همي الدعوه
06 Aug 2009, 03:23 AM
هدية الموت
الكاتب : خالد أبو صالح
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فالهداية في أصلها شيء جميل، وشعور نبيل، فهي عنوان محبة، وبريد مودة، يهديها المحب لحبيبه، ويبعث بها الصديق لصديقه، ويقدمها الوالد لأبنائه، وقلبه يدعو لهم، ويتمنى لهم كل توفيق وهداية، ودوام صحة وعافية.
ويوم تتحول الهداية إلى قنبلة يُنتظر انفجارها في أي لحظة، ويوم تتحول إلى أداة إفساد وقتل للأبرياء، تخرج عن معناها الحقيقي إلى معنى آخر لا يرضاه الإسلام ولا يقره.
نقول ذلك لأن من الآباء من يقدم لأبنائه هدية الموت، وجائزة العجز والهلاك.
نقول ذلك لأن من الآباء من يدفعون أبناءهم إلى الانتحار، ويقدمون لهم السلاح الذي يذبحون به أنفسهم، بل ويذبحون به غيرهم من الناس.
قد تستغرب أخي الكريم هذا الكلام، ولكنها الحقيقة التي لا تزال تصدمنا كل يوم في الشوارع والطرقات والميادين العامة، والتي نطالعها كثيراً في وسائل الإعلام المختلفة، غير أننا نعمى عنها، ونمر عليها مرور الكرام، دون اتعاظ أو اعتبار.
لماذا لا نتعظ بما يجري لغيرنا؟ أليس السعيد من وعُظ بغيره؟
لماذا لا نتعلم إلا إذا كان الضحية ابناً من أبنائنا حصدته هدية الموت التي حصدت آلافاً من الشباب غيره؟
إن هدية الموت أيها الأب المبارك هي السيارة التي يعطيها الوالد لولده، الذي لم يبلغ مبلغ العقلاء، ولم يأنس منه والده رشداً واتزاناً.
كيف تسمح لولدك بقيادة السيارة وأنت تعلم عن العجلة والتهور وعدم التأني في كثير من أموره؟
كيف تشتري لولدك سيارة وهو لم يبلغ السن المسموح له فيها بقيادة السيارة بنفسه؟
كيف تشتري لولدك السيارة، وأنت تعلم أنه لم يدرك قيمة النعمة، ولم يتعود المحافظة عليها؟
كيف تمكن ولدك من قيادة السيارة، وأنت تعلم أن أصدقاءه من فصيلة أصحاب السوء، وشلل الفساد، ولصوص الأوقات؟
أتظن بذلك أنك ستجعل منه رجلاً يعتمد على نفسه؟
كلا والله، فإن السيارات لا تصنع الرجال، ولكنها مع المراهقين تصنع أجيالاً من المفحطين المعربدين العابثين بأمن المجتمع، المستهزئين بحياة البشر.
إن مصانع الرجال الحقيقية هي بيوت الله عز وجل، فهل جربت أخي الوالد أن تربط أبناءك بالمساجد؟
هل جربت أن تجعلهم من المحافظين على الصلوات الخمس في الجماعة؟
هل جربت أن تربطهم بحلقات تحفيظ القرآن الكريم؟
إن ذلك أخي الوالد هو الذي يصنع الشباب المؤمن التقي المؤهل لقيادة نفسه أولاً وكبح جماح رغباتها.
فمثل هذا الشاب إذا قاد سيارته كان حذراً في قيادته، عارفاً بقواعد المرور، ملتزماً بسلوكيات الطريق، محافظاً على النعمة التي بين يديه، فلا يهينها، ولا يفسدها، ولا يعرضها للحوادث والصدمات.
ولا تمش في الأرض مرحاً
أما الشباب الآخر الذي تربى على القنوات الفضائية وأغاني الفيديو كليب، فإنه ينطلق بسيارته كالريح، يسابق الزمن، مع أن الوقت هو أرخص ما لديه يضيعه، يدفعه غروره إلى تجاوز الآخرين والتضييق عليهم وتعريضهم للأخطار والحوادث.
