ام حفصه
24 Sep 2010, 11:41 AM
أروع مقال في الذب عن الصحابة الكرام
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم
الصحابة ومكانتهم في الإسلام
للاستاذ الكبير نور عالم خليل الأميني
إن الدين الذي ندين به إنما أنزله الله لنا عن طريق نبيه محمد بن عبد الله بن عبد المطلب الهاشمي القرشي الأمي صلى الله عليه وسلم، وبلغنا عنه عن طريق الصفوة المختارة من جيل البشر، التي تعرف بالصحابة، تلك الجماعة المؤمنة التي اختارها الله لصحبة نبيه، ولتلقى الدين عنه مباشرة، وكُلِّفت تبليغَه إلينا. وكانت هذه الجماعة أبر الناس قلوبًا وأعمقهم علمًا وأقلهم تكلفًا، وبلغت من صدق إيمانها، وحسن إخلاصها، وجميل صنيعها في الدين الذي آمنت به، وحسن بلائها في سبيل إعلاء كلمة الله، أن رضي عنها رب العرش، وأعلن رضاه عنها في كتابه الخالد، وبلغت من حبها لنبيها، وصفاء قلوبها وطهارة نفسها، ونزاهة قصدها، وعفة عزيمتها بحيث استحقت أن يقيم نبيُّها حولها سياجًا منيعًا من أمره الكريم، حين قال: "لا تسبوا أصحابي، فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهبًا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه".
وهذا العالم الإسلامي المترامي الأطراف، الواسع الأرجاء، الشاسع الأقطار، الذي نعتز بالانتساب إليه فُتِح كثير منه في زمن الصحابة، وفي عهد الخلفاء الراشدين، وافتُتِح كثير منه كذلك بعد الخلفاء الراشدين؛ لكن الصحابة هم الذين بدأوا به، وعبدوا الطريق إليه، والقادة منهم هم الذين جعلوا راية الإسلام تخفق في الشرق والغرب، وجعلوا الشعوب والأمم تدخل في الإسلام وتنضوي تحت رايته، وتستظل بهدايته.
كل ذلك شدّني إلى أن أكتب هذه السطور التي سيقرأها القراء، لأحفز من خلالها الشباب الإسلامي، والنشء الجديد إلى الإيمان من جديد بفضل الصحابة، ولأثير فيه كامن الحب نحوهم، ولأؤكد أن دين المرء لايتم بدون حبهم، وأن القلب الــذي يتعكر ببغضهم قليــلاً أو كثيرًا، يتعكر قليلاً أو كثــيرًا بضعف الـدين؛ لأنهم هم الذين نقلوا الدين إلينا، وأن الكتاب والسنة والشريعة، كل ذلك يعــود مشكوكاً فيه لدى المرء بقدر الشك الذي يعيش في قلبه نحو الصحابـــة رضي الله عنهم.. وإذا كان لابد للقلب لكي يبقى حيًا من كمية من البغض ككميـــة أخـرى من الحب، فلصاحبــــه غناء في بغض أعـــداء الله ورسولـــه في داخل الصف وخارجـــه، كما أن له غناء طبعًا، في حب الله ورسوله وآله وأصحابــه ومن تبعهم من المؤمنين ويتبعهــم بإحسان إلى يــوم الــدين.. وبالإيجاز حاولتُ أن أبرز مكانة الصحابة وقيمتهم في الإسلام، ولاسيّما لأن هناك فرقـة تنتمي إلى المسلمين تتبنى سبّ الصحابة والطعن فيهم، وعلى الطعن في الصحابة الكرام رضي الله عنهم والإساءة إليهم وتوجيــــه أشنع التهم إليهم يتأسس دينُها الذي تسميه "الإسلام" والإسلامُ منها بـــريء؛ لأن الإسلام عن طريق الصحابــة وصل إلينا نحن المسلمين، فالطعنُ في الصحابة طعنٌ في الإسلام، ورفضٌ له، وهدم لأسسه. والعقيدةُ هي الأصل في الإسلام، فمن كَفَّر الصحابةَ، واعتبرهم أَكْفَرَ الكافــرين – كما تعتقـد هذه الفرقــــة – فكيف يجوز أن يكون مسلمًا مؤمنًا بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم، من هنا أفتى كبارُ العلماء السلف بكفر من يُكَفِّر الصحابةَ رضي الله عنهم؛ فقد قال الإمام الذهبيّ: "فمن طعن في الصحابة أو سبّهم، فقد خرج من الدين، ومرق من ملة المسلمين".(1) (http://muntada.islamtoday.net/newthread.php?do=newthread&f=66#_edn1)
ويُخطِئ كثيرٌ من المسلمين عندما يظنّون أن رفعَ الهتافات بالإسلام، والتضامن الإسلاميّ، والوحدةِ الإسلاميّة؛ وتحدّيَ القوى الكبرى – المعادية للإسلام – بالأقوال العريضة والدعاوي الفارغة، يكفي لكون هذه الفرقة مسلمةً مهما اعتقدت بكفر جميع الصحابة – حتى أبي بكر وعمر رضي الله عنهما – باستثناء ستة منهم فقط، وتَنَاوَلَتْهم بأشدّ الشتائم واللعنات، واعتقدت أنّ ذلك يفتح لها – لتلك الفرقة – بابًا واسعًا إلى الجنة!!.
