البطل المقدام
26 Sep 2009, 12:01 AM
خطبه الجمعه من المسجد الحرام
6-10-1430 هـ
القاهافضيله الشيخ د أسامه بن عبدالله الخياط
عنوانها من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه (http://gate.gph.gov.sa/index.cfm?do=cms.AudioDetails&audioid=37893&audiotype=khutbah&browseby=khateebaudio)
الخطبة الأولى :
الحمد لله الذي أكمل لنا الدين وأتم علينا النعمة .. أحمده - سبحانه - رضي لنا الإسلام دينًا وجعلنا خير أمة ، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً تكون لمن استمسك بها خير عصمة ، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبد الله ورسوله بعثه للعالمين رحمة .. اللهم صلِّ وسلِّمْ على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه صلاةً تكون لنا نورًا في الدجى والظلمة .
أما بعد .. فاتقوا الله عباد الله ؛ فتقوى الله خير زادٍ في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد .
أيها المسلمون : إن حرص المرء على سلامة دينه وحسن إسلامه وصحة إيمانه دليلٌ ظاهرٌ وآيةٌ بينة وبرهانٌ شاهدٌ على رجاحة عقله واستقامة نهجه وكمال توفيقه ؛ فدين المسلم - ياعباد الله - هو دليله وقائده إلى كل سعادةٍ في حياته الدنيا وإلى كل فوزٍ ورفعةٍ في الآخرة لما جاء فيه من البينات والهدى الذي يستعصم به من الضلال وينأى به عن سبل الشقاء ومسالك الخسران ، ولقد أرشد رسول الله - صلى الله عليه وسلم ، وهو الحريص على كل خير لأمته الرؤوف الرحيم بها - إلى أدبٍ جامع وخصلةٍ شريفة وخلقٍ كريم يحسن به إسلام المرء ويبلغ به الغاية من رضوان الله .. وذلك ما جاء في الحديث الذي أخرجه الترمذي وابن ماجة في سننهما وابن حبان في صحيحه بإسنادٍ حسنٍ عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه " ..
وهذا الحديث كما قال الإمام ابن عبد البر - رحمه الله - من الكلام الجامع للمعاني الكثيرة الجليلة في الألفاظ القليلة ، وهو مما لم يقله أحدٌ قبله - صلى الله عليه وسلم - لأن من حسُن إسلامه ترَكَ ما لا يعنيه من الأقوال والأعمال ؛ إذ الإسلام يقتضي فعل الواجبات وترك المحرمات ، وإذا حسُن الإسلام استلزم ذلك ترك ما لا يعني من المحرمات والمشتبهات والمكروهات وفضول المباحات ، وهي القدر الزائد على الحاجة منها .. فإن هذا كله لا يعني المسلم إذا كمُل إسلامه وبلغ درجة الإحسان الذي أوضح رسول الهدى - صلى الله عليه وسلم - حقيقته في حديث سؤال جبريل - عليه السلام - عن الإسلام والإيمان والإحسان فقال : " أن تعبد الله كأنك تراه .. فإن لم تكن تراه فإنه يراك "أخرجه مسلمٌ في صحيحه من حديث أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - .
ومن عبَد الله على استحضار قربه من ربه أو قرب ربه منه فقد حسُن إسلامه ، ولزِم لذلك أن يترك كل ما لا يعنيه في الإسلام واشتغل بما يعنيه من صحة اعتقاد وكمال إيمان وصلاح عمل وطلب ما هو من ضرورات معاشه لا قيام لحياته بدونه من ألوان المباحات ..وعلى العكس من ذلك .. من أضاع نفائس الأوقات فيما لم تخلق له باشتغاله بما لا يعنيه .. فانصرف عما ينفعه ويرتفع بمقامه ويبلغ به صحيح الغايات وشريف المقاصد وكريم المنازل ، فخسر هنالك خسرانًا مبينا ..
ألا وإن من اشتغال المرء بما لا يعنيه : تعلُّم ما لا يُهم من العلوم وترك الأهم منها مما فيه صلاحُ قلبه وتزكية نفسه ونفع إخوانه ورفع شأن وطنه ورقي أمته .. ومنه أيضا عدم حفظ اللسان عن لغو الكلام وعن تتبع ما لا يُهم ولا ينفع تتبعه من أخبار الناس وأحوالهم وأموالهم ومقدار إنفاقهم وادخارهم وإحصاء ذلك عليهم ، والتنقيب عن أقوالهم وأعمالهم داخل دورهم وبين أهليهم وأولادهم بغير غرضٍ شرعيٍ سوى الكشف عما لا يعنيه من خاص شئونهم وخفي أمورهم .. ومن ذلك أيضا : تكلُّم المرء فيما لا يحسن ولا يتقنه مما لم يعرف له اختصاص فيه ولا سابق إلمام وخبرة به ، وما ذلك إلا لطب التسلي وإزجاء الوقت وإضاعته في تصدُّر المجالس وصرف الأنظار إليه ، وقد يخرج به ذلك إلى الخوض إلى ما لا يجوز الخوض فيه من أحاديث الفواحش والشهوات ووصف العورات وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات ونشر قالة السوء وبث الشائعات والأكاذيب والأخبار المفتريات ، وقد يجتمع على ذلك ولعٌ بما يسمى بـ (التحليلات والتوقعات) المبنية في غالبها على الظنون والأوهام والمجازفات والجرأة على الباطل بتصويره في صورة الحق، وكل ذلك مما لا يصح توقعه ولا الخوض فيها ولا الاستناد إليه ولا الاغترار به ولا العمل بمقتضاه .
