قائد_الكتائب
04 May 2009, 08:43 AM
حكم القول بخلق القرآن في المذاهب الأربعة
عبد الفتاح بن صالح قديش اليافعي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة السلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه ومن اهتدى بهداه وبعد :
فقد أجمعت المذاهب السنية الأربعة على بدعية القول بخلق القرآن, وأجمعوا على أن القرآن كلام الله تعالى ليس بمخلوق, وفي المقابل قال بخلق القرآن طوائف ومذاهب ومنهم: المعتزلة والجهمية والزيدية والإباضية والإمامية
وهذا مقال موجز في حكم القول بخلق القرآن في المذاهب السنية الأربعة, ومما دفعني للكتابة في ذلك هو ما نراه من البعض من تشدد في ذلك حتى كأنّ أهل السنة من المذاهب الأربعة مجمعون على تكفير من يقول بذلك, بيمنا - عند البحث - نجد أن المسألة خلافية بينهم, بل لا يبعد أن يقال : إن جمهور فقهاء أهل السنة على عدم تكفير من يقول بذلك.
وقد يقال : إن المسألة عقدية فما دخل المذاهب الفقهية الأربعة فيها, والجواب هو : أن مسألة خلق القرآن لها تعلقان :
الأول : حقيقة القول بخلق القرآن وبيان بطلانه وما يتعلق بذلك من مسائل فهذا محله كتب العقائد
والثاني : حكم القول بخلق القرآن من حيث الفسق والكفر وهذا يدرس في كتب العقائد والفقه جميعا, أما كتب العقائد فلأنها تهتم بمعرفة المدى الذي وصلت إليه البدعة هل هو الكفر أم الفسق؟ وأما كتب الفقه فلأن هناك كثيرا من الأحكام متعلقة بذلك كالصلاة والمناكحة والذبائح والشهادة ووو
وقد جعلت المقال في أربعة مباحث :
المبحث الأول : في حكم القول بخلق القرآن عند الحنفية
المبحث الثاني : في حكم القول بخلق القرآن عند المالكية
المبحث الثالث : في حكم القول بخلق القرآن عند الشافعية
المبحث الرابع : في حكم القول بخلق القرآن عند الحنابلة
المبحث الأول :
في حكم القول بخلق القرآن عند الحنفية
عند الحنفية القولان :
- الأول : التكفير وهو منسوب لأبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد بن الحسن وهو الذي قرره الزيلعي في تبيين الحقائق وغيرهم
- والثاني : عدم التكفير وهو الذي قرره عبد العزيز البخاري في شرحه على البزدوي وابن أمير الحاج في التقرير والتحبير وقرر الخلاف في ذلك ابن الهمام في المسايرة
- فإن قيل : كيف يكون مذهب الحنفية الذين قالوا بعدم التكفير مخالف لقول أبي حنيفة ؟ قيل : لا بد أولا من النظر في صحة ذلك عنه ثم إذا صح فالمراد به عندهم الكفر الأصغر كما هو عند الشافعية حيث قالوا المراد بتكفير الشافعي لمن يقول بخلق القرآن هو الكفر الأصغر لا الأكبر وستأتي أقوالهم في ذلك
وهذه بعض أقوال الحنفية في المسألة :
في أصول البزدوي ص 9 : ( قد صح عن أبي يوسف أنه قال: ناظرت أبا حنيفة في مسألة خلق القرآن ستة أشهر فاتفق رأيي ورأيه على أن من قال بخلق القرآن فهو كافر وصح هذا القول عن محمد رحمه الله ) اه
وفي شرح البخاري على البزدوي 4/17 : ( المسائل العقلية التي هي من أصول الدين فإن الحق فيها واحد بالإجماع والمخطئ فيها كافر مخلد في النار إن كان على خلاف ملة الإسلام كاليهود والنصارى والمجوس . ومُضللٌ مبتدع إن لم يكن [ على خلاف الملة ] كأصحاب الأهواء من أهل القبلة , وذهب عبد الله بن الحسين العنبري إلى أن كل مجتهد في المسائل الكلامية التي لا يلزم منها كفر -كمسألة خلق القرآن والإرادة وخلق الأفعال- مصيبٌ , ولم يرد به أن ما اعتقده كل مجتهد في المسائل الكلامية مطابق للحق إذ يلزم منه أن يكون القرآن مخلوقا وغير مخلوق والمعاصي داخلة تحت إرادة الله وخارجة عن إرادته , والرؤية ممكنة وغير ممكنة , وفساد ذلك معلوم بالضرورة , وإنما أراد به نفي الإثم والخروج عن عهدة التكليف ) اه
وفيه أيضا 1/134 : ( قال الكمال رحمه الله : وفي المحيط لو صلى خلف فاسق أو مبتدع أحرز ثواب الجماعة لكن لا يحرز ثواب المصلي خلف تقي ا هـ . يريد بالمبتدع من لم يكفر ولا بأس بتفصيله : الاقتداء بأهل الأهواء جائز إلا الجهمية والقدرية والروافض والقائل بخلق القرآن والخطابية والمشبهة وجملته إن كان من أهل قبلتنا ولم يغل حتى لم يحكم بكفره تجوز الصلاة خلفه وتكره ) اه
وفي تبيين الحقائق للزيلعي 1/134 : ( قال المرغيناني : تجوز الصلاة خلف صاحب هوى وبدعة ولا تجوز خلف الرافضي والجهمي والقدري والمشبه ومن يقول بخلق القرآن, حاصله : إن كان هوى لا يكفر به صاحبه يجوز مع الكراهة , وإلا فلا ) اه
وفي التقرير والتحبير 3/303 : ( وإن ) كان ما أخطأ فيه ( غيرها ) أي ملة الإسلام من المسائل الدينية ( كخلق القرآن ) أي القول بخلقه ( وإرادة الشر ) أي القول بعدم إرادة الله تعالى الشر فكان الأولى عدم إرادة الشر ( فمبتدع آثم لا كافر وسيأتي فيه ) أي في هذا النوع ( زيادة ) في التتمة التي تلي المسألة التي بعد هذه وما عن الشافعي من تكفير القائل بخلق القرآن فجمهور أصحابه تأولوه على كفران النعمة كما قاله النووي وغيره ) اه