الصحابة في اللغة
* الصحبة بالضم في اللغة يتحقق مدلولها في شخصين بينهما ملابسة ما كثيرة أو قليلة، حقيقة أو مجازًا(2) (http://muntada.islamtoday.net/newthread.php?do=newthread&f=66#_edn2) وفي هذا المعنى جاء استعمال الكلمة في قوله تعالى: ﴿فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ﴾﴿قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُه﴾(3) (http://muntada.islamtoday.net/newthread.php?do=newthread&f=66#_edn3).. ولو صاحب أحدٌ أحدًا ساعةً من نهار، أو لازمه في بعض أسفاره يستطيع أن يقول: صحبت فلانًا في سفري ساعة من النهار.. وقد تستخدم في المشابهة في الأخلاق والعادات والأعمال، ففي الحديث الصحيح قوله عليه الصلاة والسلام لسيدتنا عائشة رضي الله عنها: "إنّكن صواحبُ يوسف" أي أخلاقكن كأخلاق النسوة اللاتي كانت لهن قصة مع يوسف.. وتوسّعوا في استخدام الكلمة، فأطلقوها على الملابسة بين العقلاء والجمادات، وعلى هذا الأساس سُمِّيَ عبد الله بن مسعود رضي الله عنه "صاحب السواك والنعلين والوسادة".
وكلمة "الصحابي"(4) (http://muntada.islamtoday.net/newthread.php?do=newthread&f=66#_edn4) منسوبة إلى الصحابة (بالفتح) مصدر معناها الصحبة (بالضم).
الصحابي في الاصطلاح
أما الصحابي في الاصطلاح فهو من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمنًا به، ومات على الإسلام، فيدخل فيمن لقيه: من طالت مجالسته أو قصرت، ومن روى عنه أو لم يرو عنه، ومن غزا أو لم يغز، ومن رآه رؤية ولم يجالسه، ومن لم يره لعارض كالعمى، وجالسه.(5) (http://muntada.islamtoday.net/newthread.php?do=newthread&f=66#_edn5) ويدخل فيه الإنس والجان، ويدخل في التعريف الذكور والإناث، والأحرار والموالي.
فمن لقيه كافرًا، أو لقيه كافرًا وأسلم بعد لحاقه صلى الله عليه وسلم بالرفيق الأعلى، أو من لقيه مؤمنًا بغيره صلى الله عليه وسلم كأهل الكتاب، لا يكون صحابيًا.. ويخرج من هذا التعريف من لقيه مؤمنًا، ثم ارتد ومات على ردته..
ويدخل في التعريف من لقيه مؤمنًا، ثم ارتد، وعاد إلى الإسلام قبل موته صلى الله عليه وسلم سواءاً اجتمع به صلى الله عليه وسلم مرة أخرى أو لم يجتمع، كالأشعث بن قيس، وقرة بن هبيرة، وقد أطبق أهل الحديث على عدهم في الصحابة وتخريج أحاديثهم في المسانيد والسنن والصحاح، وقد زوج أبوبكر الصديق رضي الله عنه أخته للأشعث بن قيس، ويرى بعض العلماء أن الردة تحبط فضل الصحبة وثوابها، وتحبط العمل، وبه قال الإمام الأعظم أبو حنيفة، وصرح به الإمام الشافعي في الأم، رحمهما الله، وحكى ألرافعي تقييده باتصالها بالموت(6) (http://muntada.islamtoday.net/newthread.php?do=newthread&f=66#_edn6).
