النعمانى
13 Jul 2010, 10:35 AM
كتبه/ عصام حسنين
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فمن وظائفك في رمضان أن يلهج لسانك بذكر الله -تعالى- من تسبيحه، وتحميده، وتكبيره، وتهليله، فإنه سبب نيل محبة الله -تعالى-؛ لأن الله -تعالى- جعل لكل شيء سببًا، وجعل سبب المحبة دوام الذكر، ولذلك أمر الله -تعالى- به: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا . وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلا) (الأحزاب:41-42)، وقال -سبحانه وتعالى-: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ) (البقرة:152).
وذكر الرب -تعالى- للعبد أكبر من ذكره إياه، كما فسر ابن مسعود وابن عباس وأبو الدرداء -رضي الله عنهم- بذلك قوله -تعالى-: (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ) (العنكبوت:45).
وقال -صلى الله عليه وسلم-: (قَالَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَا مَعَ عَبْدِي حَيْثُمَا ذَكَرَنِي وَتَحَرَّكَتْ بِي شَفَتَاهُ) (رواه البخاري)، والمعية هنا معية خاصة للذاكرين؛ معية قرب، وولاية ومحبة، ونصرة وتوفيق؛ ولأنه نجاة من الشيطان، ومن عذاب الله؛ قال -صلى الله عليه وسلم- فيما قاله يحيى -عليه السلام- لبني إسرائيل: (وَآمُرُكُمْ أَنْ تَذْكُرُوا اللهَ، فَإِنَّ مَثَلَ ذَلِكَ كَمَثَلِ رَجُلٍ خَرَجَ الْعَدُوُّ فِي أَثَرِهِ سِرَاعًا، حَتَّى إِذَا أَتَى عَلَى حِصْنٍ حَصِينٍ فَأَحْرَزَ نَفْسَهُ مِنْهُمْ، كَذَلِكَ الْعَبْدُ لاَ يُحْرِزُ نَفْسَهُ مِنَ الشَّيْطَانِ إِلاَّ بِذِكْرِ اللهِ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).
وقال -صلى الله عليه وسلم-: (مَا عَمِلَ آدَمِىٌّ عَمَلاً قَطُّ أَنْجَى لَهُ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ) (رواه أحمد، وصححه الألباني).
- ولأنه أفضل الأعمال، وأرفعها وأزكاها، كما قال -صلى الله عليه وسلم-: (أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ وَخَيْرٍ لَكُمْ مِنْ تَعَاطِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَمِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ غَداً فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: ذِكْرُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ) (رواه أحمد والترمذي، وصححه الألباني).
وقال -صلى الله عليه وسلم-: (سَبَقَ الْمُفَرِّدُونَ. قَالُوا: وَمَا الْمُفَرِّدُونَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الذَّاكِرُونَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتُ) (رواه مسلم).
قال ابن القيم -رحمه الله-:
"الأمر بالذكر بالكثرة والشدة، لشدة حاجة العبد إليه، وعدم استغنائه عنه طرفة عين، فأي لحظة خلا فيها العبد عن ذكر الله -عز وجل-، كانت عليه لا له، وكان خسرانه فيها أعظم مما ربح في غفلته عن الله -تعالى-... ذكر البيهقي عن عائشة -رضي الله عنها- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: من ساعة تمر بابن آدم لا يذكر الله -تعالى- فيها إلا تحسر عليها يوم القيامة" انتهى من الوابل الصيب ص:37.
- وهو يورث المراقبة لله -تعالى-، والإنابة إلى الله -تعالى-؛ بحيث يكون -عز وجل- للعبد هو الملاذ والمعاذ، والملجأ والمفزع.
- ويورث القرب من الله -تعالى-، فعلى قدر الذكر يكون القرب.
- ويورث الهيبة والإجلال لله -تعالى-؛ لشدة استيلاء الذكر على القلب، وحضوره مع الله -تعالى-.
- ويورث حياة القلب وقوته، وجلاءه من الغفلة والهوى بالتوبة والاستغفار.
- وسبب عظيم للاشتغال عن الغيبة، والنميمة، والكذب، والفحش، والباطل؛ فإن العبد لابد له من الكلام فلا سلامة له من كلام الفحش، والباطل إلا بذكر الله -تعالى-.