وفي الفتاوى الهندية 2/257 : ( ومن قال بخلق القرآن فهو كافر , وكذا من قال بخلق الإيمان فهو كافر ومن اعتقد أن الإيمان والكفر واحد فهو كافر ومن لا يرضى بالإيمان فهو كافر كذا في الذخيرة . ) اه
وفي بريقة محمودية 1/230 : ( وأشكل في مواضع أخر منه بأن الجمع بين عدم إكفار أهل القبلة , وبين إكفار محيل الرؤية وخلق القرآن ونحوهما متعذر , أقول : قد سمعت المنقول عن المواقف وعرفت الاستثناء فيه ولا شك أن أمثال ما ذكر داخل في أحد المستثنيات وأن المراد من قولهم لا يكفر أحد من أهل القبلة إذا خلا عن الموانع وسلم من المنافي أو ما داموا في كونهم من أهل القبلة برعاية شرائط الأهلية ونفي منافيها .) اه
وفي حاشية ابن عابدين 4/263 : ( لكن صرح في كتابه المسايرة بالاتفاق على تكفير المخالف فيما كان من أصول الدين وضرورياته : كالقول بقدم العالم , ونفي حشر الأجساد , ونفي العلم بالجزئيات , وأن الخلاف في غيره كنفي مبادئ الصفات , ونفي عموم الإرادة , والقول بخلق القرآن إلخ .) اه
وفي البحر الرائق ج5/ص134 : ( وفي البزارية : قال علماؤنا : من قال أرواح المشايخ حاضرة تعلم يكفر ومن قال بخلق القرآن فهو كافر ومن قال إن الإيمان مخلوق فهو كافر , كذا في كثير من الفتاوى وهو محمول على أنه [ أي الإيمان ] بمعنى هداية الرب وأما فعل العبد فهو مخلوق )اه
المبحث الثاني :
في حكم القول بخلق القرآن عند المالكية
لم أقف للمالكة إلا على قول واحد وهو عدم التفكير لمن يقول بخلق القرآن وقدر قرره النفراوي في الفواكه الدواني ونقله عن مالك وأكثر أصحابه لكن روى البيهقي عن مالك التكفير كما سيأتي , وقول ( أكثر أصحابه ) يمكن أن يفهم منه أن من المالكية من يرى كفر القائل بخلق القرآن
ففي الفواكه الدواني 1/94 : ( أما مسائل الوعد والوعيد والرؤية وخلق القرآن والأفعال وبقاء الأعراض وشبهها من الدقائق فالأولى عدم تكفير المتأولين فيها . إذ ليس في الجهل بشيء منها جهل بالله تعالى ) اه
وفي الفواكه الدواني أيضا ج1/ص94 : ( ومثل من ابتدع بإنكاره صفة الباري وكمنكر خلق الله تعالى لفعال العباد أو رؤيته يوم القيامة وكذلك سائر أهل البدع كالقدرية وغيرهم وأكثر قول مالك وأصحابه عدم تكفيرهم بل يؤدبون أما من خرج ببدعته من أهل القبلة كمنكري حدوث العالم والبعث والحشر وللأجسام والعلم للجزيئات فلا نزاع في كفرهم لإنكارهم بعض ما علم بمجيء الرسول به ضرورة )اه
وفي سنن البيهقي الكبرى ج10/ص206 : ( أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو بكر أحمد بن الحسن القاضي قالا ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا أبو أمية الطرسوسي ثنا يحيى بن خلف المقرئ قال : كنت عند مالك بن أنس فجاءه رجل فقال : ما تقول فيمن يقول القرآن مخلوق ؟ قال : عندي كافر فاقتلوه ) اه
وقد يقال : إن صح الأثر فالمراد به الكفر الأصغر , لكن يشكل عليه قوله : ( فاقتلوه ) فإن ظاهره التكفير
المبحث الثالث :
في حكم القول بخلق القرآن عند الشافعية
عند الشافعية القولان :
- الأول : التكفير وهو محكي عن الإمام الشافعي وحكاه البيهقي عن جماعة مبهمة وهو قول أبي علي الطبري في الإفصاح والشيخ أبي حامد الإسفراييني ومتابعوه وهو تصحيح البلقيني
- والثاني : عدم التكفير وهو معتمد المذهب وهو قول الأكثر , وهو الذي قرره النووي في الروضة والمجموع وحكاه في الروضة عن البيهقي وآخرين وحكاه في المجموع عن القفال والكثيرين, وحكاه البيهقي عن جماعة مبهمة وهو ما قرره شيخ الإسلام زكريا الأنصاري في أسنى المطالب والرملي في فتاويه والعطار في حاشيته على شرح المحلي على الجمع وآخرون
وهذه بعض أقوال الشافعية في ذلك
في الأسماء والصفات للبيهقي2/ 104 : ( قد روينا عن جماعة من علمائنا رحمهم الله تعالى أنهم أطلقوا القول بتكفير من قال بخلق القرآن، وحكيناه أيضا عن الشافعي رحمنا الله وإياه ...
وقد اختلف علماؤنا في تكفير أهل الأهواء :
- منهم من كفرهم على تفصيل ذكره في أهوائهم، ومن قال بهذا زعم أن قول الشافعي في الصلاة والشهادات ورد في مبتدع لا يخرج ببدعته وهواه عن الإسلام
- ومنهم من لا يكفرهم وزعم أن قول الشافعي في تكفير من قال بخلق القرآن أراد به كفرا دون كفر، كقول الله عز وجل : ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ) ومن قال بهذا جرى في قبول شهاداتهم وجواز الصلاة خلفهم مع الكراهية على ما قال الشافعي، رحمه الله، في أهل الأهواء أو المظهر للبدع ) اه
وفي روضة الطالبين وعمدة المفتين 4 /170 : ( والقائلين بخلق القرآن ) وتأوله الإمام فقال : ظني أنه ناظر بعضهم فألزمه الكفر في الحجاج فقيل إنه كفرهم.