يسير في الطريق وكأنه ملك له وحده، لا يحق لغيره أن يشاركه فيه، ولا يريد أن يرى سيارة أمامه، وإذا حدث ذلك أخذ يقلب في وجه سائقها أنوار سيارته حتى يضطره إلى الاستسلام والبعد عنه.
أما إذا تجاوزته إحدى السيارات اعتبر ذلك عاراً في جبينه، فلا يهدأ أو يقرّ له قرار حتى يتجاوزها، وإن كلفه ذلك المراوغة في الطريق والسير بين السيارات.
يسير وقد رفع صوت المسجل عالياً على الأغاني الصاخبة التي يدفعه ضجيجها وصخبها إلى مزيد من السرعة والتهور وإيذاء الآخرين.
يسير وهو يردد كلمات الأغنية ويتلوى بجسمه كالحية طرباً نشواناً.
يسير وقد غفل عن حق الطريق، وحق الآخرين وحق الدولة في التزام المرور وأنظمته.
يسير وقد غفل عن الله ولقائه، وكأن بينه وبين الموت سداً منيعاً، وأحقاباً متعاقبة.
وفجأة... وفي لحظة لم يحسب حسابها.. تقع الكارثة، وتتحول سيارته التي يتباهى بها إلى كوم من حديد ضاعت معالمها.. ويتحول هو كذلك إلى أشلاء.
أين الشباب؟.. أين الفرح والنشوة؟.. أين السرعة وترويع الآخرين؟.. أين الاستهزاء بأصحاب المراكب القديمة والسخرية من سيرهم؟
ضاع كل ذلك، والسبب هو: هدية الموت
وقيل ذلك التربية السيئة، وتفريط الآباء في الإصلاح والإرشاد والتوجيه.
مخاطر قيادة المراهقين للسيارات
إن مخاطر قيادة المراهقين للسيارات كثيرة، فالمراهق يريد أن يظهر أمام أقرانه والآخرين بصورة البطل المغوار، وإن كلفه ذلك روحه وأرواح الأبرياء من المارة؟
المراهق: لا يستطيع أن يتحكم بسرعة في إيقاف سيارته عند مواجهة خطر داهم، أو لتفادي الاصطدام بسيارة أمامه، أو عابر يعبر الطريق أمام سيارته، بسبب بطء الاستجابة لديه عند مواجهة المثيرات التي تظهر أمامه أثناء قيادته للسيارة، وطول زمن الرجع لديه، وهو الزمن الذي بين ظهور المثير والاستجابة وعدم تقدير المسافة بينه وبين السيارات التي أمامه، أو العوائق التي تعترض طريقه، وعدم التركيز في القيادة، والتفكير في أمور أخرى أثناء القيادة، وعدم تقدير العواقب، وعد الاكتراث بما يدور حوله، هذا بالإضافة إلى ابتهاج المراهق بالسرعة الفائضة التي يقود بها الآلة العجماء التي يركبها بمفرده أو مع زملائه المرهقين.
قصـــة
روي أن شاباً من هؤلاء الشباب وقع له حادث سيارة، وهو على الحالة من الاستهتار، فجاء إليه رجل المرور، وكان في الرمق الأخير، فأغلق المسجل الذي تعالت من خلاله صوت المغنية بكلمات الحب والعشق والغرام، وحاول رجل المرور أن يلقنه الشهادة، فأخذ يقول: أمامه: لا إله إلا الله.. لا إله إلا الله.. فلم ير منه تجاوباً.. فقال له: قل: لا إله إلا الله، فما كان من هذا الشاب المحتضر إلا أن قام بسب الدين والإسلام سباً فاحشاً منكراً، ثم مات على ذلك، وكانت تلك خاتمته.
تغيير الاهتمامات
إن الواجب على الآباء ألا يكون شغلهم الشاغل هو توفير ما به قيام أبدان أبنائهم من طعام وشراب ولباس ومراكب وغيرها، ويغفلون عن زاد الروح، وهي التربية الإيمانية التي تخرج الأجيال الصالحة القادرة على قيادة نفسها ومجتمعاتها نحو الأفضل.