ألا وإن مما يعين على ترك المرء ما يعنيه : تذكر أن الواجبات أكثر من الأوقات وأن العمر قصير كما أخبر بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الذي أخرجه الترمذي وابن ماجة في سننهما والحاكم في مستدركه بإسنادٍ صحيحٍ عن أبي هريرة وأنس رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين ، وأقلهم من يجوز ذلك " .. فمثل هذا العمر الذي لا يكاد يتسع لما يلزم ويجب أفيتسع للفضول وما لا يعني ؟ والمرء أيضا مسئول عن عمره فيما أفناه كما جاء في الحديث الذي أخرجه الترمذي في جامعه بإسنادٍ صحيحٍ عن أبي برزة الأسلمي - رضي الله عنه - أنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لا تزول قدم عبدٍ يوم القيامة حتى يُسألَ عن عمره فيما أفناه وعن علمه ما فعل فيه وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه وعن جسمه فيما أبلاه " ، وما يلفظ الإنسان من قول إلا وهو مسطَّرٌ في صحائفه مجزيٌّ به ليعلم أن للكلمة مسئوليةً وتبعةً كما قال - عز من قائل - : وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ * إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (16-18 سورة ق)
وظاهر الآية -كما قال الإمام ابن كثير - رحمه الله- : أن " الملك يكتب كل شيء من الكلام ، ويؤديه عموم قوله - سبحانه - : "مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ"؛ فهو شامل لكل قول .. وقد أخرج مالك في الموطأ وأحمد في مسنده والترمذي والنسائي وابن ماجة في سننهم بإسنادٍ صحيحٍ عن علقمة الليثي عن بلال بن الحارث رضي الله عنه أنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله - تعالى - ما يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب الله بها رضوانه إلى يوم يلقاه ، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله - تعالى - ما يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب الله عليه بها سخطه إلى يوم يلقاه " .. فكان علقمة الليثي - رحمه الله - يقول : كم من كلامٍ قد منعني منه حديث بلال بن الحارث ؛ أي هذا الحديث وما فيه من وعيد .
أما حكم التصدر وصرف الأنظار فهو مقصودٌ ذميم وخصلةٌ مرذولةٌ لا يجتني من بُلِي بها سوى المقت من الله ومن الذين آمنوا .
فاتقوا الله عباد الله واعملوا على الاقتداء بالصفوة من عباد الرحمن في ترك ما لا يعني من الأقوال والأعمال ..أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولي الألباب.
نفعني الله وإياكم بهدي كتابه وبسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب ؛ إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية :
الحمد لله الذي يهدي من يشاء إلى صراطٍ مستقيم .. أحمده - سبحانه - وهو البر الرؤوف الرحيم ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبد الله ورسوله صاحب النهج الراشد والخلق القويم .. اللهم صلِّ وسلِّمْ على عبدك ورسولك محمدٍ وعلى آله وصحبه أفضل صلاةٍ وأتم تسليم .
أما بعد .. فياعباد الله نُقِل عن الحسن البصري - رحمه الله - قوله : " من علامة إعراض الله عن العبد أن يجعل شغله فيما لا يعنيه " ؛ فعلى العاقل الذي يرجو الله والدار الآخرة إذن أن يقبل على شأنه حافظًا للسانه بصيرًا بزمانه وأن يعُد كلامه من عمله ؛ فإن من عَدَّ كلامه من عمله قلَّ كلامه إلا فيما يعنيه .. ذلك أن أكثر ما يقصد بترك ما لا يعني -كما قال الحافظ ابن رجب - رحمه الله – : " حِفْظ اللسان عن لغْو الكلام ، وحسبه ضررًا أن يشغل صاحبه عن ألوانٍ كثيرةٍ من الخير الذي يسمو به مقامه ويعلو به قدره وتشرف به منزلته وتطيب به حياته وتحسن به عاقبته " .
ألا فاتقوا الله عباد الله واحرصوا على ما ينفعكم في دنياكم وأخراكم ، واذكروا على الدوام أن الله - تعالى - قد أمركم بالصلاة والسلام على خاتم النبيين وإمام المرسلين ورحمة الله للعالمين فقال - سبحانه - في الكتاب المبين : إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ( 56 سورة الأحزاب) .
اللهم صلِّ وسلِّمْ على عبدك ورسولك محمدٍ ، وارضَ اللهم عن خلفائه الأربعة - أبي بكر وعمر وعثمان وعلي - وعن سائر الآل والصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين ، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك ياخير ما تجاوز وعفا .
اللهم أعز الإسلام والمسلمين . اللهم أعز الإسلام والمسلمين . اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، واحم حوزة الدين ، ودمر أعداء الدين وسائر الطغاة والمفسدين ، وألِّفْ بين قلوب المسلمين ووحد صفوفهم ، وأصلح قادتهم واجمع كلمتهم على الحق يارب العالمين .. اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - وعبادك المؤمنين المجاهدين الصادقين.
اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا ، وأيد بالحق إمامنا وولي أمرنا ، وهيئ له البطانة الصالحة ، ووفقه لما تحب وترضى ياسميع الدعاء ، اللهم وفقه ونائبيه وإخوانه إلى ما فيه خير الإسلام والمسلمين وإلى ما فيه صلاح العباد والبلاد يامن إليه المرجع يوم التناد .. اللهم احفظ هذه البلاد حائزةً لكل خير سالمةً من كل شرٍّ وسائر بلاد المسلمين يارب العالمين .
الله أحسن عاقبتنا في الأمور كلها ، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة .. اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا ، واجعل الحياة زيادةً لنا في كل خير والموت راحةً لنا من كل شر .. اللهم إنا نسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين ، وأن تغفر لنا وترحمنا ، وإذا أردت بقومٍ فتنةً فاقبضنا إليك غير مفتونين .
اللهم اشف مرضانا ، وارحم موتانا ، وبلغنا فيما يرضيك آمالنا ، واختم بالصالحات أعمالنا .. ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لننكونن من الخاسرين .
اللهم آتنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً وقنا عذاب النار ، وصلِّ الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين ، والحمد لله رب العالمين .
للاستماع
http://gate.gph.gov.sa/index.cfm?do=...audfiletype=rm (http://gate.gph.gov.sa/index.cfm?do=...audfiletype=rm)
خطبة الجمعة من المسجد النبوي
6-10-1430 هـ
القاها فضيله الشيخ علي بن عبدالرحمن الحذيفي
عنوانها ما بعد رمضان
الخطبة الأولى :
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمداً عبده ورسوله .. بعثه الله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون ، اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين .
أما بعد ، فاتقوا الله في السر والعلانية ، فقد فاز وسعد من اتقاه وخاب وخسر من أسخط مولاه .