قلت : أما تكفير منكري العلم بالمعدوم أو بالجزئيات فلا شك فيه وأما من نفى الرؤية أو قال بخلق القرآن فالمختار تأويله وسننقل إن شاء الله تعالى عن نصه في الأم ما يؤيده وهذا التأويل الذي ذكره الإمام حسن وقد تأوله الإمام الحافظ الفقيه الأصولي أبو بكر البيهقي رضي الله عنه وآخرون تأويلات متعارضة على أنه ليس المراد بالكفر الإخراج من الملة وتحتم الخلود في النار وهكذا تأولوا ما جاء عن جماعة من السلف من إطلاق هذا اللفظ واستدلوا بأنهم لم يلحقوهم بالكفار في الإرث والأنكحة ووجوب قتلهم وقتالهم وغير ذلك والله أعلم.)اه
وفي المجموع للنووي 4/150 : ( وأما من يقول بخلق القرآن فهو مبتدع . واختلف أصحابنا في تكفيره فأطلق أبو علي الطبري في الإفصاح والشيخ أبو حامد الإسفراييني ومتابعوه القول بأنه كافر. قال أبو حامد ومتابعوه : المعتزلة كفار , والخوارج ليسوا بكفار , ونقل المتولي تكفير من يقول بخلق القرآن عن الشافعي . وقال القفال وكثيرون من الأصحاب : يجوز الاقتداء بمن يقول بخلق القرآن وغيره من أهل البدع , قال صاحب العدة : هذا هو المذهب
( قلت ) : وهذا هو الصواب فقد قال الشافعي رحمه الله : أقبل شهادة أهل الأهواء إلا الخطابية ; لأنهم يرون الشهادة بالزور لموافقيهم ولم يزل السلف والخلف يرون الصلاة وراء المعتزلة ونحوهم ومناكحتهم وموارثتهم وإجراء سائر الأحكام عليهم . وقد تأول الإمام الحافظ الفقيه أبو بكر البيهقي وغيره من أصحابنا المحققين ما نقل عن الشافعي وغيره من العلماء من تكفير القائل بخلق القرآن , على أن المراد كفران النعمة لا بكفران الخروج عن الملة , وحملهم على هذا التأويل ما ذكرته من إجراء أحكام الإسلام عليهم .) اه
وفي الأشباه والنظائر للسيوطي 488 : ( قال بعضهم : المبتدعة أقسام :
- الأول : ما نكفره قطعا , كقاذف عائشة رضي الله عنها ومنكر علم الجزئيات , وحشر الأجساد , والمجسمة , والقائل بقدم العالم .
- الثاني : ما لا نكفره قطعا , كالقائل بتفضيل الملائكة على الأنبياء , وعلي على أبي بكر .
- الثالث , والرابع : ما فيه خلاف , والأصح : التكفير , أو عدمه , كالقائل بخلق القرآن صحح البلقيني التكفير , والأكثرون : عدمه . وساب الشيخين , صحح المحاملي التكفير والأكثرون عدمه ) اه .
وفي أسنى المطالب لزكريا الأنصاري 1/219 : ( وتصح خلف مبتدع يقول بخلق القرآن ) أو بغيره من البدع ( ولا يكفر ) به كذا أطلقه كثير من الأصحاب
وقال في الروضة : إنه الصحيح , أو الصواب فقد قال الشافعي رضي الله عنه أقبل شهادة أهل الأهواء إلا الخطابية ; لأنهم يرون الشهادة بالزور لموافقيهم ولم يزل السلف , والخلف على الصلاة خلف المعتزلة وغيرهم وإجراء أحكام المسلمين عليهم
وقد تأول لأجل ذلك البيهقي وغيره ما جاء عن الشافعي وغيره من تكفير القائل بخلق القرآن على كفران النعم ) اه
وفي أسنى المطالب أيضا 4/353 : ( لا من قال بخلق القرآن أو نفي الرؤية ) وما ورد من كفرهم مؤول بكفران النعمة لا الخروج عن الملة بدليل أنهم لم يلحقوهم بالكفار في الإرث والأنكحة ووجوب قتلهم وقتالهم وغيرها ) اه
وفي فتاوى الرملي 4/378 : ( سئل ) عن القائل بخلق القرآن ومنكر العلم بالجزئيات يكفران أم لا ؟ ( فأجاب ) بأن الراجح تكفير الثاني لا الأول .) اه
وفي حاشية العطار على المحلي على الجمع 2/173 : ( التكفير بالعقائد لا سيما مسألة الكلام أمر مستفيض فيه النزاع بين الأئمة من قديم الزمان حتى نقل السيوطي في شرح التقريب أن القائل بخلق القرآن يكفر نص عليه الشافعي واختاره البلقيني ومنع تأويل البيهقي له بكفران النعمة فإن الشافعي قال ذلك في حق حفص الفرد لما أفتى بضرب عنقه وهذا رد للتأويل ا هـ .) اه
وفيها أيضا2/428 : ( إن أخطأ فيما يرجع إلى الإيمان بالله ورسوله فكافر وإلا فآثم مخطئ مبتدع كما في مسألة الرؤية وخلق القرآن وإرادة الكائنات ولا يلزم الكفر ) اه
وفي المواقف للإيجي 3/568 في معرض ذكر أسباب تكفير المعتزلة عند من كفرهم: (الثالث: قولهم بخلق القرآن , وفي الحديث الصحيح (من قال القرآن مخلوق فهو كافر) !!!
قلنا : آحاد فلا يفيد علما أو المراد بالمخلوق هو المختلق , أي المفتري يقال خلق الإفك واختلقه وتخلقه أي افتراه وهذا كفر بلا خلاف والنزاع في كونه مخلوقا بمعنى أنه حادث )اه
المبحث الرابع :
في حكم القول بخلق القرآن عند الحنابلة
عند الحنابلة الأقوال التالية :
الأول : التكفير مطلقا وهو منسوب لأحمد وهو ما حكاه ابن قدامة عن القاضي أبي يعلى ونقله ابن مفلح عن الدورقي
والثاني : عدم التكفير مطلقا وحكي رواية عن أحمد وهو ما قرره ابن قدامة في بعض رسائله وصححه صاحب الفصول وهو اختيار ابن تيمية بل حتى لم يفسق !!!
