المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مهلاً أيها العاقّون فعلماؤنا ليسوا ديناصورات ؟!



عبدالله عون
15 Oct 2010, 10:35 PM
يشتد الأسى والحزن عندما أرى بعض شبابنا , بل كهولنا من أهل الإعلام بأنواعه الذين يدّعون الليبرالية ويتشدقون بها ويقدسون الحرية ويتغنون بها ويمقتون الإقصاء ويهجون أصحابه , ثم بعد ذلك كله تراهم عندما يخاصمون يتحولون إلى دكتاتوريين إقصائيين ستالينيين ،ولا يحتفظون لأنفسهم بشيء من بقايا المروءة والأخلاق والتربية الخيّرة التي تربوا عليها في بيوتهم ومدارسهم ومساجدهم عندما كانوا حريصين على ارتيادها والنهل من معينها الخلقي والديني , بل تعجب عندما تعلم أن بعضهم كان من رواد مكتبات المساجد وحلقات التحفيظ , وإنما يفجرون في الخصومة ويتقيؤون حقداً أسود على مخالفهم حتى لو كان رفيع المقام في سنّه وعلمه ومنصبه , وتعجب كيف تكوّن في نفوسهم وتدرّن هذا الركام الأسود من الحقد على علماء لم يَرَ الناس منهم إلا الخير والمحبة والكلمة الطيبة والشفقة على الخلق والحرص على هدايتهم إلى طريق السعادة في الدنيا والآخرة وإبعادهم عن مصائد الشيطان والأخذ بحجزهم عن التهافت في النار .

هل يستحق هؤلاء الكبار سناً ومقاماً أن تقال فيهم بعض العبارات التي قرأناها خلال الأيام الماضية ؟ من مثل قول أحد الفنانين : ( أبشرك أنهم في الرمق الأخير ) ويعني بهم العلماء الذين لم يعجبه رأيهم في مسلسل ( طاش ) وهم علماء كبار على رأسهم أعضاء اللجنة الدائمة التي يرأسها سماحة المفتي , والتي شكلها واختار أعضاءها خادم الحرمين وفقه الله بأمر ملكي , أو مثل قول أحد الصحفيين وقد تبرم من آراء بعض العلماء الذين لهم موقف من الاحتفالات باليوم الوطني : ( لا تعرضوا لنا آراء هؤلاء فإنهم سينقرضون ويبقى الوطن ) . وأنا هنا لست في مقام التحليل أوالتحريم , فهذا باب له أهله وفرسانه , والعلماء فيه مختلفون , ولكني أقول لصاحبي هذين القولين : لماذا تضيقان بالرأي الآخر ؟ ولماذا لا تتوقعان وجود الرأي المؤيد والمعارض ؟ , ولماذا لا تحسنان التعامل مع المخالف والتأمل في وجهة نظره, ومناقشتها والرد عليها بأسلوب علمي راق متحضر ؟ ألستما معجبين بالغرب وحضارته ؟ انظرا كيف تدار الحوارات فيما بينهم ؟ .

إني أؤمل أن تكون هاتان العبارتان : ( الانقراض , والرمق الأخير ) هما سبق لسان من الأخوين بسبب الحماسة والاندفاع , وأنهما لا يقصدان حقيقتهما ومؤداهما ؛ لأن حقيقتهما مرة ومن يتمناهما إنما يتمنّى زوال هذه البلاد واقتلاع جذورها , أقول هذا الكلام ليس من باب الاستعداء , حاشا وكلا فأنا لا أضمر للأخوين ومن شابههما إلا الهداية والخير, وإنما لألفت نظرهما إلى خطورة هذا الكلام , وأنه لا يليق بمن يحب وطنه أن يدعو على عيونه ومصابيحه, بل على جناحه الثاني الذي يطير به , وهذا ليس رأيي فقط بل رأي قادة هذه البلاد ومؤسسيها بدءاً من الإمام محمد بن سعود رحمه الله إلى خادم الحرمين الملك عبدالله وفقه الله , ولو استعرضت أقوال قادة هذه الأسرة المباركة وأمرائها بدءاً من الملك عبدالعزيز مروراً بالملوك الخمسة بعده رحمهم الله جميعا إلى الأمير سلمان لجمعت مجلداً ضخماً من أقوالهم الثمينة التي تؤكد أن هذه البلاد تطير بجناحين ؛ جناح الأمراء من أل سعود وجناح العلماء من ثمار هذه الدعوة السلفية المباركة , التي تعاقد فيها الإمامان المحمدان على الولاء والنصرة ورفع راية التوحيد , وقد صدّقت هذه الوثيقةَ أقوالُ الملوك وأعمالُهم , كما صدقتها هذه الراية الخفاقة التي تحمل السيف وكلمة التوحيد .

