى فضيلتكم في ذلك؟، قال الشيخ سلمان: إن التنوع مطلوب، ولكن المهم دائمًا أن لا تعتقد أي مجموعة بأن ما تقوم به هو الإسلام، ولكنها تقوم بتجربة أو بمحاولة، مؤكدًا على ضرورة عزل التطرف والعنف، وبعد ذلك: (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا)(البقرة: من الآية148)، وأكد فضيلته على ضرورة أن يكون هناك توجه إلى الفقراء والمساكين ومساعدتهم، وأن يكون هناك عناية بالأعمال التطوعية، بحيث يكون هناك اندماج مع المجتمع نفسه، وذلك لأن الحركة الإسلامية هيمن عليها في فترة من الفترات اختصار الأمة في ذاتها، وأصبحت ترى أن مصلحتها هي مصلحة الأمة ومصلحة الأمة هي مصلحتها؛ ولذلك تمّ غض الطرف عن المسلمين.


المسلم العادي
وأوضح الدكتور العودة أن المسلم العادي الذي يمشي في الشارع ويبيع الحلوى أو والفواكه أو يقود التاكسي ويصلي ويهتم بزوجته وأطفاله ربما يكون أعظم منزلة عند الله أحيانًا من إنسان قد نشير إليه بالبنان، فمقادير العباد عند الله لا يعلمها إلا هو، مشيرًا إلى أن هذه الأعداد الغفيرة من المسلمين التي لا يمكن القضاء عليها وتستعصي على الإبادة، هي التي حفظ الله بها الإسلام في كثير من الجمهوريات والدول والشرق والغرب.
وتابع فضيلته: ربما أن هناك تجارب إسلامية فشلت، وكان من أسباب ذلك التضييق حتى على الإسلام نفسه، بينما هؤلاء الناس البسطاء يمارسون إسلامًا بشكل عفوي وتدين فطري؛ ولذلك لا أحد يفكر في مطاردتهم أو القضاء عليهم ولا على أن عندهم مقاصد أو نوايا، فهم لهم دور كبير .


إزالة الحواجز
وأردف الشيخ سلمان: لذلك ينبغي أن يكون هناك إزالة للفجوة أو الحواجز، وإقامة للجسور وتجسير الهوة ما بين المجموعات الإسلامية، سواء سميناها حركات إسلامية أو مدارس أو دعاة أو علماء أو فقهاء وما بين جماهير المسلمين من العاديين والعامة والبسطاء، وعلى سبيل المثال، فإننا من خلال تجربة صغيرة منذ ست سنوات قمنا بتقديم برنامج "حجر الزاوية" وبرنامج "الحياة كلمة"، على قناة إم بي سي، والغالب أن الذين يتعاملون مع هذه القناة هم المسلمون الذين هم في حالة استرخاء.
ولفت فضيلته إلى أنه على الرغم من ذلك فقد وجدنا تجربة هائلة، وغير عادية، وأناسًا عندهم ولاء للإسلام، كما أن عندهم إيمانًا وأخطاءً في الوقت ذاته، لكن ميزتهم أنهم يتعاملون ببساطة وعفوية، وبدون تكلف ولا أدلجة، ولا أن يحسبوا أنفسهم شيئًا معينًا، مما يشعرك بأنك تتعامل مع الحياة بفطرتها التي خلقها الله -سبحانه وتعالى-، مع أناس يبحثون عن الحق والدليل، ويعترفون بالخطأ، وهذا شيء لا يستهان به لو وُفّق الناس في الوصول في كل بلد إسلامي إلى مثل هذا العدد الضخم من الناس.


حماس للرأي
وردًّا على سؤال يقول: هناك جدل داخل الحركة الإسلامية حول المشاركة السياسية في بعض البلدان العربية، حيث يرى البعض أن المشاركة في الانتخابات والإدلاء بالصوت ضرورية وواجبة، وأن عدم الإدلاء فيها كأنه تولٍّ يوم الزحف، فيما يرى البعض أن هذا إهدار للوقت، فما رأي فضيلتكم؟، قال الشيخ سلمان: إن القول بأن عدم المشاركة السياسية تولٍّ يوم الزحف، أو أن المشاركة هي إهدار للوقت وضياع!، هو من قبيل شدة الحماس للرأي، ولكنني لا ألوم الإنسان، بل أحيانًا يعجب الشخص بالإنسان الذي إذا كان عنده رأي أن يتحمس له دون أن يطيح بحق الآخرين في مخالفته.
وأضاف فضيلته: إنني لا أرى أن عدم المشاركة تولٍّ يوم الزحف، وذلك لأن الكثيرين يرون أن المشاركة هي صورية وشكلية، وأن الأوضاع السياسية في العالم العربي خاصة لا تتغير بمثل هذه الطرق، ولكن في الوقت ذاته لا أقول أن هذا إضاعة وقت.


مشاركة.. وحضور
وأوضح الدكتور العودة: إن من رأيي أن يشاركوا، فإن المشاركة إيجابية، وفيها حضور ومحاولة وتدريب، فلو لم يأت إلا أن يتدرب الإنسان على كيفية أن ينظم حملة، وكيف يدير هذه الحملة، وكيف يتواصل مع الناس، وكيف يحاول ويفشل، وكيف ينجح، وأن يعرف حجمه في المجتمع، وكم عدد الناس الذين يتعاطفون معه أو يصوتون له، ويعرف كيف يتعامل مع الضغوط... لكان ذلك هدفًا.
وأردف فضيلته: إنني أعتقد أن الأمر ينبغي أن يُؤخذ بعيدًا عن حساسية كون هذا إما واجب أو محرم كما يفعله البعض، بل إن البعض قد يصل إلى اعتباره كفرًا، حيث ينبغي أن نعزل هذه اللغة، ونجعل هناك مناخًا طيبًا، وأن من أحب أن يشارك فليشارك، ومن لم يرغب في المشاركة فله ذلك، مشيرًا إلى أن فضيلته يميل إلى المشاركة، حتى لو كان الإنسان لا يتوقع منها الكثير، فهي أولى من وجهة نظري.


صورة مثالية.. ولكن
ولفت الشيخ سلمان إلى أنه من معائب بعض الحركات الإسلامية في الماضي أنها كانت تتعامل نظريًا مع الواقع، وتعيش في أبراج عاجية، وترسم صورة مثالية لما يجب أن يكون دون أن تنزل للميدان، كما أنها أحيانًا كانت تنتقي أشخاصًا وتربيهم في جو معين، وتظن أن هذا الأسلوب هو إصلاح للأمة.
وأضاف فضيلته: ولكنها اكتشفت أنها تصلح خمسة أو عشرة أشخاص، في حين أن الواقع يزخر بدلهم بآلاف من الناس الذين ـ لا أقول إنهم لم يندرجوا تحت حركة إسلامية، ولكن في الغالب ـ هم أناس عندهم قدر من الإيمان وقدر من المعصية، كما أن فيهم خيرًا وشرًا ونواقص، مثلهم مثل غيرهم من البشر.


تجارب بشرية
وأردف الدكتور العودة أن هؤلاء ربما ترمي بهم للمجتمع فيتغيرون؛ وذلك لأن المجتمع يغيّر، لافتًا إلى أن أشد الناس تمسكًا وتعصبًا لرأيه لو ألقيت به في وسط أناس يختلفون معه في الرأي وعاش بينهم شهرًا وسنة سيبدأ يعيد الحسابات، ويُغيّر آراءه، لأن هذه ليست عقائد ربانية لا تتغير، ولكنها تجارب بشرية تنمو وتتطور، مثلها مثل أي تجربة إدارية أو اجتماعية.
وتابع فضيلته أن القرب من الناس هو -أحيانًا- ضمانة لاعتدال الفكر؛ ولذلك كان عمر بن عبد العزيز يوصي عماله في المدينة وغيرها، ويقول لهم: مروا العلماء فلينزلوا وليعلموا الناس، فإن العلم لا يهلك حتى يكون سرًا.


المشاركة أفضل
واستطرد الشيخ سلمان قائلًا: إنه قد يرى إنسان أنه من الأولى ألا يدخل أو يشارك في العملية السياسية، فله ذلك، ويرى آخر أن يدخل، فله ذلك أيضًا، مشيرًا إلى أن فضيلته يرى بشكل عام أن المشاركة أفضل من الانسحاب، لأنها ربما تعود على الإنسان ببعض الفوائد، مثل أن يتعلم الإنسان كيف يتحمل الأذى وكيف يتحمل الضرب؟، مشيرًا إلى أن أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- في مكة لم يكن مأذونًا لهم حتى بالدفاع عن أنفسهم من أجل أن يتربى الإنسان على تحمّل الأذى، وليس فقط أن يتحمل الأذى، لكن عنده قدر من التسامح مع الناس وحسن الظن بهم.
وأضاف فضيلته: لقد كتبت كتاب "شكرًا أيها الأعداء" في مراحل كثيرة ، مشيرًا إلى أنه تحدث أحيانًا داخل التيارات الإسلامية نفسها، وليس فقط من خارجها، بعض الوشايات والتقارير والتشاتم وسوء الظن وتحميل الأقوال ما لا تحتمل من أناس كلهم ينتمون إلى الإسلام نفسه وإلى الدعوة -أحيانًا-، موضحًا أنه لا سبيل إلى تجاوز ذلك إلا بدعوة الناس إلى الصبر والتسامح والحلم والعفو، يقول تعالى: (وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) (الشورى:43)، (وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ )(البقرة: من الآية237).


الصبر مطلوب
وفيما يتعلق بأن هناك من يرى أن من يشارك في العملية السياسية قد يتعرض للإيذاء، قال الشيخ سلمان: قد تجد مثل هذه الأشياء، وقد تقرأ أحيانًا في بعض الصحف كلامًا نقيض هذا، مشيرًا إلى أن مثل هذه الأشياء ليست غريبة، ولا ينبغي أن تكون سببًا في مجافاة المجتمع، أو عدم تكرار المحاولة، بل إن الحلم والصبر يمكن أن يجعل هؤلاء الناس الذين اتخذوا موقفًا سلبيًا يومًا من الأيام على نحو ما قال ربنا سبحانه: (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ)(فصلت: من الآية34).
وأضاف فضيلته أن عمر رضي الله عنه، وهو من أكابر أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-، جاء ليقتل النبي -صلى الله عليه وسلم- وما بينه وبين الدخول في الإسلام إلا ساعات قلائل حتى أصبح الفاروق -رضي الله عنه- الذي هو ثالث رجل في الإسلام بعد النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر، لافتًا إلى أن نقص نصيب الداعية من الأخلاق هو كارثة كبيرة، بل إن ما هو مطلوب من الداعية من الأخلاق ليس مطلوبًا من آحاد المسلمين، فهو مطلوب منه بقدر المهمة التي يؤديها، وإذا كان يقول إنه داعية فينبغي أن يدعو إلى الصبر قبل أي شيء آخر، وليس بالقول فقط، ولكن بالفعل أيضًا.


أخطار.. وتحديات
وردًّا على سؤال يقول: إن الأمة الإسلامية الآن تواجه العديد من التحديات والأخطار التي تهدد ثوابتها والأسس التي تقوم عليها، فكيف ترتب فضيلتكم هذه التحديات من حيث الأهمية والخطورة؟، قال الشيخ سلمان: إن أهم الأخطار والتحديات هو ما يتعلق بذات الأمة، فمشكلتنا منا وليست من عدونا، مشيرًا إلى أن الفكر هو واحد من هذه الأشياء، فنحن دائمًا نفكر بأن خصومنا وأعداءنا هم الذين أوصلونا وخططوا لذلك، وعلى سبيل المثال، فإننا عندما نتحدث عن التقنية، فإننا نقول: إن الغرب حجب التقنية عنا.
وأضاف فضيلته: بينما نجد أن اليابان خرجت من حرب مكسورة ووقّعت وثيقة استسلام ومع ذلك استطاعت أن تستعيد نشاطها وقوتها، ولو أراد المسلمون أن يحققوا نهضتهم لن يحول بإذن الله دونهم شيء، بل على العكس، فإن الأدلة العقلية والنقلية تدل على أن المسلمين قادرون على أن يحققوا في خمس سنوات ما حققه الآخرون في عشر سنوات، والله -سبحانه وتعالى- يقول: «وَمَنْ تَقَرَّبَ إِلَىَّ شِبْرًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا وَمَنْ تَقَرَّبَ إِلَىَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا»، ولكن عدم وجود إرادة عند المسلمين هو أعظم التحديات.


اتحاد العلماء
وردًّا على سؤال حول المعوقات التي تواجه الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، قال الشيخ سلمان: إنه لا شك أن اتحاد العلماء دونه معوقات كبيرة ، بسبب اختلاف المشارب والمدارس والتربية والانشغالات، ولكن هناك محاولات من قبل سماحة الشيخ يوسف بن عبد الله القرضاوي رئيس الاتحاد، كما أني أتشرف بأنني عضو في هذا الاتحاد وفي مجلس الأمناء، حيث من المقرر أن نعقد لقاءً بعد أسبوعين في قطر لمجلس الأمناء الجديد إن شاء الله تعالى.
وأضاف فضيلته: إننا لدينا مشاريع طموحة في تطوير هذا الاتحاد، كما أننا لدينا بعض الأفكار، مثل: إقامة مؤتمر لوحدة علماء المسلمين ينعقد في مصر، ونحاول أن نعمل شيئًا جيدًا، فنحن بحاجة إلى القدوات في كل بلد، وأن يكون هناك علماء قدوة في قدرتهم على استيعاب الآخرين وطول النفَس وحسن الظن.


الوسائل المفيدة للحياة السعيدة
وتعقيبًا على مداخلة تتحدث عما قام به الشيخ عبد الرحمن السعدي، من وضع مختصر لكتاب "دع القلق وابدأ الحياة" للباحث الاجتماعي المشهور وأستاذ العلاقات الإنسانية العالمي – ديل كارنيجي، قال الشيخ سلمان: لقد وضع مختصرًا تحت مسمى "الوسائل المفيدة للحياة السعيدة"، حيث اشتراه من إحدى المكتبات اللبنانية حين كان في رحلة علاج في لبنان، ووزع الكتاب على المرضى، وأتى بنسخ منها، ووضعها في مكتبة في مدينة عنيزة، وقرأ الكتاب وأُعجب به، فعمل له هذا الملخص.
وحول مشروعية الاستفادة من الآخرين، وهل هناك دليل على ذلك، قال الدكتور العودة: إن هذا لا يحتاج إلى دليل، فالاستفادة من خبرات الآخرين شيء تمليه الفطرة السليمة، ولا أرى أنه مما يحتاج إلى أن نبحث له عن استدلال شرعي أصلًا، فهو شيء مطلوب.


المرأة.. والعمل الإسلامي
وتعقيبًا على مداخلة تقول: لقد كان للمرأة نصيب في كتابات فضيلتكم، ومن أبرز هذه الكتابات كتاب "بناتي"، فهل ترى أن المرأة وصلت إلى مكان لائق حاليًا في العالم الإسلامي وفي الحركة الإسلامية؟ قال الشيخ سلمان: أعتقد.. لا أبدًا، فما زال دور المرأة ثانويًا في المجتمعات الإسلامية وفي العمل الإسلامي، كما أنه لا يزال مرتبطًا بدور الرجل أكثر منه مستقلًا.
الكاتب: الإسلام اليوم/ أيمن بريك الخميس 13 ذو القعدة 1431الموافق 21 أكتوبر 2010
الكاتب: الإسلام اليوم/ أيمن بريك الخميس 13 ذو القعدة 1431الموافق 21 أكتوبر 2010

أبولؤى
05 Dec 2010, 12:21 AM
http://up.ala7ebah.com/img/pzS97637.jpg (http://up.ala7ebah.com/)

فضيلة الشيخ/ سلمان بن فهد العودة
كنت في المدينة !


كنت الأسبوع الماضي في طيبة الطيّبة ، أتنسّم عبيرها ، وأترشف نميرها ، وأصافح تاريخها العريق ، وأفرح بأهلها الطيبين


بطيبة رسم للرسول ومعهد يلوح وقد تعفو الرسوم وتهْمدُ
مشهد طريف شدّني وأعادني إلى الماضي البعيد الذي تختزن ذرات الثرى في هذه المدينة الطيبة ذكرياته الجميلة
كنت في دورة لتفسير (جزء الذاريات) في جامع الشيخ محمد بن يحيى الجهيمي ، وقد لحظت تعطّش الناس للدروس والدورات والمناشط العلمية ، وَتَلفَّتُ من حولي فوجدت شباباً متطلعاً للعلم والجد والأخلاق ، عازفاً عن القيل والقال وإضاعة الأعمال ، يعكفون لأكثر من ثلاث ساعات يومياً على مدارسة كتاب الله ومعرفة أسراره .
ورأيت حضور الفتيات الطيبات لا يقل حماساً ومتابعة ، والأسئلة منهن تتصل فيضيق الوقت عن إجابتها فأجد المتابعة والمعاتبة فهي وسيلة الاتصال والاستزادة لهؤلاء المتفقهات .
ورأيت شيوخاً وَخَطهم المشيب وحضروا بصحبة أبنائهم وأحفادهم يسمعون الذكر ويستطيبون المجلس .
الْتَفَتُّ ذات أمسية فإذا بي أرى أمامي شيخاً على كرسيه وقوراً ، فتمعّنت فإذا به الشيخ المعمّر سليمان الجربوع عمدة أهل القصيم بالمدينة المنورة ، وهو مدرسة في الحياة ، عمره يزيد على أربع وتسعين سنة ، وهو من بقية (العقيلات) الذين ذهبوا إلى الشام للتجارة ، مثلٌ في التسامح وطيب النفس والصبر على الناس ، وإلى اللحظة فهو يداوم في عمله من التاسعة إلى الثانية عشرة يومياً ، ولا تفوته صلاة في الحرم ، فكان عجيباً أن أراه يُغيّر نظامه ويحضر هذه الدورة ، وينصت كأحد الطلاب .
استضافني آخر يوم في منزله العامر ، ودخلت عليه ضاحكاً وأنا أقول :
-ما أتيتك كالعادة مُسَلِّماً أو زائراً لرجل في مقام الوالد ، بل أتيت أتعاهد واحداً من (طلابي) !
رأيت بين يديّ على مدى أسبوع عدداً من الصغار يقارب الخمسين ، ما بين سن التاسعة إلى الخامسة عشرة ، يستديرون حلقة بقربي في الدرس ، ومعهم الأوراق والأقلام فلا أقول شيئاً إلا كتبوه باهتمام ، وإذا سألت أجابوا ، وإذا توقفت أكملوا ، وإذا حانت فرصة قاموا فسلّموا .. وجرت عادتي أنني إذا صافحت مثلهم قصدت إلى كف أحدهم فلثمته بصدق وقلت :
-كيف حالك سيدي ؟!
فصاروا يحاكونني فيها .
وأجدهم خارج المسجد إذا أقبلت ، وألقاهم عند باب السيارة إذا انتهيت ، وفي آخر يوم ركضوا مع السيارة عن يمينها وشمالها بحب وبراءة لا تفسير لها إلا أنني أحبهم فعلاً ، وأحب الأسر التي نمّت فيهم روح الخير والإيمان والأخلاق وحسن الظن ..
أهديتهم كتبي ، وسجلت أسماءهم عليها ، وشعرت بسعادة تغمرني يوم عرفتهم ، فعرفت طباع أهل المدينة الطيبة ..
المدينة التي شرفت بمقدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، وسعدت بالذين تبوؤوا الدار والإيمان من قبل غيرهم ، ممن يحبون من هاجر إليهم أو زارهم ، ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا .. مدينة الإيمان والقرآن .
زرت مجلس أمير المدينة المنورة -الرجل الطيب المثقّف المتواضع عبد العزيز بن ماجد- العامر برجال الإدارة ورجال القضاء وأئمة المسجد الحرام ، ورجال الحسبة فرأيت التآلف والانسجام ، والحب والوئام ، والكلام المفيد .
كنت مسروراً بصفاء النفوس ، وطلاقة الوجوه ، ونبل الأخلاق ، والذي شاهدته لدى المسؤول والرجل العادي ، وموظف الفندق ، ورأيت نماذج عديدة لفعل إيجابي لفرد أو مؤسسة ، لو ذهبت أُسجّلها لوجدتني أدوّن أسماء كل من لقيت دون استثناء ، فما لقيت إلا رجالاً يمنحون الحب والكرم والطيبة ، ويستحقون مثل ذلك وأكثر .
إن من عادة الناس أن تتوفر طاقاتهم على نقل الخلافات ، وتتجمهر غالبيتهم حول حادث سيارة عابرٍ في الطريق ، وربما غفلوا عن حياة واسعة ، ومناشط غنية ، وجهود مثمرة ، بسبب أنها هي الأصل الراسخ ، والشيء الطبيعي ، وبذلك يجورون في حكمهم على الأشياء حين يختصرونها في الاستثناءات والجزئيات ، أو يتعاملون بلغة الإعلام الذي لم يُصنع ليتحدث عن الأوضاع العادية الطبيعية ، وإنما ليلقي الضوء على المستجدات والأحوال الطارئة والغريبة .
فالمدينة اليوم برجالها الكبار وجامعتها العريقة التي تستقبل الآلاف من أنحاء العالم وتستحق أن تكون مشروعاً حضارياً ضخماً كما يحاول ذلك مديرها الفذ د. محمد العقلا ، وبشبابها المخلص المتفاني في العلم والعمل التطوعي والخيري ، وبناتها الصالحات المتطلعات للعمل والإنجاز .. خليقةٌ بأن تكون معلماً يبشر بمستقبل هذه البلاد المباركة .
أتيت المسجد النبوي فتعجبت ، المكان مكتظ بالمصلين في كل وقت ، وإذا شئت فشاهد قناة السنة النبوية التي تبث من المسجد على مدار الساعة فلا تجده إلا حافلاً بزواره وعماره من كل جنس ولون وسن ..
الهدوء يغمر المكان على كثرة الناس ، فلا صخب ولا لغط ولا ضجيج .
والنظافة والترتيب هو سيد الموقف حتى في الساحات الهائلة المحيطة بالحرم ..
المداخل ، المواقف ، المغاسل ، المساكن .. المنطقة حول المسجد تعدّ نموذجية ، وهذا يؤكد أن الناس قابلون للتنظيم متى ما كانت الأماكن والتجهيزات من حولهم مساعدة ، مهما كثروا وتنوعت مشاربهم ..
صلّ اللهم وسلّم وبارك على صاحب هذا القبر الشريف ، ورضي الله عن صاحبيه وأزواجه وذريته وآل بيته ..
ماذا لو بُعث -عليه السلام- فرأى بعينه هذه الحشود التي تعد بالملايين تقصد مسجده ، وتؤم البيت الحرام ، وتفديه بالنفس والأهل والمال ؟ وهي ليست سوى قطرة في بحر أتباعه الذي يزيدون على خُمس سكان المعمورة !


بديع الزمان وبدر الظلام أمير الأنام وماء الغمام

دعاء الخليل وبرء العليل وهادي السبيل لدار السلام

أحبك ربي فصلى عليك عليك الصلاة وأزكى السلام

نبي الهدى يا رسول السلام ويا مرسلاً رحمة للأنام

عليك الصلاة عليك السلام وصحبك والتابعين الكرام

ومثلك لا تلد الأمهات ولو عاش كل فتى ألف عام

جهادك في الأرض أسمى جهاد نصرت به الحق يوم السداد

وأعليت صرح الهدى والرشاد فأنت الأمين وأنت الإمام



الكاتب: فضيلة الشيخ/ سلمان بن فهد العودة السبت 22 ذو القعدة 1431الموافق 30 أكتوبر 2010

أبولؤى
05 Dec 2010, 08:33 PM
فضيلة الشيخ/ سلمان بن فهد العودة
هذه النافذة

اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك .
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته ، وعلى آل بيته الأطهار ، وأصحابه الأخيار ، وزوجاته الطيبات القانتات ، وعلى من تبعهم بإحسان . ثم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
هذه نافذة خاصة بقلم المشرف على هذا الموقع المبارك ( الإسلام اليوم ) .
وكثير مما يحسن قوله هنا الآن ، قلته في مقدمة الموقع .
أ- فلقد تحدثت عن حفاوة النبي صلى الله عليه وسلم بالإعلام في دعوته وتوظيفه بطريقة عجيبة ، توجب على المسلم المعاصر وهو يشهد هذا التواصل المذهل أن يسلك نفس الطريق ، وأن يتذرع لدعوته بالوسائل ذاتها .
ب- وأن الإنترنت فضاء رحب مليء بالفرص المتعددة ، من تصفح للملايين من المواقع الغنية بأنواع المعلومات ، إلى المحادثات الحية والمباشرة عبر الصوت والصورة والكتابة ، إلى البريد الإلكتروني والمجموعات الإخبارية ، إلى البث المباشر وغير المحدود للإذاعات والقنوات الفضائية عبر الشبكة ... الخ .
جـ - وأن كل جهد يتلافى التفريط الإعلامي المريع هو أمر بالغ الأهمية لا يحتمل التهاون ولا التأخير ولا الانتظار . وهذا الموقع ( الإسلام اليوم ) جاء لهذا المقصد ، يقدم الأصالة الإسلامية ، ويعتمد المعاصرة أسلوباً في العرض والمعالجة والتناول .
إن هذا الأفق الجديد ( الإنترنت ) يضيق علينا دائرة التعذير للنفس والتحجج بالعجز تنطلق القدرات والإبداعات بكامل طاقاتها ، إلى أبعد مدى تصل إليه .
د – وأن أمامنا في هذا العمل هدف محدّد واضح إلى درجة التألق ، وهو خدمة ديننا والدفاع عنه والدعوة إليه ، ودعوة المسلمين الشاردين ، ودعوة غير المسلمين .
ولذا فلا مكان في موقعنا للنيل من هذا الشخص أو تلك الجهة أو من هيئة أو جماعة أو حزب أو مؤسسة رسمية أو غير رسمية كما أنه لا مكان فيه للدعاية لشيء من هذا .
فلدينا من أولويات العمل وضروريا ته ، ومساحة الدين العريضة المتفق عليها ما يستفرغ كل طاقاتنا ، ويستوعب كل جهودنا .
هـ - وأن الموقع سيجند نفسه لترسيخ قيم الاعتدال والموضوعية والتسامح ، بعيداً عن التداخلات التي تعوق مسيرة العمل والدعوة ، وتضعف من وهج الخطاب الإسلامي وانسيابيته ، وتشغله بالهموم الذاتية .
إن الاعتدال في النظر والتقويم والمواقف والتربية منهج إسلامي أصيل ، ومن الضروري حفر مجرى واسع له ، يؤكد أن الإفراط والتفريط وجهان لعملة واحدة ، وأنهما طارئان على المنهج الشرعي .
و- وأن الموقع سيجند نفسه أيضاً لترسيخ قيم الحوار الإسلامي الناضج ، الراقي في موضوعه ، و هدفه ، وفي لغته ، البعيد عن المهاترات والسباب والتشاتم ، فالرأي الآخر معتبر لا يصادر ولا يلغى طالما التزم الضوابط الشرعية ، واستخدم لغة الحوار العلمي الرزين .
ز – ونوافذ الموقع متعددة ، من دعوة غير المسلمين بلغتهم ، ومن خلال مواد خاصة متميزة ، إلى عرض معاني القرآن الكريم ، إلى نافذة الأسرة ، والثقافة ، والفتوى ، ونافذتكم هذه : ( قلم المشرف ) ..
ومن همنا العناية بالخبر الإسلامي المتفائل الذي يزرع شيئاً من الفرحة في النفوس ، ويتجاوز الصورة التقليدية القائمة على الندب واليأس والإحباط ، ففي الواقع الإسلامي العريض الكثير من البشائر والجهود الطيبة والمشاركات الحميدة التي تستحق الإشادة ، وتستأثر بالاهتمام .
وهذه النوافذ هي ثمرة جهود مخلصة لعدد من المتعاونين الذين وجدوا في فراغهم القليل فرصة لهذه المشاركات المشكورة .
فجزاهم الله خير الجزاء .
ح – ونحن هنا نحاول تقديم الإسلام بنصاعته الأولى ونقائه الأصيل ، على منهاج النبوة ، والمحجة البيضاء التي كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاءه الراشدون ، وأصحابه المهديون ، والتا بعون لهم بإحسان ، وأئمة الإسلام والأعلام من الفقهاء والأئمة والدعاة عبر العصور ، إلى يوم الناس هذا ، نقيا من شوائب البدع وضلالات الفرق محرراً من ربقة التقليد وعصبيته .
هداه الكتاب والسنة ، عليهما الاجتماع وإليهما الرد عند الاختلاف ( فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر )
ط – أما هذه النافذة الخاصة فهي مجموعة فقرات :
أولها : فقرة المقال الأسبوعي الذي يعالج موضوعاً من الموضوعات التربوية أو الفكرية أو العلمية أو الواقعية بحسب المناسبة .
ويثري هذا المقال تعليقات القراء وملاحظاتهم ، والتي ستكون بدورها مادة دسمة لمقالات جديدة .
وثانيها : تعليقات علمية من القرآن والسنة ، وهي مادة تجمع بيين الفائدة والطرافة ، وتنزل مرتبة ترتيبااً تسلسلياً من أول القرآن الكريم ...
أما السنة فقدد اعتمدت مختصر الإمام المنذري لصحيح مسلم لكتابة التعليقات والفوائد عليه .
وثالثها : مختارات من بريدي الإإلكتروني ، تتفرع إلى رسائل توجيهية ، أو اجتماعية ، أو دعوية ، أو ردود ، أو مناقشات .
وإلى مسائل علمية فقهية أو حديثية أو تاريخية أو غيرها .
رابعها : عفو الخاطر ، وهو مكتوب يقرأ من عنوانه ، لفتات ونظرات ، وتجارب وخبرات ، وقصائد ومناسبات ، وكلمات عابرات ، وربما كنت أقيد بعضها على أوراق التقويم ، أو في مذكرة خاصة ، وقد يوجد في كلمة صغيرة ما يغني عن حديث طويل .
آمل أن يجد الأحبة في هذه النافذة بعض الفائدة ، وإن لم تكن بحجم طموحهم وتطلعهم .
ولا غنى لنا – بعد الله تعالى – عن النقد والتقويم والتصحيح والاستدراك والمشاركة .
جزى الله كل من نصح وأعان خيراً ، وبارك الله في الجهود ، والحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين .
والسلام عليك ورحمة الله وبركاته ،،،،

الكاتب: فضيلة الشيخ/ سلمان بن فهد العودة الاحد 27 رجب 1422الموافق 14 أكتوبر 2001

أبولؤى
06 Dec 2010, 09:02 PM
فضيلة الشيخ/ سلمان بن فهد العودة
عشرة أخطاء فقط !


حين انْفتَل من صلاته ، وتلا التسبيحات والأذكار الواردة بعد الصلاة ، وهمّ بالنهوض ، أمسك به جاره الذي صلى إلى جانبه ، واستمهله القيام ، وسلّم عليه ، وأظهر قدراً من البشر والحفاوة اللازمة ، والتي عادة تصحب الداعية اللبِق (!) إنه يحسن الاستفتاح ، ولا يفوّت الفرصة !
-جزاك الله خيراً ، وشكراً ، لقد سررت أني رأيتك في المسجد؛ فالمؤمن يحب لأخيه ما يحب لنفسه !
-وأنت جزاك الله خيراً ، ولكن متى كان المسجد حكراً على أحد ، وهل كان وجودي في المسجد شيئاً مستغرباً أو طارئاً، حتى تعلن عن سرورك ؟
-أنا هكذا بطبعي أفرح بالخير للآخرين ، ولذا أحببت أن أنبّهك على بعض الملحوظات في صلاتك ، خاصة وأنه يبدو أنك حريص على الامتثال وتطبيق السنة !
-هات ما عندك !
قالها صاحبنا بضجر لم يدركه الآخر ، الذي انطلق يدوّن ملحوظاته ، ويتحدث عن طريقة القيام والقعود والركوع والسجود وتفاصيل العبادة بما استكمل معه عشر ملحوظات، أخذها على جاره في الصلاة !
ثم ختم قائلاً بابتسام :-
تلك عشرة كاملة !
التفت الرجل الغريب، وسأل صاحبه بحدّة :
-وماذا عنك ؟
-أنا بحمد الله من طبعي أتقبّل النصيحة ، وأعرف أنني بشر يخطئ ويصيب ، لست ملاكاً ، ولا حتى عالماً أو فقيهاً ، فأنا إنسان بسيط ، وأرجو ألا يمنعني من قبول الحق مانع .. وذات مرة نصحني أحد طلابي؛ فقبلت منه وشكرته !
أحسّ محدثه بأن الرجل مليىء بالكبر المغلّف؛ فهو يتحدث بلغة (أنا) ، ويثني على نفسه بهذه اللغة المدوية ، ويؤكد بشريته ، وكأن الأمر مشكل يحتاج إلى تأكيد ، وينفي الملائكية ، وعلى سبيل التواضع ينفي العلم ، ويعبّر بالبساطة ، وحتى يحكم اللغة فهو يرجو ألا يمنعه من قبول الحق مانع .. ويتحدث عن " طلبة " إذن هو يعترف بالأستاذية والمشيخة بلا وعي حين ينفيها بلسانه !
أيّ ثناء على النفس يقدر أن يقوله فوق هذا ، ولكنه ثناء مدهون بلغة التواضع ، ومثل هذا المدخل الشرير على النفس من أصعب الأسرار التي يعزّ على صاحبها كشفها ومعالجتها .
إنك تحاول أن توجه نظره إلى عمق نفسي في عقله الباطن ، وتحمله على أن يراقب نفسه ، ويلحظ تغوّلها وتسلطها ، وأنها تكيل بمكيالين ، ما بين ذاتها وبين الآخرين ، أو بين من تحب وتوافق ، ومن تكره أو تخالف ، أو بين ما تألف وتعرف ؛ فيسهل عليها قبوله وتسويغه ، وما تنكر ولا تعرف ؛ فتميل إلى رده أو التردد بشأنه ، ولو كان مألوفاً مقبولاً عند آخرين ، وكيف تتعامل أحياناً حتى مع النص الشرعي بهذه الانتقائية ؛ فتحتج بنص وتكرره وتعظمه ، ويسهل عليها تأويل نص آخر، لأنها اعتادت على تأويله ولم يكن له عندها الصدارة .
سرح الرجل الغريب في هذه المتاهة التي يقلّ سالكوها ويكثر منكروها، وردد في نفسه :


مَرَرتُ عَلَى وَادِي السِّبَاعِ وَلاَ أَرَى كَوَادِي السِّبَاعِ حِينَ يُظلِمُ وَادِيا

أقَلَّ به رَكْبٌ أتَوْه تَئِيَّةً وأخْوَفَ إلاَّ ما وَقَي اللهُ سارِيَا
ثم التفت إلى صاحبه ، وقال :
أعظم خطئك عندي أنك واقف في صلاتك بين يدي ربك ، وقلبك يسرح في وادٍ آخر ؛ لقد أخللت بروح الصلاة ، وأتيت على خشوعها ، فلا أظن قلبك حاضراً وهو يراقب جاره ، ويحسب عليه حركاته وسكناته، ويستجمع أقوال المصنفين والفقهاء في القيام والقعود والركوع والسجود ، ويستذكر راجحها ومرجوحها حسب دراسته وبحثه .. وينتظر أن تقضى الصلاة ليلتفت إلى جاره ويحاسبه على مخالفاته ...
لم يَرُقْ هذا الحديث لمحاوره ومجاوره .. واستنتج منه أنه لم يتقبل النقد ، ولذا واجه النقد بمثله ، ثم ثنى بأن القول بوجوب الخشوع في الصلاة فيه خلاف شهير كبير بين الفقهاء ، وهو وإن قال به أبو حامد الغزالي ، ومال إليه ابن تيمية ، إلا أن أكثر الفقهاء لا يرونه...
لم يعد همّ صاحبه أن يردّ عليه ، لقد انتقل تفكيره إلى أفضل طريقة للانصراف ، وعدم تفويت موعده الضروري دون أن يسترسل الحديث ما بين النقد ونقد النقد ، وما بين الهجوم والدفاع بواسطة هجوم مضاد .
وكم للنفس من أحكام وسطوات ودوافع خفية ؛كما قال ابن تيمية ، هي مثل الشامة في ظهر الإنسان ، تعيش معه طيلة عمره دون أن يراها ، وطوبى لمن جعل جزءاً من رؤيته لمطالعة عيبه ، وطوبى لمن شغله عيبه عن بعض عيوب الناس !

