همي الدعوه
12 Apr 2009, 11:54 PM
الفضيلة الضائعة
انطلق أبو جهم بن حذيفة العدوي رضي الله عنه في معركة اليرموك يبحث عن ابن عم له ومعه شربة ماء فوجده جريحاً فقال له: أسقيك؟ فأشار إليه أن نعم.
فسمعا رجلاً يقول: آه، فأشار ابن عمه إليه؛ ليذهب بشربة الماء إليه، فذهب إليه فوجده هشام أخو عمرو بن العاص.
ولما أراد أن يسقيه سمعا رجلاً آخر يقول: آه، فأشار هشام لينطلق إليه أبا جهم بالماء، فذهب إليه فوجده قد مات، فرجع بالماء إلى هشام فوجده قد مات، ثم رجع إلى ابن عمه فإذا هو قد مات.
كلما أتأمل هذه القصة وأنظر لما نعيشه اليوم أشعر بالخجل من واقع للأسف أصبحت فيه المادة هي اللغة السائدة، وأضحت الحياة حلبة للتصارع على الملذات الفانية، وبات الناس يتساقطون صرعى للطمع والجشع، والتنافس على ما بأيدي إخوانهم حسداً من عند أنفسهم.
كلما أقرأ السير الماضية الناصعة البياض النابضة باليقين وأتأمل واقعنا اليوم تمتلكني الدهشة وتجتاحني التساؤلات: كيف سمت أرواح هؤلاء القوم؟ ولم طابت نفوسهم وصفت سرائرهم؟ وبم انشرحت صدورهم؟ ولماذا ملأ الرضا والسرور قلوبهم وقوى يقينهم فآثروا إخوانهم على أنفسهم على الرغم مما كانوا عليه من العوز والفاقة؟.
وفي المقابل لماذا كثرت الأمراض النفسية في عصرنا هذا، وكثر القلق على المستقبل، وأصبح التفكير في المادة هاجساً يلاحق الجميع، وحتى لا نذهب بعيداً فإن الجواب ببساطة شديدة هو أنهم وصلوا إلى ما كانوا عليه بـ " الإيثار " ونحن كذلك ولكن بفقدانه.
قد يبدو الأمر ساذجاً للوهلة الأولى بالرغم من الاعتراف بكون الإيثار فضيلة وخلقاً حميداً ولكن ربما يتساءل ساءل ويقول: هل عدم تفضيل الغير على النفس في بعض الأمور أو الأفعال وهو معنى الإيثار يؤدي لكل هذه النتائج؟!.
الإيثار برأيي أعمق من أن يكون مجرد خلقاً نبيلاً فحسب، فهو مدرسة يتعلم من خلالها المرء حسن التوكل على الله واليقين بأنه تعالى هو المعطي الرزاق.
والإيثار دليل كمال الإيمان وحسن الإسلام ورفعة الأخلاق وبه تحصل الألفة بين الناس، وهو تطبيق عملي للأخوة الإيمانية في قوله صلى الله عليه وسلم: ( المؤمن للمؤمن كالبنيان يَشُدُّ بعضُه بعضاً – وشبك بين أصابعه ) متفق عليه، ناهيك عما يكتسبه صاحبه من أخلاق حميدة أقلها نقاء السرير، والشهامة، والتضحية، وإنكار الذات.
وقبل هذا وذاك الجود والكرم وترك الجشع والطمع والأنانية وجفاء الطبع وقسوة القلب، والإيثار فلاح لصاحبه ورفعة لمنزلته ورضاً لربه((وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ))[الحشر:9].
وإذا أردنا أن نكون من هؤلاء المفلحين فيلزمنا جهاد للنفس على شحها ويقين جازم بما عند الله فهو خير وأبقى.
وعلينا أن نربي أبناءنا على هذه الفضيلة العظيمة، فكما يقال: التعليم في الصغر كالنقش على الحجر، فمن لم ينشئ صغيراً على الإيثار فلا عجب أن يكون طماعاً شجعاً أنانياً في كبره، فمن شب على شيء شاب عليه.