عباد الله .. اشكروا نعم الله عليكم ، واذكروه بهذه النعم الظاهرة والباطنة التي لا يقدر أحد أن يسوقها إليكم غيرُه .. كما لا يقدر أحد أن يدفع عنكم العقوبات والنقم غيرُ الله ..قال الله - تعالى - :وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ ..النحل 53 ، وقال - تعالى - :إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا .. الحج 38 ، وقال - عز وجل - :.. قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَالزمر 38 ..
وأعظم ما أنعم الله به عليكم - معشر المسلمين - الفرائض التي تطهركم وتزكيكم وتربيكم وترفع درجاتكم وتضاعف حسناتكم وتقربكم إلى مولاكم في جنة الخلد في النعيم المقيم ، كما أنعم عليكم بتحريم المحرمات والمعاصي التي تدنِّس النفوس وتذل صاحبها وتخزيه في الدنيا والآخرة وتورده المهالكَ وتنزل به العقوبات العاجلة والآجلة وتوبقه في جهنم في العذاب المقيم ؛ فالرب - تبارك وتقدس - لا تنفعه طاعة الطائعين ولا تضره معصية العاصين .. قال الله - تعالى - :إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِالزمر 7 .
وشهر رمضان المبارك شهر القرآن والإحسان قد نلتم به الخيرات والبركات ونلتم به كل خير ورفعكم الله به درجات وزكَّى به نفوسكم وأعظم به أجوركم ؛ فأتبعوا الاستقامة فيه بالاستقامة فيما بقي من الأجل ، وسارعوا دائما إلى صالح العمل ؛ فبالاستقامة تنالون كل مرغوب وتنجون من كل شرٍّ ومرهوب .. قال الله – تعالى- : إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلاً مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍفصلت 30 – 32 ، وقال الله - تبارك و تعالى- :إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَالأحقاف 31 ، وقال - عز وجل - :فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ ..الشورى 15 ..
وعن سفيان بن عبد الله - رضي الله عنه - قال : " قلت يارسول الله .. قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً غيرك ، قال : قل آمنت بالله ثم استقم " رواه مسلم .
فيامن ذقت حلاوة الإيمان ويامن صفت لك الأوقات في رمضان ويامن تلذذت بمناجاة الرحمن وتلاوة القرآن ويامن أنفقت في أبواب الإحسان لا تتبدل العصيان بطاعة الملك الديان ولا تتبدل الغفلة والاغترار بالدنيا بحياة الجنان ، وإياك وخطوات الشيطان ؛ فقد كان في رمضان مأسورا ويريد أن يجعل الأعمال بعد انطلاقه هباءً منثورا ؛ فرده خائباً مدحورا بلزوم تقوى الله - تبارك وتعالى - وكن متمسكاً بالقرآن لتنجو من دار الهوان ويرفعك الله بالتمسك به وبسنة نبيه محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - إلى ما أعد لأهل الإحسان ..
وما أجمل فعل الحسنات بعد الحسنات وما أقبح فعل السيئات بعد الطاعات ! فالحسنة بعد الحسنة زيادةٌ في الثواب ورضوان من العزيز الوهاب .. قال الله - تعالى - :وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْمحمد 17 ، وقال - تعالى - :وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ مَّرَدّاًمريم 76 ..
والحسناتُ بعد السيئات تكفيرٌ للسيئات وعظيمُ ثوابٍ للأعمال الصالحات .. قال الله - عز وجل - :وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَهود 11 ، وعن معاذ - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " اتق الله حيثما كنت ، وأتبع السيئة الحسنة تمحها ، وخالق الناس بخلق حسن " .
والسيئات بعد الحسنات إمَّا أن تبطلها فيحرم العاملُ الثوابَ وإما أن تنقص ثوابها ولابد .. قال الله - تعالى - :يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْمحمد 33 ..
وقد ذُكِرَ أن السلف كانوا يدعون الله - تعالى - ستة أشهرٍ أن يبلِّغهم رمضانَ ويدعون الله ستة أشهر أن يتقبل منهم رمضان ، وقيل لبشر الحافي - رحمه الله - :" إن قوماً يجتهدون في رمضان فإذا ولَّى تركوا ، فقال : بئس القوم .. لا يعرفون الله إلا في رمضان ! " ، ورب الشهور هو الواحد الأحد الذي يتقرب إليه العباد بما يحب في كل وقت .
ياابن آدم .. إن الدنيا ليست بدار خلود ، فما أقصرَ مدتَها وما أسرع انقضاءَ أيامها ، والرب - تبارك اسمه - يقول :وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَن لَّمْ يَلْبَثُواْ إِلاَّ سَاعَةً مِّنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَاء اللّهِ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَيونس 45 ، وقال - تعالى - :.. وَلَا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ .. الأحقاف 35 ، وقال -عز وجل - :وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ .. الروم 55 ..
ومقدار هذا الزمن هو مدة بقائهم في قبورهم إلى خروجهم منها بدليل قول الله - تعالى - :قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ * قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ * قَالَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً لَّوْ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ المؤمنون 112 – 114 ، وأما مدة حياة الإنسان قبل الموت فهو يعرفها ويعلم جيداً قدرها القصير إذا نزل به الموت وكأنها لحظة قضاها ..
فإذا كان زمن البرزخ وهو دهور متطاولة وأحقاب متعاقبة ممتدة الآماد لا يحيط بها إلا الله لعظم مدتها .. إذا كان لبث الناس في قبورهم كأنه ساعة .. ألا تجعل بقية عمرك في طاعة ربك وتقدم لحياتك الأبدية ؟ قال الله - تعالى - :فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ التوبة 38 ، ولكم أعظم الاعتبار فيما مضى من الأعمار ، هل أغنى متاع الأمس عن اليوم ؟ وهل يغني متاع اليوم عن الغد ؟ وهل نفع من كان قبلكم ما أُوتوا من زهرة الدنيا وما أكلوا من خضرتها وما لبسوا من فروتها وما تمتعوا به من لذتها ؟ ..