الكاتب: فضيلة الشيخ/ سلمان بن فهد العودة الجمعة 29 شوال 1431الموافق 08 أكتوبر 2010

أبولؤى
07 Dec 2010, 07:45 AM
فضيلة الشيخ/ سلمان بن فهد العودة
ديوان البارود


حين قرأت ديوان الشاعر عبد الرحمن بارود وجدتني أتجاوز قصائد الديوان الأولى بسرعة .. وكأنني أبحث عن شيء مفقود .. أو أريد أن أتجاوز شيئاً من الخيبة .
عادة الشاعر في قصائده الأولى أيام الطفولة والصبا وبداية التكوين أن تكون تجاربه الشعرية ضعيفة ، وهكذا هي القصائد الأولى في الديوان يغلب عليها الإنشاء والتقرير والمباشرة ، وهي بعيدة عن الخيال الشعري ، وعن روح الرمزية والإشراق التي تميز بها الشاعر بعد ذلك .
حتى إنني تعجبت من شاعر هذه بداياته كيف وصل إلى تلك اللغة الشعرية الفخمة والسبك المحكم ولعل هذا مصداق قولهم (من لم تكن له بداية محرقة لم تكن له نهاية مشرقة) أو قول بعض عامتنا (الصنعة عورة حتى تكتمل) ..
لقد اكتملت روح الشاعر وآتت أكلها ضعفين بعد أن أصابها وابل المعرفة الغنية والتجربة الإنسانية وأعطت الزمن حقه .
هل كان الأجدر بطابعي الديوان أن يؤخروا قصائده القديمة وألا يلتزموا بالسياق التاريخي ؟
أم إن هذا من مقتضى التسلسل وقد أوصى به الشاعر أو أشرف عليه ؟
وهل يمكن أن تنتخب قصائده الجميلة المعبرة والتي تحتوي -أحياناً- على روح ملحمية رائعة .. لتكون ديواناً مستقلاً ، كما كان الشاعر ينوي حين كتب بعض قصائده بخط يده الجميل ووضع حولها زخرفات ورسومات تنم عن ذوق فني رائع .
إن مثل هذا الديوان سيضمن للشاعر انتشاراً غير عادي يفوق كثيراً السفر الضخم الذي يحوي معظم أعمال الشاعر بقديمها وحديثها وجيدها ورديئها .
إلى جوار مجلة الشهاب كنت أقرأ بعض قصائده في مجلة المجتمع الكويتية وحفظت منها " غريب الديار " وهي في الديوان (صـ122) :


يرحل الموت يا خدود الورود وتدب الحياة في كل عود

ولجين الأنهار يجري مرايا وأريج التفاح ذو تغريد

وحبيبي يطل من قمم الخلـ ـد على موكب الصباح الجديد
.. وفي مجلة (الوعي الإسلامي) التي تصدرها وزارة الأوقاف الكويتية قرأت للشاعر قصيدة (مرارة وحرقة) وهي في الديوان (صـ92) ومطلعها :


ادفني قتلاك وارضَيْ بالمصيبة واذهبي عاصفة الليل غريبة

واقبعي حول الضحايا واذكري عمراً مراً وأوطاناً سليبة

وادخلي السجن الذي شيّدْتِه وتوارَىْ في الزنازين العصيبة

واغرقي في لجة مجنونة يا شعوباً لم تُعَلِّمْها المصيبة !
كان -رحمه الله- في حالة ثورة عاصفة متصلة بهزيمة أو نكبة يصرخ الناس فيها ملء حلوقهم .
ومعظم القصائد الملهمة المطبوعة في هذه الأعمال الكاملة كانت ضمن الدفتر الخاص الذي كتبته من مجلة الشهاب ومصادر أخرى ، وهي موجودة في أعداد تلك المجلة اللبنانية الغنية وبينها اختلاف مع ما هو مثبت في الديوان بحيث يمكن اعتمادها كنسخة أخرى أو تصويب الخطأ أو إكمال النقص منها ..
مثلاً : قصيدة (الأغاريد) في الأعمال الكاملة (صـ100) استغلقت بعض كلماتها على المشرفين بسبب التصحيف واجتهدوا في التصويب وإن صح لي أن أستدرك عليهم من حفظي فالصواب هكذا ..


بلي الحديد ومسنا القرح فمتى (تفيق) أخي متى تصحو ؟

وا لوعتاهُ! كم انقضت حِقبٌ وامتدّ ليلٌ ما له صُبح

وبغى وحوش ليس يردعهم خلق ولا دين ولا نصح

ألفاظهم مطليّة عسلاً وقلوبهم (بسمومها) رشح
والكلمة بين القوسين في الديوان مطموسة .


والوحش وحشٌ دينه فمه (والغدر) لا يمحوه من يمحو
والكلمة في الديوان مطموسة


فليحصد الأحقاد زارعها (يا ويله) يا ويل ما حصدا
وفي الديوان " يا ويلةً "


وأضمّ قرآني إلى قلبي وأقول أنت (أخي وأنت) أبي
وهي في الديوان مطموسة


وطني فسيح لا (حدود) له كالشمس (تملأ هذه الدنيا)
و(حدود) تصحفت إلى (جدود)


أنا في ركاب محمدٍ أمضي والجاهلية (تحت نَعْليّا)
وفي الديوان تبديل لمواضع الكلمات تحيل معه المعنى .


(اصبر) تلح راياته ومع الصـ ـومال والسودان نيجيريا
(اصبر) في الديوان تحرفت إلى: (أصير) .


يا ريح يا قيثارة (الأزمان) دوما تسير تطوف بالبلدان
وهي في الديوان مطموسة
وآخر بيت أحفظه هكذا :


(وتهب زنبقة) مغردة بدأت تهلّ طلائع الإيمان
وهي في الديوان مطموسة .
ولست أدري هل سر إعجابي بقصائده التي جاءت في وسط الديوان دون أوله وآخره راجع إلى نفسية الشاب الذي كان يتلقاها ويتحمس لها وينفعل معها ، أم إن الشاعر ذاته ضعف نفسه الشعري بعد استقراره وعمل الزمن عمله فغلب على قصائده المتأخرة شعر المناسبات أو الشعر العلمي .
أياً ما يكن فللشاعر نفس إبداعي محلق وشكراً لجهود الإخوة الذين أصدروا الديوان بمناسبة (القدس عاصمة الثقافة العربية) ، ورحم الله الشاعر ونرجو أن نظفر بطبعة جديدة تنسينا في جمالها جمال سابقتها .

الكاتب: فضيلة الشيخ/ سلمان بن فهد العودة السبت 23 شوال 1431الموافق 02 أكتوبر 2010

أبولؤى
09 Dec 2010, 03:32 AM
فضيلة الشيخ/ سلمان بن فهد العودة
الفتوحات الإسلامية 7/7


مصطلح الفتح الإسلامي أصبح متصلاً بمبدأ القتال والتوسع في الهيمنة المادية.
بيد أننا لو رجعنا إلى اللفظ القرآني لوجدنا الفتح يعني نشر الدعوة والخير، والرسل كانوا يدعون ربهم (رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ) [الأعراف:89]. فالفتح فتح القلوب للهداية، وفتح العقول للمعرفة، وفتح المجتمعات للوعي والحوار والتغيير الإيجابي الرشيد، وهذا يمكن أن يتم بطرائق كثيرة، فالإعلام فتح، والتعليم فتح، وزوال المؤثرات السلبية فتح، والدعوة الصادقة فتح، ولكن هذا المصطلح ظل يتقلص حتى تم قصره على بعض أفراده، وصار رديفاً للانتصار في المعركة العسكرية، واعتراه ما اعترى مفهوم الجهاد من التضييق ومفهوم الفقه ومفهوم العبادة.
وحين وعد الله رسوله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده، كان الفتح مفهوماً واسعاً لانطلاقة الدعوة وزوال معوقاتها، وحين أخبر الله تعالى بأنه جاء نصر الله والفتح كان الفتح غير النصر، وكان من علاماته دخول الناس في دين الله أفواجاً كما في آخر سور القرآن نزولاً.
إن غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين كانت تحت مظلة شرعية واضحة، وهنا أذكر الحديث الذي في صحيح مسلم ، وهو حديث بريدة رضي الله عنه: لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم سرية أو جيشًا أوصاهم، وقال في آخر الحديث: "إِذَا حَاصَرْتَ أَهْلَ حِصْنٍ فَأَرَادُوكَ أَنْ تَجْعَلَ لَهُمْ ذِمَّةَ اللَّهِ وَذِمَّةَ نَبِيِّهِ فَلاَ تَجْعَلْ لَهُمْ ذِمَّةَ اللَّهِ وَلاَ ذِمَّةَ نَبِيِّهِ، وَلَكِنِ اجْعَلْ لَهُمْ ذِمَّتَكَ وَذِمَّةَ أَصْحَابِكَ، فَإِنَّكُمْ أَنْ تُخْفِرُوا ذِمَمَكُمْ وَذِمَمَ أَصْحَابِكُمْ أَهْوَنُ مِنْ أَنْ تُخْفِرُوا ذِمَّةَ اللَّهِ وَذِمَّةَ رَسُولِهِ. وَإِذَا حَاصَرْتَ أَهْلَ حِصْنٍ فَأَرَادُوكَ أَنْ تُنْزِلَهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ فَلاَ تُنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِكَ، فَإِنَّكَ لاَ تَدْرِى أَتُصِيبُ حُكْمَ اللَّهِ فِيهِمْ أَمْ لاَ".
وفي قصة خالد بن الوليد لما تأول وقتل بعض الأسرى رفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه إلى السماء وقال: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَبْرَأُ إِلَيْكَ ممَّا صنَع خَالدٌ". مرتين. أخرجه البخاري . فهنا لم يأخذ النبي صلى الله عليه وسلم بيد قائد الجيش ويهمس في أذنه همسًا أن ما عملته خطأٌ، لا بل أعلنها على الملأ، وتناقلها الرواة.
لقد قاتل المسلمون قتالاً شرعياً أمماً وقبائل ودولاً ليس بينهم وبينها عقد ولا ميثاق، وكانت تتهيأ لقتالهم وإبادتهم، وكانوا مثالاً في الرحمة والصبر وحقن الدماء، حتى كان عدد الذين قُتِلوا في حياة النبي صلى الله عليه وسلم من الكفار لا يتجاوز بضع مئات، وقد قُتِل من المسلمين أكثر منهم، ولم يقتل النبي بيده أحداً، وترك غورث بن الحارث الذي اخترط سيفه وهمَّ بقتله، وترك ثمامة بن أثال وأطلقه وهو في حال حرب، وعفا عن أهل مكة وأطلقهم، وفك بني المصطلق، وكان مثالاً عمليًّا للرحمة والوفاء وحفظ العهود.
أما الغزوات التي تمت بعد ذلك في عهد الدولة الأموية، ثم العباسية، والمماليك والعثمانيين فلا شك أنه جاء من ورائها خير كثير في دخول كثير من الأمم والأجناس والشعوب والأعراق في الإسلام وانتشار الحضارة الإسلامية والعدل والرحمة والحرية، ولا يمنع هذا أن يكون تخللها أخطاء وتجاوزات، وقد كتب الشيخ محمد رشيد رضا كلامًا علَّق فيه على هذا الموضوع، وغلَّب في هذا جانب التوسع الإمبراطوري في آخر الدولة الإسلامية على الفتح الإسلامي، ولذلك فأعمال المسلمين في التاريخ قابلة للنقد والمراجعة والرد.
يقول رحمه الله في تفسير المنار - (ج 2 / ص 173)
"كان المشركون يبدءون المسلمين بالقتال لأجل إرجاعهم عن دينهم ، ولو لم يبدءوا في كل واقعة لكان اعتداؤهم بإخراج الرسول من بلده وفتنة المؤمنين وإيذاؤهم ومنع الدعوة - كل ذلك كافيا في اعتبارهم معتدين ، فقتال النبي - صلى الله عليه وسلم - كله كان مدافعة عن الحق وأهله وحماية لدعوة الحق ; ولذلك كان تقديم الدعوة شرطا لجواز القتال ; وإنما تكون الدعوة بالحجة والبرهان لا بالسيف والسنان ، فإذا منعنا من الدعوة بالقوة بأن هدد الداعي أو قتل فعلينا أن نقاتل لحماية الدعاة ونشر الدعوة لا للإكراه على الدين ; فالله تعالى يقول : (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي) , ويقول : (أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين) وإذا لم يوجد من يمنع الدعوة ويؤذي الدعاة أو يقتلهم أو يهدد الأمن ويعتدي على المؤمنين ، فالله تعالى لا يفرض علينا القتال ; لأجل سفك الدماء وإزهاق الأرواح ، ولا لأجل الطمع في الكسب .
ولقد كانت حروب الصحابة في الصدر الأول لأجل حماية الدعوة ومنع المسلمين من تغلب الظالمين لا لأجل العدوان ، فالروم كانوا يعتدون على حدود البلاد العربية التي دخلت حوزة الإسلام ويؤذونهم ، وأولياؤهم من العرب المتنصرة يؤذون من يظن به من المسلمين .
وكان الفرس أشد إيذاء للمؤمنين فقد مزقوا كتاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ورفضوا دعوته وهددوا رسوله وكذلك كانوا يفعلون ، وما كان بعد ذلك من الفتوحات الإسلامية اقتضته طبيعة الملك ولم يكن كله موافقا لأحكام الدين ، فإن من طبيعة الكون أن يبسط القوي يده على جاره الضعيف ، ولم تعرف أمة قوية أرحم في فتوحاتها بالضعفاء من الأمة العربية ، شهد لها علماء الإفرنج بذلك .
وجملة القول في القتال أنه شرع للدفاع عن الحق وأهله وحماية الدعوة ونشرها ، فعلى من يدعي من الملوك والأمراء أنه يحارب للدين أن يحيي الدعوة الإسلامية ، ويعد لها عدتها من العلم والحجة بحسب حال العصر وعلومه ، ويقرن ذلك بالاستعداد التام لحمايتها من العدوان ، ومن عرف حال الدعاة إلى الدين عند الأمم الحية وطرق الاستعداد لحمايتهم يعرف ما يجب في ذلك وما ينبغي له في هذا العصر ."اه

الكاتب: فضيلة الشيخ/ سلمان بن فهد العودة السبت 25 رمضان 1431الموافق 04 سبتمبر 2010

أبولؤى
09 Dec 2010, 03:36 AM
خبر

د. العودة يدعو للاستفادة إسلاميًا وعربيًا من استضافة قطر لكأس العالم 2022
السبت 28 ذو الحجة 1431 الموافق 04 ديسمبر 2010

الإسلام اليوم/ الرياض

دعا الشيخ سلمان بن فهد العودة (المشرف العام على مؤسسة "الإسلام اليوم") إلى الاستفادة من الأحداث الكبيرة والهامة التي تحدث في بلداننا العربية والإسلامية بإيجابية، مثل استضافة قطر لكاس العالم 2022، سواء اقتصاديًا أو ثقافيًا أو اجتماعيًا، ونجعل مثل هذا الحدث فرصة للتواصل مع العالم .
وقال الشيخ العودة- ردًّا على مداخلة في برنامج "الحياة كلمة" الذي يبثّ على قناة الـ"ام بي سي"- عن فوز قطر بتنظيم كأس العالم 2022: "وصلتني رسائل عديدة أمس، وقد قرأت من خلالها اختلاف الأذواق، أحدهم يُخبر عن الحدث بشكل عادي، وآخر أرسل لي يربط الحدث بأنه فرصة أن نتواصل مع العالم، وأن نُقدّم لهم شيئاً جميلاً، وأن نستثمرها في الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، وتقديم ثقافتنا وديننا للآخرين" .
وأضاف فضيلته: "وجدت ثالثًا يربطها ببعض المشاعر السلبية، أرسل لي رسالة تقول: "الكويت أمس، والإمارات اليوم، وقطر غدًا، ونحن في السعودية لنا الدار الآخرة". وأخرى تتساءل: ما حاجتنا إلى مثل هذه المسابقات وشغلنا بها؟!".
وأوضح الشيخ سلمان أنّ مثل هذه الرسائل منها ما يكون على سبيل الدعابة، فالآخرة للذين يتقون منّا ومن غيرنا، والمنافسة في أمر الدنيا أيضًا هي للجميع .
وأكّد فضيلته أنّ هذا الحدث يمكن توظيفه بأشياء كثيرة نافعة، والتعامل معه بالنظرة الإيجابية، وأنّ التفكير الإيجابي بأن هذا أمر ستنظمه في بلدك وبينك وبينه عشر سنوات تقريبًا، ينبغي أن تفكر جيدًا كيف تتعامل معه بصورة أكثر إيجابية". مشيرًا إلى أنّ "مثل هذه الأمور يمكن الاستفادة منها سواء على الصعيد الثقافي والاقتصادي وحتّى الاجتماعي، وليس من شك أن فيه فرصًا ضخمة لمن أراد أن يستفيد".
وعلّق مُقدم البرنامج الأستاذ فهد السعوي بقوله: كلنا بالأمس كنا قطريين، ونفرح لنجاح هذا الملف لأنّنا بالفعل نشعر أنّ ثمّة فألاً إيجابيًا لمثل هذا الحدث، وإنْ اعتراه ما اعتراه فهذا طبيعي لأي حدث .
وأثار الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) مفاجأة مع إعلانه أمس الخميس استضافة قطر لمباريات كأس العالم في كرة القدم 2022، لتكون بذلك أول دولة عربية وشرق أوسطية تحظى بهذا الحق.

ام حفصه
10 Dec 2010, 08:11 AM
بارك الله لنا في عمر وعلم الشيخ الدكتور العودة وحفظه الله من كل مكروة
وجزيت خيرا اخي ابو لؤي لهذا الانتقاء الاكثر من رائع وخساره ان لا يثبت هذا الموضوع الذي يتناول جوانب من نشاط الشيخ العودة والذي لا اخفيه ان محاضراته ودروسه اخرج منها وانا اكثر ايجابيه لمواجهه الحياة على حب وطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم ----

أبولؤى
10 Dec 2010, 08:22 AM
الإسلام اليوم/ أيمن بريك
د.سلمان العودة: من الحفاظ على كرامة المرأة ألا يتحول جمالها إلى أداة للمتعة


أكد فضيلة الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة ـ المشرف العام على مؤسسة "الإسلام اليوم" ـ أن أجمل ما يكون الإنسان حينما يكون على فطرته وصفته التي خلقه الله تعالى عليها، مشيرًا إلى أن الإعلام يتفنن في عرض الجمال الجسدي وابتذاله، لافتًا إلى أن هناك مدعاة كبيرة لمحاربة الجمال الرأسمالي.
وقال الشيخ سلمان ـ في حلقة أمس الجمعة من برنامج "الحياة كلمة"، والذي يبث على فضائية mbc ، والتي جاءت تحت عنوان "جمال" ـ: إنه من شُكر نعمة الله على الجمال ألا يُبتذل هذا الجمال أو يُمتهن أو يُعرض للعيون المتطلعة والنظرات الجائعة، موضحًا أن مسابقات ملكات الجمال لها أثر ضخم وسلبي على الحياة الإنسانية، مؤكدًا أنه من الحفاظ على كرامة الإنسان، وليس المرأة فحسب، ألا يتحول الجمال إلى أداة للمتعة.


الإعلام.. والإغراء الجسدي
وأوضح الدكتور العودة أن الكثير من البنات والشباب اليوم يشتكون من أنهم حينما يكونون بمفردهم ربما يدمنون النظر إلى الشاشات والتي فيها الكثير من المناظر، حيث يتفنن الإعلام اليوم في عرض الجمال الجسدي وابتذاله، بحيث تحول الأمر من جمال روحاني ونوراني وجمال مشرق إلى أن يكون جمالًا متكلفًا مبتذلًا وموظفًا للإغراء وللزينة وللتسويق والإثارة، وبمقابل ذلك هو لا يقدم للناس الأشياء الضرورية التي يريدون أن يعيشوها.
وضرب فضيلته مثالًا لذلك، قائلًا: إن هذا الشاب لا يستطيع أن يتزوج بسهولة، ولكنه يجد في كثير من وسائل الإعلام ألوان الإغراءات والإثارة، مشيرًا إلى أن دُور الأزياء والمواقع الإلكترونية والقنوات الفضائية وكذلك الاستعراضات الجسدية الضخمة الهائلة كما أنها أفسدت مفهوم الجمال حتى عند أصحابه، فإنها كذلك أفسدت مفهوم تذوق الجمال عند أولئك الناس، لأن الجمال لا يمكن فصله عن الحق، أو الخير، أو الحياة، لافتًا إلى أن هذا لا يعني أن الجمال موظف في هذه الأشياء، فالجمال قيمة بذاته، بل وقيمة في الكون والحياة واللغة، وعلى سبيل المثال، فإن الإنسان ربما يقرأ رواية أدبية، ويصفها بأنها جميلة، لأنها فعلًا جميلة بلغتها وبواقعيتها، حتى لو لم يكن لها مقصد محدد في البناء الاجتماعي أو التوجيه، ولكن أيضًا لابد أن يكون ثمّ حالات من التوجيه أو من الكتابة تستهدف صياغة حياة الإنسان والوفاء للقيم التي تقوم عليها المجتمعات الإنسانية.


الجمال الرأسمالي
وتعقيبًا على مداخلة تقول: إن الجمال قيمة أنزلت لتُستشعَر وتعاش وليس فقط لتهذب، وكأنها ابتلاء، قال الشيخ سلمان: هذا معنى رائع، فالجمال ليس فقط من أجل أن يُهذب وكأنه خُلق من أجل أن نمتنع منه وفقط وليس لشيء آخر، ولكن في مقابل هذا المعنى الجميل والضروري هناك صور خاصة في العصر الحاضر، وهو عصر التبرج الإعلامي، حيث هناك مدعاة كبيرة جدًا إلى محاربة ذلك الجمال الرأسمالي الذي يُقصد من ورائه "تشييء الأشياء" كما يقال، حيث تحول جمال المرأة إلى سلعة، كما تجد أن الفتاة ذات الخمس عشرة ربيعًا يوجد معها فريق من الوصيفات وفريق من الموظفين ويلبسونها ثيابها ويربطون لها حذاءها ويصحبونها والكاميرات تلاحقها في كل مكان والمجلات تنشر صورها والقنوات الفضائية تستضيفها.
وأضاف فضيلته: كما أنها تجد نفسها في حالة من الحراك المستمر والعمل الدؤوب والعروض المتسارعة خلال اليوم والأسبوع، فربما كانت يومًا من الأيام في طفولتها تحلم بالنجومية ووجدت هذه النجومية بهذه الطريقة، ولكن مع الوقت تبدأ تشعر بالإنهاك الجسدي، والخواء الروحي، والاغترار، وتبدأ تتساءل: هل سيستمر هؤلاء الناس معها حينما تفقد ولو بعض مقوماتها الجسدية أو حينما ينافسها جسد آخر يكون أكثر لياقة وشبابية؟، وعلى سبيل المثال، فقد كانت إحدى العارضات في لقاء صحفي تقول: إنها ظلت تعمل بشكل دؤوب، وفي يوم من الأيام أصيبت بإغماء أثناء التصوير، وبعدما أفاقت كان هذا الإغماء الحسي سببًا في إفاقتها العقلية، فبدأت تدرك أنه إلى متى وأنا بهذه الصورة؟ وهل هؤلاء الناس يحبونني لذاتي أم يحبونني لمجرد الاستمتاع بجمال وشيء يخصهم وهم مستعدون للتخلي عني؟ وهل معيار الجمال هو شيء أعرفه أنا عن نفسي أم الجمال هو شيء أنا أعرفه من خلال الآخرين الذين يطلبون المواعدات أو ينظرون أو يستمتعون أو يعبرون عن إحساس معين قد يكون إحساسًا بالشهوة وليس إحساسًا بمتعة الجمال الحقيقي؟.


ملكات الجمال؟!!
وفيما يتعلق بمسابقات ملكات الجمال والتي تسللت إلى البلاد العربية مؤخرًا، قال الشيخ سلمان: إن الكثيرين يحتجون على مثل هذه المسابقات حتى من غير المسلمين، مشيرًا إلى أنه عندما تكون هناك مسابقة جمال في الولايات المتحدة، أو في بريطانيا، أو غيرها، ويحدث أن يشارك فيها -أحيانًا- بعض المسلمات، فإننا نجد كثيرًا من علماء المسلمين والمراكز الإسلامية تصدر بيانات دعوة إلى عدم الاشتراك فيها، وتحريم مثل هذا الاستعراض الجسدي، والتأكيد على أنه لا يتناسب مع قيم الإسلام الذي يوصي بحفظ هذا الجمال، مؤكدًا أنه من شُكر نعمة الله تعالى على هذا الجمال ألا يُبتذل أو يُمتهن أو يُعرض للعيون المتطلعة والنظرات الجائعة، لافتًا إلى أن هذه المسابقات أثرها ضخم جدًا وسلبي حتى على الحياة الإنسانية.
وأضاف فضيلته أن هناك من يظن أن كثيرًا من ملكات الجمال كما يسمونهن وعارضات الأزياء في قمة السعادة، لأن كل شيء متوفر عندهن، والأموال موجودة، والسيارات الفخمة الحديثة، والموديلات الجديدة، والكاميرات تلاحقهن في كل مكان، ويتصدرن صفحات المجلات، وأشياء كثيرة من هذا القبيل، ولكن الواقع أن كثيرًا منهن تصرّح بأن الأمر عكس ذلك تمامًا، فكل واحدة منهن تشعر في داخلها بخواء، وأنها تلهث بسرعة حتى لا تفقد الفرص، كما تشعر بالخطر الشديد من منافسة أو تأثير الزمن وتجلياته وآثاره على وجهها وعلى كثير من المعالم التي تتأثر في الجسد.


القبح المتخيّل
وأكد الدكتور العودة أنه من الحفاظ على كرامة المرأة، بل وعلى كرامة الإنسان بحد ذاته، رجلًا كان أو امرأة، أن لا يتحول الجمال إلى أداة للمتعة، مشيرًا إلى أن الجمال قبل أن يكون جمال الجسد، فإنه جمال الأخلاق، وجمال الروح، وجمال الإيمان بالله، وجمال التواضع ومعرفة النفس، وجمال القدرة على التكيف مع الظروف المختلفة، فالجمال هو عبارة عن شيء ينبثق من داخلنا، فليس عطاء الآخرين لنا أو انطباعهم عنا هو ما يعبر عن الجمال، ولذلك فإننا نجد أن بعض الناس عندهم مشكلة ما يسمى بـ"القبح المتخيّل"، وعلى سبيل المثال، فإن أكثر من عشرة ملايين إنسان في الولايات المتحدة الأمريكية يعالجون في المصحات النفسية مما يسمونه بـ "القبح المتخيّل"، حيث يتوهم الإنسان أنه قبيح مع أنه قد يكون جميل الصورة، ولذلك بعضهم دائمًا تجد أن المرآة معه في كل مكان، وينظر باستمرار إليها بشكل غير منقطع، وقد يكون هذا بسبب تأثير الطفولة، أو بسبب تعيير من الوالدين -أحيانًا- بطريقة مازحة، مثل الأب الذي دائمًا يعيّر ولده، ويقول له يا "أبو خشم"، على سبيل الدعابة، لكن الابن لم يتقبل هذه المزحة، ويكبر وهو يشعر بمشكلة في أنفه، وقد يقول الناس: أنفك ما مثله أبدًا، لكن هو غير مقتنع.
وأردف فضيلته: وكذلك عندما يقول الأب لابنه "يا دبدوب"، حيث تجد أن الابن يكبر ويشعر بأنه سمين وأن وزنه أكبر من اللازم، مما يولّد عنده حالة اكتئاب، كما أن الأم التي كثيرًا ما تعاتب بنتها على كثرة الوقوف أمام المرآة تلقي عليها كلمات تورّث عند البنت حالة معينة، حيث تشير دراسات عديدة إلى أن 63% من نساء العرب عندهن إحساس بالخوف على الأقل من أن لا يكن جميلات، وهذا يجعل هناك عشرات المليارات تصرف سنويًا على عمليات وأدوات التجميل والمكاييج وغيرها، مشيرًا إلى أن هناك مثلًا أو كلمة، تقول: "نحن نحب الجمال، ولكن القبح أيضًا نحن نشفق عليه فنحبه".


عمليات التجميل
وفيما يتعلق بأن هناك المليارات التي تهدر على عمليات التجميل، قال الشيخ سلمان: لقد قسمنا العمليات التجميلية إلى ثلاثة أقسام:
1 ـ الإصلاح: ومن ذلك أن يكون عند الإنسان أصبع زائد أو خلل معين في الجسم فيتم تعديله، فهذا لا شك أنه جائز.
2 ـ التغيير: وهو متفق على تحريمه، يقول تعالى: (وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ) (النساء: من الآية119)، أي: تحويل الذكر إلى أنثى أو تحويل الأنثى إلى ذكر، هذا إذا كان فعلًا هناك ذكر يريد أن يتحول إلى أنثى، أو أنثى تريد أن تتحول إلى ذكر، لكن في حالة وجود إنسان مشكل، أي: فيه صفات الذكورة وصفات الأنوثة فإن هذا يخضع لأحكام شرعية وفقهية وتقديرات طبية مختلفة.
3 ـ التحسين: ومن ذلك مثلًا شد الصدر أو شفط الدهون أو شد الوجه أو نفخ الشفتين أو الأسنان أو ما أشبه ذلك، فهذه التي ربما يكون منها الشيء الذي يحتاج إليه حاجة شديدة من خلال وجود ضرر أو حرج نفسي، وفيها ما لا يحتاج إليه وأنه مجرد طلب المزيد أو مجرد الاستمتاع أو متابعة الموضة أو تقليد مذيعة عربية أو غير عربية بسبب كثرة نظرة البنات إليها، حيث تجد أن كثيرًا منهن ربما تقترح على أهلها ليس فقط أنها سوف تقوم بتصفيف شعرها على وفق نظرتها لكن ربما حتى إجراء عمليات معينة، وهذا نوع من العبث بخلق الله -سبحانه وتعالى- وتضيع الأموال وتضييع حاضر الإنسان ومستقبله، وذلك لأن الإنسان ربما تتغير نظرته ويتغير مزاجه وقد يُغير من الأفضل للأسوأ أحيانًا، وفيها ما هو بين ذلك مما هو محل اجتهاد للفقهاء.


التوعية مطلوبة
وردًّا على سؤال يقول: لقد كان في السعودية ثلاثة أو أربعة مراكز تجميل، لكن الآن أصبح هناك أكثر من خمسة وثلاثين مركزًا للتجميل و85% من الزبائن وهن من النساء، فإلى أين يمضي المؤشر؟ وهل نحن الآن في حدود المعقول أم أن الأمر تحول إلى ظاهرة سلبية؟، قال الشيخ سلمان: إنني أعتقد أن الأمر فيه جانب سلبي كبير، من خلال تأثير وسائل الإعلام، وعروض الأزياء، وعروض الجمال، والتواصل الكوني الضخم، وضخّ دور الأزياء العالمية التي يقف خلفها كثير من الأثرياء والتجار والرأسماليين، وأيضًا الشركات والمصانع تقوم أساسًا على هذا الاستعراض الجسدي. كل هذا له تأثير ضخم على البنات بدرجة أساسية، لأن البنت أكثر تطلبًا للجمال، وكذلك الأولاد طبعًا يقع من جرّاء ذلك لهم قدر ونصيب، مما يؤكد على ضرورة التوعية بهذا المعنى، والتركيز على أن الإنسان أجمل ما يكون حين يكون على فطرته وصفته التي خلقه الله تعالى عليها.
وأضاف فضيلته أنه فيما يتعلق بالمكياج العادي أو الكحل أو بعض المساحيق التجميلية العادية، فإن هذه ربما يكون مظهرًا لإبراز جمال الأنثى، لكن هناك عمليات تجميل فيها تغيير وتحكّم ولها آثار سلبية، وبعضها ربما يكون كبيرًا، متسائلًا: لماذا لا نتوقع أن هناك مبالغة إذا كان هناك قنوات فضائية متخصصة لاستعراض هذه العمليات وعرض البنات قبل العملية وبعد العملية وبطريقة مفرطة جدًا، والكثيرون يتابعونها، حيث لا تستطيع أن تقول إن هذه قناة أمريكية أو شرقية أو غربية، لأن الفضاء مختلط تمامًا؟!