- وهو يوجب صلاة الله -عز وجل- وملائكته على الذاكر، ومن صلى الله -تعالى- عليه وملائكته فقد أفلح كل الفلاح، وفاز كل الفوز؛ قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا . وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلا . هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمً) (الأحزاب:41-43)، والصلاة من الله هي: الثناء على العبد في الملأ الأعلى، والصلاة من الملائكة: الدعاء بالمغفرة والرحمة.
- ومن كان لسانه رطبًا من ذكر الله -تعالى-، يدخله الله -تعالى- الجنة وهو يضحك، كما قال أبو الدرداء -رضي الله عنه-: "الذين لا تزال ألسنتهم رطبة من ذكر الله -عز وجل- يدخل أحدهم الجنة هو يضحك". وهذا -إن صحَّ- فله حكم الرفع؛ لأنه لا يقال من قبل الرأي.
- والذكر من أكبر العون على الطاعة؛ فإنه يحببها ويسهلها، كما أنه يذهب مخاوف القلب ووساوسه: (أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) (الرعد:28).
- والذكر يعطي الذاكر قوة كما أرشد -صلى الله عليه وسلم- فاطمة وعليًا -رضي الله عنهما- عندما سألته خادمًا: (أَلاَ أُعَلِّمُكُمَا خَيْرًا مِمَّا سَأَلْتُمَانِي إِذَا أَخَذْتُمَا مَضَاجِعَكُمَا تُكَبِّرَا أَرْبَعًا وَثَلاَثِينَ، وَتُسَبِّحَا ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ، وَتَحْمَدَا ثَلاَثَةً وَثَلاَثِينَ، فَهْوَ خَيْرٌ لَكُمَا مِنْ خَادِمٍ) (متفق عليه)، قيل: من داوم على ذلك وجد قوة في يومه مغنية عن خادم.
- والذكر غراس الجنة، كما قال -صلى الله عليه وسلم-: (لَقِيتُ إَبْرَاهِيمَ، لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَقْرِىءْ أُمَّتَكَ مِنِّي السَّلاَمَ ، وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ الْجَنًّةَ طَيِّبَةُ التُّرْبَةِ، عَذْبَةُ الْمَاءِ، وَأَنَّهَا قِيعَانٌ، وَأَنَّ غِرَاسَهَا: سُبْحَانَ اللهِ، وَالْحَمْدُ ِللهِ، وَلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ) (رواه الترمذي، وحسنه الألباني).
- وقال -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، غُرِسَتْ لَهُ نَخْلَةٌ فِي الْجَنَّةِ) (رواها البزار، وقال الألباني: صحيح لغيره). لما سمع أحد الصالحين هذا الحديث قال: "كم من نخلات أضعناها".
- ولأن الذكر يورث لذة؛ ولهذا سمى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مجالس الذكر رياض الجنة، وقال مالك بن دينار: "ما تلذذ المتلذذون بمثل ذكر الله -عز وجل-".
والذكر نوعان:
أحدهما: ذكر أسماء الرب -تعالى- وصفاته، والثناء عليه بهما، وتنزيهه وتقديسه عما لا يليق به -تبارك وتعالى-.
وهذا أيضًا نوعان:
أحدهما: إنشاء الثناء عليه بها من الذاكر كـ "سبحان، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر"، ونحو ذلك، وأفضله: أجمعه للثناء وأعمه.
والثاني: الخبر عن الرب -تعالى- بأحكام أسمائه وصفاته؛ كقولك: "الله يسمع أصوات عباده، ويرى حركاتهم، ولا يخفى عليه خافية من أعمالهم ونحو ذلك، وأفضل هذا النوع: الثناء على الله -تعالى- بما أثنى به على نفسه، وبما أثنى به عليه رسوله -صلى الله عليه وسلم- من غير تحريف، ولا تعطيل، ومن غير تشبيه، ولا تمثيل.
والنوع الثاني من الذكر: ذكر أمره ونهيه وأحكامه.