التفاضل بين الصحابة
وليس الصحابة كلهم في درجة واحدة في الفضل، بل يفضل بعضهم بعضًا، وقد نص عز وجل على ذلك في الكتاب الكريم:
﴿لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾(7) (http://muntada.islamtoday.net/newthread.php?do=newthread&f=66#_edn7) وقال ﴿وَالسّـٰـبِقُونَ الأوَّلُونَ مِنَ الْمُهَـٰـجِرِيْنَ وَالأنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ﴾(8) (http://muntada.islamtoday.net/newthread.php?do=newthread&f=66#_edn8).
وكلهم ذوو فضل وكرامة، ولا يبلغ مستواهم أحد من الفضلاء والعباد، والزهاد والصالحين، والأتقياء والخاشعين؛ لأن شرف الصحبة لا يناله أحد.
وعلى هذا الأساس قسمهم العلماء إلى طبقات، و وزعهم ابن حبان والحاكم في اثنتي عشرة طبقة، وهي كما يلي:
1 – من تقدم إسلامه بمكة.
2 – أصحاب دار الندوة، وذلك أن عمر بن الخطاب لما أسلم وأظهر إسلامه حمل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى دار الندوة، فبايعه جماعة من أهل مكة.
3 – المهاجرة إلى الحبشة .
4 – أصحاب بيعة العقبة الأولى، ويقال: فلان عقبي.
5 – أصحاب بيعة العقبة الثانية.، وأكثرهم من الأنصار.
6 – المهاجرون الذين وصلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بقباء قبل دخوله المدينة، وقبل أن يبني المسجد.
7 – أهل بدر.
8 – المهاجرون بين بدر والحديبية .
9 – أهل بيعة الرضوان .
10 – المهاجرون بين الحديبية وفتح مكة .
11 – مسلمة الفتح.
12 – من جاءه صلى الله عليه وسلم بعد الفتح من القبائل والأعراب، ويدخل فيهم الصبيان والأطفال الذين رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع وغيرها(9) (http://muntada.islamtoday.net/newthread.php?do=newthread&f=66#_edn9).
عدد الصحابة
دراسة الكتب التي ترجمت للصحابة، تدل على أنه لا يمكن حصر عددهم بالجزم؛ لأنهم كانوا قد تفرقوا في القرى والأمصار والبلدان ونواحي العالم.
وقد قال سيدنا كعب بن مالك في حديثه عن تخلفه عن غزوة تبوك(10) (http://muntada.islamtoday.net/newthread.php?do=newthread&f=66#_edn10): "والمسلمون كثير لا يجمعهم كتاب حافظ".. روي عن أبي زرعة أن عدة من شهدها معه صلى الله عليه وسلم سبعون ألفًا.. وجاء في حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه: خرجنا إلى تبوك زيادة على ثلاثين ألفًا، وبهذا العدد جزم ابن إسحاق، وقال الواقدي كان معهم عشرة آلاف فرس(11) (http://muntada.islamtoday.net/newthread.php?do=newthread&f=66#_edn11).
وقال جابر بن عبد الله رضي الله عنه في صفة حجة الوداع: "نظرت إلى مد بصري من بين يديه من راكب وماش، وعن يمينه مثل ذلك، وعن يساره مثل ذلك، ومن خلفه مثل ذلك" ثم قال: "... فقدم المدينة بشر كثير"(12) (http://muntada.islamtoday.net/newthread.php?do=newthread&f=66#_edn12).
ونقل عن الشافعي رحمه الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قبض والمسلمون ستون ألفًا، ثلاثون ألفًا بالمدينة، وثلاثون ألفًا في قبائل العرب.
والذين وصلتنا أسماؤهم لاتصل إلى معشار هذا العدد، كما صرح به ابن حجر في "الإصابة" وجمع رحمه الله في هذا الكتاب جل الكتب السابقة التي ترجمت للصحابة مع المختلف فيهم، أو الذين قيل فيهم: شخصان، وهما شخص واحد في الواقع، فبلغ عددهم رجالاً ونساء اثني عشر ألفًا ومائتين وسبعًا وتسعين (12297)(13) (http://muntada.islamtoday.net/newthread.php?do=newthread&f=66#_edn13).