غض البصر
وردًّا على سؤال يقول: لقد أودع الله في الجنس البشري فطرة حب الجمال وأودع الجمال أيضًا في بعض من بشره، فما الذي يباح للرجل أن ينظر إليه في غير العلاقة الزوجية؟ وكيف يمكن أن ينظر؟ وماذا عن النظرة الأولى؟ وما الحكمة من غض البصر؟ وإلى أي مدى يغض الرجل نظره؟ قال الشيخ سلمان: إنه لا شك أن الجمال قد يوجد مع الحلال وقد يوجد مع الحرام، فهذا أمر واضح في الشريعة، وعلى سبيل المثال، فإن الله -سبحانه وتعالى- حرّم على الرجال لبس الحرير، وهذا لا يعني أن الحرير ليس فيه جمال، وهكذا عدد من الأشياء التي ربما يكون الحكم فيها المنع أو يبتلى بها الإنسان، والإنسان لا يُبتلى إلا بما يحب، ولذلك لم يخلق الله في الإنسان غريزة أو حاسة إلا وخلق في الكون ما يستجيب لها، سواء غريزة التملك أو غريزة النظر إلى الأشياء الجميلة أو غريزة الاستماع أو غريزة الكلام، فكل الغرائز المخلوقة في الإنسان خلق الله في الكون وفي الحياة ما يوافقها ويستجيب لها، وبإزاء ذلك خلق الله أشياء ابتلى الإنسان بغض الطرف عنها، كما قال الله -سبحانه وتعالى-: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ)(النور: من الآية30)، وقال -سبحانه وتعالى-: (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ)(النور: من الآية31)، ولم يقل سبحانه وتعالى: (يغضوا أبصارهم)، ولكن قال عز وجل: (يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ).
وأضاف فضيلته أن هذا دليل على أن البصر لا يُغض مطلقًا فهناك، جمال مباح وجمال مشروعٌ الاستمتاعُ به، وجمال معفو عنه، مثلما جاء في قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "اصرف بصرك، فإن لك النظرة الأولى وليس لك الثانية"، مما يشير إلى أن كون الإنسان نظر نظرة عادية ليس فيها تشهٍّ ولا تؤثر على قلبه، والمعيار أو الترمومتر الداخلي الذي يعبر عن اتجاه النظر في داخلك، فهذا لا شيء فيه؛ ولذلك فالإنسان على نفسه بصير، فليست العبرة بالكلام أو بالحدود، وإنما العبرة بمؤشر في داخل النفس يعرفه الإنسان، فالأمر يتوقف على الغرض من النظرة، وامتداد هذه النظرة وأثرها، فهناك حديث عند الحاكم، وإن كان فيه مقال، لكن معناه جيد- أنه "إذا غض الإنسان بصره عن شهوة حرام أورثه الله تعالى إيمانًا يجد لذته في قلبه"، وكما يقول الشاعر:


كل الحوادث مبدأها من النظر ومعظم النار من مستصغر الشرر
فالكثير من المصائب التي تصيب القلوب والحب الذي يفضي -أحيانًا- إلى ضرر عظيم ربما يكون بسبب إدمان النظر.


مفهوم الجمال
وفيما يتعلق بمعنى أو مفهوم الجمال، قال الشيخ سلمان: إن الجمال في حد ذاته معنى ربما تستطيع القلوب أن تتعامل معه وتفهمه، لكن تحار العقول واللغات في تعريفه، فدائمًا ما يقولون: إن أكثر الأشياء مرورًا على الألسنة وترديدًا هي أكثر الأشياء غموضًا وإعجازًا، ولعل تذوق الإنسان للجمال، ومعرفة وجوده هو سر من أسرا الله -سبحانه وتعالى-، ولذلك فإن الجمال محل إطباق وإجماع من الناس، وكذلك التفريق بين الأشياء الجميلة وغير الجميلة، والتعاطي مع هذه الأشياء والسعي في تحصيلها.
وأضاف فضيلته: ولكن يختلف الناس بعد ذلك في تعريفات الجمال وتجلياته، وهل هو حقيقة ذاتية موضوعية في الأشياء أم هو صفة منطبعة على النفس تختلف تبعًا لذلك من شخص إلى آخر، ولذلك فإننا نجد أن معايير الجمال ليست محل اتفاق بين الفلاسفة ولا بين العلماء ولا بين الشعوب ذاتها، فالجمال هو من الأشياء التي نرددها دائمًا ونتعاطى معها وبشكل بسيط، حتى الأطفال الصغار، ولكن أكبر العلماء والفلاسفة لم يستطيعوا أن يصلوا إلى ما نعبر عنه بأنه تعريف محدد وموضوعي وجامع ومانع لفكرة الجمال.


هجر جميل
وفيما يتعلق بورود لفظ "الجمال" في القرآن الكريم، قال الشيخ سلمان: لقد ورد في القرآن لفظ الجمال ثماني مرات؛ فمرة بلفظ "جمال"، كما يقول تعالى: (وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ) (النحل:6)، حيث نجد أن لفظ الجمال في هذه الآية الكريمة يتعلق بالحيوان وما يملكه الإنسان، يشمل جمال الأشياء، أي: جمال صورها، كما يشمل جمال التملك لها والشعور بامتلاكها وسماع أصواتها ومشاهدتها، فكل ذلك من الجمال، ولهذا قال تعالى: (وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ)، حيث نجد أن في الآية معنى قرآنيًا رائعًا، وهو أن الله تعالى لم يصفها أنها جميلة، وإنما قال لنا أننا نملك فيها الجمال، مما يؤكد أن الجمال ليس فقط الشيء الحسي بالأشياء، وإنما هو إحساسنا بتملكها وبنعمة الله تعالى علينا، ولذلك فإن الإنسان ربما يستجمل أشياء لأنها جزء من طبيعته وعادته وشخصيته ومتعته، ولا يستجمل أشياء أخرى لأنها لا تخصه أو لأنها لعدوه، وهذا معنى القرآن.
وأضاف فضيلته: كما ورد الجمال في سبعة مواضع بلفظ الجميل وليس الجمال، وهذا أمر ملفت للنظر، وقد قمت ذات مرة بجمع الآيات التي فيها هذا المعنى فوجدت، على سبيل المثال، أن في قوله تعالى: (وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا)(المزمل: من الآية10)، خطابًا للنبي -صلى الله عليه وسلم-، ودعوة لهجر المعاندين والمستكبرين والمعادين، ولكن مع ذلك وصف الهجر بأنه جميل، مما يشير إلى أن الهجر المقصود في هذه الآية هو الهجر الذي ليس فيه جفاء أو إغلاظ أو اعتداء أو بغي، ولكنه عبارة عن نوع من المتاركة الجميلة التي تهيئ لمصالحة؛ ولهذا قال تعالى: (عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً)(الممتحنة: من الآية7)، مما يؤكد أنه يوجد ما يسمى بـ"الهجر الجميل"، وذلك في حالة الهجر والترك والمصارمة.


صفح.. وجمال أخلاقي
وأردف الدكتور العودة أن الله -سبحانه وتعالى- يقول في موضع آخر: (فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا) (المعارج:5)، وفي هذا إشارة إلى حالة المخالطة؛ ولهذا ـ كما في الحديث ـ فإن «الْمُؤْمِنُ الَّذِى يُخَالِطُ النَّاسَ وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ أَعْظَمُ أَجْرًا مِنَ الْمُؤْمِنِ الَّذِى لاَ يُخَالِطُ النَّاسَ وَلاَ يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ»، فالله عز وجل في هذه الآية الكريمة وصف الصبر مع الناس بأنه جميل، كما قال تعالى في آية ثالثة: (فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ)(الحجر: من الآية85)، فكلمة الصفح في هذه الآية تشير إلى العفو والتجاوز وفتح صفحة أخرى مع الناس في حال حدوث أي مشكلة، كما أن وصف الصفح بأنه جميل، إشارة إلى أن الله تعالى يحب العفو والصفح: «إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّى»، فهذه من المعاني الجميلة التي تشير إلى أنه في حالة المخالطة يجب أن يكون هناك الصفح الجميل والصبر الجميل، وفي حالة المتاركة يكون هناك الهجر الجميل.
وتابع فضيلته: بل لقد وجدت في القرآن الكريم قول الله -سبحانه وتعالى-: (فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا)(الأحزاب: من الآية49)، وهذا فيما يتعلق بحالة الانفصال بين الزوج والزوجة، أي أنه لا يكون هناك سبّ ولا عيب ولا نقد ولا تعيير ولا استذكار للماضي ولا شيء من هذا القبيل، ولكن سراح فيه جمال وأخلاق، متسائلًا: أنه إذا كان الأمر هكذا في حالة الفراق، فكيف سيكون الأمر في حالة الإمساك؟، لافتًا إلى أنه سيكون أكثر جمالًا وأخلاقًا، بحيث تكون حالة العلاقة الزوجية من المعاني التي يُطلق عليها لفظ الجمال، فالجمال الحسي معروف، لكن المقصود في هذه الآية هو الجمال الأخلاقي والمعنوي في التعامل بين الرجل والمرأة.


المثلث الأفلاطوني.. وكتاب الجمال
وذكر الشيخ سلمان أن العلماء كثيرًا ما يتحدثون عما يسمونه بـ"المثلث الأفلاطوني"، والذي يتمثل في "الحق، والخير، والجمال"، حيث توارد العلماء على ذكر أن هذه القيم الثلاث هي القيم الأساسية، فقيمة الحق متعلقة بالمعرفة وحقائق المعرفة، وقيمة الخير متعلقة بالأخلاق، وقيمة الجمال متعلقة بتذوق الجمال والعلاقة بين الأشياء، مشيرًا إلى أننا عندما ننظر إلى القرآن الكريم نجد أنه يوجد به إشارة إلى هذه الأشياء الثلاثة في سياق واحد دون أي تكلف، حيث يقول الله -سبحانه وتعالى-: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ)، حيث ذكر كلمة الحق الذي هو المعرفة الصحيحة، ثم يقول تعالى: (وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ) (الحجر:85)، فذكر الجمال، وفيما يتعلق بالخير الذي هو الأخلاق فإن هذه القيمة واضحة من خلال قوله تعالى: (فَاصْفَحِ)، فالصفح هو قمة الأخلاق والعفو والتجاوز عن المخطئين، فهذه المعاني الثلاثة كلها مدرجة في هذه الآية الكريمة، فالقرآن الكريم هو كتاب الجمال، لأنه به جمال اللغة، وجمال التعبير، وجمال التشريع.
ولفت فضيلته الانتباه إلى أنه فيما يتعلق بذات الله -سبحانه وتعالى- الذي وصفه النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: «إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ»، فإنه يوجد في القرآن الكريم وفي حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- أن الله -سبحانه وتعالى- جميل في ذاته جمال الذات، وصفاته، فله من الصفات العليا أجملها وأكملها وأعظمها وأزكاها، والصفات السالمة من كل النقائص، فنحن عندما نصف شيئًا بأنه جميل نعني أنه يتحقق على أكمل الوجوه، وأنه سالم من المنغصات أو العوارض العكسية، فالله -سبحانه وتعالى- له من الصفات أجملها وأكملها وأزكاها.


جمال التشريع
وأوضح الدكتور العودة أن الجمال في الذات الإلهية هو أيضًا جمال التشريع، لأن تشريعات الله -سبحانه وتعالى- وأحكامه هي في غاية القوة والإحكام والحكمة والجمال، حتى لو كان فيها تأديب فإن مقصدها ونهايتها هي الجمال، وكذلك جمال الله تعالى في مخلوقاته؛ من خلق السماوات وخلق الأرض وخلق الإنسان، فهذا الجمال الذي في الكون هو خلقه -سبحانه وتعالى-، بل إن ذلك يشمل أيضًا جمال القَدَر فيما يُقدّر الله -سبحانه وتعالى- وفيما يفعل وفيما يترك وحتى فيما يكره الإنسان، وعلى سبيل المثال، فقد جاءني هذا الأسبوع عدة رسائل إخطار عن وفيات شباب وبنات، كبارًا وصغارًا، وحوادث، وأمراض، وكأن هذا الأسبوع هو أسبوع الحصاد، وكما يقول الشاعر:


ربما تكره النفوس من الأمر له فرجةٌ كحل العقال
فالجمال الإلهي في جمال الشريعة؛ في أوامرها ونواهيها وعقوباتها، وعلى سبيل المثال، فإنه عندما يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّ أُمَّتِى يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ أَثَرِ الْوُضُوءِ فَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ فَلْيَفْعَلْ»، وفي رواية أنهم سألوه: كيف تعرف أمتك أو من لم يأت من أمتك؟ قال -صلى الله عليه وسلم-: "بالغرة والتحجيل من أثر الوضوء"، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- يبين أنه يعرف يوم القيامة من لم يأت من أمته بجمال الوجوه الجمال النوراني الذي هو أثر من جمال دنيوي فيه طاعة لله -سبحانه وتعالى- بالوضوء والطهارة والنظافة، مما يشير إلى أن التشريع يحفز على الجمال، وكان -صلى الله عليه وسلم- جميلًا في كل شيء..


نَبيٌ رَماهُ اللَهُ بِالحُسنِ يافِعًا لَهُ مِنْ كُلّ مَكْرُمَةٍ صُوَر

وَلَمّا رَأى المَجدَ اِستُعيرَت ثِيابُهُ تَرَدّى رِداءَ سابِغَ الذَيلِ وَأتَزَر

كَأَنَّ الثُرَيّا عُلِّقَت في جَبينِهِ وَفي خَدِّهِ الشِّعرى وَفي جيدِهِ القَمَرْ
فقد كان، صلى الله عليه وسلم، مثل الشمس والقمر، كما يقول جابر بن سمرة.


الجمال.. والفطرة
وتعقيبًا على مداخلة تقول: إن الفطرة الإنسانية أودعها الله استحسانًا لجمال البشر، قال الشيخ سلمان: إن تذوق الجمال هو شيء فطري بدون شك، فالله أودع في النفوس تذوق الجمال المادي، والذي هو الانطباع الأول، وعلى سبيل المثال، فإن الإنسان عندما يرى الأشياء أو الأشخاص للمرة الأولى، فإنه ربما يستحسن هذه الأشياء بشكل عفوي، حتى حينما يكون أميًّا أو غير متعلم فإنه ربما يحكم على الصور وعلى الأشياء بجماليتها أو بضد ذلك، ولكن الجمال المادي أو الحسي هو أيضًا أول الأشياء ذبولًا إذا كان بمفرده، فإذا لم يكن هذا الجمال الحسي الذي يفيض على الملامح والعينين والوجه والقسمات والقامة والشفتين مدعومًا بجمال الروح المتألقة بجمال العقل العارف الواعي المثقف، وبجمال اللغة الكريمة التي يتعاطى بها الإنسان، وجمال العلاقة التي يحكمها الإنسان مع الآخرين، وجمال التواضع، فإنه كثيرًا ما يداخل الغرور هذا الجمال، ولذلك فإن العوام كثيرًا ما يقولون: البنت العادية أكثرًا حظًا من البنت المفرطة في الجمال، وهذه ليست قاعدة، لكنها تحدث -أحيانًا- بسبب أنه ربما يخالط الجمال شيء من الغرور، ولا شك أن الغرور الأخلاقي هو نهاية القبح؛ ولذلك فإن الغرور لا يجتمع مع الجمال الحسي الحقيقي، فسرعان ما يظل هذا الجمال الحسي سحابة أو غمامة من الظلام والكآبة والاكتئاب الذي يمنع من كمال الاستمتاع به.
وأردف فضيلته أننا حينما ننظر إلى هذا الكون الذي هو بيتنا ومسكننا، فإن النظرة المادية للجمال تجعل الناس يقفون فقط عند حدود أو جدران هذا المسكن، بينما إذا كان عند الإنسان جمال الروح، وجمال الإيمان بالله -سبحانه وتعالى- فإنه سيتجاوز حدود هذا المسكن أو هذا البيت وجدرانه إلى تذوق الجمال الأعظم، وهو الجمال الإلهي، مضيفًا: لقد سألت نفسي هذا الصباح عما إذا كنت أتعرّف إلى ربي بكونه جميلًا كما أخبر عنه نبيه -عليه الصلاة والسلام- لأتجاوز حدود الجمال المادي والحسي إلى الجمال الأعظم، يقول تعالى: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) (القيامة:23،22)، من انتظار رؤية الله -سبحانه وتعالى- في الدار الآخرة ورؤية هذا الجمال الذي لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر؟، مشيرًا إلى أن هذا من المعاني الضخمة والهائلة والكمالات والجلال والنورانية، مؤكدًا أن الإنسان بحاجة إلى أن يمر بقلبه ولو سريعًا على بعض هذه المعاني ويقف عندها.


جمال.. وزينة
وردًّا على سؤال يقول: ما الفرق بين الجمال والزينة؟، قال الشيخ سلمان: إن الجمال هو عبارة عن إحساس الإنسان بالشيء، واحتج بقوله -سبحانه وتعالى-: (وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ)(النحل: من الآية6)، مما يشير إلى أن الجمال هو عبارة عن انطباع الإنسان عن الأشياء، فهو ليس وصفًا ذاتيًا للأشياء، وإنما هو تعبير عن رؤية الإنسان نفسه، بينما الحسن قد يكون وصفًا ذاتيًّا، كما يقول محمود غنيم:


قد يأخذ الحسن بالألباب متزرًا وليس يأخذ بالألباب عريانًا

إن الفتاة إذا أخفت محاسنها أفضى إليها الكمال الحسن ألوانًا
والله -سبحانه وتعالى- يقول في محكم التنزيل ـ وقوله أبلغ ـ للنبي -صلى الله عليه وسلم-: (لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ)(الأحزاب: من الآية52)، ولم يقل: (ولو أعجبك جمالهن)، مما يشير إلى أنه صفة ذاتية، سواء كان ذلك متعلقًا بحسن المرأة ـ أو أي شيء آخر ـ بحيث يكون الحسن صفة فيها، أو يوجد فيها مجموعة من المواصفات التي تجعلها توصف بأنها حسناء، في حين أن الجمال ربما فيه توسع في اللغة، لكن لو اجتمعا لكنا نعبر بأن الجمال هو انطباع الإنسان، الذي يشاهد الحسن، عن هذا الحسن، فيُعبر عنه بأنه جمال؛ ولهذا قال -سبحانه وتعالى-: (وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ) (النحل:6).
وأضاف فضيلته أنه فيما يتعلق بـ"الزينة"، فإنه قد ظهر لي من جمع الآيات القرآنية الواردة في كلمة "زينة" أن الزينة تطلق على ما يتكلفه أو ما يفعله الإنسان، ولهذا قال: (مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ)(طـه: من الآية59)، لأن الناس يجتمعون ويعرضون أجمل وأزين ما لديهم، وكذلك عندما قال -سبحانه وتعالى-: (وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً)(النحل: من الآية8)، أي أن الناس يتزينون بها ويزينونها، وهكذا في نصوص كثيرة جدًا، يقول تعالى: (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ)(الحديد: من الآية20)، أي: يُزين الناس بها ويتزينون بها، حتى المال يتزينون به، مشيرًا إلى أنه فيما يتعلق بقوله تعالى: (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا)(النور: من الآية31)، فإن الذي يظهر لي من أقوال المفسرين أن المقصود بالزينة في هذه الآية هو الزينة التي تتصنعها المرأة وتتكلفها؛ ولهذا قال بعضهم: الكحل، وقال بعضهم: الخضاب، لأن هذا مما لا سبيل إلى إخفائه، وعلى ذلك فإن لفظ الزينة يقصد به ما يتكلفه الإنسان ويفعله.


الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ
وأردف الدكتور العودة: بينما هناك لفظ ربما يكثر ترداده في القرآن الكريم، وهو ليس ببعيد عنها، وهو لفظ التسوية، حيث تجده -مثلًا- في قوله -سبحانه وتعالى-: (الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ) (الانفطار:7)، أو قوله تعالى: (الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى) (الأعلى:3،2)، مشيرًا إلى أن لفظ التسوية ليس ببعيد عن هذه المعاني، وكأنه يجمعها كلها، فأساس الزينة وأساس الجمال وأساس الحسن هو وجود قدر من التناسق في خلق الله، يقول تعالى: (مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ * ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ )(الملك: من الآية4،3)، فهذا جمال الصورة، وكذلك عندما يقول الله -سبحانه وتعالى-: (وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ)(النحل: من الآية78)، فإن السمع من أجل الاستمتاع بالأصوات الجميلة، لافتًا إلى أن الشريعة ليست منابذة ولا مناقضة ولا معاندة للصوت الجميل إذا كان هذا الصوت الجميل يدعو إلى خير أو إلى بر أو معروف أو إلى معنى جميل ليس فيه فتنة ولا إثارة ولا إغراء بالفاحشة.
واستطرد فضيلته: وكذلك الصورة، فالله -سبحانه وتعالى- عندما يقول: (وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ)، فإن الأبصار من أجل منّة ونعمة النظر إلى الجمال؛ سواء أكان هذا الجمال في الكون، أو في خلق الله -سبحانه وتعالى-، أو النظر المباح أو النظر المشروع، فقد يكون النظر واجبًا -أحيانًا-، وكذلك قوله -سبحانه وتعالى-: (وَالْأَفْئِدَةَ)، فالجمال المعنوي والروحاني يُدرَك بالقلب والفؤاد، وإن كان العقل قد يعجز عن تعريفه، ولكن يكفي الإحساس باللذة والمتعة والبهجة والنعمة الإلهية في خلق هذه الأشياء.
وفيما يتعلق بأن هناك من يرى أن المشكلة تكمن في أن الرجل العربي يربط الجمال بالمرأة فقط، وأن المرأة العربية محظوظة نسبيًا، لكون الشعراء القدامى وصفوا منثور شعرها وبريق مقلتيها ونور وجهها الذي اختفى حاليًا مع الضغوط، قال الشيخ سلمان: إنهم لا يصفون شيئًا محددًا، فهذا الجمال لا وجود له إلا في الأعيان، كما يقال، والأذهان فقط، مثل إنسان يتخيل ويصف، كما أنك عندما تقرأ في كتب الأدب أو حتى في الكتب المعاصرة مواصفات الجمال عند الشعوب أو غيرها، فإن هذا ليس له وجود إلا في أعيان في فلانة وفلان أو في البلد الفلاني أو في النهر الفلاني أو الغابة الفلانية أو في المقطوعة الشعرية الفلانية، فالجمال في هذه الحالة وجوده في أشياء محددة.
وأضاف فضيلته أن شعوب العالم كلها غالبًا ما تفتتن بالجمال الحسي وتقدمه على غيره، ولكن في الحضارات ذات البُعد الإيماني مثل الحضارة الإسلامية تجد معاني الجمال عن الإحساس بجمال الله -سبحانه وتعالى- والتعرّف إلى الله تعالى، إضافة إلى جوانب أخرى، مثل: الحب والخوف والرجاء، وكذلك بالنسبة للنبي -صلى الله عليه وسلم- عندما يوصف بالجمال، فإن المقصود هو هذا الوصف، وكذلك يوسف -عليه الصلاة والسلام- كما في سورة يوسف: (فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ)(يوسف: من الآية31)، والنبي -صلى الله عليه وسلم- قال عنه: إنه أوتي شَطر الحسن.


جمال النبوة
وأوضح الدكتور العودة أن هذا الجمال هو بدون شك جمال حسي في جودة المواصفات، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- كان في وجهه استدارة القمر ونور الشمس، وكذلك في شعره وفي عينيه وفي شفتيه وفي وجنتيه وفي أنفه وفي شعر رأسه وفي قامته، ولكن مع ذلك كان جمال الأخلاق عنده -صلى الله عليه وسلم-، وجمال الصفح، وجمال العقل الكبير، وجمال النبوة التي تجري في دمه -صلى الله عليه وسلم- وجمال الإعجاب، فأولئك الصحابة الذين وصفوا النبي -صلى الله عليه وسلم- ما وصفوه بعيني إنسان بعيد، وإن كان حتى البعيد شهد له بذلك، لكن الصحابة وصفوه بعيني محب، وهذا من جماله -صلى الله عليه وسلم-.
وذكر فضيلته: ولذلك فإنهم كما يقولون: "الحب أعمى"، مما يؤكد أن الجمال ليس معيارًا ذاتيًا موضوعيًا وإنما هو يعتمد على تذوق الإنسان، لافتًا إلى أننا عندما نقول: إن "الجمال أعمى"، فإن هذا يشير إلى أن إنسانًا ربما تكون عنده زوجة عادية جدًا وقد يكون في نظر الناس أجمل منها, ولكن هو لا يرى في النساء إلا هي، وذلك لأنه من خلال معاشرتها والجلوس معها وجد أنها استحوذت عليه وملكت زمامه وأشبعت الحاجات النفسية والعقلية والجسدية الموجودة عنده، فتحقق بذلك معنى الجمال فيها.


توهم القبح
وتعقيبًا على مداخلة من مشاركة، تقول: إن الجمال نسبي يختلف من شخص لآخر، لكن القبح يكاد يكون متفقًا عليه، وأنا أعاني من أن بطني بعد ثلاث ولادات أصبح قبيحًا، قال الشيخ سلمان: إن القبح نسبي أيضًا، ولكن المشكلة تكمن في أن الأخت صاحبة المداخلة عندها إحساس قوي بأن بطنها بعد ثلاث ولادات أصبح قبيحًا جدًا، وهذا إحساس عندها، فجزء عندها هو إحساسها، في حين أنه ربما الآخرون لا ينظرون إلى الشيء بنفس القدر، لكن عندما تشعر هي بأن هذا الشيء قبيح، فإنه يصبح هناك مشكلة نفسية -أحيانًا-، لافتًا إلى أن بعض العمليات قد ينصح بها ليس فقط لتغيير الجسم أو مشكلة في البدن بقدر ما هي نوع من المعالجة النفسية لهذا الإحساس الذي يصعب إزالته عن النفس، فعندما يشعر الإنسان بأنه قبيح فعلًا، فإن هذا الإحساس يحتاج إلى معالجة، وأن يعيد الإنسان النظر في ذاته، وأن لا يدخل عنده الوهم.
وأضاف فضيلته أن الوهم في بعض الأحيان يكون أكثر خطورة من الحقيقة، فإذا كان عند الإنسان حقيقة معينة وهي أنه قبيح، فإنه من الممكن أن يعالج هذا القبح، لكن إذا كان عنده توهّم القبح، فإن هذا يحتاج إلى عملية تجميلية نفسية لإزالة هذا الإحساس بالوهم، مشيرًا إلى أنه فيما يتعلق بهذه الحالة فإنه يمكن أن ينظر في الأمر طبيب إذا كان هناك تأثير كبير على العلاقة الزوجية ويؤثر على وضعها النفسي وعلى علاقتها الزوجية، وربما هذا يتمادى بالتأثير على العلاقة بين الزوجين، والأطباء ينصحون بها، وليس لها آثار ضارة أو تداعيات سلبية، فيخضع إلى ما يمكن أن يقرره الأطباء.


جمال الانطباعات
وفيما يتعلق بأن المرأة قد يربكها جانب معين وتنسى المقومات الجمالية الأخرى، قال الدكتور العودة: هذا صحيح، فضلًا عن الاعتياد، لأنه غاية الجمال، وعلى سبيل المثال، فإن مخالطة أجمل الناس جمالًا مرة ومرتين وثلاثًا وأربعًا وخمسًا، تنسي أنه جميل، وتصبح تنظر إليه بشكل عادي، لأن هذه النظرة أصبحت مألوفة، وليست كالنظرة الأولى تستدعي عندك نوعًا من الإعجاب، وعلى العكس من ذلك، فإن الكثير من الناس الذين يجلسون معي طويلًا فإن الإنسان ربما لا يستطيع أن يصف ملامحهم.
وأضاف فضيلته أن ذلك يرجع إلى أن الملامح في هذه الحالة تكون ملامح نفسية، بأن هذا الإنسان أحبه، أو أرتاح له، أو معجب به، ولذلك فإن الملامح بحد ذاتها قد ذابت أو تلاشت أو تماهت عندي؛ مما يؤكد أن غاية الجمال أو حتى وجود القبح مع المخالطة والمجالسة يذهب وتبقى الانطباعات، أو الجمال الروحي وجمال الانطباع وجمال الأخلاق وجمال العلاقة بين الطرفين.


نكران الجميل
وتعقيبًا على مداخلة من مشارك، يقول: إن بعضهم إذا بلغ من العمر مبلغًا هو وزوجته فإنه ما زال يلجأ إلى الهجر الجميل معها، قال الشيخ سلمان: إن الهجر بين الزوجين لا يسمى الهجر الجميل، فالله -سبحانه وتعالى- عندما ذكر السراح الجميل فيما يتعلق بالطلاق، فإن مقابله الإمساك الجميل، كما قال: "فإمساك بمعروف"، فالإمساك الجميل أو الإمساك بمعروف لا يتفق مع الهجر الجميل للزوجة، ولكن الهجر الجميل يكون مع الخصوم أو الأعداء الذين يتطلب الأمر أن يصبر عليهم الإنسان ويهجرهم هجرًا جميلًا، فلا يكافئ السيئة بالسيئة، ولكن يعفو ويصفح قدر المستطاع، ويتجاوز.
وأوضح فضيلته أن النبي -عليه الصلاة والسلام- نهى عن هجر الزوجة إلا في حالة خاصة، وفي الفراش، وفي وقت معين، ولا يجوز أن يستمر هذا الهجر إلى ما لا نهاية، مشيرًا إلى أن القيام بهذا الأمر بعد سن الستين أو السبعين قد يعد نوعًا من نكران الجميل، لأن هذا الإنسان تمر عليه الأيام والليالي ويهرم ويكبر وتبدأ التجاعيد في وجهه، ويبدأ العجز والضعف في بدنه، وهو يحمل ملف من الأخطاء والسقطات، مؤكدًا أن الوفاء من أعظم معاني الجمال والأخلاق. وعلى سبيل المثال، فإنني أذكر أن امرأة تقول لزوجها: تعاملني بهذه الطريقة بعد أربعين سنة؟! قال: والله ما لك عندي عيب إلا هذا!


معانٍ بسيطة.. ولكن
وتعقيبًا على مداخلة من مشارك في الموقع الإلكتروني للبرنامج، يتحدث عن أن الجمال لا يمكن أن يحصر فقط في الجمال البشري بل في لثغة الطفل الصغير وهو يقول "بابا "، وفي السجود، وفي ساعات السحر، وفي حضن الأم
لافتًا إلى أن هذه المعاني البسيطة، أو كلمات الأم الجميلة، وتذوق العلاقة مع الله -سبحانه وتعالى- لا تكون مجرد إحساس بالعبء أو التكذيب كما يسميه بعض الفقهاء، ولكن الإحساس بجمالية هذه العلاقة، بكرم الله وعطائه في السجدة، حينما يسجد الإنسان ربما لدقيقة أو نصف دقيقة، تضخ في عقل الإنسان وفي روحه طاقة روحانية غير عادية يواجه بها صعوبات الحياة، ويحقق بها قدرًا من النجاح يستطيع أن يتغلّب به على مشكلاته، وأن المشكلة دائمًا فيه وليست في الآخرين.
وأضاف فضيلته أن هذا السجود لله -سبحانه وتعالى- وهذا الانقطاع يطارد أوهام الغرور والإعجاب: (إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي)(القصص: من الآية78)، ويصنع في الإنسان البساطة والعفوية والتواضع، ويجعل السمع والأبصار والأفئدة، التي هي أدوات تذوق الجمال، تعمل بشكل سليم وصحيح، بحيث نسمع الأشياء الجميلة، ومن ضمنها القرآن الكريم، كما يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «مَا أَذِنَ اللَّهُ لِشَىْءٍ مَا أَذِنَ لِنَبِىٍّ حَسَنِ الصَّوْتِ يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ يَجْهَرُ بِهِ»، والله -سبحانه وتعالى- يستمع لهذا النبي ويستمع لغيره: (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ)(المجادلة: من الآية1)، فاستماع الإنسان لهذه الأصوات الجميلة وتذوق هذه المعاني شيء لا يمكن أن يقدره الإنسان قدره.


لغة سحرية
وتعقيبًا على مداخلة من مشارك، يقول: هناك جمال الكلمة، وجمال الأخلاق، وجمال المنطق، وجمال الروح، وجمال الأسلوب، وجمال المقام، وأنا أراها كلها مجتمعة في الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة، قال الشيخ سلمان: إن هذا من جمال أذنه في الاستماع وجمال لسانه في التعبير، مؤكدًا على ضرورة أن نعوّد أنفسنا على أن نختار الكلمات الأحسن والأجمل، وليس فقط الحسنة أو الجميلة، قال تعالى: (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ )(الإسراء: من الآية53)، فالحسن في ذات الكلمة، والجمال هو في تذوقنا لهذه الكلمة الجميلة التي تصدر من الآخرين، ولذلك نحن نعبر عن إحساس الأخ صاحب المداخلة بأنه جمال، ونحاول أن نعبر بكلمتنا عن الحسن أو نحاول أن نرتقي إلى الحسن.


الحسن الفطري
وتعقيبًا على مداخلة من مشارك، يقول: إن أفضل تعريف للجمال هو الجمال، والحب هو الحب، قال الشيخ سلمان: إننا لا بد وأن نبادل المستمعين عبارات الحب، فالأخ صاحب المداخلة هو المستمع الجميل، وهو يعبر عن الجمال بأنه الجمال، فهو يعبر بالنظرة الإيجابية، وأن نتفاءل بالأشياء، وأن ننظر إلى الجانب الحسن منها، حينها سنجد الأشياء كلها جميلة، لافتًا إلى أنه ربما يشير إلى الاختيار الحسن في الزواج: «فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ»، موضحًا أن هذا وصية النبي -صلى الله عليه وسلم- فيمن يريد الزواج بالبحث عن المرأة الصالحة، مع قدر معتدل من الجمال بطبيعة الحال.


غشّ.. وتدليس
وتعقيبًا على مداخلة من مشارك يقول: إن هناك استبيانًا أظهر أن كثيرًا من الشباب قالوا: إن الجمال هو مجرد المشاهدة العابرة، ولكن عند الزواج يختار الصلاح، وأن المكياج قد يحقق جمالًا وقتيًّا، قال الشيخ سلمان: إن الجمال يذبل مع الوقت، مشيرًا إلى أن هناك أناسًا يقومون بالغش أو ما يسميه الفقهاء تدليسًا عند الرؤية الشرعية، حيث تأتي المرأة ووجهها ربما مليء بالمساحيق والمكاييج والتشكيلات التي لا تعبر عن شخصيتها، وهذا خطأ كبير.
وأضاف فضيلته أن الرؤية الشرعية ينبغي أن يكون فيها قدر من رؤية المرأة على طبيعتها أو قريبة من طبيعتها، بعيدة عن المبالغة في التزيين أو في التزييف -إن صح التعبير-، ولكن من جهة أخرى، فإن الإنسان عندما يكون مقبلًا على زوجته يراها بشكل، وعندما يقضي وطره منها ربما يراها بشكل آخر أحيانًا، فينبغي على الإنسان أن يدرك هذا المعنى، وألا يكون حبه مرهونًا بحالة وصال جسدي.

