منهاج القاصدين
07 Sep 2004, 08:11 AM
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده:
فإن من أصول أهل السنة والجماعة في مسائل الأسماء والأحكام التفريق بين إطلاق الحكم وتعيينه، وذلك بناء على نصوص كثيرة، كلعن شارب الخمر عمومًا مع النهي عن لعن شارب معين، وهو عبد الله –وكان يلقب: حمارًا- الذي أتي به إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وقد شرب الخمر، فقال رجل: اللهم العنه، ما أكثر ما يؤتى به. فقال النبي –صلى الله عليه وسلم-: "لا تلعنوه، فوالله ما علمت إنه يحب الله روسوله". صحيح البخاري (6780). فنهى عن لعنه لوجود مانع في حقه، وكلعن آكل الربا مع عدم تطبيقه على بلال –رضي الله عنه- حين باع صاعين من التمر الرديء بصاع من التمر الجيد، وهذه صورة ربا الفضل، ولذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لبلال : "أوه عين الربا". صحيح البخاري (2312)، وصحيح مسلم (1594). ومع ذلك لم يطبق عليه هذا الحكم لانتفاء شرط الوعيد في حقه، وهو العلم بالحكم.
وبناء على هذا الأصل فإن العلماء يذكرون آحاد المكفرات على وجه العموم والإطلاق لتعلم وتحذر دون أن يكون مقصودهم تكفير كل من اتَّصف بها؛ لأن المعين لا يكفر إلا إذا قام به مقتضى التكفير الذي لا معارض له، وذلك بتحقق شروطه وانتفاء موانعه، ولهذا فإن الإمام أحمد أطلق القول بتكفير من قال بخلق القرآن، ومع ذلك فإنه لم يكفِّر الخليفة الذي امتحنه على القول بخلق القرآن وضربه وحبسه، بل دعا له وحلله ولم ينـزع يدًا من طاعته، وذلك لانتفاء شروط التكفير في حقه ووجود الموانع، كالتأول وغلبة الشبهة، وهكذا شأن الشيخ/محمد بن عبد الوهاب –رحمه الله-، فإنه كان يذكر نواقض الإسلام على وجه العموم والإطلاق، ولم يقصد من ذلك تكفير كل من اتصف بشيء من هذه النواقض، ومن ذلك موالاة المشركين ومظاهرتهم على المسلمين، والتي جاءت النصوص الصريحة في تحريمها، كقوله جل وعلا: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ" [المائدة:51]. وقوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ" [الممتحنة:1].
لكن لا يصح تكفير كل من والى المشركين، لأن تكفير العين بموالاة المشركين يتوقَّف على وجود شروطه وانتفاء موانعه، ومن أهم الشروط المعتبرة في التكفير بموالاة المشركين القطع بأن ما فعله المعين من الموالاة المكفرة، فإن من الموالاة ما لا يكفر فاعله، ولهذا أنكر النبي –صلى الله عليه وسلم- على حاطب بن أبي بلتعة ما فعله من موالاة المشركين، ولم يرفع عنه وصف الإيمان، بل قبل عذره، وأثبت تأثير حسناته في تكفير ذنبه، لأنه لم يفعل ما فعل رضا بالكفر ومحبة له، وإنما فعل ما فعله مصانعة لقريش؛ لما له عندهم من الأموال والأولاد، وهكذا شأن كل من وقعت منه الموالاة مداراة ومصانعة فإنه لا يكفر بما فعله، وإنما يكون من جملة عصاة المؤمنين.
وأما الموانع المعتبرة في التكفير بالموالاة وغيرها من آحاد المكفرات فهي كثيرة من أشهرها الإكراه، فإن من أكره على الموالاة أو غيرها من آحاد المكفرات، وكان المكرِهُ قادرًا على إنفاذ وعيده والمكرَه عاجزًا عن الدفع، فإنه لا يكفر بما فعله من مصانعة الكفار وإظهار موالاتهم إذا كان قلبه حال فعله مطمئنًا بالإيمان.