والثالث : التكفير للداعية والمجتهد دون المقلد وهو ما قرره ابن قدامة في المغني وابن مفلح في الفروع ونسبه للأكثر وقرره صاحب المحرر وحكاه عن أحمد نصا وقرره المجد ابن تيمية والبهوتي في كشاف القناع
في المغني لابن قدامة 10/168 : ( قال أبو حامد من أصحاب الشافعي : المختلفون على ثلاثة أضرب :
- ضرب اختلفوا في الفروع , فهؤلاء لا يفسقون بذلك , ولا ترد شهادتهم , وقد اختلف الصحابة في الفروع ومن بعدهم من التابعين .
- الثاني , من نفسقه ولا نكفره , وهو من سب القرابة , كالخوارج , أو سب الصحابة , كالروافض , فلا تقبل لهم شهادة لذلك .
- الثالث , من نكفره , وهو من قال بخلق القرآن , ونفي الرؤية , وأضاف المشيئة إلى نفسه , فلا تقبل له شهادة . وذكر القاضي أبو يعلى مثل هذا سواء ) اه
وفي المغني أيضا 5/225 : ( من حكم بكفره من الدعاة إلى القول بخلق القرآن , فلا شفعة له ; لأن الشفعة إذا لم تثبت للذمي الذي يقر على كفره , فغيره أولى ) اه
وفي الفروع لابن مفلح 6/665 ونحوه في الإنصاف للمرداوي 12/47 : ( ومن قلد في خلق القرآن ونفي الرؤية ونحوهما فسق , اختاره الأكثر , قاله في الواضح ويتخرج من قبول شهادة الذمة قبول شهادته ما لم يتدين بها لموافقه على مخالفه , وعنه : يكفر , كمجتهد , وعنه فيه : لا . اختاره الشيخ في رسالته إلى صاحب التخليص , لقول أحمد للمعتصم يا أمير المؤمنين .
ونقل يعقوب الدورقي فيمن يقول القرآن مخلوق , كنت لا أكفره حتى قرأت قوله تعالى { أنزله بعلمه } وغيرها , فمن زعم أنه لا يدري علم الله مخلوق أم لا كفر .
وفي الفصول في الكفاءة : في جهمية وواقفية وحرورية وقدرية ورافضة : إن ناظر ودعا كفر وإلا لم يفسق , لأن الإمام أحمد قال : يسمع حديثه ويصلى خلفه , قال : وعندي أن عامة المبتدعة فسقة كعامة أهل الكتابين كفار مع جهلهم , قال : والصحيح لا كفر , لأن أحمد رحمه الله أجاز الرواية عن الحرورية والخوارج ) اه
وفي الفروع لابن مفلح أيضا 6/568 : ( قال صاحب المحرر : والصحيح أن كل بدعة كفرنا فيها الداعية فإنا نفسق المقلد فيها , كمن يقول بخلق القرآن , أو أن ألفاظنا به مخلوقة , أو أن علم الله مخلوق , أو أن أسماءه مخلوقة , أو أنه لا يرى في الآخرة , أو يسب الصحابة تدينا , أو أن الإيمان مجرد الاعتقاد , وما أشبه ذلك , فمن كان عالما في شيء من هذه البدع يدعو إليه ويناظر عليه فهو محكوم بكفره , نص أحمد صريحا على ذلك في مواضع ) اه
وفي كشاف القناع 4/165 : ( وكذا حكم من حكم بكفره من الدعاة إلى القول بخلق القرآن ) ونحوه , ويأتي في الشهادات قولهم : ويكفر مجتهدهم الداعية ) اه
وفي كشاف القناع أيضا 6/420 : ( فلو قلد ) في القول ( بخلق القرآن أو نفى الرؤية ) أي رؤية الله تعالى في الآخرة ( أو الرفض أو التجهم ) بتشديد الهاء ( ونحوه ) كالتجسيم وخلق العبد أفعاله ( فسق ويكفر مجتهدهم الداعية ) قال المجد : الصحيح أن كل بدعة كفرنا فيها الداعية فإنا نفسق المقلد فيها كمن يقول بخلق القرآن أو بأن ألفاظنا به مخلوقة أو أن علم الله سبحانه وتعالى مخلوق أو أن أسماءه مخلوقة أو أنه لا يرى في الآخرة أو يسب الصحابة تدينا , أو أن الإيمان مجرد الاعتقاد وما أشبه ذلك , فمن كان عالما في شيء من هذه البدع يدعو إليه ويناظر عليه فهو محكوم بكفره نص أحمد على ذلك في مواضع انتهى , واختار الموفق : لا يكفر مجتهدهم الداعية في رسالته إلى صاحب التلخيص لقول أحمد للمعتصم : يا أمير المؤمنين ( ومن أخذ بالرخص فسق ) قال القاضي غير متأول ولا مقلد . ) اه
وفي مطالب أولي النهى 6/615 : ( قال المجد ) الصحيح أن كل بدعة كفرنا فيها الداعية ; فإنا نفسق المقلد فيها , كمن يقول بخلق القرآن أو إن علم الله مخلوق , أو أن أسماءه مخلوقة ( أو يسب الصحابة تدينا ) فمن كان عالما في شيء من هذه البدع , يدعوا إليه , ويناظر عليه ; فهو محكوم بكفره نص أحمد صريحا على ذلك في مواضع انتهى .
( ويكفر مجتهدهم ) ; أي : مجتهد القائلين بخلق القرآن ونحوهم ممن خالف عليه أهل السنة والجماعة ( الداعية )
قال في " الفصول " في الكفاءة في جهمية وواقفية وحرورية وقدرية ورافضية : إن ناظر ودعا ; كفر , وإلا لم يفسق ; لأن أحمد قال يسمع حديثه , ويصلي خلفه . قال : وعندي أن ( عامتهم ) ; أي : المبتدعة ( فسقة كعامة أهل الكتاب كفار مع جهلهم ) والصحيح لا كفر ; لأن أحمد أجاز الرواية عن الحرورية والخوارج ( وذكر ابن حامد أن قدرية أهل الأثر كسعيد بن أبي عروبة , والأصم مبتدعة , واختار الشيخ ) تقي الدين بن تيمية ( لا يفسق أحد ) وقاله القاضي في شرح الخرقي في المقلد كالفروع ) اه
منقول
مع العلم اننا نعتقد بكفر من قال هذا ان قامت عليه الحجة واصر على ذلك
عبد الفتاح بن صالح قديش اليافعي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة السلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه ومن اهتدى بهداه وبعد :
فقد أجمعت المذاهب السنية الأربعة على بدعية القول بخلق القرآن, وأجمعوا على أن القرآن كلام الله تعالى ليس بمخلوق, وفي المقابل قال بخلق القرآن طوائف ومذاهب ومنهم: المعتزلة والجهمية والزيدية والإباضية والإمامية
وهذا مقال موجز في حكم القول بخلق القرآن في المذاهب السنية الأربعة, ومما دفعني للكتابة في ذلك هو ما نراه من البعض من تشدد في ذلك حتى كأنّ أهل السنة من المذاهب الأربعة مجمعون على تكفير من يقول بذلك, بيمنا - عند البحث - نجد أن المسألة خلافية بينهم, بل لا يبعد أن يقال : إن جمهور فقهاء أهل السنة على عدم تكفير من يقول بذلك.