الغرض من بعثة النبي صلى الله عليبه وسلم
بين الله عز وجل الهدف من إنشاء الجن والبشر قائلاً: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ﴾(14) (http://muntada.islamtoday.net/newthread.php?do=newthread&f=66#_edn14) يعني أنه تبارك وتعالى خلق العباد ليعبدوه وحده لا شريك له، ولم يكن هدفه من وراء خلقهم تحقيق حاجة من الحاجات، أو طلب الرزق منهم؛ لأنهم هم الفقراء إليه تعالى في جميع الأحوال وهو تعالى خالقهم ورازقهم..
وتصحيح الصلة بين العبد وربه وإفراد العبادة والعبودية لله الواحد القهار، هو الغرض الأساسي والهدف الأول الأصيل الذي من أجله بعث الله الأنبياء والرسل، فكلما نسي العباد موقفهم الحقيقي في الحياة: موقف العبودية الكاملة الشاملة من المعبود الواحد الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، أو التبس عليهم ذلك، وبدأوا يطَّرِحون على عتبات كثيرة، وعادوا لم يخلصوا له الدعاء والعبادة، ولم يفردوا له الإنابة والالتجاء.. بعث الله من الأنبياء أو الرسل من يصحح صلتهم بربهم، ويعود بهم إلى موقف العبودية الصحيحة، وإلى مكانتهم الحقيقية في الكون، ومركزهم في الوجود، ودورهم في الحياة، فهم عباد لله، فيجب أن لا يعبدوا إلا إياه، ولا يسجدوا إلا له، ولا يستغيثوا إلا به، ولا يتألّهوا ولا يتذللوا إلا له، ولا يلتجئوا إلا إليه، ولا يطَّرحوا إلا على عتبته.. وهم أشرف المخلوقات، وأكرم الموجودات وأعز الخلق على الله؛ فلا يجوز ولا يعقل أن يسجدوا للضعيف من المخلوقات، والتافه من الموجودات.
الجزء التالي :---- يتبع
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم
الصحابة ومكانتهم في الإسلام
للاستاذ الكبير نور عالم خليل الأميني
إن الدين الذي ندين به إنما أنزله الله لنا عن طريق نبيه محمد بن عبد الله بن عبد المطلب الهاشمي القرشي الأمي صلى الله عليه وسلم، وبلغنا عنه عن طريق الصفوة المختارة من جيل البشر، التي تعرف بالصحابة، تلك الجماعة المؤمنة التي اختارها الله لصحبة نبيه، ولتلقى الدين عنه مباشرة، وكُلِّفت تبليغَه إلينا. وكانت هذه الجماعة أبر الناس قلوبًا وأعمقهم علمًا وأقلهم تكلفًا، وبلغت من صدق إيمانها، وحسن إخلاصها، وجميل صنيعها في الدين الذي آمنت به، وحسن بلائها في سبيل إعلاء كلمة الله، أن رضي عنها رب العرش، وأعلن رضاه عنها في كتابه الخالد، وبلغت من حبها لنبيها، وصفاء قلوبها وطهارة نفسها، ونزاهة قصدها، وعفة عزيمتها بحيث استحقت أن يقيم نبيُّها حولها سياجًا منيعًا من أمره الكريم، حين قال: "لا تسبوا أصحابي، فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهبًا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه".
وهذا العالم الإسلامي المترامي الأطراف، الواسع الأرجاء، الشاسع الأقطار، الذي نعتز بالانتساب إليه فُتِح كثير منه في زمن الصحابة، وفي عهد الخلفاء الراشدين، وافتُتِح كثير منه كذلك بعد الخلفاء الراشدين؛ لكن الصحابة هم الذين بدأوا به، وعبدوا الطريق إليه، والقادة منهم هم الذين جعلوا راية الإسلام تخفق في الشرق والغرب، وجعلوا الشعوب والأمم تدخل في الإسلام وتنضوي تحت رايته، وتستظل بهدايته.
