تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : ..مزاح الأكــــابر ..رحمهم الله..



دمـ تبتسم ـوع
25 Nov 2009, 09:35 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته




لقد بُعِثَ النبي-صلى الله عليه وسلم- بالحنيفية السمحة، ورُفِع عن أمته الحرجُ والآصار والأغلال.

وكان -عليه الصلاة والسلام- يمزح، وكان لا يقول إلاّ حقاً.
وما زال الأشراف والأكابر يمزحون، ويسمحون، ويحتسبون إدخال السرور على أنفسهم وعلى من حولهم بما لا يقدح في أديانهم، ولا يغض من مروءاتهم.


ثم إن الأكابر إذا مزحوا لم يجرحوا، ولم يُسِفّوا، ولم يسيئوا.
وإذا شعروا بشيء من ذلك بادروا إلى الاعتذار، وإذا ابتدروا أحداً بالمزاح تحملوا ما يُقال لهم، وما يُرَدُّ به عليهم؛ بل ربما قابلوا ذلك بالسرور والارتياح.


وسأنقل لكم أمثلة لأربعة من أكابر علمائنا رحمهم الله في العصر الحاضر ..




أولاً: سماحة العلامة الشيخ عبدالرحمن السعدي (1307-1376هـ) -رحمه الله-


فقد كان -رحمه الله- كثيراً ما يمازح الصغار، والكبار، والأغنياء، والفقراء، ويمازح طلابه، وأهل بيته كلٌّ بحسبه، كما كان يقبل المزاح، ولا يغضب ممن يمازحه،

وله في ذلك مواقف كثيرة، منها على سبيل المثال ما يلي:

1- يقول ابنه الأستاذ محمد: "كان للوالد الشيخ صديق عزيز اسمه: عبد العزيز الدامغ.
وفي يوم من الأيام كان الشيخ يمشي مع صاحبه هذا في جماعة من الناس، وكانوا يتحدثون عن الأعمار كما هي عادة كثير من الناس، وكان عُمُرُ الدامغ المذكور آنذاك إحدى وستين سنة، فقال له الشيخ عبدالرحمن: (يا أخ عبد العزيز يكفيك عمر النبي -صلى الله عليه وسلم-).
يعني ثلاثاً وستين سنة، ومعنى ذلك أنه بقي له سنتان فحسب.
فقال عبد العزيز الدامغ: (حَسَناً، ولكن نبتدئ يا شيخ من الآن).
ومعنى ذلك أن يكون عمره أربعاً وعشرين ومائة سنة، فضحك الشيخ، وأعجب بسرعة بديهة صاحبه".

2- يقول ابنه محمد: "كان الشيخ كثيراً ما يوافق على الدعوات التي تُوجّه إليه؛ كي يتناول القهوة، وفي أواخر شهر ذي الحجة من إحدى السنوات دعاه أحد أصدقائه، ولكن الشيخ اعتذر مازحاً، وقال لمن دعاه: أنا عندي مواعيد كثيرة؛ فألح عليه صاحبه، وبدا منه الغضب لرد الشيخ؛ فقال له الشيخ: إذاً يكون موعدك أول السنة القادمة، فغضب صاحبه وقال: أنت لا تريد دخول منزلي.
فقال له الشيخ: يا أخي يوم الثلاثاء القادم هو بداية السنة الجديدة -أي بعد يومين- أما علمت أننا في آخر هذه السنة.
فطابت حينئذٍ نفس صاحبه ، وأدرك أن الشيخ يمازحه".


3- يقول ابنه محمد: "كان الشيخ حاجاً على الإبل، ومعه جماعة منهم إبراهيم بن محمد البسام، وسليمان بن إبراهيم البسام.
وكان سليمان المذكور راكباً على الجمل الذي عليه قِرَبُ الماء.
ولما وصلوا مكة، وأدوا بعض المناسك، وحان وقت وصولهم إلى عرفات تفرقوا، وأضاع بعضهم بعضاً، فصار الجماعة ينتظرون سليمان البسام؛ لأن الماء معه، وهم يريدون الوضوء، والشرب، وعمل الشاي والقهوة، وليس عندهم ماء، ولم يلتقوا إلاّ في منى، وكان آخرهم وصولاً سليمان؛ فلما وصل قام إبراهيم البسام يعاتبه مازحاً، ويقول له: أين أنت، لماذا تأخرت؟ مُؤَكَّدٌ أنك ضائع؟
ولما علم سليمان أن الشيخ عبد الرحمن كان من ضمن الضائعين التفت إلى إبراهيم وقال: لماذا لا يقع اللوم إلاّ عليَّ؟ هذا كبيرهم الذي علمهم السحر -ويعني به الشيخ- ضاع قَبْلي؛ فلماذا لا يُعاتب؟
فقال له إبراهيم: نحن نريد الماء الذي معك؛ فضحك الشيخ لمقولة سليمان، فصار يرددها ويقول: هداك الله يا سليمان، شبهتنا بسحرة فرعون، وقال الشيخ: باللهجة الدارجة: هذه تبي حق(1)".