وقد يقال : إن المسألة عقدية فما دخل المذاهب الفقهية الأربعة فيها, والجواب هو : أن مسألة خلق القرآن لها تعلقان :
الأول : حقيقة القول بخلق القرآن وبيان بطلانه وما يتعلق بذلك من مسائل فهذا محله كتب العقائد
والثاني : حكم القول بخلق القرآن من حيث الفسق والكفر وهذا يدرس في كتب العقائد والفقه جميعا, أما كتب العقائد فلأنها تهتم بمعرفة المدى الذي وصلت إليه البدعة هل هو الكفر أم الفسق؟ وأما كتب الفقه فلأن هناك كثيرا من الأحكام متعلقة بذلك كالصلاة والمناكحة والذبائح والشهادة ووو
وقد جعلت المقال في أربعة مباحث :
المبحث الأول : في حكم القول بخلق القرآن عند الحنفية
المبحث الثاني : في حكم القول بخلق القرآن عند المالكية
المبحث الثالث : في حكم القول بخلق القرآن عند الشافعية
المبحث الرابع : في حكم القول بخلق القرآن عند الحنابلة
المبحث الأول :
في حكم القول بخلق القرآن عند الحنفية
عند الحنفية القولان :
- الأول : التكفير وهو منسوب لأبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد بن الحسن وهو الذي قرره الزيلعي في تبيين الحقائق وغيرهم
- والثاني : عدم التكفير وهو الذي قرره عبد العزيز البخاري في شرحه على البزدوي وابن أمير الحاج في التقرير والتحبير وقرر الخلاف في ذلك ابن الهمام في المسايرة
- فإن قيل : كيف يكون مذهب الحنفية الذين قالوا بعدم التكفير مخالف لقول أبي حنيفة ؟ قيل : لا بد أولا من النظر في صحة ذلك عنه ثم إذا صح فالمراد به عندهم الكفر الأصغر كما هو عند الشافعية حيث قالوا المراد بتكفير الشافعي لمن يقول بخلق القرآن هو الكفر الأصغر لا الأكبر وستأتي أقوالهم في ذلك
وهذه بعض أقوال الحنفية في المسألة :
في أصول البزدوي ص 9 : ( قد صح عن أبي يوسف أنه قال: ناظرت أبا حنيفة في مسألة خلق القرآن ستة أشهر فاتفق رأيي ورأيه على أن من قال بخلق القرآن فهو كافر وصح هذا القول عن محمد رحمه الله ) اه
وفي شرح البخاري على البزدوي 4/17 : ( المسائل العقلية التي هي من أصول الدين فإن الحق فيها واحد بالإجماع والمخطئ فيها كافر مخلد في النار إن كان على خلاف ملة الإسلام كاليهود والنصارى والمجوس . ومُضللٌ مبتدع إن لم يكن [ على خلاف الملة ] كأصحاب الأهواء من أهل القبلة , وذهب عبد الله بن الحسين العنبري إلى أن كل مجتهد في المسائل الكلامية التي لا يلزم منها كفر -كمسألة خلق القرآن والإرادة وخلق الأفعال- مصيبٌ , ولم يرد به أن ما اعتقده كل مجتهد في المسائل الكلامية مطابق للحق إذ يلزم منه أن يكون القرآن مخلوقا وغير مخلوق والمعاصي داخلة تحت إرادة الله وخارجة عن إرادته , والرؤية ممكنة وغير ممكنة , وفساد ذلك معلوم بالضرورة , وإنما أراد به نفي الإثم والخروج عن عهدة التكليف ) اه
وفيه أيضا 1/134 : ( قال الكمال رحمه الله : وفي المحيط لو صلى خلف فاسق أو مبتدع أحرز ثواب الجماعة لكن لا يحرز ثواب المصلي خلف تقي ا هـ . يريد بالمبتدع من لم يكفر ولا بأس بتفصيله : الاقتداء بأهل الأهواء جائز إلا الجهمية والقدرية والروافض والقائل بخلق القرآن والخطابية والمشبهة وجملته إن كان من أهل قبلتنا ولم يغل حتى لم يحكم بكفره تجوز الصلاة خلفه وتكره ) اه
وفي تبيين الحقائق للزيلعي 1/134 : ( قال المرغيناني : تجوز الصلاة خلف صاحب هوى وبدعة ولا تجوز خلف الرافضي والجهمي والقدري والمشبه ومن يقول بخلق القرآن, حاصله : إن كان هوى لا يكفر به صاحبه يجوز مع الكراهة , وإلا فلا ) اه
وفي التقرير والتحبير 3/303 : ( وإن ) كان ما أخطأ فيه ( غيرها ) أي ملة الإسلام من المسائل الدينية ( كخلق القرآن ) أي القول بخلقه ( وإرادة الشر ) أي القول بعدم إرادة الله تعالى الشر فكان الأولى عدم إرادة الشر ( فمبتدع آثم لا كافر وسيأتي فيه ) أي في هذا النوع ( زيادة ) في التتمة التي تلي المسألة التي بعد هذه وما عن الشافعي من تكفير القائل بخلق القرآن فجمهور أصحابه تأولوه على كفران النعمة كما قاله النووي وغيره ) اه
وفي الفتاوى الهندية 2/257 : ( ومن قال بخلق القرآن فهو كافر , وكذا من قال بخلق الإيمان فهو كافر ومن اعتقد أن الإيمان والكفر واحد فهو كافر ومن لا يرضى بالإيمان فهو كافر كذا في الذخيرة . ) اه