اضمحلت اللذات وبقيت الحسنات والسيئات ؛ فإياك أيها المسلمُ وكلَّ قاطع يقطعك عن الرب الرحيم وعن جنات النعيم ويوجب لك العذاب الأليم ؛ فالنفس الأمارة بالسوء والهوى والبدع والشهوات المحرمة والشبهات المضلة والمال الحرام والدنيا التي تصد عن الآخرة والتهاون عن الفرائض كلُّ ذلك من قطاع الطرق عن الجنة ..
وفي الحديث : " من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال كأنما صام الدهر" ، وقال الله - تعالى - :يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلَاقِيهِ * فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً * وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُوراً * وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاء ظَهْرِهِ * فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُوراً * وَيَصْلَى سَعِيرا الانشقاق 6 – 12 .
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ، ونفعنا بهدي سيد المرسلين وقوله القويم..
أقول قولي هذا ، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين ؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية :
الحمد لله الشكور الحليم الرحمن الرحيم ، أحمد ربه وأشكره وأتوب إليه وأستغفره ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له العلي العظيم ، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمداً عبده ورسوله .. الهادي إلى صراط مستقيم ، اللهم صلِّ وسلِّمْ وبارِكْ على عبدك ورسولك محمدٍ وعلى آله وصحبه ذوي الخلق الكريم .
أما بعد .. فاتقوا الله حق التقوى وتمسّكوا من الإسلام بالعروة الوثقى .
عباد الله .. لقد أمركم ربكم بإكمال عدة رمضان وتعظيمه - عز وجل - ورغبكم في شكره على ما من به عليكم .. فقال تعالى : .. وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَالبقرة 185 ، وشكر الله - تعالى - لأجل معونته لكم على طاعته وتوفيقه وحفظه للمسلم من معاصيه ، وليتبع الحسنة الحسنة ولكثرة النعم في رمضان وغيره ..
ومن أعظم نعم الله على عباده ما بسطه من الأمن الذي تؤدى في ظله الفرائض والعبادات ..
والأمن والإسلام متلازمان ؛ فالإسلام يطبق بطمأنينة في ظل الأمن .. قال تعالى : ..فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ..البقرة 196، وقال في الصلاة .. فَإِذَا أَمِنتُمْ فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَالبقرة 239 ..
والآيات والأحاديث في هذا كثيرة .
والأمن نعمة عظمى تنطوي على نعمٍ عظمى ، فمن الناس من شكرها فوُعِد بالمزيد كما قال - تعالى - : وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ .. إبراهيم 7 ، ومن الناس من لم يصبر على النعم ولم يشكر المنعم فعمل ضد النعمة فعوجل بالعقوبة ، وما الله بغافل عما يعمل العاملون .
ولم ينس الناس ما قامت به الفئة الضالة الخارجة عن جماعة المسلمين وإمامهم في رمضان من محاربة نعمة الأمن ومحاولة اغتيال الأمير / محمد بن نايف بن عبد العزيز ؛ فأردى الله الغادر في حفرته ورد الله الكيد على الماكرين .. والله يقول : ..وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ ..فاطر 43 ..
وذكر هذه الحادثة أكثر من مرة لشناعتها وقبحها وبراءة الإسلام من هذه الأعمال الإجرامية والتحذير من أهلها ، ولتحذير شباب المسلمين من مسلك الفساد في الأرض والانضواء تحت بدعة الخوارج الذين ذمهم الله - تعالى - ورسوله - صلى الله عليه وسلم - بل إن هذه الفئة أخبث من الخوارج ؛ فالخوارج ظاهرون في عداوتهم ولا يغدرون .. وهؤلاء غادرون مكرة .
اللهم احفظنا من مضلات الفتن ، اللهم احفظنا من مضلات الفتن . اللهم احفظنا وذرياتنا والمسلمين من مضلات الفتن.
عباد الله إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً الأحزاب – 56 ، وقال - صلى الله عليه وسلم - : " من صلى علي صلاةً واحدة صلى الله به عليه عشرا " ..
فصلوا وسلِّموا على سيد الأولين والآخرين وإمام المرسلين .. اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمد ، اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد ، اللهم بارك على محمدٍ وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد ، وسلم تسليماً كثيرا ..
اللهم وارض عن خلفائه الراشدين الأئمة المهديين - أبي بكر وعمر وعثمان وعلي – وعن سائر أصحاب نبيك محمد وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، اللهم وارض عنا معهم بمنِّك وكرمك ياأرحم الراحمين .
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الكفر والكافرين ، اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك ياقوي ياعزيز .
اللهم ألف بين قلوب المسلمين وأصلح ذات بينهم واهدهم سبل السلام ، وانصرهم على عدوك وعدوهم ياقوي ياعزيز .
اللهم اغفر لموتانا وموتى المسلمين .. ضاعف حسناتهم وتجاوز عن سيئاتهم يارب العالمين ، اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها ، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة ..
اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا ياأرحم الراحمين . اللهم أغثنا يا أرحم الراحمين . اللهم أغثنا يا أرحم الراحمين : .. ربَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَالبقرة 286 ..
اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح اللهم ولاة أمورنا ، اللهم وفق إمامنا لما تحب وترضى ، اللهم وفقه لهداك وأعنه على ما فيه الصلاح والإصلاح والخير للمسلمين ، اللهم وأصلح له بطانته ..
اللهم وفق ولي عهده لما تحب وترضى ، اللهم وفق النائب الثاني لما تحب وترضى ، اللهم وفقهم لهداك واحفظهم يارب العالمين .
اللهم إنا نسألك أن تؤلف بين المسلمين وبين ولاتهم على ما تحب وترضى وعلى ما فيه نصرة الإسلام والمسلمين وتحكيم شريعتك يارب العالمين إنك على كل شيء قدير : ..رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِالبقرة 201 .
عباد الله ..إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَالنحل - 90 ، وَأَوْفُواْبِعَهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَالنحل – 91 ..
اذكروا الله - العظيم الجليل - يذكركم ، واشكروه على نعمه يزدكم ، ولذكر الله أكبر ، والله يعلم ما تصنعون .