بقلم : عمر غازي
ياله من دين
انطلق أبو جهم بن حذيفة العدوي رضي الله عنه في معركة اليرموك يبحث عن ابن عم له ومعه شربة ماء فوجده جريحاً فقال له: أسقيك؟ فأشار إليه أن نعم.
فسمعا رجلاً يقول: آه، فأشار ابن عمه إليه؛ ليذهب بشربة الماء إليه، فذهب إليه فوجده هشام أخو عمرو بن العاص.
ولما أراد أن يسقيه سمعا رجلاً آخر يقول: آه، فأشار هشام لينطلق إليه أبا جهم بالماء، فذهب إليه فوجده قد مات، فرجع بالماء إلى هشام فوجده قد مات، ثم رجع إلى ابن عمه فإذا هو قد مات.
كلما أتأمل هذه القصة وأنظر لما نعيشه اليوم أشعر بالخجل من واقع للأسف أصبحت فيه المادة هي اللغة السائدة، وأضحت الحياة حلبة للتصارع على الملذات الفانية، وبات الناس يتساقطون صرعى للطمع والجشع، والتنافس على ما بأيدي إخوانهم حسداً من عند أنفسهم.
كلما أقرأ السير الماضية الناصعة البياض النابضة باليقين وأتأمل واقعنا اليوم تمتلكني الدهشة وتجتاحني التساؤلات: كيف سمت أرواح هؤلاء القوم؟ ولم طابت نفوسهم وصفت سرائرهم؟ وبم انشرحت صدورهم؟ ولماذا ملأ الرضا والسرور قلوبهم وقوى يقينهم فآثروا إخوانهم على أنفسهم على الرغم مما كانوا عليه من العوز والفاقة؟.
وفي المقابل لماذا كثرت الأمراض النفسية في عصرنا هذا، وكثر القلق على المستقبل، وأصبح التفكير في المادة هاجساً يلاحق الجميع، وحتى لا نذهب بعيداً فإن الجواب ببساطة شديدة هو أنهم وصلوا إلى ما كانوا عليه بـ " الإيثار " ونحن كذلك ولكن بفقدانه.
قد يبدو الأمر ساذجاً للوهلة الأولى بالرغم من الاعتراف بكون الإيثار فضيلة وخلقاً حميداً ولكن ربما يتساءل ساءل ويقول: هل عدم تفضيل الغير على النفس في بعض الأمور أو الأفعال وهو معنى الإيثار يؤدي لكل هذه النتائج؟!.
الإيثار برأيي أعمق من أن يكون مجرد خلقاً نبيلاً فحسب، فهو مدرسة يتعلم من خلالها المرء حسن التوكل على الله واليقين بأنه تعالى هو المعطي الرزاق.
والإيثار دليل كمال الإيمان وحسن الإسلام ورفعة الأخلاق وبه تحصل الألفة بين الناس، وهو تطبيق عملي للأخوة الإيمانية في قوله صلى الله عليه وسلم: ( المؤمن للمؤمن كالبنيان يَشُدُّ بعضُه بعضاً – وشبك بين أصابعه ) متفق عليه، ناهيك عما يكتسبه صاحبه من أخلاق حميدة أقلها نقاء السرير، والشهامة، والتضحية، وإنكار الذات.
وقبل هذا وذاك الجود والكرم وترك الجشع والطمع والأنانية وجفاء الطبع وقسوة القلب، والإيثار فلاح لصاحبه ورفعة لمنزلته ورضاً لربه((وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ))[الحشر:9].
وإذا أردنا أن نكون من هؤلاء المفلحين فيلزمنا جهاد للنفس على شحها ويقين جازم بما عند الله فهو خير وأبقى.
وعلينا أن نربي أبناءنا على هذه الفضيلة العظيمة، فكما يقال: التعليم في الصغر كالنقش على الحجر، فمن لم ينشئ صغيراً على الإيثار فلا عجب أن يكون طماعاً شجعاً أنانياً في كبره، فمن شب على شيء شاب عليه.
بقلم : عمر غازي
ياله من دين