وفي بريقة محمودية 1/230 : ( وأشكل في مواضع أخر منه بأن الجمع بين عدم إكفار أهل القبلة , وبين إكفار محيل الرؤية وخلق القرآن ونحوهما متعذر , أقول : قد سمعت المنقول عن المواقف وعرفت الاستثناء فيه ولا شك أن أمثال ما ذكر داخل في أحد المستثنيات وأن المراد من قولهم لا يكفر أحد من أهل القبلة إذا خلا عن الموانع وسلم من المنافي أو ما داموا في كونهم من أهل القبلة برعاية شرائط الأهلية ونفي منافيها .) اه
وفي حاشية ابن عابدين 4/263 : ( لكن صرح في كتابه المسايرة بالاتفاق على تكفير المخالف فيما كان من أصول الدين وضرورياته : كالقول بقدم العالم , ونفي حشر الأجساد , ونفي العلم بالجزئيات , وأن الخلاف في غيره كنفي مبادئ الصفات , ونفي عموم الإرادة , والقول بخلق القرآن إلخ .) اه
وفي البحر الرائق ج5/ص134 : ( وفي البزارية : قال علماؤنا : من قال أرواح المشايخ حاضرة تعلم يكفر ومن قال بخلق القرآن فهو كافر ومن قال إن الإيمان مخلوق فهو كافر , كذا في كثير من الفتاوى وهو محمول على أنه [ أي الإيمان ] بمعنى هداية الرب وأما فعل العبد فهو مخلوق )اه
المبحث الثاني :
في حكم القول بخلق القرآن عند المالكية
لم أقف للمالكة إلا على قول واحد وهو عدم التفكير لمن يقول بخلق القرآن وقدر قرره النفراوي في الفواكه الدواني ونقله عن مالك وأكثر أصحابه لكن روى البيهقي عن مالك التكفير كما سيأتي , وقول ( أكثر أصحابه ) يمكن أن يفهم منه أن من المالكية من يرى كفر القائل بخلق القرآن
ففي الفواكه الدواني 1/94 : ( أما مسائل الوعد والوعيد والرؤية وخلق القرآن والأفعال وبقاء الأعراض وشبهها من الدقائق فالأولى عدم تكفير المتأولين فيها . إذ ليس في الجهل بشيء منها جهل بالله تعالى ) اه
وفي الفواكه الدواني أيضا ج1/ص94 : ( ومثل من ابتدع بإنكاره صفة الباري وكمنكر خلق الله تعالى لفعال العباد أو رؤيته يوم القيامة وكذلك سائر أهل البدع كالقدرية وغيرهم وأكثر قول مالك وأصحابه عدم تكفيرهم بل يؤدبون أما من خرج ببدعته من أهل القبلة كمنكري حدوث العالم والبعث والحشر وللأجسام والعلم للجزيئات فلا نزاع في كفرهم لإنكارهم بعض ما علم بمجيء الرسول به ضرورة )اه
وفي سنن البيهقي الكبرى ج10/ص206 : ( أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو بكر أحمد بن الحسن القاضي قالا ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا أبو أمية الطرسوسي ثنا يحيى بن خلف المقرئ قال : كنت عند مالك بن أنس فجاءه رجل فقال : ما تقول فيمن يقول القرآن مخلوق ؟ قال : عندي كافر فاقتلوه ) اه
وقد يقال : إن صح الأثر فالمراد به الكفر الأصغر , لكن يشكل عليه قوله : ( فاقتلوه ) فإن ظاهره التكفير
المبحث الثالث :
في حكم القول بخلق القرآن عند الشافعية
عند الشافعية القولان :
- الأول : التكفير وهو محكي عن الإمام الشافعي وحكاه البيهقي عن جماعة مبهمة وهو قول أبي علي الطبري في الإفصاح والشيخ أبي حامد الإسفراييني ومتابعوه وهو تصحيح البلقيني
- والثاني : عدم التكفير وهو معتمد المذهب وهو قول الأكثر , وهو الذي قرره النووي في الروضة والمجموع وحكاه في الروضة عن البيهقي وآخرين وحكاه في المجموع عن القفال والكثيرين, وحكاه البيهقي عن جماعة مبهمة وهو ما قرره شيخ الإسلام زكريا الأنصاري في أسنى المطالب والرملي في فتاويه والعطار في حاشيته على شرح المحلي على الجمع وآخرون
وهذه بعض أقوال الشافعية في ذلك
في الأسماء والصفات للبيهقي2/ 104 : ( قد روينا عن جماعة من علمائنا رحمهم الله تعالى أنهم أطلقوا القول بتكفير من قال بخلق القرآن، وحكيناه أيضا عن الشافعي رحمنا الله وإياه ...
وقد اختلف علماؤنا في تكفير أهل الأهواء :
- منهم من كفرهم على تفصيل ذكره في أهوائهم، ومن قال بهذا زعم أن قول الشافعي في الصلاة والشهادات ورد في مبتدع لا يخرج ببدعته وهواه عن الإسلام
- ومنهم من لا يكفرهم وزعم أن قول الشافعي في تكفير من قال بخلق القرآن أراد به كفرا دون كفر، كقول الله عز وجل : ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ) ومن قال بهذا جرى في قبول شهاداتهم وجواز الصلاة خلفهم مع الكراهية على ما قال الشافعي، رحمه الله، في أهل الأهواء أو المظهر للبدع ) اه
وفي روضة الطالبين وعمدة المفتين 4 /170 : ( والقائلين بخلق القرآن ) وتأوله الإمام فقال : ظني أنه ناظر بعضهم فألزمه الكفر في الحجاج فقيل إنه كفرهم.