للاستماع
http://gate.gph.gov.sa/index.cfm?do=...audfiletype=rm (http://gate.gph.gov.sa/index.cfm?do=...audfiletype=rm)
6-10-1430 هـ
القاهافضيله الشيخ د أسامه بن عبدالله الخياط
عنوانها من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه (http://gate.gph.gov.sa/index.cfm?do=cms.AudioDetails&audioid=37893&audiotype=khutbah&browseby=khateebaudio)
الخطبة الأولى :
الحمد لله الذي أكمل لنا الدين وأتم علينا النعمة .. أحمده - سبحانه - رضي لنا الإسلام دينًا وجعلنا خير أمة ، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً تكون لمن استمسك بها خير عصمة ، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبد الله ورسوله بعثه للعالمين رحمة .. اللهم صلِّ وسلِّمْ على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه صلاةً تكون لنا نورًا في الدجى والظلمة .
أما بعد .. فاتقوا الله عباد الله ؛ فتقوى الله خير زادٍ في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد .
أيها المسلمون : إن حرص المرء على سلامة دينه وحسن إسلامه وصحة إيمانه دليلٌ ظاهرٌ وآيةٌ بينة وبرهانٌ شاهدٌ على رجاحة عقله واستقامة نهجه وكمال توفيقه ؛ فدين المسلم - ياعباد الله - هو دليله وقائده إلى كل سعادةٍ في حياته الدنيا وإلى كل فوزٍ ورفعةٍ في الآخرة لما جاء فيه من البينات والهدى الذي يستعصم به من الضلال وينأى به عن سبل الشقاء ومسالك الخسران ، ولقد أرشد رسول الله - صلى الله عليه وسلم ، وهو الحريص على كل خير لأمته الرؤوف الرحيم بها - إلى أدبٍ جامع وخصلةٍ شريفة وخلقٍ كريم يحسن به إسلام المرء ويبلغ به الغاية من رضوان الله .. وذلك ما جاء في الحديث الذي أخرجه الترمذي وابن ماجة في سننهما وابن حبان في صحيحه بإسنادٍ حسنٍ عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه " ..
وهذا الحديث كما قال الإمام ابن عبد البر - رحمه الله - من الكلام الجامع للمعاني الكثيرة الجليلة في الألفاظ القليلة ، وهو مما لم يقله أحدٌ قبله - صلى الله عليه وسلم - لأن من حسُن إسلامه ترَكَ ما لا يعنيه من الأقوال والأعمال ؛ إذ الإسلام يقتضي فعل الواجبات وترك المحرمات ، وإذا حسُن الإسلام استلزم ذلك ترك ما لا يعني من المحرمات والمشتبهات والمكروهات وفضول المباحات ، وهي القدر الزائد على الحاجة منها .. فإن هذا كله لا يعني المسلم إذا كمُل إسلامه وبلغ درجة الإحسان الذي أوضح رسول الهدى - صلى الله عليه وسلم - حقيقته في حديث سؤال جبريل - عليه السلام - عن الإسلام والإيمان والإحسان فقال : " أن تعبد الله كأنك تراه .. فإن لم تكن تراه فإنه يراك "أخرجه مسلمٌ في صحيحه من حديث أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - .
ومن عبَد الله على استحضار قربه من ربه أو قرب ربه منه فقد حسُن إسلامه ، ولزِم لذلك أن يترك كل ما لا يعنيه في الإسلام واشتغل بما يعنيه من صحة اعتقاد وكمال إيمان وصلاح عمل وطلب ما هو من ضرورات معاشه لا قيام لحياته بدونه من ألوان المباحات ..وعلى العكس من ذلك .. من أضاع نفائس الأوقات فيما لم تخلق له باشتغاله بما لا يعنيه .. فانصرف عما ينفعه ويرتفع بمقامه ويبلغ به صحيح الغايات وشريف المقاصد وكريم المنازل ، فخسر هنالك خسرانًا مبينا ..
ألا وإن من اشتغال المرء بما لا يعنيه : تعلُّم ما لا يُهم من العلوم وترك الأهم منها مما فيه صلاحُ قلبه وتزكية نفسه ونفع إخوانه ورفع شأن وطنه ورقي أمته .. ومنه أيضا عدم حفظ اللسان عن لغو الكلام وعن تتبع ما لا يُهم ولا ينفع تتبعه من أخبار الناس وأحوالهم وأموالهم ومقدار إنفاقهم وادخارهم وإحصاء ذلك عليهم ، والتنقيب عن أقوالهم وأعمالهم داخل دورهم وبين أهليهم وأولادهم بغير غرضٍ شرعيٍ سوى الكشف عما لا يعنيه من خاص شئونهم وخفي أمورهم .. ومن ذلك أيضا : تكلُّم المرء فيما لا يحسن ولا يتقنه مما لم يعرف له اختصاص فيه ولا سابق إلمام وخبرة به ، وما ذلك إلا لطب التسلي وإزجاء الوقت وإضاعته في تصدُّر المجالس وصرف الأنظار إليه ، وقد يخرج به ذلك إلى الخوض إلى ما لا يجوز الخوض فيه من أحاديث الفواحش والشهوات ووصف العورات وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات ونشر قالة السوء وبث الشائعات والأكاذيب والأخبار المفتريات ، وقد يجتمع على ذلك ولعٌ بما يسمى بـ (التحليلات والتوقعات) المبنية في غالبها على الظنون والأوهام والمجازفات والجرأة على الباطل بتصويره في صورة الحق، وكل ذلك مما لا يصح توقعه ولا الخوض فيها ولا الاستناد إليه ولا الاغترار به ولا العمل بمقتضاه .