4- يقول ابنه محمد: "كانت الوالدة -رحمها الله- قادمة من الحج،
وفي ذلك اليوم كان عند الوالد في المنزل ابنٌ صغيرٌ لأخي أحمد عمره ثلاث سنوات، وإذا جاء الليل أرسلوه إلى أمه.

وفي الليلة الأولى لوصول الوالدة من الحج لعب الولد الصغير بساعة الوالد التي تنبهه للقيام في آخر الليل؛ فنام الوالد والساعة مقفلة، فلم يقم تلك الليلة، ولم يصلِّ الفجر بالجماعة.
ولما صلى عصر ذلك اليوم بالجماعة -وكانوا كثيرين في ذلك الوقت؛ لقرب المسجد من السوق- شرع عبد العزيز بن محمد البسام -أحد طلبة الوالد- يقرأ كالعادة، والوالد الشيخ يشرح.
وفي تلك الأثناء قام أحد الصغار وهو عبد الرحمن بن إبراهيم بن عبد المحسن البسام وكان عمره آنذاك اثنتي عشرة سنة، فقال بصوت مرتفع يخاطب الشيخ وهو يشرح، والناس يستمعون له: هَنَّاك الأول(2) يا أبا عبد الله -يعني الشيخ عبد الرحمن- قَرَّت عينك بأم عبد الله -يعني زوجة الشيخ- الحمد لله على السلامة، الفجر ما صليتَ بالجماعة، الظاهر أن أم عبدالله نايمة على رأسك، لا تَعُدْ لذلك مرة أخرى.
فما كان من الشيخ إلاّ أن ضحك، ولم يستطع إكمال الدرس من الضحك، وهكذا الجماعة؛ من طرافة ذلك الموقف، ثم قام الشيخ الوالد عبد الرحمن من مكانه إلى الصبي عبد الرحمن البسام، وأعطاه ريالين عربي فضة؛ لأنه سُرَّ من كلامه، وكان سبباً في سرور المصلين؛ فصارت تلك الحادثة مدار حديث المجالس في تلك الأيام".
فانظر إلى هذا الحلم، وتلك الحكمة، وانظر إلى حسن التصرف؛ حيث جعل من ذلك الموقف سبباً للسرور، والبسط؛ فماذا لو عنف ذلك الصبي؟ وما أثر ذلك عليه، وعلى والديه، وعلى جماعة المسجد؟
ولكنه الخلق، والأخذ بالرفق، الذي ما كان في شيء إلاّ زانه، وما نُزع من شيء إلاّ شانه.


5- وهذا موقف يدل على دعابة الشيخ عبد الرحمن السعدي، ومزاحه مع أحبابه وأصحابه:

يقول ابنه محمد: "كان لوالدي -رحمه الله- قريب اسمه محمد منصور بن إبراهيم السعدي، وهو صديق للوالد، وقد وُلدا في ليلة واحدة؛ حيث ولد محمد أول الليل تقريباً، والشيخ عبد الرحمن ولد عند الفجر؛ فصار محمد يكبر الشيخ بثمان ساعات.
ولما كَبِرا صارت لحية الشيخ عبد الرحمن بيضاء جداً، أما لحية محمد المنصور فكانت سوداء قليلة البياض؛ فإذا اجتمع الوالد مع محمد في مناسبة عند أحد الأصحاب قال الوالد: محمد المنصور أكبر مني بثمان، ويسكت -رحمه الله- دون أن يبين ما هذه الثمان؛ فيظن الظان أن محمداً أكبر من الشيخ بثمان سنوات؛ خصوصاً وأن محمداً لا يتكلم؛ احتراماً للشيخ، وهو يعلم أن الوالد يمزح.
وحين يبلغ بالحاضرين العجب يخبرهم الشيخ بأن محمداً أكبر منه بثمان ساعات".