كل ذلك شدّني إلى أن أكتب هذه السطور التي سيقرأها القراء، لأحفز من خلالها الشباب الإسلامي، والنشء الجديد إلى الإيمان من جديد بفضل الصحابة، ولأثير فيه كامن الحب نحوهم، ولأؤكد أن دين المرء لايتم بدون حبهم، وأن القلب الــذي يتعكر ببغضهم قليــلاً أو كثيرًا، يتعكر قليلاً أو كثــيرًا بضعف الـدين؛ لأنهم هم الذين نقلوا الدين إلينا، وأن الكتاب والسنة والشريعة، كل ذلك يعــود مشكوكاً فيه لدى المرء بقدر الشك الذي يعيش في قلبه نحو الصحابـــة رضي الله عنهم.. وإذا كان لابد للقلب لكي يبقى حيًا من كمية من البغض ككميـــة أخـرى من الحب، فلصاحبــــه غناء في بغض أعـــداء الله ورسولـــه في داخل الصف وخارجـــه، كما أن له غناء طبعًا، في حب الله ورسوله وآله وأصحابــه ومن تبعهم من المؤمنين ويتبعهــم بإحسان إلى يــوم الــدين.. وبالإيجاز حاولتُ أن أبرز مكانة الصحابة وقيمتهم في الإسلام، ولاسيّما لأن هناك فرقـة تنتمي إلى المسلمين تتبنى سبّ الصحابة والطعن فيهم، وعلى الطعن في الصحابة الكرام رضي الله عنهم والإساءة إليهم وتوجيــــه أشنع التهم إليهم يتأسس دينُها الذي تسميه "الإسلام" والإسلامُ منها بـــريء؛ لأن الإسلام عن طريق الصحابــة وصل إلينا نحن المسلمين، فالطعنُ في الصحابة طعنٌ في الإسلام، ورفضٌ له، وهدم لأسسه. والعقيدةُ هي الأصل في الإسلام، فمن كَفَّر الصحابةَ، واعتبرهم أَكْفَرَ الكافــرين – كما تعتقـد هذه الفرقــــة – فكيف يجوز أن يكون مسلمًا مؤمنًا بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم، من هنا أفتى كبارُ العلماء السلف بكفر من يُكَفِّر الصحابةَ رضي الله عنهم؛ فقد قال الإمام الذهبيّ: "فمن طعن في الصحابة أو سبّهم، فقد خرج من الدين، ومرق من ملة المسلمين".(1) (http://muntada.islamtoday.net/newthread.php?do=newthread&f=66#_edn1)
ويُخطِئ كثيرٌ من المسلمين عندما يظنّون أن رفعَ الهتافات بالإسلام، والتضامن الإسلاميّ، والوحدةِ الإسلاميّة؛ وتحدّيَ القوى الكبرى – المعادية للإسلام – بالأقوال العريضة والدعاوي الفارغة، يكفي لكون هذه الفرقة مسلمةً مهما اعتقدت بكفر جميع الصحابة – حتى أبي بكر وعمر رضي الله عنهما – باستثناء ستة منهم فقط، وتَنَاوَلَتْهم بأشدّ الشتائم واللعنات، واعتقدت أنّ ذلك يفتح لها – لتلك الفرقة – بابًا واسعًا إلى الجنة!!.
الصحابة في اللغة
* الصحبة بالضم في اللغة يتحقق مدلولها في شخصين بينهما ملابسة ما كثيرة أو قليلة، حقيقة أو مجازًا(2) (http://muntada.islamtoday.net/newthread.php?do=newthread&f=66#_edn2) وفي هذا المعنى جاء استعمال الكلمة في قوله تعالى: ﴿فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ﴾﴿قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُه﴾(3) (http://muntada.islamtoday.net/newthread.php?do=newthread&f=66#_edn3).. ولو صاحب أحدٌ أحدًا ساعةً من نهار، أو لازمه في بعض أسفاره يستطيع أن يقول: صحبت فلانًا في سفري ساعة من النهار.. وقد تستخدم في المشابهة في الأخلاق والعادات والأعمال، ففي الحديث الصحيح قوله عليه الصلاة والسلام لسيدتنا عائشة رضي الله عنها: "إنّكن صواحبُ يوسف" أي أخلاقكن كأخلاق النسوة اللاتي كانت لهن قصة مع يوسف.. وتوسّعوا في استخدام الكلمة، فأطلقوها على الملابسة بين العقلاء والجمادات، وعلى هذا الأساس سُمِّيَ عبد الله بن مسعود رضي الله عنه "صاحب السواك والنعلين والوسادة".