إن الوالد الذي يمكن ابنه من قيادة السيارة، ويعلم عنه التهور والانفلات والصحبة السيئة، متعاون على الإثم والعدوان، والله تعالى يقول:
{وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2]
فمثله كمثل بائع السكين الذي يبيعها لمن يعلم أنه سيرتكب بها جريمة قتل أو نهب أو اعتداء.
فكم من الآباء ذهبوا ضحية حدث متهور يريد لفت الأنظار إليه بجنونه وسفهه؟
كم من الأطفال تيتموا؟
كم من الزوجات ترملن؟
كم من الأبناء شردوا بسبب فقد عائلتهم؟
كم من الشباب راحوا ضحية تلك الهدية القاتلة؟
كم من الشباب تكسرت عظامهم وأصبحوا عالة على أسرهم ومجتمعاتهم.
إننا ندعوا الآباء لمراجعة أنفسهم والنظر في العواقب، حتى لا يذرفوا دموع الندم في وقت لا ينفع فيه الندم.
نصيحة للآباء
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
"نصيحتي للآباء ألاّ يمكنوا أبناءهم الصغار من قيادة السيارات، حتى وإن كان لهم وجهة نظر يظنونها صحيحة، فإن بعضهم يقول: أنا أمكنه من قيادة السيارة، لأستغني به عن جلب سائق لا ندري ما ثقته، ولا ندري عن نزاهته، فهذا ابني أستغني به عن غيره، وهذه ليست وجهة صحيحة، بل إن هؤلاء الصغار يكون في قيادتهم خطر عليهم، ويكون خطر منهم، وتحصل بسبب ذلك حوادث كثيرة.
ولقد شاهدت منذ زمن صبياً يقود سيارته، فلما أراد أن ينعطف بميناً ما استطاع أن يرى الشارع الأيمن، فوقف على قدميه لينظر حتى يعطف السيارة، هل هذا معقول أن يمكن هؤلاء من قيادة السيارات؟
وإذا كان الله تعالى نهانا أن نعطي أموالنا السفهاء، فكيف نعطيهم أو نوليهم قيادة السيارة التي يكون فيها خطر عليهم وعلى غيرهم؟
الحوادث في أرقام
في إحصاءات رصدها المقدم متقاعد عبد الله الكعيد، وقدمها في إحدى المناسبات المرورية، ظهر أن حوادث السيارات تقتل سنوياً في جميع دول العالم ما يفوقق 300 ألف إنسان!! وتصيب ما بين 10-15 مليون إنسان!!
أي أن هناك حالة وفاة كل 50 ثانية وإصابة كل ثانية واحدة!!
وتتصدر قارة أوربا عدد القتلى سنوياً بعدد 80 ألف إنسان!! تليها قارتا أمريكا وآسيا اللتان يقع في كل منهما 70 ألف قتيل!! ثم أفريقيا بواقع 40 ألف قتيل سنوياً!!
وفي دول مجلس التعاون الخليجي يبلغ معدل الوفيات السنوي من الحوادث 5505 من الأفراد، أي أن هناك 16 حالة وفاة يومياً، وتصل الإصابات إلى نحو 54,3 ألف إصابة، بمعدل 149 إصابة يومياً.
وخسرت المملكة العربية السعودية منذ عام 1971 حتى 1995 ما يقارب 65 ألف قتيل!! ونحو 50 ألف مصاب، نتيجة وقوع 800 ألف حادث خلال هذه الفترة!!
فتـوى
سؤال فضيلة الشيخ: يكثر في هذه الأيام خروج بعض الشباب للدوران في البراري ويسمى عندهم (التطعيس)، فنجد بعضهم يمضي جلَّ ليله يجوب الرمال صعوداً ونزولاً، ومن جراء ذلك ما يلي:
أولاً: تحميل السيارات أكثر مما تطيق، ولربما أفسدها، وقصر من عمرها.
ثانياً: إزعاج الناس وإيذاؤهم، خصوصاً إذا جلس الرجل مع عائلته.
ثالثاً: إتلاف ما من الله به علينا من نبات، فلا تكاد تجد مكاناً إلا وقد أفسدته السيارات.