قلت : أما تكفير منكري العلم بالمعدوم أو بالجزئيات فلا شك فيه وأما من نفى الرؤية أو قال بخلق القرآن فالمختار تأويله وسننقل إن شاء الله تعالى عن نصه في الأم ما يؤيده وهذا التأويل الذي ذكره الإمام حسن وقد تأوله الإمام الحافظ الفقيه الأصولي أبو بكر البيهقي رضي الله عنه وآخرون تأويلات متعارضة على أنه ليس المراد بالكفر الإخراج من الملة وتحتم الخلود في النار وهكذا تأولوا ما جاء عن جماعة من السلف من إطلاق هذا اللفظ واستدلوا بأنهم لم يلحقوهم بالكفار في الإرث والأنكحة ووجوب قتلهم وقتالهم وغير ذلك والله أعلم.)اه
وفي المجموع للنووي 4/150 : ( وأما من يقول بخلق القرآن فهو مبتدع . واختلف أصحابنا في تكفيره فأطلق أبو علي الطبري في الإفصاح والشيخ أبو حامد الإسفراييني ومتابعوه القول بأنه كافر. قال أبو حامد ومتابعوه : المعتزلة كفار , والخوارج ليسوا بكفار , ونقل المتولي تكفير من يقول بخلق القرآن عن الشافعي . وقال القفال وكثيرون من الأصحاب : يجوز الاقتداء بمن يقول بخلق القرآن وغيره من أهل البدع , قال صاحب العدة : هذا هو المذهب
( قلت ) : وهذا هو الصواب فقد قال الشافعي رحمه الله : أقبل شهادة أهل الأهواء إلا الخطابية ; لأنهم يرون الشهادة بالزور لموافقيهم ولم يزل السلف والخلف يرون الصلاة وراء المعتزلة ونحوهم ومناكحتهم وموارثتهم وإجراء سائر الأحكام عليهم . وقد تأول الإمام الحافظ الفقيه أبو بكر البيهقي وغيره من أصحابنا المحققين ما نقل عن الشافعي وغيره من العلماء من تكفير القائل بخلق القرآن , على أن المراد كفران النعمة لا بكفران الخروج عن الملة , وحملهم على هذا التأويل ما ذكرته من إجراء أحكام الإسلام عليهم .) اه
وفي الأشباه والنظائر للسيوطي 488 : ( قال بعضهم : المبتدعة أقسام :
- الأول : ما نكفره قطعا , كقاذف عائشة رضي الله عنها ومنكر علم الجزئيات , وحشر الأجساد , والمجسمة , والقائل بقدم العالم .
- الثاني : ما لا نكفره قطعا , كالقائل بتفضيل الملائكة على الأنبياء , وعلي على أبي بكر .
- الثالث , والرابع : ما فيه خلاف , والأصح : التكفير , أو عدمه , كالقائل بخلق القرآن صحح البلقيني التكفير , والأكثرون : عدمه . وساب الشيخين , صحح المحاملي التكفير والأكثرون عدمه ) اه .
وفي أسنى المطالب لزكريا الأنصاري 1/219 : ( وتصح خلف مبتدع يقول بخلق القرآن ) أو بغيره من البدع ( ولا يكفر ) به كذا أطلقه كثير من الأصحاب
وقال في الروضة : إنه الصحيح , أو الصواب فقد قال الشافعي رضي الله عنه أقبل شهادة أهل الأهواء إلا الخطابية ; لأنهم يرون الشهادة بالزور لموافقيهم ولم يزل السلف , والخلف على الصلاة خلف المعتزلة وغيرهم وإجراء أحكام المسلمين عليهم
وقد تأول لأجل ذلك البيهقي وغيره ما جاء عن الشافعي وغيره من تكفير القائل بخلق القرآن على كفران النعم ) اه
وفي أسنى المطالب أيضا 4/353 : ( لا من قال بخلق القرآن أو نفي الرؤية ) وما ورد من كفرهم مؤول بكفران النعمة لا الخروج عن الملة بدليل أنهم لم يلحقوهم بالكفار في الإرث والأنكحة ووجوب قتلهم وقتالهم وغيرها ) اه
وفي فتاوى الرملي 4/378 : ( سئل ) عن القائل بخلق القرآن ومنكر العلم بالجزئيات يكفران أم لا ؟ ( فأجاب ) بأن الراجح تكفير الثاني لا الأول .) اه
وفي حاشية العطار على المحلي على الجمع 2/173 : ( التكفير بالعقائد لا سيما مسألة الكلام أمر مستفيض فيه النزاع بين الأئمة من قديم الزمان حتى نقل السيوطي في شرح التقريب أن القائل بخلق القرآن يكفر نص عليه الشافعي واختاره البلقيني ومنع تأويل البيهقي له بكفران النعمة فإن الشافعي قال ذلك في حق حفص الفرد لما أفتى بضرب عنقه وهذا رد للتأويل ا هـ .) اه
وفيها أيضا2/428 : ( إن أخطأ فيما يرجع إلى الإيمان بالله ورسوله فكافر وإلا فآثم مخطئ مبتدع كما في مسألة الرؤية وخلق القرآن وإرادة الكائنات ولا يلزم الكفر ) اه
وفي المواقف للإيجي 3/568 في معرض ذكر أسباب تكفير المعتزلة عند من كفرهم: (الثالث: قولهم بخلق القرآن , وفي الحديث الصحيح (من قال القرآن مخلوق فهو كافر) !!!
قلنا : آحاد فلا يفيد علما أو المراد بالمخلوق هو المختلق , أي المفتري يقال خلق الإفك واختلقه وتخلقه أي افتراه وهذا كفر بلا خلاف والنزاع في كونه مخلوقا بمعنى أنه حادث )اه
المبحث الرابع :
في حكم القول بخلق القرآن عند الحنابلة
عند الحنابلة الأقوال التالية :
الأول : التكفير مطلقا وهو منسوب لأحمد وهو ما حكاه ابن قدامة عن القاضي أبي يعلى ونقله ابن مفلح عن الدورقي
والثاني : عدم التكفير مطلقا وحكي رواية عن أحمد وهو ما قرره ابن قدامة في بعض رسائله وصححه صاحب الفصول وهو اختيار ابن تيمية بل حتى لم يفسق !!!