6- وهذا موقف يبين لطافة الشيخ مع أهل بيته، ومزاحه وحرصه على إدخال السرور عليهم؛ حيث كان ذلك دأبه:
يقول ابنه محمد: "الوالد -كغيره- يدرك أن النساء يتضايقن من حديث أزواجهن عن الزواج عليهن؛ فكان -رحمه الله- يمزح مع الوالدة، ويقول لها: أريد أن أتزوج بثانية، ويسميها بـ: أم إبراهيم خصوصاً إذا رأى الوالدة متعبة من عمل المنزل.
وفي يوم من الأيام رآها كذلك، فقال: يا أم عبد الله ما رأيك أحضر لك أم إبراهيم تعينك على عمل المنزل، وتريحك؟
فإذا سمعت الوالدة ذلك غضبت على الوالد، وشرعت في عتابه، وأظهرت النشاط.
وفي يوم من الأيام دخل الوالد المجلس، وأشعل النار، وصنع القهوة والشاي، وأحضر وسادة كبيرة، وألبسها عباءة، فصار الذي يراها من الخلف يظنها امرأة، وسمّى هذه الوسادة المغطاة بالعباءة أمَّ إبراهيم.
ووافق ذلك وجود عماتي وهن أكبر من الوالد سناً، ووجود بعض القريبات من محارم الوالد؛ فأتى إليهن وهن جالسات مع الوالدة، وقال: تَفَضَّلْنَ؛ عندي بالمجلس أم إبراهيم تدعوكن؛ فأجيبوا، وسلموا عليها؛ هي تنتظركن في المجلس.
فَقُمْنَ كلُّهن والوالدة معهن، وعندما دخلن القهوة رأين ذلك أمامهن؛ فَظَننَّ أنها امرأة حقيقية، غير أن الوالدة كانت تعلم أنها ليست كذلك، وإنما هي مزحة من الوالد -كما هي عادته- فقامت وأخذت شيئاً من الأرض، وضربت الوسادة المغطاة بالعباءة، فسقطت العباءة، وتبين أن المغطى وسادة لا امرأة؛ فتعالت الضحكات، وصارت تلك الحادثة تُروى ولا تُنسى إلى يومنا هذا".


7- وهذا موقف قريب من الموقف السابق، يقول محمد ابن الشيخ عبدالرحمن: "للوالد مواقف كثيرة مع الوالدة؛ فهو يحب مداعبتها خصوصاً إذا كانت مجهدة، فإذا كنا على غداء أو عشاء أقول للوالدة: حبذا لو تأذنين لنا بإحضار خويدمة، تساعدك، وتخدم الوالد، ويتزوجها؛ حتى لا تحتجب عنه.
فإذا سمع ذلك الوالد فرح، وأخذ يمدحني، ويقول: هذا هو الولد الحبيب البار بأمه وأبيه، لكن أنتِ يا أم عبدالله ما رأيك، وماذا يضيرك؟
وحين تسمع أمي ذلك يذهب عنها التعب، وتبدأ بالتظاهر بالنشاط؛ لتري الوالد أنها ما زالت شابة، ثم تبدأ بالعتب عليّ، وتقول: أنت يا محمد ولدي، وتريد أن تحضر لي ضرة؟
والوالد يسر كثيراً من كلامي، ومن ردّ الوالدة".



يتبع~

دمـ تبتسم ـوع
25 Nov 2009, 09:40 PM
ثانياً: سماحة الشيخ العلامة محمد بن إبراهيم آل الشيخ (1311-1389هـ) -رحمه الله-:


لعل أبرز السمات في سماحة الشيخ محمد ما آتاه الله من هيبة في نفوس الناس،
وهو أمر يرجع إلى معرفة الناس بصرامته في الحق، ولهذا يحسب محدثه حساباً شديداً إذا أراد أن يكلمه؛ خشية أن يزلّ بكلمة.
وكان مع ذلك أنيساً عند مخالطته ألوفاً لمعاشريه، لا يتصف بشيء من الغلظة أو الجفاء أو الفظاظة.
وكان يحسن التفريق بين مجالس الجد والعمل ومجالس الراحة والإجمام.
يقول الشيخ حمد الحمين -وهو ممن لازم الشيخ طويلاً-: "كان -رحمه الله-على الرغم من شدته وحزمه وهيبة الناس له - صاحبَ دعابة خصوصاً مع خاصته، وأحفظ له-رحمه الله- في ذلك حكايات كثيرة". ا-هـ.
فالشيخ -رحمه الله- يهتم بالنادرة، ويتأسى برسول الله -صلى الله عليه وسلم- في مداعبة أصحابه والتبسُّط معهم؛ ليسرِّي عن العاملين، حيث يعاملهم كالأبناء،
وإليك طرفاً من ذلك:


1- يقول الشيخ عبد الله بن منيع الذي لازم سماحته في العمل معه مدة طويلة: "أذكر أنني أنا وأحمد بن قاسم مع سماحته بعد العصر في الطائف في منطقة الهدا؛ لعرض ما لديّ من معاملات على سماحته كالمعتاد، وفي رجوعنا وجَّه الكلام لأحمد بن قاسم قائلاً: يا أحمد، أمُّك جاءت بولد ليس أخاك ولا أختك فمن هو؟ فبهت أحمد من هذا، وقال: خلها في قبرها عفا الله عنك، وبعد أن أتاح له فرصة التأمل، قال: هو أنت يا أحمد، جاءت بك أمك؛ فتنفس الصعداء وقال: الحمد لله فرجت عني، جزاك الله خيراً".


2- ويقول الشيخ عبد الله بن منيع -حفظه الله- متحدثاً عن الشيخ محمد بن إبراهيم: "كان -رحمه الله- يحب النكتة ويسترويها؛ فقد صار من بعض الزملاء أن اجتمع لديه اثنان من فراشي الإفتاء فذكَّرهما أن الصوم يصير في الصيف، والشتاء، وكذلك الحج هكذا؛ فإن السنة تستدير، فإذا اجتمع الصوم مع الحج في إحدى السنين فمن منكما سيصوم ويترك الحج، ومن سيحج ويقضي الصوم، فقال أحدهما: سأحج وأترك الصوم لأيام أخر، وقال الآخر: سأصوم وأترك الحج، فذكر لسماحته فاستدعاهما وأعيد السؤال عليهما، فاحتج الأول على تركه الصوم بقوله -تعالى-: (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ). [البقرة:184].
واحتج الثاني بقوله -تعالى-: (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ). [البقرة:185].
فضحك -رحمه الله- وقال: لقد بنيت هذه الدار على علم -يعني دار الإفتاء-.
ومن رواية النكتة ما ذكره لنا -أي الشيخ محمد بن إبراهيم- أنه أبلغ الشيخ عبد الله بن عجيان -رحمه الله- قرار نقله من نجران إلى طريف، فقال له: أسألك يا سماحة الشيخ: هل أمرك الملك بأن تُحَدِّد بي المملكة في قضائي".


3- وذكر الشيخ إسماعيل بن عتيق أن محمد عطاء الهندي سأل الشيخ في مجلسه فقال: ماذا نصنع بالميت إذا مات في السفينة؟ فقال الشيخ: ألقه في البحر.
فقال السائل: يطفح على سطح البحر، فقال له الشيخ: اعمل له مثقلاً، فقال السائل: يأكله السمك، فقال الشيخ: إذاً احمله على ظهرك ليكن معك حيث شئت.


4- وكان من مداعبته للشيخ علي بن خميس: أن علياً تكلم يوماً بالهاتف مخاطباً الشيخ عبد الله بن إبراهيم وهو في مكة، فقال له الشيخ محمد: كلمت مكة يا علي؟ قال: نعم، قال فكلم الدرعية، فقال: لا تليفون فيها، قال: عجباً لك! تكلم البعيد ولا تكلم القريب.
وقال الشيخ ابن عتيق: ومثل هذا يحصل من الشيخ أحياناً مع غيره.
5- وقرأ الشيخ عبد العزيز بن شلهوب، وهو حسن الصوت، قليل اللَّحن، ولكنه أخطأ في هذه القراءة بكلمة، وهي: وهذه "لغة حِمْيَر" قرأها: "وهذه لغة حَمِيْر"، فقال الشيخ: سبحان الله، وهل للحمير لغة.