رابعاً: ما حدث من حوادث رهيبة، ذهب ضحيتها بعض الناس، أو أصابهم بعض الجروح والكسور.
خامساً: ما يفعله بعضهم من قفز للسيارات بالدراجات النارية، وذلك بأن يجعلوا السيارات مصفوفة تحت كثبان الرمال، ثم يأتي السائق في دراجته من أعلى الكثبان، ويقفز إلى الجهة المقابلة، فما حكم ذلك كله، وبم تنصحون الأولياء، وما توجهون به الشباب، وتوجيهاتكم للجهات الأمنية؟
الجـواب:
كل هذه الأشياء التي ذكرها السائل كلها محذورة، وبعضها يقع كثيراً، وبعضها يقع قليلاً، والواجب على الشاب المسلم أن يعرف قدر نفسه، وأنه مسلم مؤمن بالله عز وجل، ممتثل لأمره، وفي هذه الأشياء من المفاسد ما هو ظاهر في إضاعة المال وإفساده، والخطر العظيم فيما ذكر هو إيذاء المؤمنين، لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً} [الأحزاب: 58]
وإن الفاعل لهذا لا شك أنه سفيه، وقد قال الله تعالى: {وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِيَاماً} [النساء: 5]
أما الجهات الأمنية: فإن الواجب عليها أن تمنع ما فيه الشر والفساد بقدر المستطاع، ولكن الخطوة الأولى قبل تدخل الجهات الأمنية، هي تحذير الشباب الذي له قول مقبول عند الآخرين، ينبغي أن يكثر التحذير من هذا، وبيان أن هذا منافٍ للشرع والعقل والحلم والرجولة.
وعلى أولياء الأمور الذين يستطيعون أن يمنعوا أبناءهم من ذلك، عليهم أن يمنعوهم، حتى من الخروج إذا كان خروجهم على هذا الوجه، لأن هذا ليس من مصلحتهم، بل سيعود عليهم بالضرر، دنيا وأخرى، وحينئذٍ يغلب الشاب جانب العقل على جانب السفه، وجانب الصلاح على جانب الفساد.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
إعداد خالد أبو صالح
طريق الإيمان
الكاتب : خالد أبو صالح
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فالهداية في أصلها شيء جميل، وشعور نبيل، فهي عنوان محبة، وبريد مودة، يهديها المحب لحبيبه، ويبعث بها الصديق لصديقه، ويقدمها الوالد لأبنائه، وقلبه يدعو لهم، ويتمنى لهم كل توفيق وهداية، ودوام صحة وعافية.
ويوم تتحول الهداية إلى قنبلة يُنتظر انفجارها في أي لحظة، ويوم تتحول إلى أداة إفساد وقتل للأبرياء، تخرج عن معناها الحقيقي إلى معنى آخر لا يرضاه الإسلام ولا يقره.
نقول ذلك لأن من الآباء من يقدم لأبنائه هدية الموت، وجائزة العجز والهلاك.
نقول ذلك لأن من الآباء من يدفعون أبناءهم إلى الانتحار، ويقدمون لهم السلاح الذي يذبحون به أنفسهم، بل ويذبحون به غيرهم من الناس.
قد تستغرب أخي الكريم هذا الكلام، ولكنها الحقيقة التي لا تزال تصدمنا كل يوم في الشوارع والطرقات والميادين العامة، والتي نطالعها كثيراً في وسائل الإعلام المختلفة، غير أننا نعمى عنها، ونمر عليها مرور الكرام، دون اتعاظ أو اعتبار.
لماذا لا نتعظ بما يجري لغيرنا؟ أليس السعيد من وعُظ بغيره؟
لماذا لا نتعلم إلا إذا كان الضحية ابناً من أبنائنا حصدته هدية الموت التي حصدت آلافاً من الشباب غيره؟
إن هدية الموت أيها الأب المبارك هي السيارة التي يعطيها الوالد لولده، الذي لم يبلغ مبلغ العقلاء، ولم يأنس منه والده رشداً واتزاناً.