فعلى المسلم أن يحتاط في التكفير حيطة بالغة؛ لأنه لا يعلم الظروف التي تحيط بالمعين، وبخاصة في هذا العصر الذي تسلَّط فيه الكفار على المسلمين أفرادًا وجماعات، وتحكَّموا في كثير من أمورهم بما يملكون من أدوات الضغط الهائلة في كثير من مجالات الحياة، وإني أنصح إخواني المسلمين في هذا المقام بعدة أمور:
1- العودة إلى الإسلام الصحيح، والتمسك به باطنًا وظاهرًا، فهو الطريق الوحيد لتحقيق العزة للمسلمين، ودفع تسلط الكفرة عليهم، فما وقع بلاء إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة.
2- أن الأمة الإسلامية في هذا الوقت العصيب أحوج ما تكون إلى دعاة الإصلاح والبناء، لا إلى دعاة التكفير والتفسيق، وفي مقدور كل مسلم أن ينضم إلى هذا الركب حسب قدرته ولا يحقرن أحد نفسه، فإن كل مسلم يستطيع نفع المسلمين بدعوته ودعائه بصلاح هذه الأمة، وكف بأس أعدائها، وإصلاح أبنائها.
3- أن يحذر المسلم من الجرأة على التكفير، فإن اليقين لا يزول بالشك، ومن ثبت إسلامه بيقين فإنه لا يجوز تكفيره بالظنون، أو بالأمور الخفية والملتبسة، وليتذكر المسلم عظم الوعيد الوارد في التكفير، كقول النبي –صلى الله عليه وسلم-: "من دعا رجلاً بالكفر، أو قال: عدو الله. وليس كذلك إلا حار عليه". رواه مسلم(61). وكقولـه -صلى الله عليه وسلم-: " إذا قال الرجل لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما". رواه البخاري (6103). وكقوله صلى الله عليه وسلم : "أيما رجل مسلم أكفر رجلاً مسلماً فإن كان كافراً وإلا كان هو الكافر". رواه أبو داود (4687) بسند صحيح.
وليحذر المسلم أن يكون التراشق بالتكفير من جملة الفتن التي يصبح الرجل فيها مؤمنًا ويمسي كافرًا، فإنه إذا كفّر من ليس بكافر باء بتكفيره، وصدق عليه أنه أمسى مؤمنًا وأصبح كافرًا أو العكس.
وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه، إنه ولي ذلك والقادر عليه. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
منقول من موقع الإسلام اليوم....
فإن من أصول أهل السنة والجماعة في مسائل الأسماء والأحكام التفريق بين إطلاق الحكم وتعيينه، وذلك بناء على نصوص كثيرة، كلعن شارب الخمر عمومًا مع النهي عن لعن شارب معين، وهو عبد الله –وكان يلقب: حمارًا- الذي أتي به إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وقد شرب الخمر، فقال رجل: اللهم العنه، ما أكثر ما يؤتى به. فقال النبي –صلى الله عليه وسلم-: "لا تلعنوه، فوالله ما علمت إنه يحب الله روسوله". صحيح البخاري (6780). فنهى عن لعنه لوجود مانع في حقه، وكلعن آكل الربا مع عدم تطبيقه على بلال –رضي الله عنه- حين باع صاعين من التمر الرديء بصاع من التمر الجيد، وهذه صورة ربا الفضل، ولذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لبلال : "أوه عين الربا". صحيح البخاري (2312)، وصحيح مسلم (1594). ومع ذلك لم يطبق عليه هذا الحكم لانتفاء شرط الوعيد في حقه، وهو العلم بالحكم.
وبناء على هذا الأصل فإن العلماء يذكرون آحاد المكفرات على وجه العموم والإطلاق لتعلم وتحذر دون أن يكون مقصودهم تكفير كل من اتَّصف بها؛ لأن المعين لا يكفر إلا إذا قام به مقتضى التكفير الذي لا معارض له، وذلك بتحقق شروطه وانتفاء موانعه، ولهذا فإن الإمام أحمد أطلق القول بتكفير من قال بخلق القرآن، ومع ذلك فإنه لم يكفِّر الخليفة الذي امتحنه على القول بخلق القرآن وضربه وحبسه، بل دعا له وحلله ولم ينـزع يدًا من طاعته، وذلك لانتفاء شروط التكفير في حقه ووجود الموانع، كالتأول وغلبة الشبهة، وهكذا شأن الشيخ/محمد بن عبد الوهاب –رحمه الله-، فإنه كان يذكر نواقض الإسلام على وجه العموم والإطلاق، ولم يقصد من ذلك تكفير كل من اتصف بشيء من هذه النواقض، ومن ذلك موالاة المشركين ومظاهرتهم على المسلمين، والتي جاءت النصوص الصريحة في تحريمها، كقوله جل وعلا: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ" [المائدة:51]. وقوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ" [الممتحنة:1].