يتبع~

دمـ تبتسم ـوع
25 Nov 2009, 09:46 PM
ثالثاً: سماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن باز (1330-1420هـ) رحمه الله:

كان -رحمه الله- ذا دعابة ومزاح، وحرص على ملاطفة جلاّسه، وإدخال السرور عليهم.
وكان يداعبهم، ويمازحهم مزاحاً لا إسراف فيه ولا إسفاف.
لا يكْفَهِرُّ إذا انحاز الوقارُ به


ولا تطيشُ نواحيه إذا مَزحا



ومما يُذكر في هذا الباب ما يلي:

1- أنه -رحمه الله- إذا أراد الوضوء من المغسلة ناول من بجانبه غترته أو مشلحه ثم قال ممازحاً مداعباً: هذه يا فلان على سبيل الأمانة، لا تطمع بها.

2- ومن ذلك أنه إذا قام من المكتبة متعباً من القراءة والمعاملات، ثم تناول العشاء - قال: سنعود إلى المكتبة مرة أخرى؛ لأننا ملأنا البنزين، وتزودنا بالوقود، أو يقول بعبارته: (عَبَّينا) بنزين، ويعني بذلك أنه نشط بعد تناول الطعام.

3- وكان -رحمه الله- مرهف الشعور؛ وبمجرد إحساسه أن أحداً ممن معه متضايق من أمر ما فإنه يلاطفه بما يشرح صدره، وينسيه همه؛ فربما قال لمن معه: ماذا عندك؟ ماذا ترغب؟ وربما قال له: ممازحاً: ما تريد الزواج؟ وإذا أُحْضِر الطعام قال لبعض جلاسه: تغدوا معنا، أو تعشوا؛ الذي لا يخاف -يعني من أهله- يتفضل معنا.

4- ومن هذا القبيل -أيضاً- أنه إذا سلم عليه أحد سأله عن اسمه، فإذا كان في الاسم غرابة أو معنى غريب أو حسن - داعب سماحتُه صاحب ذلك الاسم.
وذات مرة جاءه مطلِّق فقال له: ما اسمك؟ قال: ذيب، قال: وما اسم زوجتك قال: ذيبة؛ فقال سماحته مداعباً: أسأل الله العافية! أنت ذيب، وهي ذيبة، كيف يعيش بينكما أولاد؟

5- وذات يوم كان أحد الذين عنده يقرأ عليه، وفي أثناء قراءته تردد في كلمة ولم يفصح عنها، أي لم يستطع أن يقرأها.
وكان ضمن الحاضرين في المجلس د.عبد الله بن محمد المُجَلِّي فقال سماحة الشيخ: أعطها ابن مُجلِّي؛ لعله يجلِّيها.

6- ومما يذكر في ذلك -أيضاً- أن سماحته كان كثيراً ما يمازح الشيخ عبد الرحمن بن حمد بن دايل-رحمه الله-، والشيخ عبد الرحمن من قدامى كتاب سماحة الشيخ، وممن له باع طويل في تحرير قضايا الطلاق، وهو معروف بسرعة إنجاز الأعمال، وضبطها، وكان مع سماحة الشيخ أيام كان في المدينة، وهو المسؤول عن الأوراق التي ترد إلى بيت سماحته وروداً وصدوراً، وكان يعمل مع سماحته جل أوقاته، وهو محبٌّ للخير، وذو همة عالية، وإتقان للعمل -كما مر ذكره-.
وكان يُعِدُّ الفتاوى على معاملات الطلاق، باسم سماحة الشيخ، ويندر أن يجد سماحته فيها نقصاً، أو خطأً.
وفي بعض الأحيان يرسل ثلاثين معاملة أو أربعين، أو أكثر أو أقل، وتوزع بين الموظفين لقراءتها؛ فإذا جاء وقت عرضها قال سماحة الشيخ: أبو حمد ضابط لعمله، ثم قال: ممازحاً، ولو، نختبر أبا حمد، اقرؤوا ما كتبه، فإذا قرؤوه وإذا هو في غاية الضبط والإتقان.
وكان الشيخ عبد الرحمن يتصل بسماحة الشيخ، أو يقابله، ويبدأ بسرد الأعمال، وقراءة القضايا بكل نشاط وهمة، فإذا رآه سماحة الشيخ هكذا قال: يا أبا حمد! ألا تريد أن تتزوج؟ فيقول الشيخ عبد الرحمن: يا سماحة الشيخ، أنا في وادٍ وأنت في وادٍ، أين أنا والزواج، فيقول سماحة الشيخ مداعباً: وسّع صدرك، وسّع صدرك.
ويقول الشيخ عبد الرحمن بن دايل: إذا أجريت اللازم على معاملة ما، ثم قرأتها على سماحته، وأعجبه ما قرئ عليه، قال: قالون، قالون، يعني: جيد؛ بالفارسية.