وهو أيضًا نوعان:
أحدهما: ذكره بذلك إخبارًا عنه بأنه أمر بكذا ونهى عن كذا.
والثاني: ذكره عند أمره فيبادر إليه، وعند نهيه فيهرب منه.
- هذه الأنواع إذا اجتمعت للذاكر فذكره أفضل الذكر وأجله وأفضله.
- ومن أجلّ أنواع الذكر: ذكر آلائه وإنعامه وإحسانه على عباده" انتهى ما سبق بتصرف وزيادة من الوابل الصيب لابن القيم -رحمه الله-.
"ويطلق الذكر تارة ويراد به: الألفاظ التي ورد الترغيب في قولها، ويطلق تارة ويراد به: المواظبة على العمل كتلاوة القرآن، ومدارسة العلم، وقراءة الحديث، ونوافل الصلوات، والصوم، والصدقة، وغير ذلك.
- والذكر تارة يقع باللسان ويؤجر عليه الذاكر، ولا يشترط استحضار معناه، لكن يشترط ألا يقصد به غير معناه.
وإن انضاف إلى ذلك: استحضار معنى الذكر، وما اشتمل عليه من تعظيم الله -تعالى- لكان أكمل وأكمل.
- وإن وقع مع ذلك عمل صالح من صلاة وجهاد لكان زيادة في الكمال.
- وإن صحح التوبة وأخلص لله -تعالى-، فهو أبلغ في الكمال. كذا في الفتح، وانظر تحفة الأحوذي 9/222.
- ومن الأذكار التي لا ينبغي لنا أن نخل بها:
1- الأذكار الموظفة كأذكار الصباح "ما بين صلاة الفجر وطلوع الشمس"، والمساء "ما بين العصر والغروب"؛ كما قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا . وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلا) (الأحزاب:42)، فالبُكرة والأصيل ما ذكرناه، وهذه فضلها عظيم، والعبد في حاجة شديدة إليها فلا ينبغي أن نفرط فيها.
وكأذكار النوم والانتباه منه، والاستيقاظ، ودخول المنزل والخروج منه، ودخول المسجد والخروج منه، وغير ذلك...
2- وهناك أذكار مطلقة يقولها العبد في أي وقت، وعلامة المحب المشتاق أن يلهج لسانه بها على الدوام: كالتسبيح، والتحميد، والتكبير، والتهليل، وقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، والاستغفار.
وفضل هذه الأذكار موجود في مظانه من كتب الأذكار الصحيحة كـ "صحيح الكلم الطيب"، و"مختصر النصيحة"، وغيرها طيب كثير، والحمد لله.
- ولا تنس أيضًا: كثرة الصلاة والتسليم على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ كما أمر الله -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) (الأحزاب:56).
وقال -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاَةً وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرَ صَلَوَاتٍ وَحُطَّتْ عَنْهُ عَشْرُ خَطِيئَاتٍ وَرُفِعَتْ لَهُ عَشْرُ دَرَجَاتٍ) (رواه أحمد والنسائي، وصححه الألباني).
وعن أبي بن كعب -رضي الله عنه- قال: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا ذَهَبَ ثُلُثَا اللَّيْلِ قَامَ فَقَالَ: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا اللَّهَ، اذْكُرُوا اللَّهَ، جَاءَتْ الرَّاجِفَةُ، تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ، جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ، جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ). قَالَ أُبَيٌّ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُكْثِرُ الصَّلاةَ عَلَيْكَ فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلاتِي؟ فَقَالَ: (مَا شِئْتَ). قَالَ: قُلْتُ الرُّبُعَ؟ قَالَ: (مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ). قُلْتُ: النِّصْفَ؟ قَالَ: (مَا شِئْتَ فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ). قَالَ: قُلْتُ فَالثُّلُثَيْنِ؟ قَالَ: (مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ). قُلْتُ: أَجْعَلُ لَكَ صَلاتِي كُلَّهَا؟ قَالَ: (إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ، وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ) (رواه أحمد والترمذي، وحسنه الألباني).