لكن لا يصح تكفير كل من والى المشركين، لأن تكفير العين بموالاة المشركين يتوقَّف على وجود شروطه وانتفاء موانعه، ومن أهم الشروط المعتبرة في التكفير بموالاة المشركين القطع بأن ما فعله المعين من الموالاة المكفرة، فإن من الموالاة ما لا يكفر فاعله، ولهذا أنكر النبي –صلى الله عليه وسلم- على حاطب بن أبي بلتعة ما فعله من موالاة المشركين، ولم يرفع عنه وصف الإيمان، بل قبل عذره، وأثبت تأثير حسناته في تكفير ذنبه، لأنه لم يفعل ما فعل رضا بالكفر ومحبة له، وإنما فعل ما فعله مصانعة لقريش؛ لما له عندهم من الأموال والأولاد، وهكذا شأن كل من وقعت منه الموالاة مداراة ومصانعة فإنه لا يكفر بما فعله، وإنما يكون من جملة عصاة المؤمنين.
وأما الموانع المعتبرة في التكفير بالموالاة وغيرها من آحاد المكفرات فهي كثيرة من أشهرها الإكراه، فإن من أكره على الموالاة أو غيرها من آحاد المكفرات، وكان المكرِهُ قادرًا على إنفاذ وعيده والمكرَه عاجزًا عن الدفع، فإنه لا يكفر بما فعله من مصانعة الكفار وإظهار موالاتهم إذا كان قلبه حال فعله مطمئنًا بالإيمان.
فعلى المسلم أن يحتاط في التكفير حيطة بالغة؛ لأنه لا يعلم الظروف التي تحيط بالمعين، وبخاصة في هذا العصر الذي تسلَّط فيه الكفار على المسلمين أفرادًا وجماعات، وتحكَّموا في كثير من أمورهم بما يملكون من أدوات الضغط الهائلة في كثير من مجالات الحياة، وإني أنصح إخواني المسلمين في هذا المقام بعدة أمور:
1- العودة إلى الإسلام الصحيح، والتمسك به باطنًا وظاهرًا، فهو الطريق الوحيد لتحقيق العزة للمسلمين، ودفع تسلط الكفرة عليهم، فما وقع بلاء إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة.
2- أن الأمة الإسلامية في هذا الوقت العصيب أحوج ما تكون إلى دعاة الإصلاح والبناء، لا إلى دعاة التكفير والتفسيق، وفي مقدور كل مسلم أن ينضم إلى هذا الركب حسب قدرته ولا يحقرن أحد نفسه، فإن كل مسلم يستطيع نفع المسلمين بدعوته ودعائه بصلاح هذه الأمة، وكف بأس أعدائها، وإصلاح أبنائها.
3- أن يحذر المسلم من الجرأة على التكفير، فإن اليقين لا يزول بالشك، ومن ثبت إسلامه بيقين فإنه لا يجوز تكفيره بالظنون، أو بالأمور الخفية والملتبسة، وليتذكر المسلم عظم الوعيد الوارد في التكفير، كقول النبي –صلى الله عليه وسلم-: "من دعا رجلاً بالكفر، أو قال: عدو الله. وليس كذلك إلا حار عليه". رواه مسلم(61). وكقولـه -صلى الله عليه وسلم-: " إذا قال الرجل لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما". رواه البخاري (6103). وكقوله صلى الله عليه وسلم : "أيما رجل مسلم أكفر رجلاً مسلماً فإن كان كافراً وإلا كان هو الكافر". رواه أبو داود (4687) بسند صحيح.
وليحذر المسلم أن يكون التراشق بالتكفير من جملة الفتن التي يصبح الرجل فيها مؤمنًا ويمسي كافرًا، فإنه إذا كفّر من ليس بكافر باء بتكفيره، وصدق عليه أنه أمسى مؤمنًا وأصبح كافرًا أو العكس.
وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه، إنه ولي ذلك والقادر عليه. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
منقول من موقع الإسلام اليوم....