إن كل محب لهذه البلاد ودارسٍ لتاريخها وسيرة حكامها من أبناء الوطن ومن خارجه يدرك هذه الحقيقة ويستيقن بأن بلادنا سبحة محكمة النظم والفتل ولها طرفان متصلان بإحكام , ومن يريد فصلهما عن بعض ويتمنى انقراض أحدهما إنما يريد الشر بالبلاد والعباد لا قدر الله ,ونسأل الله أن يعلي شأن علمائنا وحكامنا , وأن يهدي أو يقرض من أراد قرضهم وانقراضهم أو وصولهم إلي الرمق الأخير .

أما عبارة : ( ويبقى الوطن ) التي وردت في كلام القارض , فقد أضحكتني كثيراً وأحزنتني أكثر , وذلك لأن ترديد الوطن والوطنية والمزايدة بها من طيور مهاجرة هجرت الوطن وفضّلت العيش خارجه على قامات كبيرة من العلماء الذين أمضوا حياتهم في خدمة الوطن بصدق وتضحية وإخلاص صارت موضة هذه الأيام , وللتوضيح سأضرب مثلاً بأحدهم وهو سماحة المفتي السابق الشيخ العلامة عبدالعزيز بن باز قدس الله روحه في عليين وجمعنا به هناك, فقد توفي الشيخ وهو على رأيه في منع أي احتفال خارج العيدين , ولن أقارن بينه وبين القارض أو صاحب الرمق الأخير ؛ لأنه لا مقارنة بين الثريا والثرى فهذا الرجل العظيم وهو يصدع برأيه في هذه المسألة منذ عهد الملك عبدالعزيز إلى أن توفاه الله لم يكن ضد الوطن أو كارهاً له ؛ لأن حياته ومواقفه وجهاده طوال سبعين سنة وهي مدة عمله التي أمضاها في العمل الحكومي كانت كلها في خدمة وطنه، ولم يأخذ خلالها إجازة – كما يقول مرافقوه – ومات وهو على رأس العمل في الطائف بعد أن بلغ التسعين , ولم يرزأ بيت المال بريال سوى راتبه الذي ينتهي قبل حلوله, ولم يخلف عقارات أو عمارات ولم يدخل في مناقصات من الباطن أو الظاهر ولم يكن سبباً في كارثة للبلد ككارثة جدة اوغيرها , ولم يصّيف خارج المملكة ويكلف الدولة تذاكر وفنادق له ولعائلته وأرحامه وأصهاره , ولو نظرت إلى تلميذه وصنوه فضيلة الشيخ محمد العثيمين رحمه الله, الذي يوافقه على رأيه لرأيته كذلك في صدقه وإخلاصه وورعه وزهده , فقد حوّل المال الذي عرضه عليه الملك خالد رحمه الله عندما زاره في بيته الطيني المتواضع في مدينة عنيزة لبناء منزله حوله إلى بناء جامع كبير لمدينته عنيزة، ثم سكن ورباط لطلاب العلم الذين يعكف على تدريسهم وتلقينهم الولاء لدينهم وبلادهم وولاة أمرهم ، ولم يستأثر به لنفسه اولأولاده وقد جاءه المال دون طلب أو استشراف نفس ومع ذلك فقد آثر الوطن على نفسه فمنحه هذا المشروع الكبير ، وهكذا تكون الوطنية بالأفعال وليس بالأقوال الفارغة .

