همي الدعوه
02 Jun 2009, 12:04 AM
كيف أزكي نفسي؟
أم عبد الرحمن محمد يوسف - مفكرة الإسلام
من ذاق عرف: (أتوجه إلى كل أخت غافلة عن ذكر الله، منغمسة في ملذات الدنيا وشهواتها، أن عودي إلى الله أخية، فوالله إن السعادة كل السعادة في طاعة الله) [طالبة تائبة]...(وختامًا: أقول لكل فتاة متبرجة، أنسيت أم جهلت أن الله مطلع عليك؟ أنسيت أم جهلت أن جمال المرأة الحقيقي في حجابها وحيائها وسترها؟) [فتاة تائبة]
(كما أصبحت بعد الالتزام أشعر بسعادة تغمر قلبي، فأقول: إنه يستحيل أن يكون هناك انسان أقل مني التزامًا أن يكون أسعد مني، ولو كانت الدنيا كلها بين عينيه، ولو كان من أغنى الناس، فأكثر ما ساعدني على الثبات بعد توفيق الله هو إلقائي للدروس في المصلى، بالإضافة إلى قراءتي عن الجنة بأن فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر من اللباس والزينة والأسواق والزيارات بين الناس، وهذه من أحب الأشياء إلى قلبي، فكنت كلما أردت أن أشتري شيئًا من الملابس التي تزيد على حاجتي أقول: ألبسها في الآخرة أفضل) [فتاة انتقلت من عالم الأزياء إلى عالم الهداية]
(وانتهيت إلى يقين جازم حاسم أنه لا صلاح لهذه الأرض، ولا راحة لهذه البشرية ولا طمأنينة لهذا الإنسان، ولا رفقة ولا بركة ولا طهارة إلا بالرجوع إلى الله، واليوم أتساءل كيف كنت سأقابل ربي لو لم يهدني؟) [ طالبة تائبة ]. [مستفاد من هزة الإيمان، فريد مناع].
أختي الفتاة المسلمة:
مع طفرة النمو في مرحلة المراهقة يحدث تغير وتطور في نمو في الشعور الديني لدى المراهقة، حيث تتفجر لديها شحنة روحية شفافة، فقد تميل إلى التأمل، والنشاط والدين العملي وقد يتكون لديها شعور ديني مركب ومزدوج، مثال، فقد يوجد عندها الإيمان بالموت ولقاء الله، إلى جانب كراهيته، وهذا طبعًا شيء طبيعي...ويعتبر وجود هذا الشعور الديني فرصة رائعة لكي تعيد صياغة نفسها بشكل صحيح وتتدارك ما فاتها في مرحلة الطفولة.
(لقد توصلت دراسات معاصرة عديدة إلى أن المراهق في هذه المرحلة يعيش توجهًا نحو التدين، وهذا مما يكشف لنا عن شيء من حكمة ارتباط التكليف الشرعي بهذه المرحلة...يبدأ المراهق في التساؤل عن نفسه من أين أنا؟ وكيف جئت؟ يبدأ يتساءل عن سر خلق الوجود والكون، ويبحث عن الإجابة التي تقنعه حول هذه التساؤلات، وقد يهتدي إلى المنهج السليم، وقد يضل ويزيغ.
ومن الظواهر الملفتة في ذلك ما نراه من بعض الشباب والفتيات في هذه المرحلة، من إقبال على التدين والعبادة لله عز وجل، حتى من بعض الذين لم ينشؤوا في بيئة محافظة, لكن الواقع السيئ للمجتمع كثيراً ما يفسد هذه الفطرة، ويجر الشاب بعيداً عن الطريق الشرعي) [المراهقون الوجه الآخر, د.محمد الدويش، بتصرف].
