المنذر
25 Oct 2009, 07:05 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
لما كثر ظهور العلماء على شاشات التلفاز في مسرحيات هزلية أسموها "التوبة" ودعوات إنهزامية اسموها "المراجعات" أو "الحوارات" كان لزاما علينا أن ننظر في هذه الظاهرة الغريبة العجيبة نظرة مغايرة لنخرج بفهم ربما يساعدنا على تفسير هذه الظاهرة التي أصبحت مضربا للسخرية في الأوساط العلمية والعامية !!
شيخ يرجع عن كل فتاواه !! لا نقول فتوى أو اثنتين، ولكن يرجع عن كل ما سئل عنه وطلب منه في سابقة لم تشهدها الأوساط العلمية على مر التأريخ !! لقد صدم الناسوهم ينظرون إلى ذلك الشيخ الذي عرف عنه صدعه بالحق وجهاده بالكلمة وهو لا يكاد يقدرعلى الكلام وبدى في وجهه علامات الإجهاد والإعياء وهو يوافق على كل مسألة سئلها وكل مراجعة ألقيت عليه !!
ألغى الجهاد ضد الكفار وأسماه "فتنة"، وألغى عقيدة الولاء والبراء، وألغى حكم تكفير من كفره الله من فوق سبع سموات، وألغى كل شيء أريد له إلغاءه من قبل السلطات !! وأعتقد لو أنه سئل عن لا إله إلا الله محمد رسول الله لألغاها، إن ألقى عليه مقدم المسرحية ذلك !!
لقد كانت البداية التي بدأ بها مقدم "المسرحية" مسرحيته دلالة واضحة على محتواها، فقد بدأ بإنكار أن تكون هذه التوبة بإكراه أو تهديد، وأخذ يؤكد هذه الفكرة، ولما يتهمه أحد بأي شيء بعد، فانطبق عليه قول القائل "كاد المريب أن يقول خذوني"، وكم يذكرنا هذا بقول إخوان يوسف لما ارتكبوا جنايتهم وذهبوا لأبيهم فـ" قالوا يا أبانا إنا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين " (يوسف : 17)، فهم أعلنواعدم صدقهم قبل أن يتهمهم يعقوب عليه السلام بالكذب، ولذلك قال عليه السلام تعقيبا على كلامهم " بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون " (يوسف : 1فكلامهم كان واضح التناقض والتحامل، ولذلك أختلف مع كثير من المحللين، وأقول : بأن هذا الكلام ليس من قول ولا من منطق مقدم المسرحية، وإنما أعتقد بأنه أملي عليه، وإلا فإنه لا يخفى على مثله مثل هذا المدخل وهذه المقدمة المكشوفة وهو الذي كان يفسر كلام إخوان يوسف في الفضائيات !!
ثم هناك أمرآخر لا بد من التنبيه إليه : وهو أن الشيخين قالا بأنهما أعلنا توبتهما بعد أن رأوما أحدثه تفجير "المحيا" من قتل للمدنيين (!!)، وهذا أيظا من التدليس الواضح، حيث أن الشيخين رأيا قبل هذا التفجير تفجيرات كثيرة في الرياض والخبر وغيرها قتل فيها أضعاف أضعاف هذا العدد من عملاء وجواسيس الصليب والصليبيين، ومع ذلك لم يبديا أيتعاطف أو أسف لموت هؤلاء ولكنهما باركا العمليات وأيداها وأفتيا بجوازها !! فلماذا صحوة الضمير لا تأتي إلا في السجن، ولا تأتي إلا دفعة واحدة !!
لست هنا بصدد تحليل سبب هذا التراجع وهذه الظاهرة العجيبة، فهذا يحتاج إلى بحث طويل ومعرفةالملابسات والحقائق التي لا تتوفر لنا الآن [وقد قرأت رسالة للأخ الكريم "محمدالمسعري" بين فيه زيف هذه المسرحيات، وقد أجاد في تحليله وأفاد على عادته حفظه الله، وفي مجلة صوت الجهاد (العدد الخامس) ما يغني]، ولكنني أحاول هنا أن أرد بعض الشبه التي ألقيت في المقابلة التي هي أشبه باستجواب المباحث منها بالمراجعةالعلمية، وهذه الشبه هي مسألة التكفير والخارجية التي ركز عليها المحاور مع الشيخين حفظهما الله وثبتهما على الحق ..