الكاتب: الإسلام اليوم/ أيمن بريك الاثنين 30 ذو الحجة 1431الموافق 06 ديسمبر 2010

أبولؤى
11 Dec 2010, 12:37 AM
فضيلة الشيخ/ سلمان بن فهد العودة
سلموا المفاتيح لأولادكم


الأم غاضبة على البنت المراهقة .. تتحدث بحزن شديد كيف أن هذه المخلوقة التي حملتها تسعة أشهر جزءاً من جسدي ، وأطعمتها من زادي ، وأمددتها بنسغ الحياة من روحي ، وحضنتها سنين عدداً ، فهي امتداد لجسدي وروحي .. أصبحت تتمرد على أوامري ، وتضرب عرض الحائط بكل توجيهاتي ..
لم أستطع أن أجمع بين خيال الطفولة .. صغيرتي ملفوفة في مهدها الأول بين ذراعي .. وسهر ليلي الطويل لأرضعها وأهزها حتى تهدأ وتنام .. وبين امرأة أصبحت في طول قامتي ، صوتها يغلب صوتي ، وهي تنحاز لصديقاتها جلّ وقتها ، ما بين مطعم ، أو تمشية في سوق ، أو استراحة ، ولا يبدو لديها استعداد أن تنضبط في مواعيد دخول أو خروج ، وردها دوماً هو :
-أنا حرة وليس لأحد عليّ سلطان !
حديث الأم مؤلم موجع ، ودافع الأم نبيل ، إنها تخاف على بنتها من تأثيرات تجهلها ، وتدرك أن البنت لا زالت في غرار صباها , ولا زال طريقها إلى تجارب الحياة وخبراتها في بدايته الأولى ، ولذا فهي تتأثر بلين القول ، أو تتساهل في خطوة عادية تجرّ وراءها خطوات .
من ذا يُشكك في رقي هذه الدوافع وسلامتها وأهمية وجودها عند أي أم؛ لتؤدي دورها في التربية والرعاية والاهتمام ؟ وما معنى الأمومة إن لم تكن هذه المعاني حاضرة فيها ؟
وبقدر رسوخ هذا المعنى وعظمته حضر في ذهني معنى آخر .. أن الولد (ذكراً أو أنثى) هو كائن مستقل ؛ يأخذ طريقه للحياة كمخلوق آخر, يكبر ليحصل على المسؤولية والتكليف الشرعي , حتى يصبح محاسباً مسؤولاً عما يعتقد ويقول ويفعل .. حتى لربما صار على النقيض من والديه .
حكى لنا الله في القرآن : قصة نوح النبي وابنه الكافر ، وقصة إبراهيم النبي ووالده الكافر ، وأشار إلى أحوالٍ جرت في عهد النبي الخاتم من تخالف في الدين والمعتقد بين آباء وأبناء ، ولذا قال سبحانه : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْأِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (التوبة:23) ، ثم عقّب بقوله : (قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) (التوبة:24) .
وقد يكون التباعد بين الآباء والأولاد دون ذلك ، فيكون الأب مطيعاً والابن عاصياً ، أو بعكس هذا .. فثمّ استقلال تام في نهاية المطاف ، (وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى)(الأنعام: من الآية164) ، وعَنْ أَبِي رِمْثَةَ قَالَ:
أَتَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَعَ أَبِي فَقَالَ مَنْ هَذَا مَعَكَ ؟ قَالَ: ابْنِي أَشْهَدُ بِهِ. قَالَ (أَمَا إِنَّكَ لَا تَجْنِي عَلَيْهِ وَلَا يَجْنِي عَلَيْكَ) رواه أحمد ، وأبو داود ، والنسائى ، وقال الحاكم صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
أجد من ملاحظتي للأنماط التربوية أن من الآباء من ينحاز للأصل الأول ، فتغلبه النظرة للأبناء باعتبارهم امتداداً له ، ويستحضر بصفة مستمرة ، وربما ضارة ، أنه فعل لهم وفعل , وكأنه يمنّ عليهم بما عمل ، مع أن الحنان والرعاية فطرة إلهية حتى لدى الحيوان ، وربما عيّر أب ابنه وذكّره بأنه نطفة منه , وهو قد بلغ الستين أو قارب !
ونتيجة لهذا يتجاهل بعض الآباء حاجات الابن في تلك السن المبكرة ، وميله لمن هم في مثل سنه ومستواه, يشاركونه الحديث واللغة والاهتمام والدراسة والميل والعادة .
ويتجاهل آخرون متغيرات الزمن وطوارئه بين ما كانوا عليه أيام الشباب وما عليه أبناؤهم الآن ، ويريدون منهم أن يأكلوا ويشربوا ويلبسوا أو يتصرفوا كما كان آباؤهم يفعلون حين كانوا في مثل سنهم .
ولذا كان علي -رضي الله عنه- يقول : " لا تُكرهوا أبناءكم على أخلاقكم فإنهم خُلقوا لزمان غير زمانكم " .
فثمت متغيرات في شتى النواحي بين الأجيال يجب اعتبارها ، لئلا تكون التربية قسراً وإكراهاً يقتل شخصية أبنائنا ويفقدهم الثقة بأنفسهم ..
إن مصادرة شخصية الولد من شأنها أن تصنع عنده عقوقاً لأنه يريد أن يحقق ذاته ولو غضب والداه ، أو تصنع عنده ضياعاً وضعفاً في الشخصية لأنه قرر أن يستسلم لإرادة والديه مع عدم رضاه داخلياً , مما يجعله مشتتاً مرتبكاً ، وهنا تنشأ وتكبر العُقد النفسية وحالات الاكتئاب والقلق ، ثم النفاق والتصنع والازدواجية .
ومن المربين من ينحاز للأصل الثاني فيمنح الأولاد حرية مطلقة من أول الأمر ولا يسمعهم كلمة " لا " ولا يشعرهم بأنهم جزء من منظومة " الأسرة " يستوجب عليهم الانتماء لها , أن يشاركوها برامجها والتزاماتها ومواعيدها وقيمها الأخلاقية العليا ، وأن يتدربوا على احترام رموزها ورجالاتها ، ومنهم الأبوان خاصة ، ولذا قرن الله حق الأبوين بحقه فقال سبحانه : (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً)(الإسراء: من الآية23) .
وفي قصة جريج الشهيرة وهي في الصحيح أنه قال : أمي وصلاتي ! وفضّل صلاته فدعت عليه أمه واستجيب دعاؤها ..
وقد عنّ لي الجمع بين هذه الآية الكريمة ، وهذا الحديث الشريف في شأن جريج فقلت في قصيدة لأمي (رحمها الله) :


سهاد عيني يسير في محبتكم قد طالما هتفت شوقاً لمرآك

وخفق قلبي ما ينفك يحفزني إليك ما كان خفق القلب لولاكِ

لو اعترضت صلاتي لم يكن لمماً فالله أردف نجواه بنجواكِ
إن الأولاد يعيشون مرحلة خطرة تتحكم في بقية أعمارهم وحياتهم ، وإذا غاب عنهم الإرشاد والتوجيه والتحذير ، وبمعنى أعمّ " التربية " فسيكون من العسير عليهم أن ينجحوا في مضمار الحياة وأن يكونوا فاعلين مؤثرين
ولذا قال سابق البربري :


قد ينفعُ الأدَبُ الأحداثَ في مَهَلٍ وليس يَنفَعُ عند الكَبرَة الأدَبُ

إنَّ الغُصُونَ إذا قوَّمتها اعتَدَلَت ولن تَلِينَ إذا قَوَّمتَها الخُشُبُ
ولهؤلاء وأولئك أقول :
أعطوا أولادكم المفاتيح !
أعطوهم مفاتيح المسؤولية فلا تصادروا شخصياتهم ، وامنحوهم حق التدريب والعمل والمحاولة والخطأ أمام أعينكم وفي حياتكم حتى تطمئنوا قبل الرحيل إلى أن الأمور ستكون بخير ، دعهم يتولون مناصبهم ووظائفهم التي تقتضي سنة الحياة أن تؤول إليهم حتى لا يختلفوا بعد موتكم اختلافاً يضر بهم وبالتراث والميراث الذي يصير إليهم ، ويضر بالقرابة والجيران والصداقات .. وكم من نار تحولت إلى رماد .. كما قيل:


أرى ناراً قد انقلبت رماداً سوى ظل مريض من دخانِ
وكم من رماد تحته جمر ، كما قيل :


أرى تحت الرماد وميض نار ويوشك أن يكون لها ضرام

فإن النار بالعودين تذكى وإن الحرب أولها كلام

إذا لم يطفها عقلاء قوم يكون وقودها جثث وهام !
أعطوهم مفاتيح البناء بالاعتماد على النفس والثقة بها ، والصدق والإخلاص ، فلا شيء يربي على الكذب والمراوغة مثل التربية القاسية ..
لا يحملنكم الحب على المبالغة في الخوف ، فمردود هذا على الأولاد هو التحفيز على المغامرة الشديدة إن كانوا أقوياء الشخصية ، أو الاستسلام والانهيار إن كانوا ضعفاء .. وقديماً قالت العرب : " ومن الحب ما قتل " .
أعطوهم مفاتيح النجاح بالتوجيه الهادئ ، والجلسات الحميمية ، والعلاقات السمحة ، والصبر الطويل ، والكلمات الحكيمة التي تظل تجلجل في أسماعهم ما داموا على قيد الحياة يذكرونها ويذكرونكم معها بالخير ويسلمونها لمن بعدهم .
لا تظنوا أن الغضب الدائم والعتب المستمر والهجر الطويل هو الحل .. فما قيمة أن يعملوا لكم أشياء وهم يكرهونها في قرارة نفوسهم ، أو يتركوا لكم أشياء ونفوسهم تتحرق شوقاً إليها ..؟!
سيجدون يوماً أنفسهم أحراراً في الفعل والترك ، فليكن جهدنا الكبير في غرس حب الإيمان والصدق والعمل والأخلاق في قلوبهم ، وكره الفجور والجهل والكسل والفوضى وأهلها ، (وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ)(الحجرات: من الآية7) .
أن نغرس في نفوسهم حب الصلاة لا يقل أهمية عن أدائهم للصلاة ذاتها ، وأن نربيهم على كره الكذب والسرقة لا يقل أهمية عن تركهم لها .
ولا تدعوا على أولادكم إلا بخير حتى لو غضبتم .. الدعوات الصالحة الصادقة من الوالدين مظنة الإجابة وأن تفتح لها أبواب السماء فاجعلوا دعواتكم لهم جزءاً من مشروع التربية والتوجيه والأمل الجميل .
(رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً)(الفرقان: من الآية74)

الكاتب: فضيلة الشيخ/ سلمان بن فهد العودة السبت 05 محرم 1432الموافق 11 ديسمبر 2010

أبولؤى
13 Dec 2010, 01:30 PM
فضيلة الشيخ/ سلمان بن فهد العودة
أئمة الطريق الثالث

الموقع التاريخي للأئمة الأربعة يلهم سنّة التعايش الرشيد التي كرّسها هؤلاء الأعلام ، كانوا امتداداً لمن سبقهم ، واتفقوا على تعظيم أسلافهم من المؤمنين ، وأثنوا على الصحابة والقرابة وأمهات المؤمنين أزواج النبي الطاهرات ، متمثلين قوله تعالى : (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ) (الحشر:10)
ولم يسمحوا للخلاف الذي جرى بين السالفين أن يكون أداة لشتم التاريخ, والكفر بالأسلاف , والتشكيك في رجال الصدر الأول .
ولذا اتفقوا على تجنّب محاكمة المختلفين ، أو الدخول بينهم إلا بخير .
وتعايشوا مع الاختلاف الجاري في دوائرهم الأربع الفقهية, وما وراءها بروح التقبّل والهدوء ، ولم يسمحوا أن يكون انتشار علومهم سبباً للصدام والتعارك .
بل لعلهم أصّلوا مبدأ التعايش مع المتغيرات السياسية والاجتماعية من حيث تعاملهم معها, ورسمهم للخطة الملائمة إزاءها .
والملحوظ أن أيّاً منهم لم يقبل ولاية رسمية للقضاء أو المظالم أو غيرها ، وفي الوقت ذاته لم يكن حزب معارضة ، ولم يسند أو يدعم الخارجين على سلطة الدولة ، وإن كانوا جميعاً تعرّضوا للاتهام بشيءٍ من ذلك ، وامتُحنوا فيه ، إلا أن السّياق يدلّ على أن ذلك لم يكن صحيحاً ، ولكنهم كانوا ضحية الفكرة التي ترى أن من لم يكن معي فهو ضدي ، فكان استقلالهم الفكري سبباً في الاشتباه وكثرة الوشاية وسوء الظن ، بل وتفسير القول أو الفتوى تفسيراً سياسياً .
وهم في حقيقة الأمر يمثلون الطريق الثالث بين مجموعة السلطة ومجموعة المعارضة ، وهذا يمكنهم من أداء دور ريادي وعظيم في حفظ التوازن داخل المجتمع بين مكوناته المختلفة ، من سلطة وشعب ، وتيارات فكرية وعلمية ، وانتماءات عرقية وقبلية ، واختلافات مذهبية .
إن وقوفهم على مسافة واحدة من هذه المكونات ، واحتفاظهم بقدر من الاتصال يسمح بأن يكونوا نقطة توازن وانضباط؛ تحفظ المجتمع الإسلامي من الانخراط في مزيد من الصراعات الداخلية أو التمزق وانفراط العقد .
وهذه مهمة يُحتاج إليها اليوم أشد الحاجة في ظل اتّساع الفجوة وضعف ثقافة التعايش بين الناس مما يحضّر لنزاعات تستعدّ للظهور كلما آنست ظروفاً تخدمها .
فوجود مرجعية علمية ودوائر وسيطة تعزز قوة الضعيف وتنهنه اندفاع القوي ، وتتوسط في المعضلات ، وتنشر الوعي الضروري للحياة والفهم والتسامح ، وتشجّع على العدل وحفظ الحقوق له مما يخدم السلم الاجتماعي والأمن الوطني في أي بلد ، ويحول دون ظهور تيارات العنف والغلو والتطرف في أي اتجاه .
في بلاد العالم حكومات قوية تقابلها مجتمعات قوية أيضاً ، بروابطها وتنظيماتها ونقاباتها ومؤسساتها السياسية والتطوعية والاجتماعية ، وهذا يجعل الشعب قوياً بحكومته ، والحكومة قوية بشعبها .
ومعظم البلاد الإسلامية تفتقد هذا التوازن الضابط لمركز القوة ، الحافظ للاتصال ، إنها " المؤسسات الوسيطة " أياً كان عنوانها ، المقبولة على نطاق واسع ، رسمي وشعبي ، المعنية بأداء هذه المهمة الخطيرة التي قد لا يفطن لها الناس إلا حينما تبدأ في التآكل والتفتت .
إن الاختلاف المذهبي والطائفي ، بل والملّي ، فضلاً عمّا دونه ، ليس مؤهلاً دائماً للصراع والتطاحن ، والنص القرآني الكريم يقول : (وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ) (الرحمن:10) ، فداخل الدائرة الإسلامية يتم التحاكم إلى الأحوال الضابطة ، والقواعد الجامعة ، والضروريات الشرعية ، وحين يتعذّر ذلك بسبب اتساع الخلاف وتجاوز المحكمات ، وعدم القدرة على تلافيه بالحوار والمجادلة الحسنة ، تبقى الدائرة الأوسع ، وهي دائرة (لِتَعَارَفُوا)(الحجرات: من الآية13) ، لتكون المعرفة بينكم أساساً للعلاقة ، ولتتبادلوا المعارف ، ولتتعاملوا بالمعروف والبر والإقساط .
وربما تلتقي مصلحتك ومصلحة مخالفك في نقطة واحدة من منافع التجارة أو الإدارة أو الصحة أو التنمية أو الصناعة أو غيرها .
ومن نافلة القول أن آراء هؤلاء الأئمة لم تكن نشازاً بالنظر إلى ما قبلها ، فهي محصلة الموروث الفقهي السابق ، يضاف إليه آراء واجتهادات جديدة لم يسبقوا إليها في مسائل ونوازل ، بل في التأصيل والتقعيد ذاته .
وعليه فإن من الخطأ الزعم بأن أقوالهم تنسخ ما قبلها وتلغي ما سواها .
والواقع أن عمل الفقهاء الكبار في المذاهب ، وإن كان يسير ضمن الإطار العام غالباً ، إلا أنه لا يخلو من اختيارات تخالف المذهب ، بل تخرج عن أقوال الأئمة الأربعة .
وقد تتبعت اختيارات الإمام ابن قدامة في المغني فرأيت له أقوالاً وترجيحات حسنة خالف فيها الأئمة الأربعة بعدما ساق مذاهبهم .
ومثل هذا تجده في كل مذهب فقهي ، لأن أقوال الصحابة والتابعين والأئمة السابقين من فقهاء السلف ليست أقل أهمية ، وفيها ثروة عظيمة ، وفقه أصيل ، واستنباط ممن عاصر التنزيل ، وهم أهل اللغة ، وقد حفظت أقوالهم كما في مصنف عبد الرزاق وابن أبي شيبة ومصنفات ابن المنذر ، وكثير من السنن كسنن سعيد بن منصور والبيهقي ، والذي يقرأ متغيرات الحاضر الضخمة قد يرى أن توسيع دائرة الاختيار من أقوال السلف خارج الأربعة يبدو أمراً ملحاً .
إنها اجتهادات جوهرية لرجال القرون المفضلة ، المنصوص على خيريتها ، وهي تضيف مادة جديدة وهائلة للفقه الإسلامي ، وتحقق له التنوع والاتساع .
ولئن كان عصر من العصور لا يحتاج إلى استدعاء تلك الأقوال والاعتبار بها ، والبناء عليها ، فمن اليقين أن هذا ليس هو عصرنا الذي نعيش فيه .
وقد صنف ابن رجب الحنبلي كتاباً سماه (فضل علم السلف على علم الخلف) ولئن كان العلم خير كله ، فإن فضل علم السلف يجري على الأصول والفروع معاً ، وخاصة أن فقه الصحابة بالذات كان في الفترة الأولى التي ظل فيها الفقه مقترناً بالحياة بتنوعها وحيويتها وثرائها ، وشهدت فقهاء عظاماً كأبي بكر وعمر ومعاذ وعلي وابن عباس وابن مسعود وغيرهم رضي الله عنهم أجمعين.

الكاتب: فضيلة الشيخ/ سلمان بن فهد العودة السبت 26 شعبان 1431الموافق 07 أغسطس 2010

أبولؤى
15 Dec 2010, 09:18 AM
فضيلة الشيخ/ سلمان بن فهد العودة
أئمة العلم والأخلاق

إن من الأساسيات الراسخة التي أرساها الأئمة إقرارهم بالاختلاف وأنه حتمية لا سبيل إلى تجاوزها أو إلغائها ، ولكن سبيلها البحث والعلم والتحري ، وهذا معيار لأهمية البناء العلمي الذي بموجبه جرى الخلف بينهم .
وإقرارهم بالإخاء والحب الذي هو برهان على أهمية البناء الأخلاقي الذي بموجبه جرى التصافي .
وقد نجد من بعدهم من اختلفوا فتحاربوا .
ونجد من توادعوا وتساكنوا لكن على غير علم ومعرفة .
ولذا صرفوا جل وقتهم في التعلم والتعليم ، وكان أبو حنيفة فقيه أهل العراق بغير منازع ، ومالك فقيه المدينة والحجاز ، ولم يُفت حتى شهد له أربعون من علماء المدينة ، وهو من أثبت الناس في الحديث ، والشافعي إمام في العديد من العلوم ، كاللغة والفقه والأصول ، ومن ثقات المحدثين ، وأحمد كان من الحفاظ الكبار .
كان أبو حنيفة أميل إلى الفقه ، وأحمد أميل إلى الحديث ، ومالك والشافعي وإن كانوا معدودين في مدرسة الحديث إلا أن لهم بصراً وأخذاً في الفقه قلّ نظيره .
وكان مالك يقول للعمري : (طلب العلم ليس أقل من العبادة لمن صلحت نيته).
وقال الشافعي : (طلب العلم أفضل من صلاة النافلة).
فحفظوا مقام العلم ، كما حفظوا مقام الأخلاق ، وأيّ علم بغير أخلاق فهو علم بلا عمل ، أو هو صورة العلم لا حقيقته ، فإن من أعظم العلم معرفة القطعيات ، ومن أعظم القطعيات معرفة القطعيات العملية ، ولذا فقد اتفقوا واتفقت الأمة كلها على وجوب محبة المؤمنين بعضهم بعضاً ، وعلى تحريم التباغض والتحاسد بين المؤمنين ، وعلى أن رباط الإخاء الإيماني لا يزول إلا بزوال أصل الإيمان من القلب ، وإن كان يتفاوت بتفاوته ، كما اتفقوا على حفظ الحقوق المنصوصة ، والالتزام بالأخلاق المفترضة بين الناس .
قال يونس الصدفي : ما رأيت أعقل من الشافعي ، ناظرته يوماً في مسألة ثم افترقنا ، ولقيني فأخذ بيدي ، ثم قال : يا أبا موسى ألا يستقيم أن نكون إخواناً وإن لم نتفق في مسألة.
وقد يستوحش الشيوخ من الأقوال التي تطرق آذانهم لأول مرة ، ولم يسمعوها من أساتذتهم فينكرونها ، ثم يكون الغضب واللجاج وتراكم المشاعر السلبية المفضية إلى التفرق .
ويحسن في هذا السياق إيراد كلمة الإمام أحمد -رحمه الله- : " لم نزل نلعن أهل الرأي ويلعنوننا حتى جاء الشافعي فأصلح بيننا ".
لم يتحول الأمر إلى اصطفاف عقائدي مؤدلج ضد أهل الكوفة بحيث يكون معقد الولاء والبراء عليه ، ولا خلط الأئمة بين الأصول الثابتة المحكمة ، وبين الفروع المتغيرة الاجتهادية ، ومن هنا رحبوا بمدرسة الإمام الشافعي الجامعة ، والتي فيها قبس من مالك ، وآخر من أبي يوسف ، وشعبة من العراق ، وأخرى من الحجاز ، وتم لها النضج في مصر فجمعت ما تفرّق في البلاد .
وهكذا تكون المدارس التربوية أو الفقهية المتخالفة بحاجة إلى استعداد نفسي صادق لفهم المخالفين والتماس العذر لهم ، وترحيب بالمشروع العملي الميداني لتقريب وجهات النظر ، أو لتخفيف حدة النزاع .
وكان من جراء هذا التواضع العلمي ، والاستعداد النفسي ، مراجعة الأئمة لآرائهم ومواقفهم واجتهاداتهم وتعديلها إذا اقتضى الأمر .
كان للشافعي قول قديم بالعراق ، وأحدث قولاً جديداً بعد انتقاله إلى مصر ، كان ذلك بسبب زيادة علمه وفهمه ، وبسبب نضجه الحياتي ، ومعايشته بيئة جديدة مختلفة عما عرف من قبل ، وفيها عوائد وأعراف وأحوال لم يعهدها في العراق ، فضلاً عن السن الذي وصل إليه ومن الحجة للشافعي في ذلك ما تواتر من الفروق بين مجتمع المدينة ومجتمع مكة ، وقد ألف المناوي كتاباً سماه (فرائد الفوائد في اختلاف القولين لمجتهد واحد) ، وقد وجد في كل مذهب من المذاهب الأربعة روايتان أو قولان للإمام نفسه في مسائل عديدة .
يقول أبو يوسف : " ما قلت قولاً خالفت فيه أبا حنيفة ، إلا وهو قد قاله ثم رغب عنه " .
وقد خالف أبو حنيفة هنا نفسه ، ثم خالفه تلاميذه في معظم مسائل المذهب ، مع رجوعهم إلى الأصول والقواعد التي كان يقول بها .
وفي مذهب مالك نقل عنه إلى العراق نحو سبعين ألف مسألة ، فاختلف الناس في مذهبه لاختلاف نشرها في الآفاق .
أما في المذهب الحنبلي فثمّ ما يعرف بالوجهين والقولين ، والتي جمعت في طائفة كبيرة من كتب التلاميذ والرواة .
والمذهب الحنبلي غني بالروايات المتعددة ، التي تكون أحياناً بعدد الأقوال المأثورة في المسألة ، وفي المغني وغيره شيء كثير من ذلك .
وهذا يعود إلى طبيعة المسائل الفرعية وأن الأمر فيها قريب كما قال ابن تيمية.
إن الرجوع إلى رأي المخالف لا يكون إلا من إمام صادق ، مراده الله والدار الآخرة ، وهم كانوا كذلك .
لم يذعنوا لأتباعهم وتلاميذهم ، ولا فتحوا آذانهم لنقل الحديث عن زيد وعبيد ، على سبيل الذم والوقيعة وإيغار الصدور ، ولا حزبوا من وراءهم على طاعتهم واتباعهم ، وعيب مخالفيهم ، ولم يكونوا مذعنين لإرادة الطلاب ، ولا مأخوذين بكثرتهم ، بل كانوا مستقلين استقلالاً ذاتياً عن الأتباع مع حفظهم لحقوقهم ومقاماتهم .

الكاتب: فضيلة الشيخ/ سلمان بن فهد العودة السبت 19 شعبان 1431الموافق 31 يوليو 2010

أبولؤى
17 Dec 2010, 02:43 PM
الإسلام اليوم/ متابعات
د.العودة وشيخ الأزهر يؤكدان على ضرورة توحيد أهل السنة


أكد فضيلة الشيخ سلمان بن فهد العودة المشرف العام على مؤسسة (الإسلام اليوم) والدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف على ضرورة توحيد أهل السنة لمواجهة الصور المغلوطة على الإسلام والمسلمين في الغرب.
وخلال زيارة قام بها الشيخ العودة أمس الاثنين لمشيخة الأزهر الشريف في القاهرة دعا الجانبان إلى وجوب وحدة أهل السنة والجماعة، بجميع أطيافهم لاسيما علماء السعودية والأزهر الشريف لتنسيق الجهود في مجال الدعوة.
وأوضح مصدر بالمشيخة لموقع "أون إسلام" الإلكتروني أن شيخ الأزهر أشار خلال اللقاء إلى أنه لا يمكن للعالم الإسلامي التحدث مع الغرب، ولا مواجهة الصور المغلوطة على الإسلام والمسلمين إلا من خلال توحيد كلمتهم الأمر الذي يتطلب وجود حوار وتنسيق داخلي.
وبحسب المصدر ذاته فإنه ستكون هناك زيارات أخرى قريبة لعلماء سعوديين إلى الأزهر الشريف؛ لكنه لم يقدم مزيدا من التفاصيل حول أسماء هؤلاء العلماء، لافتا إلى أن زيارة الشيخ سلمان تأتي على أساس أن الأزهر هو المرجعية العليا ومنهجه هو المنهج الوسطي الذي يجمع المسلمين ولا يفرقهم.
يشار إلى أن الدكتور سلمان قد قام بزيارة ودية لشيخ الأزهر في مكتبة بالمشيخة خلال أكتوبر الماضي حيث تباحثا وقتها في أهمية التواصل بين علماء السعودية وعلماء مصر، وضرورة العمل على تقارب علماء المسلمين جميعاً في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية، والتركيز على جوانب الاتفاق بدلاً من الوقوف الطويل حول المسائل الخلافية.
وكما أبدى سماحة شيخ الأزهر ترحيبه بعقد مؤتمر لعلماء العالم الإسلامي، واستعداده لاستقبالهم وضيافتهم على مدى أسبوع كامل لبحث المسائل المهمة بصورة مباشرة، بعيدًا عن البحوث الأكاديمية النظرية.
وتطرق اللقاء إلى أهمية التواصل بين المدارس الفقهية المختلفة وألا يحول الانتساب الفقهي دون التعارف والتعاون، وقد صرّح سماحة شيخ الأزهر بهذا الخصوص إلى أنه ماضٍ في إعادة الحياة والفاعلية إلى الرواقات التاريخية في الأزهر التي تدرس المذهب الحنبلي، والمذهب الشافعي، والمذهب المالكي، والمذهب الحنفي.
وقد عرض الدكتور سلمان للشيخ جهود مؤسسة الإسلام اليوم ومكتبها في القاهرة وموقعها الإلكتروني الذي أصبح من أكثر المواقع الإسلامية حضورًا وتأثيرًا بفضل الله.
الكاتب: الإسلام اليوم/ متابعات الثلاثاء 08 محرم 1432الموافق 14 ديسمبر 2010

أبولؤى
18 Dec 2010, 06:26 PM
فضيلة الشيخ/ سلمان بن فهد العودة
الإنسان أولاً


ركب إلى جواري في الطائرة ذات مرة شاب غريب ، بدت عليه ملامح الحزن والكآبة والانعزال عن الآخرين ، وكأنه يتوجس خيفة من كل أحد يجالسه أو يحادثه أو يصافحه .. ويتساءل عن نوع الأذى الذي ينوي إلحاقه به !
خطر في بالي أن هذا الشاب هو بيت مغلق بأقفال ، ولكي تلج إلى هذا البيت لأي غرض كان عليك أن تبحث عن المفاتيح .
ربما تريد أن تدخل مع هذا الإنسان أو غيره في مشاركة تجارية ، أو في مشروع تقني ، أو منجز ثقافي ، أو تطمع في دعوته إلى خير ، أو حمايته من شر ، أو تريد أن تنتفع منه بحكم وجود حالة إيجابية لديه يمكن توظيفها .. وهب أنك تريد أن تقدم له خدمة ما يحتاجها ..
أنت هنا أمام ثري ، أو مبدع ، أو قارئ ، أو منحرف ، أو شحاذ ، أو ما شئت ..
هو إنسان قبل أن يكون أياً من ذلك ، ويوم ولد لم يكن له لون ولا شيء معه (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً)(النحل: من الآية78) ، (وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ..)(الأنعام: من الآية94) .
وأي محاولة تواصل تتجاوز مبدأ الإنسانية ستمنى بالفشل .
ومن حسن الحظ أنك أنت إنسان أيضاً فلديك الكثير من المعرفة المفصلة والواقعية عن الإنسان وحاجاته وضروراته ومداخله ومشاعره وأحاسيسه .
لم يكن بمعزل عن الحكمة الإلهية العظيمة أن يبعث الله رسله من الناس ، مثلهم يأكلون الطعام ، ويمشون في الأسواق ، ويتزوجون وينجبون ، ويصحون ويمرضون ، وتصيبهم اللأواء .
ولكل إنسان أسوار لا ينبغي تقحمها ولا تجاوزها ، ومداخل تناسبه بيد أنها تحتاج إلى اللطف والبصيرة وحسن التأتي .
وحين قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- : (فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنِ النَّارِ وَيَدْخُلَ الْجَنَّةَ فَلْتَأْتِهِ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَأْتِ إِلَى النَّاسِ الَّذِى يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إِلَيْهِ ..) رواه مسلم
كان يرسم منهجاً نبوياً رائعاً في التعامل مع الآخرين ، أن تضع نفسك في موضع الإنسان الذي أمامك وأنت تتعامل معه ، ما الذي يروقه ويعجبه منك ؟
أن تثني عليه بخير ، ولا أحد إلا ولديه من الخير ما يمكن أن يثنى به عليه ، وبصدق ، دون خداع أو تزيّد .
أن تعرب له عن محبتك وتقديرك لشخصه الكريم .. وكيف لا تقدّر إنساناً كرمه ربه واصطفاه وأحسن خلقه ، (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً) (الإسراء:70) ، (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ) (فاطر:32) ، (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) (التين:4) .
انظر في عينيه ، وابتسم له بصفاء ، وصافحه بحرارة ، وتحدث إليه وأنت منبسط هاش باش ، واختر الكلمات الجميلة السحرية


أَضاحك ضَيفي قَبلَ إِنزال رحله وَيُخصَب عِندي وَالمَحَلُّ جَديب

وَما الخَصبُ للأَضياف أَن يَكثُر القِرى وَلَكِنَّما وَجه الكَريم خَصيب
قبل أن تعطيه المال ، أو توفر له الاحتياج ، أو تجود عليه بما يطلب ، أعطه وجهك وقلبك واحترامك وتقديرك ، (قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذىً)(البقرة: من الآية263) ، اصنع هذا لزوجك الذي تدوم معه عشرتك طوال الحياة ، واصنعه لولدك الذي خرج منك فأصبح كياناً مستقلاً له شخصيته وتكوينه وحسابه ومسؤوليته الكاملة في الدنيا والآخرة .
واصنعه مع زميلك في العمل أو شريكك أو جارك الذي تلقاه كل يوم أو كل صلاة .
واصنعه مع الخادم أو السائق دون ازدراء لإنسانيته أو تحقير لشخصيته ، واعتقد في داخلك أنه إن كان الله فضلك عليه في الدنيا بمال أو منصب فربما يكون فضله عليك في الآخرة بتقوى أو إيمان أو سريرة من إخلاص أو عمل صالح .
واصنعه مع الغريب الذي تراه لأول مرة ، وربما لا تراه بعدها لتوفر لديه انطباعاً إيجابياً عنك ، وعن الفئة أو الجماعة التي تنتمي إليها ، ولتمنحه قدراً من الرضا والسرور والفرح والاغتباط ، وتبعث إليه برسائل من السعادة سوف يكافؤك الله العظيم بما هو خير منها عاجلاً ، فالمعطي ينتفع أكثر من الآخذ ؛ وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلاً .
واصنع ذلك بصفة أساسية لأولئك الناس الذين تريد أن توجههم أو تنتقدهم أو تقدم لهم نصحاً يحميهم من ردى أو يحملهم على هدى وأنت عليهم مشفق بار راشد فإياك أن تتعسف أو تتهم أو تجفو في أسلوبك فتحكم على محاولتك بالفشل المحتم حتى قبل أن تشرع فيها ، وكان الإمام أحمد يقول : " قلما أغضبت أحداً قفبل منك " .
فإلى أولئك الذين يتبوؤون مقام التعليم والدعوة والإصلاح والاحتساب نهدي هذه الكلمات النورانية النابعة من عمق التجربة ، والمتوافقة مع هدي الأنبياء ومنهجهم ، ونص القرآن ودعوته ، رزقنا الله الحكمة والبصيرة وكفانا شر نفوسنا الأمارة بالسوء .