وبداية أقول لك أختي الفتاة أنك مسافرة، أتدرين إلى أين؟
إلى الله تبارك وتعالى، فإن (العبد حين استقرت قدمه في هذه الدار فهو مسافر فيها إلى ربه، ومدة سفره هي عمره الذي كتب له، فالعمر هو مدة سفر الإنسان في هذه الدار إلى ربه تعالى، ثم قد جعلت الأيام والليالي مراحل لسفره، فكل يوم وليلة مرحلة من المراحل، فلا يزال يطويها مرحلة بعد مرحلة حتى ينتهي سفره) [طريق الهجرتين، ابن القيم]
وكيفتقطع الفتاة الطريق إلى الله؟
بالقلب، فحياة القلب شرط للسفر إلى الله فإن الطريق إلى الله إنما تقطع بالقلوب لا بالإقدام، والقلب الحي هو مطية المسافر إلى رضوان الله والجنة، ولا يحيا القلب إلا إذا اكتملت فيه ثلاثية الإيمان خشية الخالق الجليل، ورجاء رحمته، ومحبته تعالى...فإن القلب في سيره إلى الله تعالى بمنزلة الطائر، فالمحبة رأسه، والخوف والرجاء جناحاه) [تهذيب مدارج السالكين، ابن القيم].
أربعة جوانب يتكون منها الإنسان:
لقد أثبت علم النفس الحديث أن الإنسان يتكون من سلوك معقد يتكون من أربعة جوانب هي: الجانب الجسدي، الجانب العقلي، الجانب الاجتماعي، الجانب الانفعالي أو النفسي...وإذا حدث التوازن في هذه الجوانب الأربعة فإن هذا يحقق له الصحة النفسية، وفي مجال الحديث عن الجانب النفسي لا بد أن نذكر القلب..واعلمي (أن اشرف ما في الإنسان قلبه، فإنه العالم بالله، العامل له، الساعي إليه، وإنما الجوارح أتباع وخدام له يستخدمها استخدام الملوك للعبيد..ومن عرف قلبه عرف ربه، والله يحول بين المرء وقلبه وحيلولة أن يمنعه من معرفته ومراقبته، فمعرفة القلب وصفاته أصل الدين، وأساس طريق السالكين) [مختصر منهاج القاصدين، ابن قدامة المقدسي].
منهج نبوي:
ركز رسول الله صلى الله عليه وسلم في تربيته للصحابة على قلوبهم، فربط هذه القلوب بالله تعالى فكان يوجههم صلى الله عليه وسلم إلى صلاح قلوبهم قبل صلاح جوارحهم فيقول صلى الله عليه وسلم: (إن الله لا ينظر إلى أجسادكم ولا صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم) [رواه مسلم]...ويقول صلى الله عليه وسلم: (ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهو القلب) [متفق عليه]...(فبداية الإصلاح إذن إنما تكون بربط القلوب بالله، وغرس الإيمان فيها ليصبح هو الدافع لجميع الأعمال) [الإيمان أولًا، فكيف نبدأ به، د. مجدي الهلالي]..وقد قال بعض السلف: ما سبقكم أبو بكر بكثرة صوم ولا صلاة ولكن بشيء وقر في صدره) [المحجة في سير الدلجة، ابن رجب].
تزكية النفس:
قال تعالى: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس: 7-10] ، ولنا وقفة مع هذه الآيات لنعرف ما معنى تزكية النفس وكيف نزكي أنفسنا فأعيريني السمع والفؤاد هداك الله رب العباد..في تفسير ابن كثير، نجد قوله تعالى: (ونفس وما سواها) أي خلقها سوية مستقيمة علىالفطرة القويمة، كما قال تعالى {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [الروم: 30]...وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل مولود يولد على الفطرة) [متفق عليه]..(فألهمها فجورها وتقواها) أي فأرشدها إلى فجورها وتقواها أي بين ذلك لها وهداها إلى ما قدر لها، قال بن عباس : بين لها الخير والشر...وقال سعيد بن جبير ألهمها الخير والشر، وقال ابن زيد، جعل فيها فجورها وتقواها [تفسير ابن كثير].
معنى ذلك أن الإنسان قد يكون على أنقى قلب رجل أو على أفجر قلب رجل والفاصل في هذا هو إرادته وتزكيته نفسه، وأكبر دليل على ذلك ما نراه من الناس الصالحين فهم يكرهون أنفسهم على الطاعة والعمل الصالح والمجاهدة، أما الفجار والمسيئين من الناس فهم يتركون أنفسهم على هواهم بعيدون عن طاعة الله والعمل الصالح، وإذا رجعوا عن هذا الطريق والزموا أنفسهم الصلاح والطاعة استطاعوا ان يكونوا من الأتقياء الصالحين والفاصل في ذلك هو تزكية النفس..ونلخص من ذلك أن تزكية النفس تكون بطاعة الله وتطهيرها من الأخلاق الدنيئة والرذائل.