إن مسألة الولاء والبراء – كما هو معروف – من أساسيات هذا الدين، ولا دين لمن لا يوالي أولياء الله ويعادي أعداءه، وهذه المسألة من مسلمات الشريعة التي لا يختلف عليها عالمان من علماء المسلمين، ومن مسألة الولاء والبراء تتفرع مسألة تكفير الحكام في هذا الزمان .. فمن المعروف أن منوالى أعداء الله فهو كافر كفر أكبر مخرج من الملة، وهذا أيظا محل إجماع عند من يعتد بأقوالهم من علماء المسلمين، ولكن بعض المغرضين دخلوا علينا من باب معرفة الواقع وملابساته والإحاطة بجوانبه، هكذا زعموا !!
لقد أشبعنا هذه النقطة بحثا ودراسة وكتب فيها الناس حتى أصبحت المسألة واضحة في أذهان العامة، فضلا عن الخاصة،ولكن كثرة ترديد الإعلام لما يناقض قواعد الإسلام ومحاولة ترسيخ مبادئ خاطئة في عقول الناس على أنها مسلمات شرعية جعلتنا نكتب مرة أخرى، لأن فعل هذه الوسائل الإعلامية لا بد له من فعل مضاد يساويه أو يفوقه (بإذن الله) لكي لا تتزعزع ثقة المسلمين بعقيدتهم وثوابتهم ولكي لا ترسخ عقيدة الإرجاء في عقول المسلمين فنرجع إلى سابق عهدنا (القرون الثلاثة الماضية) بعد أن من الله علينا بهذه الصحوة المباركة وفتح الله علينا باب الجهاد، وتعلم الناس المعنى الحقيقي للإيمان ..
بدل منأن نكتب عن الجهاد ومجاهدة الكفار ونحض الناس على النفير والقتال، أرغمنا هؤلاء على الكتابة في مسائل من المفروض أن تكون مسلمات واضحة في عقول المسلمين وقلوبهم، فغفرالله لنا ولهم ورزقنا وإياهم الإخلاص والرجوع إلى الحق وخدمة هذا الدين على الوجه الذي يرضي ربنا جل في علاه !!
ولنبدأ هنا بمسألة الخارجية (كون المجاهدين خوارج) :
إن عقيدة الخوارج ليست مبهمة أو سرية، فمن درس العقيدة الإسلامية في أي جامعة أو معهد علمي أو حتى قرأ كتابا في الفرق يتعرف على هذه العقيدة وسماتها البارزة التي تميزها عن سائر الفرق الإسلامية، فعقيدة الخوارج ترتكز في مجملها على قواعد رئيسة، أهمها :
1- تكفير مرتكب الكبيرة، وهي من أبرز سماتهم
2- وجوب الخروج على الأئمة المسلمين لارتكابهم الفسق أو الظلم
3- إنكار الشفاعة
هذه هي القواعد الرئيسة في المذهب الخارجي، وعليها تدور اجتهاداتهم (وهناك اعتقادات أخرى خالفوا فيها أهل السنة، ليس هذا مجال بحثها)، فهل من يجاهد في سبيل الله في زماننا هذا يعدون من هؤلاء الخوارج، كما قال مقدم مسرحية "التوبة" !!
الكل يعرف بأن المجاهدون لا يكفرون مرتكب الكبيرة، وهذه أبرز سمة للخوارج،وأذكر أنني سمعت شريطا للشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله، قبل سنوات،وقد أطلق وقتهم بعض الناس لقب "خارجي" على الشيخ "سفر الحوالي" الذي كان حاضراالجلسة، فأقامه الشيخ ابن عثيمين رحمه الله وسأله سؤالا واحدا : أتكفر مرتكب الكبيرة ؟
فقال الشيخ سفر : حاشا لله !
فرد الشيخ عليه السؤال !
فقال سفر : لا، لا أكفر مرتكب الكبيرة .
فقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : هذه هي السمة البارزة في الخوارج، أنهم يكفرون مرتكب الكبيرة، والشيخ سفر لا يكفر مرتكب الكبيرة، إذا هو ليس بخارجي (هذا معنى الكلام الذي دار في تلك المحاضرة، وهو كلام مسجل) .. هكذا، وبكل بساطة، انتفت صفة الخارجية عن الشيخ "الحوالي" ..