نسأل الله -تعالى- أن يجعلنا من الذاكرين الشاكرين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا.
http://www.salafvoice.com/ (http://www.salafvoice.com/)
موقع صوت السلف (http://www.salafvoice.com/)
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فمن وظائفك في رمضان أن يلهج لسانك بذكر الله -تعالى- من تسبيحه، وتحميده، وتكبيره، وتهليله، فإنه سبب نيل محبة الله -تعالى-؛ لأن الله -تعالى- جعل لكل شيء سببًا، وجعل سبب المحبة دوام الذكر، ولذلك أمر الله -تعالى- به: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا . وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلا) (الأحزاب:41-42)، وقال -سبحانه وتعالى-: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ) (البقرة:152).
وذكر الرب -تعالى- للعبد أكبر من ذكره إياه، كما فسر ابن مسعود وابن عباس وأبو الدرداء -رضي الله عنهم- بذلك قوله -تعالى-: (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ) (العنكبوت:45).
وقال -صلى الله عليه وسلم-: (قَالَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَا مَعَ عَبْدِي حَيْثُمَا ذَكَرَنِي وَتَحَرَّكَتْ بِي شَفَتَاهُ) (رواه البخاري)، والمعية هنا معية خاصة للذاكرين؛ معية قرب، وولاية ومحبة، ونصرة وتوفيق؛ ولأنه نجاة من الشيطان، ومن عذاب الله؛ قال -صلى الله عليه وسلم- فيما قاله يحيى -عليه السلام- لبني إسرائيل: (وَآمُرُكُمْ أَنْ تَذْكُرُوا اللهَ، فَإِنَّ مَثَلَ ذَلِكَ كَمَثَلِ رَجُلٍ خَرَجَ الْعَدُوُّ فِي أَثَرِهِ سِرَاعًا، حَتَّى إِذَا أَتَى عَلَى حِصْنٍ حَصِينٍ فَأَحْرَزَ نَفْسَهُ مِنْهُمْ، كَذَلِكَ الْعَبْدُ لاَ يُحْرِزُ نَفْسَهُ مِنَ الشَّيْطَانِ إِلاَّ بِذِكْرِ اللهِ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).
وقال -صلى الله عليه وسلم-: (مَا عَمِلَ آدَمِىٌّ عَمَلاً قَطُّ أَنْجَى لَهُ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ) (رواه أحمد، وصححه الألباني).
- ولأنه أفضل الأعمال، وأرفعها وأزكاها، كما قال -صلى الله عليه وسلم-: (أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ وَخَيْرٍ لَكُمْ مِنْ تَعَاطِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَمِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ غَداً فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: ذِكْرُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ) (رواه أحمد والترمذي، وصححه الألباني).
وقال -صلى الله عليه وسلم-: (سَبَقَ الْمُفَرِّدُونَ. قَالُوا: وَمَا الْمُفَرِّدُونَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الذَّاكِرُونَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتُ) (رواه مسلم).
قال ابن القيم -رحمه الله-:
"الأمر بالذكر بالكثرة والشدة، لشدة حاجة العبد إليه، وعدم استغنائه عنه طرفة عين، فأي لحظة خلا فيها العبد عن ذكر الله -عز وجل-، كانت عليه لا له، وكان خسرانه فيها أعظم مما ربح في غفلته عن الله -تعالى-... ذكر البيهقي عن عائشة -رضي الله عنها- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: من ساعة تمر بابن آدم لا يذكر الله -تعالى- فيها إلا تحسر عليها يوم القيامة" انتهى من الوابل الصيب ص:37.
- وهو يورث المراقبة لله -تعالى-، والإنابة إلى الله -تعالى-؛ بحيث يكون -عز وجل- للعبد هو الملاذ والمعاذ، والملجأ والمفزع.
- ويورث القرب من الله -تعالى-، فعلى قدر الذكر يكون القرب.
- ويورث الهيبة والإجلال لله -تعالى-؛ لشدة استيلاء الذكر على القلب، وحضوره مع الله -تعالى-.
- ويورث حياة القلب وقوته، وجلاءه من الغفلة والهوى بالتوبة والاستغفار.
- وسبب عظيم للاشتغال عن الغيبة، والنميمة، والكذب، والفحش، والباطل؛ فإن العبد لابد له من الكلام فلا سلامة له من كلام الفحش، والباطل إلا بذكر الله -تعالى-.