كيف الطريق؟
والطريق إلى ذلك هو طاعة الله تعالى، وغرس الإيمان في القلب وإصلاحه ولا طريق إلا طريق الله، هذه العبارة قالها فتى في المرحلة الاعدادية لوالدته عندما اتهمته أنه يضيق على نفسه ولا يعيش حياة الشباب، فقال لها الابن الصغير العملاق (هل تريدينني أن أعلق سلسة في صدري وأمضغ العلك وأمشي أفحط بالسيارة وأعاكس البنات، لا يا أمي ليس هذا طريقي، ولا طريق إلا طريق الله)..وانظري أختي الفتاة إلى رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم وهو يدعو الله بهذا الدعاء: عن أبي هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (اللهم آت نفسي تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها) [رواه مسلم]
النية الصالحة: ومن رحمة الله بالعباد أن من نوى نية حسنة ولم يفعلها كتبت له حسنة، ومن نوى نية سيئة ولم يفعلها لم تكتب له سيئة إلا إذا دخلت في حيز التنفيذ..وهذا لا يكون مسوغًا للنية السيئة، ،لأن النيات والإرادات السيئة في النفس كالجراثيم في الجسد (فكما أن الجراثيم تكون سببًا للأمراض الجسمية فكذلك النيات والإرادات تجعل الروح مريضة، والدليل على ذلك قوله تعالى: {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} [البقرة: 10].
فمرض القلوب لا يقل ضررًا عن مرض الأجساد..واعلمي أن الفوز النهائي والنجاح الأخروي مرهون بسلامة القلب من تلك الرذائل:قال تعالى: {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء: 88-89]
وتزكية النفس يكون بتعويد الناشئة مراقبة الله تعالى في كل أمر جليل أو حقير، وإلا تكون غايتها رضا الناس، والفوز بإعجابهم ومديحهم، بل أن تتعود احتساب النية الصالحة في أعمالها، فتقوم بالواجب الدنيوي مع عدم فوات الأجر الأخروي المترتب عليها إذا صاحبتها النية الصالحة، واقترب بها احتساب الأجر والثواب) [الدور التربوي للوالدين في تنشئة الفتاة المسلمة، حنان عطية الطوري، باختصار]
وخلاصة القول: إن العمل المجرد من النية الصالحة لا يستمر كثيرًا، ولا يكون متقنًا، والإنسان يعتاد بذلك مراقبة الخلق في أعماله لا مراقبة الخالق، ومن فقدت النية الصالحة لابد أن يصيبها الملل والكلل، وتفقد الرغبة في الاستمرار..وعلى الفتاة استشعار الرقابة الربانية في كل أحوالها، واستحضار النية الصادقة الصالحة في كل عمل تعمله سواء في أعمال الدين أو الدنيا..قال صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى) [متفق عليه] ومن الأمور التي تساعد على تزكية النفس:
حضور مجالس العلم والذكر، المداومة على صلاة الفرض والنفل، المواظبة على تلاوة القرآن والتهجد في الليل، الاستمرار على صيام الفرض والتطوع، الاستماع إلى اخبار الصالحين والصحابة، اختيار الرفقة الصالحة والارتباط بالجماعة المؤمنة، وذكر الموت وما بعده، كل ذلك يقوى في المؤمن جانب الخشية من الله والمراقبة والاستشعار لعظمته.
وماذا بعد الكلام؟
- احتسبي نية صالحة لكل عمل في الدين أو الدنيا.
- الزمي حاملة المسك فهي تساعدك على تزكية نفسك.
- تزكية النفس تكون بطاعة الله فعليك بالتزام طريق الطاعة فلا طريق إلا طريق الله.
- الزمي دعاء الرسول عليه الصلاة والسلام (اللهم آت نفسي تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها).
_______________
المراجع:
- هزة الإيمان، فريد مناع. - طريق الهجرتين، ابن القيم. - تهذيب مدارج السالكين، ابن القيم. - مختصر منهاج القاصدين، بن قدامة المقدسي. - المحجة في سير الدلجة، ابن رجب. - تفسير ابن كثير. - الدور التربوي للوالدين في تنشئة الفتاة المسلمة، حنان عطية الطوري. - المراهقون، الوجه الأخر، محمد الدويش.