وكلمة "الصحابي"(4) (http://muntada.islamtoday.net/newthread.php?do=newthread&f=66#_edn4) منسوبة إلى الصحابة (بالفتح) مصدر معناها الصحبة (بالضم).
الصحابي في الاصطلاح
أما الصحابي في الاصطلاح فهو من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمنًا به، ومات على الإسلام، فيدخل فيمن لقيه: من طالت مجالسته أو قصرت، ومن روى عنه أو لم يرو عنه، ومن غزا أو لم يغز، ومن رآه رؤية ولم يجالسه، ومن لم يره لعارض كالعمى، وجالسه.(5) (http://muntada.islamtoday.net/newthread.php?do=newthread&f=66#_edn5) ويدخل فيه الإنس والجان، ويدخل في التعريف الذكور والإناث، والأحرار والموالي.
فمن لقيه كافرًا، أو لقيه كافرًا وأسلم بعد لحاقه صلى الله عليه وسلم بالرفيق الأعلى، أو من لقيه مؤمنًا بغيره صلى الله عليه وسلم كأهل الكتاب، لا يكون صحابيًا.. ويخرج من هذا التعريف من لقيه مؤمنًا، ثم ارتد ومات على ردته..
ويدخل في التعريف من لقيه مؤمنًا، ثم ارتد، وعاد إلى الإسلام قبل موته صلى الله عليه وسلم سواءاً اجتمع به صلى الله عليه وسلم مرة أخرى أو لم يجتمع، كالأشعث بن قيس، وقرة بن هبيرة، وقد أطبق أهل الحديث على عدهم في الصحابة وتخريج أحاديثهم في المسانيد والسنن والصحاح، وقد زوج أبوبكر الصديق رضي الله عنه أخته للأشعث بن قيس، ويرى بعض العلماء أن الردة تحبط فضل الصحبة وثوابها، وتحبط العمل، وبه قال الإمام الأعظم أبو حنيفة، وصرح به الإمام الشافعي في الأم، رحمهما الله، وحكى ألرافعي تقييده باتصالها بالموت(6) (http://muntada.islamtoday.net/newthread.php?do=newthread&f=66#_edn6).
التفاضل بين الصحابة
وليس الصحابة كلهم في درجة واحدة في الفضل، بل يفضل بعضهم بعضًا، وقد نص عز وجل على ذلك في الكتاب الكريم:
﴿لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾(7) (http://muntada.islamtoday.net/newthread.php?do=newthread&f=66#_edn7) وقال ﴿وَالسّـٰـبِقُونَ الأوَّلُونَ مِنَ الْمُهَـٰـجِرِيْنَ وَالأنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ﴾(8) (http://muntada.islamtoday.net/newthread.php?do=newthread&f=66#_edn8).
وكلهم ذوو فضل وكرامة، ولا يبلغ مستواهم أحد من الفضلاء والعباد، والزهاد والصالحين، والأتقياء والخاشعين؛ لأن شرف الصحبة لا يناله أحد.
وعلى هذا الأساس قسمهم العلماء إلى طبقات، و وزعهم ابن حبان والحاكم في اثنتي عشرة طبقة، وهي كما يلي:
1 – من تقدم إسلامه بمكة.
2 – أصحاب دار الندوة، وذلك أن عمر بن الخطاب لما أسلم وأظهر إسلامه حمل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى دار الندوة، فبايعه جماعة من أهل مكة.
3 – المهاجرة إلى الحبشة .
4 – أصحاب بيعة العقبة الأولى، ويقال: فلان عقبي.
5 – أصحاب بيعة العقبة الثانية.، وأكثرهم من الأنصار.
6 – المهاجرون الذين وصلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بقباء قبل دخوله المدينة، وقبل أن يبني المسجد.
7 – أهل بدر.
8 – المهاجرون بين بدر والحديبية .
9 – أهل بيعة الرضوان .
10 – المهاجرون بين الحديبية وفتح مكة .
11 – مسلمة الفتح.