الكاتب: فضيلة الشيخ/ سلمان بن فهد العودة السبت 12 محرم 1432الموافق 18 ديسمبر 2010

أبولؤى
20 Dec 2010, 01:16 AM
الإسلام اليوم/ أيمن بريك
د.العودة: الشجاعة الحقيقية هي شجاعة الأمل والتفاؤل وليس الهروب والانتحار


أكد فضيلة الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة ـ المشرف العام على مؤسسة "الإسلام اليوم" ـ أن الشجاعة الحقيقية هي شجاعة الأمل والتفاؤل والانتماء للحياة، وليس الهروب والانتحار، مشيرًا إلى أنه لولا وجود قدر من الشجاعة عند بعض الأمم لما كان هناك طائرة تطير ولا سيارة تمشي ولا أي خدمة من الخدمات.
وقال الشيخ سلمان ـ في حلقة أمس الجمعة من برنامج "الحياة كلمة"، والذي يبث على فضائية mbc ، والتي جاءت تحت عنوان "شجاعة" ـ: إن كل هذه الأشياء بدأت بقدر من الشجاعة والمغامرة المحسوبة والمدروسة، لافتًا إلى أن هناك شعوبًا عندها حالة من الإقدام على أشياء، ربما يشاهدها الإنسان في البداية أمرًا مرعبًا ومثيرًا للاستغراب بالنسبة له، ولكنها سرعان ما تتحول إلى أمر عادي يتقبله جميع الناس، ويصبح هناك محاولة لاستكشاف ما هو أبعد من ذلك.
وأوضح الدكتور العودة أنه لابد أن يتحلى الإنسان بشجاعة العقل في الفهم، وشجاعة الابتكار، واقتناص الفرص، وعلى سبيل المثال، فإنه قد سئل معاوية -رضي الله عنه-: أأنت شجاع؟ قال:


شجاعٌ إذا ما أمْكَنَتْنيَ فُرْصَةٌ وإنْ لم تكنْ لي فُرْصَةٌ فجبانُ
وأوضح الدكتور العودة أن هذا يؤكد أنه بدون أن يكون عند الإنسان شجاعة، فإنه لن يستطيع أن يقتنص الفرص، أو أن يحقق الإبداع، سواء كان هذا الإبداع أدبيًّا أو شعريًّا أو تقنيًّا، أو اكتشافًا، مشيرًا إلى أن الغالب على الناس اليوم في معظم المجتمعات، وخاصة المجتمعات الإسلامية، كون الإنسان مرهونًا دائمًا بثقافة ومجاراة القطيع، والخضوع للمألوف، والاندماج مع الناس بما يصل ويفضي إلى أن يفقد الإنسان قيمته الذاتية ويصبح رقمًا غير معتبر ولا محسوب إلا ضمن إطار معين، وتختفي معه الشجاعة الشخصية، حيث إننا ربما نجد الإنسان يمارس الشجاعة جماعيًا من خلال المجموعة المتواصلة المتلاحمة التي تقوم بدور معين، سواء كان هذا الدور هو دور هجوم أو دفاع أو عمل معين، لكن بدون أن يكون عنده شجاعة ذاتية، أو اعتراف بقيمته الذاتية، أو إحساس بمسؤوليته الشخصية، فالشجاعة مثلما يقول المتنبي:


الرَأيُ قَبلَ شَجاعَةِ الشُجعانِ هُوَ أَوَّلٌ وَهِيَ المَحَلُّ الثاني
وكذلك:


وَكُلُّ شَجاعَةٍ في المَرءِ تُغني وَلا مِثلَ الشَجاعَةِ في الحَكيمِ
فالشجاعة مرتبطة بالبصيرة، والحكمة، والعقل:


إِنَّ الشَجاعَةَ في القُلوبِ كَثيرَةٌ وَوَجَدتُ شُجعانَ العُقولِ قَليلا
وتابع فضيلته أن الشجاعة فضيلة معروفة عند العرب، ولذلك فإن الكثير من العرب عندهم شجاعة ذاتية أو ما يسمونه هم شجاعة فيما يتعلق بالجانب المادي البحت، لكن الشجاعة بمفهومها الشامل المتمثل في الشجاعة مع النفس، والشجاعة مع الآخرين، حتى مع المنافس، مثل أن تهنئه بنجاح أو تفرح له أو تغتبطه بتفوقه ولا تشعر بالغيرة من ذلك، أو الشجاعة مع من هو فوقك، بأن تراجعه أو تصحح له أو تنتقده دون أن يفضي ذلك أيضًا إلى الإطاحة، فإنها من الأمور التي يجب أن تحظى باهتمام أكبر.


الهروب عن مسئوليات الحياة إلى الانتحار ليس شجاعةً
وفيما يتعلق بأن هناك من يعتبر أنه من الشجاعة الهروب من موقف معين بالانتحار أو غيره من القرارات المهلكة، قال الشيخ سلمان: إن الشباب أكثر شجاعة من الكبار، مع أنهم أكثر تطلعًا للحياة وانتماءً إليها، بينما الإنسان كلما كبر يكون تشبثه بالحياة أكثر، مشيرًا إلى أن هذا أمر مؤكد وملموس، ولذلك فإننا نجد أن الشباب هم الذين يقدمون على العمليات التي تتم في حالات حروب أو غيرها، بينما الإنسان إذا كبر يبدو أنه ـ لا أستطيع أن أقول أنه فقد شجاعته.. يمكن أن نصحح هذا المفهوم لكن ـ ربما أضاف إلى الشجاعة معنى آخر وهو معنى الرؤية والشمولية وتراكم الخبرات، فأصبح عنده إيمان بالحياة، ولذلك فإننا يجب ألا نعتقد أن الشجاعة فرار من الحياة، ولكنها في حقيقة الأمر انتماء للحياة، "اطلب الموت توهب لك الحياة"، والشجاعة الحقيقية هي شجاعة الأمل، والتفاؤل، والانتماء للحياة، وليس الفرار أو الهرب من الحياة، كما يقول:


تَأَخَّرتُ أَستَبقي الحَياةَ فَلَم أَجِد لِنَفسي حَياةً مِثلَ أَن أَتَقَدَّما
وقد كان العرب يُعيّرون الإنسان الذي يموت على فراشه -أحيانًا- ويقولون: "مات حتف أنفه"، وهذا قد يقال -أحيانًا- مثلما قال السموأل:


وَما ماتَ مِنّا سَيِّدٌ حَتفَ أَنفِهِ وَلا طُلَّ مِنّا حَيثُ كانَ قَتيلُ

يُقَرِّبُ حُبُّ المَوتِ آجالَنا لَنا وَتَكرَهُهُ آجالُهُم فَتَطولُ
فـ "مات حتف أنفه" ليست مسبة أو نقصًا أو عيبًا، وربما مُنح الإنسان الشجاعة وهو يموت حتف أنفه كما يقولون.
وأوضح الدكتور العودة أن الإقدام على الانتحار ليس شجاعة، ولكنه هروب، فالذين يُقدمون على الانتحار هم أكثر الناس ضعفًا وربما عجزًا حتى عن مواجهة المشكلات أو تحملها أو الصبر عليها، مشيرًا إلى أن هناك تقريرًا يقول: إن نسبة الانتحار بين السعوديين تضاعفت، مما يشير إلى أن هناك مشكلات وصعوبات في الحياة، وأزمات نفسية، وقد يرجع ذلك إلى غياب المرشد والموجّه الذي يمكن أن يمنح الإنسان جرعة من الطمأنينة والأمل ولو بالكلمة الطيبة، وعلى سبيل المثال، فإن "هتلر" عندما فشلت مساعيه انتحر هو وعشيقته، وكذلك وزير الإعلام في حكومة هتلر انتحر هو وزوجته وبناته الست، حيث قام بتجريعهم السم حتى ماتوا جميعًا!، وهذا مشهد كثيرًا ما يحدث ويعتبره البعض شجاعة، لافتًا إلى أن هذا يمكن أن يكون شجاعة كما تقتضيها النفس وليست شجاعة كما يقتضيها الحق، فالشجاعة مرتبطة بالحق، والعدل مع النفس ومع الآخرين.
وأردف فضيلته: أما حكم النفس -أحيانًا- بسبب أزمة نفسية أو ظرف عابر أو فشل، فإن هذا لا يعد شجاعة بأي حال من الأحوال، مشيرًا إلى أن كون الإنسان يعاني من فشل أو من كلام الناس أو من ملاحقة الإعلام فيعجز فينتحر، فإن هذا ليس بشجاعة، وعلى سبيل المثال، فإن هذا الأسبوع انتحر ابن مدير البنك الذي حكم عليه في أكبر جريمة سرقة أمريكية، في حين أن الشجاعة هي القدرة على مواجهة القلق الذي يعتري الإنسان في داخله وهو يهم بممارسة قدر من حريته أو قدر من حياته -أحيانًا-، مؤكدًا أن الانتحار هو نوع من الفشل والجبن عن مواجهة الحياة؛ ولذلك فإن الإنسان الذي ينتحر بعدما يبدأ بهذا العمل يواجه صعوبة ضخمة في داخله وألمًا شديدًا وندمًا، ولكنه في حالات كثيرة لا يستطيع إيقاف نفسه عن القيام بذلك.
وتعقيبًا على مداخلة من مشاركة، تقول: إن الانتحار هو قمة الضعف، قال الشيخ سلمان: هذا أكيد، فالانتحار يكون نتيجة عدم القدرة على مواجهة الحياة، كما أنه ناتج عن ضعف في الإيمان؛ لأن المؤمن بالله -سبحانه وتعالى- يدري أن الحياة هي منحة وصدقة من الله -سبحانه وتعالى-، والله يوجب علينا أن نقبل صدقته، كما أن الحياة وظيفة الله تعالى عيننا فيها، وليس لأحد أن يستقيل من هذه الحياة بمحض إرادته وإنما على الإنسان أن يواصل ويصبر، وبدون أمل فإن الإنسان سيكون في مضيق، لكن علينا أن نقتبس الأمل من الإيمان بالله -سبحانه وتعالى-، ومن الدعاء والتضرع والثقة بالتغيير والثقة بأن الله تعالى يدّخر لنا ما هو خير وأفضل حتى لو طال البلاء، فعلى الإنسان أن يؤمن بأن ما عند الله خير وأبقى.


الدعاء للمنتحر
وتعقيبًا على مداخلة من مشاركة، تتحدث عن أن الانتحار منتشر في هولندا، وتتساءل: هل يجوز الترحّم على المنتحر؟، قال الشيخ سلمان: إنه من الشجاعة التسامح، والسلام مع النفس ومع الآخرين، فالشجاعة ليست هي الحرب، ولكن صناعة السلام -كما يقول عليّ عزت بيجوفتش- تتطلب شجاعة أكثر مما تتطلبه الحرب، وكثير من الناس ربما يكونون معك وأنت ذاهب إلى الحرب لكن حينما تكون ذاهبًا للسلام ربما لا يكونون معك، لأنهم قد يعتبرون هذا نوعًا من الخيانة -أحيانًا- أو عدم الوفاء للمبادئ، وهذه من الأشياء التي يجب أن تعالج، فالحرب ليست مطلوبة بذاتها وليست هدفًا ولا غاية بذاتها، وإنما هي ضرورة يفضي إليها الأمر.
وأضاف فضيلته أنه ليس هناك شيء في الترحم على المسلم حتى لو كان منتحرًا، فالانتحار ليس كفرًا، ولكنه معصية لله -سبحانه وتعالى-، والنبي -عليه الصلاة والسلام- استغفر للمنتحر عندما رآه في المنام، وجاء أحدهم وأخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه رآه في الجنة، وأنه قد غطى يديه وأنه قطع يديه حتى شخبت أوداجه ومات فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «اللَّهُمَّ وَلِيَدَيْهِ فَاغْفِرْ»، فدعا له بالمغفرة، وإن كان النبي -عليه الصلاة والسلام- قد يترك الصلاة على بعض هؤلاء من باب التأديب والزجر لئلا يُقدِم الناس على مثل أحوالهم، لكن هذا لا يعني أنه لا يجوز الدعاء له.


العرب.. والشجاعة
وتعقيبًا على مداخلة، تقول: إن شعر الشجاعة يكاد يكون هو الغالب على الشعر العربي، قال الشيخ سلمان: وشعر الفخر والرثاء أيضًا، ولكننا كثيرًا ما نعلِّم أطفالنا منذ الصغر الكثير من قصائد ودواوين الحماسة المتداولة، حيث إن محفوظاتنا الشعرية غالبها ينتمي إلى الحماسة والشجاعة، وكما يقولون فإن "الشجاعة صبر ساعة"، وعلى سبيل المثال، فإنه من محفوظاتنا المشهورة لقطري ابن الفجاءة:


أَقولُ لها وقَدْ طارَتْ شعَاعًا مِن الأَبْطال: وَيْحكِ لا تُرَاعِي

فإِنَّكِ لو سَأَلْتِ بقَاء يَوْمٍ على الأَجَلِ الذي لَكِ لَنْ تُطاعي

فَصَبْرًا في مَجالِ المَوْتِ صَبْرًا فَما نَيْلُ الخُلُودِ بِمُسْتَطاعِ

ومَنْ لا يُعْتَبَطْ يَسْأَمْ ويَهْرَمْ وتُسْلمْهُ المَنُونُ إِلى انْقِطاعِ

وما للْمرءِ خَيْرٌ في حَياة إذا ما عُدَّ مِن سَقَطِ المتاع
كما أننا كثيرًا ما نجد أنهم يقولون: إن أشجع بيت قالته العرب هو قول العباس ابن مرداس:


أَشُدّ عَلى الكَتيبَةِ لا أُبالي أَحتفي كانَ فيها أَم سِواها
وذلك على الرغم من أن المتأمل في هذا البيت لا يجد له معنى غريبًا أو جميلًا، لكن الشاعر ربما اختصر الشجاعة الحسية والشجاعة في مجال الحرب، وذلك لأنه ربما من المشكلات اليوم أن الشجاعة أصبحت مرتبطة عند الناس ذهنيًا وعقليًا بالحرب، وبل وأحيانًا بالحرب التقليدية على وجه الخصوص التي هي السيف، والتي فيها تتخيل أن الأشلاء تتطاير وتتقطع، أو الذي قطعت يده فأصبح يقاتل بها، وغيرها من الأمثلة.


شجاعة النبي عليه الصلاة والسلام
وفيما يتعلق بشجاعة النبي -صلى الله عليه وسلم-، قال الشيخ سلمان: لقد ورد في صحيح البخاري في "باب الشجاعة في الحرب والجبن"، حديث أنس -رضي الله عنه-: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَشْجَعَ النَّاسِ وَأَحْسَنَ النَّاسِ وَأَجْوَدَ النَّاسِ. قَالَ فُزِّعَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ لَيْلَةً. قَالَ َانْطَلَقَ النَّاسُ قِبَلَ الصَّوْتِ فَتَلَقَّاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَقَدْ سَبَقَهُمْ وَهُوَ يَقُولُ «لَمْ تُرَاعُوا». قَالَ وَهُوَ عَلَى فَرَسٍ لأَبِى طَلْحَةَ عُرْىٍ فِى عُنُقِهِ السَّيْفُ فَجَعَلَ يَقُولُ لِلنَّاسِ «لَمْ تُرَاعُوا لَمْ تُرَاعُوا» وَقَالَ «إِنَّا وَجَدْنَاهُ بَحْرًا أَوْ إِنَّهُ لَبَحْرٌ»، أي: يُثني على الفرس أنه سريع وكذلك أنه ليس هناك خوف، وكذلك في حنين، يقول تعالى: (وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا)(التوبة: من الآية25)، حيث هرب الناس، والنبي -صلى الله عليه وسلم- ثابت في مكانه لا يتحرك ويقول: «أَىْ عَبَّاسُ نَادِ أَصْحَابَ السَّمُرَةِ» حتى فاؤوا ورجعوا إليه وقاتلوا وانتصروا من جديد بشجاعة النبي -صلى الله عليه وسلم- وثباته.
وأضاف فضيلته أن شجاعة الرسول -صلى الله عليه وسلم- ليست فقط في الحرب، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يُكثر من القتل والإثخان في الحروب، بل ربما لا يكاد أن يكون قتل أو باشر قتل أحد، اللهم إلا أنهم اختلفوا في واحد أو اثنين، بينما الشجاعة الحقيقية للنبي -صلى الله عليه وسلم- تتمثل في كونه يُقدم ولذلك فإنهم -أحيانًا- يقولون في تعريف الشجاعة: إنها "القدرة على التغلب على القلق الذي يداخلك حينما تهمّ بممارسة ذاتك أو بالتعبير عن نفسك أو بممارسة حريتك الحقيقية، فالقدرة على التغلب على هذا القلق الداخلي هي الشجاعة الحقيقية، والتي هي عبارة عن الكلمة التي تقولها لأول مرة أو هي الموقف الذي تتخذه لأول مرة أو الخطوة التي تتخذها لأول مرة وتكون مثقلًا أنت بتردد وبتخوّف.
وأوضح الدكتور العودة أن أعظم شجاعة النبي -صلى الله عليه وسلم- هي شجاعته في الإعلان بالتوحيد في وسط مجتمع وثني مشرك، يقول تعالى: (اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ)(الأعراف: من الآية59)، فقد كان يوجد الكثير من الموحدين والحنفاء في مكة والذين لا يقرون الأساطير والوثنيات والخرافات التي كانت موجودة عند العرب أو عند غيرهم، ولكنهم لم يكونوا يجرؤون على مواجهة الناس بذلك، لأن المواجهة في هذه الحالة تسبب للإنسان نوعًا من العزلة الاجتماعية، والإنسان بطبيعته كائن اجتماعي لا يريد أن يتجافى عمن حوله وأن يخسر الناس من حوله، وكان هذا في كثير من الأحيان هو الذي يحمل الإنسان على أن يطأطئ رأسه وأن يُسلّم، فكون النبي -صلى الله عليه وسلم- وهذا بأمر من الله -سبحانه وتعالى- يجهر بالدعوة فهذا هو أعظم الشجاعة، ولهذا قال: (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ) (الحجر:94)، وأمره بالصبر وبالمواصلة، فالشجاعة من معانيها الصبر والإيمان، والصبر على الدعوة.
وأردف فضيلته: كما أنه من معاني الشجاعة الإحجام -أحيانًا- عن الموقف الذي لا يكون مدروسًا أو لا يكون صحيحًا، ولذلك فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- أجّل أشياء كثيرة لأنها ليست من صلب الموضوع؛ مثلما أجّل قضية بناء الكعبة على قواعد إبراهيم، وهذه من الشجاعة، فلا تقول إنه لم يكن شجاعًا في مواجهة ما سيقوله الناس؛ فقد قال: «وَلَوْلاَ أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثٌ عَهْدُهُمْ فِى الْجَاهِلِيَّةِ فَأَخَافَ أَنْ تُنْكِرَ قُلُوبُهُمْ»، ولكن كان ذلك رحمة بالناس أنفسهم، وليس خوفًا على نفسه، وإلا فإنهم اتهموه بأنه "ساحر، وشاعر، وكاهن، وكذاب.." إلى آخره، ولكن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يشفق عليهم أن تنكر قلوبهم فيستأني بهم ويُقدّم الأمور الأساسية والجوهرية.


شجاعة الصحابة
وأوضح الدكتور العودة أننا حينما ننظر إلى الصحابة -رضي الله عنهم-، سنجد أن عليَّ بن أبي طالب من أشجع الصحابة، وأشعاره مشهورة في الشجاعة، والتي منها:


لِمَنْ رايةٌ سَوْداءُ يَخْفق ظِلُها إذا قيل قَدِّمْها حُصَيْنُ تقدَّما

فقدّمها بالموت حتى يزيرها حياض المنايا تقطُر السمّ والدَّما
فعليّ -رضي الله عنه- كان، كما يعبرون، قطعة من الموت، حيث كان يطلق ذلك على الرجل الذي هو في غاية الشجاعة، كما أخذ الحسين -رضي الله عنه- هذا المعنى عن والده، لافتًا إلى أن بعض الناس يظن أن الانتماء للسُّنة كأنه مجافاة للحسين أو كأنه ميل إلى يزيد، في حين أن السنة يحبون الحسين ولا يحبون يزيدَ، كما سئل الإمام أحمد: أتحب يزيد؟ قال: لا ولا كرامة. قيل: لماذا لا تسبّه؟ قال: وهل سمعت أباك يسبّ أحدًا؟!، بينما الحسين -رضي الله عنه- هو سيد شباب أهل الجنة، وعندهم له قدر ومكانة وفضل.
وتابع فضيلته: لقد كانوا يسألون عليًّا -رضي الله عنه-: أين نجدك في الحرب؟ قال: حيث كنت!، أي في المكان الذي كنت فيه أول مرة، مما يشير إلى أنه لا يتزحزح أو يذهب ويجيء، وإنما هو ثابت في مكانه؛ ولذلك يقول الشاعر العربي على سبيل المدح، وهو معنى لطيف:


وَكَأَنَّ الإِلَهَ قَد قالَ في ال حَربِ كونوا حِجارَةً أَو حَديدًا
أي: كأنه حجارة أو حديد يجلس في مكانه حتى يَقتل أو يُقتل، وكذلك فإنه عندما سئل علي -رضي الله عنه-: كيف تنتصر على خصمك؟ قال: إذا واجهت خصمي أشعر بأنني سأقتله، وهو أيضًا يشعر بأنني سأقتله، فأكون أنا وهو عونًا على نفسه، مشيرًا إلى أن هذا قد يعبر عن أن الشجاعة -أحيانًا- تكون مرتبطة بالهيبة والتاريخ، وخاصة تاريخ الإنسان، وبالجرأة المتراكمة الموروثة لهذا الإنسان والتي ربما تعطي رعبًا، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ»، وقال -سبحانه وتعالى-: (سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ)(آل عمران: من الآية151)، وبالمقابل فإن معاوية -رضي الله عنه- أيضًا كان يتمثّل في الشجاعة بأبيات كثيرة:


أبَتْ لي عفَّتي وأبَى بلائي وأخْذِي الحمدَ بالثمن الرَّبيحِ

وإعطائي على المكروه مالِي وإقدامي على البطلِ المُشيحِ

وقولي كلَّما جشَأتْ وجاشتْ مكانكِ تُحمَدي أو تَسْتَريحي
فكان العرب يعتمدون على مبدأ الشجاعة ويحفظون معانيها ومراميها ومقاصدها، كما أن الشعر ربما يجرئ على الشجاعة، حتى إن بعضهم يقول: إنني أهمّ أن أهرب في الحرب فأتذكر قول فلان أو فلان في الشعر وفي الهروب وفي الانسحاب فأُقدم وأثبت وأحجم عن الهرب.


الجبن.. وإتقان الخوف
وتعقيبًا على مداخلة تقول: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- علمنا أن نتعوذ من الجبن، كما أن أكثر ما كانت العرب تمقته في الرجل هو الجبن، قال الشيخ سلمان: إن الجبن والبخل هما أكثر داءين يعيبان الرجل عند العرب وعند غيرهم، فالجبن له فلسفة معينة، كما قال أحدهم: "لو كان عندي أكثر من روح يمكن أن أضحي بواحدة وأحتفظ بالأخرى ربما رأيتموني أكثر الناس إقدامًا"، ولكنه يدري أنها روح واحدة، وإذا فاتت فلا سبيل إلى عودتها، كما أن الجبن هو نوع من الخوف الذي يراود الإنسان، وعلى ذلك فإن الجبن لا يكون في المعركة فقط، ولكنه يكون أيضًا في مواجهة النفس، وفي مواجهة المرض، كما أنه يجعل الإنسان عنده حالات من القلق أو التردد أو التوجس، فالجبن عبارة عن ضعف يلحق النفس الإنسانية، وإلا فإنه حتى الناس الذين قد يظنون أنفسهم جبناء إذا لحمت الأمور وجدتهم من الشجعان وأقدموا، وهذا كثيرًا ما يتحدث الناس عنه، فربما يظن الإنسان أنه لا يتحمل لكن إذا وجدته في الموقف رأيته يُقدِم وينسى ما هنالك.
وفيما يتعلق بما قاله الكاتب الأمريكي الساخر مارك توين: إن "الشجاعة هي إتقان الخوف وليست غياب الخوف"، قال الشيخ سلمان: إن هذه المقولة تحتمل أمرين، فإنه إما أن يكون صاحب المقولة عنده فلسفة تشير إلى أن الجبن هو الشجاعة الحقيقية، ولكن الوجه الآخر هو أن يكون المقصود بإتقان الخوف وضع الخوف في موضعه ومكانه، بحيث أنه لا يطغى على الإنسان ولا يغيب الخوف، ولذلك فإنه عندما سئل بعض الشجعان: لماذا تُقدِم وأنت تعرف أن الموت أمامك؟ قال: أنا أُقدم لأني أعرف أن الموت أمامي ولذلك كراهية له أنا أهجم عليه!، كما أن بعضهم يعرف أن الموت لا يتقدم ولا يتأخر، إضافة إلى ذلك فإن المؤمن يدري أنه: (وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا)(المنافقون: من الآية11)، فيكون إقدامه ليس طلبًا للموت ولكن هو نوع من الهرب من الموت، وقد كان أبو بكر -رضي الله عنه- يقول لخالد بن الوليد: "اطلب الموت توهب لك الحياة".


شجاعة مع النفس
وفيما يتعلق بأن هناك من يرى أن الشجاعة هي أن تعرف نفسك وأن تكون شجاعًا معها، قال الشيخ سلمان: إنني أعتقد أن هذا هو أساس الشجاعة، بل وأهم صورها هي شجاعة الإنسان مع نفسه قبل أن يكون شجاعًا مع الآخرين، مشيرًا إلى أنه من الشجاعة مع النفس: القدرة على الاعتذار والذي يعد نوعًا من الشجاعة الضخمة مع النفس، وألا يكون الاعتذار الذي يقدمه الإنسان ليقول للناس "أنا شجاع"، فهذا مزلق آخر، حيث نجد أن بعض الناس قد يعتذر ليقول لهم إنني جريء على الاعتذار وإنني شجاع، فليس هذا هو المقصود، ولكن لابد أن يكون الإنسان قد اعتذر إلى نفسه، أي أنه في داخله اعتراف بأنه أخطأ ولكن شجاعته تكون بإعلان هذا الاعتراف الداخلي، وبذلك يكون شجاعًا مع نفسه أولًا، ثم شجاعًا مع الآخرين.
وأضاف فضيلته أنه إذا أخطأ الإنسان، ونبهه الآخرون إلى خطئه، وأنه قد وقع في الخطأ فعلًا، ولكنه يرى أنه على صواب، فإن هذا يعد ظلمًا للنفس، لكن إذا اعترفت النفس لك بالخطأ، فإن الشجاعة تكون هي القدرة على التعبير عن هذا الاعتراف، متسائلًا: متى رأينا مسؤولًا كبيرًا يعترف بخطئه شخصيًا أو خطأ مؤسسته وفريقه؟، مشيرًا إلى أن المسئول ربما يعتقد أن اعترافه بالخطأ يُسقط قيمته أو ينزلها، بينما الواقع يشير إلى أن هذا ربما يكون مدعاة لآلاف المقالات التي تشيد بهذا الموقف، فضلًا عن أنه سيكون قدوة لكثير من الناس، سواء للزوج بأن يعترف بالخطأ مع زوجته أو العكس، أو للابن بأن يعترف بالخطأ مع أبيه أو العكس، أو للموظف بأن يعترف بالخطأ مع رئيسه أو العكس، بحيث تصبح ثقافة معرفة الخطأ جوهرية وتؤثر في ضبط علاقتنا مع الآخرين.
وذكر الدكتور العودة أن الشجاعة لا تكون مرتبطة فقط بحرب أو بظروف خاصة ولكن هناك الشجاعة اليومية؛ فالشجاعة خلق نبيل، مثل الكرم والوفاء والعفة، مشيرًا إلى أن الشجاعة لا تطلق على معنى مذموم؛ ولذلك فإن صفات مثل: التردد والتهور والاندفاع المفرط ليست بشجاعة ولا يوصف صاحبها أو من تنطبق عليه بأنه شجاع، فالشجاعة هي وسط بين رذيلتين كما يقال، لافتًا إلى أن كون الإنسان يكون عنده هذه القدرة على التصحيح، والاعتذار، فإن هذا تراكم لا أقول يومي بل لحظي، فالشجاعة ليست شيئًا نحصل عليه دفعة واحدة وإنما هو شيء نبنيه نحن لبنة لبنة.


شجاعة أدبية
وتعقيبًا على مداخلة، تقول: هناك أمور معينة يمكن أن يقوم بها الإنسان فتخذله الشجاعة الأدبية مع الآخرين، قال الشيخ سلمان: إنه على الإنسان أن يتحلى بالشجاعة، وعلى سبيل المثال، فإذا كان هناك طالب يريد أن يسأل أستاذًا أو شيخًا أو محاضرًا، تجد أنه يتردد، وخاصة إذا كانت الأسئلة مباشرة، لكن إذا كان السؤال مكتوبًا، فإنه يمكن أن يكتب وقد يكتب بلغة مختلفة، وذلك بخلاف ما إذا كان الإنسان يواجه الآخرين وجهًا لوجه، فربما يكون عنده تردد في القدرة على التعبير أو القدرة على السؤال، ولذلك فإنه لابد أن يتحلى الإنسان بشجاعة السؤال.
وتعقيبًا على مداخلة تقول: إن الكثير من المواقف تحتاج شجاعة من رجل ما ليقوم ويصدح بكلمة معينة، حتى وإن كانت الجماهير كلها تخالفه، إلا أن التاريخ يذكر له ذلك، قال الشيخ سلمان: لقد كنت أفكر: من الأكثر حاجة إلى الشجاعة، وأيهما أدعى أن يخاف منها: الجماهير أم الحكومات؟، فوجدت أن هذا ربما يختلف من مجتمع لآخر، وذلك لأن بعض المجتمعات تحكمها حكومات شمولية أو مستبدة، وعلى سبيل المثال، فإن كلمة ربما تقول لصاحبها دعني أو تكون سببًا في مصادرة حريته أو غيابه أو قتله -أحيانًا- وهذا يحدث -أحيانًا- بعيدًا عن المحاكم، وبعيدًا عن القانون والإعلام، حيث هناك حالات كثيرة ينطبق عليها هذا، خاصة في عالمنا العربي، لافتًا إلى أن مواجهة مثل هذه الأمور تتطلب قدرًا من الشجاعة غير عادي، لكن العادة أن الشعوب لا تواجه مثل ذلك، فالذي يحدث في الغالب أن الناس يخرجون من تلك المجتمعات ويذهبون إلى مجتمعات تمنحهم حرية ثم يتكلمون بطريقة لا تعدّ شجاعة، لأنهم بعيدون عن موضع الخطر، وربما هذا الإنسان الذي ابتعد ونأى لم يكن شجاعًا مع نفسه، فأصبح عنده حالة غضب أو ثأر أو انفعال أبعدته عن أن يكون عادلًا أو صادقًا، لأن الصدق قرين الشجاعة.
وضرب فضيلته مثالًا لذلك، بقصة كعب بن مالك -رضي الله عنه- في اعتذاره عندما تأخر عن الغزو، مما يدل على أنه من دون صدق فإنه ليس هناك شجاعة حقيقية، ولكن عندما تمنح الحكومات شعوبها قدرًا معتدلًا أو هامشًا من الحرية فإن الإنسان يبدأ يفكر بأن صول العامة -أحيانًا- أشد من صول السلطان، لأنه يكون هناك حالات من الأذى بشكل آخر، فقد تجد أن أحدًا مقربًا منك لا يتفق مع هذا التوجه فيقع منه الأذى، ولذلك فإن الجاحظ يقول: "تأملت الذين يُقدمون على القتل فوجدتهم ثلاثة: إما متدين، أو غيران – ونحن نعرف أن العشق والعاشقين لهم حالات كثيرة جدًا من الاندفاع- أو رجل يريد أن يدفع ضيمًا عن نفسه لشعوره بضيم أو قهر داخلي، فتقع منه الشجاعة".
وأكد الشيخ سلمان على أهمية أن يكون عند الإنسان القدرة على الصبر، مشيرًا إلى أن الإنسان ليس مطلوبًا منه أن يتعرّض كما ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: «يَتَعَرَّضُ مِنَ الْبَلاَءِ لِمَا لاَ يُطِيقُ»، هذا مؤكد، ولكن أحيانًا الإنسان يسأل نفسه أيضًا: لو أن الإنسان رضي عنه الخلق كلهم، فماذا يكون أضاف إلى نفسه؟، فربما يكون قد حقق شيئًا بسيطًا، لكن لم يقدم أو يضف للحياة معنًى جميلًا، وهذا يؤكد أن مجرد الرضا ليس مطلبًا بذاته، كما أن أشخاص الناس لا يجب أن تكون مطلبًا لذاتها، ولكن المقصود هو التأثير على الآخرين وإيصال الخير لهم وزرع الأمل في نفوسهم، أو أعطاء أفكار جديدة لهم، وأحيانًا ربما لا يتقبلونها، موضحًا أنه على الإنسان أن يكون عنده توازن ما بين الحق الذي يؤمن به وما بين القدْر الذي يتحمله، وعلى سبيل المثال، فإن هناك كلمة تقول: "ليست الشجاعة أن تقول كل ما تعتقد ولكن الشجاعة هي أن تعتقد كل ما تقوله".


سلمان العودة.. وقناعة داخلية
وردًّا على سؤال يقول: كم مرة تعتقد أن سلمان العودة كان شجاعًا في مواجهة أي من التيارين هنا وهناك، قال الشيخ سلمان: إنني لا أسميها شجاعة، ولكن ربما عدم تقدير -أحيانًا- للعواقب، فلو توقع الإنسان ماذا سيحدث ربما يقول لم يكن هناك داعٍ.
وتعقيبًا على مداخلة، تقول: إن السعودية بالذات يوجد بها احتدام يصل إلى القلق أو على الأقل شيء من حراك غير إيجابي يحتاج أحيانًا شجاعة، قال الشيخ سلمان: إنه لا يوجد أحد الآن في هذا الجانب يمتدح بالشجاعة، وذلك لأن هناك قدرًا من الحراك والحرية التي تسمح للإنسان أن يكتب أو يتكلم، كما أن الناس اليوم منقسمون، وعلى سبيل المثال، فإنك عندما تقدم رأيًا تجد الذين يؤيدونه أضعاف الذين يعترضون عليه، مشيرًا إلى أن بعض الذين يعترضون بسبب طريقتهم في الاعتراض، وخاصةً في توظيف المعنى الشرعي، تكون هناك مدعاة للإنسان أن يتألم، ولكنني وجدت أن الصلة بالله حتى لو كانت في ركعة أو سجدة قليلة تمنح الإنسان هذا القدر من الشجاعة، لأن الإنسان الذي يزايد على صلتك بالله أو يهددك بالآخرة أو بالوعيد هو ليس منفردًا بالصلة بالله سبحانه وتعالى.
ولكنك تملك ذلك أيضًا وتستطيع أن تأخذه مباشرة، بأن تتجه إلى الله تعالى مباشرة بدون واسطة من فلان أو علان، وهذا يمنح الإنسان سكينة داخلية، وخاصةً عندما يكون الإنسان عنده قناعة داخلية ليس فقط بما يقول، ولكنه مؤمن بما يقوله، وكذلك عنده قناعة داخلية بأن القدر الذي قاله هو معقول ليس فيه نوع من الإطاحة بالمجتمع أو التسرع أو خطأ الحسابات، ومع ذلك الإنسان بشر، يخطئ ويصيب.


شجاعة المرأة
وتعقيبًا على مداخلة من مشاركة في الموقع الإلكتروني تقول: إن المرأة العربية جُبلت على الخنوع والخضوع والطاعة والسير بجوار الحائط حتى لو كانت على حق، في حين أن الأمر يجب أن يكون عكس ذلك، قال الشيخ سلمان: إن الأخت الكريمة صاحبة المداخلة تستحق أن توصف بالشجاعة، وليس أدل على شجاعتها من هذا البوح الذي باحت به، مشيرًا إلى أن الشجاعة في النساء مثلها في الرجال، في مجالها ونمطها وسياقها الحياتي، كما أن الكثير من النساء تملك الشجاعة داخل بيتها، ومع زوجها، وأهلها، أما مع المجتمع فإن المرأة ربما أضعف من أن تواجه أحيانًا المجتمع بأشياء غير مألوفة حتى لو كانت صحيحة، ولذلك فإن الأمر ليس فصلًا بين الرجل والمرأة، فالله -سبحانه وتعالى- جعل المسئولية مشتركة، يقول تعالى: (أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ)(آل عمران: من الآية195).
وأضاف فضيلته: كما أن المدافعة عن الحقوق، سواء كانت حقوق المرأة أو الرجل، هي معنى مشترك، يقول تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ)(التوبة: من الآية71)، مشيرًا إلى أنه ليس مطلوبًا أن يكون المجتمع منشطرًا إلى قسم أنثوي وقسم ذكوري، وكل طرف يهاجم الطرف الآخر، ولكن ينبغي أن نبتكر نحن نوعًا من التعاون بين هؤلاء الناس جميعًا؛ رجالهم ونسائهم، يقول تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ)(التوبة: من الآية71).