كيف تسمح لولدك بقيادة السيارة وأنت تعلم عن العجلة والتهور وعدم التأني في كثير من أموره؟
كيف تشتري لولدك سيارة وهو لم يبلغ السن المسموح له فيها بقيادة السيارة بنفسه؟
كيف تشتري لولدك السيارة، وأنت تعلم أنه لم يدرك قيمة النعمة، ولم يتعود المحافظة عليها؟
كيف تمكن ولدك من قيادة السيارة، وأنت تعلم أن أصدقاءه من فصيلة أصحاب السوء، وشلل الفساد، ولصوص الأوقات؟
أتظن بذلك أنك ستجعل منه رجلاً يعتمد على نفسه؟
كلا والله، فإن السيارات لا تصنع الرجال، ولكنها مع المراهقين تصنع أجيالاً من المفحطين المعربدين العابثين بأمن المجتمع، المستهزئين بحياة البشر.
إن مصانع الرجال الحقيقية هي بيوت الله عز وجل، فهل جربت أخي الوالد أن تربط أبناءك بالمساجد؟
هل جربت أن تجعلهم من المحافظين على الصلوات الخمس في الجماعة؟
هل جربت أن تربطهم بحلقات تحفيظ القرآن الكريم؟
إن ذلك أخي الوالد هو الذي يصنع الشباب المؤمن التقي المؤهل لقيادة نفسه أولاً وكبح جماح رغباتها.
فمثل هذا الشاب إذا قاد سيارته كان حذراً في قيادته، عارفاً بقواعد المرور، ملتزماً بسلوكيات الطريق، محافظاً على النعمة التي بين يديه، فلا يهينها، ولا يفسدها، ولا يعرضها للحوادث والصدمات.
ولا تمش في الأرض مرحاً
أما الشباب الآخر الذي تربى على القنوات الفضائية وأغاني الفيديو كليب، فإنه ينطلق بسيارته كالريح، يسابق الزمن، مع أن الوقت هو أرخص ما لديه يضيعه، يدفعه غروره إلى تجاوز الآخرين والتضييق عليهم وتعريضهم للأخطار والحوادث.
يسير في الطريق وكأنه ملك له وحده، لا يحق لغيره أن يشاركه فيه، ولا يريد أن يرى سيارة أمامه، وإذا حدث ذلك أخذ يقلب في وجه سائقها أنوار سيارته حتى يضطره إلى الاستسلام والبعد عنه.
أما إذا تجاوزته إحدى السيارات اعتبر ذلك عاراً في جبينه، فلا يهدأ أو يقرّ له قرار حتى يتجاوزها، وإن كلفه ذلك المراوغة في الطريق والسير بين السيارات.
يسير وقد رفع صوت المسجل عالياً على الأغاني الصاخبة التي يدفعه ضجيجها وصخبها إلى مزيد من السرعة والتهور وإيذاء الآخرين.
يسير وهو يردد كلمات الأغنية ويتلوى بجسمه كالحية طرباً نشواناً.
يسير وقد غفل عن حق الطريق، وحق الآخرين وحق الدولة في التزام المرور وأنظمته.
يسير وقد غفل عن الله ولقائه، وكأن بينه وبين الموت سداً منيعاً، وأحقاباً متعاقبة.
وفجأة... وفي لحظة لم يحسب حسابها.. تقع الكارثة، وتتحول سيارته التي يتباهى بها إلى كوم من حديد ضاعت معالمها.. ويتحول هو كذلك إلى أشلاء.
أين الشباب؟.. أين الفرح والنشوة؟.. أين السرعة وترويع الآخرين؟.. أين الاستهزاء بأصحاب المراكب القديمة والسخرية من سيرهم؟
ضاع كل ذلك، والسبب هو: هدية الموت
وقيل ذلك التربية السيئة، وتفريط الآباء في الإصلاح والإرشاد والتوجيه.