ياله من دين
أم عبد الرحمن محمد يوسف - مفكرة الإسلام
من ذاق عرف: (أتوجه إلى كل أخت غافلة عن ذكر الله، منغمسة في ملذات الدنيا وشهواتها، أن عودي إلى الله أخية، فوالله إن السعادة كل السعادة في طاعة الله) [طالبة تائبة]...(وختامًا: أقول لكل فتاة متبرجة، أنسيت أم جهلت أن الله مطلع عليك؟ أنسيت أم جهلت أن جمال المرأة الحقيقي في حجابها وحيائها وسترها؟) [فتاة تائبة]
(كما أصبحت بعد الالتزام أشعر بسعادة تغمر قلبي، فأقول: إنه يستحيل أن يكون هناك انسان أقل مني التزامًا أن يكون أسعد مني، ولو كانت الدنيا كلها بين عينيه، ولو كان من أغنى الناس، فأكثر ما ساعدني على الثبات بعد توفيق الله هو إلقائي للدروس في المصلى، بالإضافة إلى قراءتي عن الجنة بأن فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر من اللباس والزينة والأسواق والزيارات بين الناس، وهذه من أحب الأشياء إلى قلبي، فكنت كلما أردت أن أشتري شيئًا من الملابس التي تزيد على حاجتي أقول: ألبسها في الآخرة أفضل) [فتاة انتقلت من عالم الأزياء إلى عالم الهداية]
(وانتهيت إلى يقين جازم حاسم أنه لا صلاح لهذه الأرض، ولا راحة لهذه البشرية ولا طمأنينة لهذا الإنسان، ولا رفقة ولا بركة ولا طهارة إلا بالرجوع إلى الله، واليوم أتساءل كيف كنت سأقابل ربي لو لم يهدني؟) [ طالبة تائبة ]. [مستفاد من هزة الإيمان، فريد مناع].
أختي الفتاة المسلمة:
مع طفرة النمو في مرحلة المراهقة يحدث تغير وتطور في نمو في الشعور الديني لدى المراهقة، حيث تتفجر لديها شحنة روحية شفافة، فقد تميل إلى التأمل، والنشاط والدين العملي وقد يتكون لديها شعور ديني مركب ومزدوج، مثال، فقد يوجد عندها الإيمان بالموت ولقاء الله، إلى جانب كراهيته، وهذا طبعًا شيء طبيعي...ويعتبر وجود هذا الشعور الديني فرصة رائعة لكي تعيد صياغة نفسها بشكل صحيح وتتدارك ما فاتها في مرحلة الطفولة.
(لقد توصلت دراسات معاصرة عديدة إلى أن المراهق في هذه المرحلة يعيش توجهًا نحو التدين، وهذا مما يكشف لنا عن شيء من حكمة ارتباط التكليف الشرعي بهذه المرحلة...يبدأ المراهق في التساؤل عن نفسه من أين أنا؟ وكيف جئت؟ يبدأ يتساءل عن سر خلق الوجود والكون، ويبحث عن الإجابة التي تقنعه حول هذه التساؤلات، وقد يهتدي إلى المنهج السليم، وقد يضل ويزيغ.
ومن الظواهر الملفتة في ذلك ما نراه من بعض الشباب والفتيات في هذه المرحلة، من إقبال على التدين والعبادة لله عز وجل، حتى من بعض الذين لم ينشؤوا في بيئة محافظة, لكن الواقع السيئ للمجتمع كثيراً ما يفسد هذه الفطرة، ويجر الشاب بعيداً عن الطريق الشرعي) [المراهقون الوجه الآخر, د.محمد الدويش، بتصرف].