نماذج تظهر فيها الشجاعة
وتعقيبًا على تقرير الحلقة، والذي تحدث بأن الغش التجاري في العالم العربي تسبب في خسائر تقدر بـ"خمسين مليار دولار"، قال الشيخ سلمان: إن الغش التجاري أو الفساد الإداري أو المالي، هو بمثابة نماذج تظهر فيها الشجاعة، حيث يجب على الإنسان أن يكون عنده شجاعة أن يواجه رئيسه بوجود حالة غش أو فساد، وكذلك فإنه من الشجاعة أن يكون عند الإنسان القدرة على الحديث عن أصحاب القضايا الذين يتعرضون لنهب أو سلب أو حالات غش، والقدرة على مواصلة القضية، ليس من باب نفع الذات؛ ولكن من باب الرقي بالمجتمع وصناعة الوعي عند الناس.
وأضاف فضيلته أننا بحاجة إلى تأكيد معنى الشجاعة التي هي العدالة والصدق مع النفس، والحكمة والاعتدال في مواجهة عيوب وسلبيات داخل مجتمعاتنا العربية والإسلامية، أو مواجهة ممارسات لا تتفق مع الشريعة، ولا مع الواقع أو المصلحة، ولكن ربما تحولت إلى عادة عند الناس، وأصبحت عرفًا جاريًا بينهم، وعلى سبيل المثال، فإن كثيرًا من الناس عندما تعاتبه يقول لك: "هذا شيء طبيعي.. كل الناس يعملونه"، أو يقول: "ليس هناك ضرر على أحد"، مؤكدًا أننا بحاجة إلى تراكم شجاعة معتدلة في هذا الخصوص، وليس فقط من جهات رسمية، ولكن شجاعة الإعلام، والنقد، وشجاعة الفرد العادي في التوجيه، وكذلك شجاعة الإنسان في الاعتذار من الخطأ.


شجاعة الإجرام
وفيما يتعلق بأن البعض يرى أن من صور الشجاعة ما يقوم به البعض من نشر الذعر في المجتمع ويعتبرونها (مرجلة) وانتزاع الحق باليد، وهو ما يمكن أن نسميه بـ"شجاعة الإجرام" وأخذ الأشياء كلها عنوة، قال الشيخ سلمان: وذلك مثل الفتوّات في روايات نجيب محفوظ وغيرها، حيث كثيرًا ما يتحدث عن مثل هذه النماذج، والتي تمثل أحيانًا حالة من الإجرام، لافتًا إلى أن الإنسان في هذه الحالة لا يوصف بالشجاعة، كما أنه من الخطأ أن تعتبر هذه شجاعة، فبعضهم يقول: "هذه جرأة"، ولكن هناك فرق بين الجرأة وبين الشجاعة، فالشجاعة أكثر أخلاقية كما أن فيها نوعًا من العقلانية، بينما الجرأة هي اندفاع قد لا يكون مدروسًا، وقد لا يكون في مكانه الصحيح، وتكون شجاعة الإنسان كما تريد النفس وليس شجاعة كما يريد الحق وكما يقتضي العدل والصواب، كما أن الشجاعة ممارسة ذاتيه، وعلى سبيل المثال، فقد كان هناك رسّام كان يرسم وأمه لا يعجبها أن يرسم وهو مصرّ على الرسم، وكانت الأم في كل مرة توبخه وتعاتبه، وفي مرة من المرات وبخته بشدة فرسم ونام وهو متردد بين ممارسة هواية ذاتيه مباحة وبين طاعة أمه، فرأى في النوم أنه ينتحر.
وعندما صحا من النوم سأل أحد المعبرين قال له: إن ذلك يرجع إلى أنك خلال ممارستك لشيء مرفوض أسريًا أو عائليًا، فإنك في هذه الحالة كأنك تنفصل عن مجتمعك، وهذا الانفصال هو نوع من العزلة والموت، بينما الحياة في التواصل مع الناس من حولك، سواء مع والدتك أو أسرتك، وهذا لا يتم إلا بترك أمر أنت تريده وتختاره، وكأن الإنسان في هذه الحالة يكون في خيار ما بين ممارسة ما يحب ويهوى وما بين طاعة من حوله، وهذا بالطبع يحتاج إلى قدر من الوعي.


الإيمان يغرس الشجاعة
وردًّا على سؤال يقول: كيف يمكن للإيمان أن يغرس الشجاعة في نفوسنا؟، قال الشيخ سلمان: إن الأمر هو عبارة عن محاولة وتراكم، ومع الوقت عندما يتحوّل الإيمان إلى إجراءات عملية ومواقف يومية، فإن الإنسان في موقفه الآني وفي اللحظة التي يعيشها يحاول أن يستدعي الإيمان ليكون عاصمًا من اليأس، فلا يقدِم على ما لا يجمُل ولا يليق، كما يستدعي الإيمان ليكون معززًا للصبر والثقة فيُقدم الإنسان ويثبّت قدميه ويمضي في شيء، وكما يقول الشاعر:


وَلَيتَ الَّذي بَيني وَبَينَكَ عامِرٌ وَبَيني وَبَينَ العالَمينَ خَرابُ

إِذا صحّ مِنكَ الوُدَّ فَالكُلُّ هَيِّنٌ وَكُلُّ الَّذي فَوقَ التُرابِ تُراب
وفي هذا تقدير لقيمة الإنسان، وذلك بدلًا من أن يكون الإنسان فقط ترسًا في آلة، أو رقمًا في عديد، يحاول الإنسان أن يعطي لنفسه قيمة ذاتيه من خلال إيمانه بالله، مشيرًا إلى أن الإيمان يعزز قيمة الإنسان الذاتية حتى ضمن المجتمع، فهو لن ينفصل عن مجتمعه ولن يتمرد، فالشجاعة ليست حالة تمرد على المجتمع، كما أنها ليست حالة ثورة مطلقة ورفض لكل شيء أو تحطيم لقيم ومعانٍ سامية باقية، ولكن الشجاعة هي أيضًا إعطاء النفس قدرًا من الاستقلال والمسئولية.


من الشجاعة محاسبة النفس
وتعقيبًا على مداخلة من مشارك، يتحدث عن الشجاعة بوصفها الوقوف مع النفس، وعن المحاسبة، وكيف كنا مُغرقين في الدنيا، قال الشيخ سلمان: إن هذا له علاقة ببداية العام الهجري الجديد، فالوقوف مع النفس وإن كنت أرى أنه ليس شيئًا سنويًّا يتردد، إلا أن الوقوف مع النفس شجاعة، والشجاعة هي موقف يومي بل لحظي، ولذلك فإنه على الإنسان باستمرار أن يكون يقظًا مع نفسه، مشيرًا إلى أنه ليس هناك من شيء يضر بالآخرين مثلما تكون الغفلة عن النفس، فالإنسان ربما يكون مشغولًا بدنيا أو بخير أو بعلم أو بدعوة، ولكنه مشغول حتى عن نفسه، فلا يراقب نفسه، ولا يعرف حقيقة الدوافع؛ ولذلك فإن عمر -رضي الله عنه- كان يقول: "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزينوها قبل أن توزنوا وتهيئوا للعرض الأكبر، يقول تعالى: (يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ) (الحاقة:18)".
وأوضح الدكتور العودة أنه لا بأس أن يبني الإنسان عمارة أو دولة.. ليكن ذلك، أو يجمع المال، وليكن مليارديرًا، فلا حرج في ذلك "فنعم المال الصالح للرجل الصالح"، ولكن هذا يجب أن لا ينسيه الصلة بالله -سبحانه وتعالى-، يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ)(الحج:من الآية 77)، وأن لا ينسيه فعل الخير، يقول تعالى: (وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (الحج:من الآية 77) )، ويقول أيضًا: (قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ) (القصص:17)، حيث يجب محاسبة النفس قبل الموت وقبل حياة البرزخ، وهي حياة الناس في قبورهم قبل الآخرة، يقول تعالى: (يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ) (الحاقة:18)، والبناء للدنيا والآخرة، فهما ليسا شيئًا منفصلًا؛ فالدنيا مزرعة الآخرة، والإنسان يمكن أن يعمل للدنيا بجهده، ومع ذلك يكون هذا العمل مقدرًا للآخرة، والله -سبحانه وتعالى- يأجرنا ويثيبنا على العمل المصحوب بالنية الطيبة، وأن يستغني عن الناس، وأن يغني أولاده: «إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ».

الكاتب: الإسلام اليوم/ أيمن بريك الاحد 13 محرم 1432الموافق 19 ديسمبر 2010

أبولؤى
21 Dec 2010, 01:53 PM
عبد العزيز محمد قاسم
"الفاروق عمر".. دراما إسلامية أم فانتازيا فضائية؟


طالعت قبل أيام قلائل صورة معبّرة تشي بالكثير لراصدٍ مثلي لمسيرة الإعلام الإسلامي أو الهادف؛ ذلكم أن شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب ظهر في الصورة وبجانبه الشيخ الوليد الإبراهيم رئيس مجلس إدارة (مجموعة MBC ) والشيخ سلمان العودة والدكتور وليد سيف وبعض المرافقين، وكما جاء في الخبر؛ كان حديث هؤلاء مع شيخ الأزهر حول الدراما وأهمية توظيفها في محتوى إيجابي، وعرضوا مشروعاً متكاملاً يبدأ بمسلسل (الفاروق عمر).
وبحسب الخبر المرفق مع الصورة، فإن المسلسل سيتطرق لإحدى أهم حقب التاريخ الإسلامي؛ إذ يجسّد سيرة ثاني الخلفاء الراشدين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وأعرب القائمون على العمل عن رغبتهم في التواصل بشأنه مع المراجع الإسلامية ومجامع الفقه في العالم الإسلامي.
لم يذكر الخبر موقف شيخ الأزهر من تمثيل شخصية بحجم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب في ظل ممانعة قوية من قبل الشرعيين السعوديين -وغيرهم من فقهاء العالم الإسلامي- الذين لا يرون أبداً تمثيل صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم مهما كانت سامية الهدف والرسالة، واكتفى شيخ الأزهر بتوجيه "مجموعة طيبة من النصائح والملحوظات وأهمية توظيف الإعلام والتقنية في الحفاظ على شباب المسلمين وربطهم بدينهم وتوعية الأجيال بمقدساتهم".
كتبت في مقالات عديدة أن الدراما باتت الأولى في التأثير فضائياً، بل تجاوز دورها إلى كتابة التاريخ وترسيخه -بتأثير بالغ- في وعي الأجيال الجديدة بما لا تفعله المناهج والكتب والصحف والدوريات التاريخية، ولعل مسلسل الملك فاروق -قامت ذات الشبكة الإعلامية بإنتاجه- نموذجٌ مثالي للتدليل على ذلك؛ فقد فاجأت الجميع بصورة مغايرة تماماً لما قرؤوه وتعلموه في مناهجهم أو الكتب التي كتبت في مصر عن الملكية، وقد شوّهها عسكر يوليو، وبدا الملك الشاب فاروق في صورة غير التي صوّرها ضباط الثورة بأنه سكّير وعربيد وزير نساء وجبان، لا سيما أن الممثل السوري تيم الحسن بوسامته وإتقان دوره؛ سحر المشاهدين، وكسب تعاطفهم، وقلب كل الانطباع السابق عن ذلك الملك المخلوع. وأبهرنا المسلسل عبر ديكوراته الباذخة، وجودة إخراجه، وحسن أداء الممثلين، علاوة على أنه صوتٌ وصورة، أكثر بكثير مما قرأناه من نتفٍ يسيرة تائهة عن الملك فاروق، وعبر سطور جامدة لا حياة فيها سوى الخيال فقط.
في نهاية الأسبوع الفارط كنت في القاهرة، والتقيت مجموعة من القيادات المتخصصة التي تعمل في الفضائيات الإسلامية، ورأيتهم متذمرين جداً مما آلت إليه أوضاع هذه الفضائيات، التي وصلت لحالة اختناق، وتوقفت مسيرتها عند تلك المواعظ والخطب التي بدأت بها، ورأوا أنه لا مخرج لها إلا بامتطاء الدراما، وهي الأداة الأكثر تأثيراً وجذباً. شخصياً قلت لهم إنني لا أراهن أبداً على هذه الفضائيات لأنها بدأت برؤوس أموال متواضعة، أو بحماسة لم تتنبه إلى أن الفضائيات المتخصصة أيديولوجياً غالباً ما لا تكون رابحة، وهذا التاجر المحتسب مهما بلغ من الاحتساب لا يستطيع الصرف لسنوات طويلة؛ لذلك رأينا تساقطها مالياً الواحدة تلو الأخرى، لدرجة أن قناة (صفا) أعلنت إفلاسها رسمياً، إضافة إلى مرحلة شدّ حزام طالت كل القنوات الفضائية الإسلامية بلا استثناء، ومعظمها يمرُّ بمرحلة احتضار، وعليه فإن الرهان على تلكم القنوات في إنتاج دراما محترفة، بما يتوسّمه المحبون غير ذي جدوى أبداً، وأرى ضرورة استثمار حماس الشيخ الوليد الإبراهيم، فتشجيع هذا التوجه لديه من قبل الأخيار والدعاة هو الأولى بدلاً من مجابهته، فالشركة –رغم اختلافنا على ما تطرح من مضامين في بعض أقنيتها- إلا أنها الأولى والمتسيّدة فضائياً في الساحة العربية، وهي الأقدر في مجال الدراما، وقد رعت مجموعة من المسلسلات الناجحة عربياً، ودونكم مسلسل (باب الحارة) الذي حبس المجتمعات العربية في شهر رمضان وهم يتابعونه بشغف، وبث كثيراً من مفردات المحافظة، وجسّد الأصالة والتاريخ، وتسوّل الأجواء التراثية والفلكلورية لمفردات الحارة الشامية، ونسف ما كان يتحجج ويتبجح به منتجو الأفلام الهابطة، عندما يجابهون عن الإسفاف والابتذال الفني الذي يقدمونه، ليردوا علينا بمقولتهم البليدة: "الجمهور عاوز كده"، فجاء (باب الحارة) ليردّ هذه الدعوى الساقطة، فضلا عن أن المسلسل قدّم المرأة في دور محتشم، وظهرت في أجزاء كثيرة بحجابها، كردّ عملي لأولئك النفر إياهم الذين طالما ردّدوا بأن نجاح أي عمل فني يتطلب شيئاً من المشاهد الجريئة والفاضحة، وكل هذا يجعلني متحمساً لهذا المشروع الضخم الذي لم يكشف كامل تفاصيله، وأن الأولى رعايته وتصويبه ودعمه بدلا من محاربته.
إننا –أيها السادة- بمساندتنا ومناصحتنا الوليد الإبراهيم نستطيع بلورة دراما على مستوى عال من المهنية، وتقليل الملاحظات الشرعية، واضعين نصب أعيننا المقاصد التي نريد من عمل فني كهذا، بات في حكم الضرورة الشرعية؛ بسبب قيام الآخرين بتشويه صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكتابة التاريخ برؤيتهم التي تتغاير ورؤيتنا، ونحن جامدون بليدون بلا حراك ولا ردة فعل سوى النياحة ورفع العقائر بالاحتجاج، فيما القوم أودوا بالإبل، وبثوا كل الشبهات حول صحابتنا العظام بأقوى أداة تأثير عصرية وهي الدراما..
للشيخ سلمان العودة ورفقته الشرعيين المبادرين بتشجيع هذا العمل؛ كل ثقتنا المطلقة بأنهم سيكونون الأحرص على الصبغة الشرعية لمنتج درامي إبداعي يخدم رسالتنا ومذهبنا السني الأصيل، وشكراً كبيرة للوليد الإبراهيم على مبادرته الغيورة، وعساه أن يرصد لها ميزانية ضخمة، ويحشد لها أمهر المهنيين والممثلين، ولا يبخل على البرنامج فهو باسم ثاني أعظم الخلفاء والصحابة.

الكاتب: عبد العزيز محمد قاسم الاثنين 14 محرم 1432الموافق 20 ديسمبر 2010

أبولؤى
24 Dec 2010, 12:42 AM
د. العودة يحاضر عن الأمن كقيمة للحياة في ملتقى خير أمة

مشرف النافذة
يلقي فضيلة الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة محاضرة بعنوان " الأمن.. قيمة الحياة" يوم الخميس 24 محرم الموافق 31 ديسمبر وذلك في ملتقى خير أمة الذي ينظمه فرع رئاسة هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمنطقة الرياض.

الكاتب: مشرف النافذة الاربعاء 16 محرم 1432الموافق 22 ديسمبر 2010

أبولؤى
25 Dec 2010, 01:09 AM
فضيلة الشيخ/ سلمان بن فهد العودة
إرادتك هي السبب

قال لي صاحبي ، وقد قرأ رسالة من فتى حديث السن ، يتقد حماساً وغيرة ، يهاجم فيها رأياً لم يرق له ، ويستخدم لغة مكتظة بالمفردات الحادة ، والتعبيرات القوية ..
كيف تعيش حياتك وتهنأ بنومك وأنت تقرأ مثل هذه الرسالة وربما غيرها ؟
ابتسمت وأنا أقول لصاحبي .. ليس ثمّ ما يدعو إلى الجزع من شخص يختلف معك ، ويعبر عن اختلافه بطريقة تناسبه ، وهو يتحمل هو تبعتها .. كما قال أحدهم :
لأسبنك سباً يدخل معك قبرك ؟
قال له : بل يدخل معك أنت !
ربما المشكلة هي في استخدامه لغة دينية ، لأن دافعه فيما يظن هو ديني ، فالغيرة والصفاء والصدق والإخلاص هو ما يحس به تجاه ذاته .
والشك والحيرة أو سوء الظن هو ما يحس به تجاه من يختلف معه ، وهنا عمق المشكلة .
أن يكون يريد تحطيمك وتدميرك على الأقل معنوياً باسم الله !
قلت لصاحبي .. أعظم ما تواجه به مثل هذا الصنع هو الانكسار بين يدي الله ، والسجود والتذلل لوجهه ، مع استحضار قربه وعظمته ، واستذكار علمه بالدوافع والنوايا وخطرات القلوب ، وما تخفي الصدور ، فيما يخصك ، وفيما يخص خصمك .
وعلمه التام بأحوال العباد ومصالحهم ، وما يترتب على الأقوال والأعمال من الآثار والمآلات التي تعبّدنا فيها بالاجتهاد وبذل الوسع ، ثم جعل الآخرة مملكة العدل التي لا سلطان فيها لغيره ، ولا ظلم ، ولا أسرار (لا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ)(غافر: من الآية16) ، (يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ) (الحاقة:18) ، (يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ * فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلا نَاصِرٍ) (الطارق:10،9) .
هو الله الذي تعبده دون وسيط ، وتتضرع إليه أن يأخذ بيدك إلى الحق والخير والعدل في المضايق والمشتبهات ، وتحاول أن تتجرد من مقاصد الشر والإثم والبغي والأذى ، ونيات السوء وظنون السوء ، وأن تعترف بنقصك وجهلك وظلمك وخطئك وعجلتك ، وتضع بين يديه عجرك وبجرك ، وخيرك وشرك ، وتناديه بأن يحميك من نفسك أولاً ، ثم من شر الآخرين وضرهم وأذاهم ، وإذ قدر ألا أحد من خلقه يسلم من أذى الخلق فالضراعة إليه أن يمنحك القدرة على الاحتمال والصبر والانضباط ، فلا تخطئ في حقهم ، ولا تظلم أو تبغي ، ولا تصر على خطأ بان لك فيه وجه الحق ، ولا تتزحزح عن صواب أنت مؤمن به في دخيلتك ، فالله الذي باسمه يتوعدك هذا الفتى ، هو الله الذي تؤمن به ، وتستغيث وتستنجد ، إياه تعبد ، وله تصلي وتسجد ، وإليه تسعى وتحفد .
يا صديقي .. لا أحد من الخلق يستطيع أن يغضبك أو يحزنك دون إرادتك !
ما تحس به في داخلك من مشاعر سلبية ليس بسبب ما يحدث حولك ، ولا برسالة منتقصة ، أو ازدراء عابر ، أو ظن سوء من بعيد ، أو جفاء من قريب .. كلا .
ما يحدث في داخلك هو بسبب تحليلك أنت للأمور من حولك .
وعندما تغيّر طريقة نظرك للأحداث ستتغير مشاعرك ، وتهدأ انفعالاتك حتى بالنسبة للحدث ذاته .


وَما الخَوفُ إِلّا ما تَخَوَّفَهُ الفَتى وَلا الأَمنُ إِلّا ما رَآهُ الفَتى أَمنا
كنت ذات مرة أداري سؤالاً محرجاً أخشى أن يواجهني به أحد فينتزع مني كلاماً لم أرتبه جيداً ، أو يُربكني فأقول ما ليس لي به علم .
ثم تأملت السؤال مرة ومرتين فانقدح في نفسي له جوابات فيها بعض السداد والتوازن ، فصرت أتمنى أن لو أتيح لي من يقول السؤال ذاته الذي كنت أخافه ، أياً كان مقصده في عرض السؤال ؛ لأنه سيمنحني فرصة جميلة لأقول كلاماً مناسباً .
حينما تقع مشادة كلامية بينك وبين آخر ، وتؤدي إلى أن يقول عنك شيئاً يؤذي مشاعرك ويجرح أحاسيسك ، فيمكنك أن تفسّر الأمر بأنه إهانة أو انتقاص أو تحقير لشخصك ، وأن يظل الحزن مخيماً عليك سحابة نهارك ، فإذا أويت إلى فراشك صرت تتقلب على جمر الغضا ، وتتذكر الموقف ، وكأنه شريط تعرضه المرة بعد المرة ، وتحاول نسيانه فلا تقدر !
وحين تغير طريقة التحليل للموقف ، وتتوقع أن هذا الإنسان كان يمر بظروف صعبة وتعب نفسي ، رجل أثقلت كاهله الديون ، مجهد نفسياً لا تزيده الأيام إلا قلقاً وعناء ، زوج غاضب زوجته ، أو فاصلها وخسر أولاده وأسرته ، مستور تلاحقه الشائعات وتقلقه الأقاويل ويتهامس الناس عنه بما لا يجمل ، مريض حار الأطباء في شفائه ، كئيب يعاني هموماً أمثال الجبال ، شاب ضاعت به السبل فلا عمل ولا وظيفة ولا شهادة ولا زواج .. إلخ
إن الحياة ملأى بأنواع المتاعب وضروب المعاناة ، ولا يتسنى لكل إنسان فيها أن يكون هادئاً مطمئناً ساكن النفس مرتاح البال ، يتعاطى القضايا والمواقف بكل أريحية واعتدال وحكمة ..
وربما هو مثلك الآن يتقلب على فراشه ألماً وندماً على ما فرط منه في حقك !
وإذا قلت .. فلم لا يبادر ويعتذر إليّ .. فهذا حسن جميل ، وخير دواء للندم حين تسيء للآخرين هو أن تبتسم لهم وتقدم اعتذاراً ليس فيه شرط ولا مثنوية ولا تردد ولا خجل ..
على أنك لا تدري فربما كان الرجل حزيناً ؛ لأن هذا دأبه معك ومع الآخرين ، وأنها طبيعة نفسٍ حار هو فيها ، ويئس منها أو كاد ..
غيّر رؤيتك وتصوراتك عن المواقف التي تعرض لك وستتغير انفعالاتك إزاءها ، وتذكر أن ربك العليم لا يغير ما بك حتى تغير ما بنفسك ..
سمعت فتى ذات مرة يتضجر من خصومه ويقول :
-اللهم اكفنيهم بما شئت وأنت السميع العليم !
فقلت له : لقد دعوت عليماً رحيماً قديراً سميعاً بصيراً ، وكان أولى بك أن تقول : اللهم اكفني شر نفسي ، وشر كل ذي شر ، أعوذ بك من شر نفسي ، ومن شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم .
يا صديقي .. هذه الحجارة التي رماك بها صاحبك يمكن أن تبني بها طريقاً إلى دروس الصبر والنجاح متى كنت يقظاً مستثمراً للفرص ، إيجابياً في مواقفك ونظراتك ، مدركاً أنك لست مركز الكون ، وصاحبك أيضاً ليس هو مركز الكون والسلام .
الكاتب: فضيلة الشيخ/ سلمان بن فهد العودة السبت 19 محرم 1432الموافق 25 ديسمبر 2010

أبولؤى
27 Dec 2010, 03:24 PM
الإسلام اليوم/ أيمن بريك
د. العودة: من غير الإنصاف أن نبالغ في الفخر بالماضي ثم نخفق في قراءة الحاضر والتعامل مع مشكلاته

أكد فضيلة الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة ـ المشرف العام على مؤسسة "الإسلام اليوم" ـ أنه من غير الإنصاف أن نبالغ في الفخر والعيش في الماضي واستدعاء التاريخ بكل مناسبة وبدون مناسبة، في حين أن نخفق في قراءة الحاضر والتعامل مع مشكلاته وتحدياته، مشيرًا إلى ضرورة أن يبقى التاريخ دافعًا لنا للمستقبل وليس غرقًا في الماضي، لافتًا إلى أنه من الخطأ أن يتوقف الإنسان عند الفخر والتمدح بنجاح معين دون أن يطوره أو ينتقل إلى غيره.
وقال الشيخ سلمان ـ في حلقة الجمعة من برنامج "الحياة كلمة"، والذي يبث على فضائية mbc ، وجاءت تحت عنوان "فخر" ـ: إن كثرة العيش في التاريخ هي إحدى مشكلاتنا، وعلى سبيل المثال، يقول نزار قباني مفتخرًا بالماضي:


وقبر خالد في حمص تلامسه فيرجف القبر من زواره غضبا

يا رُبّ حيٍّ رخام القبر مسكنه ورُبّ ميت على أقدامه انتصبا!
وأضاف فضيلته: دعونا نجرب أن يكتب الإنسان منا مقالًا أو يلقي محاضرة أو خطبةً في جمعة دون أن يستدعي التاريخ ويبالغ في الحديث عن الماضي، مشيرًا إلى أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن الفخر بالآباء، وهذا كان واضحًا في الجاهلية، يقول تعالى: (تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (البقرة:134).


العرب.. والفخر
وفيما يتعلق بأن صفحات التاريخ العربي مليئة بحبر الفخر، سواء من قبل الشعراء أو من الطبيعة العربية التي تفخر بكل شيء، قال الشيخ سلمان: إن الإنسان بطبيعته يحب ذاته، مشيرًا إلى أنه ليس المقصود بحب الذات حب النفس فقط، ولكن حب القبيلة والبلد والجماعة التي ينتمي إليها الإنسان، وهذا إحساس فطري عند الإنسان العربي وغير العربي، ولكن في بعض الأحيان يطغى الإعجاب بالذات أو تطغى (الأنا) المفردة أو المجموعة، لافتًا إلى أن الفخر يعبر عن الحالتين، فهو يعبر عن الإعجاب المعتدل، كما يعبر عن الإعجاب المفرط الذي يتحول إلى كِبر أو خيلاء أو إطاحة بالآخرين.
وأضاف فضيلته: لقد حفل التاريخ العربي بألوان كثيرة جدًا من الفخر، بَدءًا من الفخر بالذات إلى الفخر بالقبيلة، والفخر بالمعاني الإيجابية، مثل الكرم، والشجاعة، والأخلاق، وخوض المعارك والصعاب والتحديات، والوفاء، إلى الفخر بالمعاني المذمومة، مثل الفخر بشرب الخمر أو بسفك الدم أو بمغامرات عاطفية مفرطة، وكل ذلك حواه ديوان العرب.


الشعر.. والفخر
وتعقيبًا على مداخلة تقول: إن أكثر نموذج للفخر في الشعر هو نموذج المتنبي، قال الشيخ سلمان: إن الفخر من أكثر الأغراض التي احتوى عليها الشعر العربي، فمَثَلُه مَثَلُ الشجاعة والرثاء، في كل لون منها، وعلى سبيل المثال، فإن العرب يفتخرون بالوفاء، كما يقول الشاعر:


وَفَيتُ بِأَدرُعِ الكِندِيِّ إِنّي إِذا ما خانَ أَقوامٌ وَفَيتُ
كما كان العرب يفتخرون بالكرم وبذل المال، حيث كان الشعراء يهتمون اهتمامًا كبيرًا بالفخر، سواء كان المتنبي أو عامة الشعراء، ونظراءهم في العصر الحديث، مثل: نزار قباني، حيث تجد أن "الأنا" عندهم مفرطة في التضخم. وعلى سبيل المثال، فإننا نجد المتنبي يقول وهو يخاطب سيف الدولة وفي مجلسه، بقصيدته المشهورة "واحر قلباه":


سيعلم الجمع ممن ضمّ مجلسنا بأنني خير من تمشي به قدم

أَنا الَّذي نَظَرَ الأَعمى إِلى أَدَبي وَأَسمَعَت كَلِماتي مَن بِهِ صَمَمُ

أَنامُ مِلءَ جُفوني عَن شَوارِدِها وَيَسهَرُ الخَلقُ جَرّاها وَيَختَصِمُ
فيقول (أنا) هكذا بملء الفم، ولذلك يقال إنه سمي المتنبي لهذا البيت:


أَنا في أُمَّةٍ تَدارَكَها اللَـ ـهُ غَريبٌ كَصالِحٍ في ثَمودِ

ما مُقامي بِأَرضِ نَخلَةَ إِلّا كَمُقامِ المَسيحِ بَينَ اليَهودِ
كما يقول أيضًا:


أَيَّ مَحَلٍّ أَرتَقي أَيَّ عَظيمٍ أَتَّقي

وَكُلُّ ما قَد خَلَقَ الـ ـله وَما لَم يَخلُقِ

مُحتَقَرٌ في هِمَّتي كَشَعرَةٍ في مَفرِقي
حيث نجد أن المتنبي يستخدم لغة صاخبة مجلجلة، فيها ادعاء ومباهاة، حتى إنه يتحدث عن أن الدهر لو كان أمامه لاخترطه بسيفه! وهذا فيه جانب من المبالغة الشعرية، لكن هناك ما يسمونه في علم النفس بـ"النرجسية"، وهي أسطورة يونانية تعبر عن رؤية الذات، وأن الإنسان لا يرى إلا ذاته فيما حوله.


مدح الذات!!
وأردف الدكتور العودة: لقد سمعت ذات مرة شريطًا لنزار قباني فيه أمسية شعرية أو أبيات ربما ديوان بكامله، وقمت بعدِّ المرات التي قال فيها (أنا)، فوجدته قالها أكثر من تسعين مرة خلال ساعة تقريبًا! مشيرًا إلى أن ذلك ربما يرجع إلى تضخم (الأنا) عند العربي، وخاصة عند الشعراء، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل هذا التضخم حقيقي؟ لافتًا إلى أنه عندما سئل بزرجمهر ـ وهو حكيم فارسي ـ: ما هو الحق الذي لا يجب أن يقال؟ قال: هو مدح المرء ذاتَه! ولذلك فإنه على الإنسان حتى لو تحدث الناس عنه بصيغة المدح، فإنه يجب أن يحاول قدر المستطاع ألا ينساق وراء هذا المدح، وألا يتحدث عن ذاته بلغة المدح والإطراء، وخاصة إذا لم يكن له مناسبة، موضحًا أن هناك من الناس من لا يجد من يمدحه فتجده يمدح نفسه، مثلما يقال عن أعرابي أنه سئل: لماذا تمدح نفسك؟ قال: إلى من أكلها إذًا؟! لأنه لم يجد من يمدحه قام هو بمدح ذاته.
وتابع فضيلته: لقد سئل بزرجمهر أيضًا: ما هو الخلق الجميل الذي لا يحسد عليه صاحبه؟ فقال: هو التواضع، فالتواضع ضد الفخر المفرط والكبرياء، وسألوه: ما هو البلاء العظيم الذي لا يُرحم صحابه؟ قال: هو الكِبر.


أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ وَلاَ فَخْرَ
وتعقيبًا على مداخلة، تقول: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- جمع بين الفخر والتواضع حينما قال: «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ وَلاَ فَخْرَ»، قال الشيخ سلمان: هذا حديث صحيح عند الترمذي وأحمد عن أبي سعيد الخدري «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ» وهذا متفق عليه في حديث الشفاعة الطويل، مشيرًا إلى أن هذا هو نوع من البلاغ والبيان، وذلك لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في هذا الحديث يتحدث عن منصب رباني وتشريف إلهي ينبغي على الناس أن يؤمنوا به وأن يعرفوا قدره، فهو جزء من الإيمان، فهذا يعتبر تحدثًا بنعمة الله تعالى، كما قال ربه -سبحانه وتعالى-: (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) (الضحى:11)،كما أن قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «وَلاَ فَخْرَ» هو نفي للمعنى السلبي للفخر، فالفخر الذي يقع عليه الذم والنهي الشرعي هو الفخر الذي يترتب عليه مبالغة في رؤية الذات أو الإنجاز، بحيث يتوقف الإنسان عند إنجاز معين دون أن يكرره أو يطوره، ولكنه يعتبر أنه قام بعمل ما، ويقضي بقية عمره يتمدّح بهذا العمل.
وأضاف فضيلته أن البعض قد يتعلل بداية بكون هذا "تحدثًا بنعمة الله"، ولكنه يمتد إلى إظهار الإعجاب، والخيلاء، والكبر على الآخرين، أو الإطاحة بجهودهم، لافتًا الانتباهَ إلى أن الغالب أن المفاخرة العربية أو المساجلة المنافرة ـ كما كانوا يسمونها ـ كانت تعقد بين القبائل وأحيانًا في مجالس الملوك، وربما ترتب عليها معارك أو صراعات أو مشكلات ضخمة.
وأوضح الدكتور العودة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- عندما قال: «وَلاَ فَخْرَ» أراد أن يُبيّن أن قوله «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ» ليس منطلقًا من معنى ذاتي نفسي؛ وإنما هو بلاغ رباني، فليس فيه مدعاة للفخر، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- كان في غاية التواضع عندما قال: «هَوِّنْ عَلَيْكَ فَإِنِّى لَسْتُ بِمَلِكٍ إِنَّمَا أَنَا ابْنُ امْرَأَةٍ تَأْكُلُ الْقَدِيدَ»، كما أن النبي -صلى الله عليه وسلم- عندما فتح مكة دخلها مطأطئ الرأس، متواضعًا لربه -عز وجل-، فضلًا عن السجود لله -عز وجل-، وأنواع التذلل لله التي كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقدمها وهو أفضل وأعظم البشر، فهو أعظم من الملوك والرؤساء والكُبراء، فهو أفضل من وطئ الثرى -عليه الصلاة والسلام- بإذن وبأمر ربه وببلاغ وبيان إلهي، ومع ذلك نجد أنه يتحلى بالتواضع والاستيعاب.
وتابع فضيلته أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبلِّغ كل ما أوحي إليه من ربه، سواء أكان فيه مدح له أو عتاب ولوم، وعلى سبيل المثال، فإنه عندما قال له ربه (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (القلم:4) بلغها النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى أصحابه، وهي جزء من القرآن الكريم، وبغاية التواضع، وكذلك عندما نزل القرآن يعاتب النبي -صلى الله عليه وسلم-، مثل قوله تعالى: (وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ)(الأحزاب: من الآية37)، أو قوله -سبحانه وتعالى-: (وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا)(النساء: من الآية105)، أو قوله -سبحانه وتعالى-: (عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى) (عبس:2،1)، إلى غير ذلك، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- تلقى أيضًا هذا العتاب بتواضع وبانكسار لربه وبلَّغه لأمته ولأصحابه -عليه الصلاة والسلام-، ولم يكن في موقف من المواقف، سواء كان موقف نصر أو عز أو قوة، إلا كان دائم الشكر والتواضع لله -سبحانه وتعالى-، فلم يتكبر على أحد قط، وهذا ما يشير إليه قوله -صلى الله عليه وسلم-: «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ وَلاَ فَخْرَ».