والثالث : التكفير للداعية والمجتهد دون المقلد وهو ما قرره ابن قدامة في المغني وابن مفلح في الفروع ونسبه للأكثر وقرره صاحب المحرر وحكاه عن أحمد نصا وقرره المجد ابن تيمية والبهوتي في كشاف القناع
في المغني لابن قدامة 10/168 : ( قال أبو حامد من أصحاب الشافعي : المختلفون على ثلاثة أضرب :
- ضرب اختلفوا في الفروع , فهؤلاء لا يفسقون بذلك , ولا ترد شهادتهم , وقد اختلف الصحابة في الفروع ومن بعدهم من التابعين .
- الثاني , من نفسقه ولا نكفره , وهو من سب القرابة , كالخوارج , أو سب الصحابة , كالروافض , فلا تقبل لهم شهادة لذلك .
- الثالث , من نكفره , وهو من قال بخلق القرآن , ونفي الرؤية , وأضاف المشيئة إلى نفسه , فلا تقبل له شهادة . وذكر القاضي أبو يعلى مثل هذا سواء ) اه
وفي المغني أيضا 5/225 : ( من حكم بكفره من الدعاة إلى القول بخلق القرآن , فلا شفعة له ; لأن الشفعة إذا لم تثبت للذمي الذي يقر على كفره , فغيره أولى ) اه
وفي الفروع لابن مفلح 6/665 ونحوه في الإنصاف للمرداوي 12/47 : ( ومن قلد في خلق القرآن ونفي الرؤية ونحوهما فسق , اختاره الأكثر , قاله في الواضح ويتخرج من قبول شهادة الذمة قبول شهادته ما لم يتدين بها لموافقه على مخالفه , وعنه : يكفر , كمجتهد , وعنه فيه : لا . اختاره الشيخ في رسالته إلى صاحب التخليص , لقول أحمد للمعتصم يا أمير المؤمنين .
ونقل يعقوب الدورقي فيمن يقول القرآن مخلوق , كنت لا أكفره حتى قرأت قوله تعالى { أنزله بعلمه } وغيرها , فمن زعم أنه لا يدري علم الله مخلوق أم لا كفر .
وفي الفصول في الكفاءة : في جهمية وواقفية وحرورية وقدرية ورافضة : إن ناظر ودعا كفر وإلا لم يفسق , لأن الإمام أحمد قال : يسمع حديثه ويصلى خلفه , قال : وعندي أن عامة المبتدعة فسقة كعامة أهل الكتابين كفار مع جهلهم , قال : والصحيح لا كفر , لأن أحمد رحمه الله أجاز الرواية عن الحرورية والخوارج ) اه
وفي الفروع لابن مفلح أيضا 6/568 : ( قال صاحب المحرر : والصحيح أن كل بدعة كفرنا فيها الداعية فإنا نفسق المقلد فيها , كمن يقول بخلق القرآن , أو أن ألفاظنا به مخلوقة , أو أن علم الله مخلوق , أو أن أسماءه مخلوقة , أو أنه لا يرى في الآخرة , أو يسب الصحابة تدينا , أو أن الإيمان مجرد الاعتقاد , وما أشبه ذلك , فمن كان عالما في شيء من هذه البدع يدعو إليه ويناظر عليه فهو محكوم بكفره , نص أحمد صريحا على ذلك في مواضع ) اه
وفي كشاف القناع 4/165 : ( وكذا حكم من حكم بكفره من الدعاة إلى القول بخلق القرآن ) ونحوه , ويأتي في الشهادات قولهم : ويكفر مجتهدهم الداعية ) اه
وفي كشاف القناع أيضا 6/420 : ( فلو قلد ) في القول ( بخلق القرآن أو نفى الرؤية ) أي رؤية الله تعالى في الآخرة ( أو الرفض أو التجهم ) بتشديد الهاء ( ونحوه ) كالتجسيم وخلق العبد أفعاله ( فسق ويكفر مجتهدهم الداعية ) قال المجد : الصحيح أن كل بدعة كفرنا فيها الداعية فإنا نفسق المقلد فيها كمن يقول بخلق القرآن أو بأن ألفاظنا به مخلوقة أو أن علم الله سبحانه وتعالى مخلوق أو أن أسماءه مخلوقة أو أنه لا يرى في الآخرة أو يسب الصحابة تدينا , أو أن الإيمان مجرد الاعتقاد وما أشبه ذلك , فمن كان عالما في شيء من هذه البدع يدعو إليه ويناظر عليه فهو محكوم بكفره نص أحمد على ذلك في مواضع انتهى , واختار الموفق : لا يكفر مجتهدهم الداعية في رسالته إلى صاحب التلخيص لقول أحمد للمعتصم : يا أمير المؤمنين ( ومن أخذ بالرخص فسق ) قال القاضي غير متأول ولا مقلد . ) اه
وفي مطالب أولي النهى 6/615 : ( قال المجد ) الصحيح أن كل بدعة كفرنا فيها الداعية ; فإنا نفسق المقلد فيها , كمن يقول بخلق القرآن أو إن علم الله مخلوق , أو أن أسماءه مخلوقة ( أو يسب الصحابة تدينا ) فمن كان عالما في شيء من هذه البدع , يدعوا إليه , ويناظر عليه ; فهو محكوم بكفره نص أحمد صريحا على ذلك في مواضع انتهى .
( ويكفر مجتهدهم ) ; أي : مجتهد القائلين بخلق القرآن ونحوهم ممن خالف عليه أهل السنة والجماعة ( الداعية )
قال في " الفصول " في الكفاءة في جهمية وواقفية وحرورية وقدرية ورافضية : إن ناظر ودعا ; كفر , وإلا لم يفسق ; لأن أحمد قال يسمع حديثه , ويصلي خلفه . قال : وعندي أن ( عامتهم ) ; أي : المبتدعة ( فسقة كعامة أهل الكتاب كفار مع جهلهم ) والصحيح لا كفر ; لأن أحمد أجاز الرواية عن الحرورية والخوارج ( وذكر ابن حامد أن قدرية أهل الأثر كسعيد بن أبي عروبة , والأصم مبتدعة , واختار الشيخ ) تقي الدين بن تيمية ( لا يفسق أحد ) وقاله القاضي في شرح الخرقي في المقلد كالفروع ) اه
منقول
مع العلم اننا نعتقد بكفر من قال هذا ان قامت عليه الحجة واصر على ذلك