ألا وإن مما يعين على ترك المرء ما يعنيه : تذكر أن الواجبات أكثر من الأوقات وأن العمر قصير كما أخبر بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الذي أخرجه الترمذي وابن ماجة في سننهما والحاكم في مستدركه بإسنادٍ صحيحٍ عن أبي هريرة وأنس رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين ، وأقلهم من يجوز ذلك " .. فمثل هذا العمر الذي لا يكاد يتسع لما يلزم ويجب أفيتسع للفضول وما لا يعني ؟ والمرء أيضا مسئول عن عمره فيما أفناه كما جاء في الحديث الذي أخرجه الترمذي في جامعه بإسنادٍ صحيحٍ عن أبي برزة الأسلمي - رضي الله عنه - أنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لا تزول قدم عبدٍ يوم القيامة حتى يُسألَ عن عمره فيما أفناه وعن علمه ما فعل فيه وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه وعن جسمه فيما أبلاه " ، وما يلفظ الإنسان من قول إلا وهو مسطَّرٌ في صحائفه مجزيٌّ به ليعلم أن للكلمة مسئوليةً وتبعةً كما قال - عز من قائل - : وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ * إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (16-18 سورة ق)
وظاهر الآية -كما قال الإمام ابن كثير - رحمه الله- : أن " الملك يكتب كل شيء من الكلام ، ويؤديه عموم قوله - سبحانه - : "مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ"؛ فهو شامل لكل قول .. وقد أخرج مالك في الموطأ وأحمد في مسنده والترمذي والنسائي وابن ماجة في سننهم بإسنادٍ صحيحٍ عن علقمة الليثي عن بلال بن الحارث رضي الله عنه أنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله - تعالى - ما يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب الله بها رضوانه إلى يوم يلقاه ، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله - تعالى - ما يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب الله عليه بها سخطه إلى يوم يلقاه " .. فكان علقمة الليثي - رحمه الله - يقول : كم من كلامٍ قد منعني منه حديث بلال بن الحارث ؛ أي هذا الحديث وما فيه من وعيد .
أما حكم التصدر وصرف الأنظار فهو مقصودٌ ذميم وخصلةٌ مرذولةٌ لا يجتني من بُلِي بها سوى المقت من الله ومن الذين آمنوا .
فاتقوا الله عباد الله واعملوا على الاقتداء بالصفوة من عباد الرحمن في ترك ما لا يعني من الأقوال والأعمال ..أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولي الألباب.
نفعني الله وإياكم بهدي كتابه وبسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب ؛ إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية :
الحمد لله الذي يهدي من يشاء إلى صراطٍ مستقيم .. أحمده - سبحانه - وهو البر الرؤوف الرحيم ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبد الله ورسوله صاحب النهج الراشد والخلق القويم .. اللهم صلِّ وسلِّمْ على عبدك ورسولك محمدٍ وعلى آله وصحبه أفضل صلاةٍ وأتم تسليم .
أما بعد .. فياعباد الله نُقِل عن الحسن البصري - رحمه الله - قوله : " من علامة إعراض الله عن العبد أن يجعل شغله فيما لا يعنيه " ؛ فعلى العاقل الذي يرجو الله والدار الآخرة إذن أن يقبل على شأنه حافظًا للسانه بصيرًا بزمانه وأن يعُد كلامه من عمله ؛ فإن من عَدَّ كلامه من عمله قلَّ كلامه إلا فيما يعنيه .. ذلك أن أكثر ما يقصد بترك ما لا يعني -كما قال الحافظ ابن رجب - رحمه الله – : " حِفْظ اللسان عن لغْو الكلام ، وحسبه ضررًا أن يشغل صاحبه عن ألوانٍ كثيرةٍ من الخير الذي يسمو به مقامه ويعلو به قدره وتشرف به منزلته وتطيب به حياته وتحسن به عاقبته " .
ألا فاتقوا الله عباد الله واحرصوا على ما ينفعكم في دنياكم وأخراكم ، واذكروا على الدوام أن الله - تعالى - قد أمركم بالصلاة والسلام على خاتم النبيين وإمام المرسلين ورحمة الله للعالمين فقال - سبحانه - في الكتاب المبين : إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ( 56 سورة الأحزاب) .
اللهم صلِّ وسلِّمْ على عبدك ورسولك محمدٍ ، وارضَ اللهم عن خلفائه الأربعة - أبي بكر وعمر وعثمان وعلي - وعن سائر الآل والصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين ، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك ياخير ما تجاوز وعفا .
اللهم أعز الإسلام والمسلمين . اللهم أعز الإسلام والمسلمين . اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، واحم حوزة الدين ، ودمر أعداء الدين وسائر الطغاة والمفسدين ، وألِّفْ بين قلوب المسلمين ووحد صفوفهم ، وأصلح قادتهم واجمع كلمتهم على الحق يارب العالمين .. اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - وعبادك المؤمنين المجاهدين الصادقين.
اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا ، وأيد بالحق إمامنا وولي أمرنا ، وهيئ له البطانة الصالحة ، ووفقه لما تحب وترضى ياسميع الدعاء ، اللهم وفقه ونائبيه وإخوانه إلى ما فيه خير الإسلام والمسلمين وإلى ما فيه صلاح العباد والبلاد يامن إليه المرجع يوم التناد .. اللهم احفظ هذه البلاد حائزةً لكل خير سالمةً من كل شرٍّ وسائر بلاد المسلمين يارب العالمين .
الله أحسن عاقبتنا في الأمور كلها ، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة .. اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا ، واجعل الحياة زيادةً لنا في كل خير والموت راحةً لنا من كل شر .. اللهم إنا نسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين ، وأن تغفر لنا وترحمنا ، وإذا أردت بقومٍ فتنةً فاقبضنا إليك غير مفتونين .
اللهم اشف مرضانا ، وارحم موتانا ، وبلغنا فيما يرضيك آمالنا ، واختم بالصالحات أعمالنا .. ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لننكونن من الخاسرين .
اللهم آتنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً وقنا عذاب النار ، وصلِّ الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين ، والحمد لله رب العالمين .
للاستماع
http://gate.gph.gov.sa/index.cfm?do=...audfiletype=rm (http://gate.gph.gov.sa/index.cfm?do=...audfiletype=rm)
خطبة الجمعة من المسجد النبوي
6-10-1430 هـ
القاها فضيله الشيخ علي بن عبدالرحمن الحذيفي
عنوانها ما بعد رمضان
الخطبة الأولى :
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمداً عبده ورسوله .. بعثه الله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون ، اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين .
أما بعد ، فاتقوا الله في السر والعلانية ، فقد فاز وسعد من اتقاه وخاب وخسر من أسخط مولاه .