الفخر بين الإيجابية والسلبية
وردًّا على سؤال يقول: هل المعنى الإيجابي للفخر يتلخص في "الاعتزاز"؟، قال الشيخ سلمان: إن المعنى الإيجابي للفخر هو أن يفخر الإنسان بدون مبالغة، فقد يعتد الإنسان بإمكانات معينة، ولكن ليس على سبيل الإدلاء على الآخرين أو الإطاحة بهم؛ ولهذا فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: «أَرْبَعٌ فِى أُمَّتِى مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ لاَ يَتْرُكُونَهُنَّ الْفَخْرُ فِى الأَحْسَابِ وَالطَّعْنُ فِى الأَنْسَابِ...» إلى آخر الحديث، فالحسب هو المجد أو الفضائل أو عظمة الآباء والأجداد، موضحًا أن الفخر يكون مذمومًا إذا كان فيه إطاحة بالآخرين، أو مبالغة، أو توقف عند إنجاز معين، بحيث يدخر الإنسان بقية عمره للتمدح بهذا الإنجاز، سواء كان إنجازه هو أو إنجاز آبائه وأجداده.


الفخر في القرآن
وفيما يتعلق بقوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا)(النساء: من الآية36)، قال الشيخ سلمان: لقد ورد الفخر في القرآن الكريم في مواضع، منها: قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا)(النساء: من الآية36)، حيث نجد أن الله عز وجل جمع الفخر مع الخيلاء الذي هو التعاظم، مما يشير إلى أن الفخر المقصود في هذه الآية الكريمة هو الفخر المذموم، وهذا دليل على أن الفخر غالبه مذموم، مشيرًا إلى أن الكثير من ألوان الشعر أو الأحاديث الإعلامية عن الإنجازات لشخص معين أو لوزارة أو لأسرة أو لأمة من الأمم أو لبلد من البلاد ربما يداخلها قدر من المفاخرة والمباهاة والمبالغة التي تقعد الإنسان عن العمل الصحيح، كما ورد الفخر أيضًا في قوله تعالى: (وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ)(الحديد: من الآية23)، وكذلك قوله تعالى: (إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ)(هود: من الآية10)، حيث نجد أن الله عز وجل جمع الفخر مع الفرح، لافتًا إلى أنه ليس المقصود مجرد الفرح، ولكن المقصود هو أن يصل الإنسان إلى حالة من الإعجاب المفرط.
وأضاف فضيلته أن هناك فرقًا بين أن يتحدث الإنسان وهو في حالة توازن نفسي، مثلما قال يوسف -عليه الصلاة والسلام-: (اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ)(يوسف: من الآية55)، أو النبي -صلى الله عليه وسلم- عندما قال: «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ»، حيث نجد أن الكلام في هاتين الحالتين متزن ويتسم بالتواضع والاعتدال دون إسراف أو مبالغة، وبين إنسان يتحدث بلغة ربما باذخة وفيها إفراط وتجاوز للحدود، مما يدفع المجتمعات إلى أن تتحول إلى مجتمعات نفاق، تتعاطى بمجرد اللغة، بحيث إذا كان عند الإنسان ثروة لغوية وقدرة على أن يعبّر ربما أتى على كل شيء، وذلك بخلاف أن يفتخر إنسان أو مؤسسة أو شركة أو دولة بإنجازات حقيقية، مثلما يقدّم الموظف ما يسمى بالسيرة الذاتية لأعمال حقيقة قام بها، وشهادات حصل عليها، ليثبت على الأقل أنه يصلح لهذا العمل، حيث إنه في هذه الحالة ليس عليه لوم.


دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ
وتعقيبًا على مداخلة تقول: لقد اختصم المهاجرون والأنصار في بواكير مجتمع المدينة على خلاف شخصي بسيط، لكن حولوه إلى استدعاء للقبليّة والتاريخ والنسب، ثم ألبسوه لباس الفخر، إلى أن خرج النبي -صلى الله عليه وسلم- وقد غضب، حيث قال: «دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ»، قال الشيخ سلمان: أي دعوا هذه العصبية العنصرية، والمبالغة في الفخر بالقبيلة على حساب القبائل الأخرى، مشيرًا إلى أن هذا لم يكن من قبيل المنافسة في إنجازات معينة، يقول تعالى: (وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ)(المطففين: من الآية26)، ولكنها منافرة، ولذلك قال عدد من المفسرين: إن قوله -سبحانه وتعالى-: (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ)(التكاثر:2،1) يتعلق بهذا الأمر، وأن هناك قبيلتين تفاخرتا، حتى وصل الحال بهم إلى أنهم يتفاخرون بآبائهم وأجدادهم وذهبوا إلى المقابر، وقالوا: "منا فلان ومنا فلان"، ومثلما هو مشهور عندما قال الشاعر:


وَمِنّا الَّذي مَنَعَ الوائِدا تِ وَأَحيا الوَئيدَ فَلَم يوأَدِ
فالإنسان ربما يفخر بأجداد أنجزوا إنجازًا معينًا، لكن كما قال الآخر أيضًا:


لَسنا وَإِن كَرُمَت أَوائِلُنا يَومًا عَلى الأَحسابِ نَتَّكِلُ

نَبني كَما كانَت أَوائِلُنا تَبني وَنَفعَلُ مِثلَ ما فَعَلوا
وهذا من قبيل المفاخرة، ولذلك نجد الله عز وجل يقول في القرآن الكريم: (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ)(الحديد: من الآية20)، فقوله (وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ) يشير إلى أنه ربما جُلّ الفخر المذموم هو ما يتعلق بالمفاخرة بين طرفين، وخاصة في الجانب القبلي، لأن العرب مرتبطون بالقبيلة، وهذا ربما يظل متصلًا عندهم خاصة البيئة العربية القُحّة، حيث تجد عندها ارتباط مفرط بهذه القبيلة، وعلى سبيل المثال، فإننا نجد الشعراء الآن، سواء كانوا شعراء شعبيين أو غير شعبيين، يتحدثون كثيرًا عن نجاحات ومعارك وانتصارات القبيلة..!، ولكن إذا سألتهم: ضد من كانت هذه المعارك والنجاحات؟ وهل هي ضد إسرائيل مثلًا؟ أو ضد عدو؟! فإن الإجابة ستكون (لا)؛ ولكنها -أحيانًا- فيما بينهم وداخل بيئتهم وربما قبيلتهم أو بين بني عمومتهم، وكما يقول الشاعر العربي القديم:


نفلق هاما من رجال أعزة علينا وهم كانوا أعق وأظلما

الفخر بالمنجَز
وفيما يتعلق بالفخر بالمنجز، وأن بعض المجتمعات المحافظة قليلًا ما تفتخر بالمنجز، مع أن هذا فخر ممدوح ومشرع، قال الشيخ سلمان: إننا نفخر بمنجز قديم، مثل منجز الآباء والأجداد، كما أننا نفخر بمنجز ربما يكون فيه تناسب مع ثقافتنا وبيئتنا وطريقة التفكير عندنا، ومن ذلك أن نفخر بالشاعر، أو الوزير، أو الشخص الذي وصل إلى مستوى معين، في حين أن هناك نوع آخر من الإنجاز قد يكون الفخر به غائبًا، وذلك مثل أن نفخر بشاب متفوق مبدع، أو إنسان طموح، أو شخص موهوب، أو مخترع، مشيرًا إلى أن هناك بعض الأثرياء الآن أصبحوا بأعمال خيرية لأسرهم وقرابتهم، فالأقربون أولى بالمعروف، كما يقومون في نفس الوقت بأعمال جميلة وتطوعية للمجتمع، كما أن هناك عددًا من الأسر تفتخر بالمتفوقين، وتقيم لهم احتفالات، وتقدم لهم هدايا أو دروعًا تذكارية، مما يحفزهم على التفوق والإبداع والإنجاز.
ولفت فضيلته الانتباه إلى ضرورة ألا يبقى مثل هذا الأمر فقط من أجل إثبات التفوق على قبيلة أو على أسرة أخرى، ولكن يجب أن يكون هذا دعمًا لأفراد القبيلة أو الأسرة أو المجتمع، وأن يكونوا فاعلين ومنجزين ومبدعين، ولذلك فإننا ربما نفتخر بإنجاز قد يبدو صغيرًا عند صاحبه ولكن هذا الرجل أو هذه الفتاة استغرق كل ما يستطيع، واستوعب كل إمكانياته وقدراته في إنجاز هو في نظر الآخرين صغير، لكن في نظرنا نحن كبير، لأنه بذل كل ما عليه، وهو جهد المُقِلّ، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: حتى لو كان شخصًا معاقًا بدنيًا أو فقيرًا أو عاجزًا، ولكنه قام بإنجاز، فإنه يستحق أن نشير إليه وأن نثني على بصمته.


فراغ الكبار؟!!
وتعقيبًا على مداخلة تقول: إن من حق أي مجموعة تُنسب إلى نسب معين، سواء قبيلة أو عرقية معينة، أن يفخروا، لكن ألا يتجاوزوا ذلك إلى مضاهاة لإطفاء الآخرين أو إقصاء كل من عاداهم، قال الشيخ سلمان: إن هذه مسألة دقيقة وصعبة، فالكل يفهم أن هناك فرقًا ما بين تكوين اجتماعي وآخر، سواء أكان أسرة أو مدينة أو قبيلة أو فئة أو مدرسة أو عائلة من العوائل، حريصة على أن تنشئ أبناءها وبناتها على أفضل ما يكون، وتعطيهم فرصًا للتطوع من أجل تحقيق إنجاز لأنفسهم ومجتمعاتهم، وبين أخرى تدفعهم إلى الإنجاز من أجل مغالبة الآخرين وإقصائهم أو التفوق عليهم، مشيرًا إلى أن الأمر في هذه الحالة يتوقف على المقاصد والنيّات، موضحًا أننا أردنا أن نتأكد: هل نحن عنصريون؟ أو متعصبون قبليًا أم لا؟ وهل نحن صادقون أم مراءون؟ علينا أن نراقب لغتنا حينما نكون بمفردنا، كما يجب علينا أن نعرف أن طرق النجاح سريعة ليس عليها إشارات أو مطبات صناعية أو كاميرات مراقبة، ولكن بقدر ما تستطيع يمكنك أن تسرع في هذا الطريق، كما أن النجاح يجب ألا يكون نجاحًا مؤقتًا، ولكن يجب أن يستمر الإنسان في طريق النجاح، وأن ينتقل من نجاح إلى نجاحات أخرى.
وأضاف فضيلته: إنني أهمّ أن أكتب مقالًا بعنوان "فراغ الكبار"، حيث إن الإنسان ربما يحقق نجاحًا في مرحلة من مراحل عمره ثم يتوقف عند هذا النجاح ولا يستطع أن يطوره، أو أن ينتقل إلى نجاح آخر، وهذا جزء من المعاني التي ورد النهي عن الفخر فيها، وذلك لأن الإنسان في هذه الحالة يرى أنه قد أدى ما عليه، ولقد كتبت اليوم رسالة صغيرة، مفادها: أن الإنسان لم يُخلق ليحزن، أو ليُحبط، أو ليكون بلا هدف، ولكن الإنسان خُلق لحاجة، فأنا موجود في الكون لأن الكون يحتاجني، وكذلك الآخرون يحتاجونني كما أحتاجهم أنا في ذات الوقت، ولذلك فإنه ينبغي على الإنسان أن يجدد إنجازه وطموحه، وألا يقبل بما نسميه بـ "فراغ الكبار"، وألا يعتقد أنه إذا أنجز شيئًا معينًا فإنه يكفيه هذا ويقضي بقية عمره يتحدث عن هذا الإنجاز، وكما يقول العرب: (فلان رجل كُنْتِيٌّ) أي: يتحدث يقول: (كنت وكنت وكنت)، ولكنه يجب أن يكون عصاميًّا تتسارع إنجازاته، وأن يضع كل إنجاز تحقق وراء ظهره ويفكر في إنجاز جديد أو ميدان أو فرصة جديدة للإنجاز.


ثناء معتدل
وفيما يتعلق بأن هناك من يقول: إلى أي مدًى يحق لي أن أفخر بمنجَزِي؟ وإلى أي مدًى يمكن أن أصمت؟ وإلى أي مدًى يكون حديثي عن منجزي نوعًا من أنواع الرياء أو العجب في النفس والكبر؟، قال الشيخ سلمان: إنه من حق الإنسان إذا حصل على نجاح أن يحصل على قدر من الثناء المعتدل على هذا النجاح، كما أن العدالة الإلهية ضمنت للإنسان هذا الشيء، فإذا نجح الإنسان فإنه سيجد من يثني على عمله ويطريه ويشكره ويدعو له، كما أنه في داخله سيشعر بارتياح، وهذا قدر جيد، وكأنه شهادة شكر للنفس مقابل تحقيق معين، لكن إذا تطور هذا الأمر إلى أن أصبح الإنسان كأنه يريد أن يتوقف عند هذا النجاح أو أن لا يريد أن يجدد نجاحه أو يعتقد أن مهمته على ظهر الأرض قد انتهت، فإن الأمر في هذه الحالة يكون تطوَّر إلى الخطأ.


إنسانية.. ومنجزات بسيطة
وردًّا على سؤال من مشاركة في الموقع الإلكتروني للبرنامج، تقول: هل نحتاج للإحساس بالفخر كي تستمر حياتنا؟ ألا يكفينا أن الله تعالى خلقنا وأسجد لنا ملائكته وكرمنا وفضلنا على كثير ممن خلق لنفتخر؟ وألا يكون فخر "أمة" تراكميًا حين يتعلم أفرادها الاحتفاء والفخر بمنجزاتهم الصغيرة يومًا بعد يوم؟، قال الشيخ سلمان: إنه من حق الإنسان أن يفخر بخلقه وتكريمه من قِبَل الله عز وجل، وكما يقول الفضيل بن عياض:


ومما زادني شرفًا وتيهًا وكدت بأخمصي أطأ الثريا

دخولي تحت قولك يا عبادي وأن صيرت أحمد لي نبيا
حيث عبر بالتيه دون أن يقصد الكبرياء، ولكنه قصد الفخر السليم، وهذا من الفخر بالإنسانية، والفخر بالإيمان والتقوى، وهذه معانٍ رائعة ورائقة وإيجابية وجميلة ، علينا أن نعززها، مشيرًا إلى أنه من الأشياء الجميلة وربما الضخمة التي قد ننساها في ظل أننا نعاني معاناة جزئية هي أن ينسى الإنسان معنى كونه مؤمنًا، أو كونه في عافية في الجملة، ولكنه يعاني من مشكلة خاصة تنسيه كل هذه الأشياء الكبيرة الجميلة، فلا بأس أن نزيل الغبار ونجدد الفخر بهذه المعاني التي هي معانٍ ربانية إلهية.
وأضاف فضيلته أنه من الجميل أيضًا أن نفخر بالأشياء الصغيرة، أو الأشياء اليومية البسيطة التي يشعر الإنسان بإنجازها، فلن يكون للأشياء الحياتية قيمة ما لم نستحضر معناها، وعلى سبيل المثال، فإن الإنسان إذا لم يستحضر معنى جلوسه مع أولاده أو مع أصدقائه أو سفره مع أصدقائه أو حالة من حالات الرضا والراحة، فإن الإنسان ربما يفقد قيمة هذه الأشياء إذا لم يستحضر الوعي بها، حيث يجب علينا أن نقتبس منها سعادةً وفرحًا واغتباطًا وسرورًا بأن الإنسان عنده أصدقاء وأحبَّة وأولاد وحياة ومتعة.


جور على الشريعة
وتعقيبًا على مداخلة من مشاركة، تتحدث عن أن الإسلام حافظ على حقوق الإنسان ودعا إليها قبل الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات، وأن هذا يدعونا إلى الفخر، ولكن كيف نجمع بين ذلك وحديث «تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلأَمِيرِ وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ وَأُخِذَ مَالُكَ فَاسْمَعْ وَأَطِعْ» قال الشيخ سلمان: إن تاريخنا الإسلامي يشير إلى أننا بعد عهد الخلفاء الراشدين لم نُطوّر نظامًا للإدارة يتوافق مع القيم الإسلامية؛ سواء قيم العدالة أو الشراكة الإنسانية، فأصبح هناك نوع من النكوص والتراجع في ذلك، ولكن العصر الحاضر شهد حالة من تطوير أنظمة الإدارة في الغرب متفوقة جدًا، وهذا أصبح الناس يشاهدونه عبر الفضاء ويتابعونه أولًا بأول، ووُجد عند الناس ما يسمى بـ"ثورة التطلعات"، فأصبحت الشعوب تحاكي الآخرين، وتريد أن تحصل على نفس الميزات التي تجدها عند جيرانها أو عند شعوب أخرى.
وأضاف فضيلته: إنه من الجور على الشريعة أن نختصر القيم الإسلامية في حديث «تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلأَمِيرِ وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ وَأُخِذَ مَالُكَ»، وكأنه لم يرد إلا هذا المعنى، فالله -سبحانه وتعالى- يقول: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ )(النساء: من الآية58)، كما أن الله تعالى أمرنا بالإحسان إلى الناس كلهم جميعًا؛ الحاكم والمحكوم.


انتقائية مرفوضة
وأوضح الدكتور العودة أن من أخطر ما نواجهه اليوم الانتقائية في معالجة قضية من القضايا؛ بأن يأخذ الإنسان معنى واحدًا، وإن كان هذا المعنى صحيحًا في ذاته، ولكن يُضخِّم هذا المعنى وينفخ فيه حتى يبدو وكأنه لم يرد في السياق إلا هذا، في حين أن هذا المعنى ربما يمثل جزئية أو فرعية صحيحة في الجملة، وعلى سبيل المثال، فإنه قد يعتقد إنسان أنه وقع عليه ظلم شخصي من ضرب الظهر أو أخذ المال، فهذا ليس مدعاة إلى أن يحضر هذا الإنسان لثورة وتمرد اجتماعي كما كان في القبيلة في الماضي، فالمعاناة الفردية لا يجب أن تتحول إلى ثورة جماعية على المجتمع وقيمه أو تدمير للبقية الباقية من إنجازات، لكن هذا لا يعني أبدًا تفويض الحاكم أو الوزير أو رئيس الشركة أو حتى الأب أو المعلم بأن يعتدي على حقوق من تحت يده.


الفخر بالإبل
وفيما يتعلق بأن فخر الإنسان العربي بالإبل لا يزال موجودًا، قال الشيخ سلمان: إن هذا تجده كثيرًا في الشعر
والله تعالى يقول: (أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ) (الغاشية:17)، وفي حديث الرسول -عليه الصلاة والسلام-: «وَالْفَخْرُ وَالْخُيَلاَءُ فِى أَهْلِ الْخَيْلِ وَالإِبِلِ، وَالْفَدَّادِينَ أَهْلِ الْوَبَرِ، وَالسَّكِينَةُ فِى أَهْلِ الْغَنَمِ»، فهذا فيه جانب الفخر، والعرب يفتخرون حتى بطريقة التعاطي مع الإبل وحدوث نوع من الصداقة أو العلاقة معها، ولكن لا يفترض أنها تغفل الإنسان عن نفسه أو عن أسرته وأولاده.
وتعقيبًا على أن هناك من يقول: إن الإبل "أعز عليه من أبنائه"! قال الشيخ سلمان: ربما يكون هناك تجاوز أو مبالغة في العبارة، وإلا فالأبناء هم امتداد للذات، وهم الاستثمار الأعظم، داعيًا إلى ضرورة الاعتدال في كل شيء، مشيرًا إلى أن هذه الأشياء فيها القدر المباح وتعاهد النفس، ولكن يجب ألا يتطور الأمر إلى مبالغات أو تجاوزات حتى فيما يسمى الآن بـ"مزاين الإبل"، حيث ربما يتطور الأمر، وتجد أن أسعار الإبل فيها أحيانًا مبالغات ربما تكون غير مفهومة على الأقل بالنسبة لنا، لافتًا إلى أن ما نسمعه في وسائل الإعلام وما نقرؤه في الصحف وما يتحدث الناس به ربما يحتاج إلى أن يُفرّق الناس تفريقًا ذاتيًّا وضمنيًّا بين القدر الطبيعي المعتدل وبين المبالغة والتجاوز، حتى لا يتطور إلى ما لا يحسن ولا يجمل.


تزاحف مناطقي على المناصب
وتعقيبًا على مداخلة من مشارك يقول: لقد انتقدتم فضيلتكم مزاين الإبل، ولكن هناك بعض المشاكل في القصيم، حيث يسيطرون على الوظائف الحقيقية، قال الشيخ سلمان: إنني قصيمي، وربما لا أستطيع أن أتأكد إن كنت متجردًا تمامًا أم لا، ولكنني أحاول أن أكون متجردًا، وأن أتسامى عن أي انتماء خاص، لكن لا يلزم أن يكون الإنسان ناجحًا في ذلك، مشيرًا إلى أن التزاحف على المناصب من مقتضًى مناطقي هي مشكلة لا تخص منطقة بعينها، ولكنني أعتقد أن هذا مبدأ يجب أن يتوقف فعلًا، حيث يجب أن نُعمل مبدأ: (إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ) (القصص: من الآية26)، وأن نحاول مراعاة الكفاءة والقدرة، وأن الإنسان إذا كان عنده وظيفة أو منصب أعلى أو وزارة، فلا يكون مهمومًا بأن يوظّف فيها أقاربه وأبناء عمه أو أبناء خاله، وفي الدرجة الثانية أبناء أسرته ثم أبناء بلده ثم أبناء المنطقة التي ينتمي إليها.
وأكد فضيلته على ضرورة أن نعيد الاعتبار للانتماء الأوسع، وهو الانتماء للوطن ذاته، وأننا جميعًا سواء من القصيم أو من الحجاز أو من الشرقية أو من الشمال أو من أي مكان، أبناء وطن واحد، وينبغي أن يكون لكل منا الحق نفسه والفرصة نفسها إذا كان عنده كفاءة أو كانت مؤهلاته أفضل أو أكبر، لافتًا الانتباه إلى أن هذا مبدأ شريف يجب أن نعممه، مع أني أعترف أنه من الناحية الواقعية ليس هذا هو الذي يحدث، فهذا يحدث جزئيًا، ولكن من جهة أخرى هناك حالات كثيرة ربما يراعي الإنسان بإحدى عينيه الأمانة والكفاءة ويراعي بالعين الأخرى القرابة والخصوصية والعلاقة الذاتية.


"الحياة كلمة".. مدعاة للفخر
وكان فهد السعوي مقدم البرنامج، قد قال في بداية الحلقة: إن الفخر هو أن ندخل السنة السادسة وأنا على هذا المقعد وأعتز بـ"الحياة كلمة"، فهذا فخر بالنسبة لي، أن أكون أمام فضيلة الشيخ سلمان العودة، أقدم هذا البرنامج على مثل هذه القناة، كما أنه فخر بالنسبة لي أن أرى في كل عين تصافحنا في الشارع في أي مكان، وفي أي منتدى ثقافي أو أدبي أو منتدى عام، وهي تشيد بطرح دكتور سلمان العودة المتوازن، فهذا بالنسبة لي إشادة بي أيضًا، لأنني شريك لفضيلتكم في هذا الفخر.
وعقَّب الشيخ سلمان على ذلك قائلًا: إننا نتمنى أن يكون "الحياة كلمة" في عامه السادس عبارة عن إنجاز متجدد ونجاح متواصل، مشيرًا إلى أن الفخر يتمثل في القدرة على أن نقدم الجديد دومًا، وأن نتعاطى مع اقتراحات وملاحظات ونقد إخواننا بإيجابية، مشيدًا بالأداء المتفوق والراقي لمقدم البرنامج الأستاذ فهد السعوي، موضحًا أن كثيرًا من المتابعين للبرنامج يشيدون بأدائه المتفوق، كما يشيدون بالتناغم والقدرة على إيصال المعلومة وتقديم نموذج إعلامي متميز.
وأضاف فضيلته محدثًا السعوي: لقد قدمت الآن تعريفًا جيدًا للفخر، وإن كنت تتحاشى ذلك، فالفخر في مفهومه السلبي هو إشادة مفرطة بالذات تتضمن تجاهل الآخرين وإنجازهم، ولكنك الآن نجحت في أن تعكس هذا المفهوم، فعندما يفخر الإنسان بالآخرين، فإن هذا يكون معنًى إيجابيًّا رائعًا وراقيًا، وكما يقولون: "ليس العظيم هو الذي يشعرك بأنه عظيم، ولكن العظيم هو الذي يشعرك بأنك أنت عظيم"، وهذا هو المعنى الإيجابي للفخر، بأن تُشعر الآخرين بدورهم وتفخر بهم؛ ومن ذلك أن تفخر بابنك، أو بأخيك، أو بزميلك، أو بالآخر الذي ربما لا تعرفه على وجه التحديد، لكنك تعتز بإنجازه.
الكاتب: الإسلام اليوم/ أيمن بريك الاحد 20 محرم 1432الموافق 26 ديسمبر 2010

أبولؤى
31 Dec 2010, 01:26 AM
الإسلام اليوم/ الرياض
د. سلمان العودة يلقي محاضرة بملتقى "خير أمة" الخميس المقبل


يُلْقِي فضيلة الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة (المشرف العام على مؤسسة "الإسلام اليوم")، الخميس المقبل محاضرة بملتقى "خير أمة" الثالث الذي يبدأ فعالياته الثلاثاء القادم تحت عنوان: "الشراكة في تعزيز القيم".
وتأتِي محاضرة فضيلة الشيخ العودة بعنوان "الأمن قيمة الحياة" عقب صلاة العشاء تسبقها دورة تدريبية بعنوان "الاتصال الفعال" للمدرب عبد السلام الناجي.
ويُقام الملتقى تحت رعاية الأمير سلمان بن عبد العزيز أمير منطقة الرياض، بمركز معارض الرياض الدولي، ويُنظِّمه فرع الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمنطقة الرياض ويستمر حتى 27 من محرم تحت شعار "التقنية وتعزيز القيم".
تبدأ برامج الملتقى يوم الثلاثاء المقبل، بمحاضرة للدكتور إبراهيم الدويش بعنوان: "دعوة بلا حدود" مساء الثلاثاء. وتبدأ فعاليات اليوم الثاني "الأربعاء" بدورة تدريبية عن استراتيجيات حل المشكلات للمدرب صديق العمرو بعد صلاة العصر يعقبها لقاء مفتوح مع فضيلة الدكتور عبد الله بن محمد الشِّثْري مدير عام هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمنطقة الرياض بعد صلاة المغرب. وبعد صلاة العشاء يلقي الشيخ صالح بن عواد المغامسي محاضرة بعنوان "تعزيز القيم في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم".
وفي يوم الجمعة يشهد رُوَّاد الملتقى دورة تدريبية بعنوان "ديناميكيات الإنجاز البشري" يلقيها المدرِّب علوي عطرجي، بعدها محاضرة لفضيلة الشيخ سعد الشثري بعنوان تعزيز المواطنة.
أما يوم السبت فينظِّم الشيخ عبد الكريم المحرج دورة تدريبية عقب صلاة العصر.
أما الفعاليات النسائية فتتضمن أربع محاضرات تبدأ بمحاضرة الداعية أسماء بنت راشد الرويشد عن "الصدق" مساء الأربعاء، فيما تلقي الدكتورة رقية بنت محمد المحارب محاضرة عن "المسؤولية" مساء الخميس. ويشهد مساء الجمعة محاضرة للدكتورة نوال بنت عبد العزيز العيد عن "العفو"، بينما تلقي منال بنت فهد الشلهوب محاضرة عن "الحياء" مساء السبت.
ويختتم الملتقى فعالياته يوم الأحد بحفل على شرف الأمير سلمان بن عبد العزيز أمير منطقة الرياض.
الكاتب: الإسلام اليوم/ الرياض الاثنين 21 محرم 1432الموافق 27 ديسمبر 2010

أبولؤى
01 Jan 2011, 11:22 PM
فضيلة الشيخ/ سلمان بن فهد العودة
علم نبيل .. ولكن !

كلّما قرأت حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الطب تداعى إلى ذهني سؤال :
-ماذا كان وقع هذا الحديث على المسلمين عبر العصور السالفة ؟
يقول -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه البخاري : « مَا أَنْزَلَ اللَّهُ دَاءً إِلاَّ أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً » .
وفي رواية : « عَلِمَهُ مَنْ عَلِمَهُ وَجَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ » .
هذا التصريح النبوي المحكم بأن كل مشكلة لها حل ، أنزله الله ، وبإمكان الناس أن يتعرّفوا عليه ليستخدموه ويطوّروه .
أيُّ تحفيزٍ أعظم من هذا لإنسان تعتوره الآفات والأمراض في نفسه وفي ولده الغالي وزوجه الحبيب وصديقه الأثير ووالده العزيز ؟!
أن يعلم أن فيما حوله وسيلة لرفع المعاناة وكشف الضر بإذن الله ، خالق الداء والدواء ؟!
إنها دعوة للبحث والتنقيب والاكتشاف والانفتاح على خبرات الآخرين من الشرق والغرب ، والإضافة إليها والتعاطي معها بإيجابية باعتبارها تراثاً إنسانياً مشتركاً يسهم في نهاية المطاف في حفظ الدين والنفس والعقل والعرض والمال ..
وفي صحيح مسلم ؛ من حديث جُدَامَةَ بِنْتِ وَهْبٍ الْأَسَدِيَّةِ، أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -يَقُولُ:« لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَنْهَى عَنِ الْغِيلَةِ، فَنَظَرْتُ فِي الرُّومِ وَفَارِسَ، فَإِذَا هُمْ يُغِيلُونَ أَوْلَادَهُمْ، فَلَا يَضُرُّ أَوْلَادَهُمْ ذَلِكَ شَيْئًا» ، والغيلة، هي أن يأتي الرجل امرأته المرضعة.
والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هنا يقول " فَنَظَرْتُ"!!
التجارب الأممية البشرية النافعة معنى مشترك ؛ يستفيد منه الناس بعضهم من بعض, كما أن الاستفادة من الأخطاء والسلبيات إنما تكون باجتنابها لا باقتفاء أثرها ..
وخليق بأمة عندها مثل هذا الحديث النوراني الذي يدلها على المفتاح ويطلب منها الاجتهاد أن تكون أرقى الأمم ..
إن كليات الطب في عالمنا الإسلامي تدرس الطب باللغة الإنجليزية , وأفضلها حالا وأجودها مستوى وأقلها عدداً هي التي تستطيع أن تواكب مستجدات النظريات الطبية والعلمية , وما أصعب ذلك بالقياس إلى جامعات عريقة ومستشفيات ضخمة في العالم , تجري دراسات هائلة , وتبذل مئات الملايين من الدولارات في سبيل الوصول إلى المعلومات وما الحديث عن زراعة ما يسمى بالخلايا الجذعية والعصبية إلا شيئاً مذهلاً يدير الرؤوس ؛ من هذه العلوم التي يفترض أن يكون المسلمون أولى بها ؛ لأن قرآنهم أول ما نزل تكلم عنها في الآيات الخمس الأولى التي نزلت بغار حراء (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْأِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْأِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ) (العلق:5)
لماذا غفلت حضارتنا الإسلامية عن هذا حتى قال الشافعي -رحمه الله- عن الطب :-"لا أعلم عِلْمًا بعد الحلال والحرام أنبل من الطّبّ، إلّا أنّ أهل الكتاب قد غلبونا عَلَيْهِ.
وقال حَرْمَلَة: كَانَ الشّافعيّ يتلهف على ما ضيع المسلمون من الطّبّ ويقول: ضيعوا ثُلُث العِلْم، ووكّلوه إلى اليهود والنّصارى!"
ولماذا أصبح المسلمون في عصرنا بهذا القدر من البعد عن قضايا الطب والتقنية والعلم ؟
ولماذا لم يلتقطوا هذا الخيط الباعث على الإبداع والعمل الحضاري في كتاب ربهم وسنة نبيهم ، مع قراءتهم للقرآن والحديث في كل المجالات العلمية والعملية من زراعة، وصناعة، وطب وعلوم الإنسان، وعلوم الحياة وغيرها؟
لن نعجز عن قراءة ما سطره الكاتب البرازيلي (جيلبير تو فريري) في كتابه "عالم جديد في الأوساط الاستوائية"وهو يقول:- إن هذا الكتاب سيقيم الدليل، على أهمية إسهام العرب في تكوين الإنسان البرازيلي.
وسنجد في تاريخنا أطباء مهرة ، ومؤلفين حذاقاً اعتمدت عليهم أوربا في علمها ردحاً من الزمن .
لكن سيكون مؤكداً أن حجمهم لا يقاس بحجم المؤرخين أو الشعراء أو الباحثين أو الفقهاء .. أو حتى الأطباء الشعبيين الذين لا يفرق بعضهم بين شكوى وشكوى في عصر تحاول فيه تقنية " النانو " أن تصمم لكل مريض دواء شخصياً يراعي ظروفه الذاتية ومدى وجود السكر أو الكولسترول أو الضغط أو أي معاناة أخرى لديه .
لا شك بأن ثمت خللاً كبيراً وشرخاً واسعاً في الابتعاد عن الهدي الرباني والعلم الإسلامي.
لقد خلق الله الإنسان وجعل له كل ما في الأرض (الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً)(البقرة: من الآية29) ، واستعمره فيها، (هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا)(هود: من الآية61) ، وجعل هذا الإنسان بعقله وعلمه مسلطاً على هذا الشأن الأرضي بصناعتها وزراعتها ورعايتها وبعثها، وحثّ الإنسان على النظر إلى ملكوت الله وإلى أرضه ليكتشف فيها القوانين الإلهية في قيام الحضارات وانهيارها كأسباب رقيها وتمدنها وجعل ذلك كله باعثاً له للعمل على سقي الحياة وبعثها ورعايتها بالروح والقوة والمادة .
فالعلم الذي يقرب إلى الله هو كل علم صالح نافع يقوم على عمارة الدنيا وسياستها وإقامة الدين بها، أو كما يقول الإمام الماوردي: ما أدى الفرض وعمر الأرض.
لنا أن نقول : إن الوصول بالحضارة الإسلامية إلى قمتها لا يلزم أن يتم خلال حقبة زمنية .. وكم ترك الأول للآخر ؟
-وثمّ جانب من الطب له علاقة بمجموعة من الكشوف والتطورات والمعارف التي جاءت مع الثورات المعرفية الحديثة ..
لا علينا .
فالعلم ليس له جنسية ولا لون ولا مذهب ، بل هو معنى إنساني تراكمي ، تتوارثه الأمم وتتناقله الأجيال ، فيا ليت أننا نقدر على مواكبة كشوف العلم المذهلة أو الاقتباس منها .
قبل أيام قرأت كتاب " مستقبلنا بعد البشري " لفرنسيس فوكوياما .. فكان فرحي أن الكتاب تُرجم بلغة عربية وأصبح في أيدي قرائها.
فمتى نفرح بأن يكون منا من يبدعون ويعكفون ويضحون وليس همهم فقط أن يعملوا مفرقعات إعلامية تشغل الناس لبعض الوقت .