وبداية أقول لك أختي الفتاة أنك مسافرة، أتدرين إلى أين؟
إلى الله تبارك وتعالى، فإن (العبد حين استقرت قدمه في هذه الدار فهو مسافر فيها إلى ربه، ومدة سفره هي عمره الذي كتب له، فالعمر هو مدة سفر الإنسان في هذه الدار إلى ربه تعالى، ثم قد جعلت الأيام والليالي مراحل لسفره، فكل يوم وليلة مرحلة من المراحل، فلا يزال يطويها مرحلة بعد مرحلة حتى ينتهي سفره) [طريق الهجرتين، ابن القيم]
وكيفتقطع الفتاة الطريق إلى الله؟
بالقلب، فحياة القلب شرط للسفر إلى الله فإن الطريق إلى الله إنما تقطع بالقلوب لا بالإقدام، والقلب الحي هو مطية المسافر إلى رضوان الله والجنة، ولا يحيا القلب إلا إذا اكتملت فيه ثلاثية الإيمان خشية الخالق الجليل، ورجاء رحمته، ومحبته تعالى...فإن القلب في سيره إلى الله تعالى بمنزلة الطائر، فالمحبة رأسه، والخوف والرجاء جناحاه) [تهذيب مدارج السالكين، ابن القيم].
أربعة جوانب يتكون منها الإنسان:
لقد أثبت علم النفس الحديث أن الإنسان يتكون من سلوك معقد يتكون من أربعة جوانب هي: الجانب الجسدي، الجانب العقلي، الجانب الاجتماعي، الجانب الانفعالي أو النفسي...وإذا حدث التوازن في هذه الجوانب الأربعة فإن هذا يحقق له الصحة النفسية، وفي مجال الحديث عن الجانب النفسي لا بد أن نذكر القلب..واعلمي (أن اشرف ما في الإنسان قلبه، فإنه العالم بالله، العامل له، الساعي إليه، وإنما الجوارح أتباع وخدام له يستخدمها استخدام الملوك للعبيد..ومن عرف قلبه عرف ربه، والله يحول بين المرء وقلبه وحيلولة أن يمنعه من معرفته ومراقبته، فمعرفة القلب وصفاته أصل الدين، وأساس طريق السالكين) [مختصر منهاج القاصدين، ابن قدامة المقدسي].
منهج نبوي:
ركز رسول الله صلى الله عليه وسلم في تربيته للصحابة على قلوبهم، فربط هذه القلوب بالله تعالى فكان يوجههم صلى الله عليه وسلم إلى صلاح قلوبهم قبل صلاح جوارحهم فيقول صلى الله عليه وسلم: (إن الله لا ينظر إلى أجسادكم ولا صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم) [رواه مسلم]...ويقول صلى الله عليه وسلم: (ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهو القلب) [متفق عليه]...(فبداية الإصلاح إذن إنما تكون بربط القلوب بالله، وغرس الإيمان فيها ليصبح هو الدافع لجميع الأعمال) [الإيمان أولًا، فكيف نبدأ به، د. مجدي الهلالي]..وقد قال بعض السلف: ما سبقكم أبو بكر بكثرة صوم ولا صلاة ولكن بشيء وقر في صدره) [المحجة في سير الدلجة، ابن رجب].
تزكية النفس:
قال تعالى: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس: 7-10] ، ولنا وقفة مع هذه الآيات لنعرف ما معنى تزكية النفس وكيف نزكي أنفسنا فأعيريني السمع والفؤاد هداك الله رب العباد..في تفسير ابن كثير، نجد قوله تعالى: (ونفس وما سواها) أي خلقها سوية مستقيمة علىالفطرة القويمة، كما قال تعالى {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [الروم: 30]...وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل مولود يولد على الفطرة) [متفق عليه]..(فألهمها فجورها وتقواها) أي فأرشدها إلى فجورها وتقواها أي بين ذلك لها وهداها إلى ما قدر لها، قال بن عباس : بين لها الخير والشر...وقال سعيد بن جبير ألهمها الخير والشر، وقال ابن زيد، جعل فيها فجورها وتقواها [تفسير ابن كثير].
معنى ذلك أن الإنسان قد يكون على أنقى قلب رجل أو على أفجر قلب رجل والفاصل في هذا هو إرادته وتزكيته نفسه، وأكبر دليل على ذلك ما نراه من الناس الصالحين فهم يكرهون أنفسهم على الطاعة والعمل الصالح والمجاهدة، أما الفجار والمسيئين من الناس فهم يتركون أنفسهم على هواهم بعيدون عن طاعة الله والعمل الصالح، وإذا رجعوا عن هذا الطريق والزموا أنفسهم الصلاح والطاعة استطاعوا ان يكونوا من الأتقياء الصالحين والفاصل في ذلك هو تزكية النفس..ونلخص من ذلك أن تزكية النفس تكون بطاعة الله وتطهيرها من الأخلاق الدنيئة والرذائل.