- وهو يوجب صلاة الله -عز وجل- وملائكته على الذاكر، ومن صلى الله -تعالى- عليه وملائكته فقد أفلح كل الفلاح، وفاز كل الفوز؛ قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا . وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلا . هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمً) (الأحزاب:41-43)، والصلاة من الله هي: الثناء على العبد في الملأ الأعلى، والصلاة من الملائكة: الدعاء بالمغفرة والرحمة.
- ومن كان لسانه رطبًا من ذكر الله -تعالى-، يدخله الله -تعالى- الجنة وهو يضحك، كما قال أبو الدرداء -رضي الله عنه-: "الذين لا تزال ألسنتهم رطبة من ذكر الله -عز وجل- يدخل أحدهم الجنة هو يضحك". وهذا -إن صحَّ- فله حكم الرفع؛ لأنه لا يقال من قبل الرأي.
- والذكر من أكبر العون على الطاعة؛ فإنه يحببها ويسهلها، كما أنه يذهب مخاوف القلب ووساوسه: (أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) (الرعد:28).
- والذكر يعطي الذاكر قوة كما أرشد -صلى الله عليه وسلم- فاطمة وعليًا -رضي الله عنهما- عندما سألته خادمًا: (أَلاَ أُعَلِّمُكُمَا خَيْرًا مِمَّا سَأَلْتُمَانِي إِذَا أَخَذْتُمَا مَضَاجِعَكُمَا تُكَبِّرَا أَرْبَعًا وَثَلاَثِينَ، وَتُسَبِّحَا ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ، وَتَحْمَدَا ثَلاَثَةً وَثَلاَثِينَ، فَهْوَ خَيْرٌ لَكُمَا مِنْ خَادِمٍ) (متفق عليه)، قيل: من داوم على ذلك وجد قوة في يومه مغنية عن خادم.
- والذكر غراس الجنة، كما قال -صلى الله عليه وسلم-: (لَقِيتُ إَبْرَاهِيمَ، لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَقْرِىءْ أُمَّتَكَ مِنِّي السَّلاَمَ ، وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ الْجَنًّةَ طَيِّبَةُ التُّرْبَةِ، عَذْبَةُ الْمَاءِ، وَأَنَّهَا قِيعَانٌ، وَأَنَّ غِرَاسَهَا: سُبْحَانَ اللهِ، وَالْحَمْدُ ِللهِ، وَلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ) (رواه الترمذي، وحسنه الألباني).
- وقال -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، غُرِسَتْ لَهُ نَخْلَةٌ فِي الْجَنَّةِ) (رواها البزار، وقال الألباني: صحيح لغيره). لما سمع أحد الصالحين هذا الحديث قال: "كم من نخلات أضعناها".
- ولأن الذكر يورث لذة؛ ولهذا سمى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مجالس الذكر رياض الجنة، وقال مالك بن دينار: "ما تلذذ المتلذذون بمثل ذكر الله -عز وجل-".
والذكر نوعان:
أحدهما: ذكر أسماء الرب -تعالى- وصفاته، والثناء عليه بهما، وتنزيهه وتقديسه عما لا يليق به -تبارك وتعالى-.
وهذا أيضًا نوعان:
أحدهما: إنشاء الثناء عليه بها من الذاكر كـ "سبحان، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر"، ونحو ذلك، وأفضله: أجمعه للثناء وأعمه.
والثاني: الخبر عن الرب -تعالى- بأحكام أسمائه وصفاته؛ كقولك: "الله يسمع أصوات عباده، ويرى حركاتهم، ولا يخفى عليه خافية من أعمالهم ونحو ذلك، وأفضل هذا النوع: الثناء على الله -تعالى- بما أثنى به على نفسه، وبما أثنى به عليه رسوله -صلى الله عليه وسلم- من غير تحريف، ولا تعطيل، ومن غير تشبيه، ولا تمثيل.
والنوع الثاني من الذكر: ذكر أمره ونهيه وأحكامه.
وهو أيضًا نوعان:
أحدهما: ذكره بذلك إخبارًا عنه بأنه أمر بكذا ونهى عن كذا.