7- ومن النماذج على دعابة سماحة الشيخ أنه كان قبل وفاته بعام واحد مدعواً عند الشيخ محمد الموسى -مدير مكتب بيت سماحة الشيخ- بمناسبة سكناه بيته الجديد، وكان المجلس مليئاً بالمشايخ وطلاب العلم، وعلى رأسهم سماحة الشيخ عبد العزيز -رحمه الله- وصاحب الفضيلة الشيخ العلامة عبد الله بن جبرين، وصاحب الفضيلة الشيخ عبد الله الفنتوخ، وصاحب الفضيلة الشيخ عبد العزيز السدحان وجمع من المشايخ.
وكان سماحة الشيخ يعمر المجلس بالفوائد، والإجابة على الأسئلة، وحصل أنَّ حديثاً طويلاً دار حول الرقية، وتلبس الجني بالإنسي.
ومما دار في ذلك المجلس أن الشيخ عبد العزيز السدحان ذكر أنه ورد في ترجمة أحمد بن نصر الخزاعي -رحمه الله- أنه رقى رجلاً فيه مس من الجن، فتكلمت على لسانه جنية، فقالت لأحمد بن نصر: يا شيخ، لن أخرج من هذا الرجل حتى يدع القول بخلق القرآن.
فتبسم سماحته -رحمه الله- وقال: ما شاء الله،
هذه جنية سنية، هذه من أهل السنة والجماعة.

يتبع~

دمـ تبتسم ـوع
25 Nov 2009, 09:51 PM
رابعاً: سماحة الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين (1347-1421هـ) -رحمه الله-:

للمزاح في حياة شيخنا محمد بن عثيمين -رحمه الله- نصيب غير منقوص، فلقد كان -مع جدِّه، وصرامته، ودقته، وانضباطه- ذا روح مرحة، يُرَفِّه بها عن جلاّسه، وطلاّبه، ومعاشريه.
وكان يسعدهم بذلك، ويرفع عنهم الكلفة، ويبعثهم إلى مزيد من الجد والنشاط.

وكل من خالطه، أو تتلمذ على يديه يحفظ له عشرات القصص من هذا القبيل سواء في دروسه في مسجده، أو في الحرم المكي، أو غير ذلك.

ومما يحضرني الآن من ذلك أنه كان يأتي إلى الزلفي في كل عام مرة؛ ويمكث فيها من الصباح إلى ما بعد العشاء، فيزور كبار السن، وأهل الفضل، ويلتقي طلبة العلم، ويلقي محاضرة في تلك الزيارة.
وكانت مجالسه عامرة بالعلم، والفائدة، وكانت لا تخلو من دعابة حلوة.

وفي إحدى زياراته زار مركز الثوير -ضاحية من ضواحي الزلفي من جهة الشمال في آخر رمال الثويرات - وصار يتحدث مع الشيخ عبد الله بن عبد المحسن القشعمي -إمام جامع الثوير- الذي كان من مواليد 1331هـ -كما أخبرني هو بذلك-.

ومما دار في ذلك الحديث
أن فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين -رحمه الله- قال للشيخ عبد الله القشعمي: ما هذا الاسم؟ الثوير؟ أفلا سمي بالثور؟

فقال الشيخ عبد الله: أحسن الله إليك يا شيخ محمد؛
نحن في هذا المكان الصغير الذي يليق بنا، ويناسبنا أن يسمى بهذا الاسم، ثم إن الثور كبير، وإذا صغِّر ففيه شيء من الكِبَر، لكن أنتم في بلد العلماء، والفضلاء، والوجهاء، وهو بلد كبير ويُسمى عُنيزة، وعَنْز صغيرة، فكيف إذا صغرت؟

فضحك الشيخ محمد -رحمه الله- كثيراً، وأعجب بسرعة بديهة هذا الرجل الكبير، وقال: "لو سكتُّ لسلمتُ".
................................


فهذه نبذة عن بعض مزاح الأكابر، ولا يعني ذلك أنهم متمحضون للمزاح، مُطَّرحون للجد، وإنما المقصودُ بيانُ وجهٍ مشرق من جوانب سِيرَ أكابرنا؛ فإذا أراد الناشئُ أن يقتدي بأمثال أولئك فلينظر في سيرهم من جميع الجوانب؛ حتى تكتمل أمامه الصورة.
كتبه / د. محمد بن إبراهيم الحمد