كيف الطريق؟
والطريق إلى ذلك هو طاعة الله تعالى، وغرس الإيمان في القلب وإصلاحه ولا طريق إلا طريق الله، هذه العبارة قالها فتى في المرحلة الاعدادية لوالدته عندما اتهمته أنه يضيق على نفسه ولا يعيش حياة الشباب، فقال لها الابن الصغير العملاق (هل تريدينني أن أعلق سلسة في صدري وأمضغ العلك وأمشي أفحط بالسيارة وأعاكس البنات، لا يا أمي ليس هذا طريقي، ولا طريق إلا طريق الله)..وانظري أختي الفتاة إلى رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم وهو يدعو الله بهذا الدعاء: عن أبي هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (اللهم آت نفسي تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها) [رواه مسلم]
النية الصالحة: ومن رحمة الله بالعباد أن من نوى نية حسنة ولم يفعلها كتبت له حسنة، ومن نوى نية سيئة ولم يفعلها لم تكتب له سيئة إلا إذا دخلت في حيز التنفيذ..وهذا لا يكون مسوغًا للنية السيئة، ،لأن النيات والإرادات السيئة في النفس كالجراثيم في الجسد (فكما أن الجراثيم تكون سببًا للأمراض الجسمية فكذلك النيات والإرادات تجعل الروح مريضة، والدليل على ذلك قوله تعالى: {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} [البقرة: 10].
فمرض القلوب لا يقل ضررًا عن مرض الأجساد..واعلمي أن الفوز النهائي والنجاح الأخروي مرهون بسلامة القلب من تلك الرذائل:قال تعالى: {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء: 88-89]
وتزكية النفس يكون بتعويد الناشئة مراقبة الله تعالى في كل أمر جليل أو حقير، وإلا تكون غايتها رضا الناس، والفوز بإعجابهم ومديحهم، بل أن تتعود احتساب النية الصالحة في أعمالها، فتقوم بالواجب الدنيوي مع عدم فوات الأجر الأخروي المترتب عليها إذا صاحبتها النية الصالحة، واقترب بها احتساب الأجر والثواب) [الدور التربوي للوالدين في تنشئة الفتاة المسلمة، حنان عطية الطوري، باختصار]
وخلاصة القول: إن العمل المجرد من النية الصالحة لا يستمر كثيرًا، ولا يكون متقنًا، والإنسان يعتاد بذلك مراقبة الخلق في أعماله لا مراقبة الخالق، ومن فقدت النية الصالحة لابد أن يصيبها الملل والكلل، وتفقد الرغبة في الاستمرار..وعلى الفتاة استشعار الرقابة الربانية في كل أحوالها، واستحضار النية الصادقة الصالحة في كل عمل تعمله سواء في أعمال الدين أو الدنيا..قال صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى) [متفق عليه] ومن الأمور التي تساعد على تزكية النفس:
حضور مجالس العلم والذكر، المداومة على صلاة الفرض والنفل، المواظبة على تلاوة القرآن والتهجد في الليل، الاستمرار على صيام الفرض والتطوع، الاستماع إلى اخبار الصالحين والصحابة، اختيار الرفقة الصالحة والارتباط بالجماعة المؤمنة، وذكر الموت وما بعده، كل ذلك يقوى في المؤمن جانب الخشية من الله والمراقبة والاستشعار لعظمته.
وماذا بعد الكلام؟
- احتسبي نية صالحة لكل عمل في الدين أو الدنيا.
- الزمي حاملة المسك فهي تساعدك على تزكية نفسك.
- تزكية النفس تكون بطاعة الله فعليك بالتزام طريق الطاعة فلا طريق إلا طريق الله.
- الزمي دعاء الرسول عليه الصلاة والسلام (اللهم آت نفسي تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها).
_______________
المراجع:
- هزة الإيمان، فريد مناع. - طريق الهجرتين، ابن القيم. - تهذيب مدارج السالكين، ابن القيم. - مختصر منهاج القاصدين، بن قدامة المقدسي. - المحجة في سير الدلجة، ابن رجب. - تفسير ابن كثير. - الدور التربوي للوالدين في تنشئة الفتاة المسلمة، حنان عطية الطوري. - المراهقون، الوجه الأخر، محمد الدويش.
ياله من دين