الذيلا يكفر مرتكب الكبيرة ليس بخارجي على رأي الشيخ ابن عثيمين رحمه الله وأسكنه فسيح جناته، وهذا هو الصواب الذي لا شك فيه، فأنت إذا قلت بأن فلان نصراني، ثم سألته ماتقول في عيسى عليه السلام، فقال لك : إنه عبد الله ورسوله وكلمته التي ألقاها إلى مريم وروح منه، فإن هذا لا يصح فيه لقب نصراني بأي حال من الأحوال لأنه يناقض باعتقاده أصل مذهب النصرانية الذي يقول بأن : عيسى ابن الله، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا ..
كيف يكون المجاهدون "خوارج" وهم يناقضون أصل مذهب الخوارج !! فهم لا يكفرون مرتكب الكبيرة ولا يرون الخروج على الحاكم الفاسق أو الظالم (وإنمايرون الخروج على الحاكم الكافر الثابت كفره، بضوابط الخروج الشرعية)، ولا ينكرونالشفاعة !! فهذا اللقب لا يصلح أن يطلق على المجاهدين أبدا، ولا حتى من باب الشبهةأو التشابه، إذ أنه لا تشابه بين المجاهدين وهؤلاء الخوارج لا من قريب ولا من بعيد !! (وقد فصلت بعض الشيء في هذه المسألة في مقالة بعنوان "رسالة إلى الحمرالمستأجرة" فليرجع إليه) ..
أما مسألة التكفير، فهي من المسائل التي تجنى فيها مقدم مسرحية "التوبة" وغيره على المجاهدين !! فمن أين لهم بأن المجاهدين يكفرون الناس والشعب !! من من المجاهدين، بل من من محبيهم قال أو يقول هذا !!
وقد أشار الشيخ "ناصر الفهد" حفظه الله وفك أسره، إلى هذه المسألة في الحلقة الثانية من مسرحية "التوبة" الكوميدية، حيث أشار إلى مسألة من لم يكفرالكافر، وكيف أن تكفير الحكام يؤدي بالضرورة إلى تكفير من لم يكفرهم في حلقة متسلسلة تؤدي في النهاية إلى تكفير جميع الناس، ولا ندري كيف يتوقع كاتب سناريو هذه المسرحية (لأني اجزم بأن هذا ليس من كلام الشيخ ناصر حفظه الله وفك أسره، ولا فكره) أن يصدق الناس هذه الكلمات، فالمجاهدين ليسوا بهذه السذاجة وهذه السطحية وهذا الجهل بالواقع حتى يصدروا مثل هذه الأحكام،
أما مسألة تكفير الحكام فهذه مسألة مفروغ منها عند عامة الناس فضلا عن طلبة العلم والعلماء : لا يشك أحد بكفر هؤلاء الحكام لظهور ذلك ووضوحه بحيث أصبح لا يحتاج إلى من يدلل عليه أو يقيم عليه البراهين من الناحيةالشرعية ..
أما المدخل الذي يحاول بعضهم الدخول منه فهو : معرفة الواقع وملابساته، واختلاف الزمان والمكان والأوضاع وقلة خبرة المفتين وحداثة سنهم وانعدام تجربتهم وما إلى ذلك من أمور، فهذه يعرف بطلانها الصغير قبل الكبير !!
وبالرغم من كل هذه الأكاذيب والحيل الواهية أنقل هنا كلمات العلماء فينازلتنا المعاصرة لكي لا يبقى لمتقول كلام، ولا لمتأول سبيل، ولكي نسد الباب على هؤلاء فلا يلبسوا على المسلمين من هذا المنفذ ..
هذه الفتاوى صدرت عندإعلان أمريكا الحرب على أفغانستان وقبل أن يبدأ أي من حكام البلاد الإسلامية بمساعدة الأمريكان، فكانت هذه الفتاوى – من العلماء - بمثابة الضربات الإستباقية لكي تقطع الطريق على الحكام فلا يوالوا النصارى، وقد اتضح بعد ذلك جهل أكثر العلماء بحقيقة هؤلاء الحكام ومدى عمالتهم وتضلعهم وتفانيهم في خدمة أعداء الإسلام، أو أن بعضهم اعتقد بأن حكومة باكستان هي الوحيدة المعنية بموالاة الكفار ولم يتصورواحقيقة حكامهم !!