الكاتب: فضيلة الشيخ/ سلمان بن فهد العودة السبت 26 محرم 1432الموافق 01 يناير 2011

أبولؤى
05 Jan 2011, 01:45 AM
الإسلام اليوم/ الرياض
د.العودة يتحدَّث عن "الجودة من منظور إسلامي" في المؤتمر الدولي للتعليم

يُلْقِي فضيلة الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة (المشرف العام على مؤسسة "الإسلام اليوم") محاضرةً في "المؤتمر الدولي الأول للجودة الشاملة في التعليم العام 2011"، والذي تُنظِّمُه وزارة التربية والتعليم برعاية العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز.
ويتحدَّث فضيلة الشيخ سلمان في المحاضرة عن "الجودة من منظور إسلامي"، وذلك في حلقة نقاش مُخَصَّصة للقيادات العليا في وزارة التربية والتعليم، ومقرَّر لها يوم السبت الموافق 4 من صفر القادم، بإذن الله تعالى، وتبدأ المحاضرة في الساعة 8.30 صباحًا، وحتى 12.30 ظهرًا.
ويُعقَد المؤتمر الدولي الأول للجودة الشاملة في التعليم العام في قاعة الملك فيصل للمؤتمرات بفندق إنتركونتيننتال، بمدينة الرياض خلال الفترة 4-7 صفر 1432هـ الموافق 8-11 يناير 2011م، والذي سيُوفِّر فرصة فريدة للمدعوين للمشاركة بجزء من الخطاب والحملة الوطنية التي تسعى لإعادة هيكلة السياسات العامة للبرامج التعليمية والمساعدة في المشروع الوطني للتطوير النوعي في التعليم للقدرة على التنافسية العالمية. كما سيقدِّم المؤتمر عروضًا شاملة تُلْقِي الضوء على أفضل الممارسات والتجارب العملية والوسائل والحلول المُتَّبَعة عالميًا للمساعدة في إعادة هيكلة وتطوير المنظومة التعليمية الحالية.
وسيَطْرَح المؤتمر آخِرَ ما توصلت إليه دول العالم من أبحاث علمية، وتجارب عملية، ووسائل مُتَّبَعة لتعزيز الفكر المستنير لدى الطلاب، ليكون بذلك إحدى أهم المبادرات الحديثة في مجال تحسين جودة التعليم العام.
ومن النادر أن تستضيف منطقة الشرق الأوسط مؤتمرًا يجمع هذه الباقة المتميزة من المتحدثين العالمين والمعروفين والخبراء المختَصِّين في مجال الجودة في التعليم، لتسليط الضوء على عوامل النجاح اللازم توفرها لتنفيذ هذا المشروع الوطني المهم.
كما سيفتح المؤتمر المجالَ أمام المشاركين للخروج بأفكار قابلة للتنفيذ وأدوات فعالة لاستخدامها في عملية إعادة هيكلة المنظومة التعليمية ضمن سياسة تربوية واضحة وشفافة هدفها تحقيق الرؤية الوطنية الطموحة لجعل المملكة معيارًا عالميًا للجودة والتميز في قطاع التعليم العام.
الكاتب: الإسلام اليوم/ الرياض الاثنين 28 محرم 1432الموافق 03 يناير 2011

أبولؤى
08 Jan 2011, 02:12 AM
فضيلة الشيخ/ سلمان بن فهد العودة
مصارحة مع شاب مختلف !


بني الكريم ..
أشكر تواصلك وعتابك ، ففي العتاب حياة بين أقوامِ ، فلقد سرني أنك تسمعني وتقرؤني ، فتتفق أو تختلف معي ، فأنا لا أكتب ولا أتحدث لأملي حقائق مطلقة لا يتطرق إليها الشك ، ولكنها مذاكرات ومفاكرات هي عندي الآن صواب ، وقد يرى سواي فيها ما لا يوافقني عليه
إنني أحاول أن أكون بريئاً من التعصب بكل ألوانه وأشكاله ، وأعالج ضميري الذي لا يراه الناس من كل أثر من تعصب لأحد أو تعصب على أحد ، وأتعاهده ألا يركن إلى قول لمجرد أنه يألفه أو يحب صاحبه .
وأردد كلمة الشيخ السلفي المتصوف أبي سليمان الداراني -رحمه الله- الذي يقول : إن الخاطر يمر على قلبه فلا يقبله إلا بشاهدي عدل من الكتاب والسنة .
وإني آمل بحبي لك وحدبي عليك أن تحاول ما أحاول وتفتح عينيك على ذاتك وتجهد لاكتشاف مغاراتها ودهاليزها وظلماتها بنور الصدق والإيمان والتجرد من العصبيات ، حتى العصبية للنفس ذاتها ..
لنكن صرحاء ..
حين نتحدث عن " التخلف " أو عن " التعصب " فهل نستطيع أن نستثني أحداً منه من الجماعات والفئات والطوائف وسائر الانتماءات ؟
لنكن صرحاء ..
من هم الذين يستطيعون أن يقولوا : نحن معياريون مثاليون .. أو حتى محاولون للمثالية ، بريئون من العصبية لانتمائنا المذهبي أو الطائفي أو المناطقي أو الفكري ؟
أن يوجد فرد يحاول فنعم ، أما الجمع كله فلا ، وكلنا في الهوا سوا!
بني العزيز :
لم أدخر وسعاً في نقد القريبين مني ، وتفنيد ممارساتهم وتصحيح ما أظنه خطأ في سلوكاتهم ، وأنا بهذا أمارس حباً جارفاً يجعلني أتصورهم في المستقبل على أفضل حال ، وأحب أن يتجردوا من عصبياتهم وأهوائهم ونزعاتهم المنحرفة وأن يفضوا إلى ميدان الحرية الحقيقية ، والتفوق على الذات ، والاستسلام لأمر الله ، والتسامي عن الأنانيات والأهواء .
بني المحب ..
سأصدقك القول ، فمع الزمن صرت أكثر حرصاً على استعمال اللغة الطيبة الهادئة وتجنب ما قد يفضي إلى تحريض أو عداوة أو جفاء ، وأن أتمثل التوجيه الإلهي بالكلمة الطيبة والقول اللين والقول السديد ، والقول المعروف ، والقول الحسن ، وفي ميدان الجدل ألا أنحط إلى ما يتنافى مع ذلك ، بل أحاول التسامي إلى المجادلة بالتي هي أحسن ..
ولكن لن أدخر الجسد الإسلامي من النقد ، والنقد عندي علامة الانتماء ، وبرهان الصفاء ، ودليل المحبة ، خاصة وأنني لا أنتقد فرداً ولا سلوكاً خاصاً ، إنما أنتقد ظواهر عامة ، وسلوكات ذائعة ، وأفكاراً شائعة ، وأنماطاً موروثة ، ومسلمات أكل الدهر عليها وشرب ، وفيها يكمن داؤنا ، فهذا سر تخلفنا وبعدنا عن الله ، وإفلاسنا في الحياة ، وما لم نملك الشجاعة في إخراجها من قلوبنا أولاً ، ثم من مجتمعاتنا فستظل أحلام النهضة مجرد أمانٍ لا رصيد لها!
إذا كان المرء ينتقد جماعته وأهل بلده وأهل مذهبه وجيرانه وموافقيه .. فلم لا ينتقد غيرهم ؟ ولماذا يكون مطلوباً منه الحياد في كل ما يخص الآخرين ؟
كاتب ينتقد ظواهر سعودية بانتظام .. ليس حجراً عليه أن ينتقد ظاهرة مصرية أو عراقية إذا تجرد من العنصرية والإطاحة ..
ومتحدث ينتقد أداء بعض السنة ومخالفاتهم واختلافاتهم فلا يعيبه أن ينتقد ممارسة شيعية أو صوفية إذا أنصف وعدل وراعى الاعتبارات الشرعية والمصلحية ولم ينطلق إلا من رغبة الإصلاح والتصحيح ؟
والعكس من ذلك صحيح أيضاً .
الجسد الإسلامي كله مثخن بالآفات والأدواء والعيوب ، وربما كان صحيحاً أن الذي هو خارج الدائرة لا يكون لنقده المصداقية والتأثير كالذي في داخلها ..
وأعلم جيداً أن عامة المتحدثين والكتبة يسهل عليهم نقد المخالف ووصمه ونبزه ولمزه بكل أريحية ، وهذه ليست عندي شجاعة ، الشجاعة أن ينتقد المرء نفسه وجماعته ، فما ذنبي أيها الحبيب الفاضل إذا كنت أشعر بأنني معك وأنك معي وأن الحبال الواصلة يجب أن تكون أقوى من الأسوار والحواجز التاريخية أو الجغرافية ؟ لن نلغي الحواجز من عقول ونفوس ألفتها وصارت جزءاً من كينونتها وهويتها ، فلنحاول تخطيها بشجاعتنا ووعينا بذواتنا .
إن الكلمة الصادقة الهادئة المنطلقة من الحب والإخلاص الملتزمة بالأدب سيكون لها تأثير على المدى الطويل .. كيف لا .. وهي الشجرة الطيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها .
الكاتب: فضيلة الشيخ/ سلمان بن فهد العودة السبت 04 صفر 1432الموافق 08 يناير 2011

أبولؤى
10 Jan 2011, 07:16 AM
ناصر السهلي
د. العودة لـ(الجزيرة): الجودة في العمل واجب شرعي على الموظفين

أدخل فضيلة الشيخ د. سلمان بن فهد العودة المشرف على مؤسسة الإسلام مبدأ الجودة في العمل في دائرة الوجوب الشرعي كشعار وإطار لأي عمل للمسلم باعتبارها جزءاً من الشروط والمواصفات الفنية في العقود بين أفراد المجتمع ومؤسساته بدليل الآية الكريمة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ}، وكان الشيخ الدكتور العودة يتحدث خلال الجلسة الأولى على هامش المؤتمر الدولي الأول للجودة الشاملة في التعليم العام أمس السبت (الجودة من منظور إسلامي) مشددا على أهميتها كونها أصبحت لغة العصر التي يتحدث بها الناس في كافة المجالات وأن هناك منافسة صارمة وقوية على مستوى الدول والأفراد في جودة المنتج للوصول إلى ميزات جديدة تضمن للإنسان التفوق في الميدان.
و أكد فضيلته على أن الدين الإسلامي يأمر بالمسابقة لقوله تعالى {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ *أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ} داعياً إلى استثمار الوقت والعقل بطريقة التفكير الصحيحة واستثمار التجارب من الحضارات الأخرى لافتاً إلى أن الدين الإسلامي يحفز على الاقتباس من الدول الأخرى ضارباً لذلك عدة أمثلة كإقتباس حفر الخندق واقتباس الدواوين وتمصير الأمصار بالطريقة التي أخذت من الحضارات الفارسية والرومانية.
وأشار الشيخ العودة إلى أن المسلمين وجدوا غنية في الأحكام الفقهية وبما يتعلق بالحلال والحرام على الرغم من أن العالم الإسلامي يعيش حالة من الضعف والتخلف وهذا يعود إلى عوامل كثيرة من أبرزها ثقافة الفرد نفسه حول مفهوم الجودة. داعياً جميع أفراد المجتمع إلى إتقان أعمالهم حتى لو كانت بسيطة مثل قيادة السيارة وخياطة الثوب وطهي الطعام وغيرها من الأمور الحياتية هذا الشعور إذا كان موجود على كل فرد من أفراد المجتمع سيؤدي ذلك إلى تغير في خارطة التعاملات وثقة الناس بعضهم ببعض.
الكاتب: ناصر السهلي الاحد 05 صفر 1432الموافق 09 يناير 2011

عبدالله الكعبي
10 Jan 2011, 11:03 AM
بارك الله فيك اخي ابو لؤي و جزاك الله خيرا

أبولؤى
11 Jan 2011, 01:28 AM
بارك الله فيك اخي ابو لؤي و جزاك الله خيرا

وفيك بارك اخي اليزيدي

وشكراً على مرورك

أبولؤى
17 Jan 2011, 10:38 PM
فضيلة الشيخ/ سلمان بن فهد العودة
آه ...لقد نسيتها !

حمداً لك يا رب, وشكراً على نعمة النسيان !
بالأمس ألقيت محاضرة لموظفي الخطوط السعودية , نظّمها شباب مخلص غيور , ظلّ لأكثر من عشرين سنة يرتب هذه المناشط , ويثابر على ديمومتها وإحيائها , كنت مبتهجاً باستقبالهم وحفاوتهم وإيجابيتهم الرائعة . جمعت في المحاضرة ما لذّ وطاب من كلام الحكمة الربانية والهدي النبوي والتجربة الإنسانية ؛ مما يتعلق بالسفر والعلاقة والعاطفة ، وعرجّت على حقوق الأهل والمنزل والأطفال .. وتنقّلت ما بين آية محكمة وحديث صحيح وحكم فقهي وأبيات شعرية وقصص واقعية .. وليست كثيرة هي الحالات التي أجد مستمعي يضحكون بصوت عالٍ .. لقد حدث هذا هذه المرة ، كانت الأريحية حاضرة ، وانتهينا والسرور والحبور يلفّ الجميع ..
ودّعني الشباب بلطف ، وقسماتهم تنطق بالرضا ، وألسنتهم تعبر عن الشكر لإجابة الدعوة .
عند سيارتي وقف لي شاب دسّ في يديّ أوراقاً ملفوفة, وكأنه يحاذر أن أفتحها بحضرته ..
ركبت السيارة وقلت لصاحبي .. إن صدق حدسي؛ فالأوراق تتعلق بطلب مال ، أو بنقدٍ وملاحظات ، فهي تتراوح بين (النقد) و (النقد) !
فتحتها وطفقت أقرؤها على من معي ..
ثمانية عشر ملحوظة مرقمّة ومسطورة تستوعب الحديث كله , منذ أن بدأت الكلام إلى آخر كلمة قلتها !
وكأنها تفريغ للمحاضرة ولكن بروح سلبية !
منذ الافتتاح إلى الإجابة على آخر سؤال .
لقد كان الشاب حاضراً مصغياً بأذنه ، مجهزاً للأوراق والأقلام ، مبرمجاً عقله على أنه سيسمع الخطأ وسيدونه, وسيضيف إليه عبارات الاستهجان وعلامات الاستفهام والتعجب, مع شيء من الربط الذي يؤكد أنه شخص واعٍ حاذق , لا تطوف عليه الحيل ولا تنطلي عليه الألاعيب !
وفي نهايتها يقول إنه لا زال في الجعبة المزيد , ولكن ضيق الوقت وامتلاء الصفحات الأربع؛ حال دون ذلك !
تعجبت من هذه (الترجمة الفورية) التي تشبه ما يحدث في التراجم الفورية ؛ من انقلاب المعاني وتداخلها وصعوبة الفصل بينها .. وأشفقت على شاب يقضي سنوات عمره في تصيّد الأخطاء وتدوينها , ويستمع إلى الآخرين بهذه الروح السلبية .. وقد يشعر بأنه صاحب رسالة !
لو عرفت الشاب لاختبرته وطالبته أن يستمع إلى المحاضرة مرة أخرى ، ويحاول أن يدون الصوابات والمعاني الصحيحة والجميلة .
من الغد كنت في مكة , ومع جماعة من أصدقائي ؛ فجاءت المناسبة وذكرت لهم القصة وأنا أضحك ملء فمي .. بادرني أحدهم بالسؤال :
ما هي أهم الملاحظات التي دونها ؟
قلت له : آه ، لقد نسيتها جميعاً !
ثم عقبت :
يا لها من نعمة .. ربما لو كنت استحضرها الآن ؛لم تجدني أحافظ على هذه البهجة والمتعة في جلوسي معك وحديثي إليك وممارسة حياتي بعفوية ورضا ..
إنها واحدة من عطايا الله .. إذا سلط عليك شيئاً من الهم أو العناء أن يعينك ويوفقك لتنساه فوراً .
نعم ؛ سوف تنسى تفصيلات لا تحتاج إلى استذكارها ، ولكنك ستحتفظ بالقصة وطرافتها وعبرتها ، ستفلح في تحويل هذا الموقف السلبي إلى تجربة إيجابية سيكون حديثاً ممتعاً في مجلس ، أو مقالاً مقروءاً في جريدة ، أو قصة في برنامج ، سيكون إضافة جميلة لحياتك ومسيرتك ، وتدريباً على الهدوء ، وتأكيداً على التواضع ، وتذكيراً بأهمية العمل والمواصلة والإخلاص ، ودرساً لن تنساه في الصبر والاحتمال ، واختباراً حقيقياً لقدرتك على العفو والتسامح والتفويت ونسيان العثرات ..
هذا الشاب ستلقاه غالباً بعد سنوات ؛ يصافحك ويبتسم إليك, ويطلب منك الحل والمسامحة ، فقد أساء بك الظن يوماً ، أو صدّق فيك مقالة لم يتحقق منها ، وستكون مسروراً لأنك وجدت عاقبة الصبر والإعراض ، وإذا لم يحدث هذا ؛ فمن اللطيف أن يلهمك الله أن الأمر قد حدث بينه وبين نفسه, وإن لم يتصل بك خبره ، وأن الشاب وجد طريقه ومضى في حياته بعدما تزوج وجرّب ، وتغير طاقم أصدقائه ، وتنوعت قراءاته ، وهو يحتفظ بآرائه ولكنه لا يبتلي الناس بها ..
سيرث موقفه شاب جديد (ربما أخوه الأصغر أو حتى ولده) فليكن .. مرحباً بالوجوه الجديدة .. إذا كتب لنا أن نواصل الحضور والمشاركة فستكون هذه المواقف جزءاً من ضريبة العطاء .. وليمنحنا ربنا القوة والمواصلة والطاقة الإيجابية الفعالة حتى لو ابتلينا بمثل هذه المواقف !
النجاح الكبير إذا تمالكت نفسك , واقتبست ولو مفردة واحدة ؛ تعتقد أن مثل هذا الشاب سيضيفها إلى شخصك وإلى قاموسك المعرفي ، فالحق يؤخذ ممن جاء به ، ولا أحد أقل من أن يفيد ، ولا أكبر من أن يستفيد ، رحم الله امرءاً أهدى إلينا عيوبنا ، ولو كانت عشرين عيباً في مجلس لا يزيد عن ستين دقيقة ..
الكاتب: فضيلة الشيخ/ سلمان بن فهد العودة السبت 11 صفر 1432الموافق 15 يناير 2011

أبولؤى
23 Jan 2011, 03:07 AM
فضيلة الشيخ/ سلمان بن فهد العودة
انتحار جماعي


وردني سؤال , عن رأي الشريعة في قتل النفس تحت ضغط الفاقة والفقر ؟
والجواب بعد الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : أن هذا مما لا سؤال فيه عن " رأي " ، بل حكم الله وحكم رسوله -صلى الله عليه وسلم- المجمع عليه خلفاً وسلفاً أن قتل النفس محرم وكبيرة من كبائر الذنوب ؛ توعد الله عليها بقوله سبحانه : (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً * وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَاناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً)(النساء: من الآية30،29) ، وفي الحديث المتفق عليه : « عَبْدِى بَادَرَنِى بِنَفْسِهِ حَرَّمْتُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ » ، وفي لفظ : « مَنَ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ فِى يَدِهِ يَتَوَجَّأُ بِهَا فِى بَطْنِهِ فِى نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا وَمَنْ شَرِبَ سَمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَحَسَّاهُ فِى نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا وَمَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَرَدَّى فِى نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا ». رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة.
والظروف العصيبة التي يعيشها الكثير في العالم الإسلامي تفسر ما يحدث ولكنها لا تبرره ولا تجيزه ، على أننا يجب أن ننأى عن الحكم على الأعيان والأفراد ؛ فإن هذا مما استأثر الله به ، وقد دعا النبي -صلى الله عليه وسلم- لمن قَطَعَ بَرَاجِمَهُ بمَشَاقِص فَشَخَبَتْ يَدَاهُ فَمَاتَ .. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « اللَّهُمَّ وَلِيَدَيْهِ فَاغْفِرْ » رواه مسلم من حديث جابر رضي الله عنه..
والحديث وإن تكلم فيه بعض أهل العلم إلا أنه يقرر مسألة واضحة متفقاً عليها , وهي أن المنتحر لا يكفر بمجرد الفعل بل هو من عصاة المؤمنين .
وفي الوقت الذي ندعو حكومات العالم الإسلامي إلى ضرورة المعالجة الفورية لظواهر الظلم والتجاهل ، ومشكلات البطالة والفقر ، والاندماج في مشاريع تنموية جادة ، ومحاربة الطبقية والفساد المالي والإداري والاستئثار بالثروة ؛ حفاظاً على سكينة المجتمعات وأمنها ، وقياماً بما أوجب الله من العدل بين الناس (وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ)(النساء: من الآية58) ، فإن مما يدرك بالملاحظة والتجربة وقراءة السنن أن الفقر مدعاة لكل شر ، وكان علي -رضي الله عنه- يقول : " لو كان الفقر رجلاً لقتلته " ، وفي الأثر : " كاد الفقر أن يكون كفراً ".
وليس الأمر مقصوراً على الخبز والطعام على أهميته العظمى وضرورته ، بل يتعدى إلى حاجة الناس للاعتراف بهم واحترام شخصياتهم, وحفظ حقوقهم ومصالحهم ، وتمكينهم من التعبير عن مشاعرهم وتطلعاتهم المشروعة , دون تعسف أو إهدار أو استخفاف ما دامت لا تتجاوز ولا تتعدى إلى ظلم أو بغي أو عدوان على الآخرين .
إلا أن تكرار هذه الظاهرة الغريبة من إحراق النفس في العديد من البلاد الإسلامية ؛ هو نذير يدل على ما آلت إليه الأمور من اليأس والإحباط وانسداد الآفاق الحياتية التي تعزز الأمل والتفاؤل ، وكما قيل :


أعلِّلُ النفس بالآمالِ أرقُبُها ما أضيقَ العيشَ لولا فسحةُ الأمَلِ
لقد شُغلت كثير من الشعوب عن قضاياها الأممية الكبرى وتطلعاتها الحضارية بمشكلاتها الخاصة المتعلقة بلقمة العيش ، ثم اكتشفت أنه حتى لقمة العيش لم يعد الحصول عليها بالأمر السهل, حتى يبذل الإنسان كرامته ، ومع هذا تضافرت أسباب عديدة إعلامية وتعليمية واجتماعية على إضعاف قيمة الإيمان والصبر , ومواجهة التحديات بثقة وإصرار ومواصلة ، وأضعفت روح التكافل والتعاون في المجتمعات الإسلامية ؛ بما أفضى إلى أوضاع مأساوية لا يعلم عواقبها إلا الله وحده ، قد تعصف بالاجتماع والأمن والاستقرار في أي بلد .
وفي ظل الانفتاح الإعلامي وقيام " جمهورية المهمشين " التي تسمح بالتعبير والاحتجاج عبر أدوات الإعلام الجديد والشبكات الاجتماعية ، والقنوات الفضائية التي صارت تغطي الحدث فوراً وتسمح بالتواصل والتنسيق والتنظيم ، وتستوعب مئات الملايين من الناس ، والفيس بوك مثلاً يضم " 647.5 " مليوناً من البشر غالبهم من الشباب ، بحيث لو كان دولة لكان ثالث دولة في العالم من حيث عدد السكان بعد الصين والهند !
وفي ظل " ثورة الآمال والتطلعات " التي تجعل من حق أي شعبٍ أن يقارن نفسه بالشعوب الأخرى ، ويرى نفسه جديراً بالمستوى ذاته الذي تعيشه من حيث الحريات والرفاه المادي والممارسة السياسية ، بل والمركز الحضاري ..
في ظل هذا وذاك يغدو التجاهل لهذه المتغيرات نوعاً من الانتحار السياسي لأي نظام لا يريد أن يستوعبها ، فهو يدمر ذاته بذاته , ويحكم على مستقبله بمفاجآتٍ غير محسوبة , قد تفضي إلى حروب أهلية في أسوأ الحالات ، وإلى تغييرات جوهرية في أحسن الحالات .
وإذا كان انتحار الفرد حراماً وجريمة نكراء كما صرح بذلك كتاب الله العزيز وسنة النبي -صلى الله عليه وسلم- فإن انتحار المجتمعات والدول لهو أشد حرمة وأعظم جرماً ، وأولى بالشجب والاستنكار .
والتعبير عن الغضب أو عن المطالبة يمكن أن يتذرع بالوسائل الشرعية والوسائل المباحة المسكوت عنها في الشريعة ؛ لكن لا يجوز بحال من الأحوال أن يتساهل في ارتكاب ما حرم الله ، لأن ما عند الله لا ينال بمعصيته ، والحل الحقيقي لكل مشكلات الأمة هو في كلمة " التوبة " .
توبة الأفراد والمؤسسات والحكومات والشعوب من ذنوب السلوك ، وآثار التخلف ، ومعاصي الجهل ، وأوزار الظلم ، وخطايا الفوضى ، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً)(التحريم: من الآية8) ، لسنا نتحدث عن صيغة مثالية ، بل عن الحد الأدنى الذي تحفظ به مصالح الدنيا وضرورات الدين ، وتهدأ به النفوس الثائرة ، ويفتح فيه باب الأمل للناس كل الناس ، فلا شيء يدمر الحياة كما يدمرها اليأس .


أرى خللَ الرَّمادِ وميضَ نارٍ ويوشكُ أن يكون لها ضِرامُ

لئن لم يطفها عقلاء قوم يكون وقودها جثث وهام

فإنَّ النَّارَ بالعوديْن تُذكى وإنَّ الحربَ يقدمُها الكلامُ

أقول من التعجب ليت شعري أأيقاظٌ أمية أم نيام ؟!
وللحديث صلة إن شاء الله .. وصلى الله على نبينا محمد وآله .

الكاتب: فضيلة الشيخ/ سلمان بن فهد العودة السبت 18 صفر 1432الموافق 22 يناير 2011

أبولؤى
31 Jan 2011, 11:42 AM
فضيلة الشيخ/ سلمان بن فهد العودة
السكينة تجربة ..!

ربما يتظاهر المرء بالهدوء وفي أعماقه براكين من الانفعالات والغضب الذي يوشك أن ينفجر !
حين يتعرض الإنسان لشيء من الإثارة ثم يحافظ على هدوئه فهو يتصف بالسيطرة على النفس " يملك نفسه عند الغضب " .
أن يكون تعبيره عن انفعالاته ومشاعره متوازناً معتدلاً ، في حالة الرضا والغضب ، والحب والبغض ، والعداوة والصداقة هنا يكون محموداً على لسان النبيين " كلمة الحق في الغضب والرضا " .
الهدوء الروحاني ليس استعلاء على الآخرين ولا فوقية ، ولا استئثاراً بالخلق الأسمى ، وإنما هو سلوك يستلهم منه الآخرون مواقفهم ، ويشجعهم على الاستجابة .
هدوء الكلمة واللغة ، وهدوء القلب ، وهدوء الملامح والقسمات والجسد .
ليست الصلاة وحدها ولا الصيام أو الحج ، بل الحياة كلها هي " معبد " يربي المسلم على الانضباط حتى مع النفس ، وفي الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللهِ ، إِنَّ فُلاَنَةَ يُذْكَرُ مِنْ كَثْرَةِ صَلاَتِهَا ، وَصِيَامِهَا ، وَصَدَقَتِهَا ، غَيْرَ أَنَّهَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا ، قَالَ :" هِيَ فِي النَّارِ " !رواه أحمد وابن حبان في صحيحه والحاكم وقال صحيح الإسناد
الانضباط مع النفس يعني ألا يستجيب المرء لمقتضى الموقف بعفوية متسرعة دون أن يطور أداءه مع الوقت ويستفيد من تجاربه وتجارب الآخرين .
من السنة أن تمر بالمرء حالات اندفاع وحالات ضعف « فَإِنَّ لِكُلِّ عَابِدٍ شِرَةٌ وَلِكُلِّ شِرَةٍ فَتْرَةٌ .. » .
حتى الثورات هي اندفاع يتحول إلى تكوين حياتي ، ويصبح نظاماً ودولة وسياسة ، وبطبيعة الحال سيشعر بشيء من الحرج مع شعارات ومواعدات ومبادئ تم الاتكاء عليها أول الأمر .
وقد يشعر بالحرج من أتباع أرادوا من هذا التكوين الحياتي أكثر مما يجب وأكثر مما يمكن ..
الحب نفسه قد يبدأ ثورة ثم يتعقلن إذا تم الزواج ، وقد يضعف أو يتراجع أو يموت إذا لم يكن مبنياً على أساس صحيح , أو إذا أصبح أنانية واستحواذاً ومطاليب.
الهدوء يكمن في جزء من الثانية ما بين المثير الذي صنع الاستفزاز وما بين الاستجابة وردة الفعل ، ويالحكمة المصطفى -عليه الصلاة والسلام- حين قال : « الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأُولَى ».كما في الصحيحين من حديث أنس رضي الله عنه.
حين تتعامل مع أي استفزاز على أنه " كمرة خفية " وضعت لتسجل نوع استجابتك ثم تعرضها عليك وعلى الجمهور ، هنا ستكون أكثر إحكاماً للنفس وسيطرة عليها ، ومعنى هذا أن أي إنسان يدري أن السكينة والسيطرة على النفس هي فضيلة إنسانية ونبل كبير ، وأن الطيش والانفعال السريع غير المدروس مثلبة ونقص .
حين يمر المرء بتجارب الحياة سيدرك أن من السهل أن يقول ومن الصعب أن يعمل ويمتثل ..
سيكون مدافعاً بحرارة عن موقف انفعالي مر به ، لأنه لا يجدر به أن يستسلم أو يفوّت الأمر !
والقصة ببساطة أنه قد غسل يده من المحاولة وقرر أن يسوغ الطبع الذي هو عليه .
الذين حصلوا على قدر من الهدوء لم يدركوه خلال فترة يسيرة ، ولكن عبر تراكم ممتد من المحاولات والفشل والخجل والتردد والإحباط ، ومع كل المعوقات قرروا ألا تسقط الراية من أيديهم ، وأن يكرروا المحاولة تلو الأخرى متدرعين بقول الحق -عز وجل- : (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) (العنكبوت:69) ، وألجموا أنفسهم عن البغي والعدوان والظلم متذكرين وصمة النفاق لمن " إِذَا خَاصَمَ فَجَرَ " .
فهنا مواطن التقوى الصادقة ، وامتحان النفوس ، وحين عبر الله تعالى بقوله : (أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى)(الحجرات: من الآية3) ، كان ذلك في سورة الحجرات التي اشتملت على النهي عن رفع الأصوات فوق صوت النبي ، والنهي عن ترديد الشائعات ، وعن الوقوع في الأعراض ، وعن التعيير والتحقير ، وعن السخرية ، وعن سوء الظن ، وعن الاختلاف والتقاتل ، وعن العنصرية والانتساب ..
وختمت بالآية الكريمة : (قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا)(الحجرات: من الآية14) ، فالإيمان الحق هو ممارسة أخلاقية على أعلى المستويات ، وانضباط في الحقوق والعلاقات .
النظرة الإيجابية للأشياء والحوادث من منطلق الإيمان بحكمة الخالق الذي لا يقع شيء إلا بإذنه يعطي بعداً لقراءة النتائج البعيدة وحسن الظن بالله ، والهدوء في معالجة المواقف الغامضة والجديدة مع كمال الحرص على الإفادة من الفرص واقتناصها وحسن توظيفها ، وتوقع الأفضل كما قيل :
فقت لقلبي .. إن نزا بك نزوةً من الهمِّ؛ أقْصِرْ، أكثرُ الهول باطله
استفراغ الطاقة في العمل الإيجابي النافع ليس نقيضاً للهدوء ، هو الوجه الآخر للهدوء ، فالمنجزون عادة لا تستفزهم الحوادث بسرعة ، لأنهم يراهنون على إنجاز تراكمي طويل ، وليس على مفاجآت أو صدف .
حين يقولون إن القائد الهادئ هو الذي يتعامل مع الفجائع والنكبات على أنها أشياء عادية ، فهذا لا يعني أنه غير مبالٍ ، كلا ، وإنما هو يحتفظ بقدر كافٍ من الهدوء يمكنه من التفكير والبحث واختيار الحلول بعيداً عن أن يقع في أحبولة الخصم .
وحين نتحدث عن الهدوء .. فليس معناه أن نلغي الطبيعة الشخصية ، ولا نطمس العنوانات الأخرى والمواقف المناقضة .
كل ما هنالك أن يقال : أضف إلى العناوين الجميلة الموجودة لديك عنواناً اسمه " السكينة " ، تحاول استحضاره كلما ألمت بك مشكلة أو دهمتك نازلة ، أو واجهت موقفاً مستفزاً أو مثيراً ، تذكر فوراً أن هذا الموقف " مصمم " خصيصاً لاختبار صبرك وقدرتك على الانضباط, نعم إنه "القدر المقدور" .
من المؤكد أن الطبع يغلب التطبع ، فإذا كان طبعك يساعد على الهدوء فأنت جبلت على ما يحبه الله ورسوله كما في حديث عبد القيس ، على أنه إن كانت الأخرى فإنما العلم بالتعلّم ، والحلم بالتحلّم ، والصبر بالتصبّر ..كما قال أبو الدرداء.
لقد حدث لي أن تجرعت مرارات من الأذى كنت أظن أنني لا أحتاجها ، ثم تبين لي بعد سنين ؛ أنها أسهمت في صناعة ذاتي وإحكام تجربتي وتعويدي على قدر من الاحتمال والتجاوز والعفو وقهر الذات على عدم مقابلة ذلك بغير الرضا والهدوء والسكينة ، وقدرت بفضله تعالى على أن أعيش حياتي سعيداً مطمئناً هانئاً ، لقد أدركت أن السهام الموجهة لا تضر المرء إذا لم تضره نفسه ، بل تساعده على أن يكون أقوى وأرسخ ، ثم يتدرج إلى أن يتعود عليها فتبدو شيئاً من برنامج الحياة ذاتها وسنة الوجود ، ثم يرتقي إلى أن يستطيع أن يقتبس حتى الملحوظات الصغيرة أو يشرب قطرة من الماء العذب يستخلصها من ملح أجاج .
فشكراً لك يا رب وحمداً على نعمائك وحسن تأديبك ، وزدنا من فضلك ثواب الشاكرين .
الكاتب: فضيلة الشيخ/ سلمان بن فهد العودة السبت 25 صفر 1432الموافق 29 يناير 2011