مخاطر قيادة المراهقين للسيارات
إن مخاطر قيادة المراهقين للسيارات كثيرة، فالمراهق يريد أن يظهر أمام أقرانه والآخرين بصورة البطل المغوار، وإن كلفه ذلك روحه وأرواح الأبرياء من المارة؟
المراهق: لا يستطيع أن يتحكم بسرعة في إيقاف سيارته عند مواجهة خطر داهم، أو لتفادي الاصطدام بسيارة أمامه، أو عابر يعبر الطريق أمام سيارته، بسبب بطء الاستجابة لديه عند مواجهة المثيرات التي تظهر أمامه أثناء قيادته للسيارة، وطول زمن الرجع لديه، وهو الزمن الذي بين ظهور المثير والاستجابة وعدم تقدير المسافة بينه وبين السيارات التي أمامه، أو العوائق التي تعترض طريقه، وعدم التركيز في القيادة، والتفكير في أمور أخرى أثناء القيادة، وعدم تقدير العواقب، وعد الاكتراث بما يدور حوله، هذا بالإضافة إلى ابتهاج المراهق بالسرعة الفائضة التي يقود بها الآلة العجماء التي يركبها بمفرده أو مع زملائه المرهقين.
قصـــة
روي أن شاباً من هؤلاء الشباب وقع له حادث سيارة، وهو على الحالة من الاستهتار، فجاء إليه رجل المرور، وكان في الرمق الأخير، فأغلق المسجل الذي تعالت من خلاله صوت المغنية بكلمات الحب والعشق والغرام، وحاول رجل المرور أن يلقنه الشهادة، فأخذ يقول: أمامه: لا إله إلا الله.. لا إله إلا الله.. فلم ير منه تجاوباً.. فقال له: قل: لا إله إلا الله، فما كان من هذا الشاب المحتضر إلا أن قام بسب الدين والإسلام سباً فاحشاً منكراً، ثم مات على ذلك، وكانت تلك خاتمته.
تغيير الاهتمامات
إن الواجب على الآباء ألا يكون شغلهم الشاغل هو توفير ما به قيام أبدان أبنائهم من طعام وشراب ولباس ومراكب وغيرها، ويغفلون عن زاد الروح، وهي التربية الإيمانية التي تخرج الأجيال الصالحة القادرة على قيادة نفسها ومجتمعاتها نحو الأفضل.
إن الوالد الذي يمكن ابنه من قيادة السيارة، ويعلم عنه التهور والانفلات والصحبة السيئة، متعاون على الإثم والعدوان، والله تعالى يقول:
{وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2]
فمثله كمثل بائع السكين الذي يبيعها لمن يعلم أنه سيرتكب بها جريمة قتل أو نهب أو اعتداء.
فكم من الآباء ذهبوا ضحية حدث متهور يريد لفت الأنظار إليه بجنونه وسفهه؟
كم من الأطفال تيتموا؟
كم من الزوجات ترملن؟
كم من الأبناء شردوا بسبب فقد عائلتهم؟
كم من الشباب راحوا ضحية تلك الهدية القاتلة؟
كم من الشباب تكسرت عظامهم وأصبحوا عالة على أسرهم ومجتمعاتهم.
إننا ندعوا الآباء لمراجعة أنفسهم والنظر في العواقب، حتى لا يذرفوا دموع الندم في وقت لا ينفع فيه الندم.
نصيحة للآباء
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
"نصيحتي للآباء ألاّ يمكنوا أبناءهم الصغار من قيادة السيارات، حتى وإن كان لهم وجهة نظر يظنونها صحيحة، فإن بعضهم يقول: أنا أمكنه من قيادة السيارة، لأستغني به عن جلب سائق لا ندري ما ثقته، ولا ندري عن نزاهته، فهذا ابني أستغني به عن غيره، وهذه ليست وجهة صحيحة، بل إن هؤلاء الصغار يكون في قيادتهم خطر عليهم، ويكون خطر منهم، وتحصل بسبب ذلك حوادث كثيرة.
ولقد شاهدت منذ زمن صبياً يقود سيارته، فلما أراد أن ينعطف بميناً ما استطاع أن يرى الشارع الأيمن، فوقف على قدميه لينظر حتى يعطف السيارة، هل هذا معقول أن يمكن هؤلاء من قيادة السيارات؟
وإذا كان الله تعالى نهانا أن نعطي أموالنا السفهاء، فكيف نعطيهم أو نوليهم قيادة السيارة التي يكون فيها خطر عليهم وعلى غيرهم؟
الحوادث في أرقام
في إحصاءات رصدها المقدم متقاعد عبد الله الكعيد، وقدمها في إحدى المناسبات المرورية، ظهر أن حوادث السيارات تقتل سنوياً في جميع دول العالم ما يفوقق 300 ألف إنسان!! وتصيب ما بين 10-15 مليون إنسان!!