وإليكم الفتاوى :
قال العلامة حمود بن عقلاالشعيبي رحمه الله : " أما مظاهرة الكفار على المسلمين ومعاونتهم عليهم فهي كفرناقل عن ملة الإسلام عند كل من يعتد بقوله من علماء الأمة قديما وحديثا.." ... " منظاهر دول الكفر على المسلمين وأعانهم عليهم كأمريكا وزميلاتها في الكفر يكون كافرامرتدا عن الإسلام بأي شكل كانت مظاهرتهم وإعانتهم" (انتهى) ..
قالالشيخ المحدث عبد الله السعد حفظه الله : " وليعلم كل مسلم أن التعاون مع أعداءالله ضد أولياء الله بأي نوع من أنواع التعاون والدعم والمظاهرة يعد ناقضا من نواقض الإسلام، دل على ذلك كتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم، ونص عليه أهل العلمرحمهم الله، فليحذر العبد أن يسلب دينه وهو لا يشعر " (انتهى) ..
قالالشيخ ناصر العمر ثبته الله على الحق : " بحرمة مظاهرة المشركين واليهود والنصارى،وإعانتهم على المسلمين، وأن من فعل ذلك عالما بالحكم طائعا مختارا غير متأول فقدبرأت منه ذمة الله.." ... " فليحذر المسلم أن يكون عونا لليهود والنصارى على إخوانه المسلمين الأبرياء، بأي شكل كانت الإعانة حسية أو معنوية فيخسر دينه ودنياه".
جاء في بيان وقعه أكثر من مائة وخمسون من كبار علماء اليمن : "فإنعلماء اليمن يفتون بتحريم أي تعاون أو تحالف مع أمريكا أو حلفائها في هذه الحرب المسعورة التي عزمت أن تشنها على المسلمين في أفغانستان أو غيرها من البلدان الإسلامية أي كان نوع هذا التعاون ماديا أو معنويا ويعتبرون أن كل ما يقدم منالتسهيلات والمعونات لأمريكا في هذا الصدد أمرا محرما شرعا وخيانة لله ولرسوله وللمؤمنين" (انتهى) ..
لما كثر ظهور العلماء على شاشات التلفاز في مسرحيات هزلية أسموها "التوبة" ودعوات إنهزامية اسموها "المراجعات" أو "الحوارات" كان لزاما علينا أن ننظر في هذه الظاهرة الغريبة العجيبة نظرة مغايرة لنخرج بفهم ربما يساعدنا على تفسير هذه الظاهرة التي أصبحت مضربا للسخرية في الأوساط العلمية والعامية !!
شيخ يرجع عن كل فتاواه !! لا نقول فتوى أو اثنتين، ولكن يرجع عن كل ما سئل عنه وطلب منه في سابقة لم تشهدها الأوساط العلمية على مر التأريخ !! لقد صدم الناسوهم ينظرون إلى ذلك الشيخ الذي عرف عنه صدعه بالحق وجهاده بالكلمة وهو لا يكاد يقدرعلى الكلام وبدى في وجهه علامات الإجهاد والإعياء وهو يوافق على كل مسألة سئلها وكل مراجعة ألقيت عليه !!
ألغى الجهاد ضد الكفار وأسماه "فتنة"، وألغى عقيدة الولاء والبراء، وألغى حكم تكفير من كفره الله من فوق سبع سموات، وألغى كل شيء أريد له إلغاءه من قبل السلطات !! وأعتقد لو أنه سئل عن لا إله إلا الله محمد رسول الله لألغاها، إن ألقى عليه مقدم المسرحية ذلك !!
لقد كانت البداية التي بدأ بها مقدم "المسرحية" مسرحيته دلالة واضحة على محتواها، فقد بدأ بإنكار أن تكون هذه التوبة بإكراه أو تهديد، وأخذ يؤكد هذه الفكرة، ولما يتهمه أحد بأي شيء بعد، فانطبق عليه قول القائل "كاد المريب أن يقول خذوني"، وكم يذكرنا هذا بقول إخوان يوسف لما ارتكبوا جنايتهم وذهبوا لأبيهم فـ" قالوا يا أبانا إنا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين " (يوسف : 17)، فهم أعلنواعدم صدقهم قبل أن يتهمهم يعقوب عليه السلام بالكذب، ولذلك قال عليه السلام تعقيبا على كلامهم " بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون " (يوسف : 1فكلامهم كان واضح التناقض والتحامل، ولذلك أختلف مع كثير من المحللين، وأقول : بأن هذا الكلام ليس من قول ولا من منطق مقدم المسرحية، وإنما أعتقد بأنه أملي عليه، وإلا فإنه لا يخفى على مثله مثل هذا المدخل وهذه المقدمة المكشوفة وهو الذي كان يفسر كلام إخوان يوسف في الفضائيات !!