والثاني: ذكره عند أمره فيبادر إليه، وعند نهيه فيهرب منه.
- هذه الأنواع إذا اجتمعت للذاكر فذكره أفضل الذكر وأجله وأفضله.
- ومن أجلّ أنواع الذكر: ذكر آلائه وإنعامه وإحسانه على عباده" انتهى ما سبق بتصرف وزيادة من الوابل الصيب لابن القيم -رحمه الله-.
"ويطلق الذكر تارة ويراد به: الألفاظ التي ورد الترغيب في قولها، ويطلق تارة ويراد به: المواظبة على العمل كتلاوة القرآن، ومدارسة العلم، وقراءة الحديث، ونوافل الصلوات، والصوم، والصدقة، وغير ذلك.
- والذكر تارة يقع باللسان ويؤجر عليه الذاكر، ولا يشترط استحضار معناه، لكن يشترط ألا يقصد به غير معناه.
وإن انضاف إلى ذلك: استحضار معنى الذكر، وما اشتمل عليه من تعظيم الله -تعالى- لكان أكمل وأكمل.
- وإن وقع مع ذلك عمل صالح من صلاة وجهاد لكان زيادة في الكمال.
- وإن صحح التوبة وأخلص لله -تعالى-، فهو أبلغ في الكمال. كذا في الفتح، وانظر تحفة الأحوذي 9/222.
- ومن الأذكار التي لا ينبغي لنا أن نخل بها:
1- الأذكار الموظفة كأذكار الصباح "ما بين صلاة الفجر وطلوع الشمس"، والمساء "ما بين العصر والغروب"؛ كما قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا . وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلا) (الأحزاب:42)، فالبُكرة والأصيل ما ذكرناه، وهذه فضلها عظيم، والعبد في حاجة شديدة إليها فلا ينبغي أن نفرط فيها.
وكأذكار النوم والانتباه منه، والاستيقاظ، ودخول المنزل والخروج منه، ودخول المسجد والخروج منه، وغير ذلك...
2- وهناك أذكار مطلقة يقولها العبد في أي وقت، وعلامة المحب المشتاق أن يلهج لسانه بها على الدوام: كالتسبيح، والتحميد، والتكبير، والتهليل، وقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، والاستغفار.
وفضل هذه الأذكار موجود في مظانه من كتب الأذكار الصحيحة كـ "صحيح الكلم الطيب"، و"مختصر النصيحة"، وغيرها طيب كثير، والحمد لله.
- ولا تنس أيضًا: كثرة الصلاة والتسليم على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ كما أمر الله -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) (الأحزاب:56).
وقال -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاَةً وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرَ صَلَوَاتٍ وَحُطَّتْ عَنْهُ عَشْرُ خَطِيئَاتٍ وَرُفِعَتْ لَهُ عَشْرُ دَرَجَاتٍ) (رواه أحمد والنسائي، وصححه الألباني).
وعن أبي بن كعب -رضي الله عنه- قال: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا ذَهَبَ ثُلُثَا اللَّيْلِ قَامَ فَقَالَ: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا اللَّهَ، اذْكُرُوا اللَّهَ، جَاءَتْ الرَّاجِفَةُ، تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ، جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ، جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ). قَالَ أُبَيٌّ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُكْثِرُ الصَّلاةَ عَلَيْكَ فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلاتِي؟ فَقَالَ: (مَا شِئْتَ). قَالَ: قُلْتُ الرُّبُعَ؟ قَالَ: (مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ). قُلْتُ: النِّصْفَ؟ قَالَ: (مَا شِئْتَ فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ). قَالَ: قُلْتُ فَالثُّلُثَيْنِ؟ قَالَ: (مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ). قُلْتُ: أَجْعَلُ لَكَ صَلاتِي كُلَّهَا؟ قَالَ: (إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ، وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ) (رواه أحمد والترمذي، وحسنه الألباني).
نسأل الله -تعالى- أن يجعلنا من الذاكرين الشاكرين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا.
http://www.salafvoice.com/ (http://www.salafvoice.com/)
موقع صوت السلف (http://www.salafvoice.com/)