أي أن هناك حالة وفاة كل 50 ثانية وإصابة كل ثانية واحدة!!
وتتصدر قارة أوربا عدد القتلى سنوياً بعدد 80 ألف إنسان!! تليها قارتا أمريكا وآسيا اللتان يقع في كل منهما 70 ألف قتيل!! ثم أفريقيا بواقع 40 ألف قتيل سنوياً!!
وفي دول مجلس التعاون الخليجي يبلغ معدل الوفيات السنوي من الحوادث 5505 من الأفراد، أي أن هناك 16 حالة وفاة يومياً، وتصل الإصابات إلى نحو 54,3 ألف إصابة، بمعدل 149 إصابة يومياً.
وخسرت المملكة العربية السعودية منذ عام 1971 حتى 1995 ما يقارب 65 ألف قتيل!! ونحو 50 ألف مصاب، نتيجة وقوع 800 ألف حادث خلال هذه الفترة!!
فتـوى
سؤال فضيلة الشيخ: يكثر في هذه الأيام خروج بعض الشباب للدوران في البراري ويسمى عندهم (التطعيس)، فنجد بعضهم يمضي جلَّ ليله يجوب الرمال صعوداً ونزولاً، ومن جراء ذلك ما يلي:
أولاً: تحميل السيارات أكثر مما تطيق، ولربما أفسدها، وقصر من عمرها.
ثانياً: إزعاج الناس وإيذاؤهم، خصوصاً إذا جلس الرجل مع عائلته.
ثالثاً: إتلاف ما من الله به علينا من نبات، فلا تكاد تجد مكاناً إلا وقد أفسدته السيارات.
رابعاً: ما حدث من حوادث رهيبة، ذهب ضحيتها بعض الناس، أو أصابهم بعض الجروح والكسور.
خامساً: ما يفعله بعضهم من قفز للسيارات بالدراجات النارية، وذلك بأن يجعلوا السيارات مصفوفة تحت كثبان الرمال، ثم يأتي السائق في دراجته من أعلى الكثبان، ويقفز إلى الجهة المقابلة، فما حكم ذلك كله، وبم تنصحون الأولياء، وما توجهون به الشباب، وتوجيهاتكم للجهات الأمنية؟
الجـواب:
كل هذه الأشياء التي ذكرها السائل كلها محذورة، وبعضها يقع كثيراً، وبعضها يقع قليلاً، والواجب على الشاب المسلم أن يعرف قدر نفسه، وأنه مسلم مؤمن بالله عز وجل، ممتثل لأمره، وفي هذه الأشياء من المفاسد ما هو ظاهر في إضاعة المال وإفساده، والخطر العظيم فيما ذكر هو إيذاء المؤمنين، لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً} [الأحزاب: 58]
وإن الفاعل لهذا لا شك أنه سفيه، وقد قال الله تعالى: {وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِيَاماً} [النساء: 5]
أما الجهات الأمنية: فإن الواجب عليها أن تمنع ما فيه الشر والفساد بقدر المستطاع، ولكن الخطوة الأولى قبل تدخل الجهات الأمنية، هي تحذير الشباب الذي له قول مقبول عند الآخرين، ينبغي أن يكثر التحذير من هذا، وبيان أن هذا منافٍ للشرع والعقل والحلم والرجولة.
وعلى أولياء الأمور الذين يستطيعون أن يمنعوا أبناءهم من ذلك، عليهم أن يمنعوهم، حتى من الخروج إذا كان خروجهم على هذا الوجه، لأن هذا ليس من مصلحتهم، بل سيعود عليهم بالضرر، دنيا وأخرى، وحينئذٍ يغلب الشاب جانب العقل على جانب السفه، وجانب الصلاح على جانب الفساد.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
إعداد خالد أبو صالح
طريق الإيمان