ثم هناك أمرآخر لا بد من التنبيه إليه : وهو أن الشيخين قالا بأنهما أعلنا توبتهما بعد أن رأوما أحدثه تفجير "المحيا" من قتل للمدنيين (!!)، وهذا أيظا من التدليس الواضح، حيث أن الشيخين رأيا قبل هذا التفجير تفجيرات كثيرة في الرياض والخبر وغيرها قتل فيها أضعاف أضعاف هذا العدد من عملاء وجواسيس الصليب والصليبيين، ومع ذلك لم يبديا أيتعاطف أو أسف لموت هؤلاء ولكنهما باركا العمليات وأيداها وأفتيا بجوازها !! فلماذا صحوة الضمير لا تأتي إلا في السجن، ولا تأتي إلا دفعة واحدة !!
لست هنا بصدد تحليل سبب هذا التراجع وهذه الظاهرة العجيبة، فهذا يحتاج إلى بحث طويل ومعرفةالملابسات والحقائق التي لا تتوفر لنا الآن [وقد قرأت رسالة للأخ الكريم "محمدالمسعري" بين فيه زيف هذه المسرحيات، وقد أجاد في تحليله وأفاد على عادته حفظه الله، وفي مجلة صوت الجهاد (العدد الخامس) ما يغني]، ولكنني أحاول هنا أن أرد بعض الشبه التي ألقيت في المقابلة التي هي أشبه باستجواب المباحث منها بالمراجعةالعلمية، وهذه الشبه هي مسألة التكفير والخارجية التي ركز عليها المحاور مع الشيخين حفظهما الله وثبتهما على الحق ..
إن مسألة الولاء والبراء – كما هو معروف – من أساسيات هذا الدين، ولا دين لمن لا يوالي أولياء الله ويعادي أعداءه، وهذه المسألة من مسلمات الشريعة التي لا يختلف عليها عالمان من علماء المسلمين، ومن مسألة الولاء والبراء تتفرع مسألة تكفير الحكام في هذا الزمان .. فمن المعروف أن منوالى أعداء الله فهو كافر كفر أكبر مخرج من الملة، وهذا أيظا محل إجماع عند من يعتد بأقوالهم من علماء المسلمين، ولكن بعض المغرضين دخلوا علينا من باب معرفة الواقع وملابساته والإحاطة بجوانبه، هكذا زعموا !!
لقد أشبعنا هذه النقطة بحثا ودراسة وكتب فيها الناس حتى أصبحت المسألة واضحة في أذهان العامة، فضلا عن الخاصة،ولكن كثرة ترديد الإعلام لما يناقض قواعد الإسلام ومحاولة ترسيخ مبادئ خاطئة في عقول الناس على أنها مسلمات شرعية جعلتنا نكتب مرة أخرى، لأن فعل هذه الوسائل الإعلامية لا بد له من فعل مضاد يساويه أو يفوقه (بإذن الله) لكي لا تتزعزع ثقة المسلمين بعقيدتهم وثوابتهم ولكي لا ترسخ عقيدة الإرجاء في عقول المسلمين فنرجع إلى سابق عهدنا (القرون الثلاثة الماضية) بعد أن من الله علينا بهذه الصحوة المباركة وفتح الله علينا باب الجهاد، وتعلم الناس المعنى الحقيقي للإيمان ..
بدل منأن نكتب عن الجهاد ومجاهدة الكفار ونحض الناس على النفير والقتال، أرغمنا هؤلاء على الكتابة في مسائل من المفروض أن تكون مسلمات واضحة في عقول المسلمين وقلوبهم، فغفرالله لنا ولهم ورزقنا وإياهم الإخلاص والرجوع إلى الحق وخدمة هذا الدين على الوجه الذي يرضي ربنا جل في علاه !!