12 – من جاءه صلى الله عليه وسلم بعد الفتح من القبائل والأعراب، ويدخل فيهم الصبيان والأطفال الذين رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع وغيرها(9) (http://muntada.islamtoday.net/newthread.php?do=newthread&f=66#_edn9).
عدد الصحابة
دراسة الكتب التي ترجمت للصحابة، تدل على أنه لا يمكن حصر عددهم بالجزم؛ لأنهم كانوا قد تفرقوا في القرى والأمصار والبلدان ونواحي العالم.
وقد قال سيدنا كعب بن مالك في حديثه عن تخلفه عن غزوة تبوك(10) (http://muntada.islamtoday.net/newthread.php?do=newthread&f=66#_edn10): "والمسلمون كثير لا يجمعهم كتاب حافظ".. روي عن أبي زرعة أن عدة من شهدها معه صلى الله عليه وسلم سبعون ألفًا.. وجاء في حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه: خرجنا إلى تبوك زيادة على ثلاثين ألفًا، وبهذا العدد جزم ابن إسحاق، وقال الواقدي كان معهم عشرة آلاف فرس(11) (http://muntada.islamtoday.net/newthread.php?do=newthread&f=66#_edn11).
وقال جابر بن عبد الله رضي الله عنه في صفة حجة الوداع: "نظرت إلى مد بصري من بين يديه من راكب وماش، وعن يمينه مثل ذلك، وعن يساره مثل ذلك، ومن خلفه مثل ذلك" ثم قال: "... فقدم المدينة بشر كثير"(12) (http://muntada.islamtoday.net/newthread.php?do=newthread&f=66#_edn12).
ونقل عن الشافعي رحمه الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قبض والمسلمون ستون ألفًا، ثلاثون ألفًا بالمدينة، وثلاثون ألفًا في قبائل العرب.
والذين وصلتنا أسماؤهم لاتصل إلى معشار هذا العدد، كما صرح به ابن حجر في "الإصابة" وجمع رحمه الله في هذا الكتاب جل الكتب السابقة التي ترجمت للصحابة مع المختلف فيهم، أو الذين قيل فيهم: شخصان، وهما شخص واحد في الواقع، فبلغ عددهم رجالاً ونساء اثني عشر ألفًا ومائتين وسبعًا وتسعين (12297)(13) (http://muntada.islamtoday.net/newthread.php?do=newthread&f=66#_edn13).
الغرض من بعثة النبي صلى الله عليبه وسلم
بين الله عز وجل الهدف من إنشاء الجن والبشر قائلاً: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ﴾(14) (http://muntada.islamtoday.net/newthread.php?do=newthread&f=66#_edn14) يعني أنه تبارك وتعالى خلق العباد ليعبدوه وحده لا شريك له، ولم يكن هدفه من وراء خلقهم تحقيق حاجة من الحاجات، أو طلب الرزق منهم؛ لأنهم هم الفقراء إليه تعالى في جميع الأحوال وهو تعالى خالقهم ورازقهم..
وتصحيح الصلة بين العبد وربه وإفراد العبادة والعبودية لله الواحد القهار، هو الغرض الأساسي والهدف الأول الأصيل الذي من أجله بعث الله الأنبياء والرسل، فكلما نسي العباد موقفهم الحقيقي في الحياة: موقف العبودية الكاملة الشاملة من المعبود الواحد الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، أو التبس عليهم ذلك، وبدأوا يطَّرِحون على عتبات كثيرة، وعادوا لم يخلصوا له الدعاء والعبادة، ولم يفردوا له الإنابة والالتجاء.. بعث الله من الأنبياء أو الرسل من يصحح صلتهم بربهم، ويعود بهم إلى موقف العبودية الصحيحة، وإلى مكانتهم الحقيقية في الكون، ومركزهم في الوجود، ودورهم في الحياة، فهم عباد لله، فيجب أن لا يعبدوا إلا إياه، ولا يسجدوا إلا له، ولا يستغيثوا إلا به، ولا يتألّهوا ولا يتذللوا إلا له، ولا يلتجئوا إلا إليه، ولا يطَّرحوا إلا على عتبته.. وهم أشرف المخلوقات، وأكرم الموجودات وأعز الخلق على الله؛ فلا يجوز ولا يعقل أن يسجدوا للضعيف من المخلوقات، والتافه من الموجودات.
الجزء التالي :---- يتبع