عباد الله .. اشكروا نعم الله عليكم ، واذكروه بهذه النعم الظاهرة والباطنة التي لا يقدر أحد أن يسوقها إليكم غيرُه .. كما لا يقدر أحد أن يدفع عنكم العقوبات والنقم غيرُ الله ..قال الله - تعالى - :وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ ..النحل 53 ، وقال - تعالى - :إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا .. الحج 38 ، وقال - عز وجل - :.. قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَالزمر 38 ..
وأعظم ما أنعم الله به عليكم - معشر المسلمين - الفرائض التي تطهركم وتزكيكم وتربيكم وترفع درجاتكم وتضاعف حسناتكم وتقربكم إلى مولاكم في جنة الخلد في النعيم المقيم ، كما أنعم عليكم بتحريم المحرمات والمعاصي التي تدنِّس النفوس وتذل صاحبها وتخزيه في الدنيا والآخرة وتورده المهالكَ وتنزل به العقوبات العاجلة والآجلة وتوبقه في جهنم في العذاب المقيم ؛ فالرب - تبارك وتقدس - لا تنفعه طاعة الطائعين ولا تضره معصية العاصين .. قال الله - تعالى - :إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِالزمر 7 .
وشهر رمضان المبارك شهر القرآن والإحسان قد نلتم به الخيرات والبركات ونلتم به كل خير ورفعكم الله به درجات وزكَّى به نفوسكم وأعظم به أجوركم ؛ فأتبعوا الاستقامة فيه بالاستقامة فيما بقي من الأجل ، وسارعوا دائما إلى صالح العمل ؛ فبالاستقامة تنالون كل مرغوب وتنجون من كل شرٍّ ومرهوب .. قال الله – تعالى- : إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلاً مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍفصلت 30 – 32 ، وقال الله - تبارك و تعالى- :إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَالأحقاف 31 ، وقال - عز وجل - :فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ ..الشورى 15 ..
وعن سفيان بن عبد الله - رضي الله عنه - قال : " قلت يارسول الله .. قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً غيرك ، قال : قل آمنت بالله ثم استقم " رواه مسلم .
فيامن ذقت حلاوة الإيمان ويامن صفت لك الأوقات في رمضان ويامن تلذذت بمناجاة الرحمن وتلاوة القرآن ويامن أنفقت في أبواب الإحسان لا تتبدل العصيان بطاعة الملك الديان ولا تتبدل الغفلة والاغترار بالدنيا بحياة الجنان ، وإياك وخطوات الشيطان ؛ فقد كان في رمضان مأسورا ويريد أن يجعل الأعمال بعد انطلاقه هباءً منثورا ؛ فرده خائباً مدحورا بلزوم تقوى الله - تبارك وتعالى - وكن متمسكاً بالقرآن لتنجو من دار الهوان ويرفعك الله بالتمسك به وبسنة نبيه محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - إلى ما أعد لأهل الإحسان ..
وما أجمل فعل الحسنات بعد الحسنات وما أقبح فعل السيئات بعد الطاعات ! فالحسنة بعد الحسنة زيادةٌ في الثواب ورضوان من العزيز الوهاب .. قال الله - تعالى - :وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْمحمد 17 ، وقال - تعالى - :وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ مَّرَدّاًمريم 76 ..
والحسناتُ بعد السيئات تكفيرٌ للسيئات وعظيمُ ثوابٍ للأعمال الصالحات .. قال الله - عز وجل - :وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَهود 11 ، وعن معاذ - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " اتق الله حيثما كنت ، وأتبع السيئة الحسنة تمحها ، وخالق الناس بخلق حسن " .
والسيئات بعد الحسنات إمَّا أن تبطلها فيحرم العاملُ الثوابَ وإما أن تنقص ثوابها ولابد .. قال الله - تعالى - :يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْمحمد 33 ..
وقد ذُكِرَ أن السلف كانوا يدعون الله - تعالى - ستة أشهرٍ أن يبلِّغهم رمضانَ ويدعون الله ستة أشهر أن يتقبل منهم رمضان ، وقيل لبشر الحافي - رحمه الله - :" إن قوماً يجتهدون في رمضان فإذا ولَّى تركوا ، فقال : بئس القوم .. لا يعرفون الله إلا في رمضان ! " ، ورب الشهور هو الواحد الأحد الذي يتقرب إليه العباد بما يحب في كل وقت .
ياابن آدم .. إن الدنيا ليست بدار خلود ، فما أقصرَ مدتَها وما أسرع انقضاءَ أيامها ، والرب - تبارك اسمه - يقول :وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَن لَّمْ يَلْبَثُواْ إِلاَّ سَاعَةً مِّنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَاء اللّهِ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَيونس 45 ، وقال - تعالى - :.. وَلَا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ .. الأحقاف 35 ، وقال -عز وجل - :وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ .. الروم 55 ..
ومقدار هذا الزمن هو مدة بقائهم في قبورهم إلى خروجهم منها بدليل قول الله - تعالى - :قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ * قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ * قَالَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً لَّوْ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ المؤمنون 112 – 114 ، وأما مدة حياة الإنسان قبل الموت فهو يعرفها ويعلم جيداً قدرها القصير إذا نزل به الموت وكأنها لحظة قضاها ..
فإذا كان زمن البرزخ وهو دهور متطاولة وأحقاب متعاقبة ممتدة الآماد لا يحيط بها إلا الله لعظم مدتها .. إذا كان لبث الناس في قبورهم كأنه ساعة .. ألا تجعل بقية عمرك في طاعة ربك وتقدم لحياتك الأبدية ؟ قال الله - تعالى - :فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ التوبة 38 ، ولكم أعظم الاعتبار فيما مضى من الأعمار ، هل أغنى متاع الأمس عن اليوم ؟ وهل يغني متاع اليوم عن الغد ؟ وهل نفع من كان قبلكم ما أُوتوا من زهرة الدنيا وما أكلوا من خضرتها وما لبسوا من فروتها وما تمتعوا به من لذتها ؟ ..