ولنبدأ هنا بمسألة الخارجية (كون المجاهدين خوارج) :
إن عقيدة الخوارج ليست مبهمة أو سرية، فمن درس العقيدة الإسلامية في أي جامعة أو معهد علمي أو حتى قرأ كتابا في الفرق يتعرف على هذه العقيدة وسماتها البارزة التي تميزها عن سائر الفرق الإسلامية، فعقيدة الخوارج ترتكز في مجملها على قواعد رئيسة، أهمها :
1- تكفير مرتكب الكبيرة، وهي من أبرز سماتهم
2- وجوب الخروج على الأئمة المسلمين لارتكابهم الفسق أو الظلم
3- إنكار الشفاعة
هذه هي القواعد الرئيسة في المذهب الخارجي، وعليها تدور اجتهاداتهم (وهناك اعتقادات أخرى خالفوا فيها أهل السنة، ليس هذا مجال بحثها)، فهل من يجاهد في سبيل الله في زماننا هذا يعدون من هؤلاء الخوارج، كما قال مقدم مسرحية "التوبة" !!
الكل يعرف بأن المجاهدون لا يكفرون مرتكب الكبيرة، وهذه أبرز سمة للخوارج،وأذكر أنني سمعت شريطا للشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله، قبل سنوات،وقد أطلق وقتهم بعض الناس لقب "خارجي" على الشيخ "سفر الحوالي" الذي كان حاضراالجلسة، فأقامه الشيخ ابن عثيمين رحمه الله وسأله سؤالا واحدا : أتكفر مرتكب الكبيرة ؟
فقال الشيخ سفر : حاشا لله !
فرد الشيخ عليه السؤال !
فقال سفر : لا، لا أكفر مرتكب الكبيرة .
فقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : هذه هي السمة البارزة في الخوارج، أنهم يكفرون مرتكب الكبيرة، والشيخ سفر لا يكفر مرتكب الكبيرة، إذا هو ليس بخارجي (هذا معنى الكلام الذي دار في تلك المحاضرة، وهو كلام مسجل) .. هكذا، وبكل بساطة، انتفت صفة الخارجية عن الشيخ "الحوالي" ..
الذيلا يكفر مرتكب الكبيرة ليس بخارجي على رأي الشيخ ابن عثيمين رحمه الله وأسكنه فسيح جناته، وهذا هو الصواب الذي لا شك فيه، فأنت إذا قلت بأن فلان نصراني، ثم سألته ماتقول في عيسى عليه السلام، فقال لك : إنه عبد الله ورسوله وكلمته التي ألقاها إلى مريم وروح منه، فإن هذا لا يصح فيه لقب نصراني بأي حال من الأحوال لأنه يناقض باعتقاده أصل مذهب النصرانية الذي يقول بأن : عيسى ابن الله، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا ..
كيف يكون المجاهدون "خوارج" وهم يناقضون أصل مذهب الخوارج !! فهم لا يكفرون مرتكب الكبيرة ولا يرون الخروج على الحاكم الفاسق أو الظالم (وإنمايرون الخروج على الحاكم الكافر الثابت كفره، بضوابط الخروج الشرعية)، ولا ينكرونالشفاعة !! فهذا اللقب لا يصلح أن يطلق على المجاهدين أبدا، ولا حتى من باب الشبهةأو التشابه، إذ أنه لا تشابه بين المجاهدين وهؤلاء الخوارج لا من قريب ولا من بعيد !! (وقد فصلت بعض الشيء في هذه المسألة في مقالة بعنوان "رسالة إلى الحمرالمستأجرة" فليرجع إليه) ..
أما مسألة التكفير، فهي من المسائل التي تجنى فيها مقدم مسرحية "التوبة" وغيره على المجاهدين !! فمن أين لهم بأن المجاهدين يكفرون الناس والشعب !! من من المجاهدين، بل من من محبيهم قال أو يقول هذا !!