ولو نظرت إلى أخطر قرار مرّ على هذه البلاد وهو قرار حرب الخليج واستعادة الكويت لوجدت أن وراءه رجلين عظيمين تحملا عبئه وهما الملك فهد رحمه الله ومعه إخوانه , والشيخ ابن باز رحمه الله ومعه علماء البلاد الذين تنتظر انقراضهم .

هل كنت تتوقع من الملك فهد عندما حزبه الأمر وادلهم الخطب أن يدعو هيئة الصحفيين وجمعية الفنانين لمساندته والوقوف معه في هذه المحنة العظيمة التي كادت تعصف بالوطن ؟ أو أن يستأنس بالمهاجرين في دبي ولندن وغيرهما ليهدئوا ثائرة هذه الجموع والغوغاء الهادرة , ويطفئوا تلك الفتنة التي أطلت برأسها , فعصم الله منها بتوفيقه ثم بحكمة الملك فهد ووقفة علماء البلاد وعلى رأسهم الشيخ ابن باز والشيخ ابن عثيمين وبقية العلماء الأفاضل الأخيار , الذين أبشرك أنهم يتوالدون ويتكاثرون , والانقراض لشانئيهم وأعدائهم.

أبعد هذا تزايدون على هؤلاء القمم الشوامخ ؟ ألم تعلموا وتقرؤوا وأنتم إعلاميون أن الملك فهد رحمه الله عندما اعتلت صحته وتوفيت عزيزة من أهل بيته رحمها الله وهو في جدة لم يتمكن من النزول للصلاة عليها في الحرم الشريف , وعندما توفي الشيخ ابن باز رحمه الله تحامل الملك على نفسه ونزل من جده للحرم للصلاة عليه ؟ أنظن الملك رحمه الله بهذا العمل كان يعرف وطنية ابن باز أو يجهلها ؟ أتظنه كافأه على غلظته وكرهه للوطن بهذا الموقف الخالد العظيم ؟

أخيراً أقول : ليتكم تعرفون حجمكم وتعرفون وطنكم على حقيقته حتى تميزوا الوطنيين الحقيقيين من أسراب الطيور المهاجرة قلباً وقالباً أو قلباً فقط , التي جعلت الوطن والوطنية علكاً يمضغ ما دام حلواً ثم يرمى في سلة المهملات إذا قلت حلاوته ؟!

محمد بن خالد الفاضل
جامعة الأمير سلطان
dr.alfadhel@g*********
4 / 11 / 1431 هـ

مسك الختام
16 Oct 2010, 02:39 AM
جُزيتم خيراً

أبولؤى
16 Oct 2010, 07:06 AM
جزاك الله من كل خيره

وبارك الله فيكم

سلا احمد
17 Oct 2010, 02:16 PM
موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .

سفري بعيد وزادي قليل
18 Oct 2010, 08:45 AM
جزيت خيراً ...
الرمق الأخيــر !! ينقرضون !!!
إن شاء من قالها وأمثاله ينقرضون صدق

عبدالله عون
19 Oct 2010, 09:47 PM
الأخوة الكرام
شرفت بمروركم
و لكم مني خالص الشكر

الدكتور
23 Oct 2010, 01:35 PM
أخي عبدالله كلامٌ رائع يخط بماء الذهب ويسطر بالجواهر والألماس

بارك الله فيك ونفع بك نقل موفقٌ ومبارك

وجزى الله خيرا كاتب الموضوع

الرحال99
23 Oct 2010, 04:59 PM
جزاك الله خير وبارك فيك