اضمحلت اللذات وبقيت الحسنات والسيئات ؛ فإياك أيها المسلمُ وكلَّ قاطع يقطعك عن الرب الرحيم وعن جنات النعيم ويوجب لك العذاب الأليم ؛ فالنفس الأمارة بالسوء والهوى والبدع والشهوات المحرمة والشبهات المضلة والمال الحرام والدنيا التي تصد عن الآخرة والتهاون عن الفرائض كلُّ ذلك من قطاع الطرق عن الجنة ..
وفي الحديث : " من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال كأنما صام الدهر" ، وقال الله - تعالى - :يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلَاقِيهِ * فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً * وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُوراً * وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاء ظَهْرِهِ * فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُوراً * وَيَصْلَى سَعِيرا الانشقاق 6 – 12 .
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ، ونفعنا بهدي سيد المرسلين وقوله القويم..
أقول قولي هذا ، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين ؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية :
الحمد لله الشكور الحليم الرحمن الرحيم ، أحمد ربه وأشكره وأتوب إليه وأستغفره ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له العلي العظيم ، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمداً عبده ورسوله .. الهادي إلى صراط مستقيم ، اللهم صلِّ وسلِّمْ وبارِكْ على عبدك ورسولك محمدٍ وعلى آله وصحبه ذوي الخلق الكريم .
أما بعد .. فاتقوا الله حق التقوى وتمسّكوا من الإسلام بالعروة الوثقى .
عباد الله .. لقد أمركم ربكم بإكمال عدة رمضان وتعظيمه - عز وجل - ورغبكم في شكره على ما من به عليكم .. فقال تعالى : .. وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَالبقرة 185 ، وشكر الله - تعالى - لأجل معونته لكم على طاعته وتوفيقه وحفظه للمسلم من معاصيه ، وليتبع الحسنة الحسنة ولكثرة النعم في رمضان وغيره ..
ومن أعظم نعم الله على عباده ما بسطه من الأمن الذي تؤدى في ظله الفرائض والعبادات ..
والأمن والإسلام متلازمان ؛ فالإسلام يطبق بطمأنينة في ظل الأمن .. قال تعالى : ..فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ..البقرة 196، وقال في الصلاة .. فَإِذَا أَمِنتُمْ فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَالبقرة 239 ..
والآيات والأحاديث في هذا كثيرة .
والأمن نعمة عظمى تنطوي على نعمٍ عظمى ، فمن الناس من شكرها فوُعِد بالمزيد كما قال - تعالى - : وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ .. إبراهيم 7 ، ومن الناس من لم يصبر على النعم ولم يشكر المنعم فعمل ضد النعمة فعوجل بالعقوبة ، وما الله بغافل عما يعمل العاملون .
ولم ينس الناس ما قامت به الفئة الضالة الخارجة عن جماعة المسلمين وإمامهم في رمضان من محاربة نعمة الأمن ومحاولة اغتيال الأمير / محمد بن نايف بن عبد العزيز ؛ فأردى الله الغادر في حفرته ورد الله الكيد على الماكرين .. والله يقول : ..وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ ..فاطر 43 ..
وذكر هذه الحادثة أكثر من مرة لشناعتها وقبحها وبراءة الإسلام من هذه الأعمال الإجرامية والتحذير من أهلها ، ولتحذير شباب المسلمين من مسلك الفساد في الأرض والانضواء تحت بدعة الخوارج الذين ذمهم الله - تعالى - ورسوله - صلى الله عليه وسلم - بل إن هذه الفئة أخبث من الخوارج ؛ فالخوارج ظاهرون في عداوتهم ولا يغدرون .. وهؤلاء غادرون مكرة .
اللهم احفظنا من مضلات الفتن ، اللهم احفظنا من مضلات الفتن . اللهم احفظنا وذرياتنا والمسلمين من مضلات الفتن.
عباد الله إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً الأحزاب – 56 ، وقال - صلى الله عليه وسلم - : " من صلى علي صلاةً واحدة صلى الله به عليه عشرا " ..
فصلوا وسلِّموا على سيد الأولين والآخرين وإمام المرسلين .. اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمد ، اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد ، اللهم بارك على محمدٍ وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد ، وسلم تسليماً كثيرا ..
اللهم وارض عن خلفائه الراشدين الأئمة المهديين - أبي بكر وعمر وعثمان وعلي – وعن سائر أصحاب نبيك محمد وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، اللهم وارض عنا معهم بمنِّك وكرمك ياأرحم الراحمين .
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الكفر والكافرين ، اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك ياقوي ياعزيز .
اللهم ألف بين قلوب المسلمين وأصلح ذات بينهم واهدهم سبل السلام ، وانصرهم على عدوك وعدوهم ياقوي ياعزيز .
اللهم اغفر لموتانا وموتى المسلمين .. ضاعف حسناتهم وتجاوز عن سيئاتهم يارب العالمين ، اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها ، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة ..
اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا ياأرحم الراحمين . اللهم أغثنا يا أرحم الراحمين . اللهم أغثنا يا أرحم الراحمين : .. ربَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَالبقرة 286 ..
اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح اللهم ولاة أمورنا ، اللهم وفق إمامنا لما تحب وترضى ، اللهم وفقه لهداك وأعنه على ما فيه الصلاح والإصلاح والخير للمسلمين ، اللهم وأصلح له بطانته ..
اللهم وفق ولي عهده لما تحب وترضى ، اللهم وفق النائب الثاني لما تحب وترضى ، اللهم وفقهم لهداك واحفظهم يارب العالمين .
اللهم إنا نسألك أن تؤلف بين المسلمين وبين ولاتهم على ما تحب وترضى وعلى ما فيه نصرة الإسلام والمسلمين وتحكيم شريعتك يارب العالمين إنك على كل شيء قدير : ..رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِالبقرة 201 .
عباد الله ..إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَالنحل - 90 ، وَأَوْفُواْبِعَهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَالنحل – 91 ..
اذكروا الله - العظيم الجليل - يذكركم ، واشكروه على نعمه يزدكم ، ولذكر الله أكبر ، والله يعلم ما تصنعون .
للاستماع
http://gate.gph.gov.sa/index.cfm?do=...audfiletype=rm (http://gate.gph.gov.sa/index.cfm?do=...audfiletype=rm)