وقد أشار الشيخ "ناصر الفهد" حفظه الله وفك أسره، إلى هذه المسألة في الحلقة الثانية من مسرحية "التوبة" الكوميدية، حيث أشار إلى مسألة من لم يكفرالكافر، وكيف أن تكفير الحكام يؤدي بالضرورة إلى تكفير من لم يكفرهم في حلقة متسلسلة تؤدي في النهاية إلى تكفير جميع الناس، ولا ندري كيف يتوقع كاتب سناريو هذه المسرحية (لأني اجزم بأن هذا ليس من كلام الشيخ ناصر حفظه الله وفك أسره، ولا فكره) أن يصدق الناس هذه الكلمات، فالمجاهدين ليسوا بهذه السذاجة وهذه السطحية وهذا الجهل بالواقع حتى يصدروا مثل هذه الأحكام،
أما مسألة تكفير الحكام فهذه مسألة مفروغ منها عند عامة الناس فضلا عن طلبة العلم والعلماء : لا يشك أحد بكفر هؤلاء الحكام لظهور ذلك ووضوحه بحيث أصبح لا يحتاج إلى من يدلل عليه أو يقيم عليه البراهين من الناحيةالشرعية ..
أما المدخل الذي يحاول بعضهم الدخول منه فهو : معرفة الواقع وملابساته، واختلاف الزمان والمكان والأوضاع وقلة خبرة المفتين وحداثة سنهم وانعدام تجربتهم وما إلى ذلك من أمور، فهذه يعرف بطلانها الصغير قبل الكبير !!
وبالرغم من كل هذه الأكاذيب والحيل الواهية أنقل هنا كلمات العلماء فينازلتنا المعاصرة لكي لا يبقى لمتقول كلام، ولا لمتأول سبيل، ولكي نسد الباب على هؤلاء فلا يلبسوا على المسلمين من هذا المنفذ ..
هذه الفتاوى صدرت عندإعلان أمريكا الحرب على أفغانستان وقبل أن يبدأ أي من حكام البلاد الإسلامية بمساعدة الأمريكان، فكانت هذه الفتاوى – من العلماء - بمثابة الضربات الإستباقية لكي تقطع الطريق على الحكام فلا يوالوا النصارى، وقد اتضح بعد ذلك جهل أكثر العلماء بحقيقة هؤلاء الحكام ومدى عمالتهم وتضلعهم وتفانيهم في خدمة أعداء الإسلام، أو أن بعضهم اعتقد بأن حكومة باكستان هي الوحيدة المعنية بموالاة الكفار ولم يتصورواحقيقة حكامهم !!
وإليكم الفتاوى :
قال العلامة حمود بن عقلاالشعيبي رحمه الله : " أما مظاهرة الكفار على المسلمين ومعاونتهم عليهم فهي كفرناقل عن ملة الإسلام عند كل من يعتد بقوله من علماء الأمة قديما وحديثا.." ... " منظاهر دول الكفر على المسلمين وأعانهم عليهم كأمريكا وزميلاتها في الكفر يكون كافرامرتدا عن الإسلام بأي شكل كانت مظاهرتهم وإعانتهم" (انتهى) ..
قالالشيخ المحدث عبد الله السعد حفظه الله : " وليعلم كل مسلم أن التعاون مع أعداءالله ضد أولياء الله بأي نوع من أنواع التعاون والدعم والمظاهرة يعد ناقضا من نواقض الإسلام، دل على ذلك كتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم، ونص عليه أهل العلمرحمهم الله، فليحذر العبد أن يسلب دينه وهو لا يشعر " (انتهى) ..
قالالشيخ ناصر العمر ثبته الله على الحق : " بحرمة مظاهرة المشركين واليهود والنصارى،وإعانتهم على المسلمين، وأن من فعل ذلك عالما بالحكم طائعا مختارا غير متأول فقدبرأت منه ذمة الله.." ... " فليحذر المسلم أن يكون عونا لليهود والنصارى على إخوانه المسلمين الأبرياء، بأي شكل كانت الإعانة حسية أو معنوية فيخسر دينه ودنياه".
جاء في بيان وقعه أكثر من مائة وخمسون من كبار علماء اليمن : "فإنعلماء اليمن يفتون بتحريم أي تعاون أو تحالف مع أمريكا أو حلفائها في هذه الحرب المسعورة التي عزمت أن تشنها على المسلمين في أفغانستان أو غيرها من البلدان الإسلامية أي كان نوع هذا التعاون ماديا أو معنويا ويعتبرون أن كل ما يقدم منالتسهيلات والمعونات لأمريكا في هذا الصدد أمرا محرما شرعا وخيانة لله ولرسوله وللمؤمنين" (انتهى) ..